استشراف المستقبل العربي


فئة :  أبحاث محكمة

استشراف المستقبل العربي

استشراف المستقبل العربي

- تمهيد:

أن يتساءل المرء عن مستقبل الدول العربية والإسلامية، لا يعني في اعتقادنا التساؤل عن آفاق الأنظمة الراهنة وما ستؤول إليه في المستقبل القريب فحسب، ولكن أيضاً وبالخصوص، عما يجب أن تكون عليه هذه الأنظمة في قرن يتنبأ الكل -خبراء وغير خبراء- عن كونه سيكون قرن المفاجآت العلمية المتلاحقة، والتلاعب بخريطة الجينوم البشري، والهندسات الوراثية، قرن التكنولوجيا والتقنية وثورة الاتصالات التي ستشهد تطوراً متلاحقاً تنعكس آثاره على مجتمعاتنا العربية المأزومة، قرن الصراعات والثورات التي لا تهدأ حتى تنال الشعوب العربية ما تريد من حرية وديمقراطية وحقوق إنسانية.

والحقيقة أن التساؤل عن مستقبل الشعوب العربية بما تملكه من إمكانيات بشرية وحيوية، يبدو لنا أكثر موضوعية وواقعية، من التساؤل عن مآلات الأنظمة الحاكمة لها؛ ذلك لأن هذه الأنظمة تدور في فلك نظام عالمي أحادي القطب، يستولي على ثروات شعوبها ومقدراتها الحيوية.

ولا شك أن الأمم القوية هي الأمم التي تدرك ما يحيط بها من تغيرات عالمية، وتعي ما يزخر به العالم من تناقضات وصراعات، وهذه الأمم المتقدمة تسعى لصنع مستقبلها، أو على الأقل تسعى للمشاركة بفعالية في صنعه.

أما الأمم الضعيفة، فهي الدول الغافلة عما يجرى حولها، والتي تترك مستقبلها للمصادفات أو لأطماع الآخرين؛ ذلك لأنها لا تمتلك خريطة واضحة المعالم والتضاريس لهذا العالم سريع التغير، شديد التعقيد. فعندما لا تبادر الأمة إلى صنع مستقبلها، ينشأ فراغ. ومن طبيعة الأشياء أن يسارع أصحاب المصلحة إلى ملء هذا الفراغ. ومن ثم، فإنهم سيصنعون لتلك الأمة مستقبلها، ولكن على هواهم وحسبما تقضي به مصالحهم. وهذا هو الحاصل في مجتمعاتنا العربية على العموم، وفي بعض المجتمعات الإسلامية أيضاً.

وبطبيعة الحال، فإن الأمة العربية تعرض مستقبلها لأخطار عظيمة؛ ذلك لأن مستقبلها في هذه الظروف الحالكة، لن يخرج عن أحد احتمالين: الاحتمال الأول، أن يأتي هذا المستقبل محصلة لعوامل عشوائية متضاربة؛ أي إنه يخضع لاعتبارات من صنع المصادفة، لا من صنع العقل والتدبير والمصلحة الوطنية والقومية. والاحتمال الثاني: أن تتحكم في تشكيل هذا المستقبل قوى خارجية لا يهمها من مستقبل هذه الأمة إلا أن يخدم مصالحها هي، سواء أكانت هذه المصالح متوافقة مع مصالح الناس في هذه الأمة أم لم تكن. وفي الحالتين، يصبح مستقبل الأمة العربية مرهوناً بمقادير خارجية أو مصالح أجنبية؛ أي إنه يصبح معلقاً بعوامل لا دخل لإرادة شعوب هذه الأمة ومواطنيها في تشكيلها أو التأثير فيها. وهذا بالقطع وضع بائس، يرثى له حال أمتنا العربية، التي تمتلك الكثير من العقول والموارد البشرية، ناهيك عن الثروات والأموال الطائلة المستثمرة في بنوك سويسرا وغيرها من دول أوروبية وأمريكية متقدمة.

وإذا أردنا أن نشارك بفاعلية في صنع مستقبلنا العربي والإسلامي، فينبغي علينا إذن أن نمتلك الخريطة الواضحة لهذا العالم الجديد، وأن نمتلك البوصلة التي نهتدى بها في التعرف على الطريق إلى المستقبل الذي نريده – وهو ما يفترض ضمناً تحديد ملامح هذا المستقبل المرغوب فيه من جانبنا. وهنا يصبح السؤال ميسوراً: وما الطريق إلى امتلاك تلك الخريطة وتلك البوصلة، وما السبيل إلى اختيار الطريق الذي يفضي إلى المستقبل الذي نطمح إليه، وكيف يمكن اكتشاف ملامح هذا المستقبل المنشود.

والجواب عن كل هذه الأسئلة يكمن في عبارة واحدة: الدراسات المستقبلية، أو بحوث استشراف المستقبل.

ومعلوم أن الدراسات المستقبلية ميدان جديد من ميادين المعرفة يساعدنا في إعادة تشكيل مجتمعاتنا العربية والإسلامية بشكل أكثر مرونة وحراكية، من خلال الرؤى والتصورات القائمة على منهجيات علمية موضوعية.

ولا يزال يشهد ميدان الدراسات المستقبلية تطورات متلاحقة في منهجياته وأساليبه وتطبيقاته، حتى صارت له مكانة مرموقة بين سائر ميادين المعرفة، ولم يعد ثمة حرج في الإشارة إلى هذا الميدان، بوصفه علما من العلوم الاجتماعية، هو علم المستقبليات.

ولكن حظ الدول النامية بوجه عام، والدول العربية بوجه خاص، من الدراسات المستقبلية يسير للغاية، وإقبالها عليه ضئيل جدّاً. ولذلك مازالت مساهمة هذه الدراسات في عمليات التخطيط وصناعة القرارات ضعيفة، إن لم تكن غائبة كلية في هذه الدول.

ومن هنا، تظهر أهمية التعرف على منطلقات هذا العلم الاستشرافي، وتوسيع دائرة المعرفة بهذا النوع من الدراسات المستقبلية في بلادنا، وبما تهدف إلى تحقيقه من أغراض، وبما تتبعه من منهجيات وأساليب للبحث في المستقبل، وبصلتها بعمليات التنمية والتخطيط في سياق السعي للخروج من التخلف وتحقيق التنمية الشاملة، خصوصاً بعد الأحداث التي جرت على الساحة العربية، والتي عرفت باسم بالربيع العربي.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا