ابن خلدون ونظريَّة المركز والأطراف
فئة : أبحاث محكمة
ابن خلدون ونظريَّة المركز والأطراف[1]
أحمـد المطيلـي
يُعدُّ مفهوما المركز والأطراف من المفاهيم الرئيسة في الفكر المعاصر، ولا أدلَّ على ذلك من اجتياحهما مجالاتٍ وتخصُّصاتٍ شتَّى تتجاوز مجالهما الأصلي، بعد أن اتسعت دلالاتهما، وتشعَّبت خلفياتهما النظريَّة بتشعُّب المذاهب والتيارات الثاوية خلفهما. ومن ثمَّ، بات من العسير على الباحث تتبُّع مختلف الدلالات التي اكتسبها مفهوما المركز والمحيط، ولا سيَّما أنَّ استخدامهما قد امتدَّ إلى ميادين شتَّى كعلم الاجتماع[2]، والعِراقة[3]، والإناسة[4]، والسياسة[5]، والتاريخ[6]، والجغرافيا[7]، والتعمير[8]، والاقتصاد[9]، واللسانيات[10]، فضلاً عن علوم أخرى مجاورة أو بعيدة[11].
ولعلَّ المطلع على ما يجري من أبحاث في هذه المجالات وغيرها من التخصُّصات الشاسعة، يخال أنَّ مفهومي المركز والمحيط من المفاهيم التي ابتدعها الفكر الأوروبي المعاصر، وروَّج لها ضمن ما اعتاد الترويج له من مذاهب ونظريَّات تتخذ بعد ذلك أبعاداً كونيَّة تتناقلها أقلام الباحثين والكتَّاب في مختلف بقاع العالم، وقد لا يسعه الجهد أو الوقت لاستكشاف سيرة مثل هذه المفاهيم وتتبُّع نشأتها وتطوُّر دلالاتها التاريخيَّة وتنقلها من حقل دلالي وأفق حضاري إلى حقول دلاليَّة وحضاريَّة متباينة. ومن شأن الغوص في أعماق التاريخ الفكري، وتتبُّع جذور النشأة والتطوُّر أن يغيّر نظرتنا ويصحّح مفاهيمنا ويزيدنا معرفة بخبايا المصطلحات ماضياً وحاضراً. وهذا بالضبط ما أرومه في نطاق مشروع دراسي يهدف إلى دراسة الفكر النفسي والاجتماعي العربي والتأريخ له.
تاريخ مفهومَي المركز والمحيط
تكاد تتفق المراجع، التي بين أيدينا، على أنَّ مفهومَي المركز والمحيط من المفاهيم المعاصرة التي ظهرت إبَّان القرن التاسع عشر، وتبلورت على أيدي عدد من المفكّرين الأوروبيين أساساً، قبل أن تنتشر وتتطوَّر وتشيع على الألسنة وتلهج بها الأقلام، ولا سيَّما لدى أصحاب مدرسة التبعيَّة التي شهدت مولدها بأمريكا الجنوبيَّة في الستينيات من القرن المنصرم، ومن شايعها من المتخصصين في عدد من الأقطار التابعة لما دُعي بالعالم الثالث. غير أنَّ نسبة هذين المفهومين إلى أصحابهما تختلف اختلافاً بيّناً بين الباحثين؛ فمنهم من ينسب المفهومين إلى كارل ماركس[12] في تنظيره للعلاقة القائمة بين البادية والمدينة، وقد يعزوها غيرهم إلى ورنر سومبار (1902) صاحب كتاب (الرأسماليَّة المعاصرة)[13]، أو إلى نيقولاي إيفانوفيتش بوخارين[14]، أو إلى راؤول بريبش (1949) الاقتصادي الأرجنتيني الذي كان أوَّل سكرتير تنفيذي للَّجنة الاقتصاديَّة لأمريكا اللاتينيَّة التابعة للأمم المتحدة[15]، وأرجعهما البعض الآخر إلى الاقتصادي أندريه غاندر فرانك، أو إلى زميله سمير أمين[16]. غير أنَّ أحداً من الذين ارتادوا مجال تأريخ الأفكار لم ينتبه إلى أنَّ العلَّامة عبد الرحمن بن خلدون (732-808 هـ/ 1332-1406م) ربَّما كان صاحب أوَّل نظريَّة حول مفهومي المركز والأطراف، وإن في سياق تاريخي مختلف. والأدهى من ذلك أن تغشى أبصار الباحثين الخلدونيين عن مفهومي المركز والمحيط، فلا يحفلون بالتنويه بهما على كثرة ما نشر من أبحاث ودراسات عن المقدّمة من قبل دارسين من مختلف المشارب الفكريَّة والعلميَّة في الشرق والغرب. ولذا عقدت العزم على أن أجلو معالم هذه النظريَّة عند صاحب المقدّمة، وأن أبيّن أصالتها وجدَّتها في السياق التاريخي الذي برزت فيه، ومآلها في الفكر المعاصر.
نظريَّة المركز والأطراف
يستخدم ابن خلدون مفهومي المركز والأطراف[17] في مواضع عدَّة من فصول المقدّمة، ويشهد تتبعنا لاستخدامهما على سمتهما الإجرائيَّة في الوصف والتفسير لظواهر العمران البشري والطبيعي معاً. ويندرج المفهومان ضمن نظريَّة أشمل تتَّصل بتنظيم نشأة الدولة وتطوُّرها واختلالها وانحلالها وكيفيَّة توزع السكان والثروات والسلطة بين العمران البدوي والحضري وطبيعة كلٍّ منهما، وما يتصل بذلك من تباين وتجاذب بين المركز والأطراف على نحو ما سنتبيَّن في ثنايا البحث. فلنعرض، إذاً، لخصائص المركز والأطراف قبل أن نستطلع كيف يستعين بهما ابن خلدون في تعليل انقراض الدولة.
ـ خصائص المركز والأطراف: من الواضح أنَّ رؤية ابن خلدون للعمران الطبيعي تخضع لتصوُّر دائري للكون بما أنَّ «شكل الأرض كروي»[18]، وأنَّ ما «انحسر عنه الماء من الأرض هو النصف من سطح كرتها في شكل دائرة»[19]. وهذا الشكل الهندسي يسمح له بتشبيه الأرض بكرة لها «وسط» هو «مركزها»[20]. والدولة في مركزها أشدُّ ممَّا تكون في الطرف والنطاق[21]. وعليه، الدولة في نشأتها واتساعها وانتظام العمران البشري فيها إنَّما تتخذ شكل دائرة[22] لها مركز هو بمثابة القلب من الجسم، وأطراف تتسع باتساع رقعة الدولة وتتقلص بتقلصها[23]؛ بل إنَّ نمو الدولة واتساعها وتقلصها يتمُّ وفق «دورة حضاريَّة»[24] لها مقتضياتها ومسارها في سيرورة نشوء الدول وهرمها واضمحلالها كما سنتبين في حينه. ولكلٍّ من المركز والأطراف وظائفه وغاياته، وهي وظائف وغايات تتحدَّد وتتباين بتباين اتساع نطاق الدولة أو تقلصها ومبلغ فتوتها أو هرمها وقرب انتقاضها.
أمَّا عن خصائص المركز والأطراف، فبوسعنا أن نقف على بعض منها على النحو الآتي:
أ. بداوة الأطراف وحضريَّة المركز: من المعلوم أنَّ العمران البشري لا يتوزَّع بكيفيَّة مماثلة على المركز والأطراف؛ ذلك أنَّ العمران البدوي «هو الذي يكون في الضواحي والجبال وفي الحلل المنتجعة للقفار وأطراف الرمال»[25]. أمَّا العمران الحضري «فهو الذي بالأمصار والقرى والمدن والمداشر للاعتصام بها والتحصن بجدرانها»[26]. غير أنَّ ثمَّة تفاوتاً في درجة الحضارة بتفاوت الأمصار ومبلغ قربها أو بعدها من المركز، «ولهذا نجد الأمصار التي في القاصية، ولو كانت موفورة العمران، تغلب عليها أحوال البداوة، وتبعد عن الحضارة في جميع مذاهبها، بخلاف المدن المتوسطة في الأقطار التي هي مركز الدولة ومقرّها»[27]. وثمَّة خاصيَّة أخرى تتمثل في أنَّ «أهل البدو لتفرُّدهم عن المجتمع وتوحشهم في الضواحي وبعدهم عن الحامية وانتباذهم عن الأسوار والأبواب قائمون بالمدافعة عن أنفسهم، لا يكلونها إلى سواهم ولا يثقون فيها بغيرهم، فهم دائماً يحملون السلاح»[28]، وهم «ينفردون في القفر والبيداء مدلين ببأسهم واثقين بأنفسهم، قد صار لهم البأس خلقاً والشجاعة سجيَّة يرجعون إليها متى دعاهم داع أو استفزهم صارخ»[29]. وأمَّا أهل الحضر، فبخلاف ذلك، «فمهما خالطوهم في البادية أو صاحبوهم في السفر عيال عليهم، لا يملكون معهم شيئاً من أمر أنفسهم. وذلك مشاهد بالعيان، حتى في معرفة النواحي والجهات وموارد الماء ومشارع السبل»[30].
ب. تركز الثروات[31]: يذهب ابن خلدون إلى أنَّ «الدولة والسلطان هي السوق الأعظم للعالم»، و«أمّ الأسواق كلها وأصلها ومادتها في الدخل والخرج. فإذا كسدت وقلت مصارفها فأجدر بما بعدها من الأسواق أن يلحقها مثل ذلك وأشد منه»[32]، ثمَّ إنَّه «متى زاد العمران زادت الأعمال ثانية، ثمَّ زاد الترف تابعاً للكسب وزادت عوائده وحاجاته، واستنبطت الصنائع لتحصليها فزادت قيمتها، وتضاعف الكسب في المدينة لذلك ثانية، ونفق سوق الأعمال بها أكثر من الأوَّل. وكذا في الزيادة الثانية والثالثة؛ لأنَّ الأعمال الزائدة كلها تختصُّ بالترف والغنى بخلاف الأعمال الأصليَّة التي تختصُّ بالمعاش. فالمصر إذا فضل المصر بعمران واحد، فضله بزيادة كسب ورفه وبعوائد من الترف لا توجد في الآخر. فما كان عمرانه من الأمصار أكثر وأوفر، كان حال أهله في الترف أبلغ من حال المصر الذي دونه على وتيرة واحدة في الأصناف»[33]. فالغنى والترف في مثل هذه الأحوال رهين بسعة العمران وكثرة الصنائع والأعمال الزائدة وعوائد الترف، بخلاف العمران البدوي الذي يقتصر على الأعمال الأصليَّة المتصلة بالحاجات الضروريَّة للمعاش. لكن حينما تستفحل طبيعة الملك، «ينفرد صاحب الدولة حينئذٍ بالجباية أو معظمها، ويحتوي على الأموال ويحتجنها للنفقة في مهمات الأحوال، فتكثر ثروته وتمتلئ خزائنه ويتسع نطاق جاهه، ويعتز على سائر قومه، فيعظم حال حاشيته وذويه من وزير وكاتب وحاجب ومولى وشرطي ويتسع جاههم ويقتنون الأموال ويتأثلونها»[34]. غير أنَّه بعد أن تصل الدولة طور الهرم، ويكثر الخوارج والمنازعون الثوار[35] في الأطراف والمناطق النائية، يحتاج صاحب الدولة إلى مزيد من المال لجبر الدولة، «فيتقلص ظلُّ النعمة والترف عن الخواص والحجاب والكتاب بتقلص الجاه عنهم وضيق نطاقه على صاحب الدولة»، بل قد يلجأ صاحب الدولة إلى انتزاع الأموال التي راكمها أبناء البطانة والحاشية في دولة سلفه وبجاههم، ومن ثمَّ كانت الحاجة إلى تجميع الثروة لدى صاحب الدولة في المركز.
ت. وفرة الصنائع والعلوم وجودتها في المركز: وكما تتركَّز الثروات في مركز الدولة تتركَّز فيها كذلك منتجات العلوم والصنائع، فـ«الدولة والسلطان سوق العالم، تجلب إليه بضائع العلوم والصنائع وتلتمس فيه ضوال الحكم وتُحدى إليه ركائب الروايات والأخبار»[36]. وقد لاحظ ابن خلدون أنَّ «الصنائع إنَّما تكثر في الأمصار، وعلى نسبة عمرانها في الكثرة والقلة والحضارة والترف تكون نسبة الصنائع في الجودة والكثرة لأنَّه أمر زائد على المعاش»[37]، تبعاً لنظريته في أسبقيَّة الحاجي على الكمالي. وعليه «متى فضلت أعمال أهل العمران عن معاشهم انصرفت إلى ما وراء المعاش من التصرُّف في خاصيَّة الإنسان، وهي العلوم والصنائع». ومن ثمَّ يضطر «من نشأ في القرى والأمصار غير المتمدنة» إلى طلبها في «الأمصار المستبحرة»، مثل «بغداد وقرطبة والقيروان والبصرة والكوفة لمَّا كثر عمرانها صدر الإسلام واستوت فيها الحضارة»[38]، أو «دولة الترك من أيام صلاح الدين بن أيوب»، والقاهرة في عهد ابن خلدون[39]. وبمقدار «عمران البلد تكون جودة الصنائع للتأنق فيها حينئذٍ وجودة ما يطلب منها بحيث دواعي الترف والثروة»[40]. وليس ذلك في بقيَّة الأمصار كالمغرب؛ «لأنَّ عمران أمصاره لم يبلغ عمران مصر والقاهرة»[41]. فالصنائع والعلوم، إذاً، أوفر في الأمصار الكبيرة والمتمدنة والصنائع أجود ممَّا في سواها من الأمصار الصغرى وغير المتمدنة.
ث. مخاطر الأطراف: قلنا إنَّ حدود الدولة تتسع أو تضيق بحسب قدرتها على حماية حدودها. غير أنَّها تضطر إلى الاستيلاء على الأمصار؛ إمَّا لما «يدعو إليه الملك من الدعة والراحة وحطّ الأثقال واستكمال ما كان ناقصاً من أمور العمران في البدو»، وإمَّا لدواعٍ أمنيَّة تتمثل في «دفع ما يتوقع على الملك من أمر المنازعين والمشاغبين، لأنَّ المصر الذي يكون في نواحيهم ربَّما يكون ملجأ لمن يروم منازعتهم والخروج عليهم وانتزاع ذلك الملك الذي سموا إليه من أيديهم فيعتصم بذلك المصر ويغالبهم»[42]. ومن ثمَّ كان الاستيلاء على الأمصار الواقعة بالنواحي ضرورة أمنيَّة تمنع الدولة من الانخرام. وبحكم سيادة قانون الغلبة كانت الأمم الوحشيَّة أوسع ملكاً «لأنَّهم أقدر على التغلب والاستبداد... واستعباد الطوائف لقدرتهم على محاربة الأمم سواهم، ولأنَّهم يتنزلون من الآهلين منزلة المفترس من الحيوان الأعجم»[43]، ولأنَّهم «ليس لهم وطن يرتافون منه، ولا بلد يجنحون إليه، فنسبة الأقطار والمواطن إليهم على السواء، فلهذا لا يقتصرون على ملكة قطرهم وما جاوره من البلاد، ولا يقفون عند حدود أفقهم؛ بل يظفرون إلى الأقاليم البعيدة، ويتغلبون على الأمم النائية». وعليه كان للبدو وهم سكان الأطراف دور لا يمكن الاستهانة به على نحو من الأنحاء، فقد أدوا في عهد ابن خلدون «الدور نفسه الذي قاموا به خلال العصور الإسلاميَّة كلها»[44]؛ إذ كانوا «العنصر الأكثر فعاليَّة في التاريخ العربي منذ البعثة المحمديَّة إلى عصر الانحطاط».
ج. الاحتياج والخضوع: علاقة أهل العمران البدوي بأهل العمران الحضري علاقة خضوع ناتج عن النقص والاحتياج، وذلك بحكم أنَّ «عمران البادية ناقص عن عمران الحواضر والأمصار»[45]، وهو نقص مشترك تنشأ على أساسه علاقة تبادل بين أهل البادية وأهل الأمصار، فبحكم نقصان عمران البادية عن عمران الحواضر والأمصار كانت حاجة أهل البادية إلى أهل الأمصار «في الضروري» بطبيعة وجودهم، و«حاجة أهل الأمصار إليهم في الحاجي والكمالي»[46]. وإذا لم يحصل لأهل البدو ملك ولا استيلاء على الأمصار كان لا بدَّ من أن يخضعوا لملك المصر إن وجد، أو لرئاسة بعض أهله واستبداده. ومن ثمَّ كان أهل البدو «بالضرورة مغلوبين لأهل الأمصار»[47]. وجراء ذلك يصير المغلوب «مولعاً أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده»[48]، اعتقاداً منه بـ«كمال الغالب». وهي آليَّة نفسيَّة لا شعوريَّة نتكلم عليها اليوم في علم النفس المعاصر بلفظ «التماهي بالمعتدي»[49]. ومن ثمَّ يصير الغالب قدوة يحتذي بها المغلوب «في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها، بل في سائر أحواله، حتى في رسم التماثيل في الجدران والمصانع والبيوت»[50].
هذه، إذاً، جملة من الخصائص المتصلة بمفهومي المركز والأطراف. وعلينا الآن أن نقف على كيفيَّة تعليل ابن خلدون لانقراض الدولة اعتماداً على مفهومي المركز والأطراف.
ـ انتقاص الأطراف وانقراض المركز: يخصّص ابن خلدون فصلاً كاملاً للحديث عن «كيفيَّة طروق الخلل للدولة»[51]، وهو موضوع ما فتئ يبدئ فيه ويعيد في عدَّة مواضع من المقدّمة. وفي هذا الصدد يميز ابن خلدون بين الانتقاص ويكون بالأطراف، وبين الانقراض ويكون بالمركز، مع ما بين الأمرين من تفاوت، إن من حيث التوقيت أو من حيث التأثير. فالدولة إذا ما أدركها الهرم فإنَّما تنتقص من أطرافها انتقاصاً تدريجياً بعد أن يستبدَّ ولاة العمال في تلك الأطراف قبل أن ينقرض المركز[52]. وكلما «كانت ممالكها كثيرة كانت أطرافها بعيدة عن مركزها وكثيرة»[53]، وتبعاً لذلك «كلَّ نقص يقع فلا بدَّ له من زمن، فتكثر أزمان النقص لكثرة الممالك واختصاص كلّ واحد منها بنقص وزمان فيكون أمدها طويلاً»، كما كان شأن بني أميَّة وبني العباس ودولة صنهاجة ودولة الموحدين. لكن قد يحصل أن تغلب الدولة من مركزها، وحينئذٍ «لا ينفعها بقاء الأطراف والنطاق؛ بل تضمحل لوقتها، فإنَّ المركز كالقلب الذي ينبعث منه الروح، فإذا غلب القلب وملك، انهزم جميع الأطراف»[54]. فانقراض الدولة، إذاً، لا يتمُّ دفعة واحدة وإنَّما يقطع أطواراً تنحلُّ في كلّ طور منها عراها جراء تضافر أسباب داخليَّة وأسباب خارجيَّة، سأعرض لها تباعاً.
أ. الأسباب الداخليَّة لطروق الخلل: يذهب ابن خلدون إلى أنَّ طروق الخلل للدول، إمَّا يكون من جهة «الشوكة والعصبيَّة وهو المعبَّر عنه بالجند»[55]، وإما من جهة «المال الذي هو قوام أولئك الجند وإقامة ما يحتاج إليه الملك من الأحوال»، وكلا السببين مرتبط بعضهما ببعض، ويفضي أحدهما إلى الآخر. فإذا ما وقع «الخلل الأوَّل في الدولة» من جهة الجند والحامية، وتكاثرت النفقات الناتجة عن «أبهة العز وتجاوز الحدود في البذخ» حصل «الخلل الثاني» من «جهة المال والجباية، ويحصل العجز والانتقاض بوجود الخللين»[56]. وتفصيل ذلك كما يأتي:
1. استفحال الترف وانحلال العصبيَّة: إذا كانت رابطة العصبيَّة شرطاً لازماً لتأسيس الدولة في بداية عهدها، فإنَّ من طبيعة الملك أن يحصل «الترف وجدع أنوف أهل العصبيَّة»[57]. فأمَّا الترف فإنَّ ابن خلدون لا يني ينبّه إلى مخاطر توغل الدولة في «الترف والحضارة»، وما يفضيان إليه من مفاسد مثل زيادة الخراج والحاجة إلى أموال الناس، و«لطف أخلاق الحامية ورقة حواشيهم»، وأمَّا من جهة العصبيَّة فإنَّ من شأن «الانسلاخ من شعار البأس والرجوليَّة»[58]، الذي كان سمة الدولة في بداية تأسيسها، وأخذ الحامية «العز بالتطاول إلى الرئاسة والتنازع فيها»، أن يُعرِّض رؤساءهم إلى القتل والإهلاك على نحو يكسر من شوكة الدولة ومهابتها. على أنَّ صاحب الدولة نفسه «تنقلب غيرته منهم إلى الخوف على ملكه، فيأخذهم بالقتل والإهانة وسلب النعمة والترف الذي تعودوا الكثير منه، فيهلكون ويقلون»[59]. فإذا فسدت عصبيَّة صاحب الدولة، وهي العصبية الكبرى الناجمة عن «الرحم والقرابة»، اضطرَّ إلى اتخاذ عصبيَّة قوامها «البطانة من موالي النعمة وصنائع الإحسان»، وهي دون العصبيَّة الكبرى قوَّة وشدَّة، هذا فضلاً عن أنَّهم ليسوا «أهل النعرة الطبيعيَّة». ولذلك يسهل أن يتجاسر أهل العصائب الكبرى على صاحب الدولة وعلى بطانته «تجاسراً طبيعياً» يحمله على مقاتلتهم الواحد تلو الآخر إلى أن «يخرجوا عن صبغة تلك العصبيَّة وينسوا نعرتها وسورتها، ويصيروا أجراء على الحماية ويقلون لذلك فتقل الحامية التي تنزل بالأطراف والثغور»، ومن ثمَّ يبدأ طروق الخلل كما سنتبين بعد حين.
2. الإسراف في النفقات: وأمَّا الخلل الصادر من جهة المال، فالدولة في أوَّل عهدها «يكون لها الرفق بالرعايا والقصد في النفقات والتعفف عن الأموال»[60]بحكم بداوتها. لكن بعد أن يستفحل الملك الداعي إلى الترف «تعظم نفقات السلطان وأهل الدولة على العموم؛ بل يتعدَّى ذلك إلى أهل المصر، ويدعو إلى الزيادة في أعطيات الجند وأرزاق أهل الدولة، فيكثر الإسراف في النفقات وينتشر ذلك في الرعيَّة، لأنَّ الناس على دين الدولة وعوائدها». ومن شأن ذلك أن يفضي إلى تغيير السياسة الماليَّة للدولة لتواكب ما استجدَّ بغرض «دفع مفاسد الخلل الذي يتجدَّد في كلّ طور، ويأخذ من كلّ طرف حتى يضيق نطاقها الآخر إلى نطاق دونه كذلك، ويقع فيه ما وقع في الأوَّل» إلى أن «تنقرض الدولة وتتطاول الأمم حولها إلى التغلب عليها وإنشاء دولة أخرى لهم، فيقع من ذلك ما قدَّر الله وقوعه»[61].
وإذ يستقرئ أحوال الدولة الإسلاميَّة يجد أن نطاقها اتسع بالفتوحات وتكاثر عدد الحامية، «بما تخوَّلوه من النعم والأرزاق»[62] إلى أن انقرض بنو أميَّة. وقلْ مثل ذلك عن بني العباس عندما «تزايد الترف ونشأت الحضارة وطرق الخلل»، بعد أن «ضاق النطاق من الأندلس والمغرب»، ثمَّ «استبدَّ الأمراء على الخلفاء وحجروهم، واستقلَّ الولاة بالعمالات في الأطراف، وانقطع الخراج منها وتزايد الترف» بعد مقتل المتوكل. ومثل ذلك تكرَّر مع المعتضد لمَّا أقطع «ولاة الأطراف ما غلبوا عليه مثل بني سامان وراء النهر، وبني طاهر العراق وخراسان، وبني الصفار السند وفارس، وبني طولون مصر، وبني الأغلب إفريقية». وظلَّ التقلص سائداً إلى أن تلاشت دولة الخلفاء، فاستبدُّوا «منذ عهد الناصر في نطاق أضيق من هالة القمر، وهو عراق العرب إلى أصبهان وفارس والبحرين»[63]. وقياساً على ما أورده ابن خلدون من استعراض لكيفيَّة تناقص الأطراف ينتهي إلى نتيجة مفادها تضايق «نطاق كلّ دولة على نسبة نطاقها الأول» على التدريج إلى أن تنقرض الدولة «عظمت أو صغرت، فتلك سُنَّة الله في الدول»[64].
3. انتقاض الأطراف: وقد يحصل التنافس بين الرؤساء والتنازع المفضي إلى العجز عن مغالبة المجاورين لهم، «وربَّما اعتزَّ أهل الثغور والأطراف بما يحسّون من ضعف الدولة وراءهم، فيصيرون إلى الاستقلال والاستبداد بما في أيديهم من العمالات، ويعجز صاحب الدولة عن حملهم على الجادَّة. فيضيق نطاق الدولة عمَّا كانت انتهت إليه في أولها، وترجع العناية في تدبيرها بنطاق دونه، إلى أن يحدث في النطاق الثاني ما حدث في الأوَّل بعينه من العجز والكسل في العصابة وقلة الأموال والجباية»[65]، وقلْ مثل ذلك عمَّا حدث في عهد بني العباس، فقد «غضّوا من أعنة بني هاشم، وقتلوا الطالبيين وشرَّدوهم. فانحلت عصبيَّة عبد مناف وتلاشت، وتجاسر العرب عليهم. فاستبدَّ عليهم أهل القاصية مثل بني الأغلب في إفريقية وأهل الأندلس وغيرهم، وانقسمت الدولة. ثمَّ خرج بنو إدريس في المغرب وقام البربر بأمرهم إذعاناً للعصبيَّة التي لهم وأمناً أن تصلهم مقاتلة أو حامية للدولة. فإذا خرج الدعاة آخراً فيتغلبون على الأطراف والقاصية، ويحصل لهم هنالك دعوة وملك تنقسم به الدولة. وربَّما يزيد ذلك متى زادت الدولة تقلصاً إلى أن تنتهي إلى المركز، وتضعف البطانة بعد ذلك بما أخذ منها الترف، فتهلك وتضمحل، وتضعف الدولة المنقسمة كلها»[66]. فالخلل الذي يصيب الدولة إذاً يحدث «طوراً بعد طور إلى أن تنقرض الدولة»[67].
4. الظلم: يذهب ابن خلدون إلى أنَّ «الظلم مخرِّب للعمران، وأنَّ عائدة الخراب في العمران على الدولة بالفساد والانتقاض»[68]. على أنَّ الظلم في المنظور الخلدوني يتخذ صبغة أشمل؛ حيث لا يقتصر على أخذ المال، أو انتزاع الملك من صاحبه من دون وجه حق كما هو معروف، وإنَّما للظلم دلالة أعمُّ تشمل «كلَّ من أخذ ملك أحد أو غصبه في عمله أو طالبه بغير حق أو فرض عليه حقاً لم يفرضه الشرع»، حتى ولو وقع «من أهل القدرة والسلطان»[69] بدافع الحاجة «إلى الإكثار من الأموال بما يعرض لهم من الترف في الأحوال»[70]. وبزيادة الترف يكثر الخراج «والحاجة إلى أموال الناس تشتدُّ ونطاق الدولة يضيق إلى أن تمحي دائرتها ويذهب رسمها ويغلبها طالبها».
5. هرم الدولة: عَدَّ ابن خلدون الدولة كائناً حيَّاً، تسري عليها سُنَّة الحياة والموت، و«سنّة الوقوف» و«سنّة الرجوع»، وأنَّ «لها أعماراً طبيعيَّة كالأشخاص»[71]. فحينما يعظم الهرم بالدولة ويتجاسر عليها أهل النواحي من داخلها، أو تتكالب عليها الدول من الخارج، «تنحلُّ عراها في كلّ طور من هذه الأطوار، إلى أن تفضي إلى الهلاك وتتعرَّض لاستيلاء الطلاب»[72] من خارجها، و«إلا بقيت وهي تتلاشى إلى أن تضمحل كالذبال في السراج إذا فني زيته وانطفأ». ولا يفوته أن ينبّه إلى «أنَّ أوَّل ما يقع من آثار الهرم في الدولة انقسامها»[73]، وانقسام الدولة هذا إنَّما يحصل من استبداد صاحب الدولة بالمجد والانفراد به والتخلص ممَّن يستريب به من أقربائه المرشحين لمنصبه استيراباً قد يحمل بعضهم على النزوع إلى «القاصية»، في وقت «يكون نطاق الدولة قد أخذ في التضايق ورجع عن القاصية، فيستبدّ ذلك النازع من القرابة فيها. ولا يزال أمره يعظم بتراجع نطاق الدولة حتى يقاسم الدولة أو يكاد»[74]. فإذا ما استبدَّ «ولاة الأعمال في الدولة بالقاصية عندما يتقلص ظلها عنهم»[75]، استقلَّ كلُّ واحد منهم بدولة، وربما تنازعوا فيما بينهم فيستولي أحدهم على ما في يد غيره بالقوَّة كما حصل من استبداد «بني سامان بما وراء النهر، وبني حمدان بالموصل والشام، وبني طولون بمصر، وكما وقع في الدولة الأمويَّة بالأندلس» من قبل، حينما اتجه عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس «قاصية دولة الإسلام، فاستحدث بها ملكاً واقتطعها عن دعوتهم وصيَّر الدولة دولتين»[76]، بعد أن كانت الدولة العربيَّة قد بلغت «الغاية من الغلب والترف، وآذنت بالتقلص عن القاصية». وتوالت الانقسامات حتى «صارت الدولة العربيَّة ثلاث دول: دولة بني العباس بمركز العرب وأصلهم ومادة الإسلام، ودولة بني أميَّة المجددين بالأندلس ملكهم القديم وخلافتهم بالمشرق، ودولة العبيديين بإفريقية ومصر والشام والحجاز»[77]. وما فتئت هذه الدول تنقسم الواحدة تلو الأخرى حتى «كان انقراضها متقارباً أو جميعاً». وجدير بالذكر أنَّ الانتقاض من هذا النوع يقع حينما لا يكون للدولة طمع في الاستيلاء على الدول المجاورة، ويكون الهرم قد أدركها «فتقلص ظلها عن القاصية وعجزت عن الوصول إليها».
ب. الأسباب الخارجيَّة لطروق الخلل: وتتمثل أساساً في الهجوم الخارجي من الأمم والقبائل المجاورة الناشئة، وذلك بأن يكون من يتزعمها صاحب «دعوة يحمل الناس عليها»[78]، أو «صاحب شوكة وعصبيَّة كبيراً في قومه قد استفحل أمره فيهم فيسمو بهم إلى الملك، وقد حدثوا به أنفسهم بما حصل لهم من الاعتزاز على الدولة المستقرة وما نزل بها من الهرم». وهذا الضرب من الانتقاض يكون إمَّا بالمطاولة وإما بالمناجزة أو بهما معاً[79]. ويتحدَّد نوع المحاربة تبعاً لعدد من العوامل لعلَّ أهمها قابليَّة الدولة للانهيار جراء تراكم عدَّة أسباب من أبرزها استحكام الخلل في العصبيَّة والجباية واتضاح الهرم وعظم الدولة المستجدة وقدرتها على المواجهة المسلحة.
مصادر نظريَّة المركز والأطراف
بودنا الآن أن نقف على المصادر، التي استقى منها ابن خلدون نظريته هذه. ونستطيع أن نحصرها في ثلاثة هي: الوحي والمشاهدة والاستقراء التاريخي. وبيان ذلك كما يأتي:
1. الوحي: لقد وردت في الذكر الحكيم آيتان بصدد نقص أطراف الأرض هما: «أو لم يروا أنَّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها، والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب» [الرعد، الآية: 41]، وقوله سبحانه وتعالى: «أفلا يرون أنَّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون» [الأنبياء، الآية: 44]، ومنهما استوحى ابن خلدون فهمه لأشكال تطرُّق الخلل إلى الدولة كما سنتبين[80].
وقد تباينت آراء العلماء تبايناً واضحاً في تفسير معنى نقص الأرض من أطرافها في الآيتين المذكورتين. ونستطيع أن نحصر الدلالات الواردة في شأنهما على النحو الآتي:
خراب الأرض: ويُفهم منه أن تنقص الأرض من «نواحيها وجوانبها»، أو «من نَوَاحِيها نَاحيَة نَاحيَة»، أو أنَّها تنقص «حتى يكون العمران في ناحية منها». وقد حمل أحد أقطاب الإعجاز العلمي للقرآن[81] النقص الوارد في الآيتين على معنى «انكماش الأرض على ذاتها» بوصفها «سنَّة كونيَّة لازمة للمحافظة على العلاقة النسبيَّة بين كتلتي الأرض والشمس»، و«تفلطحها قليلاً عند القطبين، وانبعاجها قليلاً عند خط الاستواء». وإنقاص الأرض من أطرافها بمعنى اندفاع قيعان المحيطات تحت القارات وانصهارها، وذلك بفعل تحرُّك ألواح الغلاف الصخري للأرض. وباعتبار دلالة لفظ الأرض على اليابسة ثمَّة معنيان هما: «إنقاص الأرض من أطرافها بمعنى أخذ عوامل التعرية المختلفة من المرتفعات وإلقاء نواتج التعرية في المنخفضات من سطح الأرض حتى تتم تسوية سطحها»، و«إنقاص الأرض من أطرافها بمعنى طغيان مياه البحار والمحيطات على اليابسة وإنقاصها من أطرافها»، أمَّا الدلالة الثالثة، باعتبار دلالة الأرض على التربة التي تغطي صخور اليابسة، فإنقاص الأرض من أطرافها يكون دلالة على «التصحُّر».
نقص الثمرات والأنفس: قد يكون المقصود بالنقص في الآيتين «نقص ثمرات الأرض»، أو «الموت» (عكرمة وابن عباس ومجاهد)، ولا سيَّما «موت العلماء والصلحاء، أو «نقصان أهلها وبركتها» (العوفي عن ابن عباس)، و«نقصان الأنفس والثمرات» (الشعبي)، أو المعنى الشامل الذي يفيد «نقصان الأنفس والثمرات وخراب الأرض» (مجاهد).
النقص الناتج عن الجور: ثمَّة من ذهب إلى أنَّ المقصود من الآية «جَوْرُ وُلَاتِهَا حَتَّى تَنْقُصَ».
انتصار الإيمان على الشرك: فقد ذهب بعض المفسرين إلى أنَّ المقصود من الآيتين «الفتح على النبي صلى الله عليه وسلم»، أو «ظهور المسلمين على المشركين أو الشرك» (الحسن والضحاك وابن جرير والزجاج والشوكاني)[82].
وتبعاً لما تقدَّم، إنّ التفسير الذي يدلي به ابن خلدون تفسير غير مسبوق في هذا الشأن؛ فالنقص الذي أفضت إليه مشاهدات ابن خلدون وتحليله لمصير الدولة إنَّما هو تناقص من جهة الأطراف حينما يدركها الهرم والضعف، ويتجاسر عليها أهل النواحي والدول المجاورة، فيكون إيذاناً ببداية تفكك الدولة وانقسامها وانحلالها بدءاً من الأطراف وانتهاء بالمركز. أمَّا إذا تمَّت الغلبة على الدولة من «مركزها فلا ينفعها بقاء الأطراف والنطاق؛ بل تضمحل لوقتها»[83]. وبهذا الفهم يكون ابن خلدون قد ارتفع بمفهوم النقص من مقام الوصف «الطبيعي» المتمثل في «نقص ثمرات الأرض» أو «الخراب» أو «الهلاك» إلى مقام التفسير العمراني لاضمحلال الدول نتيجة عوامل متضافرة داخليَّة في الأغلب أو خارجيَّة، بعد أن تستكمل دورتها العمرانيَّة المقدرة لها.
2. المشاهدة: لعلَّ أوَّل إشارة وردت في كتابات ابن خلدون إلى انتقاص الأطراف ما جاء في رسالة جوابيَّة بعث بها إلى ابن الخطيب في عام (769) للهجرة، واصفاً حالة المغرب الأوسط آنذاك بـ«نقص الأرض من الأطراف والوسط، وخمود ذُبال الدول في كلّ جهة»[84]. وقد وجد محمَّد عابد الجابري في هذه الإشارة «ما يشبه أن يكون دليلاً على أنَّ النظريات السياسيَّة والاجتماعيَّة عند ابن خلدون بدأت تتكوَّن في هذه الفترة بالذات»[85]؛ أي منذ نكبة بجاية سنة (767)، وليس في فترة إقامته في قلعة ابن سلامة سنة (776)، كما ذهب إلى ذلك كثير من الباحثين. وذلك بالنظر إلى أنَّ «الروح التي كُتبت بها هذه الرسالة هي الروح نفسها التي نجدها في فصول المقدّمة، التي تتحدَّث عن هرم الدول وأسبابه، وما يصاحب هذا الهرم من مظاهر اقتصاديَّة واجتماعيَّة وسياسيَّة»، ولا سيَّما تركيزه على انتقاص الدول من الأطراف، وتشبيهه الدولة في طور هرمها بـ«الذبال في السراج إذا فني زيته وطفئ[86]»، كما نجد في إحدى فقرات المقدمة[87].
3. الاستقراء التاريخي: ويتعلق الأمر بما انتهى إليه تتبُّعه لأحوال دولة العرب بالخصوص من انقسام وتقلص طوراً بعد طور باستقلال الولاة أو الدعاة بالأطراف والقاصية، فيحصل لهم دعوة وملك، وتتوالى حركة تفكّك الدولة بانفصال أطرافها، فتزداد تقلصاً إلى أن ينقرض المركز الذي هو قلب الدولة. أمَّا إذا غلب على الدولة من مركزها فتضمحلّ لوقتها كما حصل للدولة الفارسيَّة لما تغلب المسلمون على مركزها وهو المدائن، فلم ينفع الملك يزدجرد ما بقي له من أطراف ممالكه. بينما الدولة الروميّة بالشام ظلت قائمة رغم استيلاء المسلمين على الشام بعد أن تحيز أهلها إلى مراكزهم بالقسطنطينيَّة[88].
مآل نظريَّة المركز والأطراف
لقد صار لمفهومي المركز والأطراف شأن كبير في مختلف الدراسات والأبحاث: الاجتماعيَّة والسياسيَّة والجغرافيَّة والاقتصاديَّة والحضاريَّة المعاصرة. فلا غرو أن يتصدَّرا قائمة المفاهيم الأكثر رواجاً في الفكر المعاصر، وأن يكتسبا صبغة إجرائيَّة في الوصف والتحليل والتعليل، على الرغم من تشعب دلالتهما وتداخل حقولهما ومرجعياتهما على أكثر من صعيد. ومن هذه الوجهة يغدو مفهوما المركز والأطراف من المفاهيم الجامعة التي تنتمي إلى أكثر من حقل معرفي. وكلُّ ما في الأمر أنَّ السياق الذي يُستخدمان فيه كفيل بتخصيص دلالتهما وتمييزهما عن غير ذلك من الدلالات.
وعند استطلاعنا لمآل المفهومين نجد أنَّ استعمالاتهما في الفكر المعاصر لا يخرج عن أن يكون استعمالاً وصفياً إجرائياً أو توظيفاً نظرياً ضمن نسق فكري أشمل. فلنقف على كلا الاستعمالين معاً.
أ. الاستعمال الإجرائي: يقتصر استعمال مفهومي المركز والأطراف في عدد من الكتابات على دلالاتهما الإجرائيَّة في سياق الوصف أو التحليل لعدد من الوقائع المتصلة بمجال محدَّد. فقد أظهرت أبحاث إيمانويل والرشتاين[89] في مجال الاقتصاد مثلاً أنَّ ثمَّة مناطق شبه طرفيَّة تتصرَّف تصرُّف الأطراف تجاه المركز، وتصرُّف المركز تجاه الأطراف، كما هو الشأن في دول أوربا الشرقيَّة والصين والبرازيل على سبيل المثال. وإذا كان المركز يتبوأ مركز الصدارة في مجال الريادة والتحكم فقد يحصل أن تتحكَّم الأطراف في مقاليد الأمور، فتؤثر بدرجة أكبر ممَّا هو متوقع في المركز على نحو ما أظهرته نظريَّة ابن خلدون في انهيار الدول بتناقص أطرافها، أو كما أبانت عنه أبحاث فرنارد بروديل بشأن اضطلاع الأطراف بأدوار طلائعيَّة في بعض فترات التاريخ الأوربي الوسيط والحديث. ومن ثمَّ فإنَّ لفظ الأطراف أصلح في الدلالة على حركيَّة ما يقع في صيرورة العلاقة المتبادلة مع المركز من لفظ الهامش الذي يقترن في الأغلب بالإقصاء والاستبعاد. كما أظهرت أبحاث أخرى أنَّ المركز وشبه الأطراف والأطراف قد تتعايش عن كثب في منطقة جغرافيَّة واحدة. وهذا ينبئ بأنَّ وظائف كلٍّ من المركز والأطراف ليست وظائف ثابتة أو جامدة، بل وظائف متجدّدة على نحو ما أثبتته الأبحاث التاريخيَّة من حركيَّة وتبادل للأدوار بتعاقب الحضارات على مرّ الأزمان.
وحتى في المجالات المتخصّصة كمجال التعمير يصعب أن يقتصر مفهوم المركز على دلالات فضائيَّة دون أن يشمل كذلك دلالات تاريخيَّة أو اجتماعيَّة أو اقتصاديَّة أو ثقافيَّة. كما ينبغي كذلك توخي الحذر في التعامل مع مفهومي المركز والأطراف من حيث إنَّ المركز قد لا يكون واحداً ووحيداً، فقد يوجد مركز رئيس ومركز فرعي، كما أنَّ مفهوم المركز لا يتضمَّن بالضرورة دلالة هندسيَّة تفيد دائماً التموقع في الوسط كما هو الشأن في الدائرة، حتى لقد قيل إنَّ «المركز يوجد في الأطراف والأطراف في المركز». وقد يحصل أن تتعاظم الفروق القائمة بين المركز والأطراف اجتماعياً أو ثقافياً أو اقتصادياً أكثر من تعاظمها جغرافياً[90].
وعليه إنَّ مفهومي المركز والأطراف ينطويان على دلالات مختلفة قد تتباين أشدَّ ما يكون التباين على نحو يتعذَّر معه تعريفهما تعريفاً واحداً ووحيداً، وإن كانت الصبغة الغالبة عليهما التباين والتمايز في النمو والتنظيم بسبب ما يحصل من تعارض في الأدوار، واختلاف في المصالح والسلطات باختلاف الزمان والمكان[91].
ب. التوظيف النظري: على أنَّ استخدام مفهومي المركز والأطراف في الفكر الحديث والمعاصر يندرج، في كثير من الأحيان، ضمن نسق فكري أشمل. وبودي أن أقتصر هنا على أربعة تيارات هي: التيار المناهض للتوسع الاستعماري، ومدرسة التبعيَّة، ومدرسة الحوليات، وعلم الاستغراب.
التيار المناهض للتوسع الاستعماري: استعمل المفهومين من قبل عدد من منظّري التوسُّع الاستعماري أمثال روزا لكسمبورغ (م. 1919)، وفلاديمير لينين (م. 1924)، ونيقولاي بوخارين (م. 1938)، الذين عَدّوا الاستعمار أسمى مراحل الرأسماليَّة. ونحن نعلم أنَّ القوى الاستعماريَّة سعت إلى أن تتخصَّص بلدان الأطراف في المنتوجات الفلاحيَّة المشابهة لما تنتجه في بلادها وتصديرها لها. وكان من جراء ذلك أن أفلس الآلاف من الفلاحين المستثمرين في أوربا؛ ذلك الإفلاس الذي أدَّى إلى هجرة لا مثيل لها عجَّلت بحركة التمدُّن، ويسَّرت انبثاق الثورة الصناعيَّة، التي حملت الدول الأوربيَّة على التخصُّص في إنتاج البضائع المصنعة، والعمل على تصديرها إلى دول الأطراف. وبذلك نشأ تقسيم دولي أولي للشغل يستجيب لدواعي التراكم في المركز، فكان أن قُسّمت الدول إلى دول صناعيَّة هي دول المركز، تحيط بها في الأطراف دول فلاحيَّة تابعة. وفي هذا الصدد لاحظ أحد الباحثين أنَّ المجتمع المغربي قبل الحماية كان «منظماً تنظيماً قبلياً تتوزَّع فيه كلُّ القبائل بتوزيع الأمكنة الرعويَّة وسهول الرعي الزراعيَّة، وباتباع نمط عيش تكاملي بين الجبال الرعويَّة وسهول الرعي الزراعيَّة»[92]، فكانت تعرف نوعاً من الاستقلال الذاتي «مع خضوع القرارات المهمَّة لمركزيَّة الدولة التي كانت تضعف أو تزيد سلطتها حسب قرب أو بعد الجهات عن العاصمة». وقد كان المغرب وسيطاً بين أفريقيا وأوربا في نطاق ما كان يُدعى بـ«تجارة السودان»، ويتمتَّع بقدر من «التوازن على مستوى مختلف الجهات، سواء بالنسبة إلى توزيع السكان أم على مستوى النشاطات الاقتصاديَّة أو التنظيم المجالي». لكن خلال فترة الحماية شهد المغرب تحولاً اجتماعياً واقتصادياً جذرياً، إذ قسِّم تقسيماً جهوياً اعتماداً على معايير أمنيَّة أكثر منها اقتصاديَّة أو اجتماعيَّة، ورُبط «بالمتربول» عبر تصدير المزروعات إلى السوق الخارجيَّة بعد أن كانت متَجهة أساساً لتلبية الحاجات المعيشيَّة للسكان المحليين. كما نشأ تمركز اقتصادي وسكاني اختلَّ معه التوازن النسبي الذي عرفه المغرب خلال مرحلة ما قبل الاستعمار[93].
ومع اشتداد المدّ الاستعماري، وتسارع وتيرة حركة التصنيع في دول المركز، تزايدت حاجة الدول الصناعيَّة إلى المواد الأوليَّة، فكان لزاماً أن تزدوج وظيفة دول الأطراف، وقد تخصَّصت في الإنتاج الفلاحي بمهمَّة ثانية تتمثل في تصدير المواد الأوليَّة مقابل استيرادها المنتوجات الصناعيَّة من دول المركز. وعلى هذا النحو صارت دول الأطراف أسواقاً رائجة لتصريف فائض الإنتاج الصناعي لدول المركز الأوربي على نحو غير متكافئ، على نحو ما أسفرت عنه أبحاث مدرسة التبعيَّة.
مدرسة التبعيَّة: كان للتيار المناهض للتوسُّع الاستعماري تأثير بليغ في عدد من رجال الاقتصاد والسياسة، ولا سيما في الدول الاشتراكيَّة. ومن هؤلاء نجد أصحاب مدرسة التبعيَّة التي جعلت التوسع الاستعماري سبباً لتخلف ما سُمّي بدول العالم الثالث، وفي مقدمتهم الاقتصادي راؤول بريبيش الذي استخدم مفهومي المركز والأطراف في سياق التحليل الذي أنجزه عن العلاقات الاقتصاديَّة القائمة حينئذٍ، وهي علاقات ناشئة عن التأثير الحاسم للولايات المتحدة الأمريكيَّة التي هي بمثابة المركز الموجّه لسيرورة النمو الاقتصادي والمتحكّم في إدارة السلطة الاقتصاديَّة والسياسيَّة والإداريَّة، أمَّا بقية الدول المحيطة به، وبالأخصّ دول أمريكا الجنوبيَّة، فهي بمثابة أطراف تابعة له وخادمة لمصالحه[94]. وقد وجد المفهومان في صياغتهما الاقتصاديَّة الجديدة هذه صدى واسعاً لدى عدد من الاقتصاديين المنضوين تحت لواء هذه المدرسة. ومن هؤلاء سمير أمين الذي أقرَّ باقتباسه المفهومين من كتابات بريبيش الأولى، وإن أضفى عليهما «مضموناً جديداً كليَّاً»[95]. فهو يرى أنَّ في دول المركز «تحكم القوى الاجتماعيَّة الداخليَّة بصفة أساسيَّة عمليَّة تراكم رأس المال، ثمَّ تخضع العلاقات الخارجيَّة لتخدم هذا المنظور الداخلي»، أمَّا في الأطراف فـ«ليست عمليَّة التراكم سوى ناتج مطعم على التراكم المركزي، فهي بهذا المعنى عمليَّة تراكم تابع»، بحكم أنَّ «القوى الخارجيَّة هي التي تتحكَّم في تحديد مدى التراكم فيها واتجاهه»[96]. ومن شأن هذا الضرب من التحكّم من دول المركز (وهي أساساً أوربا الغربيَّة والولايات المتحدة الأمريكيَّة واليابان) أن يفضي إلى «نمو غير متكافئ»، كما أنَّ التقسيم الدولي للعمل يحافظ على «التبادل غير المتكافئ»[97]، الذي يضرُّ بمصالح دول الأطراف. فلا جرم أن ينمو التخلف ويتعاظم على نحو ما أظهره أندري غاندر فرانك أحد أقطاب هذه المدرسة في كتابه عن (نمو التخلف)[98]؛ إذ «التخلف ليس مرحلة متأخرة من التطوُّر، وإنَّما هو نتاج حديث للتوسُّع العالمي للرأسماليَّة المسؤول عن تطوُّر المراكز وتخلف الأطراف في الوقت نفسه»[99]، بما أنَّ «مجتمعات الأطراف خاضعة دائماً لعمليَّة تكييف بنيوي...مع مقتضيات تراكم رأس المال على الصعيد العالمي»[100]. وقد انتبه سمير أمين بحق إلى ذلك، وكيف «أصبح اليوم تمركز الفائض على صعيد الرأسماليَّة العالميَّة عائقاً في سبيل تقدُّم ثلاثة أرباع الإنسانيَّة، الأمر الذي يتطلب المرور من خلال فترة انتقاليَّة قائمة على مبدأ فكّ الارتباط قبل أن تتبلور شروط جديدة لإعادة توحيد الاقتصاد العالمي على أسس مستحدثة ومختلفة نوعياً»[101]. فمن شأن فك الارتباط[102] بالنظام الاقتصادي لدول المركز أن يمهّد لبداية حضارة جديدة بديلة، ولا سيَّما أنَّ الحضارة الحديثة القائمة على النظام الرأسمالي لم تنبثق عن تطوُّر للحضارات التي قامت في مراكز العالم القديم كمصر والصين، وإنَّما قامت على أطرافه.
مدرسة الحوليَّات: وقد تجدَّد المفهومان مع مدرسة الحوليَّات التي دعت إلى الاغتراف من العلوم الإنسانيَّة، ولاسيَّما الجغرافيَّة التاريخيَّة، كما عند فرناند برويل، أحد أقطاب هذه المدرسة. فقد تجاوز في تحليله النطاق الضيّق للدولة ليتناول مواضيع تاريخيَّة جديدة مثل الاقتصاد الرأسمالي، مع اقتراح تعريف لمراكزها. كما قادته تساؤلاته عن الفضاء إلى أن يتناول تناولاً شبه طبيعي المحيط الجغرافي لدول حوض البحر الأبيض المتوسط والعلاقات القائمة بينها[103]، هذا الحوض الذي كان مهداً لنشأة الرأسماليَّة الأوربيَّة. وقد بيَّنت أبحاثه التاريخيَّة أن نشأة الرأسماليَّة الأوربيَّة كانت عبارة عن سلسلة متواصلة من التمركز والتطرف[104] وإعادة التمركز لاقتصاديات العالم تحت سيطرة عدد من الحواضر الأوربيَّة بالخصوص كالبندقيَّة (ابتداء من سنة 1380)، وأنفيرز (ابتداء من عام 1500)، وجنوة (ابتداء من عام 1550 و1560)، وأمستردام (ابتداء من عامي 1590 و1610)، ولندن (ابتداء من عامي 1780 و1815)، ونيويورك (عام 1920)[105]. وعنده أنَّ مفهوم اقتصاد العالم ينبني على حقائق ثلاث: الأولى أنَّه يتموقع في فضاء جغرافي معين، والثانية أنَّه يقبل دائماً قطباً أو مركزاً تمثله مدينة متغلبة هي عبارة عن «دولة في مدينة»، كما كان الأمر بالأمس أو «عاصمة اقتصاديَّة» كما هو الشأن اليوم، والثالثة أنَّ اقتصاد العالم تتقاسمه مناطق متتالية، فهناك «القلب؛ أي المنطقة التي تمتدُّ حول المركز... تليه المناطق الوسطيَّة القائمة حول القطب المركزي، وأخيراً الأطراف الواسعة للغاية التي هي تابعة أكثر من كونها مشاركة وفقاً لتقسيم العمل الذي يميز اقتصاد العالم»[106]. فالمركز الذي هو بمثابة القلب للجسد يستحوذ على الثروات والسلطة والعلم والثقافة وبه تحيط مناطق طرفيَّة أقل نمواً وتطوراً بمقدار ابتعادها عن المركز[107].
علم الاستغراب: تتمثل فائدة هذا التيار في كونه يسعى باعتراف أحد أقطابه إلى «القضاء على المركزيَّة الأوربيَّة»[108]، و«ردّ ثقافة الغرب إلى حدودها الطبيعيَّة بعد أن انتشر خارج حدوده إبَّان عنفوانه الاستعماري من خلال سيطرته على أجهزة الإعلام وهيمنته على وكالات الأنباء ودور النشر الكبرى، ومراكز الأبحاث العلميَّة والاستخبارات العامَّة»[109]، وما لم يتمّ «القضاء على ثنائيَّة المركز والأطراف على مستوى الثقافة والحضارة»[110]، وما دامت «الثقافة الغربيَّة هي المركز والثقافة اللَّاغربيَّة في الأطراف ستظلّ هذه العلاقة أحاديَّة الطرف، من المركز إلى الأطراف، علاقة المعلم بالتلميذ والسيد بالعبد»[111]. ومن ثمَّ كانت إحدى مهمات علم الاستغراب «إعادة التوازن للثقافة الإنسانيَّة بدل هذه الكفة الراجحة للوعي الأوربي والكفة المرجوحة للوعي اللَّاأوروبي»، و«إنهاء أسطورة كون الغرب ممثلاً للإنسانيَّة جمعاء، وأوروبا مركز الثقل فيه»[112]، مع أنَّ الحضارة الغربيَّة «حضارة طرديَّة؛ أي أنَّها نشأت تحت أثر الطرد المستمر من المركز»[113]، والحضارة الإسلاميَّة «حضارة مركزيَّة»[114]. ومن شأن ذلك أن يفكّ «عقدة النقص التاريخي في علاقة الأنا بالآخر، والقضاء على مركَّب العظمة لدى الآخر الغربي بتحويله من ذات دارسة إلى موضوع مدروس، والقضاء على مركَّب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع مدروس إلى ذات دارسة»[115]. وعلى الرغم مما يبدو على صياغة أهداف علم الاستغراب من طابع سجالي فإنَّ صاحب المشروع يرى أنَّ «وعي الباحث الآن في علم «الاستغراب» أقرب إلى الشعور المحايد، نظراً لأنَّه لا يبغي السيطرة أو الهيمنة؛ بل يبغي التحرُّر من إسار الآخر حتى يوضع الأنا والآخر على المستوى نفسه من النديَّة والتكافؤ»[116]. أمَّا عن السياق التاريخي لانبثاق الوعي بضرورة دراسة الغرب وفهمه أنَّ الشعوب التي تحرَّرت من أسر الاستعمار صارت «مركز ثقل جديد في العالم «تحفظه» من ويلات الحروب وتدعو لإقامة إنسانيَّة جديدة وقواعد للتعاون الدولي أكثر عدالة وإنصافاً للشعوب غير الأوربيَّة»[117]، كما أنَّ «بداية الانكماش الأوربي داخل حدود الغرب الطبيعيَّة، وانحسار ثقافته وآثاره على الغير» إنَّما هو «إعلان لنهاية نهضة قديمة نشأت وتطوَّرت واكتملت وبدأت في الأفول بالنسبة إلى الآخر»[118]. وربَّما كان ذلك الانكماش إيذاناً بـ«مرحلة جديدة» ينتقل فيها العالم «من عصر ريادة لحضارة إلى عصر ريادة لحضارة أخرى»[119].
وهذا التبشير «بعودة مسار الحضارات من الغرب إلى الشرق من جديد»، إنَّما هو عودة إلى «العمق التاريخي في الوعي الإنساني»[120]. ويتعلق الأمر بشعوب الشرق خاصَّة وبحضارات العالم الثالث عامَّة التي تسترد «فائض القيمة التاريخي»[121] المتراكم في الغرب وتستعيد وظيفتها «فتعود من جديد إلى المركز، وتأخذ مكان الريادة بدلاً من الوعي الأوربي الأقلّ عمقاً في التاريخ»[122]. وقد سبق لأحد المفكرين أن لاحظ من قبل أنَّ «مركز ثقل المبادرة التاريخيَّة» بدأ ينتقل من الولايات المتحدة الأمريكيَّة إلى القطاع الآسيوي من العالم الشرقي حول محور الصين واليابان[123]. وعليه «إذا ما أمكن اتحاد الشرق والجنوب والغرب الجنوبي (أمريكا اللاتينيَّة) ضدَّ الشمال (أوروبا) أمكن حصار الأطراف للمركز من نصف الكرة الجنوبي إلى مركزها الشمالي، وبالتالي يتحقق الهدف الأقصى من «علم الاستغراب»»[124].
عود على بدء
الآن وقد استعرضت مفهومي المركز والأطراف وموقعهما النظري في منظور علم العمران الخلدوني لنشوء الدولة ونموها واختلالها وانقراضها، ومآلهما في الفكر المعاصر بودنا أن نتساءل: لماذا ظلَّ هذان المفهومان بمنأى عن اهتمامات الدراسات الخلدونيَّة؟ وكيف أغفلتهما ولم تنبه إلى حمولتهما الاصطلاحيَّة والمنهجيَّة في الوصف والتحليل والتعليل؟ وما دلالة هذه الحجب الكثيفة والغياب الصارخ؟
والحق أنَّه من الصعوبة بمكان أن أدلي بجواب واحد ووحيد في هذا الشأن، وحسبي أن أقتصر على فرضيَّات أجملها فيما يأتي:
القصور الاصطلاحي: فنحن نعلم أنَّ ماضي الغرب الإسلامي كان في عرف عدد من المستشرقين ومن حذا حذوهم من المفكرين والفلاسفة «قروناً مظلمة»[125] أو شبه مظلمة عدمت كلَّ مقوم حضاري جدير بهذا الاسم. وتبعاً لذلك يسهل لمن يضمر مثل هذا التصوُّر أن ينكر على الميراث الفكري العربي القديم امتلاكه للمفاهيم والمصطلحات، وأن يستكثر عليه الإتيان بعُدَّة اصطلاحيَّة ومنهجيَّة تناظر ما للفكر الأوروبي الحديث فضلاً عن أن تبزه في كثير أو قليل، فكيف إن جاءت من عصور غابرة؟
التذبذب الاصطلاحي: وأقصد به المسلك الذي يتخذه المترجم إزاء مفاهيم معيَّنة فيحول دون تبوئها دلالاتها الاصطلاحيَّة في اللغة المنقول إليها، إمَّا بسبب اضطرابه «في تعيين اللفظ المقابل أو تردُّد في الاختيار بين المترادفات أو صعوبة أو عجز في الحسم»[126] أو لسوء اختيار اللفظ المخصوص، لأسباب اختياريَّة أو اضطراريَّة، شعوريَّة أو لاشعوريَّة تنأى باللفظ عن مرتبة الاصطلاح. ويلاحظ أنَّ بعض الخلدونيين الأجانب قد وقعوا في شرك مشابه من حيث التذبذب بين أكثر من لفظ سواء تعلق الأمر بمفهوم المركز، أو بمفهوم الأطراف بشكل خاص[127]. وعليه تراوحت مقابلات المفهومين بين عدَّة ألفاظ، ولم يثبتوا على ألفاظ بذاتها، حتى عندما لا يوجد داعٍ محقق للتنويع والتباين في الوضع[128]، ومن ثمَّ فوَّتوا على القارئ غير القادر على الاطلاع على النصّ الخلدوني فرصة الاستفادة من الرصيد الاصطلاحي الذي شهد له عدد من الدارسين الخلدونيين في الشرق والغرب على السواء.
العمى الاصطلاحي: وأقصد به انعدام الحسّ المدرِك لدى كاتب ما للاصطلاحات الدالة في حقل معجمي أو مجال دراسي أو متن فكري معيَّن. ومن ذلك أن يخصَّ أحد الباحثين[129]مصطلحات ابن خلدون بموسوعة تشمل أكثر من سبعمئة لفظ وتعبير، ولا نجد فيها أثراً لمفهومي المركز والأطراف! هذا مع إقراره بأنَّ ابن خلدون يتميز «بإحداثه آراء وأفكاراً خاصَّة في تاريخ الفكر العربي والإسلامي، وقد أملى هذا عليه نحت مصطلحات وبروز تصوُّرات جديدة ومستجدة جديرة بالجمع والنقد»[130]. كما يتميز بأنَّه «استخدم كثيراً من المفردات والعبارات في معانٍ علميَّة لم يسبق استعمالها فيها، وإن كانت تمتُّ إلى معانيها الأصلية بعلاقة من العلاقات المقرَّرة في علم البيان». وقلْ مثل ذلك عن «موسوعة المصطلح في التراث العربي الديني والعلمي والأدبي»[131]، التي وصفها أحد الباحثين بأنَّها «مسح شامل للتراث العربي»، استعرض فيها المؤلف «تاريخ التراث العربي منذ بداياته إلى زمننا هذا»[132]. وهو ما يجعل منها «إضافة نوعيَّة في مجال التأليف في المصطلح»[133]؛ بل «ستكون بالفعل بداية لكلّ مجتهد ونهاية كلّ مقتصد في مصطلحات جميع العلوم الإسلاميَّة واللغة العربيَّة وأدبها وفنونها»[134]! فكيف إذاً لم يتأتَّ لصاحبها أن يستخرج المفهومين معاً ليتبوأ مكانهما في لائحة المصطلحات التي تربو على خمسة آلاف مصطلح؟ وما دلالة هذا الإغفال؟
ولا يختلف الأمر كثيراً عند بعض المستشرقين الذين تناولوا بالدراسة والتحليل مقدمة ابن خلدون. ومن هؤلاء إيف لاكوست صاحب كتاب (ابن خلدون: مولد التاريخ وماضي العالم الثالث)[135]، الذي قال عنه أحد الباحثين: «إنَّه على معرفة حسنة بآثار ابن خلدون، وإنَّه معجب بصاحبها إعجاباً صادقاً ومتروياً، وقد كتب صفحات في غاية الجودة عن كثير من مظاهر الفكر الخلدوني»[136]. غير أنَّ معرفته تلك بمقدمة ابن خلدون لم تحل بينه وبين أن ينسب مفهومي المركز والأطراف إلى غيره كما تقدَّم. وحينما أنكر عليه أحد الباحثين[137] في شؤون الاستشراق «إسقاطات لمفاهيم ومصطلحات غربيَّة لا تعبّر بالضرورة عن حقيقة الموضوعات» التي يصفها، مثل الحديث عن «الإسلام بصيغة الجمع»، والحديث عن «المركز والأطراف في الإسلام»[138]، يردُّ عليه بأنَّه لا يقصد من استخدامه تعبير المركز والأطراف بالنسبة إلى الإسلام «المضمون الاقتصادي الدولي لهذا المصطلح» بقدر ما يقصد «المعنى التاريخي»، وأنَّه يقصد بالمركز «الأقطار القريبة جغرافيَّاً من نقطة انطلاق الإسلام، وهما مكَّة والمدينة اللتان ما زالتا[139] إلى اليوم المكان الأكثر استقطاباً للمسلمين من كافَّة أرجاء العالم»، ويضاف إليهما إيران وتركيا اللتان كان لهما شأو حضاري كبير في تاريخ الإسلام. «وهكذا يمتدّ مركز الإسلام مسافة خمسة آلاف كيلومتر من المغرب الأقصى إلى إيران»، أمَّا أطراف الإسلام «فتضمُّ عدداً أكبر من السكان على رقعة جغرافيَّة أكبر، كما أنَّ علاقاتهم بمراكز الإسلام ضعيفة نظراً للحواجز الجغرافيَّة». وإذ يلح الباحث أحمد الشيخ على إمكانيَّة دراسة «العرب والمسلمين من خلال مراجعهم ومصطلحاتهم الخاصَّة»، يعرب الباحث الفرنسي عن اعتقاده بأنَّ «دراسات باحثين فرنسيين عن العرب أو العكس هي من الأمور الجيدة التي ينبغي تشجيعها». فيا لها من مواجهة يُستدرج فيها باحث متضلع في الدراسات الخلدونيَّة عن غير قصد بشأن مصطلحين خلدونيين فيجيب بما يفيد استخدامها بالمعنى التاريخي، مع إقراره في موضع آخر احتمال نسبتهما إلى مفكّر روسي!
القطيعة مع الفكر المعاصر: يسود، في كثير من الأوساط العلميَّة العربيَّة والعجميَّة على السواء، اعتقاد بأنَّ الفكر المعاصر يكاد يكون نسيجاً وحده في مضمار الاجتهاد والتجديد النظري والمنهجي على نحو يجعل صلته بالفكر ما قبل الحداثي صلة انفصال لا اتصال. ومن ثمَّ إنَّ ما تزخر به المعاجم الحديثة من مفاهيم ومصطلحات وطرائق منهجيَّة لا بدَّ من أن تكون جديدة كلَّ الجدّة بالمقارنة مع ما سبقها أو تكاد. فلا غرو أن ينعى هؤلاء على الفكر العربي السابق للحداثة افتقاره إلى مفاهيم اجتماعيَّة متداولة، مثل «الإيديولوجيا والثقافة والحضارة»[140]، فضلاً عن المفاهيم ذات الصلة المباشرة بالتجارب السياسيَّة والاقتصاديَّة الراهنة كالرأسماليَّة والليبراليَّة والاشتراكيَّة.
على أنَّ من الدارسين من ينمُّ عن موقف مثنوي يتجاذبه طرفا الإكبار والاستصغار، كما يبدو لنا من موقف محمَّد عابد الجابري من الخلدونيَّة. فهو بلا أدنى ريب من أكثر الباحثين تضلعاً في علم العمران الخلدوني وأشدّهم تمسُّكاً بقواعد المنهج في التحليل والتعليل والحكم. غير أنَّ إعجابه بابن خلدون وإكباره لمشروع علمه الجديد لم يَحُل بينه وبين التحذير من الافتتنان به والانبهار «الذي تثيره فينا مقدمته كلما تصفحناها أو طالعنا بعض فصولها»[141]. وقد بلغت شدّة نقده لابن خلدون حداً جعله يرى في الخلدونيَّة «طموحاً مقيداً بنظام من المفاهيم والتصوُّرات ينتمي إلى مرحلة علميَّة-معرفيَّة تجاوزها الفكر الحديث عندما حقق القطيعة مع المفاهيم الأرسطيَّة والتصوُّرات المبنيَّة عليها»[142]، وهي مفاهيم وتصوُّرات تكشف عن «بنية عقليَّة لم يكن من الممكن أن تسمح لابن خلدون بأيّ استشراف مستقبلي يستجيب ويتلاءم مع منطلقه». وعليه فما تبقى لنا من الخلدونيَّة «هو ما يجب أن ننجزه وليس ما أنجزته». إنَّ من يصدر حكماً في مثل هذه الصرامة لا يمكن أن يسعفنا في تلمُّس الطريق إلى مفاهيم وتصوُّرات خلدونيَّة قد تعيننا منهجياً على الوصف والتحليل والتعليل والتفسير لما يجري من ظواهر عمرانيَّة معاصرة بشكل من الأشكال. وإنَّ المطلع على الثبت الذي خصصه لـ«أهم الكلمات والمصطلحات التي استخدمها ابن خلدون في مقدمته، والتي يتوقف على فهمها فهم كثير من جمله وعباراته» و«أفكاره وآرائه»[143] لا يعثر فيه على مفهومي المركز والأطراف. وممَّا يثير الاستغراب حقاً أنَّ الجابري، وهو يعرض لمعالم النظريَّة الخلدونيَّة في التاريخ والعمران على السواء، يكاد يتحاشى استخدام المفهومين في أكثر من موضع بلا موجب، مع حرصه في مواطن أخرى على الاصطلاح الخلدوني[144].
وفي المقابل نجد من الباحثين من لا يتوانى عن الاستناد إلى ابن خلدون في فهم قضايا العالم المعاصر، واعتماد النمذجة التي أقامها في «تحليلاته للمظاهر الرمزيَّة للسلطة» على سبيل المثال، أو في «مجالات أخرى كالمجال الاقتصادي والمالي»[145]. وذلك باعتبار «أنَّ ابن خلدون قد كتب أموراً كثيرة عن المسألة الاقتصاديَّة، مع قيامه بتحليل واستخدام لمفاهيم خصبة للغاية حتى اليوم، قد تسمح لنا بفهم العالم المعاصر بيسر».
خاتمــــة:
وبعد، فقد تبيَّن لنا أنَّ مفهومي المركز والأطراف عند ابن خلدون يصدران عن نظرة دائريَّة للكون، تتساوق والمنحى الدوري في تفسير نشأة الدول والحضارات وسيادتها ثمَّ كيفيَّة اضمحلالها وانحلالها بدءاً من الأطراف. وهما مفهومان جامعان يتضمنان أبعاداً شتى: جغرافيَّة وتاريخيَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة وحضاريَّة جديرة بالتقدير والاعتبار في منظور العلم الجديد لصاحب المقدّمة. ولئن كانت الدراسات الاستشراقيَّة والخلدونيَّة على السواء قد تعامت عن المفهومين ولم تعرهما ما هما أهل له من اهتمام وعناية لأسباب شتى، فقد كان لزاماً عليَّ أن أجلو دلالاتهما الإجرائيَّة في الوصف والتحليل والتفسير، وأن أبرز مكانتهما في العدَّة الاصطلاحيَّة والمنهجيَّة لصاحب المقدّمة في سعيه الدائب لتفسير ظواهر العمران البشري والعمران الطبيعي معاً. ولا ريب في أنَّ امتداد مفهومي المركز والأطراف في الفكر المعاصر واغتناءهما بتصوُّرات جديدة ومتجدّدة دليل على أنَّ المنظور الثاقب لعلم العمران خليق بأن يستأثر باهتمام الباحثين في الأجيال القادمة، وأن يُبوّئ صاحبه المكانة التي يستحقّها في مجال الفكر الاجتماعي والنفسي والاقتصادي والجغرافي والحضاري بوجه عام. ولعلَّ من يأتي بعدنا يكشف عن صلة النسب بين علم العمران وعلوم الإنسان عبر دراسة دقيقة للنصوص، وبمنظور منهجي متكامل يبرهن به عن كيفيَّة هجرة المفاهيم واستقرارها في سراديب اللَّاوعي الجماعي الحديث.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
_______________________________________________________________
[1] - يتفكرون العدد11
[2]- Lefevre, Henri (1968), Le Droit à la ville, Paris, Seuil et Edward Shils (1975), Centers and Peripheries, Essays in Macrosociology, Chicago, University of Chicago Press.
[3]- Lévi-Strauss, Claude, (1955), Triste Tropique, Paris et Yannick Lemel (1991), Stratification et mobilité sociale, Paris, Armand Colin.
[4] ـ نصر، جعفر نجم (2011)، مقدمة في أنتروبولوجيا العولمة: الغرب من اقتصاديات الذات إلى جغرافيَّة الآخر، صفحات للدراسات والنشر، دمشق.
[5]- Chevallier, Jacques, (1978), “Le modèle centre/périphérie dans l›analyse politique”. In J. Chevallier (éd.), Centre, périphérie, territoire, Paris, P. U. F., 1999, p. 3 - 131.
[6] - Rowlands, Michael, Morgens Larsen and Kristian Kristiansen (eds;) (1987), Center and periphery in the Ancient World, Cambridge, Cambridge University Press.
[7] - Gravie, Jean-François, (1947), Paris et le désert français, Paris, Flammarion, 1972, Yves Lacoste (1965), Géographie du sous-développement: géopolitique d’une crise, Paris, P.U.F. et Alain Reynaud (1981), Société, espace et justie: inégalités régionales et justice socio-spatiale, Paris, P. U. F.
[8]- Jacques Bonnet et François Tomas (1989), «Centre et périphérie. Eléments d’une problématique urbaine». In: Revue de géographie de Lyon, 64, 1, 3 - 12
[9] - Frank, André-Gunder, (1969), Le développement du sous-développement, Paris, Maspéro et Samir Amin (1970). L’accumulation à l’échelle mondiale, Paris, éd. Anthropos.
[10] - Uspensky (Boris) and Zhivov (Vladimir), (1977), “Center-Periphery, opposition and language universels”. In Linguistics (Holland), 196, 5 - 24 and Tatyana Skrebtsova.(2014). “The concepts center and periphery in the history of linguistics: from field theory to modern cognitivism”. In RespectusPhilologicus (Lithuania), 26, 31, p. 144- 150
[11] ـ مثل التحليل المؤسساتي وعلم الفلك الفيزيائي.
[12]- Cattan, Nadine, “Centre / Périphérie”. In: Ghorra-Gobin (dir) (2006), Dictionnaire des mondialisations, Paris, Armand Colin, 2007, p. 47- 49.
[13] - Catherine Choquet, Carole Sebline et Marinette Lévy (coor) (1999), Mondialisation, Les mots et les choses, Ed. Karthala et Werner Sombart (1902), Der moderne Kapitalismus, Leipzig, Duncker & Humblot.
[14] - Nonjon, Alain, (1992), Concepts et mécanismes, De géographie économique contemporaine, Paris, éd. Marketing, p. 414, Yves Lacoste (dir.) (1993), Dictionnaire de géopolitique, Paris, Flammarion, 1995, p. 1214 et Nicolas Boukharine (1924), L’impérialisme et l’accumulation du capital, Paris, Etudes et documentations internationales, 1977.
[15] ـ وذلك في تقرير له سنة 1949. انظر على التوالي: افتتاحيَّة مجلة الطليعة: «نظريَّة المركز والمحيط أو القلب والتخوم» في: الطليعة، القاهرة، 6، 1974، ص. 40. و: عبد الفضيل، محمود (1982)، الفكر الاقتصادي العربي وقضايا التحرر والتنمية والوحدة، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت، ص 24. (نقلاً عن افتتاحيَّة مجلة الطليعة دون ذكر المصدر). و:
El Malki, Habib, (en collaboration), (1980), “Dépendance et problématiques de la transition”. In: Revue juridique, politique et économique du Maroc (Rabat), 8, p. 254.
[16] ـ يذهب محمد الأخضر بن حاسين إلى أنَّ سمير أمين هو من أنشأ مفهومي المركز والأطراف، وإن رجّح اقتراضهما من أندري غاندر فرانك، بينما يورد حسن حنفي نظريَّة «التطور اللامتكافئ»، و«فك الارتباط»، و«المركز والأطراف» في سياق حديثه عن «الإبداعات الذاتيَّة والإسهامات الفكريَّة من مفكري العالم الثالث»، ويذكر منهم سمير أمين، وأنور عبد الملك، وبونّا فيناراجا. ويضيف إليهم نماذج أخرى مثل: عبد العزيز بلال، والمهدي المنجرة، ومحجوب الحق، وكاريراداماس. انظر على التوالي: بن حاسين، محمد الأخضر (1974)، «نقد مفهومي المركز والمحيط والمشاكل الآنيَّة للانتقال من الرأسماليَّة إلى الاشتراكيَّة»، في: الطليعة، القاهرة، 6، 41-49. و: حنفي، حسن، (1991)، مقدّمة في علم الاستغراب، الدار الفنيَّة للنشر والتوزيع، القاهرة، ص 744
[17] ـ يستخدم ابن خلدون لفظ المركز بالمفرد، ونادراً ما يستخدمه بصيغة الجمع، كما في حديثه عن أهل الدولة الروميَّة الذين «تحيّزوا إلى مراكزهم بالقسطنطينيَّة». وقد يتحدث عن «أهل المركز» ويقصد بهم بني العباس مقابل بني أميَّة «المنتبذين بالأندلس». كما تحدث عن دولة صنهاجة بالمغرب واستيلاء أشير بجبل تيطّري «على مركزهم». وقلما يستخدم ابن خلدون لفظ «الوسط» بدل المركز. أمَّا مفهوم الأطراف فقد يستعيض عنه ابن خلدون نفسه أحياناً بلفظ القاصية. أمَّا الكتَّاب المحدثون فقد يؤثرون تارة لفظ المحيط، وتارة الهامش، وقد يستخدم بعضهم أحياناً لفظ «التخوم» بالجمع. والملاحظ أنَّ لفظ الهامش قد يتخذ دلالة قدحيَّة بما يوحي به اللفظ من إهمال وإقصاء ونبذ. انظر: ابن خلدون، عبد الرحمن (ت. 808 هـ \ 1406م)، المقدمة، تح. عبد السلام الشدادي، بيت الفنون والعلوم والآداب، الدار البيضاء، 2005، ج1، ص 274، وص 276، وج 2، ص 90، وص 74
[18] ـ المصدر نفسه، ج1، ص 71
[19] ـ يستخدم ابن خلدون كثيراً لفظ الدائرة في أكثر من موضع مثل قوله: «إنَّما المعمور منه (يعني العمران) قطعة أميل إلى جانب الشمال على شكل سطح كروي ينتهي من جهة الجنوب إلى خط الاستواء، ومن جهة الشمال إلى خط كروي... وينتهي من الشرق والغرب إلى عنصر الماء أيضاً بقطعتين من الدائرة المحيطة. وهذا المنكشف من الأرض قالوا هو مقدار النصف من الكرة أو أقل... وخط الاستواء يقسم الأرض بنصفين من المغرب إلى المشرق، وهو طول الأرض وأكبر خط في كرتها». ويقول في معرض حديثه عن نظريَّة الأقاليم السبعة: إنَّ الإقليم السابع «أقصر لما اقتضاه وضع الدائرة الناشئة من انحسار الماء عن كرة الأرض». انظر: المصدر نفسه، ج1، ص ص 72-73
[20] ـ ورد التشبيه في معرض اعتراضه على وجود أن يكون الماء تحت الارض، «وإنَّما التحت الطبيعي قلب الأرض ووسط كرتها الذي هو مركزها، والكل يطلبه بما فيه من الثقل». انظر: المصدر نفسه، ج1، الصفحة نفسها.
[21] ـ المصدر نفسه، ج1، ص 273 وما بعدها.
[22] ـ يقول ابن خلدون في هذا الصدد: «ثمَّ لا يزال الترف يزيد، والخرج بسببه يكثر، والحاجة إلى أموال الناس تشتد، ونطاق الدولة يضيق، إلى أن تمحي دائرتها ويذهب رسمها ويغلبها طالبها». انظر: المصدر نفسه، ج2، ص 85.
[23] ـ يقول ابن خلدون عن دولة الأمم الوحشيّة: إنَّها «أوسع نطاقاً وأبعد من مراكزها نهاية». كما يذهب إلى أنَّ «اتساع الدولة وقوتها» يكون على حسب «النسبة في أعداد المتغلبين». انظر على التوالي: المصدر نفسه، ج1، ص 238. و: المصدر نفسه، ج1، ص 276.
[24] ـ يرى محمَّد عابد الجابري أنَّ حركة التاريخ الإسلامي اتخذت «شكل حركة دوريَّة تشخصها عمليَّة قيام الدول وسقوطها» لا «حركة مستقيمة». ومهما قيل عن التصوُّر الدوري للتاريخ عند ابن خلدون، فهو تصوُّر لا يلغي إمكانيَّة التطوُّر الحضاري عبر تناقل المنجزات الحضاريَّة والعمرانيَّة من حضارة إلى أخرى، كما أثبت ذلك في أكثر من موضع من المقدّمة. وحسبنا أن نثبت أنَّ النظريَّة الدوريَّة تنسجم مع بعض التصورات الفلكيَّة القديمة على نحو ما تعكسه بعض المفاهيم مثل «المدار اليومي والمدار الأوسط والمدار العرضي والمدار الطولي»، و«دائرة البروج أو الأبراج»، و«دائرة معدل النهار، أو دائرة الاستواء والاعتدال»، أو «الدائرة اليوميَّة»، وقد سميت كذلك «لحدوث اليوم بحركتها». ولهذه التصورات صدى حتى في تعابير اللغة ذاتها، كقولنا «دار الزمان دورته؛ أي رجع كأوله، ودارت الدوائر عليه إذا ألمت به المصائب والأزمات». انظر على التوالي: الجابري، محمَّد عابد (1971)، العصبيَّة والدولة: معالم نظريَّة خلدونيَّة في التاريخ الإسلامي، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت، 1994، ط6، ص260، وص248. و: الكتاني، محمّد، (2014)، موسوعة المصطلح في التراث العربي الديني والعلمي والأدبي، دار الثقافة، الدار البيضاء، مادة المدار، ج3، ص2373-2374، ومادة الدائرة، ج1، ص973-974
[25] ـ ابن خلدون، عبد الرحمن (ت. 808 هـ \ 1406م)، المقدمة، م، س، ج1، ص62
[26] ـ المصدر نفسه، ج1، الصفحة نفسها.
[27] ـ ابن خلدون، عبد الرحمن، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر: مقدّمة ابن خلدون، تح. علي عبد الواحد وافي، لجنة البيان العربي، القاهرة، 1965، ج3، ص872.
[28] ـ صفة التوحش كما هو بيّن لا تحمل أيّ حكم قيمة بقدر ما هي صفة للعرب ومن في معناهم من البدو الذين تدعوهم الإبل، التي يقوم معاشهم عليها، «إلى التوحش في القفر لرعيها من شجره ونتاجها في رماله». انظر: المصدر نفسه، ج1، ص 200، وص209.
[29] ـ المصدر نفسه، ج1، ص200-201
[30] ـ المصدر نفسه، ج1، ص201
[31] ـ راجع الفصل «في أنَّ ثروة السلطان وحاشيته إنَّما تكون في وسط الدول». في: المصدر نفسه، ج 2، ص 74-78.
[32] ـ المصدر نفسه، ج 2، ص 79
[33] ـ المصدر نفسه، ج 2، ص 208
[34] ـ المصدر نفسه، ج 2، ص 74-75
[35] - وليس التوار كما ورد.
[36] ـ المصدر نفسه، ج1، ص34
[37] ـ المصدر نفسه، ج2، ص356
[38] ـ المصدر نفسه، ج2، الصفحة نفسها.
[39] ـ المصدر نفسه، ج2، ص357
[40] ـ المصدر نفسه، ج2، ص282
[41] ـ المصدر نفسه، ج2، ص283
[42] ـ المصدر نفسه، ج2، ص175
[43] ـ المصدر نفسه، ج1، ص237
[44] ـ الجابري، محمَّد عابد (1971)، مرجع سابق، ص 253
[45] ـ المقدمة، ج1، ص253
[46] ـ المصدر نفسه، ج1، ص253
[47] ـ المصدر نفسه، ج1، ص254
[48] ـ المصدر نفسه، ج1، ص242
[49] ـ لقد سبق لي أن نبّهت إلى أسبقيَّة ابن خلدون في الكشف عن هذه الآليَّة اللاشعوريَّة التي تُنسب في العادة إلى كلٍّ من المحلليين النفسيين ساندور فرينزي (1932)، وأنّا فرويد (1936). انظر:
EL MTILI, Ahmed, (1998), “De l’aliénation corporelle”. In: Cahiers de l’Association Marocaine de Psychothérapie (Rabat), 2, 7- 11
[50] ـ المصدر نفسه، ج1، ص243
[51] ـ المصدر نفسه، ج2، ص94-98
[52] ـ راجع الفصل 45 «في كيفيَّة طروق الخلل للدول»، في: المصدر نفسه، ج2، ص 94-98
[53] ـ المصدر نفسه، ج1، ص276
[54] ـ المصدر نفسه، ج1، ص274.
[55] ـ المصدر نفسه، ج2، ص 94
[56] ـ المصدر نفسه، ج2، ص 100
[57] ـ المصدر نفسه، ج2، ص94
[58] ـ أو الانسلاخ من «شعار البداوة وخشونة البأس» الذي يسم الدولة في بداية نشأتها. انظر: المصدر نفسه، ج2، ص99
[59] ـ المصدر نفسه، ج2، ص95
[60] ـ المصدر نفسه، ج2، ص 96
[61] ـ المصدر نفسه، ج2، ص101
[62] ـ المصدر نفسه، ج2، الصفحة نفسها.
[63] ـ المصدر نفسه، ج2، الصفحة نفسها.
[64] ـ المصدر نفسه، ج2، ص 102
[65] ـ المصدر نفسه، ج2، ص 100
[66] ـ المصدر نفسه، ج2، ص 96
[67] ـ المصدر نفسه، ج2، ص 102. فهذا النوع الأوَّل من انتقاض الدولة. أمَّا النوع الثاني فيكون بـ«أن يخرج على الدولة خارج مَّمن يجاورها من الأمم والقبائل إمَّا بدعوة يحمل الناس عليها كما أشرنا إليه، أو يكون صاحب شوكة وعصبيَّة كبيراً في قومه، قد استفحل أمره فيسمو بهم إلى الملك...». انظر: المصدر نفسه، ج2، ص 104
[68] ـ المصدر نفسه، ج2، ص82
[69] ـ المصدر نفسه، ج2، ص83
[70]- المصدر نفسه، ج2، ص85
[71] ـ راجع الفصل 12 «في أنَّ الدولة لها أعمار طبيعيَّة كالأشخاص». في: المصدر نفسه، ج1، ص 287-289
[72] ـ المصدر نفسه، ج2، ص98
[73] ـ المصدر نفسه، ج2، ص89
[74] ـ المصدر نفسه، ج2، ص89
[75] ـ المصدر نفسه، ج2، ص103
[76] ـ المصدر نفسه، ج2، ص ص89-90
[77] ـ المصدر نفسه، ج2، ص90
[78] ـ المصدر نفسه، ج2، ص104
[79] ـ يقصد ابن خلدون بالمطاولة الحرب المستمرة التي تجري على فترات قد تستغرق عدة عقود، أمَّا المناجزة فتقتضي شن الحرب دفعة واحدة حتى النصر. ويغلب أن تفضي المطاولة إلى المناجزة في نهاية المطاف. يقول ابن خلدون في هذا الصدد: «وتنتهي المطاولة إلى حدها ويقع الاستيلاء آخراً بالمناجزة». انظر على التوالي: الفصل 48 «في أنَّ الدولة المستجدة إنَّما تستولي على الدولة المستقرة بالمطاولة لا بالمناجزة»، في: المصدر نفسه، ج2، ص105-108. و: الجابري، محمَّد عابد، (م.س)، مادة: «مطاولة»، ص 303.
[80] ـ من العجيب أنَّ ابن خلدون لا يشير البتة إلى الآيتين القرآنيتين حين عرضه لكيفيَّة طروق الخلل في الدولة، وذلك على غير عادته في تعليل كثير من المشاهدات والأحكام والاستنتاجات الواردة في المقدّمة.
[81] ـ انظر: النجار، زغلول راغب (2003)، «نقص الأرض من أطرافها»، في الإعجاز العلمي، جدة، 14، 6-11
[82] ـ راجع مجمل هذه التفاسير في: الزمخشري، أبو القاسم (ت 538 هـ/ 1148م)، الكشاف، دار الفكر، بيروت، ط1، 1977، م2، ص 363-364، وص 574. والقرطبي (ت 671 هـ.)، مختصر تفسير القرطبي، اختصار ودراسة وتعليق محمد كريم راجح، دار الكتاب، بيروت، 1986، ط2، ج3، ص22، وص262. وابن كثير (ت 774 هـ / 1373م)، مختصر ابن كثير، مكتبة جدة، جدة، (د.ت)، ج2، ص287، وص509. والمحلي (جلال الدين) (ت864 هـ / 1459م)، والسيوطي (جلال الدين) (ت911 هـ / 1505م)، تفسير الجلالين، دار الفكر، بيروت، ط2، 2004، ص267، وص345. وحجازي، محمَّد محمود (1969)، التفسير الواضح، دار الجبل، بيروت، ط4، ج13، ص56-57، وج17، ص17-18. وبن عاشور، محمَّد الطاهر (1984)، تفسير التحوير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، ج13، ص170-173، وج17، ص ص76-77
[83] ـ المقدمة، ج1، ص 274
[84] ـ ابن خلدون، عبد الرحمن، التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً، تح. محمَّد بن تاويت الطنجي، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1951، ص126
[85] ـ الجابري، محمَّد عابد (1971)، (م.س)، ص 58
[86] *وليس طفى. راجع: ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون، دار الفكر، دمشق، ص296
[87] ـ وكذا في قوله: «وربَّما تحدث عند آخر الدولة قوَّة توهم أنَّ الهرم قد ارتفع عنها، ويومض ذبالها إيماضة الخمود كما يقع في الذبال المشتعل، فإنَّه عند مقاربة انطفائه يومض إيماضة توهم أنَّها اشتعال، وهي انطفاء». انظر على التوالي: الجابري، محمَّد عابد (1971)، (م. س)، الصفحة نفسها. وابن خلدون، عبد الرحمن (ت808 هـ \ 1406م)، المصدر نفسه، ج2، ص98، وص93
[88] ـ المصدر نفسه، ج1، ص274. وقارن كذلك مع ما ورد في: المصدر نفسه، م 2، ص103
[89] - Wallerstein, Immanuel, (1980, 1984), Le Système du monde du XVe à nos jours, t. I: Capitalisme et économie-monde: 1450 - 1640, Paris, Flammarion et t. II: Le mercantilisme et la consolidation de l’économie monde européenne: 1600- 1750, Paris, Nouvelle Bibilothèque Scientifique.
[90] ـ فقد سبق لأحد المعماريين أن نعى على مركز المدينة المعاصرة غناه المالي وفقدانه مقوماته الرمزيَّة المتمثلة في القيم الدينيَّة والسياسيَّة والثقافيَّة التي كانت تسمه من قبل. انظر:
Gutkind, Erwin Anton (1962), La crépuscule des villes, Tr. De l’anglais : Gérard Monfort, Paris, Stock, 1966.
[91] - Reynaud, Alain, (1992), “Centre et périphérie”, In Antoine Bailly, Robert Ferras et Denise Pumain (dir.), Encyclopédie de Géographie, Paris, Economica, 1995, p. 583 - 600
[92] ـ لوادني، سعيد (1998)، «تطور الجهة: الجهويَّة والتنمية بالمغرب»، في: المعهد الجامعي للبحث العلمي، العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة بالمغرب، طروحات ومقاربات، الرباط، جامعة محمَّد الخامس، السويسي، ص 59-71
[93] ـ مثلاً يلاحظ الباحث المذكور أنَّ ما بين 65 و85 ٪ من أنشطة البناء والصناعة والتسويق والتصدير والتجارة والخدمات تمركزت على الشريط الساحلي الممتد بين الدار البيضاء والقنيطرة؛ أي في رقعة لا تتعدى 1 ٪ من مساحة البلد. وتبعاً لذلك أصبحت الدار البيضاء وحدها تحتل 46 ٪ من المؤسسات التجاريَّة، وتضم نصف سكان المدن المغربيَّة سنة 1936». أمَّا اجتماعياً فقد لوحظ اختلال مماثل من جهة التعليم والتطبيب على سبيل المثال.
[94]- Prebisch, Raúl (1949), El desarrollo económico de la América Latina y algunos de sus principales problemas, Santiago de Chile, CEPAL.
[95] ـ أمين، سمير (1993)، سيرة ذاتيَّة فكريَّة، دار الآداب، بيروت، ص 56
[96] ـ المرجع نفسه، ص164
[97] ـ يذكر الاقتصادي أريغي إيمانويل أنَّه تحدَّث عن «التبادل غير المتكافئ» لأول مرة سنة 1962، وتبعه بعد ذلك عدد من الاقتصاديين مثل سمير أمين. انظر:
Emmanuel, Arighiri, (1980), “Le prix rémunérateur” épilogue à l’“échange inégal”. In Revue Tiers-monde (Paris), XXI, 81, 21-39, et Amin, Samir (1973), Le développement inégal, Essai sur les formations sociales du capitalisme périphérique, Paris, Ed. Minuit.
[98] - Frank, André-Grunder,(1969), Le développement du sous-développement, Paris, Maspéro.
[99] ـ أمين، سمير (1993)، (م.س)، ص56
[100] ـ المرجع نفسه، ص 40
[101] ـ المرجع نفسه، ص 190
[102]- Amine, Samir (1985), La déconnexion, Pour sortir du système mondial, Paris, La Découverte, 1986.
[103] ـ انظر على سبيل المثال كتابه:
Braudel, Fernand (1949), La Méditerranée et le monde méditerranéen à l’époque de PhilippeII, Paris, Armand Collin, 1990, 2 tomes.
[104] ـ تطرَّف الشيء صار طرفاً، فالتطرُّف بهذا المعنى نقيض للتمركز.
[105] - Braudel, Fernand (1979), Civilisation matérielle, économie et capitalisme, Paris, Armand Colin, 3 t.
[106]- Braudel, Fernand (1985), La dynamique ducapitalisme, Paris, Flammarion, p. 86
[107] ـ وقد أكدت أبحاث إيمانويل والرشتاين جدارة مفهومي المركز والأطراف، ذلك أنَّ الاقتصاد العالمي الرأسمالي له مركز زمكاني يمثل نموذجاً اجتماعياً أصيلاً تدور في فلكه دول قائمة في الأطراف تتبعه اتباعاً عسكرياً واقتصادياً وتشريعياً وسياسياً. انظر: Wallerstein, Immanuel (1980, 1984), op.cit.
[108] ـ حنفي، حسن (1991)، مقدّمة في علم الاستغراب، الدار الفنيَّة، القاهرة، ص36
[109] ـ حنفي، حسن، (م.س)، ص 36
[110] ـ المرجع نفسه، ص37
[111] ـ المرجع نفسه، ص38
[112] ـ المرجع نفسه، ص42
[113] ـ المرجع نفسه، ص17
[114] ـ يرى حسن حنفي أنَّ العيب الرئيس في مشروع طيب تيزيني لرؤية جديدة للفكر العربي منذ بداياته حتى المرحلة المعاصرة «هو تناوله الحضارة الإسلاميَّة باعتبارها حضارة طرديَّة مثل الحضارة الأوربيَّة»، وذلك «بدعوى التاريخانيَّة كنتيجة طبيعيَّة للماركسيَّة». انظر: المرجع نفسه، (الحاشية: 6)، ص ص 16-17
[115] ـ المرجع نفسه، ص 29
[116] ـ المرجع نفسه، ص 31
[117] ـ المرجع نفسه، ص 34
[118] ـ المرجع نفسه، ص 20
[119] ـ المرجع نفسه، ص 53
[120] ـ المرجع نفسه، ص 772
[121] ـ المصطلح للباحث أنور عبد الملك، وقد اقترضه منه حسن حنفي للدلالة على «ما تراكم عبر الحضارات الطويلة ومسارها من الشرق إلى الغرب في أعماق الوعي الأوربي، وكان مصدر إبداعاته العلميَّة الحديثة، بالإضافة إلى تراكم رأس المال في الغرب بعد النهب الاستعماري لثروات الشعوب المستعمرة والنهب الحضاري نتيجة لمؤامرة الصمت التي ضربها الوعي الأوربي على مصادره». انظر على التوالي: عبد الملك، أنور (1983)، ريح الشرق، دار المستقبل العربي للنشر، القاهرة، ص 34-41. وحنفي، حسن (1991)، مرجع سابق، ص745، وص772
[122] ـ حنفي، حسن (1991)، (م. س)، ص 772
[123] ـ هذا ما أدلى به أنور عبد المالك في الحوار الذي أجراه معه أحمد الشيخ مؤسّس المركز العربي للدراسات الغربيَّة في باريس. انظر: «أنور عبد الملك: أنا دائماً مع ريح الشرق»، في: الشيخ، أحمد (2000)، من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب، المركز العربي للدراسات الغربيَّة، القاهرة، ص 61-77
[124] ـ حنفي، حسن (1991)، (م.س)، ص 777
[125] ـ العبارة للمستشرق الفرنسي إميل فليكس غوتييه صاحب كتاب بهذا العنوان:
Gautier, Emile Félix (1927), Les siècles obscures du Maghreb, Paris, Payot.
[126] ـ المطيلي، أحمد (2010)، «أزمة المعجم النفسي العربي»، في: العربية والترجمة، بيروت، 2، 5-6، خريف 2010/ شتاء 2011، ص 79-127
[127] ـ بخصوص مفهوم المركز، تراوحت مقابلاته في الترجمة الفرنسيَّة التي أنجزها فانسان مونتاي بين ألفاظ من قبيل (Siège)، و(Capitale) في الأغلب، أمَّا مفهوم الأطراف فيترجمه تارة بـ (Extrémités)، و(Ailles)، و(Province)، و(Région éloignée)، و(Provinces extérieurs)، و(Frontière). وقد تتأرجح ترجمة مصطلح الأطراف بين لفظي (Périphérie)، و(Marge) كما عند باحث فرنسي آخر هو غابرييل مارتينيز غرو. وجدير بالذكر أنَّ مفهومي المركز والمحيط لم يردا في ثبت المصطلحات الذي أعده المترجم فانسان مونتاي للمقدّمة، وهو يشمل أكثر من 1500 كلمة. انظر على التوالي:
Ibn Khaldûn, Discours sur l’Histoire universelle, Al-Muqaddima, Tr. Vincent Monteil, Paris, Sindbad/ Actes Sud, 1968, 3ème éd., p. 249, p. 251, p. 248, p. 249, p. 459, p. 249, p. 276 et Gabriel Martinez-Gros (2006), Ibn Khaldûn et les sept vies de l’Islam, Paris, Sindbad/ Actes Sud, p. 247 et p. 267.
[128] ـ ومن ذلك أنَّ فانسان مونتاي يترجم كلمة الأطراف في سياق واحد بمقابلين مختلفين هما: (Province, Régions éloignées)، وذلك في الفقرة التالية: «تقل الحامية التي تنزل بالأطراف والثغور، فتتجاسر الرعايا على نقض الدعوة في الأطراف». أمَّا ترجمته لها فهي كما يأتي:
«Mais leur nombre diminue, ce qui affecte les effectifs des garnisons en province et aux frontières, et encourage les gens de ces régions éloignées à abandonner la cause royale».
وقد تشوش الترجمة على المفهوم أو تستبعده فتفقد النظريَّة المتصلة بتناقص الأطراف معالمها كما في الترجمة التالية:
“Il s’est renforcé, en se taillant des fiefs dans le domaine de son rival”.
وهي ترجمة لما يأتي: «وقد عظمت قوتهم بما اقتطعوه من أعمالها ونقصوه من أطرافها». انظر على التوالي: ابين خلدون، عبد الرحمن (ت808 هـ / 1406م)، (م. س)، ج2، ص95، وص107
Ibn Khaldûn, Discours sur l’Histoire universelle, Al-Muqaddima, op. cit, p. 459, et p. 465
[129] ـ أورد صاحب الموسوعة في «فهرس الموضوعات وجذورها» ما مقدراه 736 لفظاً وتعبيراً ومصطلحاً. انظر: العجم، رفيق (2004)، موسوعة مصطلحات ابن خلدون والشريف علي محمد الجرجاني، مكتبة لبنان، بيروت، ص 319-333.
[130] ـ المرجع نفسه، ص. XXXI-XXX.
[131] ـ الكتاني، محمد (2014)، موسوعة المصطلح في التراث العربي الديني والعلمي والأدبي، دار الثقافة، الدار البيضاء، 3 أجزاء.
[132] ـ ورد هذا الوصف على لسان الباحث جعفر بن الحاج السلمي بحسب التقرير الذي نُشر عن اللقاء العلمي المخصَّص لقراءة الموسوعة في كليَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة في تطوان يوم 4 أيار/ مايو سنة 2015. وقد نُظِّم اللقاء من طرف القائمين على مركز ابن أبي الربيع بتعاون مع فرقة البحث الأدبي والسيميائي، وماستر لسانيات النص وتحليل الخطاب، وماستر الأدب العربي في المغرب العلوي، وذلك بحضور المؤلف نفسه، وثلة من الأساتذة الجامعيين. انظر: أبو الخير الناصر (مقرراً) (2016)، «قراءة في كتاب فضيلة الأستاذ الدكتور محمَّد الكتاني، عضو أكاديميَّة المملكة المغربيَّة، موسوعة المصطلح في التراث العربي الديني والعلمي والأدبي». في: فقه اللسان (تطوان)، 1، 222-224
[133] ـ الناصر، سعاد (2016)، «مداخلة الأستاذة الدكتورة سعاد الناصر في موضوع قراءة الكتاب». في: فقه اللسان (تطوان)، (م.س)...
[134] ـ العسري، محمَّد عبد الواحد (2016)، «مداخلة الأستاذ الدكتور محمَّد عبد الواحد العسري في موضوع قراءة الكتاب». في: فقه اللسان (تطوان)، (م.س)، ص 224-226
[135] ـ انظر الترجمة العربية في: لاكوست، إيف (1966)، العلامة ابن خلدون، تر. ميشال سليمان، دار ابن خلدون، بيروت، (د.ت).
[136] . Le Tourneau, Roger (1966), “Compte rendu: Yves Lacoste, Ibn Khaldoun, Naissance de l’histoire. Passé du tiers-monde, Paris, 1966”. In: Revue de l’Occident musulman et de la Méditerranée (Aix-en-Provence), 2, 1, 253 - 256.
[137] ـ يتعلق الأمر بالباحث أحمد الشيخ. انظر: «لاكوست، إيف، قوة الغرب في نقد ذاته». في: الشيخ، أحمد (1999)، من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق، المركز العربي للدراسات الغربيَّة، القاهرة، ص 139-145
[138] - وذلك في العددين 35 و36 من مجلة هيرودوت الصادرة في باريس، أوَّلهما عن «إسلام الأطراف»، والثانية عن «مراكز الإسلام»، وقد صدرتا سنتي 1984 و1985. ولا يغيب عن بالنا أن نلفت الانتباه إلى أنَّ الباحث المذكور ينكر عليه ما ينكر بدعوى أنَّ مفهومي المركز والأطراف دخيلان على الفكر العربي والإسلامي.
[139] - وردت العبارة في صيغة المفرد والصحيح ما أثبته.
[140] ـ يذهب محمَّد المصباحي، في معرض تساؤله عن المعنى الذي يمكن بوساطته «أن يكون ابن رشد مدخلاً لحوار الحضارات»، إلى أنَّ ابن رشد لم يكن ليخطر في باله «التفكير في موضوع الصراع الحضاري لأنَّ باراديغم صراع الحضارات كما طرحه المفكر الأمريكي مرتبط بجملة من المفاهيم الجديدة كلَّ الجدة على لغة وثقافة القرون الوسطى كالإيديولوجيا والثقافة والحضارة...». بل لا يتردَّد في الاعتراف بأنَّ «حضارتنا العربيَّة الإسلاميَّة قد توقفت منذ زمن طويل عن العطاء، وأنَّه من العبث العمل على إحيائها أو القول إنَّ طريقة نظرتها إلى العالم مازالت قادرة على معالجة مشاكلنا وتحدياتنا المعاصرة. ذلك أنَّ كلَّ ما أنتجته حضارتنا من علوم وتقنيات وأنظمة حكم سياسي دخل متحف التاريخ منذ مدة طويلة، ولا يمكنه أن ينفعنا في شيء، اللهم إلا فيما يتعلق بتاريخ العلوم والحضارات؛ أي الوقوف على آليات حياتها وموتها والأسباب التي أدَّت إلى تطوُّرها في زمن ما وفنائها في زمن لاحق». يقول هذا الكلام مع أنَّه يستلهم من فلسفة ابن رشد تصوُّره عن حياة الحضارة وموتها وانتقالها من منطقة جغرافيَة إلى أخرى، وهو التصوُّر الذي يأخذ به عدد كبير من أقطاب التيارات الفكريَّة الحداثيَّة إلى يوم الناس هذا!. انظر: المصباحي، محمَّد (2005)، «بأيّ معنى يمكن أن يكون ابن رشد مدخلاً لحوار الثقافات؟». في: مع ابن رشد، دار توبقال، الدار البيضاء، 2007، ص 31-40
[141] ـ الجابري، محمَّد عابد (1980)، «ما تبقى من الخلدونية: مشروع قراءة نقديَّة لفكر ابن خلدون». في: الجابري، محمَّد عابد، نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، المركز الثقافي العربي، بيروت/ الدار البيضاء، 1993، ط6، ص 309-330
[142] ـ ويبدو لي أنَّ اشتطاط محمَّد عابد الجابري راجع، في جزءٍ منه على الأقل، إلى السياق الذي كتب فيه ما كتب، وهو سياق المرحلة الراهنة التي رأى أنَّها «تتطلّب منا إعادة بناء الذات، وبالتالي الكفّ عن مغازلة أنفسنا وتضخيم مآثر أجدادنا»، فهي مرحلة تقتضي الحاجة إلى «النقد الذاتي» بدل «التنويه الذاتي». غير أنَّ مطلبه هذا، وهو مطلب حضاري قومي، جعله يوجه سهام النقد إلى «ما ننتجه نحن» و«ما خلفه أجدادنا لنا»، ونسي توجيه النقد نفسه إلى منهج الماديَّة التاريخيَّة الذي استند إليه في الفهم والتعليل والحكم بدل التسليم به وتمجيده. لا يسمح السياق بالوقوف عند مسألة المرجعيَّة المذكورة، وحسبي أن أنبّه على أنَّ حديث محمَّد عابد الجابري عن الفكر الحديث إنَّما يتمّ بصيغة المفرد كأنَّه فكر مؤتلف غير مختلف، وذو وجهة واحدة ووحيدة. وفضلاً عن ذلك إنَّه يتحيز إلى التفسير الاقتصادي الذي يركز على المظاهر الاقتصاديَّة باعتبار أنَّها هي التي تتحكم في الوقائع الاجتماعيَّة والسياسيَّة والثقافيَّة وما شابه. ويبدو ذلك بجلاء في قوله إنَّ العصبيَّة القبليَّة التي كانت «تشكّل بالفعل الإطار التنظيمي الوحيد والفعال الذي يتمُّ بواسطته ومن خلاله التعبير عن التناقضات الاجتماعيَّة والطموحات السياسيَّة» في المجتمع القبلي بالمغرب العربي في القرن الرابع عشر «نعزوها نحن اليوم إلى العوامل الاقتصاديَّة؛ أي إلى أسبابها الحقيقيَّة التي تحكمها وتوجهها». وبما أنَّ الاقتصاد عصرئذٍ «لم يكن من القوَّة بحيث يطغى على العلاقات الاجتماعيَّة» و«يستقطب العوامل الفاعلة الأخرى ويتحكم فيها»، فإنَّ ذلك «جعل التفسير المادي للتاريخ غير ممكن، ومع غياب التفسير المادي الجدلي للتاريخ يغيب كلُّ حديث موضوعي علمي عن المستقبل». وبهذا المعنى «كانت ظاهرة العصبيَّة آنذاك عائقاً لتطوُّر المجتمع، وبالتالي عائقاً للفكر عن تبين العوامل الخفيَّة المتحكمة في الواقع الاجتماعي التاريخي، الشيء الذي يستحيل بدونه الحديث عن المستقبل». والجابري وهو يتحدَّث بهذه الألفاظ كان يعي تماماً أنَّه يتكلم من موقعه وموقع جيله «أبناء الوطن العربي في القرن العشرين»، فهل يقنعنا نحن أبناء القرن الحادي والعشرين منطق «التفسير المادي الجدلي للتاريخ» بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بالقدر نفسه الذي أقنع كاتبنا الذي عاصر أوج المدّ الماركسي والانتشاء بحلم العدالة الاجتماعيَّة الذي داعب خيال الملايين من الشباب العربي الذين ناضلوا في صفوف الحركات الاشتراكيَّة؟
[143] ـ وهو ثبت على درجة كبيرة من الأهميَّة للكلمات والمصطلحات التي استعملها ابن خلدون، وقد أوردها في إحدى وستين مادة تندرج تحت كلّ واحدة منها تفريعات لها. انظر: الجابري، محمَّد عابد (1971)، (م.س)، ص283-306
[144] ـ فهو يستخدم «السلطة المركزيَّة» أو «الحكم المركزي»، بدل المركز في أكثر من موضع. وقلْ مثل ذلك عن تحاشيه مفهوم «الأطراف» والاستعاضة عنه بألفاظ تقابلهن مع أنَّه لا يعدم أن يستخدم لفظ الطرف والأطراف في مواضع أخرى استخداماً لغوياً. فهو مثلاً يستخدم لفظ «المناطق البعيدة» بدل «الأطراف»، كما في قوله «الثغور والمناطق البعيدة»؛ بل نستطيع أن نزعم أنَّ تحاشيه استخدام مفهوم الأطراف أدَّى به عن قصد أو غير قصد إلى الغفلة عن إحدى الخصائص المميزة لتفسير ابن خلدون لتدهور الحضارة، ألا وهي أنَّ انتقصاها من الأطراف ليس بفعل من يجاروها من الدول فحسب، وإنَّما على الأغلب بفعل «من هو تحت يدها من القبائل والعصائب». انظر: الجابري، محمَّد عابد (1971)، (م.س)، ص 260، ص 255، ص 228، ص235
[145]- Garrusch, Hamza (2017), «La modélisation de la prise de pouvoir selon Ibn Khaldoun». In: Frensch Journal For Media Reschearch, 7, 1- 9
وانظر كذلك:
Bozarslan, Hamit, (2016), “Quand les sociétés s’effondrent. Perspectives khaldûniennes sur les conflits contemporains”. In: Esprit(Paris), 421, 1, janvier, 30- 44
et Gabriel Martinez-Gros (2012), “L’état et ses tribus ou le devenir tribal du monde, Réflexions à partir d’Ibn Khaldoun”. In: Esprit (Paris), 1, Janvier, 25- 42.