إسلامية المعرفة: المفاهيم والقضايا الكونية
فئة : مقالات
منهج البحث:
يعتمد منهج البحث على ارتباط التفاعل بين جدليات ثلاث، هي: جدلية الغيب وجدلية الإنسان وجدلية الطبيعة في إطار كوني واحد، وذلك عبر أداة معرفية هي (الجمع بين القراءتين)؛ قراءة أولى بالله وبالوحي الإلهي بصفة الله خالقاً: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ وقراءة ثانية موضوعية بمعية الله وبالقلم ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.(العلق/ج30/ي3،4،5)فالقراءة الأولى كونية تستمدّ من الوحي الغيبي عبر القرآن، والقراءة الثانية موضوعية، حيث يهيمن القرآن بالرؤية الكونية للقراءة الأولى على شروط الوعي الإنساني في الواقع الموضوعي، (ليستوعبها) في إطارها العلمي النقدي التحليلي (ويتجاوزها (باتجاه كوني مستمد من الوحي الإلهي القرآني. فالقراءتان ليستا متقابلتين، قراءة في القرآن تقابلها قراءة في الكون، وإنما هي قراءة بالقرآن تهيمن على قراءة الكون المتحرك بشروطه الموضوعية.
المنهج في حد ذاته يعتبر إشكالاً منهجياً؛ أي مدى إمكانية الأخذ بالقراءة الأولى التي تستمدّ من الوحي الإلهي، وهو غيبي، لتصبح منهجياً مقروءاً قابلاً لأدنى شروط المنهجية في الاستدلال العقلي وأعلاها في الاستقراء العلمي.
إنّ القراءة الأولى بالوحي القرآني تستوعب الحالتين: الاستدلال العقلي والاستقراء العلمي ولكنها تتجاوزهما معاً بإطارها الكوني؛ لأنّ طبيعة ما هو استدلالي أو استقرائي يرتبط بالظاهرة وحركتها في مضمنات المكان والزمان ومتاحاتها الاختبارية، في حين تعالج القراءة الأولى ما يمتد في الزمان والمكان بأكبر من شروط الواقع الموضوعي؛ فالقراءة الأولى بالنسبة للإنسان تبدأ معه ما قبل ميلاده وتستمر معه في حياته ثم ما بعد مماته. كما أنّ علاقتها مع الظاهرة الطبيعية لا تنتهي في حدود الاختبار الموضعي وما فيه من ترابط سببي، وإنما تنتقل بالظاهرة الطبيعية إلى آفاق الخلق الكوني التي تتجاوز القوانين الاختبارية الوضعية للتأكيد على مفهوم (الخلق) الإلهي الأعقد تركيباً في مقابل مفهوم (الجعل) الذي يرتبط بالصيرورة التي يمكن استدراكها استدلالاً أو استقراءً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾(غافر/ ج 24/ ي56، 57).
فهذا المنهج الذي نقول عنه إننا (نبتعثه) ولا نخترعه بحكم أنّ أصوله موجودة في القرآن، إنّما يعتمد في الأخذ به على الجملة الواعية لدى الإنسان، وهي (السمع والبصر والفؤاد). وهي الجملة التي تستصحب كل ما هو استدلالي أو استقرائي - كما سيظهر ذلك لاحقاً حين تعرضنا للإبستمولوجيا المعاصرة- ولكن دون أن تبوتق جملة الوعي الإنساني الثلاثي هذه نفسها بالبوتقة الوضعية التي تحدُّ من شروط انطلاقها الكونية؛ بتقدير أنّ الإنسان نفسه وعبر جملة الوعي هذه (مطلق) في حد ذاته، مستجيب بحكم التركيب (المطلق) للكون الذي يوازيه، ومستمد من الوحي القرآني (مطلق الوعي) الذي يعادل الوجود الكوني وحركته؛ فنحن أمام مطلقات ثلاثة، هي القرآن والإنسان والكون، وفوقهم إله أزلي.
وعلاقة الاستواء هذه بين المطلقات الثلاثة: القرآن والإنسان والكون، أساسية في بناء المنهج؛ لأنّ القرآن بمطلقه هو الوعي الوحيد الذي يقابل مطلق الإنسان ومطلق الكون، فهو يتضمن الوعي المتكافئ مع مطلق الإنسان والكون عبر القراءة الأولى. أمّا القراءة الثانية، فلا تستطيع بحكم مستوى إنتاجها البشري وسقف تطورها أن تتيح مطلق الوعي؛ إذ إنّ مرجعية ومصدرية الوعي المطلق، إنّما تستمد من المصدر ذاته الذي شكّل مطلق الإنسان ومطلق الكون، وهو (الخالق) سبحانه وتعالى.
لذا، فإنّ الإيمان بهذا الخالق وإطلاق جملة الوعي الإنساني الثلاثي من سمع وبصر وفؤاد، واستيعاب وتجاوز كلّ ما هو استدلالي واستقرائي، والهيمنة بالقراءة الأولى على القراءة الثانية للنفاذ إلى جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، كلّ هذا يشكل (منظومة) الأساس لهذا المنهج. فميزان هذا المنهج هو مدى ما يولده من قناعة لدى المتلقي تساعده على شقّ طريقه هو نفسه باتجاه القراءة الأولى. ثم بعد ذلك، فمن شاء فليقتنع ومن شاء فليرفض، فالإنسان نفسه هو المقياس.
إشكاليات المصطلح وقاعدة المفاهيم:
"إسلامية المعرفة" عنوان مُركّب من (إسلامية) ومن (معرفة)، في حين أنّ (الإسلامية) فيما يراها الناس (تخصيص ديني) في مقابل (معرفة) هي عامة غير قابلة للتخصيص، وليس التخصيص الديني فقط، وإنما تتسع لعديد من المناهج وتستبطن العديد من الأيديولوجيات. فتركيب المعرفة على الإسلامية يحمل تخصيصاً وتحديداً بوصف هذه المعرفة الإسلامية مفارقة لغيرها على مستوى المناهج الأخرى، فهل يمكن مصادرة الإنتاج البشري العام لصالح معرفة خاصة؟
لقد تمّت مصادرة المعرفة العامة بأشكال مختلفة لما هو خاص. فهناك المعرفة المادية الجدلية التي تأسست على فلسفة العلوم الطبيعية باعتبارها تطوراً مادياً جدلياً للمدارس الوضعية الكلاسيكية. فما أن نبدأ بالوضعية كنهج مفارق للتفكير الديني أياً كانت طبيعة التفكير الديني، حتى تتطور لزومياً باتجاه فلسفة العلوم الطبيعية وبنهاياتها المادية. ويعتبر ذلك أيضاً من أشكال تطور (العقل الطبيعي) الذي أحدث أول طلاق مع العقل اللاهوتي، ومهّد للمدارس الوضعية.
فمنهج المعرفة المادي هو شكل من أشكال مصادرة المعرفة العامة وتخصيصها، وكذلك إسلامية المعرفة التي تأتي لتصادر بدورها المعرفة البشرية العامة لتحتويها فلسفياً ضمن التخصيص الإسلامي. مع اعتبار الفارق الأساسي "لقاعدة المفاهيم". فالمادية الجدلية تستند إلى قاعدة مفاهيم تستمدّها من فلسفة العلوم الطبيعية المستندة إلى العقل الطبيعي المفارق للعلل الغيبية، خارج موضوعية الزمان والمكان. في حين تستند إسلامية المعرفة إلى قاعدة مفاهيم قرآنية تتخذ من الغيب الإلهي المتعالي بُعداً أساسياً في تكوين الظاهرة المشَّيأة والتحكم في مسارها.
اتخذت هنا منهجاً "مقارناً" بقصد التبيين "القطعي"، بين طبيعة المعرفتين؛ الإسلامية والمادية بمنطق (التضاد) ولتوضيح سوابق مصادرة الخاص للعام، وتبيان الاختلاف إلى درجة التناقض في (قاعدة المفاهيم).
غير أنّ ثمة مساحة واسعة تعجّ بالعديد المتنوع من أنماط المعرفة، ما بين الذين يؤمنون بالغيب والذين يستنبطون المادية الجدلية، فالعقل الطبيعي، وإن كانت المادية من أبرز تطوراته ونهاياته، إلا أنه أسّس لأنماط معرفية انتقائية واختيارية وتوفيقية زاوجت مثلاً بين (جدل الطبيعة) و(جدل الإنسان)، في محاولة منها للحدّ من استلاب الجبرية المادية الطبيعية للإنسان وتحقيق قدر من الحرية له بوصفه كائناً فاعلاً مريداً يمكنه التمرّد على جبرية الطبيعة وشروطها المطلقة. وقد أفضى هذا الاتجاه إلى الليبرالية والوجودية والمدارس الإنسانية بشكل عام. وهذا كله في إطار نشاط الطبيعي.
وهذا التوجه في إطار إعادة تقويم العلاقة بين جدل الإنسان وجدل الطبيعة لإيجاد مساحة للإنسان ضمن نشاط العقل الطبيعي، يوازيه جهد آخر مختلف لإعادة تقويم العلاقة بين جدل الإنسان وجدل الغيب بحثاً عن المساحة الحرة ذاتها للإنسان.
والاختلاف بين التوجهين اللذين يستهدفان غايات متقاربة في ما يختص بتحقيق مساحة حرية الإنسان ووجوده في مقابل الطبيعة واللاهوت يرجع إلى اختلاف قاعدة المفاهيم. فقاعدة المفاهيم الدينية في المعرفة تقيّد حرية الإنسان بها مهما تضخمت فرديته وانطلقت إبداعيته وانطلق نشاطه، في حين أنّ قاعدة المفاهيم الطبيعية تعطي حرية وجودية أكبر لهذا الإنسان، في ما نجده من تعبيرات حيّة للإحالات التي جسّدها كولن ولسن في كتاباته، أو سارتر أو غيرهما.
التطور التفكيكي لقواعد المفاهيم
تشكّل قواعد المفاهيم التي ذكرناها (تأصيلاً) لمناهج المعرفة البشرية في أطرها العامة، سواء تلك التي قعّدت نفسها على جدل الطبيعة أو جدل الغيب أو جدل الإنسان، أو ما بين هذه الجدليات على تفاوت في نسبية العلاقة، أو المسميات أو مراحل التطور العقلي بداية من الإحيائية (Animistic) ومروراً باللاهوت وانتهاءً بالعقل الوضعي بين مرحلتيه، الطبيعي العام ثم الطبيعي المقيد إلى العلم.
يمتّ كل ذلك إلى الأصولية وجذورها التقليدية، حيث بدأ العالم الصناعي المتقدم ومنذ الثلاثينات وبداية المعرفة بحلقة فيينا في نسج قاعدة جديدة للمفاهيم اتسمت بالنزعة الإبستمولوجية (Epistemology) التي فتحت الأصول التقليدية السابقة للمعرفة على النسبية المفضلة للاحتمالية، وعلى التحليلية المتماهية مع الثورة الفيزيائية التي هيمنت على الظواهر بمنطق التفكيك.
فالإبستمولوجيا تحرير للمعرفة من الأصولية التقليدية أوجدت قاعدة جديدة للمفاهيم بما في ذلك تحليل المفاهيم نفسها والحفر لا في تاريخ ميلادها فحسب ولكن في كيفية إنتاجها ضمن شروط تاريخية معينة للوعي والدلالة، فاتخذت قواعد المفاهيم أطراً جديدة تحرّرت من ثوابت كل المناهج السابقة، وضعية كانت أو غيبية.
التحرّر المعرفي والقطيعة المعرفية
صحيح أنّ الكثير من المفكرين قد اتخذ من هذا التحرر المعرفي الإبستمولوجي في ظلّ التحليلية النقدية العلمية المفتوحة ذريعة لإحداث قطيعة معرفية مع الأصولية التقليدية التي انبنت عليها قواعد المفاهيم التقليدية السابقة، غير أنّ الأمر يختلف لدى بعض آخر من أمثال كاتب هذه السطور. فليس المحتوم هو امتشاق المعرفية لإحداث قطيعة معرفية مع (الموضوعات) التي استثارتها الخبرة الإنسانية في ماضيها، سواء أكانت غيبية أو وضعية، وإنما المطلوب هو "إعادة اكتشافها" وفق توجهات المنهج المعرفي الإبستمولوجي المعاصر وأدواته التحليلية المفتوحة. فمادة المواضيع الموروثة تبقى قائمة (الله) سبحانه وتعالى وكذلك القوانين الطبيعية، ولكن الذي يختلف منهجياً هو تأسيس قواعد مفاهيم جديدة للتعامل مع جدل الغيب وجدل الطبيعة، القضية هنا إعادة اكتشاف بمنطق تحليلي نقدي علمي مفتوح.
حطّمت الإبستمولوجيا الدوغمائية الوضعية، ولكنها حطّمت أيضاً الدوغمائية اللاهوتية ومترسبات الإحيائية، ولكن مع وجود فارق أساسي في طبيعة تحطيم المادتين بسبب من كيفية التناول. فتحطيم البناء الوضعي الدغمائي سهل جدّاً في مجرى التطور الذهني باتجاه الإبستمولوجيا، لأنه تطور ينبعث من ذات موجبات العقل الطبيعي وفي سبيل مزيد من إحداث التطور في مجريات هذا العقل الطبيعي. أمّا تحطيم المادة الغيبية، فيتم في إطار نفس المنازلة والمجابهة بين العقل الطبيعي وعالم الغيب اللامرئي، حتى ضمن مستوياته التقليدية، فالإبستمولوجيا تعمد لاستبعاد الغيب تحت ضغط دافعين:
أولاً: استكانتها للمنطق العقلي الطبيعي الوضعي الموروث الذي ولدت ضمنه، وإن تمرّدت عليه.
وثانياً: لأنّ الغيب بوصفه ما فوق الطبيعة ليس في متناول إحداثياتها وطبيعة المادة التي تعالجها.
ولكن، وهنا الجانب الإيجابي الخطير، إنَّ المنهج الإبستمولوجي العلمي التحليلي النسبي الاحتمالي المفتوح الذي أدان ويدين كل الثوابت المعرفية والدوغمائية بإعادة اكتشافها وتحليلها يتخذ منطقياً الموقف ذاته تجاه ثوابت الغيب بأصوله اللاهوتية والإحيائية ليعيد طرح مادته ـالمادة الغيبيةـ ضمن معايير الاحتمالات، طالما أنّ المنطق الإبستمولوجي نفسه يرفض تأسيس مذهبية وضعية مطلقة.
إذن: ما هو فوق الطبيعة أو وراء الطبيعة يشكّل مادة للبحث، ولكن ما مدى القابلية لبحثه وفق مواصفات المنهج المعرفي؟ هنا الإشكالية التي تدفع البعض لاستبعاده؛ لأنه ببساطة خارج منطوق البحث ودائرته. ولكن هذه الخلاصة تشكل ردّة في الإبستمولوجيا إلى التقيد بالمذهبية الوضعية التي سبق لإرثها العقلي الطبيعي أن رفض التعامل مع ما هو فوق الطبيعة، وإعطاءها حقها في البحث الإبستمولوجي كإمكانية وجودية قائمة. خصوصاً وأنّ الإبستمولوجيا لا تعترف بطبيعة منطقها العلمي باكتمال المعرفة ونهايات وضع القوانين والتمذهب.
ويأتي التحدي أمام الإبستمولوجيا في مجال العلوم الإنسانية بالذات أكثر من مجال العلوم الطبيعية؛ ففي مجال العلوم الطبيعية يمكن أن تمضي الإبستمولوجيا في محاولة دراسة أثر الذبذبات التي تحدثها أجنحة بعوضة في الأرجنتين على حالة الطقس في أمريكا الشمالية. ولكن يصعب دراسة الآثار المنعكسة للاتساع الكوني اللانهائي على مزاج الإنسان واتزانه العصبي. فالإنسان ليس منفصلاً مستقلاً عن جدل الطبيعة الكونية الذي تكوّن ضمنه ويتأثر به.
فارق المرجعيتين في تأسيس قواعد الفهم:
إذا كانت الإبستمولوجيا قد اعتمدت قاعدة الفهم والمفاهيم المنبنية على تطور العقل الطبيعي الوضعي، باتجاه علمي مفتوح وبآليات تحليلية وتفكيكية تعالج مادة مرئية ومتوافرة وقابلة لشتى أنواع الاختبارات الملموسة، فإنّ مشكلتها مع المؤثرات فوق الطبيعية متفاقمة ومعقدة بطبيعتها؛ وذلك ببساطة لأنها فوق متناولها. ولذلك جاء موقف الاستبعاد، غير أنّ الاستبعاد لم يحل المشكلة حلاً علمياً وبمنطق الإبستمولوجيا المفتوح نفسه. إضافة إلى أنّ قدرات التطور العلمي وسقفه الآن المتمثل في الثورة العلمية الفضائية الفيزيائية لم تعط سوى (مؤشرات) يمكن للشروط العلمية التعامل معها على استحياء. وهذا ما أسمّيه التعامل العلمي باستحياء من خلال (الانبهار بالكون).
وهذا الانبهار يستعيد للنفوس العالمة بتجاوبها مع أحاسيس (الفطرة) التي تمسّ بأحاسيسها ولا تلامِس بأدواتها العلمية مداخل الوعي العلمي لمؤثرات ما فوق الطبيعة، بعد أن انتقلت بالثورة الفيزيائية من غلاف الأرض إلى لانهائيات الكون، ثم عادت بأدواتها لتحلل ما هو داخل الغلاف الأرضي.
إذن الذي ينقص المعالجة هو المزيد من التطور العلمي الكوني وبالمنطق الإبستمولوجي ذاته، حتى نصل إلى اللامتناهيات العلمية في كون لا متناهٍ في تكوينه. وهذا ما لم نبلغه بعد، وتحاول البشرية العالمة الوصول إليه وتطور قدراتها وخبراتها.
غير أنّ مساراً آخر يشقّ طريقه في عالم المعرفة ليسدّ هذا النقص ليؤكد من ناحية على أثر ما فوق الطبيعة على الطبيعة، ويسدّ من ناحية أخرى نقص المعرفة وبالنهج الإبستمولوجي ذاته الذي تمرّد عليه وعلى الوضعية معاً.
هنا بالذات يفرض القرآن نفسه ويضعها قيد الاختبار الإبستمولوجي. علماً بأنّه يأتي من ذات العالم الغريب على أدوات الإبستمولوجيا المعاصرة، يأتي ليستوعب محدوديتها ثم يستصحبها دون عداء بالاتجاه الكوني اللانهائي. فالقرآن حطّم في معرض إظهاره لأزلية القدرة الإلهية فرضيات السببية الجامدة ونتائجها الوضعية، فأكّد على لانهائيات الناتج في الخلق مهما كانت محددات العناصر المركبة له: ﴿وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.(الرعد/ج 13/ي4)
ومع تفكيك القرآن لقاعدة السببية الوضعية الدغمائية في سورة الرعد؛ حيث يجعل الخلق لا متناهياً في تنوعه مع صدوره عن متناهيات محددة هي تراب يسقى بماء واحد، يعيد القرآن التفكيك مجدداً ليخلق من خصائص المركب الواحد تنوعاً: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.(فاطر/ج22/ي12)
لحظة الفصل والوصل بين القرآن والإبستمولوجيا
هنا بالتحديد لحظة الفصل والوصل ما بين القرآن والإبستمولوجيا المعاصرة. لحظة الفصل؛ لأنّ الطارق القرآني الغيبي على الإبستمولوجيا من شأنه تحقيق الفصل ما بين الإبستمولوجيا والوضعية، ولحظة الوصل بالوقت ذاته؛ لأنّ هناك ما هو مشترك بين القرآن والإبستمولوجيا، وهو الوعي المفتوح. لأنّه يسمو بهذه الإبستمولوجيا نحو المطلق الكوني والمطلق الإنساني وصولاً إلى "اللاقانون" إلى "اللامحددات". فالقرآن يتعامل مع الإنسان بوصفه كائناً كونياً يرقى في تكوينه ونزوعه اللامتناهي على البوتقة الوضعية، وهذا ما سعت لاكتشافه أخيراً، وبعد عناء وضعي ماركسي شديد، مجموعةُ مدرسة (فرانكفورت)، فقد حاولوا الخروج من أغلال الوضعية ولكنهم جنحوا إلى وجودية عبثية تفكيكية. فكون الإنسان المطلق كون مزدحم بما هو مرئي وبما هو غير مرئي، فالكلّ يبدأ محدداً في عالم المشيئة ثم ينتهي ليكون مطلقاً، بما في ذلك الإنسان والطبيعة. تلك لحظة تذهل فيها الإبستمولوجيا، ويغمى فيها على العقل وتصعق الروح. وأهم ما في لحظة الفصل والوصل بين مطلق القرآن والإبستمولوجيا العلمية تجاوز القرآن لاحتمالياتها ونسبيتها المفتوحة باتجاه غائية الخلق، غائية الخلق والتكوين، وبالوقت ذاته مجرى الخلق باتجاه الحق عبر صيرورة إلهية جدلية كونية منذ أن كان عرشه ـ سبحانه وتعالى ـ على الماء إلى أن خلق الإنسان وعلَّمه البيان وجعل الآخرة ما بعد الموت مأوى له، فتلك صيرورة كونية تحقيقاً لغائية الخلق في حد ذاته من جهة وباتجاه الخلق نحو الحق من جهة أخرى، وهذا منطق تركيب بعد التفكيك الإبستمولوجي تعجز عنه المدارس الوضعية مهما كانت إدانتها للمذهبية الوضعية الجامدة ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.(الدخان/ج25/ي38،39) وكذلك فإنّ الخلق بغايته المحددة ليس ملهاةً له ومزاحاً إلهياً: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾.(الأنبياء/ ج17/ي 16،17،18)
في حين أنّ الإبستمولوجيا العلمية تستهدف التفكيك والتحليل، وما زالت عاجزة عن الوصول إلى التركيب. فمدرسة فرانكفورت ـ مثلاً ـ قد فكّكت الوضعية المادية لتعطي مساحة للإنسان، ولكنها لم توضح في النهاية أيّ إنسان هذا الذي تريد أن تعيد تركيبه وتمنحه حريته، والسبب أنها تحاول إيجاد الحلول ضمن البنية الوضعية نفسها، بل إنّ الأفضل كثيراً من جهود مدرسة فرانكفورت، ولكن عبر منهج أكثر إنسانية، هو الناقد الأمريكي لبوتقة الإنسان، رويس، وموقف القرآن، لأنه مطلق من هذه التفكيكية أنه يستصحبها في معرض التفكيك والتحليل والنقد ولكنه يضيف إليها التركيب الغائي. وهذه من أهم اللحظات المعرفية في الفصل والوصل؛ لأنّ التفكيك والتحليل ينتهي في ممارساته إلى تفكيك الإنسان نفسه ليجعل مصيره سجلاً احتمالياً ونسبياً مفتوحاً فتكرس الليبرالية الفردية الغريزية وتفقد حتى الروابط العائلية معناها؛ فالمنهج الإبستمولوجي بقدر ما هو مفيد على مستوى التفكيك هو الخطر بعينه إذا لم يتجه نحو التركيب. ولا يتم التركيب إلا عبر وعي كوني مطلق يصدر عن الإله الأزلي، تقدست إرادته وتباركت مشيئته وتنزه أمره.
وظيفة القرآن ـ بالنسبة للإبستمولوجيا المعاصرة - أنه يسدّ النقص في المعرفة الكونية بمنطق (الاستيعاب) و(التجاوز) معاً. رجوعاً إلى تركيبة القرآن نفسه بوصفه معادلاً معرفياً مطلقاً في حد ذاته لمطلق الإنسان ومطلق الوجود الكوني. فهو كتاب (متعالٍ) بمعنى مطلق تعطي نصوصه أو آياته الكونية حتى بما فيها من ملائكة وجن متاحات وعي لامتناه في كون لا متناه، فالخلق في القرآن يتجاوز خصائص المادة وتفاعلاتها المنضبطة إلى تفعيلها عبر حركة كونية لا متناهية.
من ذلك "النفس" التي هي ثمرة تفعيل المتقابلات الكونية؛ حيث تجاوزت، بمرئياتها ولا مرئياتها وإرادتها ووعيها ونزوعها اللامتناهي إلى درجة المطلق، نسيجها الجسدي، وتوضح لنا سورة الشمس أبعاد التركيب الكوني للنفس الإنسانية التي لم تستدركها بعد المناهج الوضعية لعلم النفس والاجتماع: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾.(الشمس/ ج30/ي1،2،3،4،5،6،7،8) ومن ذلك النتاج المركّب من عنصرين (ماء وتراب) والناتج المختلف من عنصر واحد (ماء فرات وماء عذب) ومن ذلك عسل مختلف ألوانه، ومن ذلك لبن بين فرث ودم، خلق مركب لا متناه متجاوز كل طاقات الفهم العلمي وثوراته الفيزيائية أو البيولوجية ولكنه مقيد إلى (غاية).
لحظة الفصل والوصل بين القرآن والإبستمولوجيا، تعبّر عن نفسها بمنطق الاستيعاب والتجاوز باتجاه المطلق المعرفي اللامتناهي. هنا بالتحديد يكون (منهج الجمع بين القراءتين)، مدخلاً لتأسيس قاعدة المفاهيم الكونية المطلقة والجامعة؛ أي (القراءة الكليّة) والدخول في عالم الكليّات، حيث يكون الجمع ما بين القراءة بالله خالقاً والقراءة مع الله معلماً بالقلم الموضوعي فالأولى قراءة ربانية متعالية وصولاً إلى اللامتناهي، والثانية قراءة موضوعية نسبية وصولاً إلى المحددات.
ومدخل القراءة الأولى ليس مجرد الرؤية في ظواهر المخلوقات أو آيات الكون المتحرك لنستدل بها على وجود الخالق وأسمائه الحسنى مدبراً وخالقاً ومبدعاً ليتحقق لنا الإيمان به. ولا يتطلب الإيمان الصعود إلى مرحلة القراءة الأولى، فمقوماته بالنظر متوافرة لكل الناس، منذ أن خلقهم الله إلى اليوم. فخاصية القراءة الأولى قراءة في "الإرادة الإلهية" المتبدية في ظواهر الخلق والحركة. أمّا القراءة الثانية، فهي قراءة في (ظواهر الخلق والحركة) نفسها، حيث نتعرف على قوانينها وتشيئها ونسيطر عليها؛ فالقراءة الأولى قراءة في عالم (الإرادة الإلهية) والقراءة الثانية في عالم (المشيئة الإلهية).
فالجمع بين القراءتين ليس كما ذهب إليه البعض قراءة في كتابين: الأول كتاب القراءة والوحي، والثاني كتاب الكون المتحرك؛ بحيث تفضي قراءة القرآن إلى الكليّات وتفضي قراءة الكون المتحرك إلى التفاصيل، ثم تفضي بنا القراءتان إلى الإيمان. ففي هذا القول تبسيط لحقيقة هذا المنهج، وتضييع له في الوقت ذاته.
فالإنسان بالقراءة الثانية، يتعرف على الظواهر الطبيعية ويقرأ قوانينها ويتعرّف على التاريخ والتوزيعات الجغرافية والبشرية وكافة أنواع العلوم، مثله في ذلك مثل أي إنسان في كل مكان في العالم وفي أية مدرسة أو جامعة.
أمّا القراءة الأولى، فإنها ليست معنية بذلك ولا تبحث في القرآن عن دالة أو دلالات لهذه الظواهر في ما يسمونه التفسير العلمي للقرآن، وإنّما تبحث القراءة الأولى في أمر آخر هو (الإرادة الإلهية المرتبطة بالحكمة) في كل ذلك ومن كل ذلك والمؤشرات الدالة على ما يتجاوز قدرات العلم البشري، كمؤشرات وليس كمعرفة، فما جئنا به في سورة الرعد أو سورة فاطر أو عندما يحدثنا القرآن عن العسل أو اللبن أو النفس، إنما هي (مؤشرات) للدلالة على اللامتناهيات الخلقية، وليس مساقات تحصيل علمي؛ فللتحصيل العلمي شروطه الموضوعية العلمية، فلا نكون كمن يسأل الرسول(ص) عن الأهلة فذاك دخول للبيوت من غير أبوابها.
مقاربة فهم الإرادة الإلهية عبر القراءة الأولى من القرآن والمتحققة في ظواهر الوجود وحركتها، مكانها وزمانها، لا تعني قط ـ كما فهم البعض ـ مضاهاة القرآن ككتاب مقروء بالكون ككتاب متحرك. وهذا ما يزعجني في ما انتهى إليه الذين تناولوا كتاباتي حول الجمع بين القراءتين منذ عام 1979 إلى اليوم.
وتعلُم القراءة الأولى لا يتمّ عبر منهج موضوعي محدد بشروط، وإنما يستمد القراءة الأولى من طبيعتها بوصفها قراءة بالله، تتم بتقوى الله في ما نقدر عليه، وبرجاء رحمة الله وغفرانه في ما لا نستطيع. فالقراءة الأولى قراءة (عبودية)، لا ينالها من يريد علوّاً في الأرض وطغياناً، ولا ينالها من يفسد في الأرض ويسفك الدماء...ومَرَاقِيها لا تقلّ عن مشقة المراقي العلمية الاختبارية في معمل الكيمياء، فلكلّ درب مسالكه ومشاقه، العابد يلحّ على الله كما يلحّ العالم على المادة ويحللها ويفككها.
ولا تعتبر نتائج القراءة الأولى المستمدة من منهج غيبي موجهات ملزمة لمن يستمع إليها، إلا أن يسمعها وتقع في روعه ويكون له نصيب فيها، علماً بأنّ القراءة الأولى لا تعتمد على تأويلات ذاتية باطنية؛ إذ تستند إلى مرجعياتها في القرآن نفسه، وهي مرجعيات ندخل إليها بعد الهدى الإلهي ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾، متعززين فيها بآليات حديثة ومستحدثة لفهم القرآن وبما يقارب النهج الإبستمولوجي نفسه. فبهذا النهج يتعزز الفهم ولكن ليست هذه الآليات المساعدة هي المدخل الحقيقي؛ إذ إنها معززة ومساندة ومساعدة، مثال الحفر المعرفي والألسنية المعاصرة والتاريخانية، حيث نستدل على الوحدة المنهجية العضوية الضابطة لكل آيات الكتاب وامتناع فعل الناسخ والمنسوخ وفعل المترادف والمشترك في لغة القرآن، وإعادة اكتشاف معانٍ، بوجوه أخرى، للنصّ القرآني المطلق ذاته انطلاقاً من أنّ القرآن مكنون، ومجيد، وكريم، ومطلق، وكوني متميز عن سائر الكتب السابقة عليه، بوصفه كتاب الأرض الحرام وليس المقدسة، والمتنزل على خاتم الرسل والأنبياء(ص) الذي آتاه الله السبع المثاني والقرآن العظيم، وأيّده بالروح القدس وجعله أول المسلمين، وميَّز رسالته بخصائص لم تتوافر لمن قبله ولا تتوافر لمن بعده.
فالآليات المعرفية الإبستمولوجية المعاصرة تشكل قوة إسناد لدعم القراءة الأولى ولكنها ليست مصدرها؛ لأنّ مصدر القراءة الأولى يُستمد من ذات طبيعة القراءة الأولى؛ أي العبودية لله سبحانه وتعالى.
القيمة المنهجية للقراءة الأولى:
إنه من نتائج القراءة الأولى أنّ لها قيمة مزدوجة: فهي من الناحية الأولى تحتوي القراءة الثانية بمنطق الإيمان الدال على التسخير الإلهي للكون وليس العلو والطغيان والصراع والتضاد. ولهذا الأمر قيمته الوجودية.
والأمر الذي يتلو ذلك ويعلو عليه في القراءة الأولى هو الكشف عن المنهج الكوني القرآني والتعامل مع القرآن نفسه كمنهج معرفة متكاملة، فبالقراءة الأولى تتأسس قواعد مفاهيم متكاملة ومترابطة، تفضي كلّ قاعدة منها إلى قواعد أخرى، بداية من التمييز بين خصائص العوالم الثلاث للفعل الإلهي من عالم الأمر المنزّه إلى عالم الإرادة المقدّسة إلى عالم المشيئة المباركة، وفوارق التشريعات المتعلقة بها، وحركة التاريخ والاصطفاء، والتدافع وخصائص الأمّة الوسط، وعالمية الأميين، وآفاق الصيرورة الكونية الإلهية المتعلقة بالإنسان منذ ما قبل ميلاده إلى ما بعد موته، وعلاقة الخلق بصيرورة الاتجاه نحو الحق، ومداخل السلوك الإنساني في الموقف من الغيب إيماناً وكفراً، وفوارق الخطاب الموجّه إلى الناس كافة وإلى المسلمين خاصة. وخصائص الحقبة النبوية الشريفة واستحالة تكرارها، ونوعية الخطاب القرآني الخاص بها، وطبائع الرسل والنبيين وشخصياتهم كمثال طبيعة السيد المسيح(ع) والنفخ، وإحيائه الموتى والقول بقتله وصلبه، والفارق بين الأسماء (الحامل فيها والمحمول) منذ أن تعلّمها آدم، وعلاقة الله بالإنسان كفراً وإيماناً في عالم المشيئة، وعلاقته به اختياراً وجبراً ممّا يحلّ مغاليق المتاهات الفلسفية، ومضاهاة السنن الكونية بالسنن الإنسانية الأخلاقية، وخصائص التشريع العائلي وما ورائيات الزنا ومداولات المال، وعلاقة المسلم بالآخر وصولاً إلى النهج الكامل لمجتمع إيماني متكامل ما بعد الحقبة النبوية الشريفة، وكيفية الأداء الديني بعدها ومواضيع كثيرة أخرى.
فالقراءة الأولى، إذ تستصحب القراءة الثانية، فإنها تتسامى بها إلى ما فوق النزوعات الغريزية من جهة ثم تستصحب ما يستجد من مناهج القراءة الثانية لتعزز بها رؤاها الربّانية، فهي قراءة في (داخلية) القرآن وليست حساً ظاهرياً لمعانيه، ولكنها كما ذكرنا ليست قراءة باطنية تأويلية ذاتية وليست عصرانية مفتعلة. وليس من دليل نهائي عليها ـ من بعد استخدام المناهج الإبستمولوجية العلمية - سوى مخاطبتها للسمع والبصر والفؤاد، فهي قراءة مصدقة للقرآن ومكنونيته ومجيديته وكرمه وإحاطته.
مفهوم الهيمنة والنسخ:
وأخطر ما في القراءة الأولى التي تستمد من كُليّة القراءة مفهوم الهيمنة والنسخ الذي يتغشاه القارئ على امتداد القرآن المكنون، فالقرآن الخاتم بهيمنته على ما سبق من كتب صدقها، فإنه يتولى في الوقت ذاته تصويب ما حُرِّف فيها بمنطق (نقدي استرجاعي) مثال قصة إبراهيم(ع). والقرآن يتولى عبر النسخ تحديد ما هو للإرادة الإلهية المقدسة من شرائع، وتحديد ما هو للمشيئة الإلهية المباركة بتواصل بين الحنيفية الإبراهيمية التي كُرِّست لإمامة الناس والحج والقربان شكراً على المكان، وإمامة المسلمين تنزلاً من عالم الأمر الإلهي إلى عالم المشيئة العالمي، وهكذا يتمّ النسخ مع كشف مواطن التزييف والمصادر التي قد تستخدم للطعن في خصائص الإسلام، ليس هيمنة فقط على ما مضى باسترجاع نقدي ونسخ، ولكن هيمنة على ما يكون في حاضر الحقبة النبوية الشريفة وما بعدها.
وفوق ذلك، يبرئ القرآن نفسه من التاريخانيات التي تُسقِط نفسها عليه عرفاً وثقافة ووعياً ليتجدد مع كل تاريخانية حاضرة ومستقبلة؛ فالمدى في القراءة الأولى واسع ومتسع ويتبلور من خلالها المنهج بتراكم قواعد المفاهيم وترابطها، فالقرآن كون معرفي قائم بذاته.
ولكن: لماذا القرآن وليس الكتب السماوية الأخرى؟
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب مساقاً علمياً آخر نكشف فيه عن قاعدة أخرى للمفاهيم تتعلق بمفهوم وتطبيقات الاصطفاء الإلهي للبشر وللأرض وللزمان والمكان. فكلّ الكتب السماوية متنزلة في الأرض المقدسة في حين تنزل القرآن وحده في الأرض الحرام والأرض الحرام أعلى درجة من الأرض المقدسة. والكتب المقدسة تخاطب أقواماً وشعوباً في إطار خطاب حصري موقوت بالزمان والمكان وبالتالي فتلك كتب عهد. أمّا القرآن، فهو للناس كافة ويتسع لمطلق الزمان والمكان، جاء حاملاً الصيرورة الكونية كلها، ومعادلاً بالوعي للوجود الكوني وحركته، وتميّز نبيه بأنه نبي الأرض الحرام وخاتم النبيين في الوقت ذاته، وجاء بدين أكبر درجة من الإيمان وهو الإسلام، فإبراهيم(ع) إمام الناس وموسى إمام المؤمنين(ع) أمّا محمد(ع) فهو إمام المسلمين بمن فيهم الأنبياء الذين أسلموا والربانيين.
فالقرآن ـ إذن ـ هو المقابل الديني للمفاهيم الوضعية، ومنه نستمد إسلامية المعرفة؛ فالمعرفة المقابلة للوضعية لا تكون إلا إسلامية، ولا يمكن أن نطلق عليها اسماً آخر، كالمعرفة الدينية مثلاً، والتي يمكن أن تختلط بكتب الأرض المقدسة القابلة للتحريف خلافاً لكتاب الأرض المحرمة الذي لا يمكن أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا ما بين ذلك، بحكم حرمته وليس قدسيته، وهو الكتاب الوحيد الذي به حفظ ما سبق من ذكر، وبه تصحّح تحريفات ما نسب ودس بحكم الهيمنة. كما يكون هو المعيار لما يستجد لاحقاً ومستقبلاً فيثبت وينفي، فهو الميزان ولهذا نقيس عليه الأحاديث النبوية الشريفة واجتهادات العلماء.
نهايات الجهد العملي للمنهج:
ثم نأتي لأخطر تساؤل حول النتائج والنهايات العملية، لأخذنا بهذا المنهج وإعادة طرح المعرفة الدينية مجدداً بوجه المعرفة الوضعية. هل يعني ذلك أننا أمام مشروع إسلامي حضاري عالمي يستوجب التنظيم؟
يجب أن ندرك مسبقاً أنّ معركة الدين ضد الوضعية، حتى في حال الطرح الديني المعرفي المنهجي بطاقة القراءتين في القرآن، واتساع الفهم لجدلية الغيب والإنسان والطبيعة، هذه المعركة ليس من شأنها أن تُحسَم في هذه الدنيا التي أحيانا الله فيها مرتين وأماتنا مرتين، أو يحيينا ويميتنا طالما أننا لا نتذكر النشأة الأولى، فالغالب على الناس هو عدم الاستجابة بالرغم من الرسل والنبيين، الأمر الذي اقتضى تدخل الله مرتين: الأولى في الحقبة اليهودية الإسرائيلية والثانية في الحقبة الإسلامية العربية ضمن منطق الاصطفاء للأقوام والأمكنة، فكان النصر في الحالتين نصراً إلهياً وليس بشرياً، والحالتان يستحيل تكرارهما، فكلّ ما نفعله عبر جهدنا المعرفي هو أن نحافظ على إرث التأسيس وأن ندعم بنيانه ولا يتبقى منه بعد ذلك سوى التدافع العربي-الإسرائيلي تحت المظلة الإسلامية اليهودية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ﴿وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾.(الإسراء/ج15/ ي58) فالسابقون السابقون هم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ولا يبقى بالتساوي إلا أصحاب اليمين بعد أن يستكثر الجن من الإنس. فكل ما في الدنيا هشيم تذروه الرياح، وغالباً ما يفشل البشر في اكتشاف طريق الحق أو يكتشفونه ويرفضونه.
لقد سخّر الله للإنسان ومنذ بدء استخلافه الآدمي مستويات ثلاثة، في عوالم ثلاثة: عالم الأمر والملأ الأعلى، حيث كان آدم وهبط دون ذلك، ثم عالم الإرادة حيث كان بنو إسرائيل، القرية الرغدة وشق البحر وهبطوا دون ذلك، ثم عالم المشيئة وهبط العرب دون ذلك، فترى الفتن والخطوب علهم يرجعون، وجزاء كل سيئة مثلها إلا من رحم ربي. فقاعدة المفاهيم الإسلامية لها نسقها الخاص وحضارتها الخاصة. غير أنّ أوضاع مجتمعات ما بعد الصناعة والاستقطابات العالمية للإنسان لم تفد في حل مشكلاتها عبر القياس على المجتمعات البدوية والرعوية والزراعية والتجارية والحرفية ما قبل الصناعة.
ولذلك، ركّز الخطاب القرآني بتوسع على الحالتين الإسرائيلية والعربية بالمستوى نفسه تقريباً الذي ركّز فيه على حال الأقوام من بعد نوح حتى شُبِّه القرآن لدى البعض بأنه يولي تلك الأقوام الحيّز الأكبر من اهتماماته تاركاً لمن تبقى متاهات تتعلق بالتأسي والامتداد، ومنهم من قال: إنه خطاب عربي أو يعنى بالحقبة النبوية الشريفة وما قبلها ولا يتطرق لما سيأتي في مستقبل متغيرات الأزمنة والأمكنة. كما أنّ التركيز هو دائماً على مواجهة الشرك الصنمي البواح، والتأكيد بعد ذلك على وحدانية الله والبعث الأخروي وطرح موجبات العبور الصالح في الدنيا. فكأنما القرآن هو مستودع هذه الرباعية فقط (نبذ الشرك ـ وحدانية الله- العمل الصالح- البعث الأخروي).
فالأمثلة القرآنية أمثلة تخاطب مجتمعات ما قبل الصناعة وتركيب الأسرة الزراعية والريفية القبلية، وحتى البحرية التي تقوم على الصيد ومسخرات الحمير والبغال والخيل، وتخوف ركوب البحر، حتى أنّ القرآن يتماهى مع بعض المظاهر الاجتماعية والسلوكية في تلك المجتمعات ما قبل الصناعة؛ إذ لم يتطرق لتحريم الرق بالمستوى الذي حرّم به لحم الخنزير، أو أباح به تعدد الزوجات، وبدا كأنه يقرّ دونية المرأة في الشهادة مع فرض الخمار عليها إلخ... ما يجعل فقهاء الإسلام المعاصرين في حرج من أمرهم تجاه المشكلات النوعية المتجددة؛ حيث إنّ الفقيه المتمكن الذي يُستشهد بآرائه هو فقط من يكون قادراً على فهم واسترجاع أحوال تلك المجتمعات السالفة ثم الاجتهاد في المشكلات المعاصرة بالقياس عليها، وهكذا أصبح "القياس" أحد الأصول بعد القرآن والسُنّة والإجماع.
إضافة إلى أنّ "فرض" الدين على المجتمع بالمواصفات التاريخية السابقة يحتاج إلى تدخل إلهي، سواء أكان تدخلاً محسوساً ملموساً كما كان في الحقبة اليهودية الموسوية، أو تدخلاً غيبياً كما كان في مطلع الحقبة الإسلامية الأميّة المحمدية الأولى. ويجب أن نلحظ بوضوح أنّ كافة النبوّات لم تجد الاستجابة المطلوبة من الشعوب والأقوام ما عدا نبوّة موسى ونبوّة خاتم الرسل والنبيين، وأتى الاستثناء عبر التدخل الإلهي، المحسوس ثم الغيبي: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾.(المؤمنون/ج18/ ي 44)
فالذي يتبقّى من الدين هو إرث عام يتداخل مع الطبائع البشرية ومكونات العرف والثقافة إلى مستوى التحريفات في كثير من الأحيان؛ أي تحول الدين من معرفة إلى أيديولوجيا تخالطها الكثير من الأفكار.
غير أنه يتبقّى أمر واحد للحفاظ على الدين، وهو التدافع الذي لولاه لهدمت دور العبادة، وليس خربت بفعل المعارك العسكرية. والهدم انصراف، بالتدافع تبقى جذوة الدين عبر العصبيات: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾.(الحج/ ج17/ من ي40) هذا تدافع عالمي عام غير أنّ التدافع الأكثر فعالية هو التدافع الخاص ما بين العرب تحت مظلة الإسلام والإسرائيلين تحت مظلة اليهودية أيّاً كان فهم المتدافعين لدينهم في إطار التثبيت العصبوي. ويرتبط الأمر هنا باصطفاء الأرض والبشر ومحددات الزمان والمكان ـ كما ألمحنا سابقاً- وهكذا نجد:
أنّ إعادة إنتاج الحقبة النبوية الشريفة بالنسبة للمسلمين، أو إعادة إنتاج الحقبة الموسوية بالنسبة لليهود، وبالقوة البشرية الذاتية في ما تطرحه الحركات القائمة اليوم أمر خارج موجبات ومقومات ما تبقى من الإرث الديني العام.
غير أنّ هناك ممكناً ملحاً وضرورياً يُستنهض تلقائياً وبتقدير إلهي بموجب التدافع العربي-الإسلامي بوجه الإسرائيلي اليهودي، كما أوضحت مقدمة سورة الإسراء ونهايتها ومقدمة سورة الحشر، وهو التمسك بالدين نفسه على أن يتجه علماء الأمة لترقية وإحكام ثوابت هذا الدين، بداية من التأكيد على القيمة المعرفية للإيمان بالله الواحد الأحد لإظهار الرؤية الكونية التي يرتبط بها مصير الإنسان الكوني منذ ما قبل ميلاده إلى ما بعد موته، كبديل عن الرؤية الوضعية. وهنا يأتي دور إسلامية المعرفة متى فُهِمَت في إطار القرآن ومطلقه، وبما يعادل مطلق الإنسان ومطلق الوجود، وعبر الجمع بين القراءتين والاستهداء بالعلاقة الجدلية ما بين الغيب والإنسان والطبيعة واسترداد العلم من براثن القبضة الوضعية، حيث يتعزز الدين حين يحلق العلماء بعلمهم في رحاب الكونية والكون:
﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾.(فاطر/ج22/ ي28)
﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.(المجادلة/ج28/ ي11)
ولكن حين يجنح بعض الوضعيين لاستلاب العلم باتجاه الشيئية بما في ذلك تحويل الإنسان إلى شيء وتجريد العلم من كونيته ندخل جميعاً في البوتقة الظلامية، فيأتي الدين مجدداً ليسترد بضاعته بنفي الوضعية عنها، وهذا هو أساس إسلامية المعرفية؛ أي المعرفية الكونية غير الوضعية.
وقد بدأت الحضارة الغربية ـ كما ذكرنا- في ارتياد أولى مسالك الطريق ولكن ليس باتجاه الكونية بعد، ولكن بحصار الوضعية كفلسفة للعلوم الطبيعية والإنسانية بداية بحلقة فيينا وامتداداً إلى مدرسة فرانكفورت...والظاهر في الأولى (فيينا) التركيز على تفكيك دوغمائية العلوم الطبيعية، كما أنّ الظاهر في مدرسة (فرانكفورت) تفكيك المادية الوضعية الجدلية. غير أنّ هذا التفكيك ذا الطبيعة الإبستمولوجية المنفتحة ما زال في إطار الوضعية، ولم يتمّ التخلص منها بعد.
فحين يسترد الدين المعرفة العلمية إليه باتجاه الكونية ويبرئها من الوضعية يكون قد قام بعملين مزدوجين، فمن ناحية يدين الصراع اللاهوتي المسيحي مع العلم، ومن ناحية أخرى يدين توجهات الوضعية في العلم، فلا تكون المعرفة بعد ذلك إلا إسلامية، مبرئاً الدين من اللاهوت في الوقت ذاته الذي يبرئ فيه العلم من الوضعية.
فمشكلة الوضعية أنها قيَّدت العلم بمخططها الذي رفض التعامل مع الظواهر التي لم ترتق أدواته للتعرف عليها وقياسها مخبرياً، وفي حمى رفضه لها يتناسى أنها ظواهر حيّة، في حين أنّ مهمة العلم الدائمة أن يتعرف على ما لم يتعرف عليه بعد، وإلا أصبح العلم مالكاً للحقائق وكفّ عن أن يكون علماً.
فنحن في عصر العلم والعالمية، وقد تغيرت نوعياً إشكاليات الفكر والواقع. هنا تقف إسلامية المعرفة بكامل أطرها المنهجية لتطرح البديل المتجاوز للوضعية في عصر العلم والعالمية؛ حيث نعيد فهم ديننا، وفي هذا الإطار بوصفه "عالمية خطاب"، "وحامية كتاب" و"شرعة تخفيف ورحمة" يتوجه إلى كافة مجتمعات العالم المعاصر، باستيعاب وتجاوز لكافة المناهج المعرفية والأنساق الحضارية، وبما يؤمِّن التداخل بالوعي مع إشكاليات العالم المعاصر التي لا تجد حلاً موضوعياً لها إلا بانتقال الإنسان من سجن الوضعية إلى آفاق الكونية، عبر كتاب كوني هو القرآن بالذات.
هذه هي (الكُليّة)الضابطة لنسيج قواعد المفاهيم التي نستمدها من القرآن، وعبر الاستنباط وإعمال القراءة الأولى للإحاطة بالمتغيرات خلافاً للخطاب القرآني المبسط والمباشر الذي توجه للأميين العرب في حينها؛ أي خطاب ما قبل المنهجية المستمدة من القرآن نفسه وقبل استكمال الوحدة العضوية المتداخلة للعالم أجمع وما قبل الصناعة؛ ولهذا قلنا بالعالميتين: الإسلامية الأميّة الأولى، ثم الإسلامية العالمية الثانية، واستنادها إلى منهجية القرآن بمستوى معرفي معاصر، والإرث عن خاتم الرسل والنبيين، وليس رسالة ثانية وذلك بموجب سورة فاطر (الآيات 31و32) وبحكم مجيدية القرآن ومكنونيته وكرم عطائه المتجدد.
إنّ تفعيل هذه النقاط، أو المرتكزات أو الأساسيات يتطلب جهداً (جماعياً) من ناحية ومؤسسياً من ناحية أخرى. وقد قامت بعض الجهود التي وقفت على أعتاب هذا المشروع ثم أجهضت لأسباب ليس هنا مجال تبيانها. فأن نشرع في تأسيس ما يقابل الوضعية الدنيوية بعمقها وهيمنتها في عصر العولمة الوضعية؛ فهذا جهد يحتاج إلى تدبّر. إنّ كل مشاريع البعث الحضاري الإسلامي النابتة من جذوة عصبيات التدافع، والتي تستند إلى القياس والإرث التاريخاني دون أن تنفتح على القراءة الأولى في القرآن ومنهجيتها، لا تساعدنا إلا بالقليل في عصرنا المتغير هذا، بل إنّ الجهد الذي طرحته هو المدخل الذي يحقق لنا التدامج بين المشروع الديني العالمي ومتطلبات التعددية، والتنوع في عصر العولمة. فنحن نضع جدل الصيرورة الكونية بديلاً عن جدل الوضعية، ومع إدراك تام لفوارق النسق بين المراحل الدينية المختلفة، والمستويات التي أجريت فيها، منذ آدم إلى محمّد، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه؛ لأننا إذا لم نتفهم هذه الخلفيات كلها فسيصعب علينا فهم حقيقة ما يجب أن نفعل.
تطبيق إسلامية المعرفة على الواقع الموضوعي:
باسترداد العلم الذي سُخِّرت به السموات والأرض، ظواهر وحركة للدين، بعد الإخلال الوضعي، فإنّ أولى مهمات إسلامية المعرفة في الواقع الموضوعي المعاش هي التأكيد على كونية الإنسان مجدّداً، وربطه بالمنهج الرباني الكوني للتعامل مع مشاكله التطبيقية وإشكالياته العقلية والأخلاقية.
وقتها سنكتشف أنّ إسلامية المعرفة ليس بحالها فقط، القلب والتديّن التطهري والآخرة، وإنما بحالها الواقعي الحياتي الموضوعي الحي، والتغلب على الأزمات والآثار الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والسياسية الناتجة عن قصور وإضلال المذاهب الوضعية.
فإسلامية المعرفة الكونية تؤكد على العائلية كأساس للوحدة الاجتماعية وليس الفردية. العائلية المستمدة من زوجية الخلق كله، في المادة وفي النبات والحيوان والإنسان ومتقابلات النظام الفلكي: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.(الذاريات/ج27/ي49). وبالزوجية تنفى الفردية الوضعية وتنفي معها متعلقاتها الليبرالية الإباحية، فتكون شرائع منع الزنا، واستبعاد التبني وحكمة التعدد وأحكامه، وتحديد دائرة القرابة المحرّمة.
وبكونية الإنتاج المستمدة من الخلق الإلهي تكون فريضة الزكاة المقابلة؛ فكل ما ننتجه مركب على قوة عمل إلهي تتحكم في خصائص المادة وفي اقترانها ببعضها بعضاً، حركةً وأسباباً. وبتعزيز ذلك بالإنفاق ومنع الربا الذي يربو في أموال الناس، متجاوزاً الضعف المضاعف مع منع الاكتناز.
فالبناء الاقتصادي الإسلامي كما هو البناء العائلي منظومتان مستمدتان من الرؤية الكونية وليس الوضعية للوجود. فالرؤية الوضعية ليس بمقدورها أن تفسّر لماذا لا تباح العلاقات الجنسية حتى بين الذكور، وليس بمقدورها أن تفهم معنى الزكاة، ومعنى الإنفاق والتي تحاول مقاربتها ومضاهاتها بالضرائب، والزكاة والإنفاق ليسا من الضرائب في شيء، ومالهما للمجتمع وليس للدولة.
ومن البنائية العائلية إلى البنائية الاقتصادية بمنطق الجمع بين القراءتين، يمتد السياق إلى البنائية السياسية المركبة عليها، فلا تنابذ ولا صراع ولو تقنن بالديمقراطية، وإنما السلم للناس كافة بلا دعاوى وصراعات: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.(البقرة/ج2 /204 /205/ 206/ 207/ 208)
وكما أنّه لا ديمقراطية تقرّ بالصراعات المقننة على حساب السلم كافة، فلا شمولية تصادر الاختيار الحر، فأولي الأمر "منا" بالاختيار الحر، وليسوا "علينا" بالغلبة وإمارة الاستيلاء، وليسوا (فينا) بالإرث الاجتماعي والتاريخي:﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾.(النساء/ج5/ من ي59) فليس المطلوب طاعة السادة والكبراء: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيل * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾.(الأحزاب/ ج22/ ي67،68)
ويمكن أن نمضي في تداعيات الوصل والصلة الكونية بين هذه البنائيات المتداخلة والمترابطة في ما بينها إلى ما لانهاية من العائلة إلى المجتمع، ومن الاقتصاد إلى السياسة، ومن فعاليات العقل إلى قيم الأخلاق؛ ليتحقق في الوجود ذلك الإنسان المطلق الذي يدخل السلم مع ربه، ومع نفسه، ومع مجتمعه، ومع كونه الطبيعي المسخّر له بقوة القوانين الطبيعية التي يسترد الدين فلسفتها إليه، مبرأة من الوضعية والشرك والكفر. لينتهي عبد الله في النهاية حراً كالطير في جوّ السماء ولا يمسكهن إلا الله، وليس كعبد البشر المملوك للبشر، قناً كان في الأرض، أو عاملاً في مصنع، أو جندياً يفسد في الأرض، فكل هذه الأنظمة الطبقية إنما تعبد طبقاتها العليا، التي لا تملك لها رزقاً في السموات والأرض: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ * فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.(النحل/ج14/ي73،74،75،76،77)
وفي مقابل مصادرة الإنسان لوعي الإنسان المستعبد وحريته يقول الله ـ سبحانه- ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.(النحل/ج14/ي78،79)
فالدين الذي يقول عنه الوضعيون: إنَّ مكانه القلب وليس العقل هو الوحيد الذي يستعيد للعلم مكانته الكونية، ويخرج به وبالإنسان من آثار البوتقة الضيقة المحدودة. وهكذا تكون إسلامية المعرفة، ساعية بالتطبيق في الواقع المعاش عبر معرفيتها. وكذلك لا ينقص من إسلامية المعرفة أنها تحولت بالدين من الضيق الأيديولوجي، حيث يريد الوضعيون مصادرته باسمها إلى آفاق المعرفية العلمية الكونية.
القراءات المستصحبة:
1- جون هرمان راندال، تكوين العقل الحديث، ترجمة جورج طعمة، دار الثقافة، بيروت، الجزء الثاني، مفهوم العالم كنمو وتطور، الصفحات 111، و162
2- د. برهان غليون، اغتيال العقل، محنة الثقافية العربية بين السلفية والتبعية، الطبعة الثالثة، مكتبة مدبولي، القاهرة، عام 1990، من ص 57
3- محمد أبو القاسم حاج حمد، التأسيس القرآني للمجتمع المعاصر، ضمن مناقشات (ندوة جمعية الفكر الإسلامي، نحو مشروع حضاري إسلامي معاصر- مالطا- المركز الإسلامي- بتاريخ 12 نوفمبر 1989)
4- محمد أبو القاسم حاج حمد، الحركات الدينية الإشكالية المعرفية وعالمية الثقافة المعاصرة، ندوة جميعة الدعوة الإسلامية العالمية، طرابلس- ليبيا، أغسطس/آب 1991، صفحات من 26 إلى 37
5- محمد أبو القاسم حاج حمد، العالمية الإسلامية الثانية، جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، الطبعة الثانية، مجلدان:
British west indies, International studies and Research Bureau، 1996.
6- د. منى فياض: العلم في نقد العلمودراسات في فلسفة العلوم، الطبعة الأولى، دار المنتخب العربي، توزيع المؤسسة الجامعية، بيروت، 1415 هـ، ص 130 إلى 135، الطبعة الأولى.
7- د. عبد السلام بن عبد العالي ود. سالم يفوت: درس الإبستمولوجيا، الطبعة الأولى، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ص 45 و46، عام 1985
8- د. محمد وقيدي: مهام الإبستمولوجيا، ضمن كتاب (ِإشكاليات المنهاج في الفكر العربي والعلوم الإنسانية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ص 11 إلى 18
9- محمد أبو القاسم حاج حمد، التوالي السياسي بين الشورى والديمقراطية، محاضرة، مركز الدراسات الاستراتيجية، الخرطوم، الأربعاء 26 رمضان 1419هـ، الموافق 13 يناير، كانون ثاني 1999
10- محمد أبو القاسم، منهجية القرآن المعرفي، أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية، وهو كتاب فرغ من تأليفه في واشنطن في شهر ربيع الآخر 1411هـ الموافق نوفمبر/تشرين الثاني 1991م. وقد تبنى المعهد العالمي طباعته وتعميمه في تداول محدود، ثم عقد له ندوة في القاهرة في آذار/مارس 1992م حيث شارك فيها جمع من الأساتذة من ذوي التخصصات المختلفة وقدم لها الدكتور طه جابر العلواني رئيس المعهد العالمي، كما تناولها أساتذة آخرون من خارج الندوة بتعقيبات مكتوبة. وقد جُمِعَ كل هذا الإنجاز في كتاب أعد للصدور بالعنوان نفسه، وقد شارك في الندوة كل من:
د. عبد الوهاب المسيري، د. أحمد فؤاد الباشا، د. محمد بريش، د. حامد الموصلي، د. علي جمعة، د. محمد بريمة، د. منى أبو الفضل، د. سيف عبد الفتاح، د. أحمد صدقي الدجاني، د. ممدوح فهمي، د. محمد عمارة، د. جمال عطية.
أما الذين بعثوا بتعقيباتهم كتابة فهم:
الشيخ محمد الغزالي(رحمه الله)، د. محمد صالح، د. عادل محمد عبد المهدي، د. برهان غليون، د. زياد الدغامين، د. إبراهيم زيد الكيلاني، د. أكرم ضياء العمري، د. محمد الراوي، د. ماجد عرسان الكيلاني، د. عبد الرحمن بن زيد الزبيدي، الأستاذ حكمت بشير ياسين.
11- ميشال فوكو، حفريات المعرفة، ترجمة سالم يغوث، ط 1، المركز الثقافي العربي، ص 96، عام 198.
12- د. تركي علي الربيعو، بين المؤرخ والأدلوجة، قراءة في تاريخانية العروي، مجلة الاجتهاد، عدد 25، السنة السادسة، خريف 1415هـ/1994م، ص 153 إلى 173
13- محمد أبو القاسم حاج حمد، علاقة الدين بالدولة في إطار المفاهيم الدالة على علاقة الله بالإنسان، جامعة أم درمان الأهلية، السودان، محاضرة بتاريخ الأربعاء 25 ربيع الأول 1421
14- د. محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، بيروت، ط4، مركز دراسات الوحدة العربية، ص 44، عام 1989م.
15- ول ديورانت، قصة الفلسفة، ترجمة: د. فتح الله محمد المشعشع، الطبعة الثالثة، مكتبة المعارف، بيروت، 1975
16- إميل بوترو: العلم والدين في الفلسفة المعاصرة، ترجمة: د. أحمد فؤاد الأهواني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973
17- ثيودور أويزرمان: تطور الفكر الإسلامي، ترجمة سمير كرم، ط، دار الطليعة، بيروت، 1977
ملحق الآيات الدالة على الموضوعات:
مقدمة الملحق:
آيات جدل الصيرورة الكونية من خلال القرآن تحولاً بالخلق نحو الحق:
سورة البقرة / ج 1: الآيات من 28 إلى 30
سورة غافر / ج 24: الآية رقم 11
سورة الواقعة / ج 27: الآيات من 58 إلى 62
سورة الكهف / ج 16: الآية 109
سورة إبراهيم / ج 13: آية 48
سورة لقمان / ج 21: الآيات من 27 إلى 30
أولاً: مصطلح النسخ بوصفه دالاً على نسخ الشرائع والدورات التاريخية للأمم التي لهجت عليها، نسخ الخطاب الإلهي الحضري لليهود بالخطاب الإلهي العالمي للناس كافة عبر النبي الأمي، ونسخ شرعة الإصر والأغلال بشرعة التخفيف والرحمة.
سورة الأعراف/ ج 9: الآيات من 155 إلى 158
سورة البقرة/ ج أول: الآيات من 106 إلى 108
سورة المائدة / ج 6: الآيات من 32 إلى 50
ثانياً: إعادة ترتيب آيات القرآن الكريم (وقفاً) لإخراجه من دائرة أسباب النزول والمكي والمدني وإكسابه وحدته العضوية المنهجية للتفعيل في حاضره وإطلاقه نحو المستقبل هدى وبشرى لمن يلحق.
سورة النحل / ج 14: الآيات من 101 إلى 102
ثالثاً: بحكم شرعة التخفيف والرحمة الناسخة لشرعة الإصر والأغلال كخارق عقاب يماثل خارق العطاء الإلهي لبني إسرائيل امتنع خارق العطاء حتى لا يماثله في المقابل شرعة إصر وأغلال:
سورة الإسراء / ج 15: الآيات من 90 إلى 94
سورة الأنعام / ج 7: الآية 7
رابعاً: أمّا تنزل الملائكة المسمومين والمردفين، فقد كان غيباً غير مرئي وغير محسوس، إذ تميز ضربهم بما فوق الأعناق وليس الرقاب، وضرب البنان وليس توثيق الأيدي.
سورة الأنفال /ج 9: الآيات من 12 إلى 13
مقارنة بالضرب البشري:
سورة محمد/ ج 26: الآية 4
خامساً: العصمة الإلهية للقرآن وللسنة النبوية الشريفة تماثلا في الحالتين بمواقع النجوم:
سورة الواقعة / ج 27: الآيات من 75 إلى 80
سورة النجم/ ج 27: الآيات من 1/ إلى 5
سادساً: الآيات الدالة على الصيرورة الكونية للقرآن باتجاه غائية الحق الذي خلق الله به الخلق، واستمرارية العطاء القرآني عبر الإرث المحمدي بعد ختم النبوة والرسالة.
أ- الغانية:
سورة الأنبياء/ ج 17: الآيات من 16 إلى 18
سورة الدخان / ج 25: الآيات من 38 إلى 40
ب- الظهور العالمي الحتمي:
سورة التوبة / ج 10: الآيتان 32 و33
سورة الفتح / ج 26: الآية 38
سورة الصف/ ج 28: الآيتان 8 و9
ج- التوريث واستمراريته:
سورة فاطر/ج 22: الآيتان من 31 إلى 32
د- مجيدية القرآن الذي لا يبلى، ومكنونه الذي يتكشف، وكرمه في العطاء الذي يتجدد. (مطلقية القرآن الكونية)
سورة الواقعة / ج 27: الآيات من 75 إلى 80
سورة ق/ ج 26: الآية 1
سورة البروج / ج 30: الآيتان 21 و22
سابعاً: اقتصر حكم الجزية على المرتدين من أهل الكتاب فقط، وهي ليست على غير المرتدين منهم الباقين على دينهم من يهود أو نصارى.
سورة التوبة/ ج 10: الآيتان 27 و28
ثامناً: تطورات الحاكمية الإلهية في النسق اليهودي من حاكمية إلهية إلى حاكمية استخلاف المرتبطة بخصائص عطاء إلهي خارق وتقديس الأرض.
سورة البقرة/ ج 2: الآيات من 246 إلى 251
سورة النمل / ج 19: الآيات من 15 إلى 19
سورة ص/ ج 23: الآيات من 17 إلى 26
سورة الأنبياء / ج 17: الآيات من 78 إلى 82
سورة سبأ /ج 22: الآيات من 10 إلى 14
تاسعاً: نسق النظام الإسلامي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري المتكامل من (السلم كافة) وإلى (أولي الأمر منكم) وإلى (عدم تماثل) العبودية لله بالعبودية بين البشر.
سورة البقرة / ج 2: الآيات من 204 إلى 208
سورة النساء / ج 5: الآية59
سورة النحل / ج 14: الآيات من 74 إلى 79
عاشراً: مواصفات ومماثلات عقوبة النكال الإلهي في السرقة باعتبارها قمة شرعة الإصر والأغلال والانتقام الإلهي.
سورة المائدة/ ج6: الآيات من 38 إلى 40
سورة المزمل/ ج 30: الآيات من 20 إلى 26
سورة البقرة / ج 1: الآيتان 65 و66