أين جسد المسيح؟
فئة : مقالات
أين جسد المسيح؟
لم يقر العالم المسيحي بوجود جسد المسيح، إلا من خلال تلك الروايات التي تناقلتها الأناجيل الأربعة، والتي تضاربت فيها أخبار صلب المسيح، وبالتالي موته، ثم تناقضت كذلك في قيامة يسوع، حيث لم يره أحد حيّاً، وهو يقوم من قبره حتى مريم المجدلية. لقد قام العالم المسيحي برمته على عقيدة القيامة؛ إذ بدونها لم يكن هناك معنى للمسيحية، فلقد تأسست على الإيمان بقيامة يسوع. يحيطنا كم وافر من التناقضات التي تناولت العقيدة المركزية للمسيحية، نرى لزاماً على معتنقي هذه العقيدة أن يضعوا في الاعتبار حصيلة الاستنتاج التناقضي في الأناجيل، ليكون إيمانهم الروحاني واقعياً وأقرب إلى الفعل التاريخي؛ ذلك أن العقيدة قد تبناها العالم المسيحي من خلال النصوص. لقد كان الإيمان الغيبي أساس المعتقد بلا عمل للعقل في الغوص بتجلياتها وجنوحها إلى الوهم، سواء كان عن قصد أو غير قصد. قصة القيامة برمتها تنهار أمام أبسط تحليل عقلي وميداني للحادثة، فهي بعفويتها تكاد تنطق عن واقع متهافت لا واقعية فيه للحالة الروحانية في مساراتها ومنعطف أحداثها. أن أهم ما يطعن في صميم معتقد القيامة توقيت الزائرات إلى قبر يسوع المسيح يوم الأحد: ”... في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس وكن يقلن فيما بينهن من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر، فتطلعن ورأين أن الحجر قد دحرج ... ولما دخلن القبر رأين شابّاً جالسا عن اليمين ... فقال لا تندهشن أنتن تطلبن يسوع الناصري قد قام .. اذهبن وقلن لتلاميذه إنه يسبقكم إلى الجليل”(1) هذه هي الزيارة الأولى التي عرفن فيها الزائرات أن يسوع قام من قبره. شهادة انتقلت إلى تلامذة المسيح في أنها حقيقية تاريخية ومعجزة كونية، لكن المتأمل لحقيقة المعجزة الكونية كما قال بها موسى أمام فرعون وحراسه إنها واقع عملي هدفه إعلان الإعجاز الكوني أمام الشهود، أن صحت حقيقة رواية موسى أو لم تصح لكنها استوفت شرط الحضور في التثبث من حقيقة الإعلان الإعجازي أمام الملأ. هذه المقارنة تفوقت على العقيدة المسيحية في القيامة، إذ لم يكن هناك حضور إثبات للمسيح في برهان معجزته. كيف علم الشاب أن الزائرات سيأتين للبحث عن يسوع وقد أخبرهن ”وقد قام” فلم يقل ”قد مات وقام” كيف عرف أن المسيح سيسبق اتباعه للجليل، وأن عليهن أن يخبرن تلاميذه بذلك، إذا لم يكن اتفق مع المسيح، فهذا الشاب الجالس بانتظار مجيئهن كي يخبرهن بما أراد المسيح؟ هل ترفع الملائكة حجراً ضخماً لخروج شخص ميت من قبره أم لخروج شخص حي؟ فنحن لم نر ملائكة إلا بادعاء هذا الشاب، إلا أن يكون هذا الشاب قد رفع الحجر.
بحسب إنجيل يوحنا، أن مريم المجدلية وصلت وحدها للقبر باكراً ”فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إلى الْقَبْرِ بَاكِرًا، وَالظَّلاَمُ بَاق. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ الْقَبْرِ”(2). أن التناقض الأول أظهر في إنجيل مرقس أن مريم المجدلية كانت ضمن نسوة رأين شابّا بملابس بيضاء، وقد طلعت الشمس وأن الحجر قد دحرج عن موضعه، يناقض النص إنجيل يوحنا في أن الظلام باق، وأن الحجر دحرج عن مكانه. إن التناقض تركز في التوقيت بين الروايتين؛ ذلك أن التناقض كان بسبب السماع وليس الرؤيا؛ فبين الظلام وطلوع الشمس فترة تكون كافيه إلى إزالة الحجر والاستعداد في استحضار الشاب المتهيأ إلى إقناع الزائرات بقيام يسوع من قبره.
في رواية متي: ”وإذا زلزلة قد حدثت؛ لأن ملاكاً من عند الرب نزل من السماء قد حرج الحجر، وجلس عليه ... وكان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات”(3) ازداد التناقض في أن الشاب في رواية مرقس قد تحول لملاك في رواية متى، منظره كالبرق حتى إن الذين شاهدوه من الحرس ارتعدوا وماتوا خوفاً، فهذا الترهيب في سرد الواقعة قد أجاده متى بخياله الأسطوري والزلزلة هي ذاتها عندما مات يسوع على الصليب ”... وإِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إلى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إلى أَسْفَلُ. وَالأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ، وَالْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ، وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ”(4) فلو شهد الحرس والذين قاموا بصلبه هذه المعجزة لعرفوا حقيقة ما ادعاه، ولكانوا قد أنزلوه عن الصليب، فهذا الوصف الدرامي هدفه تعميق الإيمان بيسوع كمعلم وإضفاء حالة روحانية للمشهد الدرامي.
رواية متى أشارت إلى قيام يسوع من بين الأموات، وليس قيامه من الموت. فقيامه من بين الأموات أي كان متخفياً بين الموتى، وقيامه من الموت تعني كان ميتاً فقام. تضيف رواية متى هبوط الملاك من السماء، بينما تعارض رواية مرقس أن الشاب الجالس على الحجر حالة بشرية؛ ذلك كما يبدو أن رواية مرقس قد سبقت رواية متى في التعديلات الغيبية التي أضيفت إليها، وتحويلها إلى معتقد غيبي في ربط الواقعة بالسماء، ثم هل وجد الزوار الحجر الذي غلق القبر مدحرجاً أم دُحرج وقت الزيارة؟ بحسب متي أن الدحرجة حصلت عند زيارة النسوة للقبر، لكن في بقية الأناجيل، لوقا، مرقس، يوحنا، أن الزائرات وجدن الحجر مدحرجاً، يثبت لوقا تقريره الروائي ”... وَجَدْنَ الْحَجَرَ مُدَحْرَجًا عَنِ الْقَبْرِ، فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ. وَفِيمَا هُنَّ مُحْتَارَاتٌ فِي ذلِكَ، إِذَا رَجُلاَنِ وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ. وَإِذْ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إلى الأَرْضِ، قَالاَ لَهُنَّ: ”لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟(5) أشار لوقا إلى رجلين بثياب براقة، في يوحنا جعلهما ملاكين بثياب بيض أحدهما عند الرأس والآخر عند الرجلين. لم تعلم مريم أين وضعوا يسوع، لكنها التفتت إلى الوراء باكية، فنظرت يسوع واقفاً ولم تعرفه ”قَالَتْ لَهُمَا: إِنَّهُمْ أَخَذُوا سَيِّدِي وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ وَلَمَّا قَالَتْ هذَا الْتَفَتَتْ إلى الْوَرَاءِ، فَنَظَرَتْ يَسُوعَ وَاقِفًا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَسُوعُ.”(6)
لم تعلم مريم أين وضعوا المسيح في زيارتها للقبر، فلقد تغير مكانه، ولم تعد تعرف أين مرقده الجديد. حوار الملاكين لها أثبت صلتهما بالمسيح في الحالة الفجائية التي تعرضت لها؛ إذ فاجأها المسيح من خلفها وهي لم تتعرف عليه، لم تره في قبره، بل كان واقفاً تحدث معها وقد سألها كما سألها الرجلان ”لماذا تبكين”، وهو يعلم سبب بكائها، حتى إنها أرادت الإمساك به مبتعدا عنها.
تخللت بشائر قيامة المسيح بالكثير من التناقضات مما أخرجها عن إطارها التاريخي والجغرافي؛ ذلك أن قصة القيامة افتقرت إلى الوضوح والمصداقية، حتى إن الغموض والتناقض في روايات القيامة لم تجعل المؤرخين قادرين على فهم الحقيقة، فهي حادثة تاريخية مشوهة، متناقضة، ليس فيها رصد تاريخي حقيقي حتى في مكان الصلب وفي دور يوسف الرامي من بلدة الرامة، والد المسيح بالتبني، قد أعد قبراً لنفسه، لكنه دفن فيه يسوع المسيح، هو ليس ذلك القبر الذي وضعوا على بابه حجرا ضخماً، كان عبارة عن غرفة واسعة، فيها موضع رخامي يوضع فوقها الجسد، لكن لماذا تفرد يوسف بأخذ جسد المسيح وقد ساهم بإنزاله عن الصليب، لقد طلب جسد يسوع من بيلاطس، لم يذكر التاريخ لماذا تفرد يوسف الرامي ونيقوديموس اللذان فقط تسلما جسد المسيح إلى مكان بعيد في بستان يوسف الرامي؟ إن تناقض الرواية في جوانب جوهرية وقد رواها خمسة كتاب مختلفين فتح الباب واسعا في عدم الإيمان بها، وقد أثبت العهد الجديد هذه الحقيقة. أشار إنجيل متى حقيقة هروب التلاميذ عند اعتقال يسوع، فهذا أمر برهن عدم تثبت قيامة يسوع كشهادة تاريخية من قبل اتباعه، بقيت معتقدات القيامة من خلال السماع، وهذا استدلال ضعيف لبرهان الحقيقة. لقد اعتمد البرهان التاريخي هذا على رواية مريم المجدلية، والتي لم تشاهد هي الأخرى قيامة يسوع. استدلت نقاط التناقض أن جعلت الإيمان بقيامة يسوع حالة ظنية الدلالة، تلك الظنون التي دفعت المشاعر الغيبية التثبت من أن الاحتمال واجب الإيمان، لكن هذا الاحتمال غير واجب الاستدلال، ولم يضع اليقين على المحك. هل كان بمكان قبر المسيح رجال أم ملائكة؟ هذا الأمر لم يبرر تشابه رواية ثلاثة رجال أتوا لزيارة إبراهيم وسارة، وهم ملائكة بهيئة رجال كما ورد في سفر التكوين؛ ذلك أن إبراهيم قد انفرد لوحده برواية لم يكن فيها شهود أن كانوا ملائكة أو رجالاً، فهذه لا يمكن استيضاحها كقرينة لقيامة يسوع، لكن رواية يسوع قد تناقضت فيها الأناجيل الأربعة من خلال غياب شهود الإثبات للواقعة، افتقرنا للشهادة العينية واعتمادها على روايات ظنية، لكن إبراهيم إن كان قد رأى رجالاً أو ملائكة، فالظرف التاريخي كما هو حال رواية إبراهيم وقد فقد فيها استدلاله، فهل استدل هما ملاكان أم رجلان؟ ”فجاء الملاكان إلى سدوم مساء، وكان لوط جالسا في باب سدوم. فلما رآهما لوط قام لاستقبالهما، وسجد بوجهه إلى الأرض. ..فألح عليهما جدا، فمالا إليه ودخلا بيته، فصنع لهما ضيافة وخبز فطيرا فأكلا... فنادوا لوطاً وقالوا له ”أين الرجلان اللذان دخلا إليك الليلة” أخرجهما إلينا لنعرفهما ... فمد الرجلان أيديهما وأدخلا لوطا إليهما إلى البيت ...”(7) فالملائكة لا تأكل. لكنه مزج التفكير الظني للمعتقد الديني ذات الطبيعة الروحانية بملاكين والطبيعة البشرية برجلين، استدل به أن إبراهيم تعامل مع رجلين وليس ملاكين، لكن النص الديني افترض الغموض بوضع الصبغة الغيبية لجعل النص الديني مؤثرا في النفس البشرية رغم عدم واقعيته، هكذا أشار تلاميذ يسوع حين مزجوا الطبيعة البشرية بسيناريو القيامة بالملائكة كي يكون الحدث أكثر إقناعاً في أن الله قد شارك الحدث.
إن التناقض التاريخي والجغرافي في عقيدة القيامة بخصوص قبر المسيح قد جعل زوار قبره في حيرة من أمرهم، فلقد عرفوا بوجود قبرين للمسيح؛ أحدهما في كنيسة القيامة في أورشليم داخل الأسوار، والثاني بستان قبر المسيح، بجانب باب العامود خارج الأسوار. أظهر التلاعب التاريخي في العقيدة الروحانية للقيامة من اختلاف مواضع قبر المسيح، تاريخياً وبحسب الوصف الإنجيلي للأناجيل، فإن قبر المسيح لم يكن عبارة عن مدفن تحت الأرض أو في الجدار كما فعل اليهود في موتاهم، إنما غرفة واسعة فيها قطعة صخرية يستلقي عليها الزائر مع شباك للتهوية، وهي بهذا يبدو أنها أعدت لشخص حي.
لقد أثبتت الوقائع التاريخية أن قبر المسيح الرخامي غرفة واسعة أعدها يوسف الرامي، فهو الذي تسلم جسد المسيح سليما أي لم تكسر عظام ساقيه كما فعل الجنود الرومان في كسر سيقان اللذين صلبا معه. تفرد يوسف الرامي بنقل جسد المسيح إلى بستانه الخاص، لكن الكتابات الإنجيلية للتلاميذ لم تشهد إلا قبراً فارغاً في القدس يحتوي على قبر قديم، بما يخالف المعتقد الكاثوليكي في أن قبر المسيح في كنيسة القيامة، أشار يوحنا أن القبر كان يقع داخل أسوار بستان يمتلكه يوسف الرامي.
فهذا البستان الذي أشار إليه يوحنا، تعود ملكيته ليوسف الرامي، وهو المكان القريب من الصلب. لقد كان البستان محاطاً بالأسوار يمكن للمقيم فيه أن يرى القادم قبل دخوله، وهذا ما جعل اختفاء جسد المسيح أمراً ممكناً، حيث أبقى قبر المسيح فارغاً، حتى جاءت مريم فلم تتعرف عليه، لم تره ميتاً في قبره، بل متخفياً بملابس بستاني. كيف نتوقع أن نقبل قصة القيامة بوصفها موثوقة تاريخياً، عندما تحتوي على تفاصيل ضخمة مختلفة بشكل كبير؟ فتلك التناقضات في روايات القيامة لا يمكن أن تكون حقيقية. فالجزء الأهم فيها من شاهد المسيح يقوم من قبره؟ ومن عرف أن المسيح قد مات حقا وبالتالي وجب عليه دفنه؟ تفاصيل تمثل الجزء الأساس في العقيدة غير موجودة، فكيف يمكننا أن نثق بما ادعته الأناجيل؟ إذا كانت الأناجيل من تأليف كائن قادر على كل شيء، لا يؤلف فيه الارتباك والغموض والتناقض، فلماذا يترك هذا الكائن القادر على كل شئ، المؤمن في حالة من اليأس الشديد في محاولة لتبرير أكثر التناقضات وضوحاً، وزجّ الشعوب في الإيمان بها كحقيقة كونية؟ كلنا نستطيع التوفيق بين أي تناقض بهدف جعل الآخرين تؤمن بما نؤمن. استخدم المسلمون نفس أسلوب ملأ الفراغات مع العديد من التناقضات، للعقل البشري قدرة الخيال في إيجاد التبرير أو أي شيء خرافي وصياغته بطريقة عقلية منطقية، كي يكون حقيقة حتى لا يراه المقابل تناقضاً. لم توجد في عقيدة القيامة شهود عيان، فهي رواية لم تختلف عن تطور الأساطير؛ فأنت إن لم تر قيام يسوع من قبره، يمكنك أن تنسج على أساس قدرة الإله القادر أن يقيمه أو هو الإله أن يقيم نفسه في شخص المسيح، فأنت تعمدت أن تعيش في وهم سيقيم معك حياتك كلها.
هل كان الجنود الرومان يحرسون قبر يسوع؟ بحسب إنجيل متّى وجد حارس واحد خارج القبر، لكن متّى لم يدع الشهادة العينية للحارس، بحسب مرقس ولوقا ويوحنا لم يوجد حارس. زيارة قبر يسوع مثلت أساس عقيدة القيامة، فمن زار قبره؟ تناقضت الروايات بين ثلاث نساء، امرأتان، خمس نساء، امرأة واحدة هي مريم المجدلية. كيف أثبتت الأناجيل تلك الزيارات بالواقع الشهودي؟ لم توجد. إن الثابت تاريخياً أن الأناجيل التوراتية كتبت بأسلوب خيالي بما كان يناسب معتقدات العصور القديمة، كان هذا الأسلوب مليئاً بالأساطير زمن يسوع عن الآلهة التي آمن بها الناس وعبدوها. تلك العبادات كانت ترى أنها أهم من الحقيقة التاريخية، لهذا نسجت الأساطير مع حياته البشرية. لماذا يجب أن يؤمن أصحاب عقيدة القيامة، أن الأناجيل حقيقة من إله قدير؟ ذلك أن الأسلوب الأدبي قد مزج الواقع بالخيال الديني؛ فهناك محادثات خاصة بدون شهود كحوار بيلاطس مع زوجته، وصلاة يسوع الانفرادية في بستان جشماني؛ فهذا أمر طبيعي في الخيال هكذا أسست الأناجيل الخيال الديني من قصص حقيقية إلى أساطير امتزجت بالخرافة.
لا نمتلك أي خلفية تاريخية عن الذين كتبوا الأناجيل، فهي أناجيل مجهولة المصدر، حتى أسماؤهم لم تظهر في النص؛ فهذه الأسماء كانت شائعة ”متي، مرقس، لوقا، يوحنا، توما” فلا نعرف عن هؤلاء الأشخاص، نتابع الأسلوب الإنشائي في يوحنا ”مَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا”(8) فهي كما نرى أسلوب دعائي. لم تحتو تلك الأناجيل على سيرة ذاتية، فعلى سبيل المثال قال لوقا: ”سلمها الينا اولئك الذين كانوا شهود عيان وخداماً للكلمة”(9) فهذا يعني أن لوقا لم يكن شاهد عيان، بل كان مسجلاً وجامعاً للقصص، فلقد كان مؤمناً بالقصص التي سبقته. كذلك هناك أناجيل أخرى عن حياة يسوع المسيح كإنجيل توما، يهوذا، تاريخ يوسف النجار، فهي مغرقة بالخيال وتعارض العقيدة المركزية للمسيحية. لهذا اختارت الكنيسة ما يتلاءم مع عقائد اللاهوت. روايتا القبر الفارغ متناقضتان بشدة، ففي إنجيل مرقس أخبرنا أن القبر كان مفتوحاً مع شاب جلس بداخله؛ أي إن المكان لم يكن قبراً، إنما مكان واسع مخصص ليسوع، لكن متّى أخبرنا أن القبر مغلق فتحه ملاك مع زلزال، فهذه الزلزلة خيال متعمد، رغم استغراق روايات القيامة لم يدّع أحد قط أنه رأى المسيح قام من الموت. فهذا القبر الفارغ شهادة نفي لقيامة يسوع وليست اثبات.
إن الباعث الآخر على خرافة قيامة المسيح أن الأناجيل كتبت باللغة اليونانية، وهذا يعني أن قصة المسيح قد تم تطويرها من خلال الثقافة اليونانية؛ فقصصهم كانت مليئة بالأساطير كما هو الحال في قصة ديونيسوس وقيامته من بين الأموات. وقد استغرقت عشرات العقود من الزمان، لتكون قصة يسوع قصة خارقة للطبيعة، لقد قارن العديد من العلماء الروايات التي أحاطت بشخصية يسوع مع تلك الرواية التي ارتبطت بديونيسوس فلقد تأثر إنجيل يوحنا إلى حد بعيد بأسطورة ديونيسوس فكلا ديونيسوس والمسيح ينتميان إلى الإله الذي يموت ويعود للحياة. رغم أن قصة موت ديونيسوس تختلف عن قصة وفاة المسيح؛ إذ أكل جسده الجبابرة لكنه استعاد في النهاية حياته. ظهر ديونيسوس متهماً بالألوهية أمام الملك بنثيوس مقارنة بيسوع متهماً بالألوهية أمام القائد الروماني بيلاطس. لقد تشابهت عناصر الروايتين بطقوس الخمر والخبز مقابل الخمر واللحم النيئ، حتى إن عبادة ديونيسوس في القرن الرابع الميلادي شكلت مبدأ التوحيد الوثني لتكون مع المسيحية المبكرة حلقة مثيولوجية لا انفصام فيها أمام المعتقدات الغيبية للموت واستعادة الحياة. لقد اختلط المزيج الأسطوري بين الديونيسوسية والمسيحية. إن عقيدة قيامة المسيح استلهمت صداها الخرافي من الأساطير اليونانية في عبادة ديونيسوس.
أمام كل معطيات الموروث التاريخي للأساطير في عقائد القيامة لأنصاف الآلهة، يبقى السؤال الجوهري والحاسم لبطلان عقيدة القيامة أين قبر المسيح؟ هناك قبر ثالث ليسوع المسيح، المكان الفعلي الذي دفن فيه يسوع، لقد تم اكتشاف قبور عائلة يسوع وقبره الرخامي في منطقة تلبيوت في عام 1980 في القدس، يقع قبر العائلة تلبيوت على بعد حوالي 5 كم جنوب البلدة القديمة في القدس، تم اكتشاف عشرة صناديق العظام داخل المقبرة حملت أسماء مثل يسوع ومريم ويوسف. وقبر يعود لمريم المجدلية، مما يشير إلى أنها ربما كانت متزوجة من يسوع. لم يحتو سوى صندوقين من الصناديق على اسم عائلة هما "يهوذا ابن يسوع" و"يسوع ابن يوسف". فهذا استدلال أن يسوع الناصري ومريم المجدلية كان لهما ابن اسمه يهوذا. أشار اختبار الحمض النووي، الذي أثبت أن يسوع ومريم المجدلية لم يكونا قريبين من بعضهما البعض من ناحية الأم. لقد تم العثور على بصمة كيميائية أثبتت وجود يعقوب شقيق يسوع، مما أشار إلى أن المكان كان قبر عائلة يسوع الناصري.
هناك قبر رابع للمسيح؛ اذ تعتقد الطائفة الأحمدية أن المسيح لم يمت على الصليب بل مدفون في روزا بال، في كشمير Rozabal، لم يصعد إلى السماء، بل ذهب إلى كشمير، وعاش هناك لبعض الوقت، ومات موتًا طبيعيًا، هناك العديد من الكتاب الذين استكشفوا هذا المفهوم. زعم نيكولاس نوتوفيتش، وهو أرستقراطي روسي، أنه سافر إلى دير بوذي في شمال الهند، وأظهر له الراهب الرئيس في الدير مخطوطات توثق أن القديس عيسى من القدس سافر إلى الهند في نفس الوقت تقريبًا من "سنواته غير المعروفة". لقد زعم بعض المؤرخين أن المسيح تبنى اسم ”يوز اساف” هو الاسم الذي تبناه المسيح في كشمير ودفن هناك. في ضريح يُدعى روزابال. بحسب إنجيل توما وصف رحلته مع يسوع المسيح في الهند. نحن أمام إرث تاريخي ضخم مع كم متناقض في اقتفاء قبر يسوع المسيح. كذلك أسطورة صعود يسوع المسيح إلى السماء، لم تظهر أصلا في الأناجيل، إنما أضيفت إلى النصوص الإنجيلية بعد 200 عام من وفاة يسوع. ففي مرقس: ”ثُمَّ أن الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إلى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ”(10) فهذا الأسلوب الإنشائي تجلت فيه العاطفة الروحانية؛ اذ كيف عرف مرقس أن يسوع قد جلس عن يمين الله؟ فأذا كان موت يسوع قد تعددت في موته العديد من القبور فضاع علينا مكان قبره، كيف سيكون في مقدورنا التثبت من صعوده عن يمين العرش الإلهي؟ إذا كان كاتب المقال نفسه لم يشهد جلوس يسوع عن يمين الله؟
إن البحث الأركيولوجي في حقيقة قبر المسيح قد أثبت واقعا أرضيا، وليس انتقال جسد يسوع للملأ الأعلى، فالمسيحية نظرت إلى السماء سقفا عاليا بعيدا، والأرض مكان تحت السماء، فيكون هناك ارتفاع من أسفل لأعلى، خالفت العقيدة المسيحية حالة علاقة واقع الأرض للكون، في أن الأرض كوكب وأن السماء تحتويها كباقي الكواكب فلا ارتفاع وهبوط، للأعلى والأسفل، فالأرض كوكب يدور في فلك الكون. رغم ذلك أثبت البحث الأركيولوجي أن قبر المسيح قد ثبت وجوده في الأرض، وأن تعدد واقعه الترابي في عدة أماكن، لكن الأصل في البحث قطع علاقة يسوع بالسماء، ومن أراد الوصول لحقيقة قبر المسيح ولجسده، أن يبعد السماء عنه، وأن يجد الأرض مكانا لجسده، وهذا ما أثبته البحث الأركيولوجي في مقبرة تالبيوت.
إن عقيدة القيامة نفسها تعرضت للكثير من التناقضات العقائدية بين الطوائف المسيحية نفسها، ففي سفر الأعمال ” ... الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ”(11) أشارت إلى أن المسيح لم يقم نفسه، وأن االله منحه الحياة أن أقامه من الموت، فيسوع حالة بشرية تعرضت للضعف وانهيار الإيمان، واحتاج الدعم الإلهي ” ظهر له ملاك من السماء يقويه”(12) مما أشار إلى فراغ المحتوى اللاهوتي في عقيدة القيامة كجزء متمم للمعتقد الخرافي في عقيدة القيامة، أن يقيم نفسه أم إن الإله أقامه؟
أوصى المسيح أن رسالته لم تقتصر على أتباعه فحسب، بل أقر ”لِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أن آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ”(13) أشار يسوع إلى رغبته في الانتقال إلى مكان بعيد آخر كي يكمل رسالته. أشار إنجيل أعمال توما إلى هجرة توما ويسوع إلى الهند فلقد ” زعمت العديد من السجلات والتقاليد التاريخية أن توما في عام 52 بعد الميلاد توجه إلى ساحل مالابار في ولاية كيرالا، وقد دفن في الهند، بحسب العديد من الروايات أن يسوع المسيح باع توما لتاجر، فجاء للهند وقد قدم توما الملك غواندافور للمسيح، كان الملك غواندفور ملكاً حقيقيا. في شمال الهند في القرن الأول”(14) رفضت الكنيسة أعمال توما لكن أعماله اتسمت بالواقعية بشكل كبير مثل وصول توما للهند مع المسيح، من واقع استدلال تلك الروايات في اعمال توما وحياته في الهند، ألم يدل لقاء الملك بيسوع أن يسوع كان في الهند؟
إننا أمام قرينة تاريخية تخص جسد المسيح، تنقسم إلى قسمين تاريخيين؛ الأولى أعمال الحفريات التي جرت في مقبرة تالبيوت، وقد استدلوا فيها من نقش النعوش الصخرية إلى عائلة بحسب دليل الكتاب المقدس أن جسد المسيح لم يكن في بستان يوسف النجار، فلم يقم تلامذة يسوع أي دليل قطعي أن جسده كان في مقبرة يوسف، فهنا لدينا احتمالان؛ أحدهما إما تم نقل جسد المسيح إلى مقبرة تالبيوت في مرحلة لاحقة دون علم السلطات الرومانية، وهذا احتمال وارد، الدليل القاطع أن يسوع لم يره أحد يقوم من قبره، وكان متنكرا بزي البستاني خوفاً من أن يتم إلقاء القبض عليه. نستنتج أن يسوع مات ودفن سرّاً في مقبرة عائلته، أو انتقل بعيدا خارج القدس وتحول مبشراً في الهند إلى أن مات هناك. لماذا كان يخاف يسوع المسيح من الجنود الرومان والوقوع في أيديهم؟ فلو صح أنه قام حقا من الموت، لتحول جسده المادي إلى جسد روحاني ولن يموت مرة ثانية، في رسالة الرسول: ” ... هكذا قيامة الأموات يزرع في فساد ويقام في عدم فساد، يزرع في هوان ويقام في مجد .. يزرع جسماً حيوانيا ويقام جسماً روحانياً يوجد جسم حيواني ويوجد جسم روحاني”(15)
لكن يسوع لم يمت، لهذا لم يقم جسداً روحانيا حتى إن تلميذي عمواس لم يتعرفا عليه، وكذلك مريم المجدلية لم تتعرف عليه، رغم وقوفه أمامها، لقد أقر أتباع المسيح هذه الحقيقة، أمامنا إما نثبت أن يسوع مات ودفن في فترة لاحقة، وقد وضع جسده في مقبرة تالبيوت، أو أن يسوع المسيح مات في الهند، وهذا ما أقرته الوثائق الهندية خلال رحلته للهند مع توما. إن دليل إخفاء معالم شخصية يسوع أقرتها كتابات الأناجيل بشكل فوري لم تكن ليسوع فرصة حياة مرة أخرى، في الجليل، كفرناحوم، ولا في الناصرة، صار الجند يبحثون عنه في كل مكان، لقد أهمل الجند حراسة قبر يسوع يوما كاملاً، مما أضاع عليهم فرصة اكتشاف الحقيقة .
امتلأ إنجيل توما بأساطير يسوع المسيح في مصر، ”فأخذت مريم ماء محلى ذو رائحة طيبة لتغسل به يسوع الرب وعندما غسلته احتفظت بالماء، وسكبت بعضا منه على فتاة تعيش هناك، كان جسدها أبيض مصابا بالجذام، فغسلتها بالماء وعلى الفور شفيت الفتاة من الجذام، فقال سكان هذه القرية: لا شك أن يوسف ومريم وهذا الغلام آلهة وليسوا من البشر”(16) إننا أمام فيض كامل من التناقضات التاريخية يقابها غياب تام وكامل لأي حقيقة تاريخية، فيسوع التاريخي أقرب للحقيقة من يسوع العالم اللاهوتي؛ ذلك أننا وجدنا نسباً ليسوع واضحا حتى كتابات أتباعه عند إقرارهم لنسبه، لكننا لم نجد أي دليل يثبت مزاعم الروحانية التي تشبثت بها كنائس العالم المسيحي عدة قرون. لقد آن الأوان أن ندرك أن يسوع قد تلاعبت في شخصيته الكثير من الكتابات التي أوصلت تعاليمه إلى المعتقدات الخرافية، فصار من الواجب علينا إزالتها، فلقد ران عليها الزمن وصارت من مخلفات الفكر الخرافي في المعتقدات الوثنية وأشخاص أنصاف الآلهة. لقد ربط العقل الاعتقادي الغيبي وجوده الخرافي بعوالم السماء وما زلنا إلى يومنا ندفع بعقولنا أن نصدق ما لا يمكن للعقل تصديقه أو الوثوق بواقعيته. إن العقيدة المركزية تمثلت في ”قبر يسوع الفارغ وقيامته بعد الصلب، هما أهم حدثين في علم اللاهوت المسيحي وأساس الإيمان المسيحي”(17). إننا أمام اختيار واختبار بين الميزان التاريخي والميزان العقائدي، حقيقتان متناقضتان، ”... في Rozabal ضريح يقع في خانيار وسط كشمير، حيث تقر الأدلة التاريخية هناك رجل حكيم دفن في الضريح رجل دين مسلم يدعى مير سيد نصير الدين، بحسب الأحمديون أن يسوع دفن في الضريح”(18) أمامنا فيض واسع من الأسفار المنحولة ”الأبوكريفية”، وهي الأسفار التي لم تقرها الكنائس، إذ أخفت عن عمد حياة يسوع المسيح العائلية، وأبعدت عنه الحالة الجنسية كرجل حتى الصقت به صفة الألوهية. تناولت تلك الأسفار بشرية يسوع المسيح وزواجه من مريم المجدلية. لقد أقر إنجيل فيليبوس الذي تم اكتشافه في مصر في منطقة نجع حمادي أن العلاقة بين يسوع ومريم المجدلية كانت جسدية، ظهر كذلك إضافة إلى كتاب توما، كتاب مريم المجدلية، في القرن الثاني الميلادي. كشفت لنا كذلك مخطوطات قمران ”مخطوطات البحر الميت” أشار بشكل قاطع أن قيامة يسوع كانت ضمن مخترعات اللاهوت الكنائسي، الذي بلغ ذروته في مؤتمر نيقية، والذي أسس فيه ألوهية يسوع المسيح، يبقى الاستنتاج القاطع هو أن قبر المسيح إن لم يمتلك أدلة قاطعة في الهند، رغم إقرار سفر توما، فلقد امتلك الأدلة القاطعة في مقبرة تالبيوت التي تبعد قليلا عن أورشليم القديمة، حيث كان في أحد الصناديق لعظام موتى كتب على أحدها ”يشوع بار يوسف” أي يسوع ابن يوسف. لقد أكدت التحاليل المختبرية في كندا هذه الحقيقة. صار لزاماً علينا الإقرار بقبر يسوع وجسده، فإن ذلك لم ينف عنه القيم اللاهوتية التي قدمها للبشرية أكثر من الفي عام.
المصادر:
1. مرقس 16 فقرات 1 - 7
2. يوحنا 20 فقرة 1
3. متى 28 فقرات 2 - 4
4. متى 27 فقرات 51 - 53
5. لوقا 24 الفقرات 1 - 5
6. يوحنا 13 الفقرات 20 - 14
7. سفر التكوين، الفقرات 1 - 10
8. يوحنا 20: 31
9. لوقا 1: 2
10. مرقس 16: 19
11. أعمال الرسل 3: 15
12. لوقا 22: 43
13. يوحنا 10: 16
14. English article: Did Thomas Bring the Gospel to India? By selah Lipsey. Written Nov. 20. 2023
15. رسالة بولس الاولى لأهل كورنثوس أصحاح 15
16. ص 50، إنجيل توما، Thomas دكتور احمد حجازي السقا، مكتبة الإيمان بالمنصورة. 1997 مصر.
- Hanegraaff, Hank Resurrection: The Capstone in the Arch of Christianity Thomas Nelson. ISBN: 978-1-4185-1723-6. Archived from the original on 2023-03-06
18. Ghulām Muhyi'd Dīn Sūfī Kashīr, being a history of Kashmir from the earliest times to our own 1974 – Volume 2 – Page 520 "Bal, in Kashmiri, means a place and is applied to a bank, or a landing place.