أوضاع المرأة العربيّة بين فشل التحديث والإسلام السياسيّ
فئة : مقالات
أوضاع المرأة العربيّة بين فشل التحديث والإسلام السياسيّ[1]
أودّ بدءًا أن أتوجّه بالشكر إلى القائمين على مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" لإتاحتهم فرصة التحاور –في هذا اللقاء- في المستجدّ من التحدّيات التي تواجه الإنسان العربي عامّة، والمرأة العربيّة خاصّة، لا سيّما أنّ الوجه الثقافيّ لهذه التحدّيات يقتضي إثارة مستمرّة للقضايا العالقة وربطاً جدليًّا بالتحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة المتسارعة والمربكة، ولا سيّما أيضاً أنّ الفكر العربي اليوم مُطالبٌ بتجديد رؤاه وتحيين نقده وبدائله، حتّى يكون أكثر قدرة على الريادة وعلى إحداث الأثر الإيجابي في الواقع.
موضوع لقائنا اليوم مُركَّز في أحد المخاطر التي تهدّد حظّ المرأة العربيّة من قيمة المساواة والكرامة الإنسانية، جرّاءَ ما يعتزم الإسلام السياسي فرضَه من أشكال انتظام اجتماعية وسياسيّة تكون فيها المرأة ضحيّةَ وصم طالما تمّ تبريره بالالتزام برصيد فقهيّ متوارَث عُدَّ مساوياً في قيمته الاعتباريّة والتشريعيّة للنصّ المنزّل.
سأتحدّث في مداخلتي السريعة هذه، في نقطتين:
- تهمّ الأولى أوضاع المرأة في الحاضر العربي وخطر الإسلام السياسي الذي يوظّف التراث الديني في تكريسه لدونيّة المرأة.
- وتهمّ الثانية مستقبل أوضاع المرأة في إطار الشروط اللازمة للتحديث العربي، ولتحديث وضعيّة المرأة خصوصاً.
1- أوضاع المرأة في الحاضر العربي وخطر الإسلام السياسي الذي وظّف التراث الديني في تكريسه لدونيّة المرأة
لا يزال غياب المرأة العربيّة عن الأدوار القياديّة في المجتمع بارزًا، ولا يزال وضعها الاجتماعيّ ملتبساً بمعايير جنسويّة تراعي أنثويّتها أكثر ممّا تراعي إنسانيّتها. وهذا عائد في جزء مهمّ منه إلى الثقافة الموروثة التي أنتجها عقل فقهيّ ذكوريّ، لم يكن قادرًا على تمثّل ذات المرأة بعيدًا عن مفهوم العورة. فلم يكن يرى فيها من قيمة إنسانيّة إلاّ قيمة الأنثويّة ومتعلّقاتها. يُضاف إلى ذلك، أنّ الوعي العربيّ بهذا الغياب الصارخ عن مراكز الفعل والقرار، وبهذه الدونيّة الاجتماعيّة، لا يزال ضعيفاً؛ فهما غير معتبريْن ضمن أولويّات الإصلاح وتوفير شروط التقدّم الناجع والعادل للمجتمع، بل هما مُدرَجان ضمن المشاكل الثانويّة والبسيطة التي تنتمي معالجتها إلى مواضيع الترف الفكريّ، غير الواجبة وغير العاجلة. إنّ هذا الوعي الضعيف ليس وليد العصر الراهن فقط، بل له جذورٌ تمتدّ إلى الماضي، وتمتح من تصوّر العقل الفقهيّ للمرأة، وممّا نجحت منتجات هذا العقل في تكريسه في الواقع. ولذلك، فإنّ نقد هذا العقل ليست الغاية منه مجرّد الكشف عمّا كان في الماضي، بل الغاية هي الكشف عن المؤثّرات العميقة التي ساهمت في تشكيل الوعي العربي اليوم.
إنّ الفكر والواقع العربيّيْن الإسلاميّيْن يرزحان تحت سلطة ماض لم ينقضِ، وحاضر مزروع بالعقبات. وهذه هي البيئة التي تستفيد منها التيارات المتطرّفة دينيًّا، تلك التي توظّف الماضي ورمزيّته في الضمير الجمعيّ، وتستثمر تراثاً منفلتاً من النقد والمراجعة، تراثاً مداره مفاهيم ومسلّمات تكرّس التمييز التفاضلي بين مكوّنات المجتمع-العرقيّة أو العقديّة أو الجندريّة. فهذه التيّارات لا تزال تستعمل في خطاباتها مصطلحات من قبيل: "عوْرة" (بالنسبة إلى المرأة)، و"ذمّيّ" (بالنسبة إلى غير المسلم)، و"بدعة أو كفر" (بالنسبة إلى من يخالفها في ما تعتبره ثوابت)..
وعندما نركّز النظر في التراث الفقهي الخاصّ بالمرأة –وهي موضوع لقائنا اليوم- نلاحظ حضور مفهوم العورة بما يصحبه من معاني النقص "العقليّ" و"البدني". ورغم أنّ هذا التراث صيغ في ظروف اجتماعية واقتصادية وثقافيّة مختلفة جوهريًّا عن ظروف مجتمعنا اليوم، فإنّ التيارات الدينيّة المتطرّفة تتشبّث به وتريد أن تطبّقه في الواقع، وهي لا ترى ضيْرًا في أن تُسقِط المكاسب التي حقّقتها المرأة بفضل ما أصبحت تتمتّع به من قدرات ومؤهّلات اكتسبتها من انخراطها في مسارات التعليم والثقافة؛ ولا ترى ضيْرًا أيضا في أن تبعث من جديد أحكام الدونيّة والثانويّة التي ألصقت بالمرأة في العصور القديمة.
إنّ نظرة سريعة إلى كيفيّة حضور كتب التراث الفقهي الخاصّة بالمرأة، في الثقافة المعاصرة، تُفهمنا إلى حدّ بعيد عاملاً مهمًّا من عوامل التجاوب الاجتماعي الذي تجده تصوّراتُ التيّارات المتطرّفة حول المرأة. ونريد أن نشرح هذه الكيفيّة من خلال ما تختاره دور النشر مثلا من طرائق تقديم هذه الكتب للقارئ العربي: تتمثّل هذه الكيفيّة في توجيه فهم القارئ نحو اعتبار محتوى هذه الكتب حقيقةً دينيّةً من الواجب العمل بها اليوم. فبعض المقدّمات تشيد بدور هذه الكتب في "النهضة الثقافيّة التي تعمّ بلاد العرب، مشرقاً ومغرباً"[2]. وجاء في مقدّمة كتاب آخر وعلى لسان المحقّق -تصديقًا لما تضمنه الكتاب من تقييد لنشاط المرأة- أنّ خروج المرأة تصاحبه مشاكل الغواية من كلّ نوع، وأن الواجب العملُ بحديث: "المرأة عورةٌ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان"[3]، وأنّ سفر المرأة بدون محرم، سواء بالسيارة أو الطائرة أو غيرهما... حرام...لأنّ الخطر حاصل حتّى لو ركبت الطائرة"، وأنّه فعلٌ "منكر"[4]. واعتبر محقّق كتاب آخر، أنّ هذا الكتاب "نافع جدًّا في بابه، احتوى على أهمّ ما يجب على المرأة معرفته من الأحكام الشرعيّة مدعّماً بالأدلّة النقليّة"[5]. ومن هذا المحتوى الذي يشيد به المحقّق، نذكر: "أُخِذ على النساء ما أُخِذ على الحيّات، أن يتحجّرن في بيوتهنّ"، و"خروج النساء مباح، لكن إذا خيفت الفتنة بهنّ أو منهنّ فالامتناع من الخروج أفضل"[6]، ومن هذا المحتوى أيضا: "النساء عورة، فاحبسوهنّ في البيوت"[7]. وتتوالى الأحكام المُهِينة لكرامة المرأة اليوم، والماسّة بذاتها الإنسانيّة، إلى درجة المماهاة بينها –في علاقتها بزوجها- بالعبد المملوك في علاقته بسيّده: "وينبغي للمرأة أن تعرف أنّها كالمملوك للزوج، فلا تتصرّف في نفسها ولا في ماله إلّا بإذنه، وتقدّم حقّه على حقّ نفسها... وينبغي للمرأة أن تصبر على أذى الزوج كما يصبر المملوك"[8].
إنّ هذه النماذج من الخطابات الفقهيّة التي تهيمن على جانب مهمّ من الوعي الدينيّ السائد –رغم كلّ محاولات التجديد ومحاربة أشكال التمييز ضدّ المرأة- تمثّل البيئة الثقافيّة الصالحة للاستثمار بالنسبة إلى التيّارات الدينيّة المتطرّفة، التي تستفيد من الإشادة "التلقائيّة" بمثل هذه الكتب الفقهيّة الخاصّة بالمرأة. لكن الجدير بالتنبيه أنّه تستفيد أيضاً من تغييب خطابات أخرى تختلف كثيرًا عن هذا الصنف من الخطابات الفقهيّة -ونقصد الخطاب الصوفي والخطاب الفلسفي- ولم تحظ بإعادة إنتاج مماثلة. ونكتفي في هذا السياق، بنموذج من الخطاب الفلسفي مستقى من تصوّر ابن رشد الفيلسوف للمرأة ولدورها في المجتمع والدولة: يقوم هذا النموذج على تفسير المنزلة المتدنّية للمرأة في المجتمع بالنظم الاجتماعيّة السائدة، وبعدم تلقّي المرأة تنشئة مساوية لتلك التي يتلقّاها الرجل، يقول ابن رشد: "وإنّما زالت كفاية (كفاءة) النساء في هذه المدن (مدن الأندلس)؛ لأنّهنّ اتُّخِذن للنسل دون غيره وللقيام بأزواجهنّ، وكذا للإنجاب والرضاعة والتربية، فكان ذلك مبطلًا لأفعالهنّ (الأخرى)". المسألة إذن، هي أنّ النساء "لم يكنّ في هذه المدن مهيّئات على نحو من الفضائل الإنسانيّة"[9]. وإذا ما تلقّت المرأة تربية مماثلة لتلك التي يتلقّاها الرجل -حسب ابن رشد- فإنّه: "يصحّ أن تقوم النساء في المدينة بأعمال هي من جنس الأعمال التي يقوم بها الرجال، أو بعينها، فيكون من بينهنّ محاربات وفيلسوفات وحاكمات وغير هذا"[10]. هكذا –وفي مقابل سجلّ النقص العقليّ الذي حضر في خطاب الفقهاء حول النساء بما هنّ "ناقصات عقل ودين"- يحضر سجلّ كمالهنّ الذهنيّ في خطاب ابن رشد: "الذكاء، وحسن الاستعداد، والحكمة، والرئاسة"[11]. وبين الواقع والمأمول، أو بين الكائن وما يجب أن يكون، يقدّم ابن رشد تصوّره للمجتمع البديل: إنّه مجتمع يسوّي بين رجاله ونسائه على أساس الاستعدادات المتكافئة، والتنشئة الموحّدة، يقول: "وإذ قد تبيّن أنّ النساء يجب أن يشاركن الرجال في الحرب وغيرها، فقد ينبغي أن نطلب في اختيارهنّ الطبع نفسه الذي طلبناه في الرجال، فيُربّين معهم على الموسيقى والرياضة"[12]، لكنّ هذا الخطاب –ولأنّه مخالف للتصوّر الفقهيّ السائد- ظلّ مهمّشاً ولم ينل قديماً ولا حديثاً، العناية بتقريبه إلى فهم القارئ إلّا لماماً. وهكذا تكون الثقافة الدينيّة التقليديّة وخاصّة الفقهيّة منها -وبسبب انتشارها الواسع- حاضنةً للفكر الديني المتطرّف، ومبرّرًا متعالياً له.
وتكمن خطورة التطرّف في كونه يتسبّب في انعدام التوازن المادّي والمعنوي في الإنسان وفي المجتمع وفي الدولة. وبسيطرته على أذهان شرائح اجتماعيّة معيّنة –خاصّة منها الشباب- يدفعها إلى العيش في وهم استعادة ماض نموذجيّ متخيّل تتصوّره بديلاً لما تعيشه من أزمات في حاضرها. وعوض أن تعالج إشكالات استحداث الجديد المفيد لها، تعالج إشكالات استعادة سلوكيّات وعلاقات بائدة، بما فيها استعادة مفهوم العوْرة في تحديد موقع المرأة الاجتماعي والسياسي وغيره.. ويُعدّ هذا الجانب سبباً من أسباب الفشل العربي في إرساء منظومة الحداثة بما تعنيه من قيم المساواة والعدل بين كافّة مكوّنات المجتمع العرقيّة والعقديّة والجندريّة، وفي تحرير العقل الإسلامي من آليّات التفكير القرَوسطيّة، وفي بلورة هويّة متوازنة بين الاعتداد بـ"الذات" والانفتاح على "الآخر".
2- مستقبل أوضاع المرأة: أو في شروط التحديث العربي، وتحديث وضعيّة المرأة خصوصاً
يعنيني مفهوم "التحديث" في هذا السياق بما هو منظومة قيم تراعي إنسانيّة الإنسان مادّيًّا ومعنويًّا. فروح الحداثة هي روح الانعتاق والتحرّر القادرة على إطلاق قوى الإبداع والإضافة في مختلف المجالات. وقد اعتبر بعض المفكّرين أنّ الحداثةَ كسرٌ لكلّ روابط الاستبداد: استبداد السائس، استبداد رجل الدين، استبداد القيم التقليديّة، استبداد أنماط الإنتاج الأدبي، الاستبداد الذكوريّ، وغير ذلك... والمرأة العربية هي التي تحمّلت –ولا تزال- أكثر من غيرها تبعات الاستبداد والفشل في إرساء قيم المساواة والكرامة الإنسانيّة. فبسبب استمرار منظومة القيم التفاضليّة التقليديّة وهيمنة ثقافة الجمود، قبعت المرأة في وضع التبعيّة والدونيّة، وظلّت خارج دائرة الأطراف الفاعلة التي يعرّفها عالم الاجتماع بورديو Pierre Bourdieu بكونها "مجموع الفواعل الذين يشغلون عمليًّا مواقع التحكّم في كلّ مجال"[13]. لذلك، فهي معنية جدّيًّا بضرورة المساهمة في تفكيك العوامل التي تقف في وجه تحقيقها الكامل لإنسانيتها. والمسألة بالنسبة إليها تتجاوز الحلول المجزوءة والظرفيّة إلى ضرورة تأسيس أنساق فكرية نقديّة يكون فيها للقيمة الإنسان ية الشاملة للجميع مركزُ الثقل.
ولا يمكن تأسيس أنساق جديدة دون المرور بعمليّة نقد التراث وتشريحه للتخلّص من مكوّناته اللاتاريخيّة، ولتطوير مكوّناته الباعثة على الحياة والتطوّر. لكنّ هذه العمليّة، وفي ظلّ أزمة الهويّة التي شعر بها المجتمع إزاء التهديد الغربيّ (الاستعمار المباشر سابقا والعولمة اليوم) غابت، وفي أحسن الحالات، جاءت ضعيفة وجزئيّة، وظلّت إلى اليوم مؤجّلة إلى أجل غير مسمّى. واقتصرت العودة إلى التراث –أو كادت- على التوظيف الإيديولوجي في اتّجاهات مختلفة، ولم تنجح في جعل الوعي الجمعيّ يتحرّر من سلطة الماضي ويتمثّله تمثّلاً منفتحاً على الإمكانات المستقبليّة. وليس المقصود بالتحرّر القطع مع الماضي، بل المقصود امتلاكه امتلاكاً نقديًّا، وإعادة إدماجه في التحديث المنشود بوعي وبإرادة، بعد تجريده من كلّ المكوّنات المنافية لشروط التقدّم. وبما أنّ هذا لم يتمّ –على الأقلّ على الوجه الأكمل- فإنّ التراث سيظلّ المرجعيّة الثابتة للتيارات المتطرّفة التي لا تني تطالعنا بأشكال في التفكير ناشزة عن قيم العصر، وبنماذج مجتمعيّة تسلّطيّة.
لا بدّ إذن من نقد التراث. وضعف هذا النقد، هو الذي يفسر الانتكاسات المتكرّرة في مسار التحديث؛ إذ لا يمكن أن نبني "جديدًا" على قديم ينشز عنه، ولا يمكن أن نصوغ مفاهيم جديدة قادرة على نقل الوعي بالوجود العربي والإسلامي من أرضيته الكلاسيكية البائدة، إلى آفاق منفتحة على ثوابت الهويّة وعلى المستجدات العلمية والقيميّة الإنسانيّة.
ونرى أنّ هناك شرطين أو منطلقين للنقد:
- الفهم المقاصدي للنصّ الدينيّ بطريقة تجلّي جوهره القيميّ المطلق الداعم لكلّ أبعاد الخير.
- وترجيح كفّة العقل بما هو السبيل إلى التصحيح والتجاوز والبناء.
هذان هما الشرطان الكفيلان بقطع الطريق أمام التيارات السلفية المتزمتة التي ما فتئت توظّف المنتَج التاريخي البشري حول النصّ المؤسّس، لتحصر صورة المرأة في "عورة" استتباعاتُها النقصُ والدونيّةُ والاحتقار لجسدها ولروحها ولعقلها.
إذن، إنّ بناءَ مستقبل أفضل، بعد تخليص الدين من أيّ توظيف "غير دينيّ"، مشروطٌ بتكريس وعي تاريخيّ لا يقطع مع الماضي، ولكن، لا يرتهن به. هو نقد المواقف والرؤى التي أصبحت عقبةً في طريق التقدّم الضروريّ للمجتمع، وفي طريق إبداعه لحداثة عربيّة إسلاميّة متفاعلة مع الحداثة الكونيّة أخْذًا وعطاءً. وهذا مشروع آمل وشامل لأطراف عديدة، وليس هذا محلّ التوسّع في الحديث عنها كلّها. لذلك، سأقف عند الطرف المعنيّ بهذا اللقاء، وهو "المرأة". أرى المرأة في لقائنا هذا حاضرةً بشكل بارز، مثلما رأيتها في مختلف المناسبات والفعاليّات العلميّة التي تعتني بقضاياها، وأن تكون المرأة –مهتمّةً، وباحثةً، ومفكّرةً، ومختصّةً- تتفاعل مع المستجدّ من قضاياها وقضايا مجتمعها تحليلًا وتفكيكًا وبلورةَ بديل؛ فاعلٌ جدّيٌّ نقدّر أنّه مؤهّل لأدوار نقديّة تكشف عن طبيعة الأفكار والمسلّمات التي تعمل على تأبيد أسباب الأزمة في المجتمع وفي مقدّمتها علاقات اللّاتكافؤ بين مكوّناته، والتي تحول دون إحداث تغييرات جدّيّة في اتّجاه الانسجام مع منظومة القيم المعاصرة. وكان متوقّعاً أن ينتصر هذا الفاعلُ الجدّيّ والجديد –وهو المرأة الناقدة كما ذكرنا- لتغيير الوضع السائد، وأن ينادي بإطلاق قوى التغيير والتحرير الكامنة في المجتمع. وجاءت مساهمة المرأة –وفق تقديرنا- دعماً للبعد النقديّ فيه، بفضل ما تحتوي عليه من وجهات نظر ومواقف جريئة أحياناً، وباعثة على إطلاق حوارات تُنضج الاختيارات الكبرى التي يمكن أن يسير فيها المجتمع.
وبعد،
لا يزال تحديث المجتمع العربي يواجه الكثير من العقبات، ولا تزال أيضاً حقوق الإنسان العربي -والمرأة على وجه الخصوص- غير مكتملة ودون ما تقتضيه قيم المواطنة والكرامة الإنسانيّة.
لكن، ورغم كلّ العقبات –القديم منها والمستجدّ- لا يمكن أن نرتبك أو نفقد الأمل. فالمجتمع العربيّ اليوم يمرّ بمرحلة صعبة، لكنّها ليست ميؤوساً منها. إنّها مرحلة مخاض عسير تصاحب كلّ عمليّة إعادة بناء... ولنا ثقة في أنّ هذا المجتمع الذي مرّ بمرحلة انحطاط ولم يندثر، ومرّ بمرحلة استعمار مباشر ولم ينسلخ، ومُني بفشل أوّل في التحديث وما زال يحاول آملاً.. مصادر التنوير فيه والدفع إلى الأمام، أقوى من عوامل الانكسار والشدّ إلى الوراء..
[1] - الورقة ساهمت بها د. ناجية الوريمي في الندوة الثانية: الإسلام السياسيّ وأوضاع المرأة في سوريا (والعالم العربي): الحاضر والمستقبل، والتي عقدتها مؤسسة مؤمنون بلاحدود بتاريخ 17 يناير 2025
[2] - ابن قيّم الجوزيّة، أخبار النساء، بيروت، دار مكتبة الحياة، 1983، ص 5
[3] - أحمد بن تيميّة، فتاوى النساء، تحقيق وتقديم علي أحمد عبد العال الطهطاوي، بيروت، دار الكتب العلميّة، 2002، ص 101
[4] - المصدر نفسه، ص 102
[5] - أبو الفرج بن الجوزي، أحكام النساء، القاهرة، مكتبة ابن تيميّة، 1997، ص ص 6- 7
[6] - المصدر نفسه، ص ص 101، 102
[7] - المصدر نفسه، ص 108
[8] - المصدر نفسه، ص ص 216- 217
[9] - المصدر نفسه، ص 125
[10] - أبو الوليد بن رشد، الضروريّ في السياسة: مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، تقديم محمّد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1998، ص 124
[11] - المصدر نفسه، ص 124
[12] - المصدر نفسه، ص 126
[13] - Pierre Bourdieu, « Champ du pouvoir et division du travail de domination. in, Actes de la recherche en sciences sociales, 2011/5 (n° 190), pp. 126-139