الأفكار السياسيّة في الفكر الدينيّ الإسلاميّ المبكّر
فئة : ترجمات
الأفكار السياسيّة في الفكر الدينيّ الإسلاميّ المبكّر
جوزيف فان آس[1]
تعريب: حاتم عبيد[2]
ملخص:
يصعب على المرء أن يكون دقيقا في مجال السياسة، وما أعنيه بـ "الأفكار" السياسيّة المذكورة في العنوان هو - على وجه العموم- المناويل والنظريّات؛ أي ما يُقدّم من تفاسير للأحداث التي وقعت ومن فرضيّات للأشياء التي يمكن أن تحصل. وقد تمّ إنتاج هذه الأفكار في المراحل الأولى من الإسلام، بكيفيّة تختلف بعض الاختلاف عن الأفكار الخاصّة بنا، ولكنّ السخط الذي تثيره شبهة الاصطناع العلميّ الحائمة حولها ليس أقلّ ممّا يُثار حول الأفكار المنتجة اليوم. وما من شكّ في أنّ هذه الأفكار ليست معدومة؛ فمدار الأمر على أن نعثر عليها في مصادرنا التي يتّسم أغلبها بطابع "كلاميّ"؛ نعني بذلك مصادر الحديث وعلم الكلام، أو ما بقي منها في المصنّفات الدائرة على العقائد والبدع. وأغلب العلماء الذين أودّ الإحالة عليهم هم معتزلة، وإن كانت المقولات التي قالوا بها والمفاهيم التي وضعوها قد أرهصت بها حركات دينيّة أخرى ترجع في أغلبها إلى أصول محلّية تظهر في نصوصنا في مظهر "الفرق".
ولا بدّ أن نضيف إلى هؤلاء طائفة المؤرّخين، لما بين علم السياسة وعلم التاريخ من علاقة وثيقة، وهو ما تخبرنا به القوميّة الأوروبيّة؛ فحتّى أكثر رواة القصص واقعيّة، تجده لا يُفلح في عمله بدون الاستناد إلى افتراضات مسبقة بديهيّة؛ فهو مدعوّ إلى أن يُخضع قصصه لعمليّة اختيار، وأن يجعلها تنخرط في إطار نظريّ. ونحن ميّالون إلى الحديث عن "الإيديولوجيا"، عندما تدخل مثل تلك الافتراضات المسبقة مجال الخطاب السياسيّ. ومفهوم الإيديولوجيا هذا لم يتمّ استخدامه في الغالب (ولا يزال غير مستعمل في كلّ مكان)، ليدلّ على المعنى نفسه[3]؛ ولكن إذا تناولناه في معناه الأكثر حيادًا، ألفينا "الإيديولوجيّات" الإسلاميّة في مختلف الحقب تشترك في أمر، ألا وهو التعبير عن نفسها بمصطلحات دينيّة. وقد يبدو هذا الأمر ممّا عفا عليه الزمن في الجزء الخاصّ بنا من العالم. ولكنّه -بطبيعة الحال- جارٍ ههنا على الطريقة نفسها، وعلى نحو أكثر اطّرادا ممّا نحن نزّاعون إلى التفكير فيه. فهذا المصطلح هو -قبل كلّ شيء- ذو فاعليّة، وهو يستمدّ قوّته من أنّه ضارب بجذور في الماضي، أو على الأقلّ في العالم الإسلاميّ. وكلّ هذه الأفكار لها -من ناحية أخرى- نقطة خاصّة تنطلق منها من الطبيعيّ أن تستغرق ردحا من الزمن لتتطوّر إلى شكل مكتمل. وكانت الاستمراريّة أيضًا، حاملا للتغيير. ولتسمحوا لي أن أشرح ذلك بأن أضرب مثالين اثنين:
للاطلاع على الملف كاملا المرجو الضغط هنا
[1] الأستاذ فان آس هو أستاذ الدراسات الإسلاميّة في جامعة تيبانجان بألمانيا. وهذا المقال الذي يمثّل نسخة منقّحة تنقيحا جزئيّا لمحاضرة قُدّمت في لقاء برسيمس (BRISMES) المنعقد بكامبريدج في الثالث من يوليوز عام 2000، هو بالأساس ملخّص لبعض الموادّ التي عرضت مفصّلة في مؤلّفي الموسوم ب "اللّاهوت والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة"، 1-6، (برلين / نيويورك: دي جروير، 1991-1997)، أو هو بالأحرى ملخّص للملخّص الذي قدّم في المجلّد الرابع من ذلك المؤلّف، ص ص: 695-717. ولن نقدّم الإحالات على المراجع الأصليّة، إلّا حين يتعلّق الأمر بموادّ جديدة مضافة. ومن المفيد أن نُجري من الآن مقارنة مع عمل (E. Landau-Tasseron) الموسوم ب "من المجتمع القبليّ إلى الحكم المركزي. تأويل للأحداث والحكايات في فترة تكوّن الإسلام "، دراسات القدس في العربيّة والإسلام، 24 (2000)، ص. 180
[2] تونسيّ، يدرّس بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس برتبة أستاذ تعليم عال، وهو متخصص في تحليل الخطاب.
[3] For the German usage cf. W. Euchner in D. Nohlen (ed.) Lexikon der Politik I (Munich: Beck, 1995), p. 192 ff. and K. Lenk, ibid., II (1994), p. 170