الأبعاد الفكرية لظاهرة اللجوء الإنساني
فئة : مقالات
الأبعاد الفكرية لظاهرة اللجوء الإنساني([1])
كتب ابن منظور: "الوطن هو المنزل الذي تقيم فيه، وهو موطن الإنسان ومحله، ووطن بالمكان وأوطن أقام، وأوطنه اتخذه وطناً، والموطن يسمى به المشهد من مشاهد الحرب وجمعه مواطن، وفي التنزيل العزيز، لقد نصركم الله في مواطن كثيرة، وأوطنت الأرض ووطنتها واستوطنتها أي اتخذتها وطناً"[2].
وربما كانت كلمة الوطن من أوسع الكلمات التي يستطيع الإنسان التعبير عنها؛ فهو حين يتحدث عن الوطن يكون قاصداً بذلك كل ما يتعلق بكينونته، ووجوده مُذ خلق، ويكون قاصداً بذلك كل المشاعر والعلاقات التي ربطته بذلك المكان الذي احتواه، وضمّ في ثناياه كل ما يتعلق بحياته!
ولم يكن الاغتراب عن الوطن سهلاً، ولا أمراً عابراً، أو بسيطاً، فتزخر- كما نعلم- كتب الأدب بأروع القصائد والقصص والروايات، التي كُتبِت لتصف معاناة الإنسان حين يغادر ذلك الوطن الأم.
في بحثنا هذا، سنسلط الضوء على ظاهرة الاغتراب عن الوطن؛ لكن بمفهومها القسري، ونقصد بذلك مفهوم اللجوء، الذي لا يختاره الإنسان رغبةً في تحسين مستوى معيشته، أو حباً وعشقاً للسفر؛ وإنما هروباً من مكان لم يعد يضمن فيه البقاء، ولا الأمان، ولا أي سبيل للعيش السليم.
وقد حظي موضوع اللجوء باهتمام كبير، ومتزايد لاسيما في السنوات الأخيرة. والأسباب التي أدت لذلك هو تزايد هذه الظاهرة، وتفاقمها، وانتشارها في قارات مختلفة من العالم، وذلك بسبب انتهاك حقوق الإنسان في العديد من دول العالم مما يضطر العديد من الأفراد إلى الهروب، ناشدين اللجوء لدول أخرى طلبا للحماية أو اتقاء للاضطهاد أو التعسف.
ومع تزايد تلك الظاهرة، برز مصطلح اللاجئ كرديف لها، ليشير إلى الشخص الذي ابتعد عن وطنه الذي ينتمي إليه خشيةً، أو هرباً من الاضطهاد لأسباب تتعلق بالعِرق، أو الدين، أو الجنسية، أو الرأي السياسي، أو الانتماء إلى فئة اجتماعية خاصة، ولا يريد أن يضع نفسه تحت حماية بلده الأصلي، وهذا ما نصت عليه المادة 14 من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"؛ فمن حق كل فرد أن يلجأ إلى بلاد أخرى، أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه:
هل قدم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما يكفل بقاء إنسانية هذا اللاجئ؟ وبمعنى أكثر صراحة: هل ضمن له وسائل الحصول على اللجوء التي تحفظ له كرامته؟ أم أن الإنسان وجد نفسه في صراع مرير للحصول على اللجوء؟! صراعاً كلفه كرامته، وإنسانيته، وفي أكثر الأحيان حياته ذاتها !.
أولاً: الهوية الجديدة بين ما كانت عليه، وما آلت إليه
يعرِّف وليم جيمس الذات أو «الأنا التجريبية» empericalme بأنها "المجموع الكلي لكل ما يستطيع الإنسان أن يدعي أنه له: جسده وسماته وقدراته وممتلكاته المادية وأسرته وأصدقاؤه وأعداؤه ومهنته وهواياته"، وقد حاول جيمس الابتعاد عن مفهوم الأنا الخالصة، ووجد أنه، في علم النفس الطبيعي، يمكن تعريف الأنا بأنها "ذلك التيار من التفكير الذي يكوّن إحساس المرء بهويته الشخصية"[3].
وانطلاقاً من هذا التعريف، تغدو الأنا كلا متكاملا يشمل الروح والجسد والرغبات والعواطف، والأفعال التي تخص الإنسان، وتشكل بصمته الخاصة التي تميزه عن غيره من بني جنسه.
وإذا كانت العقود الخمسة الأخيرة التي مرت على الإنسان المعاصر- والتي تضمنها القرن العشرين والواحد والعشرين- قد شهدت اهتماماً بتطور العلوم الطبيعية، ومن ثم التركيز على علم الحياة، فإننا لاحظنا تعاظم الاهتمام أكثر بدراسة الفرد، وتغيير مفهوم الإنسان المعاصر.
ولعلّ الحروب التي شهدتها بعض الدول العربية كنتاج لما سمي بحراك الربيع العربي، قد غيرت ملامح الذات ولنقل بدلتها تماماً.
وقد شكلت محنة اللجوء التي فُرضت على الإنسان العربي في سوريا والعراق وليبيا واليمن وتونس مرحلة جديدة، ومهمة في حياته، وبرزت معها العديد من التغييرات التي طالت وجوده، وتواجده، ولابد أنها طالت شخصيته بمجملها!
وتبدو تجليات ذلك التغيير واضحة بحق العديد من المفاهيم؛ ويأتي على رأسها مفهوم الهوية، ولما كانت الهوية تشير ﺑﺪﺍﻳﺔ لما ﻳﻜﻮﻥ به ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻴﺰﺓ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﺍﺕ، فإننا هنا، ومع ما مر به الإنسان العربي خلال تجربة اللجوء، نجد أنفسنا كمفكرين أمام طرح مفهوم "ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ" التي نشير من خلالها إﻠﻰ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺘﻘﺪﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻙ ﻭﺍﻟﺘﻄﻠﻊ ﺍﻟﻤﻮﺣﺪ ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ، ونقصد بتلك المجموعة "مجموعة المهاجرين الجدد" إلى أوروبا وباقي دول العالم.
وﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ تمثل ﺍﻹﻃﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻮﺟﻪ ﺳﻠﻮﻙ ﺍﻟﻔﺮﺩ، ﻭﻳﺤﺪﺩ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺗﻪ ﻭﻋﻘﺎﺋﺪﻩ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﺴﺐ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﺩﻻﻟﺔ ﻭﻣﻌﻨﻰ؛ هذا الوجود الذي سيأخذ دوراً فاعلاً ومنفعلاً بآن، وذلك حسب مواقفه واختياراته، وتفهمه للوضع الذي آل إليه.
ولعلنا سنواجه اتجاهات كثيرة يحاول كل منها أن يفهم الوضع الجديد، وأن يهيئ ذاته لتقبله، أو رفضه، ولا نخفي هنا أن التيارات الوجودية قد بشرت بالنفس البشرية المضطربة، والتي تتأرجح مكنوناتها بين وجود خلاق تصنعه بإرادتها متجاوزة كل العقبات التي قد تواجهها في بيئتها الجديدة من جهة، وبين وجود عدمي كل المطلوب منه أن ينكر فقط، وليس ملزماً بتقديم أي شيء أو بناء يحل محل ما هدمه. ويرى أصحاب هذا الرأي أنه "في الوقت الحاضر، يبدو أن الوسيلة النافعة أكثر من غيرها هي الإنكار، ومن ثم فإن علينا أن ننكر"[4].
وربما أهم ما يحتاجه اللاجئ- المهاجر- هو معرفة ذاته أولاً، وما تكتنزه هذه الذات من معارف وقيم، ومفاهيم بإمكانها مساعدته على تجاوز محنة اللجوء التي فُرضت عليه، وقد "ربط ابن سينا بين الأنا والوعي، واعتقد أن الأنا يمكن أن تنقطع عن كل شيء إلا عن أنيتها، ومن ثم يستبعد أن تكون الشخصية مرتبطة بالمظاهر الجسمانية والحسية"[5].
فلأن جوانب عديدة بإمكانها أن تطور ذاتها، وتحافظ على استقلالها بآن معاً؛ فالتعايش مع حضارة جديدة لا يعني الانصهار الكامل معها، وهنا تبرز إرادة الفرد، ومشيئته الخلاقة، ولاشك أن تلك الإرادة يشوبها الكثير من العوائق، ويتخللها الكثير من المحبطات، فنحن أمام شخص جديد يريد بناء شخصيته، بالإضافة لها حيناً، أو تناسي بعض مكوناتها حيناً آخر.
حقاً فإن "إرادة تمجيد الإرادة، إرادة الإنجاز والانتصار، إرادة أن نقول للحياة نعم، وآمين، مقرونة بعقيدة العود الأبدي الجامدة، وبألوان الفشل والعذاب الكثيرة، وفي استطاعتنا أن نقول إن هذه الآلام هي بمعنى ما آلام العصر وقلقه"[6]. نحن جميعاً في عصر القابض فيه على ذاته، ومكوناتها، كالقابض على جمرة، وحتى قبل الحرب شكل الصراع الفكري بين الحضارات غزواً هيمن على مفاصل حياتنا في كل بلداننا العربية.
وأما الآن وقد وضعتنا الحرب في صلب التغيير، وصهرتنا ببوتقته، فلم يعد بالإمكان الهروب، أو التغاضي عن متطلبات الحياة المعاصرة، واتخاذ موقف جاد من كل التغييرات التي رافقت رحلة اللجوء والتهجير.
وليست تلك بالمهمة الصعبة، ولاهي بالأمر المستحيل فقد اعتاد الإنسان دائماً أن يشق طريقه مساهماً في بناء الإنسانية وازدهارها، "إذ يأتي الإنسان إلى هذه الكرة الأرضية بدون قوة جسدية، وبدون أفكار تولد معه، وغير قادر بذاته على متابعة قوانين طبيعته الأساسية التي ترفعه إلى قمة المملكة الحيوانية، ولا يستطيع الوصول إلى المركز المرموق الذي اختصته به الطبيعة إلا إذا كان في وسط مجتمع. وبدون حضارة يكون الإنسان واحداً من أضعف الحيوانات وأقلها ذكاءً"[7].
ولعل اللجوء المرّ قد وضع الإنسان العربي وجهاً لوجه أمام حياة جديدة، يترتب عليه فيها مواجهة الكثير من التحديات، والمصاعب التي ستكرس دوره في هذه الحياة المعاصرة؛ فإما أن يثبت وينهض، أو يلغي كينونته ووجوده بأن يكون مجرد كائن متلقٍ لا يستطيع أن ينفعل أو يتفاعل مع البيئة الجديدة.
ويدرك القارئ أن الأسباب القاهرة، والظروف القاسية التي أنتجت تجربة الهجرة ستترك أثرا حادا وموجعاً في النفس الإنسانية التي تعرضت لتلك التجربة، والتي خاضتها بأشد صورها.
ولن يكون سهلاً على تلك النفس أن تبدأ رحلة البحث عن ذاتها بدون أن تتعرض للكثير من المطبات الروحية، وبدون أن تواجه الكثير من المشاكل.
فاللغة مثلاً، وهي إحدى أوائل العقبات التي ستواجه الإنسان العربي المهاجر، سترسم له خطاً فكرياً يتأرجح بين ما هو ماضٍ وحميم، وبين ما اكتسبه من لغة جديدة لا تربطه بها إلا روابط قانونية؛ فالاندماج يوجب تعلم اللغة، وهذا بدوره يدفعك لاختزال الكثير مما تود قوله ريثما تتعلم وتتقن اللغة الجديدة.
الهوية الجديدة التي تكتسبها كلاجئ، أو مهاجر- بتعبير آخر- ستكون إشارة لشخص طوى لغته الأم، ووضع بديلاً عنها لغة، وأساليب تعلمها، ومن ثم تفرز لك منطقاً يكاد يكون مشوهاً ريثما تتقن لغة جديدة تقيدك بقواعدها، لغة تختصر فيها الكثير من المشاعر والطلبات، وربما تلجأ إلى الإشارة فيها كأداة مساعدة أكثر من الحرف الذي كنت تتباهى بانتقائه، وربما تتفنن باختياره أيضاً؛ فاللغة ليست مجرد أداة للتعبير عن الآراء، وإنما أداة لتشكيل تلك الآراء، إننا نحلل ونشرح الطبيعة بحسب الخطوط التي وضعتها لغتنا الأصلية"[8].
ولسنا هنا في صدد ذكر كل العقبات التي ستعرقل تكيف اللاجئ على أرضٍ جديدة؛ ولكننا نؤكد أن ذلك التكيف يتطلب منه الكثير من المواجهات، والذكاء في تجاوز تلك العقبات، بمعنى آخر ليس أمراً سهلاً، ولا هو بالأمر المستحيل، لأن مفهوم الهوية ذاته عبر العصور لم يكن يشير إلى الثبات، بل كان الفلاسفة والمفكرون حريصين على توضيح ضرورة تطوير تلك الهوية بما يناسب عمر الإنسان حيناً وبيئته حيناً آخر، إنه سؤال غريب، كما قد يخطر على البال؛ إذ يبدو أن الهوية يمكن أن تعد ضمن هذه المفاهيم التي ليس لها تاريخ؛ فهي تعتبر بمثابة كلمة مجردة، يرجع استعمالها إلى الأصول الأولى للفكر.
إن الفلاسفة ما قبل سقراط، مثل بارميندس أو هراقليطس، كانوا دائماً محتارين حول مسألة هو ذاته والآخر، وكيف يمكن التوفيق بين التغير والهوية؟ كذلك طرح السؤال. وبالنسبة إلى بارميندس، وإلى إيليين تبعاً له، من الصعب أن نفكر في التحول، لأنه إذا لم يكن "أ" على ما كان عليه، فهل "أ" يبقى هو "أ"؟ وعلى خلاف ذلك بالنسبة إلى هراقليطس: كل شيء في حركة دائمة، إذن لمفهوم الهوية - كما نرى- دلالة واسعة وجدّ عامة تتجاوز بكثير قضية الهوية الإنسانية. يدل على ذلك لغز سفينة تيزوس التي عوضت أجهزتها ومواد بنائها شيئاً فشيئاً طوال مدة رحلاتها بين بيراس وديلوس: فسوفسطائيو أثينا تساءلوا هل فعلاً يتعلق الأمر في النهاية بالسفينة نفسها؟ المشكلة إذن تكمن في هذه السفينة التي تم تجديدها كليًّاً، أو في ذاك الشخص المسمى سقراط بالنظر إلى جميع مراحل حياته، هل يمكن أن نقول: إنهما هما أنفسهما بالرغم من التحولات التي طرأت عليهما؟
لكن لا شك أن الإشكالية المعاصرة لمفهوم الهوية لا تعود في أصلها إلى التراث الميتافيزيقي، إذ بعد أكثر من عشرين قرناً، تحددت المسألة، حيث بدأت تقترب بما يشغل العلوم الإنسانية والاجتماعية حالياً، وذلك بفضل الطريقة التي طرح بها الفلاسفة الأمبريقيون[9] - وعلى رأسهم دافيد هيوم وجون لوك- مشكلة الهوية الشخصية: كيف يمكن التفكير في وحدة الأنا في الزمان؟ هل أنا الشخص نفسه الذي كنته قبل عشرين سنة؟ لقد اقترح جون لوك حل إشكال الهوية الشخصية بفكرة الذاكرة: إذا كنت الشخص ذاته الذي كان قبل عشرين سنة، فلأنني أذكر مختلف المراحل التي مر بها وعيي أو شعوري"[10].
وبهذا فإن الهوية متجددة، وعليه فإن المهاجر العربي لن يكون قد قصم ظهر الحقيقة، إن هو تأقلم، وطور شخصيته بما يتلاءم مع البيئة الجديدة التي فرضتها الظروف، والتي اختارها هو بآن.
وهو الآن على مفترق طرق من التطور الحضاري؛ فإما أن يساهم ويبدع في بناء تلك الحضارة المعاصرة، وإما أن ينصهر ضمن مكوناتها، فيكون مجرد كائن استهلاكي مشبعاً بحاجاته البيولوجية فقط.
ثانيا: دور الوافدين الجدد في بناء الحضارة الإنسانية
دعا الشاعر أبو تمام منذ قرون للسفر، وللبحث عن مكان آخر يمنحك فرصة التجدد[11]:
وطولُ مقامِ المرءِ في الحي مخلقُ لديـبـاجتيهِ فاغـتــــــربَ تتجـــــددِ
فإنــي رأيْتُ الشَّمسَ زيـدتْ مَحَبَّة إلى النَّاس أَن ليْسَتْ عليهمْ بِسرْمَدِ
ولعل الربيع العربي؛ كما أُطلق عليه، منح الإنسان العربي فرصة التجدد، لكن ليس بإرادته؛ وإنما قسرياً هذه المرة.
تسم ظاهرة الاغتراب القرن الحادي والعشرين، ويشكل الاغتراب بعداً نفسياً آخر طبع الشخصية العربية لكن تحت مسمى جديد هو اللجوء، فمن اغتراب داخلي تجلى برفض كل الأحداث المهولة التي زامنت الثورات العربية، والذي تبدو أول صوره بالهرب من مكان ينتفي فيه شرط العيش الآمن إلى مكان آخر ينشد من خلاله الحياة السالمة- ونقصد هنا النزوح الداخلي كمسمى لما جرى مع السوريين مثلاً، بنزوحهم أكثر من مرة من مدينة مشتعلة لمدينة أخرى أكثر أمناً- وتتسع الدائرة لتتساوى الأماكن والمدن داخل الوطن بكل مظاهر الخوف والرعب، لتبدأ رحلة نحو اغتراب خارجي عابر للقارات هذه المرة، ومختلف جذرياً عن كل ما مارسته الروح الإنسانية من اغتراب!!
وإذا كان الفلاسفة وعلماء الاجتماع قد حاولوا طرح معانٍ قدموا من خلالها تعريفاً لمصطلح الاغتراب، وذلك من خلال دراسة البعد الفكري والنفسي والاجتماعي لتلك الحالة؛ حيث اعتبر الاغتراب هو: "انتقال الصراع بين الذات والموضوع (الآخر) من المسرح الخارجي إلى النفس الإنسانية، وتتجلى صورة هذا الاضطراب في توتر العلاقة التي تهدف إلى التوفيق بين مطالب الفرد وحاجاته ورغباته من ناحية، وبين الواقع وأبعاده من ناحية أخرى".
ويظهر هنا نوع الخبرة التي يجد فيها المرء نفسه كغريب- فاللاجئ شخص فقد اتصاله بنفسه وبالآخرين-، وهي خبرة تنشأ نتيجة المواقف التي يعيشها الفرد مع نفسه ومع الآخرين، ولا تتصف بالتواصل والرضى، ومن ثم يصاحبها الكثير من الأعراض التي تتمثل في العزلة أو الانعزال والتمرد والرفض والانسحاب والخضوع، وبكلمات أخرى: الاغتراب عن الذات هو شعور الفرد بأن ذاته ليست واقعية، أي: تحويل طاقات الفرد وشعوره بعيداً عن ذاته الواقعية.
يعد اللجوء تجربة جديدة تضع الإنسان العربي، وهو محور حديثنا أمام خيارات لن نجازف ونقول إن أحلاها مرّ؛ لكن سنتفاءل لنقل إنها ستحتاج منه أفقاً واسعاً وجديداً بكل معنى الكلمة حيث يضع نصب عينيه أن كل شيء تغير، وأن كل ما يجب عليه هو الكشف السحري عن طرق التأقلم مع هذا الجديد، أو على أقل تقدير عدم هروبه من ذلك الواقع، والانكفاء على ذات ضيعت الحرب منها الكثير من ملامحها.
نعم، لقد قلب الربيع العربي المصطلحات رأساً على عقب؛ ووضع الإنسان العربي أمام حالة من فقدان الذات واستلابها لكل مفاهيمها، ومبادئها، وأفكارها، فهو الآن أمام حالة جديدة تحمل في طياتها بذور التحدي والإرادة، وربما يضطر أن يقبل أن يكون تحت سلطة قانون سيجرده من كل حقوقه تجاه أولاده وعائلته، ليجد نفسه كائناً آخر لم يبق له من ثقافته أو عاداته أو تقاليده إلا ما يدخل في رحاب النوستالجيا، والذكريات التي تفرض عليه حياته الجديدة تجاوزها والاندماج مع عالم قد لا يقبل من ماضيه الا ما يندرج تحت دائرة القصص والحكايا؛ ولسنا بصدد تقديم رؤى سلبية تعدم دور الإنسان العربي، وتحوله لمجرد متلقي لكل منتج ثقافي أو حضاري أو مادي، فمن يدري فمع اقتراب نهاية العقد الثاني من القرن العشرين قد تلوح في الأفق معالم ثورة ثقافية كونية؛ لا يخفى على أحد أن الحرب الدائرة في بعض الدول العربية أحد أهم محركاتها؛ فالهجرة الكبيرة التي فرضتها تلك الحرب الجائرة على الملايين غيرت التوزع الجغرافي للعرب وللبلاد التي هاجروا إليها أيضاً، وبالتالي ما يطرح نفسه على الدائرة الفكرية هو: إلى أي حد أثرت وستؤثر تلك الهجرة في تبدل الآراء والمواقف وحتى الثقافة العامة لدى الجميع؟! وإلى أية درجة سيكون اللاجئ العربي قادراً على إثبات ذاته التي سلبتها الحرب كل مخزوناتها الثقافية والاقتصادية والفكرية، والاجتماعية أيضاً؟
هي فرصة جديدة للنهوض من ركام الحرب، والبدء بحياة جديدة تُرسم ملامحها على قدر اندماجك، وتفهمك، وطموحك لأخذ دورٍ بناء في هذه البيئة التي ستعيش فيها لفترة قد تطول وقد تقصر، وقد تستمر للأبد، وهذا يجب ألا يمثل عائقاً، أو حجة بعدم التفاعل؛ "لأن المكون الحاسم الرئيس للتغير في العصر الراهن يتمثل في العقلية قصيرة الأمد، التي جاءت لتحل محل العقلية طويلة الأمد، فالزيجات القائمة على مقولة - تعاهدنا ألا يفرقنا إلا الموت-، صارت موضة قديمة تماماً، وصارت عملة نادرة، وتشير أحدث الإحصائيات إلى أن الشاب الأمريكي الذي يحظى بمستوى معتدل من التعليم يتوقع أن يغير وظيفته على الأقل إحدى عشرة مرة في حياته المهنية، فالمرونة هي شعار اليوم"[12].
ولسنا هنا بصدد تزيين الصور، أو تلميعها؛ فلاشك فيه أن الحياة الجديدة التي وجد اللاجئ العربي نفسه فيها تحمل في طياتها، الكثير من المفاجآت، والتي يمكن ألا تكون بمجملها سعيدة، أو على الأقل كما يحب أن تكون.
"إن العيش بين وفرة متنوعة من القيم والأعراف وأساليب الحياة المتنافسة دون ضمان موثوق بأن المرء على الطريق الصحيح، إنما هو عيش محفوف بالمخاطر، ويتطلب ثمناً سيكولوجياً غالياً"[13].
هي تجربة جديدة ستفتح الآفاق أمام الإنسان العربي وفي اتجاهين: اتجاه نحو بناء ذاته التي هشمتها الحرب، واتجاه للمساهمة في بناء حضارة جديدة اختار أن تكون بديلاً لوطنه.
وليس المطلوب تهميش كل ما ورثناه عن آبائنا من قيم وأخلاقيات من جهة، ولا تبني أخلاقيات الحضارة الجديدة بشكل أعمى وأحمق وأهوج؛ وإنما ما نأمله حقاً هو أن يحمل الإنسان العربي لذلك المجتمع قيمه وأخلاقه الجميلة التي اكتسبها، وأن يترك بصماته الإيجابية في ذلك المجتمع الذي عرف تماماً أبناؤه كيف يطوروه.
هي فرصة ذهبية للإنسان العربي وضعته- وعلى الرغم من كل الظروف التي كانت سبباً في هجرته أمام تحديات الكينونة الجديدة، وبناء الشخصية الحضارية التي تجمع بين القيم والمعاصرة الرائعة التي تمكن ذلك الإنسان من تجاوز كل المطبات التي مرت بها روحه، وتساعده في بناء شخصية جديدة لكنها أصيلة وفاعلة وتستحق التقدير، وتبعد عنه في ذات الوقت كل الصور المسبقة الموجودة في ذهن المجتمعات الأخرى.
الاندماج مع الحضارات الأخرى حق ضروري، بل وواجب، وهو لا يلغي شخصيتك، ولا يلبسك ثوباً فضفاضاً؛ وإنما يمنحك رحلة طريفة وجديدة لذاتك عبر قارات ستمنحك الكثير من العطاءات التي إن عرفت كيف تقيمها، ستكون إضافةً جميلة لكل ما حلمت به ذاتك أو طمحت إليه[14].
لقد وصل اللاجئ لتلك الأرض مجرداً من كل ممتلكاته، ومخزوناته المادية، وهو في حالة من بناء الذات من جديد، يحاول من خلالها أن يكتسب ما يغني شخصيته من جهة، ويثبت فيها تلك الذات من جهة ثانية، وبما أن الإنسان عدو ما يجهل، فربما يكتنف الخوف كل خطواته، بل ويؤطرها، لكن تلك المسألة يجب ألا تثنيه عن المحاولة وتجددها دائماً، فحتى في واقعه العربي وقبل الربيع العربي، كان أمام حالة من الصراع مع التطور المتلاحق للثورة التكنولوجية من جهة، وللعولمة وآفاقها من جهة أخرى.
وقد تكون تلك الظروف القاسية التي دفعت المواطن العربي للهجرة حافزاً قوياً لاسترداد حقه في الحياة، والذي استلب منه في وطنه، ونقرأ عبر الأخبار أسماء عربية سورية عراقية وغيرها تميزت وتفوقت، على الرغم من تجربة اللجوء المر، ونحن لانزال في بداية الطريق الذي سيتيح لللاجئ كل الخيارات، فإما أن يكمل طموح حياته بأن يكون مساهماً في بناء هذه الحضارة المعاصرة، وإما أن يتحول لمجرد رقم ضمن مليارات الأرقام البشرية.
الخاتمة:
من خلال ما سبق، وبناء على المجريات الجديدة، والأحداث التي غيرت مجرى حياة الكثيرين من العرب، نستطيع أن نقول إننا أمام تحدٍ كبير يواجه المواطن العربي الذي تعرض لتجربة اللجوء، وهذا التحدي سيتطلب منه إعادة البناء لكل المفاهيم التي تخص التواصل والتكيف والاندماج.
ولعل الأدب المهجري[15] الذي قرأناه في كتب الأدب العربي كان التجربة الأولى للجوء والمخاض الأول لانعكاساته عبر الكتابة، فقد صور لنا الأدباء المهجريون عبر حروفهم كل ما مر بهم، وعبروا بأجمل الحروف عن قصص الشوق والحنين للوطن الأم، لكنهم تعايشوا وسجلوا أسماءهم اللامعة في تاريخ الحضارة العام الذي يذخر بألمع الشخصيات التي لازلنا نردد ونقرأ حروفهم حتى اليوم، وعلى رأسهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي ...إلخ.
وما نود قوله هنا، إن ما يحتاجه الإنسان العربي المعاصر الذي خاض تجربة اللجوء هو التصالح أولاً مع ذاته، حيث ينهض بها من جديد لإعادة ترميم ما هدمته الحرب من جوانب نفسية كثيرة ومادية طبعاً، كما يحتاج اللاجئ اليوم أو لنقل المغترب، لأن يتصالح مع المجتمع الجديد، ويرسم لنفسه منهجاً جديداً يحقق من خلاله أعلى درجات التكيف، والتأقلم والمساهمة في بناء الحضارة التي انتقل إليها.
وقد قيل "بضدها تتميز الأشياء"، وهذه المقولة تعكس جمالية التفاعل والتكامل بين البشر، وتوضح ضرورة الاختلاف، والتنوع، فهذا يغني وجه الحضارة ويزينها أكثر.
وإذا كان بلزاك قد قال مقولته المؤثرة: "الإنسان لا يصل مرتين"، فإننا وبكل ثقة بإمكانيات وقدرات الإنسان العربي نقول: يستطيع الإنسان الوصول دائماً طالما أنه رسم طريقه، وأدرك دوره، وناضل؛ بل وكافح من أجل ما يريد، ولعل إثبات الذات والنهوض بها هما أكثر ما يريده الإنسان العربي الذي لجأ إلى بلاد أخرى لتعوضه الفقدان الذي لحق بشخصيته بجميع أشكاله.
وقد سجل التاريخ العربي إبداعات أبنائه حين عاشوا في مناخ قمع الحريات والفقر وصعوبة الظروف جميعها، فعسى هذا الإنسان أن يبدع وقد توفرت له الحرية متجاوزاً باقي الصعوبات التي لا نقلل من قيمتها، ولكننا نعتبرها مؤقتة وليست مستحيلة التجاوز.
المبدعون العرب موجودون في كل مكان، وعلى الرغم من كل أوجه المعاناة والقهر، ونحن بأمس الحاجة لدورهم الفعال في طرح الأفكار وتطبيقها في بلاد اللجوء ومساعدة أقرانهم العرب بتجاوز محنة اللجوء، وتحويلها لتجربة فريدة تساهم في بناء الحضارة الإنسانية وإغنائها.
الفكر الإنساني لا يتوقف عند عرق أو دين أو قومية معينة، ويستطيع الإنسان إن هو شاء أن يلقن البشرية دروساً في التعامل الروحي الوجداني الذي يفرض ذاته وكينونته في النهاية، ومن أروع ما كتب في هذا المجال للأديب المهجري نسيب عريضة:
وإذا شئت أن تســـــــير وحيداً إذا مـــا اعتــــــــرتك مني ملالـــة
فامض، لكنْ ستسمع صوتــي صارخاً "يا أخي" يؤدي الرسالة
وسيأتيك أين كنت صدى حبي فتـــــــــدري جمــــــاله وجلالــــه
فهنا دعوة صريحة لتجاوز كل الشرور والأفكار الخاطئة بحق الآخر، والدعوة إلى المحبة، والتساند الاجتماعي، والأخوة الإنسانية، والإيثار، والعطاء، وللجميع دون الوقوف عند أية عقبة عنصرية.
ليست أفكاراً طوباوية، ولاهي دعوة خرافية، لكنها ضرورة إنسانية ملحة في ظل التغيرات الديموغرافية التي حصلت في كل بلدان العالم في الفترة الأخيرة، والتي فرضت على جميع الأطراف طرح منظومات جديدة للتعايش والتكيف، وكل الأطراف اليوم معنية بخلق مناخ يناسب الجميع، ويغني ويثمر في ظل كل ما أضيف لتلك المجتمعات، وبالتالي لم يعد الآخر هو الجحيم كما بشرنا سارتر[16] بذلك، بل أصبح الآخر هو شريكاً في المجتمع، وهذا الشريك عليه يتوقف شكل العلاقات التي سيطرحها المجتمع الذي لجأ إليه، وهو ما ستخبرنا به الأيام والسنوات المقبلة، لأن دور المواطن العربي لن يتضح بين يوم وليلة، ولكنه سيبدو جلياً بمرور السنوات، وبمدى الإنجازات التي سيستطيع من خلالها الإنسان العربي أن يبرز في تلك المجتمعات، ونحن هنا لا نحدد مجالاً واحداً للإبداع، بمعنى آخر لسنا بصدد تكرار أدب مهجري جديد فقط؛ بل نتمناه تميزاً في كل مجالات الحياة المهنية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية على حد سواء، ونتمناه نمطاً عربيا يفتخر به، مع خوفنا وبكل صراحة من التشبث بالعادات والتقاليد والأفكار الخاطئة العربية التي عفا عنها الزمن.
مراجع البحث:
1- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر بيروت، 1968، المجلد13
2- إلياس بلكا، مفهوم الهوية: تاريخه وإشكالاته، مجلة الكلمة، العدد46، 2005
3- بكري علاء الدين، الأنا، الموسوعة العربية، المجلد الثالث.
4- بيتر فارب، بنو الإنسان، ترجمة زهير الكرمي، عالم المعرفة، العدد 67، يوليو 1983
5- جون ماكوري، الوجودية، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، عالم المعرفة، العدد 58، اكتوبر 1982
6- خضر عباس، الأنا والآخر بين الفلسفة والسيكولوجيا، مدونة الدكتور خضر عباس.
7- زيجمونت باومان، الحداثة السائلة، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2016.
8- يسرى السعيد، كيف نفهم الاندماج؟، العربي الجديد، 3 آب 2016
[1] نشر هذا المقال في مجلة ذوات الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، عدد 30، 2016
[2] ابن منظور، "لسان العرب"، دار صادر بيروت، 1968، المجلد 13، ص 451
[3] بكري علاء الدين، الأنا، الموسوعة العربية، المجلد الثالث، ص 700
[4] جون ماكوري، الوجودية، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، عالم المعرفة، العدد 58، أكتوبر/ تشرين الأول 1982، ص 36
[5] خضر عباس، الأنا والآخر بين الفلسفة والسيكولوجيا، مدونة الدكتور خضر عباس.
[6] الوجودية، جون ماكوري، مرجع سابق، ص 63
[7] بيتر فارب، بنو الإنسان، ترجمة زهير الكرمي، عالم المعرفة، العدد 67، يوليو 1983، ص 11
[8] بنو الإنسان، المرجع السابق، ص 202
[9] الأمبريقية: تترجم –التجريبية، وهي وجه فلسفي يؤمن أن كامل المعرفة الإنسانية تأتي بشكل رئيس عن طريق الحواس والخبرة. تنكر التجريبية وجود أية أفكار فطرية عند الإنسان أو أية معرفة سابقة للخبرة العملية.
[10] إلياس بلكا، مفهوم الهوية: تاريخه وإشكالاته، مجلة الكلمة، العدد46، 2005
[11] أَبو تَمّام: (188 - 231 هـ / 803 - 845 م)، حبيب بن أوس بن الحارث الطائي.
أحد أمراء البيان، ولد بجاسم (من قرى حوران بسورية)، ورحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها.
كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع.
في شعره قوة وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، له تصانيف، منها فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، ونقائض جرير والأخطل، نُسِبَ إليه ولعله للأصمعي كما يرى الميمني.
وذهب مرجليوث في دائرة المعارف إلى أن والد أبي تمام كان نصرانياً يسمى ثادوس، أو ثيودوس، واستبدل الابن هذا الاسم، فجعله أوساً بعد اعتناقه الإسلام ووصل نسبه بقبيلة طيء وكان أبوه خماراً في دمشق وعمل هو حائكاً فيها ثمَّ انتقل إلى حمص وبدأ بها حياته الشعرية. وفي أخبار أبي تمام للصولي: أنه كان أجش الصوت يصطحب راوية له حسن الصوت فينشد شعره بين يدي الخلفاء والأمراء.
[12] زيجمونت باومان، الحداثة السائلة، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2016
[13] الحداثة السائلة، مرجع سابق، ص 292
[14] يسرى السعيد، كيف نفهم الاندماج؟، العربي الجديد، 3 آب 2016
[15] يقول الكثير من المؤرخين إن الولادة الحقيقية لشعر المهجر تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، حيث تعتبر الأندلس "إسبانيا حالياً" الحاضنة الحقيقية للجماعات القادمة من البلاد العربية كلبنان وسوريا، بعضها هرباً من ظلم الأتراك، وبعضها الآخر بحثاً عن الرزق. وبين الجماعات المهاجرة كانت هناك طائفة من الشبان ترفرف بين جوانحهم قلوب تملؤها الحرية وفي رؤوسهم آفاق رحاب من الفكر النير والخيال الخصب أولئك كانوا من الرعيل المثقف الواعي الذي عز عليه أن يعيش أسيراً للظلم والعوز فانطلقوا باحثين عن الحرية والاكتفاء. ينقسم معشر شعراء المهجر الى فئتين، الأولى في المهجر الشمالي؛ أي "الولايات المتحدة الأميركية" أمريكا الشمالية. أما الفئة الثانية فكانت في أمريكا الجنوبية، والمعروف أن الشمال أغنى من الجنوب الفقير الذي يدخل في صلبه شعراؤنا المتواجدون في البرازيل وبلدان أمريكا الجنوبية فلكل من هاتين الفئتين خصائص ومميزات منها الأصيل ومنها المكتسب والتي تتفق تارة مع الخصائص الأخرى ومميزاتها وقد تختلف أحياناً أخرى؛ فقد ظهرت الفئتان في وقت واحد وفترة متقاربة جداً تبدأ منذ أوائل القرن العشرين تحديداً مع بداية الحرب العالمية الأولى 1914م- 1918م حيث أسهمت كلتا "الفئتين" في تكوين ما عرف بالمدرسة المهجرية الأدبية التي تركت كل منها أثرها على الأخرى.
[16] جان- بول شارل ايمارد سارتر (21 يونيو 1905 باريس - 15 أبريل 1980 باريس) هو فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي كاتب سيناريو وناقد أدبي وناشط سياسي فرنسي. بدأ حياته العملية استاذاً. درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. حين احتلت ألمانيا النازية فرنسا، انخرط سارتر في صفوف المقاومة الفرنسية السرية. عرف سارتر واشتهر لكونه كاتبا غزير الإنتاج ولأعماله الأدبية وفلسفته المسماة بالوجودية.