ابن رشد وابن ميمون .. صيرورة العقلنة
فئة : مقالات
يسود الرأي لدى مؤرّخي الفلسفة أنّ التفكير الفلسفي والكلامي لدى الفرق والمدارس اليهودية في السياق العربي الإسلامي في العصور الوسطى منطبع ومتأثّر بالفلسفة العربية الإسلامية شديد التأثر، بل ويعدّ جزءا منها وأحد تمظهراتها منذ أواسط القرن الثامن الميلادي / القرن الثالث هجري، وخاصة في القرون التالية، مع ازدهار وانتشار حركة الترجمة والتأليف، فقد كانت اللغة العربيةـ في مجالات الإلهيات والفقه وعلم الكلام والفلسفة والطب والفلك وغيرها من العلوم والفنون ـ اللغة المعتمدة في التأليف والكتابة لدى معظم العلماء والمؤلفين من مختلف الفرق والديانات من مسلمين ومسيحيين ويهود. أتاح الإسلام هنا، كفضاء حضاري ذي أفق معرفي منفتح، انتشار وسيادة بنية إثنية وثقافية تعددية متنوعة، أفرزت بدورها نموذج تعايش ثقافي اجتماعي تعدّدي متميز بالثراء والحيوية، ولعلّ النموذج الأندلسي في العصور الوسيطة يعتبر أحد أهم تجليات هذا التعايش.[1] تتمظهر أهم تعبيرات هذا التماسّ والتقاطع في سياق التفكير الكلامي والفلسفي فيما بين اليهودية والإسلام في القرون الوسطى من خلال شخصيّتي ابن رشد وابن ميمون، اللذين يعتبران شخصيتين مرجعيتين في الفلسفة الوسيطة، وامتدّ أثرهما وتأثيرهما إلى ما أبعد من ذلك. عند النظر في التراث الفكري الفلسفي والكلامي والفقهي الذي خلّفه هذان المفكّران الأندلسيان، تتبيّن لنا جوانب تلاق وقواسم اشتراك، وعلامات افتراق وتباين. لعلّ أهمّ جوانب الالتقاء بين هاتين الشخصيتين هي انتماؤهما المشترك لفضاء ثقافي واحد، وروح عصر متميز بتأثير توجّهات عدّة، لا تخلو غالبا من التباين إلى حدّ التضادّ و التصادم أحيانا، إلاّ أنها تخترقها جميعا عناصر وعلاقات التعايش الثقافي، التي تتجلّى من ناحية أولى من خلال أشكال التلاقي الحيوية والخصبة فيما بين العناصر والمركّبات الثقافية المختلفة، التي تعكس بدورها تصوّرات ورؤى عن الوجود والكون والإنسان ومنظومات قيم، هي أيضا متنوعة ومتعددة. ومن ناحية أخرى من خلال علاقة تقابل متضادّ وصراع وجودي ما بين منظومتي خطاب رئيستين؛ تتميز إحداهما بالانفتاح والقدرة على التجدد والتجاوز الذاتي، وترى في الآخر المغاير إمكانية وفرصة تساعد على إثراء وتوسيع الآفاق الذاتية. أما المنظومة الأخرى؛ فهي ترى في ذاتها المرجعية الوحيدة والحصريّة التي تمتلك حقّ وصلاحية التعريف المفاهيمي والقيمي، وترى في الخطاب الآخر المغاير تهديدا وجوديا ينبغي مقاومته.
حظي أبو الوليد محمد بن رشد (520 هج/ 1126م ــ 595 هج/ 1198م) في تاريخ الفلسفة، وخاصة من خلال تلقي شروحه وملخصاته لأعمال أرسطو، بمكانة الفيلسوف العقلاني الذي تجاوز صيته وأثره حدود السياق الثقافي والديني الإسلامي الخاص الذي أفرزه، مستندا إلى ركيزة انطلاق تجعل من العقل وقواعده محكّ الصواب من الخطأ، له الفصل والحكم الأخير فيما يطرأ من اختلاف. فقد كان يرمي إلى إثبات أنّ البحوث والمعارف العلمية لا يمكن أن تتعارض أو تتناقض في حقيقة الأمر مع الأصول الاعتقادية والحقائق الدينية. وكان ابن رشد يستغرب مسلك أبي حامد الغزالي الذي يدين في اكتساب معارفه للفلسفة وفنونها نكرانه لذلك وهدمه لها وهجومه عليها؛ فتصدّى هنا ابن رشد مسلّحا بكلّ ما للعقل الفلسفي من حجج وبراهين للخلط والتمويه الذي تسبب فيه الغزالي وبقيّة المتكلّمين من الأشاعرة، فيما بين اشكال الخطاب الفلسفي القائم على العقل والبرهان من جهة، والديني الكلامي القائم على الجدل والخطابة والإيهام من جهة أخرى، وهو يؤكد هنا على ضرورة التمييز والفصل ما بين الخطابين في نسقيهما، ويدعو إلى مراعاة المخاطَب في ملكاته الذهنيّة وظروفه النفسية أثناء عملية التلقّي للخطاب. وهو يدعو بذلك إلى خطاب عقلاني رصين موضوعي، يعتمد منهج الإقناع بالحجة والبرهان مقابل خطاب تعبويّ شعبوي تبسيطي يعتمد التحريض وحشد الانفعال. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أنّ فلسفة وأفكار ابن رشد بقيت في سياق الثقافة العربية الإسلامية في العصور الوسطى دون أثر يذكر، بينما كان لها الأثر البالغ في الفكرين اليهودي والمسيحي في العصور نفسها؛ فقد ظهر هنا اتجاه فكريّ وفلسفي يعرف في تاريخ الفلسفة الوسيطة باسم الرشديّة. أما الشخصية الأندلسية الثانية التي أودّ التعرّض إليها بالتقديم، فهي شخصية أبي عمران موسى بن ميمون (1135م ــ 1204م)، الفقيه والطبيب والفيلسوف اليهودي الديانة الأندلسي العربي الفكر والثقافة. يعتبر المؤرّخ إرنست رينان أنّ الانشغال بالفلسفة عند اليهود في السياق العربي الإسلامي في القرون الوسطى لا يعدو أن يكون انعكاسا للفلسفة العربية الإسلامية وأحد تمظهراتها.2 كان شكل التعايش والاندماج اليهودي في السياق العربي الإسلامي أرضية خصبة مكّنت المفكّرين اليهود من الإبداع والتألّق، فعرف النتاج الفكري اليهودي في هذه الحقبة أزهى عصوره وأكثرها خصوبة، ويعتبر موسى بن ميمون نفسه نتاجا مباشرا وتعبيرا بارزا لهذا النمط من التعايش اليهودي العربي الإسلامي، كما يشهد ويؤكد على ذلك الأستاذ حاييم الزعفراني قائلا:" كان ابن ميمون نتاج مجتمع وحضارة وثقافة متميزة بالاندماج والتعايش بين مختلف مكوّناتها ... باستثناء المراحل التي شهدت عدم استقرار وأعمال عنف مرتبطة بالنزاع على السلطة وتغيير الحكّام وانتفاضات القصور، كانت السمة الغالبة هي العمل المشترك والتعايش في كنف الأمن و السلم".3
كان ابن رشد يرمى إلى إثبات أنّ البحوث والمعارف العلمية لا يمكن أن تتعارض أو تتناقض في حقيقة الأمر مع الأصول الاعتقادية والحقائق الدينية
وجد ابن ميمون كمتفلسف ورجل دين في التفكير المستند على العقل والفلسفة قارب النجاة للاعتقاد وللإيمان. إيمان واعتقاد يجب حسب رأيه أن يتّسق مع العقل ويستجيب له ويُفْهم بشكل عقلاني، فهو يقبل المعتقد والإيمان الحاصلين نتيجة النظر العقلي والتفكّر كمعتقد صحيح، إذ إنّه فقط عند اتّساق اليقين الفلسفي مع الاعتقاد الإيماني وارتباطه به، يُدْحَض عندئذ نقيض الإيمان، ويثبت الاعتقاد الصحيح؛ حيث إنّ بذل قصارى الجهد الفكري وتحصيل المعرفة هي شرط خلود الروح ودخولها في رحمة الله. كأحد الدعاة لعقلنة منظومة التصورات الدينية تسبب ابن ميمون في اختلاف الناس حوله وانقسامهم في مواقفهم تجاهه ما بين مناصرين ومؤيدين لما يرى وآخرين معادين رافضين له، وصار ابن ميمون من خلال أعماله ومؤلفاته مركز استقطاب بالسلب أو بالإيجاب لكل من جاء بعده. ونال كتابه دلالة الحائرين لقرون طويلة لدى المشتغلين بالفلسفة من اليهود مكانة توازي تلك التي كانت للتلمود في الحياة الدينية عندهم؛ حيث إنّ أثره في التاريخ الفكري والثقافي لدى اليهود كان كبيرا؛ حيث إنّه لا يمكن لمن جاء بعده أن يُغفل أو يهمل ما طرحه من إشكاليات وأسئلة، أو أن يأخذ بما يقدّمه العلم دون أن يفرّط في تقاليده الثقافية وفي انتمائه الديني. كان الهمّ الأوّل لابن ميمون باختصار هو تنقية التصوّرات الدينية اليهودية من السمات الخرافية والميثولوجية فيها وصبغها بصبغة عقلانية. لقد كان كلّ من مفكّرينا الأندلسيين ابن رشد وابن ميمون ذوا نزعة واتجاه عقلانيين، إلاّ أنّهما اختلفا في الغايات والمنهج، وهما يقدّمان لنا بذلك نموذجين على درجة من التشابه والتباين في الآن نفسه، مما يزيد من إمكانية وفرصة الاستفادة والتعلّم منها.
لقد شكّل ابن ميمون ـ خاصة من خلال مؤلفه دلالة الحائرين وتأثيره الكبير وما أثاره من جدل ـ فرصة لتلقّي وتسرّب الفكر الرشدي، الذي شقّ له طريقا، بل وثبّت له مكانة في السياق اليهودي. وقد صار كلّ منهما مرجعيّة وسلطة معرفية، سواء في سياق اللاّهوت والتأويل والتفسير أو الفلسفة وأخذ مكانة ثابتة، وتتجلّى هذه المكانة مثلا من خلال الرسالة التي بعث بها تلميذ ابن ميمون يوسف بن عقنين إلى أستاذه، وصاغها بأسلوب أدبي تغلب عليه طريقة المجاز، يعبّر له فيها عن حبّه لابنته ويخطبها منه؛ أي ابنة ابن ميمون ويقصد بها الفلسفة، وجاء في هذه الرسالة: "... أعجبتني هذه الصبية، فعقدت عليها خطبتي على الشريعة وما أُنزل على طور سينا، وتزوّجتها بثلاثة أشياء، بأن أعطيتها حبي مهرا، ومكّنتها عشقي عَقْدا لأني هِمت بها، وعاملتها معاملة الزوج عذراء. وبعدها أحببت منها أن تتربع على سرير الزوجية، لم آخذها إغراء ولا رعونة، وإنما أعطتني حبّها؛ لأني بادلتها حبّا بحبّ، وربطت روحي بروحها، وجرى كلّ هذا أمام عدلين اثنين ذائعي الصيت، وهما أبو عبيد الله (ابن ميمون) وابن رشد"؛4 هذه الشهادة الأولى للتأثير المتنامي لفكر ابن رشد في أوساط المفكّرين اليهود وحضوره بينهم كمرجعية في نقاشاتهم وحواراتهم، ليس فيما يتعلق بقضايا وبمواضيع فلسفية فقط، بل تتعدّاها إلى قضايا تفسير وتأويل نصوص التوراة والتراث التلمودي. وتمّ الرجوع إلى ابن رشد ليس فقط في العديد من شروح وملخصات دلالة الحائرين لابن ميمون، ولكن في العديد من الأعمال والمؤلّفات الفلسفية الأخرى لمفكرين آخرين؛ حيث تمّ الاعتماد على مؤلّفات ابن رشد والاستشهاد بها كمراجع لا يمكن الاستغناء عنها من طرف المفكرين اليهود. ولقد كانت أعمال ابن رشد أيضا هدفا لهجوم العديد من رجال الدين اليهود وتحريمهم لتداولها، وما جاء فيها من أفكار، أو فيها خطر يهدد نقاء العقيدة وثباتها، كما يرونها ويريدون لها هم أن تكون.5 لقد شكّلت الرشدية اليهودية جزءا مهما وتأسيسيّا في صيرورة العقلانية في السياق اليهودي، إذ إنّ حضور ابن رشد لدى المفكرين اليهود يعتبر في حدّ ذاته لحظة تأسيسية للعقلانية في التاريخ الثقافي لدى اليهود، لقد حظي ابن رشد من خلال أشكال التلقي المستمرّ له في السياق اليهودي بما حُرِم منه في السياق العربي الإسلامي، وغلب عليه من تجاهل ونسيان. أسباب ودواعي وخصائص الحضور المتميز لابن رشد في السياق اليهودي، وتلك التي تعود لغيابه وانعدام تأثيره في السياق العربي الإسلامي، كلّها مازالت حسب رأيي تشكو نقص الوضوح وعدم الانجلاء التامّ لها؛ حيث تنقص الأبحاث المعمّقة التي تتناولها، وفي هذا السياق يمكن أن تساعدنا الدراسة المقارنة لأشكال التلقي لفكر ابن رشد في تلمّس إجابة عن هذا السؤال المهم.
شكّل ابن ميمون فرصة لتلقّي وتسرّب الفكر الرشدي، الذي شقّ له طريقا، بل وثبّت له مكانة في السياق اليهودي
تتجاوز النظرة أو المقاربة لتاريخ العقلانية في السياق اليهودي، وخصوصا في العصور الوسطى، ومحاولة فهمها الحدود الدينية بمفهومها الضيق، إذ أنّ اليهودية في أبعادها الفكرية والثقافية في العصور الوسطى، ولكن قبل ذلك أيضا في العصر الهيلينستي، قد أسهمت بحيوية وحضور مثمرين ومثريين في الحراك الثقافي والفكري ضمن السياق الحضاري والتاريخي الذي وُجدت فيه. وينبغي عند مقاربة مختلف الاتجاهات الثقافية والفلسفية والدينية العقائدية والكلامية التي كان لها وجود وتأثير في اليهودية في القرون الوسيطة والتعاطي معها، أن يكون ذلك ضمن إطار سياق أوسع، يؤخذ بعين الاعتبار، هو السياق الثقافي والحضاري العربي الإسلامي، حتى نحقق إدراكا وفهما أكثر شمولية وعمقا، ودون ابتسار لهذه الظاهرة. هذا يقودنا إلى سؤال يعتبر طرحه من قبيل الافتراض، يبدو من الوهلة الأولى استفزازيا، إلاّ أنّه يمكن أن يكتنه أهمية منهجية، وهو: هل أنّ نشوء وتطوّر رشديّة عربية إسلامية في القرون الوسطى، كان يمكن أن يكون مماثلا للرشدية اليهودية التي وجدت فعليّا لو كان لها أن توجد؟ إنّ الانشغال بالبحث والاهتمام بالرشدية كظاهرة فلسفية، لا ينبغي أن يكون في حدود البحث التاريخي البحت، أو يتحوّل ويختزل في إطار الاهتمام المتحفي والأركيولوجي الخالص بالأفكار العتيقة، إنّ مقاربة اختزالية بهذا الشكل تعتبر عقيمة وغير ذات أثر في سياقنا الحاضر. إنّ ابن رشد ـ كفيلسوف مسلم. شهد حضورا وتأثيرا متواصلين تجاوزا الحدود الثقافية والدينية، ولم تمنع خصوصية انتمائه الثقافي والحضاري من إشعاع فكره في أنساق وسياقات ثقافية مختلفة عنه، أو على الأصح عن التي وجد هو فيها، وفكّر وتفلسف ضمن شروطها. تقودنا الأسئلة والإشكاليات والتعليلات التي تثيرها أشكال التلقي المختلفة لفكر ابن رشد، سواء في السياق المسيحي أو اليهودي منها، إلى النتيجة التالية: وهي أنّ مناط الاختلاف في القبول أو الرفض لفكر ابن رشد، وتنميط تلقيّه ليس ذات طبيعة ثقافية أو دينية بالمعنى الضيّق للكلمة، بل هو أبعد من ذلك، إنّه يتعلّق ببنية العقل وتكوينه والصيرورة العقلانية التي يشهدها الخطاب السائد.
كانت المواقف سواء في حياة ابن رشد أو في أشكال التلقي له اللاّحقة محكومة ومحدّدة بمقولة العقلانية والعقل، ولم يكن هنا للخصوصية الدينية أو الثقافية أيّ دور ذي أهمية مؤثّرة، إذ إنّ المفكّرين العقلانيين أو الفلاسفة، سواء كانوا مسلمين يهودا أو مسيحيين، لا يختلفون عن خصومهم في ذلك الذين كانوا بدورهم كذلك مسلمين ويهودا ومسيحيين، وقد ألّفوا كلّهم وكتبوا أعمالهم بالعربية أو العبرية أو اللاتينية؛ فمثال ابن رشد والرشدية في السياقات المختلفة، تؤكد على أنّ العقل والعقلنة في الأخذ بها أو رفضها ليست مرتبطة بدين أو لغة أو ثقافة بعينها، بل هي ظاهرة تخترقها جميعا، وتتواجد ضمنها جميعا. إنّ مقاربة الفكر الفلسفي لابن رشد على هذا النحو كأحد أبرز نماذج التفكير الفلسفي في السياق العربي الإسلامي، يمكن أن تكون مفيدة ومساعدة من أجل تأسيس خطاب أنسنة عقلاني في السياق العربي الإسلامي المعاصر. وفي خضمّ هذا الانشغال والانهماك المعرفي من أجل تحقيق هذه الغاية لا ينبغي أن يكون إحياء ابن رشد كفكر وشخصية مرجعية تاريخية هدفا في ذاته، بل يتوجّب ألا يخلو ذلك من الممارسة النقدية غير المنقطعة، المتسمة بالعقلانية الرصينة المتزنة، تماشيا مع الروح الرشدية، وليس من أجل تمجيد احتفالي لشخصية تاريخية، حتى وإن كانت هذه الشخصية هي لابن رشد. وتلعب هنا المراجعة التحليلية التفكيكية النقدية للفكر الرشدي عموما، وللرشدية على وجه الأخص، دورا مهمّا من أجل مقاربة موضوعية، وتحقيق شكل تلقّ حيوي، بهدف تأسيس خطاب عقلانيّ معاصر في السياق العربي الإسلامي. 6 إنّ مقاربة بهذا المعنى، وبهذه الغاية للرشدية، ولأشكال تلقي فكر ابن رشدـ سواء في السياق اليهودي أو في السياق المسيحي الأوروبي ـ يمكن أن تكشف لنا أبعادا فلسفية أخرى، وتفتح آفاقا أرحب من ناحية، وتوفر لنا من ناحية أخرى، مدخلا إضافيّا لتحقيق إدراك للآخر ولفهمه بشكل أفضل. في هذه الحال الآخر هو الآخر اليهودي والأوروبي. إنّ الاهتمام بالفكر الرشدي وبالرشدية من خلال هذه المقاربة يحقق مكسبا وفائدة معرفية بدرجة أولى، يتحقق من خلالها إدراك مغاير للذات، وإدراك أفضل للآخر، ضمن صيرورة معرفية تثاقفية.
* د. جمال الدين بن عبد الجليل جامعة غوته فرانكفورت
[1] انظر في هذا السياق كلّ من الدراسات التي أعدّها الأستاذ الباحث (الجزائري الأصل) موريس روبين حيّون حول تاريخ الثقافة اليهودية من الشرق إلى الغرب، و دراسة الباحث الأستاذ (المغربي الأصل) حاييم زعفراني حول يهود الأندلس و المغرب.
. H. Zafrani: Juifs d’Andalousie et du Maghreb, Chap. III: Le Dialogue socio-culturel judéo-musulman en Andalousie et au Maghreb. Maisonneuve & Larose. Paris 1996. Et M.R. Hayoun: Les lumières de Cordoue à Berlin, une Histoire intellectuelle du judaisme Bd. I., Chap. «L’univers philosophico-kabbalistique». Ed. JC Lattès 1996.
2إرنست رينان ابن رشد و الرشدية. ص. Ernest Renan: Averroes et l'averroisme, Maisonneuve &Larose Paris. 1997. p. 175
3 Haim Zafrani: „Les sources arabes et leurs contribution à la formation et au développement de la pensée et des traditions culturelles juives: Maimonides Pelerin dmonde intellectuel judeo-muslman“ article paru en „Un trait d'union entre l'orient et l'occident 11/1985“ p. 61 Symposiion de l'academie du royaume du Maroc.
4أحمد شحلان : ابن رشد و الفكر العبري الوسيط . ص ٢١٠. مراكش ١٩٩٩ و انظر أيضا إرنست رينان : مرجع سابق . ص. ١٣٩-١٣٨
5 أحمد شحلان : مرجع سابق . ص. ٢١١ -٢١٥
6 انظر في هذا الصدد الدراسة القيّمة لأنكا فون كوجلجن: ابن رشد و الحداثة العربية
Anke von Kügelgen: Averroes und die arabische Moderne. Ansätze zu einer Neubegründung des Rationalismus im Islam.