"إسلام المُتكلّمين" للباحث التونسي "محمّد بو هلال"
فئة : قراءات في كتب
لقد سعى محمّد بو هلال من خلال النظر في "إسلام المتكلّمين" إلى بناء تصوّر متكامل لأهمّ الإشكاليات التي اتّصلت بـ "علم الكلام" في الثقافة العربية الإسلامية، وذلك بالوقوف على أهمّ مراحله وأطواره واتجاهاته وأسسه وآليات اشتغاله ومجالاته وعلاقته بالشأن السياسي والفكري. وقد ارتأى الباحث أنْ يُعالج تلك الإشكاليات في سبعة فصول اختار لها العناوين الآتية:
الفصل الأوّل: في حدّ علم الكلام ومنزلته التاريخيّة (من ص 13 إلى ص 34).
الفصل الثاني: الكلام السياسي (من ص 35 إلى ص 76).
الفصل الثالث: المنعرج المعتزلي (من ص 77 إلى ص 108).
الفصل الرابع: الكلام العلمي (من ص 109 إلى ص 136).
الفصل الخامس: المُتكلّم (من ص 137 إلى ص 164).
الفصال السادس: الفِرقة (من ص 165 إلى ص 210).
الفصل السابع: حول وَحدة علم الكلام (من ص 211 إلى ص 232).
إنّ تأمّل عناوين الفصول التي ألّفها محمّد بو هلال يكشف لنا عن بعض خصائص رؤية الباحث لـ "إسلام المتكلّمين"، فبو هلال ينطلق في الفصل الأوّل من تصوّر دقيق للمسألة حاول من خلاله تبيّن الحدود الاصطلاحية والوقوف على أهم التحوّلات التي شهدها علم الكلام كي يستطيع تحديد الأفق المعرفي الذي تتأسس عليه محاولته. أمّا في الفصل الثاني فأبرز العلاقة التي قامت بين الكلام والسياسة، فإذا بعلم الكلام امتداد للسياسة وصدى لها.
ونحن إذا ما قارنا بين عنوان الفصل الثاني والفصل الرابع ألفينا الباحث يميز بين نمطين من الكلام، وهما: الكلام السياسي والكلام العلمي، وهو بذلك يشير إلى وجود تحوّل في أسس علم الكلام بفضل الفكر الاعتزالي الذي خصص له الفصل الثالث "المنعرج المعتزلي"، فإذا بعلم الكلام متعدد المظاهر والأسس له تجليات عديدة ومتنوعة. وهو ما دفع بمحمّد بوهلال إلى الوقوف في الفصل الخامس على ماهية المتكلّم وتفصيل القول في علاقاته بالدولة والمجتمع والمعرفة، وهو بذلك يؤكّد أنّ علم الكلام على صلة وطيدة بالواقع الثقافي والاجتماعي والمعرفي الذي نشأ فيه المتكلّم، على أنّ سلطة الواقع تلك توازيها سلطة أخرى لا تقل عنها شأنًا، وهي سلطة الانتماء المذهبي، وقد قاد هذا الوعي صاحب الكتاب إلى تخصيص الفصل السادس للنظر في مفهوم الفرقة، وفي هذا الفصل عرّج على أهم مبادئ المعتزلة والشيعة وأهل السنّة والجماعة مبرزًا طبيعة العلاقات التي قامت بين أتباع الفرق. أمّا آخر الفصول فكان بحثًا موجزًا في أهم الوظائف التي نهض بها علم الكلام في الفكر الإسلامي القديم.
لقد انتقل محمّد بوهلال من وضع الحدود، وتبيّن الخصائص والمراحل إلى رصد العلاقات التي قامت بين علم الكلام والحقول المعرفية والاجتماعية والسياسية لينتهي إلى تحديد وظائف الكلام.
كتاب "إسلام المُتكلّمين" للباحث التونسي "محمّد بو هلال"
صدرت في سنة ست وألفين الطبعة الأولى من كتاب "إسلام المُتكلّمين" للباحث التونسي محمّد بو هلال[1] عن دار الطليعة للطباعة والنشر ببيروت ورابطة العقلانيين العرب ضمن سلسلة "الإسلام واحدًا ومتعددًا" التي أشرف عليها الدكتور عبد المجيد الشرفي، وقد تألّف الكتاب من حوالي مئتين وخمسين صفحة من الحجم المتوسّط، وقد توزّعت صفحات الكتاب على سبعة فصول إلى جانب المقدّمة (من ص 7 إلى ص 11)، والخاتمة (من ص 233 إلى ص 236)، وفهرس المصادر والمراجع (من ص 237 إلى ص 246)، والفهرس العام للمحتويات (من ص 247 إلى ص 249).
الفصل الأوّل: في حدّ علم الكلام ومنزلته التاريخيّة: وزّع المُؤلّف الفصل الأول من الكتاب على مباحث ثلاثة، وهي: "حدّ علم الكلام" و"أبعاد المحنة" و"أطوار علم الكلام"، ففي المبحث الأول تناول محمّد بو هلال مسألة الحدّ انطلاقًا من تعريفات ثلاثة تنسب إلى أبي نصر الفارابي وعضد الدين الإيجي وابن خلدون، وهي تعريفات متباعدة زمنيًّا (القرن الرابع من الهجرة القرن الثامن من الهجرة) متنوعة المشارب (فلسفية،...)، والانتماءات (شيعيّة، أشعرية،...)، وبالنظر في تلك التعريفات وتحليل ما انطوت عليه من مقالات انتهى الباحث إلى القول بأنّ "الجهات الأساسية التي يستند إليها علم الكلام [قد تحدّدت منذ الفارابي ]" (ص 19) من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ من أهم الصفات التي غلبت على علم الكلام تتمثل بالأساس في "مجادلة الخصوم و[الـ] حرص على تحقيق الغلبة عليهم" (ص 20)، وهو ما جعل علم الكلام يقوم على "الجدل الفكري". أمّا المبحث الثاني فخُصّص للنظر في "أبعاد المحنة" التي عدّها المؤلّف حدثًا رئيسًا في علم الكلام، فـ "النسق المعتزلي لم ينضج ولم يكتمل إلاّ [... ] بعد المحنة بحوالي قرن [... ] وبعد المحنة أيضًا كان علم الكلام ما يزال قادرًا على إنتاج مدارس جديدة شيعيّة وسنّيّة هيمن بعضها على الفكر الكلامي مدّة قرون" (ص 24 ص 25)
إنّ من شأن الإقرار بأنّ المحنة مسألة دينيّة في ظاهرها سياسية في جوهرها يؤدّي بالضرورة إلى القول بأنّ "علم الكلام [ كان ] محمولاً على الاستمرار والنهوض بوظائفه السياسية [... ] إلى جانب وظائفه المعرفية القديمة" (ص 26)، وبذلك وضع بوهلال الأسس التي انبنى عليها علم الكلام، فهو "ظاهرة تاريخية وواقعة اجتماعية ونسق فكري وحركة ثقافية" (ص 10) تتجاذبه حقول متنوّعة، وفيه يتداخل المعرفي بالسياسي بالفلسفي.... وبقدر قرب هذه الحقول من علم الكلام وتأثيرها فيه تختلف مجالات البحث الكلامي، وهو ما سعى الباحث إلى إبرازه في المبحث الثالث الذي قسم فيه علم الكلام إلى أطوار خمسة تتبّعها زمنيًّا، وهذه الأطوار / المراحل، هي:
أ: طور الكلام السياسي.
ب: طور الكلام العلمي.
ج: طور الكلام المختلط بالفلسفة.
د: طور الشروح والمختصرات.
هـ: طور الكلام الجديد.
وقد صرّح صاحب الكتاب أنّ مدار البحث الذي ينجزه يقتصر على الأطوار الثلاثة الأولى، وفي تلك الأطوار يتجلّى تداخل الحقول وتلوّن علم الكلام بألوان السائد ثقافيًّا ومعرفيًّا وسياسيًّا، وما يلفت الانتباه في تلك الأطوار إصرار الباحث على القول إنّ علم الكلام نشأ في أحضان السياسة، ومن نبعها ارتوى وشبّ في أحضان الفلسفة.
على أنّ الانتقال من الكلام السياسي إلى الكلام الفلسفي مرّ بطور الكلام العلمي الذي يعدّ المرحلة الرئيسة في تاريخ علم الكلام في مستوى الإشكاليات والمباحث وتنوّع الآليات التي عُولجت بها القضايا الكلامية، وفي هذا السياق بيّن محمّد بو هلال الدور الذي نهض به الفكر الاعتزالي في بناء التصوّر العلمي.
ونحن إذا ما تأمّلنا الفصول الثلاثة التالية للفصل الأوّل ألفيناها تفصيلاً لما ورد في المبحث الثالث من الفصل الأول.
الفصل الثاني: الكلام السياسي: تناول محمّد بوهلال في هذا الفصل جملة من الإشكاليات المتعلقة بـنشأة علم الكلام من جهة، ومن جهة أخرى بيّن أهم المقالات السياسية التي صاحبت نشأة هذا العلم من خلال النظر في مواقف كل من الخوارج والمرجئة والقدرية مبيّنًا النتائج التي ترتبت على "استخدام القوّة والعنف"، ذلك أنّ "ما يميّز الرجال الذين عُدّوا أوائل المتكلّمين هو غلبة الاهتمامات السياسيّة والقتاليّة عليهم"، فعلم الكلام بحكم نشأته السياسية تلوّن بجملة من الإشكاليات السياسيّة، ولمّا كان الصراع السياسي قائمًا على الاقتتال واستباحة المسلمين دماء بعضهم بعضًا راح المتكلّم يبحث للقتل عن حجج وللقاتل ذرائع تبيح قتل المخالفين له.. أمّا الفرق السياسية الكلامية المهزومة المنكّل بها فإنّها لجأت إلى "ترويج أفكار ميثيولوجية مغالية".
ونحن إذا ما تأمّلنا المبحث الأوّل من الفصل الأوّل ألفينا محمّد بو هلال ينطلق في معالجته لمسألة نشأة علم الكلام من مناقشة مقاربة كل من يوسف فان آس وحسن قاسم مراد، فالأول ذهب إلى القول إنّ الكلام ظهر في وقت مبكّر من الإسلام (النصف الثاني من القرن الأوّل) مؤكّدًا أنّ الكلام الإسلامي لم يكن إلاّ استمرارًا للتراث اللاهوتي المسيح. (راجع ص 37). أمّا الثاني فقد رأى في الجدل الذي قام حول الحرية والجبر في عهد النبي محمّد أولى لبنات علم الكلام (راجع ص 38). وقد ردّ بو هلال هاتين المقاربتين لمَّا بيّن أنّ الفترتين المشار إليهما لم تتوفر فيهما الشروط العلمية التي اعتبرها القدامى ضرورية في كل علم، وهو ما يعني بالضرورة أنّ نشأة علم الكلام تعود إلى القرن الثاني الذي انتشرت فيه مقالات سياسية ساهمت في تطوّر الكلام، فـ "ما أنتجه المجتمع الإسلامي في المائة وخمسين سنة الأولى من ظهور الإسلام كان شكلاً مخصوصًا من الكلام يختلف جذريًّا عن الكلام الذي ظهر بعده، ونسمّي هذا الشكل بالكلام السياسي" (ص 39 ص 40)، فالاقتتال بين المسلمين بحجّة الدفاع عن الصراط القويم من المارقين والكافرين كان وراء طرح "أسئلة سياسية حارقة ومشاغل اجتماعية حيّة" (ص 41)، وهو ما أدّى إلى بروز تحديات معرفيّة ودينيّة مدارها على المصير والحساب، وهي مقالات اختلف فيها المسلمون فقال البعض بالإرجاء وقال البعض الآخر بغير ذلك....
إنّ اختلاف المسلمين دلّ على وجود تفاعل بنّاء بين الدين والسياسة، فنشأة بعض الفرق – أغلبها - كانت تعبيرًا عن موقف سياسي من حدث مخصوص (التحكيم،...)، فكان الصراع الكلامي شكلاً من أشكال الصراع السياسي الذي كان ينتهي في أغلب الأحيان إلى "الانفصال عن المجتمع الأمّ" (ص 63) من جهة، ومن جهة أخرى كان "احتكار الأمويين للسلطة ومقابلتهم تسامح خصومهم بالعنف والاضطهاد" (ص 69) وراء ظهور الغلو وانتشاره. فالحدث السياسي هو المحرّك الرئيس لعلم الكلام أسبابًا ومقالات وإعادة إنتاج.
الفصل الثالث: المنعرج المعتزلي: مدار البحث في هذا الفصل على التحوّل الرئيس من الكلام السياسي إلى الكلام العلمي الذي أرجعه محمّد بو هلال إلى الفكر الاعتزالي الذي بفضله خرج الكلام من دائرة البحث عن مبررات دينية للموقف السياسي إلى معالجة القضايا من منظور ميتافيزيقي طبيعي يقوم على أسس المناظرات الحجاجية. وقد بيّن بو هلال أنّ هذا التحوّل له عوامل ثلاثة:
- التحالف الناشئ بين المفكّرين والدّولة بداية من القرن الثالث / التاسع نتيجة الاستقرار السياسي في الحواضر الكبرى وعناية الدّولة بشؤون المعرفة فيها.
- ظهور الحاجة إلى الاختصاص في مختلف المجالات العلميّة، ومن بينها مجال العقائد وأصول الدين.
- تضاعف الحاجة إلى الردّ على النزعات الدينيّة والفكريّة الإسلامية المغالية واللا عقلانيّة، وعلى التيّارات الدينيّة غير الإسلاميّة المعترضة على الإسلام أو المنافسة له. (راجع ص 58)
وبهذا الانتقال اكتسب الكلام صفات العلم مفنّدًا في هذا المجال تصورات محمّد عابد الجابري (ت 2010 م) الذي اعتبر واصلاً بن عطاء أوّل من وضع أسس التصور الكلامي الجديد، فمحمد بو هلال يرى أنّ ابن عطاء لم يكن نقطة التحوّل في الكلام، ذلك أنّ شروط العلمية لم تتوفر في عصره، وهو ما قاده إلى وضع خصائص العلمية للكلام، وهي ثلاثة:
أ: أولويّة المعرفيّ على السياسيّ الصرف.
ب: الانفتاح على الآخر.
ج: الطابع الحجاجيّ.
ويعتبر الطابع الحجاجي أهمّ مميّزات علم الكلام، ففيه تجلّت أهمّ التحوّلات التي حدثت في صلب علم الكلام، إذ صار مدار الاشتغال في هذا العلم قوّة الحجّة والقدرة على الإقناع والإفحام.
الفصل الرابع: الكلام العلمي: بيّن محمّد بو هلال في هذا الفصل أنّ المتكلّم كان يتعامل مع الأفكار الكلامية، باعتبارها نسقًا فكريًّا متكامل العناصر (راجع ص 133) تترابط فيه الإشكاليات وفق منطق السبب والنتيجة، ويعود ذلك إلى طبيعة المنظومة الأصولية التي تشكّلت عبر مراحل رام من خلالها المتكلمون - لا سيما المعتزلة - وضع أسس بها يستطيعون "تجاوز حالة الانقسام الداخلي في صلب الفرقة الواحدة " (راجع ص 117)
الفصل الخامس: المتكلّم: سعى بو هلال في هذا الفصل إلى تحليل صفات المتكلّم وخصاله المعرفية والاجتماعية من جهة، وعلاقتهم بأرباب العلوم الشرعية (الفقهاء، المفسّرون،...) من جهة أخرى، وقد انتهى الباحث في هذا المجال إلى أنّ ماهية المتكلّم تتطلب النظر في علاقته بالدولة والمجتمع والمعرفة، ذلك أنّ المتكلّم ذات متأثرة بما هو سائد ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، ففي ما يتصل بعلاقة المتكلم بالدولة لاحظ أنّ العلاقات التي قامت بين المتكلّم والسياسي لم تخرج عن المعارضة أو المباينة أو المشاركة، والمعارضة لا تعني عند الباحث التمرد والعصيان ورفض السلطة القائمة، وإنّما هي دالة بالأساس على الاستقلاليّة والاحتفاظ بحقّ نقد الحاكم ورفض مشاركته قراراته (عمرو بن عبيد ت 144 هـ / 761 م). وفي المقابل فإنّ المباينة هي النأي بالنفس عن مناصرة إحدى الفرق (أبو الحسن البصري). أمّا المشاركة فهي الانخراط في الشأن السياسي بمناصرة صاحب السلطان (بداية من عصر المأمون). (راجع من 137 إلى ص 146). أما في المستوى الاجتماعي فقد بيّن الباحث أنّنا نجد "عدم اتفاق [بين] علماء الدين على أنّ الكلام علم شرعي" (ص 147)، وهو ما جعل القائمين على العلوم الشرعية يكيلون للمتكلّم الطعون فنعتوا المشتغلين بالكلام بفارغي الدين وبالجاهلين بالعلوم الشرعية، لا زهد ولا تقوى لهم، وهو أمر لا يعدو في تقديره "أنْ يكون وجهًا من وجوه المعركة الإيديولوجيّة التي كانت تخوضها فئات العلماء المختلفة الروابط والغايات من أجل أنْ يتفرّد كلّ صنف منهم بمقاليد السلطة العلميّة" (ص 150). أمّا في المستوى المعرفي فلاحظ أنّ علم الكلام / المتكلّم قد انفتح على علوم عديدة لاسيما النقلية، ويعود ذلك إلى انتصار تلك العلوم، فإذا بالانفتاح عليها "ضرورة اجتماعية" (ص 161) ولأنّها "تحقّق للمتكلّم الإدماج الاجتماعي والعلمي والثقافي." (ص 161) يضاف إلى ذلك انفتاح المتكلّم على الشعر (نشأ علم الكلام في المجالس السلطانية) والفلسفة. على أنّ أهمّ ما يلفت الانتباه ما أشار إليه الباحث من أنّ "هذا الاطلاع يزداد عمقًا واتّساعًا بتقادم الزمن [... ] ولم تكن هذه الموسوعية مجرّد ثراء ذهني بل كانت مكوّنًا بنيويًّا" (ص 163)، فإذا بعلم الكلام جمْع علوم وحقول معرفية عديدة.
الفصل السّادس: الفرقة: في سياق سعيه إلى التأصيل لعلم الكلام وقف محمّد بو هلال في الفصل السادس على مفهوم الفرقة باعتباره مفهومًا مركزيًّا في علم الكلام، وقد قاده النظر في خصائص الفرقة عند القدامى إلى القول إنّ "التصنيف القديم في موضوع الفرق [... ] يتطوّر بتطوّر الوضع الديني والفِرَقِي" (ص 165)، وقد لاحظ أنّ للانتماء المذهبي سطوة جعلت أصحاب كل فرقة حريصين على الحطّ من شأن بقية الفرق (التكفير، نفي الإيمان عنهم،....). وقد بيّن بو هلال أنّ كتب الفرق قد احتوت أربعة عيوب منهجية، وهي:
ـ خلطها بين المقالة والفرقة لأسباب تاريخيّة وإيديولوجية.
ـ ردّ بعض المصنّفين القدامى جملة من الاتّجاهات الكلاميّة المختلفة إلى فرقة واحدة.
ـ كلامهم على فرق لا يعترف أصحابها المنتمون إليها بأنّها فرق.
ـ كلامهم على فرق وهميّة لا يدّعي الانتساب إليها أحد. (راجع ص 166 وص 167). وهي عيوب جعلت الباحث يفرّق تفريقًا دقيقًا بين المقالة والفرقة والمدرسة من جهة، وبين أصناف من الفرق (الفرق الأحزاب/ الفرق المدارس) من جهة أخرى.
ـ الفصل السابع: حول وَحدة علم الكلام [2]: تطرق محمّد بو هلال في هذا الفصل إلى وظائف علم الكلام في الثقافة العربية الإسلامية القديمة، فإذا بوظائف علم الكلام – في تقديره – لم تخرج عن "تبرير الثورة على الحكم الجائر" أو هي "إثبات شرعيّة الإمام المضطهَد" أو هي تسعى إلى "حماية عقيدة العامة" أو هي تقوم بـ "إضفاء المعقولية والمعنى على الوجود"، وهو ما يبيّن أنّ الوظائف التي نهض بها علم الكلام شديدة التباين والاختلاف فبعضها مرتبط ارتباطًا مباشرًا بالحقل السياسي وبعضها الآخر كان امتدادًا لهواجس أيديولوجية ونفسية واجتماعية.
[1] الأستاذ محمّد بو هلال هو أستاذ التعليم العالي في اللغة العربية وآدابها اختصاص حضارة، يدرّس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة (جامعة سوسة تونس)، وهو رئيس وَحدة البحث اتصال الثقافات وانفصالها بالمؤسسة نفسها تولّى إدارة مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة ـ تونس. ويُعتبر محمّد بو هلال واحدًا من أهم الباحثين العرب المعاصرين المهتمين بقضايا علم الكلام. وهو متحصّل على شهادة دكتوراه دولة من الجامعة التونسية عن بحث بعنوان" عالم الغيب والشهادة في في فكر الغزالي".
ومن أهم أعماله المنشورة نذكر كتاب الغيب والشهادة في فكر الغزالي، نشر كلية الآداب سوسة ودار محمّد علي الحامي، ط1، صفاقس تونس،2003.
[2] نشير إلى أنّ هذا الفصل قد أُعيد نشره دون تعديل في العدد السابع من مجلّة آداب القيروان، كليّة الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، (جامعة القيروان تونس).