الإسلام الحركي وإشكاليات التجديد الفكري والسياسي
فئة : أبحاث عامة
مقدمة:
يندرج هذا الموضوع في سياق إشكالية عمليات الإصلاح الديني والثقافي، وما يتمخض عنها من تحديات معرفية ومنهجية وعقدية، تستلزم فسح المجال وتضافر جهود المفكرين والمثقفين والباحثين للتأمل النظري والجدل العلمي والنقاش العقلاني، بغية بلورة مشروع فكري يؤطر عملية الإصلاح الثقافي والسياسي؛ حتى ينسجم ويتماهى مع متطلبات الشعوب، ونزوعها الفطري نحو الحرية والديمقراطية والعدالة، وهو الشيء الذي يقتضي الاطلاع على الطروحات الفكرية والسياسية التي سعت لفهم المراحل التي مرت منها مجتمعاتنا، وأبرز منعطفاتها التاريخية، ثم رصد نوعية الحلول المقترحة للخروج من الأزمات، ثم العمل من جهة ثانية على فهم الديناميات السياسية والاجتماعية والثقافية التي شهدتها وتشهدها المجتمعات العربية الإسلامية.
وإذا كانت مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية والعلاقة مع الآخر من المواضيع الكلاسيكية التي اشبعت درسا وتمحيصا الشيء الذي يطرح سؤال القيمة المضافة من رصدها، وهو ما سيجعلنا نفضل مقاربة مجمل هذه المفاهيم والإشكالات من خلال أطروحات العمل السياسي في الفكر الإسلامي، كمدخل لرصد رؤية القوى الإسلامية للعمل السياسي، ومن ثمة الديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية وغيرها.
من الضروري الإشارة إلى التعامل مع هذه المفاهيم والقضايا ليس تعاملا ثابتا؛ فقد شهدت تطورا فكريا وإيديولوجيا وفقا للمراحل السياسية للمجتمعات والدول وما عرفته من تطورات أو أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، وهو ما يستلزم التعامل النسبي مع هذه القضايا ودراستها وفقا لسياقات اجتماعية وسياسية معينة.
إن من أبرز التحديات التي تعترضنا في مسارنا البحثي إلى جانب الطبيعة الإيديولوجية للمشاريع الفكرية والسياسية المدروسة، غلبة الكتابات الإيديولوجية السجالية، التي تبقى سمتها عرض وهم المعرفة دون مشقة، وتبسيط مزاياها دون مساوئها[1]؛ فالإيديولوجيا حينما تبث في كل شيء تعطي لأنصارها الإحساس بالسيطرة على العالم عبر الفكر والنظر، ويعد هذا الأمر تمهيدا أوليا لسيطرة من نوع آخر، والطابع الموسوعي للإيديولوجيا يشكل في نظر التفكير العقلاني مكمن ضعفها الذي يصعب تجاوزه، إلا أنه يبرز قوتها في نظر الأفراد الغير المحترفين على استعمال الأفكار[2]، وهي رؤية تتم على حساب المعالجة العلمية أو المعرفية، إلا أن منهج مقاربتها وطريقة تناولها تتم في سياقات مختلفة، وظروف متباينة من الضروري الإشارة إليها بإيجاز؛ كما أن قدرا لا بأس به من الأبحاث والدراسات أنتج إما في سياق معارك إيديولوجية وسياسية مع مشاريع إيديولوجية وفكرية منافسة، وهو ما كان يدخل هذا الموضوع في متاهة الجدل الايديولوجي والمنافسة السياسية بين المذاهب والمشاريع الإيديولوجية بمختلف توجهاتها ودرجة اعتدالها أو تطرفها( التيار الماركسي، التيار القومي، التيار اللبرالي، التيار الإسلامي وغيرها)، وهو مسار يجدر التعامل معه بحذر وحيطة لأن دافعه ليس العلم والمعرفة الموضوعية، بقدر ما يتحدد هدفه في الانتصار لتيار على حساب آخر، والتدليل على صحة المقولات والمنطلقات وتماسكها مقابل تسفيه مقولات الخصم ودحضها، إن غلبة التبرير الايديولوجي المغلف أو الصريح والجدل السياسي رغم أهميته في الصراع السياسي، والتنافس على المواقع والوضعيات الاجتماعية والرمزية، قد تم على حساب اقتراح مشاريع فكرية ونماذج نظرية تفسيرية تساعد على فهم حركية الواقع والفكر الذي يؤطره والمنطق التي يحركه، بناء على تفكير موضوعي استراتيجي بعيد عن الانفعال وردود الأفعال وتبرير الاختيارات السياسية، وهو ما ينصب في قلب تخصص إنتاج المعاني والمعارف العلمية التي تتسم بالنسبية (القابلية للتطور) والموضوعية والحياد، لا ميدان إنتاج الإيديولوجيات أو إصدار عروض وإسهامات تعمل على عرضها وتحليلها، وهو مجال له رجاله ومناضلوه، والذي أسهم عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر في بسطه.[3]
لقد حتمت المرحلة الحالية تجاوز الإشكالات السياسية والفكرية الكلاسيكية في سياق علاقة المجتمعات بالدولة في العالم العربية (جدلية احتواء تدجين التي ظلت تسم أغلبية الانتاجات العلمية في حقل العلوم السياسية والاجتماعية)، وبالتالي استنباط إشكاليات جديدة لم تكن مطروحة من قبيل إدخال الشارع العربي فاعلا سياسيا واجتماعيا قادرا على صنع عملية التغيير وفقا لأشكال احتجاجية جماعية سلمية، وهو معطى جديد لا زال لم ينل نصيبه من البحث والتحليل، إلى جانب السعي لفهم أبرز التحولات والتحديات المطروحة أمام الفكر الإسلامي الحركي المستند على المرجعية الإسلامية في علاقاته مع إشكالات ملتبسة كالدولة المدنية واستحقاقات الديمقراطية وحقوق الإنسان والعلاقة مع الآخر؛ ومن بين الأسئلة التي سنعرضها للتأمل والنظر في علاقتها مع الإشكالية المطروحة ما يلي:
·لماذا أخفقت المشاريع الإيديولوجية والسياسية في صنع عملية التغيير السياسي، بينما تمكن الشارع العربي من فرض واقع جديد، والإطاحة ببعض الأنظمة التسلطية؟
·كيف تنظر المرجعية الإسلامية لمفاهيم إشكالية من قبيل الدولة المدنية واستحقاقات الديمقراطية وحقوق الإنسان والعلاقة مع الآخر؟
·لماذا تتسم الخطابات السياسية بغلبة الجدل الإيديولوجي والسياسي على حساب اقتراح مشاريع مجتمعية وسياسية بناء على تفكير موضوعي استراتيجي بعيد عن الانفعال وردود الأفعال وتبرير الاختيارات السياسية؟
·ما هي أبرز المنزلقات والاختلالات التي تسم التنظير السياسي؟
·لماذا ننساق في شرك الإشكالات الإيديولوجية الغير العملية والجدل حول ما ينجم عنها من قضايا وأسئلة غير حقيقية؟
·ما هي أهم التحديات التي يواجهها الفكر الحركي الإسلامي؟
والموضوع المعالج ليس ذا طبيعة نظرية صرفة، ينحصر هاجسه المعرفي في رصد المفاهيم والقضايا النظرية والفكرية، بغية إشباع الفضول المعرفي وتحقيق المتعة العقلية والترف الفكري والتمرس المنهجي، وإن كان هذا البعد المعرفي لا يخلو من فوائد يصعب حصر أهميتها العلمية والبحثية؛ فإن الموضوع المدروس بالإضافة إلى قيمته المعرفية، فإنه يسعى إلى رصد الحركية السياسية الاجتماعية كفعل سياسي وخلفية ثقافية وسلوك اجتماعي رابطا بذلك البعد التنظيري والتصوري بالفعل السياسي والاجتماعي والسلوكات والمواقف العملية والممارسة اليومية المعيشة.
إن المعالجة العلمية للإشكالات الفكرية خلال هذه المرحلة السياسية والاجتماعية الحرجة من مقترب العلوم الاجتماعية، اتسم بقلة الدراسات العلمية الرصينة في رصد هذه الظاهرة وتحليلها وفهمها من طرف العديد من مراكز البحث العلمي العربية والأجنبية، ويمكن تفسير ذلك بعدة عوامل:
أولا:هيمنة المقاربة الإعلامية بمختلف أوجهها للحدث التي أفضت- رغم أهميتها- إلى نوع من التضخم والتخمة لدى القارئ، نظرا لوفرة المعلومات وكثرتها، مقابل ندرة التحليلات والتفسيرات؛
ثانيا:انهماك الفاعل السياسي في تدبير هذه المرحلة الجديدة وتفاعله معها، فخلف ذلك فراغا إيديولوجيا وفكريا لمواقف هؤلاء الفاعلين وتمثلهم للمرحلة وتفاعلهم معها؛
أفضى تفاعل الفاعلين السياسيين مع هذه المرحلة بطريقة براغماتية صرفة، ومن ثمة انحسار الجهود على التفكير في عملية التموقع السياسي، والبحث عن مكانة متقدمة داخلها، بينما ظلت الطروحات الفكرية شبه مجمدة أمام هذه الدينامية الجديدة؛ وهو ما ولد فراغا علميا وثقافيا يستلزم تأطيرا معرفيا ومنهجيا.
ملاحظات منهجية ومعرفية:
إن الفكر الإسلامي الحركي ليس فكرا موحدا تحكمه الرؤى والتصورات والمفاهيم نفسها، بل هو فكر يمزج بين النظري والعملي طور نفسه إلى عدة مسارات فكرية وتوجهات سياسية، إن لم نقل مدارس إيديولوجية وسياسية؛ فهناك الفكر الحركي للإخوان المسلمين من خلال أطروحة حسن البنا، وهناك الفكر الحركي الثوري لسيد قطب وأبي الأعلى المودودي وهناك الفكر الحركي الإصلاحي بمختلف توجهاته.
نقصد بالإيديولوجيا الإسلامية الحركية أو الفكر الاسلامي الحركي: رؤية فكرية اجتهادية هاجسها إلى جانب التحليل والفهم، العمل على تغيير الواقع وتعبئة مختلف الشرائح الاجتماعية لصالحها واقتراح بدائل فكرية سياسية، ميدانه ساحة الصراع السياسي والاجتماعي، أما الفئات التي يستهدفها، النخبة المثقفة والنخبة الأكاديمية، وعموم الطلبة والقراء والمهتمين، بينما يتحدد مآل الإيديولوجيا بعد مرحلة الصراع والتطبيق أو السعي للتطبيق فهو ميدان الفلسفة وتاريخ الأفكار والمفاهيم.
وقبل التطرق للفكر الحركي الإسلامي، لا بد من الإشارة إلى مجموعة من القضايا المنهجية والمعرفية المحورية:
·إسهام الربيع العربي في تجاوز الإشكالات السياسية والفكرية الكلاسيكية في سياق علاقة المجتمع بالدولة، وبالتالي اقتراح إشكاليات جديدة لم تكن مطروحة من قبيل إدخال الشارع العربي كفاعل سياسي واجتماعي؛
·أننا لا نتحدث عن فكر إسلامي نظري مجرد، بل هو فكر إسلامي حركي (إيديولوجيا إسلامية حركية) هدفه العمل على تغيير الواقع وإصلاحه بطريقة عملية، بينما يتميز الفكر الاصلاحي بالدعوة لنقد الفكر التقليدي وإشكالاته ونقد المجتمع والسعي لتجديد الخطاب الديني فكرا ومنهجا وتراثا، وذلك للتأكيد على أن الإسلام ليس مصدر تخلف مجتمعاتنا وثقافتنا، كما كانت تدعو لذلك بعض الطروحات خلال القرن التاسع عشر بعد صدمة الحداثة، والوعي بمشكلة التأخر التاريخي للأمة العربية الاسلامية الذي تجسد عمليا باستعمار الغرب للدول العربية الإسلامية[4]؛
·أن هذه الايديولوجيا تفعل عن طريق تنظيم هرمي يؤطر داخله أعضاءه ومناضليه، أما الفاعلون السياسيون الذين يشتغلون داخله، فيسمون بالإسلاميين الذين يقصد بهم مجموعة من القوى الاجتماعية والسياسية التي تشتغل داخل تنظيم هرمي، تعتنق المرجعية الاسلامية كهوية إيديولوجية، لها رؤية فكرية ومشروع سياسي وتسعى للوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها؛
·أن العلاقة بين الفكر والتنظيم، التنظير والممارسة، علاقة جدلية تفاعلية؛ فهناك تجارب فعلية أثرت فيها طبيعة التنظيم ومنطقه على هوية الفكر أو الإيديولوجيا إيجابا أو سلبا، وهناك حالات أثر فيها الفكر على التنظيم، فغدا التنظيم مجرد آلية لخدمة المشروع الإيديولوجي أو السياسي المعتمد؛
·أن الفكر الإسلامي بمختلف أصنافه الكلاسيكية أو الحديثة أو المعاصرة، يندرج معرفيا ضمن ميدان الفلسفة وتاريخ الأفكار والنظريات، بينما سمة الفكر الحركي الاسلامي أنه يمزج بين الجانب الفكري التنظيري بطموحه لفهم الواقع وإشكالاته وقضاياه النظرية والعملية، وسعيه للتغيير الفعلي للواقع والتأثير على مجرياته وأحداثه، من خلال مشاركته الفعلية في دواليب الدولة والمجتمع ومؤسساتهما.
الفكر الإسلامي الحركي وإشكالية التجديد
إن الرؤية التي قدمها الشيخ حسن البنا في تحديده للأدوار التي تضطلع بها الحركات الإسلامية المعاصرة، لا تزال في فلسفتها ومعالمها العامة هي النهج المعتمد عند معظم الحركات الإسلامية.
هذا لا يعني الإقرار بكون معظم التيارات الإسلامية الحركية نسخة لتجربة الإخوان المسلمين في مصر، إن تبني هذا الرأي لا يخلو من مبالغات، فواقع هذه التيارات الحركية ودينامياتها، واختلاف السياقات الاجتماعية والثقافية ونوعية الظروف السياسة التي تشتغل فيها، وطبيعة الأنظمة السياسية والقيم السياسية التي تعتنقها ومدى انغلاقها أو انفتاحها، أثر في مرجعيات هذه القوى ومشاريعها فتولد عن ذلك المتشدد منها والمعتدل، ليبقى السؤال المطروح هو حجم ما أضافته القوى الإسلامية بعد حسن البنا؟
ينطلق الفكر الإسلامي الإصلاحي في بنائه لمشروعه الإيديولوجي والسياسي، ممّا يسميه بمنهج التغيير الحضاري الإسلامي الذي يطمح إلى تغيير الإنسان؛ فالإنسان هو صانع التغيير وركيزته داخل المؤسسات الاجتماعية والسياسية، وبذلك فهو يتبنّى قناعة ترى في السلوك الإنساني فعلا تغييريا ذاتيا، لا باعتباره خضوعا لهذا الفعل ورضوخا له.
إن البحث عن هوية فكرية وثقافية إسلامية شكل رهان التيار الإسلامي، في مواجهة هيمنة الحركة الوطنية باعتبارها فاعلا سياسيا واجتماعيا، كانت لها الريادة في تأطير المجتمع وإن انشقت فيما بعد إلى نخب ليبرالية محافظة ونخب يسارية منها الثوري ومنها الإصلاحي، وهو ما أدى إلى تأكيد الإسلاميين على خصوصية مشروعهم المبني على أساس التعامل مع الإسلام ليس فحسب، باعتباره روحا للمقاومة، وإنما أيضا باعتباره اختيارا عقديا وفكريا واجتماعيا وسياسيا، وبديلا حضاريا وإنسانيا.
الفكر الإسلامي الحركي وقضية الديمقراطية: كيفية النظر لإشكالية ملتبسة
تأخذ مواقف القوى الإسلامية وتصوراتها إزاء الديمقراطية شكلين أساسيين؛ الأول يحرمها تحريما قطعيا انطلاقا من اجتهاد خاص به يعتمد على تأويل متشدد يصل للدعوة إلى الدولة الثيوقراطية، وتحريم للديمقراطية، باعتبارها شركا وما يترتب عنها من حرية وحق الآخر في الاختلاف وحقوق الإنسان، ويتموقع داخل هذا الاتجاه التيار الإسلامي الحركي الداعي للعنف والتيار السلفي التكفيري، وهي طروحات لا تأخذ بعين الاعتبار في بنيتها المرجعية ومواقفها سياسية، منطق التاريخ وحركية المجتمع والقدرة على ابتكار آليات ومناهج شرعية تطور باب الاجتهاد وتفسح المجال أمام مستقبل واعد للشعوب والمجتمعات العربية الاسلامية؛
أما التوجه الثاني، فيجسده طرح التيار الإسلامي الإصلاحي، وهو ذو طابع تجزيئي؛ حيث يقسم الديمقراطية إلى جانب قيمي يرتبط بالممارسة السياسية التي شهدت تطورا في المجتمعات الغربية، التي ترتكز على قيم وآليات جعلت الفعل السياسي مؤسساتيا ومستقرا في خدمة المجتمع والانسان وتنميتهما، وبين المرجعية الفلسفية المؤطرة للديمقراطية، والتي ينظر إليها الإسلاميون بريبة وتوجس غالبا ما تعكس رفضا قاطعا لها.
فالقيم المؤطرة للعمل السياسي والآليات التي يرتكز عليها لا يرفضها التيار الإسلامي الإصلاحي، إلا عندما تتعارض مع ما هو ثابت في رؤيته للإسلام ومقاصده، وهنا يبرز الفرق الدقيق بين حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، مع المشروع الإيديولوجي لجماعة العدل والإحسان للأستاذ عبد السلام ياسين، فإذا كانت تنظيراته حول الديمقراطية متعددة، وهو ما يعكس أهميتها عنده، فإنه في المقابل يميز بين الديمقراطية باعتبارها فلسفة مبادئ ويرفضها في شموليتها، لما تتضمنه من قيم يراها مادية نفعية في منهجها، وإباحية بهيمية في منطقها الأخلاقي، فتخرج بذلك عن روح الإسلام، في حين يقبل بالديمقراطية آليةً لتدبير الصراع السياسي وتقنينه؛ حيث يمكن فصلها بجلاء عن مرجعيتها الفلسفية وقيمها الأخلاقية، بينما تنحو حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية على التمييز بين الجوانب الإيجابية للديمقراطية منحى أكثر مرونة في تبني القيم الحضارية التي تؤطر الديمقراطية بشرط عدم مسها بالثوابت الدينية المجمع حولها.
يتأرجح إذن موقف الإسلاميين الإصلاحيين من الديمقراطية بين أخذ بالجوانب الإيجابية، والمتمثلة في قبول التعددية وحق الاختلاف والتداول السلمي على السلطة، ورفض الجوانب السلبية المرتبطة بالتجربة التاريخية الغربية خاصة المتعلقة بالتجربة الفرنسية، التي يربط روادها بين الديمقراطية واللائكية، ومن جهة ثانية باعتبار الشورى تعبيرا عن جوهر الديمقراطية وتجسيدا لقيمها الإنسانية الحضارية الراقية، كما مورست في التجربة الإسلامية لما بعد مرحلة الدعوة، وبذلك فإن الشورى والديمقراطية اسمان لمسمى واحد، يختلف باختلاف السياقات الحضارية والثقافية وبتنوع المفاهيم المستعملة.
لا شك أن مجمل ما طرح من تحليلات لا يجيب عن السؤال التالي: لماذا هناك إجماع بين معظم الإسلاميين في الارتكاز على الديمقراطية خاصة بعد مرحلة ما يسمى بالربيع العربي بعد أن كان رفضها فيما قبل مستشريا؟
يمكن أن نقترح بعض العناصر التحليلية الأولية لتفسير التحول في مواقف القوى الإسلامية من الديمقراطية(الموقف المكفر والمحرم، الموقف الرافض، الموقف المتوجس، الموقف التوفيقي) إلى العوامل الآتية:
أولا: تزايد الاهتمام بالديمقراطية واحتدام المطالبة بها إلى درجة بدت فيها كظاهرة معدية، تزامنا مع انهيار الأنظمة الشمولية بدول أوروبا الشرقية وتقويض نظام "الأبارتايد"، ونشأة الحركات المطالبة بالحرية والمساواة؛ فتحولت الديمقراطية من نظام مختلف حول أسسه العقائدية والفلسفية ومشكوكا في شرعية تمثيليته السياسية، إلى مبدأ ونظام حصل بشأنهما الإجماع، وهو ما فتئ يتكرس في المجتمعات العربية بعد بروز ما سمي "بالربيع العربي"، والتي يسميها البعض بموجة الديمقراطية العربية، وبداية تفكيك السلطوية السياسية والثقافية؛ فأضحت العديد من المفاهيم التقليدية كالقداسة والأبوية واحتكار السلطة وغيرها متجاوزة كقيمة أضحى يقابلها الحرية وحقوق الإنسان والمساواة وغيرها.
إن ما يغري بأهمية النموذج الغربي وفاعليه في تدبير الصراع السياسي من خلال العمل في ظل الديمقراطية، هو ما تشهده الأنظمة الغربية من استقرار سياسي واقتصادي، وتدبير سلمي حضاري للشأن العام، الشيء الذي يؤكد أزمة النموذج السياسي في المجتمعات العربية الإسلامية، بعدما أخفق النموذج القومي والبعثي والوطني والإسلامي في العديد من تجارب الحكم إلى تطوير الممارسة السياسية وإنضاجها وتحقيق التنمية المأمولة.
ثانيا: إن أسباب العودة للتجارب الإنسانية لتطوير التجارب المحلية والإيديولوجية المؤطرة لها، تفسر بأزمة النموذج السياسي العربي الإسلامي وتناقضه مع الواقع الفعلي للمجتمعات العربية، فمشكلة التسلط والاستبداد وغياب أسس عقلانية لتدبير الصراع السياسي وتأطيره، يشكل استمرارية لنموذج سياسي ينهل من قيم غدت مرفوضة، كالاستفراد بالقرار السياسي واعتماد العنف آلية في الصراع السياسي، وانتهاج سياسة الإقصاء ضد المعارضة السياسية، مقابل تشكل بنية تسلطية للمعارضة السياسية وتعتبر نفسها بديلا قائما للأنظمة الحاكمة، مما قد يؤدي إلى إعادة اجترار نفس النموذج السياسي المنغلق.
لا ريب أن العودة إلى النموذج الديمقراطي، تعكس لنا أزمة في بناء نظرية فاعلة في الحكم، وسعيا إلى تجاوز هذه الأزمة بمحاولة التوفيق بين ما دعا ويدعو إليه التراث الحضاري الإسلامي، وما تنص عليه الديمقراطية من مفاهيم وآيات لتدبير الفعل السياسي؛
وهو ما تكرس بعد ازدياد الاهتمام العالمي بحقوق الإنسان والديمقراطية، والرغبة في ترسيخها داخل المجتمعات العربية الإسلامية؛ حيث كثرت الدعاوى إلى الديمقراطية والمشاركة السياسية والتعددية والحق في الاختلاف...، بل قد تم تبني هذه القضايا كشعارات من لدن الشعوب إبان فترة الربيع العربي، فكان لا بد أن تواكبه محاولات تطوير طروحات الإسلاميين لاستيعاب هذه المفاهيم الغربية، التي أضحت من القيم الإنسانية العالمية والتأكيد على عدم تعارضها مع الإسلام، وتأطيرها بما يناسب الهوية الإسلامية في تناغمها مع إبداعات الحداثة والعولمة.
الربيع العربي وانعكاساته على الفكر الحركي الإسلامي
الإيديولوجيات العربية في محك الواقع العربي الجديد
الربيع العربي كظاهرة جديدة فجائية لم تلق بعد رصيدها من البحث والدرس والتحليل؛ لأنها تتطلب أكثر من تخصص معرفي لفهمها من مختلف الزوايا والأبعاد والبحث عن نماذج نظرية لتفسيرها، إن الرصد الأولي للربيع العربي وتأثيراته على الفكر الحركي الاسلامي؛ أفضى تحقيق الشارع العربي للعديد من المكاسب والمزايا أبرزها إسقاط النظام التونسي والمصري والليبي، وإجبار الرئيس اليمني على الاستقالة وغيره، إلى طرح أزمة النماذج الايديولوجية والفكرية السابقة أمام ما حققته هذه الموجة من نتائج إيجابية؛ لماذا كان الفاعل الاسلامي أكبر مستفيد من الربيع العربي؟
الحديث عن كون الفاعل الإسلامي أكبر مستفيد من الربيع العربي، هي مسألة نسبية وليست مطلقة ومن المسلم به أنه ليس في السياسة رابح أكبر وخاسر أكبر، بل يؤطر الفعل السياسي من خلال جدلية حسابات الربح والخسارة التي تسم السياسة، فاستفادة الإسلاميين الإصلاحيين بوصولهم للسلطة في المغرب وتونس ومصر، واستفادة الإسلاميين الرافضين لعبة السياسية ينصب حول العمل على استقطاب أكبر قدر من الجماهير والتحالف مع القوى السياسية الداعية للتغيير، واستفادة القوى السلفية من الربيع العربي وما خولته من حريات ومكاسب حقوقية أدخلتهم للبرلمان في مصر من خلال حزب النور المصري.
كما أن هذه المكاسب ليست دائمة بل مرحلية، وتواجه عدة تحديات جوهرية، كتحدي الاحتواء السياسي، تحدي القدرة على تحقيق ما تم الوعد به من مشاريع وبرامج انتخابية وسياسية، تحدي التفعيل الديمقراطي ومحاربة التسلط الثقافي والسياسي، تحدي إرساء أرضيات توافقية سياسية تحترم الآخر وتستحضر وجهات نظر مختلف المكونات المجتمعية والثقافية دون إقصاء.
ويمكن تفسير أسباب استفادة القوى الإسلامية من الربيع العربي في العناصر الأولية الآتية:
·أن الإسلاميين ظلوا صفحة بيضاء خلال الفترة السابقة، ولم يثبت تورطهم مع الأنظمة المستبدة في قضايا قد تمس شرعيتهم السياسية أو صورتهم الأخلاقية؛
·أفضى تأزم علاقتهم مع الأنظمة السياسية إلى تعرضهم لاستراتيجيات التضييق والمحاصرة والقمع والمحاصرة طيلة عقود وهو ما أكسبهم شرعية نضالية؛
·أمل الشعوب العربية في الإسلاميين كقوى بكر لا زالت تحظى بالمصداقية والشفافية، وهو ما سيصعب من مسؤولياتهم ومهاهم، أمام موجة العزوف العام من كل ما هم سياسي وعام، من لدن الجماهير بعدما اتسعت المسافة بين المواطن والسياسة؛
·أن منطق التاريخ يؤكد أن ضحايا الأنظمة السياسية التي سقطت ومعارضيها، يكونوا من المستفيدين نظرا لانفتاح الحكام الجدد عليهم وسعيهم لإدماجهم بغية اكتساب شرعية جديدة؛
·الفعالية التنظيمية والقدرة على التعبئة والتأطير والتوجيه للشرائح المستهدفة، خاصة في الاستحقاقات السياسية المهمة، وهي مسألة تفسر بالدور الجوهري الذي لعبه التأطير التربوي والدعوي في تكوين شخصية المناضلين وولائهم لمبادئ هذا التيار وتصوراه.
الفكر الإسلامي الحركي: المنزلقات والاختلالات
ومن الأمثلة التي يمكن أن نسوقها في هذا الصدد، عدم الاستفادة بما فيه الكفاية من التجربة السياسية لما يسمى في أدبيات الفكر السياسي الفتنة الكبرى، ومحاولة بذل جهود فكرية حول أسباب افتقاد المجتمعات العربية الإسلامية لمؤسسات سياسية قارة كمثيلتها الغربية، قادرة على تأطير الفعل السياسي أثناء فترات الفراغ السياسي أو الصراع على الحكم بدل الانصياع لقانون القوة والغلبة؛[5]
القيام بنقد ذاتي جريء يمكّن من إعادة قراءة تاريخية لتجربة المسلمين السياسية وتقييمها، أو تجديد المفاهيم السياسية والفكرية المستعملة في أدبيات السياسة الشرعية عند الماوردي، أو ابن تيمية وغيرهم ما دامت مجرد إسهامات بشرية نسبية قابلة للتغيير والتطوير أو القطيعة، ثم نقد الذهنية السائدة الموظفة للدين لتبرير الاستبداد، مما قد يساعد على إنضاج الممارسات السياسية الحالية؛[6]العمل على التدقيق في كيفية تصورهم للديمقراطية وعلاقتها بالشورى على الصعيد المرجعي والعقدي، والذي تجمع عليه كافة تيارات الإسلام الحركي في المغرب والمشرق العربي، والحسم الواضح في هذا الإشكال دون مواربة، ثم تفعيل مسلسل الدمقرطة داخل البنى التنظيمية لمختلف مؤسسات الدولة والمجتمع.
بالإضافة إلى ما تمت الإشارة إليه سابقا، يمكن تحديد أبرز الاختلالات التي تعتري المشروع الفكري والسياسي الإسلامي الحركي، في النقاط الجوهرية التالية:
- أن العمل التنظيري والتجديد الفكري لميدان السياسة الشرعية، ظل أحد أكبر نقاط ضعف القوى الإسلامية عموما والحركية الإصلاحية على وجه الخصوص، ويمكن أن نعمم هذه الملاحظة على مجموع الإنتاج الفكري والسياسي للحركات الإسلامية في العالم العربي الإسلامي، التي لم تتمكن من الإجابة عن سؤال لماذا لم تؤدّ الممارسة السياسية طوال التاريخ العربي الإسلامي، إلى تطوير النظرية السياسية للحكم في الإسلام وإنضاج الممارسة السياسية، ودفعها إلى أشكال ومؤسسات أكثر فاعلية واستقرارا؟[7]
- إذا كانت معظم إنتاجات الفكر السياسي الإسلامي – باستثناء العلامة ابن خلدون- ذات طابع مثالي، فإن الفكر الحركي الإسلامي نحا نفس الوجهة الفكرية الأخلاقية، من خلال بنائه لمشروعه السياسي على أساس افتراض الفضيلة ومكارم الأخلاق في الحاكم والنخبة السياسية، وترجيحه اختيار المستبد المستنير المحاط بالبطانة الصالحة، لما لها من قدرة على التأثير في قرارات الحاكم، وهو توجه يبقى متأثرا بالمدرسة المثالية ودور الوازع الديني والأخلاقي، وقدرته على تغيير السلوكيات وإقرار الحكم العادل كما كانت عليه التجربة النبوية وتجربة الخلفاء الراشدين؛
-عدم إدراك الخبرة التاريخية للتنظير السياسي والاقتصار على تجربة الخلفاء الراشدين واعتبارها معيارا عاما في الاستنباط، إن اعتماد السلوك الفردي للصحابة عموما والخلفاء الراشدين خصوصا، متجاهلين القواعد والمبادئ التي حكمت أفعالهم والظروف الاجتماعية والنفسية التي قيدت قراراتهم؛[8]
- عدم الإجابة عن سؤال لماذا لم يتم تكريس إلزامية الشورى؟ ولماذا يتم خلطها بالاستشارة؟ لماذا لم يتم تطوير مؤسسة الشورى في ظل التجربة الراشدية لتعكس مصالح قوى الأمة المختلفة وليس عصبة مخصوصة؟[9]
- ضعف إن لم نقل ندرة التحليلات الاقتصادية، التي تتسم بالهشاشة في القوة الاقتراحية والتنظيرية والعملية، التي يمكن أن تخرج البلاد من المعضلات التنموية التي تقض مضجعها كالتخلف والبطالة والفقر والأمية، والمشاكل المزمنة التي تعتري جسدها السياسي والاجتماعي كالفساد والرشوة والانتهازية. ويمكن أن نسلم مبدئيا باحتلالها لمكانة ثانوية من حيث الأولويات المؤطرة لمشروع الإسلاميين، فالجانب المتعلق بالمرجعية والهوية والثقافة والسياسة، والاستعمال المكثف للرموز الدينية والثقافية يحظى بالأولوية على حساب إشكالات التنمية والإصلاح والاقتصاد، مما يفضي في الأخير إلى اعتبار إشكالية الهوية والثقافة وتخليق حياة الأمة العامة وأسلمتها، هو المنطلق والأساس من حيث الرؤية والإطار الاستراتيجي لسياسة الإسلاميين داخل المؤسسات السياسية للدولة كأولوية.
تحديات الفكر الإسلامي الحركي
·إسهام الربيع العربي في تجاوز الإشكالات السياسية والفكرية الكلاسيكية في سياق علاقة المجتمع بالدولة في العالم العربي، وبالتالي اقتراح إشكاليات جديدة لم تكن مطروحة من قبيل إدخال الشارع العربي، كفاعل سياسي واجتماعي قادر على صنع عملية التغيير؛
·التحلي بالجرأة والشجاعة والتزود بالمرونة اللازمة كأساس لتطوير رؤاها الفكرية والإيديولوجية والشرعية ومشاريعها السياسية والمجتمعية، بدل الاكتفاء بنفس المقولات والطروحات والمفاهيم المعتمدة مند عقود طويلة، فلكل زمن رجاله فعلى الفكر الإسلامي الحركي تطوير الرؤية الإسلامية التي أرساها الشيخ حسن البنا، وباقي منظري الجماعة فكريا وسياسيا وتنظيميا ودعويا وتربويا؛
· البحث عن حلول فعلية لمشاكل المواطنين الذين أقاموا الثورة وفهم متطلباتهم، كتحد مهم أمام المشروع الإسلامي الحركي، مع العمل على تجاوز الدخول في متاهات السجالات الإيديولوجية الغير المفيدة. والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص بشكل تستفيد منه الأمة برمتها، وليس نخبة سياسية معينة؛
·الإسهام رفقة باقي الفاعلين في إرساء الديمقراطية والقضاء على الاستبداد والتسلط، وتحقيق الإقلاع الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، وإشاعة روح التوافق السياسي القائم على تعاون مختلف الفاعلين؛
·الرهان في المرحلة الحالية على تجاوز المخلفات النفسية والثقافية للممارسات التي تعرضت لها من قبل أنظمة مبارك وبنعلي والقذافي وغيرهم، فاستراتيجية الاستئصال والنفي التي عانت منها حركة النهضة، واستراتيجية التضييق والمحاصرة والقمع والتنكيل والاعتقال رفقة تكتيكات أمنية وقضائية وإعلامية، تفنن فيها النظام هدفت إلى استفزاز الإخوان في مصر ، وحثهم على الدخول في مواجهة عسكرية معه، فطن لها الإخوان فكانت ردود فعلهم سياسية متعقلة، وكما هو معلوم للاستبداد والتسلط خلفية ثقافية واجتماعية ونفسية تؤطره، والتي يتم استبطانها وإعادة انتاجها شكل لا شعوري، على الفكر الحركي الاسلامي الوعي بها وتجاوزها وإلا سيساعد على إنتاج ممارسات النظام السابق؛
·إعادة تجديد رؤاهم الفكرية وتطوير اجتهاداتهم السياسية إزاء الديمقراطية والحرية وحق الاختلاف، فمن مبادئ الثورة الحالية الحق في المواطنة والمساواة ومحاربة التسلط واحتكار الثروة، فالحسم في ضرورة إقرار المواطنة التامة للجميع مهما اختلف الجنس أو الدين أو العرق، من شأنه وضع حد لإشكالية الوضع القانوني للأقباط في ظل دولة مدنية، وحقهم السياسي في مواطنة دون تمييز وهذه النقطة من بين أبرز الاعتراضات الغربية على الإخوان، ومن شأن تخلي الإخوان عن بعض الشعارات الدينية كالإسلام هو الحل أو القرآن دستورها تبديد الشكوك حول احترامهم للديمقراطية وخلق جو من الثقة الإيجابية في ظل النظام الجديد.
·إن اعتماد التحول الديمقراطي التدرجي والعمل على تحصين مكتسبات الثورات وعمليات الاصلاح القائمة، والعمل على الحد من الاستبداد واحتكار السلطة والتوزيع العادل للثورات والقطع مع منهج الإقصاء السياسي، يشكل خطوة إيجابية تطمئن الجميع وتقوي التماسك الداخلي وتساعد المجتمع على تطوير نفسه.
إن الوعي بعامل ازدياد الاهتمام العالمي بحقوق الإنسان والديمقراطية، والرغبة في ترسيخها داخل المجتمعات العربية الإسلامية؛ حيث كثرت الدعاوى إلى الديمقراطية والمشاركة السياسية والتعددية... فكان لا بد أن تواكبه محاولات تطوير طروحات الإسلاميين لاستيعاب هذه المفاهيم الغربية، التي أضحت من القيم الإنسانية العالمية والتأكيد على عدم تعارضها مع الإسلام، وتأطيرها بما يناسب الهوية الإسلامية في تناغمها مع إبداعات الحداثة والعولمة.
وهو ما سيسمح للحركة الإسلامية المشتغلة في سياق سياسي منفتح أن تكون عامل استقرار إيجابي ومثمر لبلدها وشعبها عبر طرح الإشكالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحقيقية التي ستخدم بطرحها كمشاريع عملية في خدمة البلاد، والبحث عن طرق جديدة للتنمية الاقتصادية، وفسح فرص جديدة للشباب العاطل، ومحاربة الفساد والمفسدين وفقا لمبدأ التنافس الشريف والتحفيز الإيجابي مع الخضوع لرقابة من أين لك هذا؟
كما يمكن للأيديولوجيا الإسلامية أن تقدم صورة إنسانية خلاقة للعمل السياسي، على قدرة العامل الديني والوازع الأخلاقي، على تهذيب القيم الإنسانية والحد من النزوات الأنانية، وكبح النزعة البشرية في الاستعلاء والتكالب على المنافع المادية والخاصة؛ فبمحاربة كل مظاهر الفساد والرشوة والتكالب على المناصب، قد يسهم الإسلاميون إذا ما نجحوا في إعطاء أنفسهم كقدوة صالحة ورمز للاستقامة والثبات على المبادئ والأخلاق، وأن يقدموا صورة جديدة على قدرة الإسلام على الإصلاح والتغيير البناء بدل إتباع خيار العنف الدموي.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
* د. رشيد مقتدر: باحث متخصص في قضايا الإسلام السياسي
الهوامش
[1]Jean Marie Denquin: «Science Politique», PUF, 2 EDITION, P223-224.
[2] Jean Marie Denquin: «Science Politique», OP, CIT, P 223.
[3] Max Weber : « Le savant et le politique» Paris, Plan, 1959.
كما يمكن الرجوع لترجمة حديثة للكتاب باللغة العربية: ماكس فيبر: "العلم والسياسة بوصفهما حرفة"، أعمال ماكس فيبر 1، ترجمة جورج كتورة، المنظمة العربية للترجمة، تموز/يوليو 2011.
[4] رشيد مقتدر: "الإدماج السياسي للقوى الإسلامية في المغرب"، مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية للعلوم، الطبعة الأولى، سبتمبر 2010، ص 4-10.
[5] رشيد مقتدر: "من الاستبداد إلى الديمقراطية: إرث وقطيعة في الفكر السياسي العربي الإسلامي". مجلة المستقبل العربي الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 326 لشهر نيسان/ أبريل 2006 من ص 148 إلى ص 158.
[6] رشيد مقتدر: "الإدماج السياسي للقوى الإسلامية بالمغرب" مرجع سابق، ص94-95.
[7] رشيد مقتدر: "الإدماج السياسي للقوى الإسلامية بالمغرب" مرجع سابق، ص 96.
[8] لؤي صافي: "العقيدة والسياسة: معالم نظرية عامة للدولة الإسلامية"، دار الفكر العربي المعاصر، بيروت لبنان، دار الفكر، دمشق-سورية، الطبعة الأولى محرم 1422/ مارس 2001، ص 46-49.
[9] لؤي صافي: "العقيدة والسياسة: معالم نظرية عامة للدولة الإسلامية"، مرجع سابق، ص 195-226.