إشارات كانطية في الحداثة والدين في المجال العربي الإسلامي
فئة : قراءات في كتب
إشارات كانطية في الحداثة والدين في المجال العربي الإسلامي
تقديم كتاب "كانط والحداثة الدينيّة" لأمّ الزين بنشيخة المسكيني
يقع كتاب "كانط والحداثة الديّنيّة" لأمّ الزين بنشيخة المسكيني، نشر مؤسّسة مؤمنون بلا حدود والمركز الثقافي العربي، ط1، 2015، في سبعة فصول. وهو كتاب مفيد للمشتغلين في الفلسفة الكانطية، وخاصة الذين طرقوا باب أعمال هذا الهرم الفلسفي الألماني، لاعتبارات عدة، أهمها أنّه يسافر بالمتلقي في عوالم الاجتهادات الكانطية المُخَصّصة لمفاهيم الدين، الحداثة، التنوير والثورة، ولذلك سيتفرع هذا العرض إلى بابين اثنين: الأول مُخصّص لجدلية الثورة والتنوير، بينما الثاني مُخصص لجدلية الحداثة والدين، ومن هنا العنوان الذي جاء كالتالي: "كانط والحداثة الدينية"[1]، وجاءت محاوره كالتالي: هناك أولاً مقدّمة الطبعة الثانية بعنوان: "كانط والتنوير أو في حدود الثورة"؛ مقدمة الطبعة الأولى بعنوان: "كانط في راهنيته"، متبوعة بسبعة فصول جاءت عناوينها كالتالي: "كانط والحداثة الدينية"؛ "ريكور قارئاً كانط: مدخل إلى تأويلية الدين أو ما معنى الدين في حدود مجرد العقل"؛ "تأويلية الشرّ الجذري: كانط في محراب أيّوب"؛ "جوناس ضدّ كانط: إتيقا المستقبل أو تشخيص لخيبة أمل فلسفية"؛ "تحليلية الجميل أو في ذاتية الكوني: عناصر الحداثة الجمالية لدى كانط"؛ "دريدا قارئاً كانط أو التفكيك والإستطيقا"؛ "الحرب والسلم في أفق المواطنة الكونية أو كانط في فضاء هابرماس".
لا بدّ بداية من التنويه بظاهر العمل، قبل التوقف على أهمّ مضامينه: نحن إزاء قلم نسائي ارتأى الاشتغال على التعريف بقراءات أحد رموز الفلسفة الألمانية[2] للقارئ والناقد في المجال التداولي العربي الإسلامي.
واضح أن مُجرّد انخراط قلم نسائي في الكتابة الفلسفة، تعريفاً أو شرحاً بله إبداعاً، يُعتبر مكسباً هاماً يجب التنويه به، خاصة في سياق زمني إقليمي وعربي ـ إسلامي يتميز بصعود أسهم مشاريع ما زال جهازها المفاهيمي يُحقّر من مكانة المرأة، سواء أأفصحت عن ذلك أم لم تُفصح، بل إنّ العديد من المكاسب القانونية التي ظفرت بها المرأة في المنطقة خلال العقود الأخيرة، تعرضت لنكسة حقيقية بمجرّد صعود أسهم هذه المشاريع، وعندما نأخذ بعين الاعتبار الشيطنة التي تتعرض لها الفلسفة في أدبيات هذه المشاريع، يُصبح صدور هذا الكتاب مكسباً مضاعفاً: أولاً، لأنّه حُرّر من قِبَل قلم نسائي، وثانياً، لأنّه يشتغل في حقل الفلسفة؛ بتعبير آخر: عنوان الموضوع: مكسب أول؛ ومُحرّر الموضوع [قلم نسائي] مكسب ثان، والنتيجة، نحن أمام مكسب مضاعف، وبيان ذلك كالتالي:
أ ــ لأنّه أوّلاً، قلّما اشتغلت الأقلام النسائية في حقل الفلسفة، بل إنّ هيمنة العقلية الذكورية على هامش كبير في مجالنا التداولي، تخول لبعضهم أن يحتقر المرأة لمجرد إصرارها على التفكير والبحث، بله الاشتغال في حقل الفلسفة؛[3]
ب ــ ولأنّه ثانياً، تتعرض الفلسفة للشيطنة والنقض من طرف بعض مشاريع إسلامية حركية [سلفية وهابية، إخوان، "جهادية".. إلخ] تسيء للإسلام من حيث لا تدري، مادامت تعتقد والحالة هذه، أنّ الدين مفصول عن العِلم [علوم الفلسفة أنموذجاً].
بعد هذه التوطئة التي تندرج في سياق "ثقافة الاعتراف"، نتوقف على أهم مضامين مقدّمة العمل، كما صدرت في طبعته الأولى[4]، حيث توقفت مؤلفة الكتاب، الباحثة التونسية، أم الزين بنشيخة المسكيني على أصل اشتغال كانط على سؤال الدين، أو قل مقدمات اشتغالها على سؤال المسألة الدينية عند كانط وارتباطها بسؤال الحداثة[5]، بالعروج على كتاب كانط الشهير "الدين في حدود مُجرد العقل"[6] [1793]، متوقفة على الأوجه الثلاثة لمقتضى الاستعمال عند كانط:
ــ استعمال شعوب برمّتها نزولاً عند رغبات السلطوية الحديثة من أجل تأثيث المدن بأجساد انتحارية ومقابر جماعية يختلط فيها القاتل بالمقتول في احتفاء إستطيقي بفظاعة الموت المعاصر؛
ــ استعمال العالم استعمالاً تقنياً مشِطًّا يُهدد إمكانية الحياة نفسها على الأرض؛
ـ استعمال [وتوظيف اسم] الإله نفسه استعمالات أصولية مختلقة تُهَدّد إمكانية القيم المدينية والاجتماع البشري نفسه.
وهكذا اشتغلت المقدّمة على "كانط راهناً"، من خلال أربعة معانٍ غربية/ عربية، وهي الدوام والشرّ والخطر والمرض، تفاعلاً مع قراءة دريدية للمشهد [نسبة إلى جاك دريدا].
يتعلّق الأمر أوّلاً بالراهنية الزمانية في معنى استمرار اللحظة الحديثة ودوامها، وهي التي فكّر فيها كانط واقترح لها تشخيصاً منهجيًّا أنموذجيًّا للإنسان بوصفه ذاتاً متناهية؛ وتشتغل المؤلفة ثانياً على الراهنية الإشكالية لظاهرة استبق كانط حمولتها الراهنة المحرجة، أي ظاهرة الدين بوصفه يجد تاريخه في مفهوم الشرّ الجذري الأصيل في البشر؛ وتمرّ المؤلفة في لحظة ثالثة إلى تصريف معنى الراهن في أحد معانيه العربية بوصفه خطراً ومخاطرة؛ وأخيراً، تمتحن المؤلفة في اللحظة الرابعة، اللفظ العربي للراهن أمام المستقبل نفسه، حيث يكون الراهن ضربًا من اللاّراهنية نفسها.
نحن أمام أربعة معان من راهنية كانط، تشهر فيها الباحثة أربعة أسئلة، جاءت كالتالي: كيف نتدبر علاقتنا بـ "الحداثة التي لم نخرج منها بعد؟"، كيف نُعيد ترتيب مسألة الديني في حضارة لها من التجربة النظرية والتاريخية للدين قروناً طوالاً؟ ماذا عن تدبير المدينة، وهل ما زال ممكناً الحلم بالمدينة الفاضلة وبالفيلسوف الملك؟ ماذا عن المستقبل، وهل هو مجرّد سؤال مخيّب للآمال؟
وتضيف المؤلفة أنّ الغرض الأسمى من العمل، لا يخرج عن تقديم كتاب كانط ["الدين في حدود مجرد العقل"] في لغة ثقافة وإن كان مخيالها يزخر بالدين في حدود العقل وخارجه في آن، وإن كان تراثها ينعم بثراء مؤلفات الفلاسفة في الدين، فإنّنا نراها لا تزال بحاجة ملحّة إلى ضرب من الحداثة الدينية، أي من الاستعمال العقلي للدين، أو استعمال الدين في حدود مجرّد العقل. وهي حداثة إن كان الغرب المسيحي قد أتقن بناءها والسير فيها، فإنّ الشرق الإسلامي ما زال بعدُ يتعثّر في تصوّر ملامحها الدنيا. وإن تسنّى لنا التعبير في لغة المجاز الكانطي، تضيف المؤلفة، أن نقول لئن وجد العرب اليوم، إلى حدّ ما، الدرب الآمن إلى الحداثة العلمية والتقنية، ولئن انخرطوا بمعنى ما كرهاً أو طوعاً في طريق الحداثة السياسية، فإنّهم لم يسلكوا بعدُ الدروب الآمنة السليمة إلى الحداثة الدينية.
في تكريس "ثقافة الاعتراف"
في سياق الاشتغال على هذه الأسئلة، وعلى غرار السائد بشكل كبير في المجال التداولي الغربي، من فرط الانتصار لـ "ثقافة الاعتراف"[7]، ارتحلت الباحثة أم الزين بنشيخة مع استضافة كانط في الثقافة الغربية بتأويلات مُعاصرة فلسفية كونية، نوزّعها على محطات أربع:
جاءت الأولى من ترتيب يورغن هابرماس [Jürgen Habermas] لمنزلة إشكالية كانط داخل الخطاب الفلسفي للحداثة بـ "وصفه أوّل من عبّر عن العالم الحديث ضمن صرح عقلي"، ثم من تأويل فوكو لمقالة "ما هو التنوير؟"؛
وجاءت المقاربة الكانطية الثانية للدين، مؤسَّسة على تفكيكية دريدا[8] [Derrida] لكتاب "الدين في حدود مُجرد العقل" باحثةً لديه عمّا يصلح لمعالجة هذه الآلة الميتافيزيقية الغامضة التي ترهن عقول المعاصرين وأوطانهم معاً؛
وجاءت المحطة الثالثة مع تأويل حنّا آرندت [Hannah Arendt] لفلسفة كانط السياسية باحثة لديها عمّا به يُرتّب الفيلسوف الحالي علاقته الخطرة بالسياسة؛
وفي الأخير، كانت المحطة الكانطية الرابعة في عيادة دولوز [Deleuze] حيث التمست الباحثة لدى صاحب المفاهيم، ضرباً من الراهنية التأويلية التي يبدو فيها كانط هو من استبق بنفسه كل مشاكل الحداثة المتعلقة بالزمن أو بالذات أو بالآخر أو بالإنسان الحديث عامة.
الفيلسوف، الإصلاح والثورة
يهمنا التوقف على اشتغال الباحثة على أسئلة التنوير والثورة عند كانط، أخذاً بعين الاعتبار السياق الزمني الذي تمرّ منه المنطقة العربية، مع اندلاع أحداث الحراك، التي اصطلح عليها إعلاميًّا بأحداث "الربيع العربي"، وقد ارتأت التفصيل في أجوبة أربعة أسئلة: ما الفرق بين التنوير والثورة؟؛ لماذا تحَمّسَ كانط للثورة الفرنسية؟؛ لماذا اعتبر كانط الثورة أمراً غير شرعي؟ما حدود التصور الكانطي للثورة؟
وقد خلُصت أم الزين بنشيخة إلى أنّ كانط يُفضّل الإصلاح على الثورة، مُدققة في معالم التصوّر الذي يقصده الفيلسوف من مفهوم الإصلاح، حيث لا يتعلق الأمر بإدخال إصلاحات، أي تغييرات على القوانين أو التنظيم المدني، من أجل ترميم بناء مُهدّد بالانخرام، وإنّما المقصود هو تغيير حقيقي بمعنى جذري لآلة العقل البشري نفسه، أي إصلاح حقيقي لنمط التفكير، وليس مجرد تغيير وترميم لنظام الدولة، وهنا نلتقي بمفهوم التنوير بوصفه البرنامج الأمثل لإصلاح العقول بدلاً من إسقاط المستبدين الذي قد ينتهي بمستبدين جدد، على غرار ما خلُصت إليه نتائج رواية "مزرعة الحيوان" [Animal Farm] للروائي البريطاني جورج أورويل [George Orwell].
كما توقفت المؤلفة على أهم عيوب التصور الكانطي للشأن السياسي، ولخّصتها تحديداً في تعويله على فكرة "الفضاء العمومي" [Espace publique] الذي يقوم بمهمة رقابة الدولة عبر النقد العلني، أو ما يسميه كانط بـ "الاستعمال العمومي للعقل"، وواضح أنّ كانط عَوّل كثيراً على دور الفيلسوف في نشر ثقافة الحقّ والاحترام والمواطنة، معتقداً في قوة الفيلسوف على الإقناع وفي شفافية الفضاء العمومي. ولم يكن كل ذلك ليتنبأ بالتغيرات الجوهرية الطارئة على الفضاء العمومي الذي تحوّل إلى فضاء تهيمن عليه وسائل الإعلام الإلكترونية والوقائع الافتراضية، كما هو الحال مع زمننا اليوم، إضافة إلى كل ذلك لم يكن كانط ليقدّر مدى خطورة الكلمة التي تحوّلت من وسيلة للتنوير إلى دمغجة صمّاء وأدلجة مخادعة، والتقييم هنا ليورغن هابرماس.
المتن الكانطي و"الثورات العربية"
تطلّب عروج المؤلفة وإحالتها على أحداث "الحراك العربي"، من خلال الاجتهادات الكانطية المرتبطة بمفهومي "التنوير" و"الثورة"، استدعاءَ المتن الكانطي للتفكير الجماعي، الغربي والعربي، وتم ذلك من خلال النهل من أنموذج قراءة كانط للثورة الفرنسية وأيضاً، عبر مساءلة كانط نفسه إن كان سيتحمس لثوراتنا، وهل سوف يعتبرها تجسيداً لحلم كوني هو حلم التقدم الأخلاقي بالإنسانية؟
واضح أنّ هذا السؤال يجرّنا نحو جهتين من التفكير لا نملك بعد الإجابة عن أيّهما سوف يرسو بنا على برّ الأمان، في سيناريو افتراضي، تتخيل عبره الباحثة بنشيخة أجوبة كانط شخصياً على أحداث "الحراك العربي":
ــ أوّلهما أنّ الثورات العربية شبيهة في أسبابها ودوافعها العامة بالثورات الغربية الحديثة: هذا أمر مفروغ منه ما دامت جميعها قامت على رفض قطعي وإرادة تحرّر جذرية من دول الاستبداد وقمع الحريات وسحق إرادة الشعوب. لذلك لن يكون موقف فيلسوف التنوير إلا الإعجاب والتحمس للثورات العربية وعضدها ومباركتها بوصفها علامة على إمكانية أن تتحرر الجماهير من أجل تدبير مصيرها بنفسها.
ــ جاء السيناريو الثاني استفهاميًّا: هل الثورات العربية تجسيد للأمل التنويري الذي بشّر به العقل الحديث، أي التقدّم الأخلاقي؟ أم أنّ ما عاشته الإنسانية منذ قرنين من الزمن من تجاوز لأحلام التنوير، وقد صارت في عقول نقّاد الحداثة إلى كابوس بل إلى كارثة وبربرية وعدمية، يجعل علاقة ثوراتنا بالأحلام الحديثة أمراً إشكالياًّ؟ ماذا تريد الثورات العربية تحديداً: هل تريد الديمقراطية على الطريقة الغربية الحديثة؟ أم هي تريد استعادة الهوية العربية أو الهوية الإسلامية؟ هل تريد ثوراتنا التقدم بالمعنى التنويري؟ أم أنّ هذه الشعوب نفسها لم تنضج بعد من أجل مستقبل مغاير؟ وأي مستقبل نريد؟ مستقبل سوف يأتي من أفق مغاير تماماً وجديد تماماً ومفاجئ تماماً؟
"ماذا نتعلم من كانط راهناً؟"، هو عنوان خاتمة الكتاب، وهو أيضاً مسك ختام هذا العرض الأولي في عمل يستحق التنويه بالجهد البحثي الذي خاضته الباحثة، وقد لخصت أهم الدروس الكانطية التي يمكن أن تفيد أبناء المجال التداولي الإسلامي العربي، في نقاط ثلاث:
أ ــ هناك أولاً درس الكونية، فربما، حسب المؤلفة، كان كانط هو الفيلسوف الكوني الوحيد، أو هو على الأقل أكثر من شرّع لكونية العقل وأحرص من دافع عنها، فالحداثة التي فكّر فيها كانط، بخاصة في مقالته عن التنوير، لا تبدو البتة عنده حكراً على أحد، بل هي مهمة خاصة بالإنسانية قاطبة بوصفها انتماءً جغرافياً محضاً إلى الأرض، [ص 243] ولو أنّ هذه الخلاصة يُقوضها نقد دريدا سالف الذكر، حول إصرار كانط على اختزال الدين في المسيحية دون سواها.
ب ــ هناك ثانياً درس فنّ العيش معاً، وبيان ذلك أنّ فلسفة كانط تزعزع لدينا وهماً تاريخياً خطيراً يخصّ ممارسة المحدثين المشحونة بالضغينة والوعي التعيس للعلاقة بين الذات والآخر، وهي علاقة رسمت منذ دهر من الزمن للشرق صورة نمطية هي صورة الضحية أو هو المستعمَر والمتخلف وموطن الإرهاب، في حين اتخذ فيها الغرب صورة البطل المستنير (أو هو المستعمِر) والمتقدم، موطن الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان.
ج ــ هناك ثالثاً وأخيراً درس التفاؤلية، من منطلق أنّ كانط يوفّر لنا نمطاً طريفاً من التعلق بالراهن: إنّه تعلق لا يكون على جهة الحلم بالمستقبل مثلما تتعزى بذلك اليوتوبيات الحديثة، ولا هو على جهة الخوف الكارثة، ولا هو أيضاً على جهة تمجيد للحاضر واحتفال بطولي به.مع كانط لم يعد بوسع الفيلسوف أن يكون بطلاً، حسبُ المفكر أن يتخذ لنفسه مقاماً يكون فيه من الشجاعة على استعمال عقله نصيب ما. [ص 246]
[1] أم الزين بنشيخة المسكيني، "كانط والحداثة الدينية"، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط، المركز الثقافي العربي، بيروت ـ الدار البيضاء، ط 1، 2016، وجاء في 247 صفحة من الحجم المتوسط.
[2] وهو أيضاً أحد أعمدة الفلسفة منذ اليونان حتى اليوم.
[3] وعندما نضيف طبقة دينية متصلبة فوق هذا الطبقة الذكورية، تزداد الأوضاع قتامة.
[4] جدير بالذكر، أنّ العمل سبق أن صدر تحت عنوان: "كانط راهناً أو الإنسان في حدود مُجرّد العقل"، عن المركز الثقافي العربي، بيروت ـ الدار البيضاء، 2006
[5] "لماذا الحداثة الدينية؟" هو عنوان مقدّمة الكتاب، حيث تؤكد الباحثة أم الزين بنشيخة أنّها لاتقصد هنا البحث عن تحديث للدين في معنى تجديد أو إصلاح أو نهضة، ولا عن انخراط في مشاريع نقد الدين، وإنّما تطلب [بالكاد] الكشف عن طريقة العقل الغربي الحديث في صياغته لضرب من الحداثة الدينية التي واكبت لديه مكاسب الحداثة العلمية والسياسية القائمة على العقل مدبراً أوّلَ لشؤون الحقيقة ولسياسة المدينة معاً.
أنظر: أم الزين بنشيخة المسكيني، مرجع سابق، ص 61
[6] خلُصت مؤلفة الكتاب في معرض البحث عن أسباب اشتغال كانط على المسألة الدينية، إلى أنّ كانط "حاول الدفاع عن وجاهة كتابه عن الدين بطريقتين متباينتين: من جهة يقول للحاكم إنّه كتاب للعلماء وليس للعامة، ومن جهة يقول للعلماء هو كتاب للعامة وليس للنخبة"، مضيفة أنّ "هذا التردد ربما يُعبّر عن حرج الفكر النقدي أمام مجال يحاول أن يتملك فيه المهارة الكافية للكتابة في عصر الرقابة. لقد كان على كانط أن يفكّر في الدين بمحض العقل واضعاً نصب عينيه خطرين اثنين: خطر السقوط في فخ الرقابة السياسية، إذا زجّ بالدين في مجال النقد. وخطر خيانة فلسفته النقدية نفسها إذا ما تراجع النقد لديه أمام موضوعة الدين".
أنظر: أم الزين بنشيخة المسكيني، مرجع سابق، ص 71
[7] نستعمل مصطلح "ثقافة الاعتراف" هنا من منظور غربي تحديداً، كما سَطرت له العديد من الأعمال، بدءًا بما حرره هيغل، صاحب "الأصل الفلسفي" للمفهوم، ونهاية بأعمال الفيلسوف الألماني أكسيلهونيث [Axel Honneth]، وريث "مدرسة فرانكفورت"، أو مدرسة "الفلسفة النقدية".
ومعلوم أنّ "فلسفة الاعتراف" لدى أكسيلهونيث، تنتصر على الخصوص للأقليات والمهشمين و"للمعذبين في الأرض"، بتعبير فرانز فانون، بما في ذلك المثليين (الشواذ) أو قل، التأسيس لثقافة الاعتراف بالذات وبالغير.
وليس صدفة أنّه في معرض الاحتفال بالذكرى 25 لتأسيسيها، وعلى التعريف بثقافة الاعتراف ومفهومه، لم تجد مجلة "علوم إنسانية" الفرنسية، أفضل من أكسيلهونيث لهذا الغرض:
Axel Honnet: La demande de reconnaissance n'est pas toujours justifiée, [Entretien], propos recueillis par Catherine Halpern, In: Sciences humaines, [Numéro anniversaire: 25 ans] Paris, mensuel N° 277, janvier 2016.
[8]سوف يُبدي دريدا استياءً فلسفياً مريراً من الأطروحة الكانطية التي قزّمت من ثقل اليهودية والإسلام، إذ يسأل: أين الإسلام واليهودية إذن من مثل هذا الكتاب؟ وهل "الدين في حدود مجرد العقل" هو الدين في حدود المسيحية المجردة؟ كيف تستقيم عندئذ حداثة دينية قائمة على المواطنة الإتيقية الكونية مع مسيحية جذرية تقصي بقية الملل والنحل؟
أنظر: أم الزين بنشيخة المسكيني، مرجع سابق، ص 68