اَلْإِسْلَامِ واَلتَّبَنِّي إِعَادَةُ نَظَرٍ
فئة : ترجمات
اَلْإِسْلَامِ واَلتَّبَنِّي
إِعَادَةُ نَظَرٍ
مقدمة المترجم
صدرت هذه المقالة، والموسومة بـ "The Abolition of Adoption in Islam, Reconsidered"، ضمن مجلة "Droit et Religions: Annuaire"، في المجلد 4، الصادر عام 2009-2010، من الصفحة 97-107، الصادرة عن جامعة بول سيزان Université Paul Cézanne.
في هذه المقالة، يُحاول الأستاذ الدكتور ديفيد باورز عرض تأريخ التبني في الملل والعقائد في ورقاتٍ قليلة. يتناول تأريخ التبني من خلال ثلاثة محاور: تأريخ التبني في أوساط الوثنيين والمشركين، وفي أوساط الموحدين، وأخيرًا نظرة الإسلام إليه.
لقد استطاع الدكتور ديفيد باورز عرض التبني في أشهر عقائد الحضارات والأمم، وعند انتهائه من ذلك العرض؛ يقف وقفةً أمام قصة زيد بن حارثة الكلبيّ، والذي نزل فيه إلغاء التبني في الإسلام، ويدعو الباحثين للتدقيق في شأن واقعية هذه القصة، وربما شمَّر هو عن ساعديه، وبحث هذه القصة وهذا الحكم بشكل أوسع في كتابيه، «ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم: استنباط مفهوم ختم النبوة» (صدر عن مطبوعات جامعة بنسلفانيا 2009)، و«زيد» (صدر عن مطبوعات جامعة بنسلفانيا 2014).
والدكتور ديفيد باورز، وهو مواطن من كليفلاند، أوهايو. حصل على درجة الدكتوراه من جامعة برينستون عام 1979، وبدأ التدريس في جامعة كورنيل في العام نفسه. يشغل حاليًا منصبين: أستاذ في قسم الشرق الأدنى، وأستاذ مساعد في كليَّة الحقوق في كورنيل. تتناول أبحاثه الحضارة الإسلاميَّة والتأريخ والشريعة الإسلاميَّة والنصوص العربيَّة الكلاسيكيَّة، ويركز بحثه عن ظهور الإسلام والتأريخ الفقهيّ الإسلاميّ، وهو المحرر المؤسس لمجلة Islamic Law and Society. له عدة بحوث ومؤلفات؛ قُمت بترجمة بعض مقالاته ونشرها.
وإني، إذ أقوم بترجمة هذا المقال، إنما يأتي لتعريف القارئ العربيّ بالمشاركات العلميَّة والأدبيَّة في مجال الدراسات الإسلاميَّة، باعتباره تخصصي العام في درجتي الدكتوراه. وقد ساعد حصولي على درجة البكالوريوس في الترجمة الدور الأساسي في قيامي بترجمة هذه المقالة، ومقالات وكتبٍ أخرى. وقد تم إنجاز هذه الترجمة بعد مراجعةٍ من كاتبها الدكتور ديفيد. فإن استحقت ترجمتي الرضا؛ فذلك من الله، وإن كان من خطأ؛ فهو مِني.
تنويه للقارئ:
قام المؤلف بِالتعليق على النُّصوص المقْتبسة، ووضْع تعْليقه بَيْن معْقوفتيْنِ [ ]؛ فمَا كان مِن تَعلِيق أو إِضافة أو تصويبٍ مِنِّي؛ فقد وضعتْه بَيْن حاصرتين { }، أو وَضعَت لَه هامشًا بِشَكل نَجمَة (*).
وفيما يتعلق باقتباسات النصوص من المصادر العربيَّة، فقد حاولت نقلها كما هي من المصادر والمراجع الرئيسة، التي باللغة العربيَّة، ما استطعت.
ما ورد من أسماء لأعلام أجانب، لأول مرة في ثنايا الكتاب، فقد ذكرت اسمهم باللغة العربيَّة (الشكل الصوتي للاسم)، ثم أعقبته بذكر اسمه كما هو باللغة الأجنبيَّة، وإذا تكرر ذكر اسمه فيما بعد، فقد اكتفيتُ بذكر الاسم بالرسم الصوتي بالعربيَّة.
قمتُ بعمل قائمة بالمصادر والمراجع، وقد فرزتها على قائمتين؛ إحداها للمصادر التي باللغة العربيَّة، والأخرى خاصة بالمصادر والمراجع التي باللغة الأجنبيَّة.
وأخيرًا، عند ذكر مصادر الكتاب، باللغة الأجنبيَّة، في الهامش، فإذا كانت مصادر عربيَّة، فقد أتيتُ بتعريفها باللغة العربيَّة، وما كان باللغة الأجنبيَّة، فقد ترجمت اسم المؤلف وعنوان الكتاب أو البحث أو المقال الرئيس باللغة العربيَّة، ثم أتبعته بذكر معلوماته، كما جاءت في أصل الكتاب.
المقدمة
يُشير الاسم المجرد لـ «adoption» إلى الفعل المتمثل في اعتبار رجلٍ أو امرأةٍ كأبٍ لشخص ليس بطفله أو طفلها الطبيعيّ. وتوجد ممارسات التبنيّ في العديد من المجتمعات البشريَّة، ويمكن إرجاع جذور المؤسسة إلى بدايات التأريخ المسجل؛ هذه الممارسات هي في جزءٍ كبيرٍ منها استجابةً لمشاكل عدم الإنجاب وانعدام الوالدين
في اللغة العربيَّة، يُشار إلى ممارسة أخذ شخصٍ ليس بطفله الطبيعيّ، وجعله أو جعلها ابنًا أو ابنةً تحت عنوان التبنيّ. وبحسب ما ورد، فقد مارس سكان الجزيرة العربيَّة التبنيّ في الربع الأخير من القرن السادس والأول من القرن السابع الميلاديين قبل ظهور الإسلام. وقيل إن العرب تبنوا الأسرى والهاربين والعبيد وأبناء المحظيات. وتبنى كلٌ من الرجال والنساء الأطفالَ، على الرغم من ذِكر المُتبنيّن الذكور – فحسب - في المصادر. ويأخذ المُتبنى اسم الأب أو الأم بالتبنيّ. وقد منح العرب الأبناء بالتبنيّ الوضع القانونيّ نفسه الذي كان يتمتع به أبناء الصُلب. وأنشأ التبنيّ حقوقًا في الميراث المتبادل (التوارث) والدعم المتبادل (التناصر) بين الوالد بالتبنيّ والمُتبنى. وتذكر المصادر العديد من الرجال الذين تم تبنيّهم في عصور ما قبل الإسلام وأوائله، على سبيل المثال، سالم بن أبي حُذيفة (المُتوفى11هـ/632~633م)(*1)، وشُرحبيل بن حسنة (المُتوفى18هـ/639م)، ومسروق بن الأجدع (المُتوفى63هـ/683م)، الذي تبنته عائشة زوج النبيّ (المُتوفاة57هـ/678م). وظل بعض المُتبنيّن معروفين بأسماء الآباء والأمهات بالتبنيّ في منتصف القرن الأول الهجريّ([1]).
يُقال إن مؤسسة التبنيّ قد أُلغيت في عام 5هـ/627م فيما يتعلق بزواج مُحَمَّدٍ من زينب بنت جحش. ويُوجد الدليل القرآنيّ لإلغاء التبنيّ في الآيتين 4-5، من سورة الأحزاب: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ... وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ... ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾. ومن الآن فصاعدًا، تم تحريم ممارسة التبنيّ، وهو موقفٌ يتخذه الفقهاء المسلمون من جميع المذاهب الإسلاميَّة دون استثناءٍ.
وبحلول نهاية القرن الأول الهجريّ، بدأ هؤلاء الفقهاء في تطوير آلياتٍ قانونيَّةٍ بديلةٍ لتنظيم رعاية الأيتام واللقطاء والأطفال مجهولي النسب([2]).
قد يتساءل المرء: لماذا تم إلغاء مؤسسة التبنيّ. وفقًا للمفسرين، فقد وجد المسلمون الأوائل أن ممارسة الجاهليَّة، المتمثلة في مساواة قُدسيَّة الغرباء بقُدسيَّة الدم هي بربريَّةٌ وغير طبيعيَّةٍ. وبقدر ما تحظر الشريعة الإسلاميَّة التبنيّ؛ فإن الموضوع لم يتم تناوله في النصوص الفقهيَّة، ولم يهتم به سوى عددٌ قليل من العلماء الغربيين. وفي بداية القرن العشرين، ذهب ويليام روبرتسون سميث W. Robertson SMITH وروبيرت. روبيرتز R. ROBERTS إلى أن مُحَمَّدًا ألغى التبنيّ بدافع المصلحة الذاتيَّة من أجل إشباع رغباته الجنسيَّة الشخصيَّة([3]).
وفي الآونة الأخيرة، حاول أ. سنبول A. SONBOL أن يضع إلغاء التبنيّ في إطار تقديم القرآن لنظامٍ اجتماعيٍّ جديدٍ يُفسح الانتماء القبليّ المجال للأسرة النوويَّة. وفي هذا السياق، كان التبنيّ سيتدخل في العلاقة بين القرابة ووراثة الممتلكات: فلماذا، على سبيل المثال، يجب أن يرث الطفل المُتبنى على أساس المساواة مع الطفل البيولوجيّ؟ وفي الوقت نفسه، هدد التبنيّ بتقويض محظورات سفاح القربى المنصوص عليها في الآيتين 23-24 من سورة النساء(*2). وفي ظل نظامٍ تم فيه ممارسة التبنيّ، فمن المتصور أن يقوم الشخص المُتبنى، عن غير قصدٍ، في الانخراط في علاقاتٍ جنسيَّةٍ غير مشروعةٍ مع والده/والدها أو شقيقه/شقيقها البيولوجيين([4]).
وفي رأيي، أن جميع التفسيرات المقدمة لنسخ التبنيّ تُعاني من قصورٍ مشترك. فأولئك العلماء الذين يعالجون هذه القضيَّة - المسلمون وغير المسلمين على حدٍ سواء - يُركزون اهتمامهم، حصريًا، على الجزيرة العربيَّة قبل ظهور الإسلام وبعده دون مراعاة مكانة التبنيّ في الشرق الأدنى في العصور القديمة المتأخرة، ودون النظر في الصلات المحتملة بين ممارسة التبنيّ في الجزيرة العربيَّة في القرن السابع الهجريّ، من جهة، وفي الشرق الأدنى، عمومًا، من جهةٍ أخرى. إن الغرض من هذا المقال هو إعادة صياغة المشكلة مِن خلال وضع المؤسسة الإسلاميَّة ونسخها في الزمان والمكان: الشرق الأدنى في العصور القديمة المتأخرة.
1. التبنيّ في أوساط الوثنيين والمشركين
1. 1. الشرق الأدنى القديم
في الشرق الأدنى القديم، لم يكن هناك مصطلح مجردٍ للتبنيّ، بل إن الرجل البالغ أو المرأة البالغة يأخذ الذكر أو الأنثى في البنوة. إن العلاقة الجديدة، المُعترف بها على أنها تُعادل البنوة الطبيعيَّة بين الوالد البيولوجيّ وطفله الشرعيّ، تم إنشاؤها - بشكلٍ غير رسميٍّ - دون مشاركة أي مسؤولٍ أو ممثلٍ للدولة. لقد أبرم الوالد البيولوجيّ والمُتبنى اتفاقًا مع بعضهما بعضًا، وتم تسجيله - في بعض الأحيان - في عقدٍ خاص. ونتيجةً لهذا الاتفاق؛ أخذ المُتبنى اسم المُتبنيّ، وأصبح مسؤولًا عن رعاية الوالد الجديد في شيخوخته، بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء حقوقٍ مُتبادلة في الميراث بين المُتبنيّ والمُتبنى([5]).
وخدم تبنيّ الابن غرضين أساسيين؛ أولهما: الاحتفاظ بالممتلكات في الأسرة عندما لا يوجد ابنٌ طبيعيٌّ؛ وذلك مِن خلال تأمين وارثٍ ذكر. وآخرهما: توفير رعاية الوالدين بالتبنيّ في شيخوختهما، واتخاذ الترتيبات اللازمة لدفنهما بشكلٍ لائق. ولضمان بقاء الثروة داخل الأسرة؛ قد يقوم المُتبنيّ بترتيب زواج المُتبنى من ابنته. وفي مثل هذه الحالات، يُصبح المُتبَنى عضوًا كاملًا في الأسرة، وغالبًا ما يُمنح جزءًا من ميراث والده أو كله([6]).
تم تسجيل عمليات التبنيّ في عقودٍ مكتوبةٍ مُسجلةٍ على ألواحٍ طينيَّةٍ، ولهذه العقود شكلٌ نمطيٌّ، يتضمن – دائمًا - ديباجةً، وشروطًا، وشرطًا جزائيًا([7]). ويمكن إنهاء العقد مِن قِبل أيٍ من الطرفين، من جانبٍ واحد، مِن خلال أداء كلامٍ مُعيَّن. فإذا رغب الوالد بالتبنيّ في فسخ العلاقة؛ فإنه يحتاج - فحسب - إلى القول: «أنتَ لستَ ابني». وإذا رغب المُتبنى في فسخ العلاقة؛ فالمطلوب منه أن يقول: «أنتَ لستَ والدي». أو: «أنتِ لستِ أمي». واحتوت العديد من عقود التبنيّ على شرطٍ جزائيٍّ مُصممٍ لمنع الحل من جانبٍ واحدٍ. وفي تلك الحالات، التي خَصصت فيها اتفاقيَّة التبنيّ حصة ميراث للمُتبنى؛ يخسر الطرف - الذي حلّ الاتفاقيَّة - تلك الحصة. وفي بعض الحالات، طُلب من المُتبنيّ التنازل للمُتبنى عن التركة بأكملها وليس الحصة التي كان يستحقها، فحسب([8]). كما أن المرأة التي تم تبنيّها تُصبح خاضعةً لسلطة والدها بالتبنيّ، الذي كثيرًا ما يحصل على زوجٍ للفتاة ويُزودها بالمهر. تم العثور على أكثر من ستين عقدًا للتبنيّ الزوجيّ من مدينة نوزي Nuzi، وهي مستوطنةٌ حوريَّة(*3) تقع على الضفة الشرقيَّة لنهر دجلة بالقرب من مدينة آرافا (كركوك الحديثة)([9]).
وينقسم التبنيّ الزوجيّ إلى ثلاث فئات: (1) التبنيّ في حالة البنات. (2) التبنيّ في حالة زوجة الابن. (3) التبنيّ في حالة البنات وزوجة الابن([10]).
1. 2. اليونان القديمة
في اليونان القديمة، إذا ما مات رجل دون أن يترك ابنًا؛ فإنه بيته oikos ينقرض حتى لو بقي له عمٌ أو ابن أخٍ أو ابن عمٍ. ويمكن للرجل، الذي ليس لديه ابن أن يتجنب هذه المُصيبة بتبنيّ ابنًا. وفي اليونانيَّة، يُشير الاسم المجرد huiothesia، المشتق من huios ("ابن") و tithemi ("وضع أو مكانة")، إلى فعلٍ يدل على وضع أو أخذ شخصٍ ما كوارثٍ ذكر. وبالنسبة إلى اليونانيين، كان التبنيّ بمثابة وسيلةٍ لتأمين الوارث، ولتوفير الدعم للوالد المسن، ولضمان استمراريَّة "المنزل" والثقافة الأسريَّة. ولم يكن من غير المألوف أن يكون المُتبنى بالغًا، ولكن كان من غير المألوف - وإن لم يكن من المستحيل - تبنيّ أنثى، والتي ستُصبح epikleros أو "وارثة" عند وفاة والدها بالتبنيّ. وبمرور الوقت، طَوَّر قانونٌ أثيني ثلاث طرائق للتبنيّ: (1) بين الأحياء؛ (2) وصيَّة؛ (3) بعد الوفاة([11]).
1. 3. روما الوثنيَّة
في روما الوثنيَّة، كان الشخص الكامل الوحيد المعترف به، بموجب القانون، هو رب الأسرة. وكانت العلاقة بين رب الأسرة وأطفاله تُنظمها المؤسسة القانونيَّة للسلطة الأبويَّةpatria potestas التي أعطت رب الأسرة سلطة الحياة والموت على أطفاله، كما مارس الملكيَّة الحصريَّة لثروة أبنائه حتى بعد أن أصبحوا بالغين. وفي ظل الظروف العاديَّة، تم إنشاء السلطة الأبويَّة بالولادة من زواجٍ رومانيٍّ، ولكن يمكن، أيضًا، إنشاؤها بشكلٍ مصطنعٍ عن طريق التبنيّ([12]).
يبدو أن الدافع الأصليّ للتبنيّ كان رغبة الرجل الذي ليس لديه أطفال، لضمان استمرار العبادة sacra أو الثقافة الأسريَّة. وبمرور الوقت، فَقَدَ الدافع الدينيّ قوته، ولكن الرغبة في إدامة خط الأسرة ظلت قويَّة. وبعد إصدار الجداول الاثني عشر في عام 450 قبل الميلاد(*4)؛ كان الإجراء الذي تم بموجبه إطلاق سراح الذكر أو الأنثى من أدوار شخصٍ واحد وإخضاعه لشخص آخر، أمرًا مُعقدًا يتضمن ثلاث عمليات استرقاقٍ mancipations وإعتاقين([13]).
كان التبنيّ شائعًا بواسطة العائلات الأرستقراطيَّة في روما، بما في ذلك أولئك الذين لديهم طموحاتٍ إمبراطوريَّة. فنادرًا ما أنجب أباطرة جوليو كلوديان Julio-Claudian (حكموا في الفترة 27 ق.م -68م) ابنًا، وبالتالي كان التبنيّ هو الوسيلة الأساسيَّة لتأمين خلافة سَلسةٍ. ومن بين الأباطرة الخمسة للسلالة اليوليوكلاوديَّة، كان كلوديوس – فحسب - أحد أقرباء سلفه عن طريق الدم، بينما تم تبنيّ الأباطرة الأربعة الآخرين جميعًا([14]). ربما كان استجابةً لاحتياجات الأسرة الحاكمة للأباطرة الرومان أن تم تبسيط إجراءات التبنيّ في القانون الرومانيّ اللاحق. ففي مؤسساته، يعترف غايوس Gaius (130-180م) بشكلين للتبنيّ، adrogatio و adoptio:
(1) يُشير مصطلح adrogatio إلى الإجراء الذي تم بموجبه يتبنى رب الأسرة ذكرًا في مرحلة ما بعد البلوغ شريطة أن يكون والده البيولوجيّ قد حرّره سابقًا، وبالتالي فقد كان يتمتع - بحكم القانون – بكونه سيد نفسه أو مسؤولًا عن شؤونه الخاصة. وفي هذا الشكل من التبنيّ، الذي يمكن أن لا يحدث سوى في روما، تُجري الكليَّة الكهنوتيَّة تحقيقًا أوليًا يُسأل مِن خلاله الوالد المُتبنيّ عما إذا كان يرغب في تبنيّ الذكر المُعيَّن، ويُطلب من المُتبنى المُحتمل أن يُعطي موافقته على العلاقة الجديدة. وإذا تمت الموافقة على التبنيّ؛ فستبعث الكليَّة الكهنوتيَّة توصيةً إلى الجمعيَّة الرومانيَّة المعروفة باسم comitia curiata، والتي ستتخذ القرار النهائيّ.
(2) adoptio أو التبنيّ البسيط: وهو يُشير إلى الإجراء الذي بموجبه يتبنى ربُ الأسرة ذكرًا أو أنثى من أي عمرٍ. ويختلف التبنيّ البسيط عن adrogatio من ناحيتين: أولهما، أنه يمكن أن يحدث في أي مكانٍ في الإمبراطوريَّة شريطة أن يتم تنفيذه بحضور حاكم المقاطعة أو القاضي. آخرهما، أنه ينطوي على عددٍ أقل من الإجراءات الشكليَّة. فكل ما كان مطلوبًا هو مجرد أن يُطلق الأب الطبيعيّ ابنه من سلطته وأن يُؤكد الأب بالتبنيّ حصوله على السلطة potestas على ابنه بالتبنيّ. وكما هو الحال في القانون اليونانيّ، يتمتع الابن بالتبنيّ بالحقوق والامتيازات نفسها التي يتمتع بها الابن الطبيعيّ الشرعيّ؛ بما في ذلك الحق في وراثة والده بالتبنيّ.
2. التبنيّ في أوساط الموحدين
2. 1. بنو إسرائيل
إن عدم الإنجاب هي ظاهرةٌ عالميَّةٌ، والتبنيّ ليس كذلك. وتَعتبر بعض المجتمعات ممارسة التبنيّ أمرًا غير طبيعيٍّ ومقيتٍ. وفي الشرق الأدنى القديم، يبدو أن صعود التوحيد كان مصحوبا بتحولٍ ضد التبنيّ.
لقد رفض بنو إسرائيل مؤسسة التبنيّ: فلا توجد كلمةٌ مجردةٌ عن التبنيّ في اللغة العبريَّة التوراتيَّة، ولا تحتوي أسفار موسى الخمسة على قوانين أو رواياتٍ تَذكر التبنيّ تحديدًا، ولا يعترف القانون التوراتيّ، أو ما بعد الكتاب المُقدس بهذه المؤسسة([15]). ويجب أن لا يكون موقف بني إسرائيل/اليهود من التبنيّ مفاجئًا. فوفقًا للعقيدة اللاهوتيَّة للاختيار الإلهيّ؛ يجب أن يكون المرء سليلًا عن طريق الدم لأحد أبناء يعقوب الاثني عشر من أجل التأهل كعضوٍ في المجموعة المعروفة باسم بني إسرائيل. إذ كانت خطوط الدم ذات أهميَّةٍ حاسمةٍ. وعلى الرغم من أن التبنيّ خَلَقَ مظهر البنوة؛ إلا أن بني إسرائيل اعتبروا هذه الرابطة بمثابة خيالٍ قانونيٍّ يُهدد بتقويض وحدة بني إسرائيل.
لم يكن بنو إسرائيل، بطبيعة الحال، في مأمنٍ من عدم الإنجاب، وهي ظاهرةٌ حظيت باهتمامٍ كبيرٍ في الروايات التوراتيَّة. قد يكون التبنيّ ممنوعًا؛ ولكن كانت هناك بدائل. فيُمكن للرجل الذي ليس له أطفال، مثل إبراهيم، أن يتزوج زوجة أخيه و/أو محظيَّةً على أمل إنجاب ابنٍ ووارث. وبدلًا من ذلك، كانت هناك مؤسسة يبوم yibbûm أو زواج الأخ من أرمل أخيه. وفي ظل الظروف العاديَّة، كان ممنوعًا على الرجل الزواج من أخت زوجته (الآية 16 من الأصحاح 18 من سفر اللاويين(*5))، ولكن تم الاستثناء في حالة الرجل الذي مات دون أن يترك ولدًا. وفي هذه الحالة، كانت أهميَّة إدامة اسم الرجل المتوفى مقنعةً لدرجة أنه تم التنازل عن محرمات سفاح القربى. وفي الواقع، كان شقيق الرجل الميت مضطرًا للزواج من زوجة أخيه الأرمل. وإذا نتج عن الزواج بين الأرمل وأخي زوجها ولدًا ذكرًا؛ يُعتبر الطفل ابنًا ووارثا لوالده المتوفى([16]).
وحتى لو كان القانون التوراتيّ لا يعترف بالتبنيّ كمؤسسةٍ شرعيَّة؛ فإن الروايات التوراتيَّة تُشير إلى أن بني إسرائيل مارسوا التبنيّ في الواقع([17]). إذ تُشبه الممارسة التوراتيَّة نظيرتها القديمة في الشرق الأدنى من ثلاثة جوانب: لم يكن هناك مصطلح مجرد للتبنيّ؛ وكان الإجراء خاصًا وغير رسميٍّ، والعلاقة الجديدة نشأت مِن خلال الأداء اللغويّ الذي يأخذ فيه الوالد المُتبنى، ذكرًا أو أنثى، في البنوة.
تحتوي الروايات التوراتيَّة على عدة إشاراتٍ إلى ممارساتٍ شبيهة بالتبنيّ. فعلى سبيل المثال، بعد أن اكتشفتْ ابنةُ فرعون موسى؛ دفعت المال لوالدة اللقيط البيولوجيَّة لتعمل كمرضعةٍ للطفل (الآيات 9-13 من الأصحاح 30 من سفر التكوين(*6)) ثم (أصبح لها ابنًا) (الآية 10 من الأصحاح 2 من سفر الخروج(*7)) وهي صيغة اعتماد أشبه بتلك المستخدمة في الشرق الأدنى القديم. وبالمثل، قال يعقوب لابنه يوسف، (ابناك [أي منسى وأفرايم]... هما لي) (الآيتان 5-6 من الأصحاح 48 من سفر التكوين). (وعند موت أبيها وأمها؛ اتخذها مردخاي لنفسه ابنةً) (الآية 7 من الأصحاح 2 من سفر أستير)، ومرةً أخرى، باستخدام صيغة تبنيّ مألوفة من الشرق الأدنى القديم (راجع: في الأكادية: ana mār(t)ūtim leqû)، وبعبارة أخرى، تبناها([18]).
تم العثور على أدلةٍ على ممارسات التبنيّ اليهوديَّة، أيضًا، في سجلات المجتمعات اليهوديَّة الفرديَّة المنتشرة في جميع أنحاء الشرق الأدنى، بما في ذلك مصر في القرن السادس قبل الميلاد([19])، والساحل الشمالي للبحر الأسود في القرن الأول الميلاديّ([20]). وقد كان التبنيّ، أيضًا، مفهومًا لاهوتيًا. فلقد اعتبر بنو إسرائيل العلاقة بين الأب وابنه استعارةً للعلاقة بين الله وشعبه المختار. وترتبط فكرة التبنيّ المُقدس ارتباطًا مباشرًا بالمبدأ اللاهوتيّ للاختيار الإلهيّ. ففي الآيتين 1-2 من الأصحاح 14 من سفر التثنية، يُعلن الرب أنه قد اختار بني إسرائيل كأبناءٍ له من بين كل البشر: (أنتم أولاد للرب إلهكم... لأنك شعبٌ مُقدسٌ للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعبًا خاصًا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض). وداخل بني إسرائيل، فقد اختار اللاهوت، وعلى وجه التحديد "بيت" أو "نسل" داود، للتبنيّ المُقدس. إن النص الرئيس في هذا الصدد هو الآيات 11-16 من الأصحاح 7 من سفر صموئيل الثاني، حيث وعد الرب داود أنه سيُقيم أحد نسل الملك ويُثبِّت ملكه إلى الأبد. ويُشير المقطع إلى سليلٍ واحدٍ لداود، وفقًا للآية 14، وأنه سوف يُعامله كما يُعامل الأبُ الابنَ([21]).
وفي الآية 15، يَعد الله داود بأنه لن يسحب نعمته أبدًا من هذا السليل. إن هويَّة هذا السليل المفضل لداود، الذي مِن خلاله سيتم تأسيس "بيت" المُلك والعرش الملكيّ إلى الأبد لاحقًا، من شأنه أن يجذب انتباه اليهود والمسيحيين والمسلمين في فترة ما بعد الكتاب المُقدس([22]).
2. 2. المسيحيون
يمكن القول عن عيسى، بكل ثقةٍ، إنه ولد وعاش وعَلَّمَ ومات في فلسطين. أما ما تبقى، فهو تخمينٌ تأريخيٌّ([23]). وأقرب مصدرٍ لحياة عيسى هي الأناجيل السينوبتيكيَّة(*8): متى ومَرْقُسَ ولوقا. يتفق متى ولوقا على أن عيسى ولد في بيت لحم ونشأ في الناصرة. وتُشير التلميحات التأريخيَّة المنتشرة في جميع أنحاء العهد الجديد إلى أن عيسى وُلد قبل 4 ق.م، وتُوفي في30م أو بعد ذلك بوقتٍ قصيرٍ. هناك نوعان من سلاسل الأنساب لعيسى في الأناجيل، أحدهما في متى والآخر في لوقا، ويُشير كلاهما إلى أن عيسى كان سليلًا من نسل داود التوراتيّ. ويسبق سلسلة الأنساب، الموجودة في متى، القول على أن عيسى هو "المسيح، ابن داود، ابن إبراهيم". هناك أربعون اسمًا في قائمة متى، بما في ذلك أربع نساءٍ لعبن دورًا مهمًا في ضمان استمرار سلالة داود: ثامار وراحاب وراعوث وبثشبع. وتبدأ قائمة متى بإبراهيم وتنتهي بيوسف (زوج مريم التي ولد منها عيسى الذي يُدعى المسيح) (الآيات 1-17 من الأصحاح الأول من انجيل متى). ويعكس لوقا الأمر. فقائمته تحتوي على سبعين اسمًا، كلهم رجال. ولكنها تبدأ بعيسى (وهو على ما كان يُظن ابن يوسف) وتنتهي بآدم (ابن الله) (الآيات 23-38 من الأصحاح 3 من إنجيل لوقا). ويحرص كلٌ من متى ولوقا على تجنب القول بأن يوسف هو والد عيسى.
وإذا لم يكن يوسف والد عيسى؛ فإن نزول يوسف من داود لم يجعل عيسى من نسل داود. ولكي ينحدر عيسى من نسل داود؛ يجب أن يكون الاتصال مِن خلال والدته مريم. ومع ذلك، لا يوجد ذكرٌ في أي مكانٍ في الأناجيل بأن مريم كانت من سلالة داود([24]). وقد تم إصلاح هذا الإغفال في انجيل يعقوب التمهيديّ Protevangelium of James، وهو نصٌ غير رسميٍّ؛ كُتب في النصف الأخير من القرن الثاني الميلاديّ، حيث تم تحديد مريم كعضوٍ في "سبط داود"([25]). وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن يوسف ومريم، كلاهما، كانا من نسل داود؛ مما أعطى زواجهما أهميَّةً لاهوتيَّةً إضافيَّةً. ومهما كان الأمر، فقد أنجبتْ مريمُ عيسى في بيت لحم، وبعد ذلك بوقتٍ قصيرٍ عادت هي وزوجها إلى الناصرة، حيث عُرف عيسى باسم "ابن يوسف" (الآية 4 من الأصحاح 22 من انجيل لوقا). ومِن خلال الزواج من امرأةٍ حامل وإعطاء الطفل اسمه؛ يبدو أن يوسف قد تبنى عيسى - حتى لو لم يكن هناك بيانٌ صريحٌ بهذا المعنى في العهد الجديد. ومثل بني إسرائيل، استخدم المسيحيون الأوائل استعارة التبنيّ المُقدس لتمثيل فكرةٍ لاهوتيَّةٍ مهمةٍ. وكما هو الحال في الكتاب المُقدس العبريّ، كذلك في الأناجيل، تُستخدم صيغة التبنيّ القديمة في الشرق الأدنى ("أنتَ ابني") لوصف علاقة الله بعيسى. ففي الآية 14 من الأصحاح 7 من سفر صموئيل الثاني، وَعَدَ الله أنه سيأخذ من بيت داود ابنًا له. وفي الآية 11 من الأصحاح 1 من انجيل مَرْقُسَ، حقق الله هذا الوعد بقوله لعيسى بعد معموديته: (أنت ابني الحبيب، الذي به سُررت). وبالمثل، في الآية 7 من الأصحاح 9 من انجيل مَرْقُسَ، أصدر الله التعليمات التاليَّة لبطرس ويعقوب ويوحنا في وقت تجلي عيسى: (هذا هو ابني الحبيب، له اسمعوا). ومثلما يُشير الله إلى نفسه على أنه الأب من نسل داود المسيانيّ (الآية 14 من الأصحاح 7 من سفر صموئيل الثاني)؛ يُشير عيسى إلى الله باعتباره أبيه أثناء الصلاة في جثسيماني: (يا أبا الآب، كل شيءٍ مستطاعٌ لك) (الآية 36 من الأصحاح 14 من انجيل مَرْقُسَ).
وعلى عكس الإنجيليين الذين يصفون العلاقة بين الله وعيسى كالعلاقة بين الأب وابنه؛ يستخدم بولس الاسم اليونانيّ المجرد huiothesia للإشارة إلى هذه العلاقة. وترد هذه الكلمة خمس مراتٍ في الرسائل (الآية 5 من الأصحاح 5 من رسالة بولس إلى أهل غلاطية؛ والآيتين 5، 23 من الأصحاح 8، والآية 4 من الأصحاح 9 من رسالة بولس إلى أهل روميَّة؛ والآية 5 من الأصحاح 1 من رسالة بولس إلى أهل أفسس)؛ على الرغم من أنها لم تكن أبدًا بالمعنى القانونيّ الفنيّ لفعل وضعْ أو تولي شخصٍ ما كوارث ذكر. وبدلًا من ذلك، يستخدم بولس مصطلح huiothesia لنقل فكرة التبنيّ الروحيّ. ووفقًا لبولس، تم اعتماد المسيحيين كأولاد روحيين لله: (لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان) (الآية 26 من الأصحاح 3 من رسالة بولس إلى أهل غلاطية). وبالمثل، في الآيات 4-7 من الأصحاح 4 من رسالة بولس إلى أهل غلاطية، يُوضح بولس بأن المسيح يجلب الحريَّة لأولئك الذين تم تبنيّهم كأبناء الله: (...ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني. ثم بما أنكم أبناء؛ أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا: "يا أبًا أبي")([26]).
وبصفته من نسل داود؛ فإن عيسى هو المسيح الذي حقق وَعد الله في الآية 14 من الأصحاح 7 من سفر صموئيل الثاني. وعلى النقيض من عهد بني إسرائيل، الذي ينطبق حصريًا على بني إسرائيل، يشمل العهد الجديد كلًا من المسيحيين من أصلٍ يهوديٍّ والوثنيين. إن عمليَّة التبنيّ الروحيّ يتوسطها القلب مجازيًّا (وهو مجازٌ يتجدد على السطح مرةً أخرى في الآية 4 من سورة الأحزاب 33 فيما يتعلق بالتبنيّ). ولكي يُصبح المؤمن ابنًا روحيًّا لله؛ يجب عليه أن يقبل روح العهد الجديد في قلبه أو قلبها بقبول الله كأبٍ. إن العلامة الخارجيَّة على استعداد المؤمن للانضمام إلى المسيح، في وعد داود بالفداء الإلهيّ، هي تكرار الكلمات التي نطق بها عيسى في جثسيماني: "أبا! أبي!".
يُستخدم مصطلح huiothesia، أيضًا، بمعنى التبنيّ الروحيّ، كما جاء في الآيات 14-17 من الأصحاح 8 من رسالة بولس إلى أهل رومية، حيث يقول بولس، على وجه التحديد، لأنهم تلقوا روح التبنيّ (huiothesia)؛ فيحق لأبناء الله الإشارة إلى الله على أنه أبًا أو أبي. تمامًا مثلما يُصبح عيسى عند المعموديَّة ابن الله ويتلقى روح الله؛ كذلك يُصبح المؤمنون، أيضًا، عند المعموديَّة أبناء الله الروحيين بتكرار صراخهم "أبا! أبي!" (الآية 15). ومثلما ثبت أن عيسى، في وقت قيامته، هو ابن الله المسيانيّ؛ كذلك فإن أبناء الله الروحيين، في نهاية الزمان، سيرثون ملكوت الله وينالون محبته ونعمته (الآية 17). وهكذا، في العهد الجديد، أعاد بولس تفسير المفهوم اليونانيّ عن huiothesia أو التبنيّ على أنه آليةٌ روحيَّةُ يُعبر الله مِن خلالها عن محبته لأبنائه([27]).
لقد لعب مفهوم التبنيّ دورًا مهمًّا في الكنيسة المُبكرة. وقد جادل بعض المسيحيين الأوائل - الذين وُصفوا فيما بعد بالهرطقة(*9) - بأن عيسى كان إنسانًا من لحمٍ ودمٍ، وهو الابن الطبيعيّ ليوسف ومريم، وأنه، بحكم التبنيّ، أصبح عيسى ابن الله. لقد اختلف أتباع هذا الرأي، المعروفين باسم التبنيانيَّة، حول اللحظة التي تم فيها التبنيّ: فقد زعم بعض التبنيانيَّة الأوائل بأنه حدث عند قيامته، وبحلول القرن الثاني الميلاديّ، اعتقد معظمهم أنه حدث عند معموديته. وَيَعتقد أتباع عيسى اليهود، المعروفون باسم الإبيونيين، أن الله اختار عيسى ليكون ابنه؛ لأنه كان أبر رجلٍ على وجه الأرض. لقد كلف الله ابنه بمهمةٍ خاصة: التضحيَّة بنفسه طواعيَّةً من أجل خطايا البشريَّة وفاءً لوعد الله لليهود. وحدث التبنيّ وقت قيامة عيسى عندما أقام الله ابنه من بين الأموات وصعد به إلى السماء. وقرب نهاية القرن الثاني الميلاديّ، عَلَّمَ ثيودوتس الإسكافيّ Theodotus the Cobbler أن عيسى كان مجرد إنسانٍ. وأضاف بعض أتباعه إلى هذا أن عيسى صار الله إما عند معموديته أو قيامته. وقد تم طرد ثيودوتس مِن قِبل البابا فيكتور الأول Victor I الذي أدان التبنيّ باعتباره بدعةً([28]). وفي الشرق، جادل النساطرة بأن للمسيح طبيعتان، إحداهما بشريَّة والأخرى إلهيَّة. وأن المسيح في طبيعته الإلهيَّة هو ابن الله بالولادة والطبيعة. وكإنسان، فإن المسيح هو ابن الله بالتبنيّ والنعمة - حتى لو لم يتم تحديد عيسى في أي مكانٍ على أنه ابن الله بالتبنيّ في أي مكانٍ في العهد الجديد([29]).
وفي بعض المجتمعات المسيحيَّة، يبدو أن الجدل اللاهوتيّ حول التبنيّ الروحيّ قد اصطدم بممارسة التبنيّ المدنيّ. وفي الغرب اللاتينيّ، ينعكس التوتر بين المفهومين في كتابات سالفيان Salvian، وهو كاهنٌ من القرن الخامس الميلاديّ عاش في مرسيليا. وكان سالفيان ينتقد الأزواج الذين ليس لديهم أطفال والذين تبنوا أبناء الآخرين، وندد بالمتبنين ووصفهم بأنهم "ذريَّة الحنث باليمين" (Ad Eccles III.2). وبالتعويل على سالفيان، زعم جاك قودي Jack Goody بأن العداء الكنسيّ للتبنيّ المدنيّ أدى إلى اختفاء المؤسسة من القوانين التشريعيَّة المُبكرة للشعوب الألمانيَّة والسلتيك والرومانيَّة، والتي تبعها اختفاء التبنيّ المدنيّ في الغرب([30]).
في الواقع، لم يكن الوضع بسيطًا أو واضحًا. وكما الحال في اليهوديَّة، لم يتم الاعتراف بمؤسسة التبنيّ المدنيّ، ومثل الحاخامات، طور القانونيون مجموعةً متطورةً ومركبةً والتي جعلت من الممكن دمج الأطفال غير الشرعيين والأيتام واللقطاء في الأسرة دون تبنيّهم رسميًا([31]).
2. 3. البيزنطيون
يبدو أن العداء الكنسيّ للتبنيّ المدنيّ كان أقل وضوحًا في الشرق؛ ربما لأن المؤسسة القانونيَّة كانت راسخةً بقوةٍ في مقاطعات الشرق الأدنى في بيزنطة. كتاب القانون السريانيّ-الرومانيّ The Syro-Roman Lawbook([32]) هو خلاصةٌ وافيةٌ للقانون الرومانيٍّ، وفد تم تأليفه في العالَم الناطق باليونانيَّة، والذي يُسجل القوانين التي قيل إن الأباطرة البيزنطيين قد أصدروها، وهم: قسطنطين Constantine (المُتوفى337م)، وثيودوسيوس الثاني Theodosius II (المُتوفى450م)، وليو الأول Leo I (المُتوفى474م)([33]). تم تجميع النسخة اليونانيَّة الأصليَّة في نهاية القرن الخامس الميلاديّ، ثم تُرجمت المجموعة لاحقًا إلى اللغة السريانيَّة - ومن هنا جاء اسمه - على الرغم من أننا لا نعرف، على وجه التحديد، متى؟ ولكن القانون الرومانيّ، في الواقع، هو العمل الوحيد في القانون الرومانيّ المعروف أنه قد تُرجم إلى اللغة السريانيَّة([34]). تعود أقدم مخطوطةٍ موجودةٍ باللغة السريانيَّة إلى القرن السادس الميلادي([35]). وعلى الرغم من أن القانون السريانيّ-الرومانيّ لديه الكثير ليقوله عن الزواج والطلاق والميراث؛ إلا أن فقرتين – فقط - من فقراته الـ 157 تذكران، صراحةً، التبنيّ: يجب إجراء ما يبدو أنه احتفالٌ بالتبنيّ بحضور قاضٍ، حتى يتمكن الأب البيولوجيّ من تحرير الطفل من سلطته ونقل السلطة إلى الوالد المُتبنيّ (القسم 89 ب)، وإذا كان الشخص الذي سيتم تبنيّه يُمارس سلطة على نفسه؛ فيجب أن يُوافق على التبنيّ في حضور قاضٍ (الفقرة 101). قد تُشير فقرةٌ ثالثةٌ إلى هذه الممارسة: يجوز للرجل، الذي ليس لديه أطفال، أن يُعيّن عبدًا ليكون وارثه في وصيَّةٍ أخيرة - ويُفترض بعد تبنيّه (الفقرة 3).
يحظى التبنيّ باهتمامٍ أكبر في مؤسسات جستنيان Justinian (حكم في الفترة527-565م)، حيث يتم الاحتفاظ بالسمات الأساسيَّة للغة الرومانيَّة والتبنيّ البسيط، وإن كان ذلك مع تعديلاتٍ ثانويَّةٍ ولكنها ليست غير مهمةٍ([36]). وفي حين أن القانون الرومانيّ السابق كان يقتصر على adrogratio للذكور؛ فقد وسع جستنيان نطاق adrogratio ليشمل الإناث. هناك إصلاحٌ إمبراطوريٌّ آخر يتعلق بحقوق الميراث للمُتبنى. ففي السابق، كان الأثر القانوني للتبنيّ هو إخضاع المُتبنى لسلطات المُتبنيّ تمامًا مثل الطفل الطبيعيّ. إذ يأخذ المُتبنى اسم الأب بالتبنيّ ويُصبح عضوًا بالتبنيّ في عصبة الأب. وفي الوقت نفسه الذي اكتسب فيه حق الميراث من والده بالتبنيّ؛ فقد كانت كل هذه الحقوق تتعلق بحقوقه السابقة([37]). وهذا يعني أنه إذا قام الأب بالتبنيّ بتحرير ابنه بالتبنيّ؛ فإن الطفل المتحرر لم يعد لديه أي حقوقٍ في الميراث فيما يتعلق بأسرته الطبيعيَّة أو بالتبنيّ. ولمعالجة هذه المشكلة؛ قام جستنيان بتعديل القانون حيث يحتفظ المُتبنيّ، من الآن فصاعدًا، بالحق في الميراث من أفراد عائلته الطبيعيَّة، بينما يكتسب في الوقت نفسه الحق في الميراث مِن أفراد أسرته بالتبنيّ. ونتيجةً لهذا الإصلاح، يُحتمل أن يكون للمُتبنيّ الحق في الميراث في أسرتين. ويُمكن للمرء أن يقول إنه في الواقع لديه قلبان([38]).
2. 4. الساسانيون
كان الفرس، في العصور القديمة المتأخرة، على درايةٍ بممارسة التبنيّ. وكما هو الحال في القانون الرومانيّ؛ لم يفقد الشخص المُتبنى جميع صلاته بأسرته الطبيعيَّة، وقد "يُعاد"، إذا لزم الأمر. ولكن، مثل بني إسرائيل، فضَّل الفرس حل مشكلة عدم الإنجاب بطريقةٍ أخرى. تم تصميم زواج الكاجار cagar الساسانيّ، مثل الزواج بالأرمل، لمعالجة مشكلة عدم الإنجاب([39]). وفي الواقع، يُمكن اعتبار المؤسسة الفارسيَّة على أنها نوعٌ من المؤسسة التوراتيَّة. فوفقًا للقانون الساسانيّ، كان يُعتبر الرجل الذي فشل في انجاب وارث شرعيٍّ "مجهول الاسم".
كان الغرض من زواج الكاجار هو ضمان أن الرجل الذي مات بدون أطفال سيكون له، مع ذلك، وارثٌ شرعيٌّ. وهذا الزواج يعمل بطريقتين: أولاهما: إذا مات الرجل بدون أطفال؛ كان على أرملته أن تتزوج من قريبٍ ذكرٍ لزوجها المُتوفى (لم يقتصر الالتزام بشقيق المتوفى، كما في زواج الأخ من أرمل أخيه). فيأخذ الذكر الأول، الذي أنجبته مع زوجها الثاني، اسم الزوج الأول. ولكن، كما هو الحال في القانون الرومانيّ، عانى الطفل "المُتبنى" مِن مشكلة الولاء المزدوج، وأصبح، أحيانًا، بيدقًا في صراعٍ بين أسرتين؛ لأن زوج الكاجار نفسه أصبح، الآن، مهددًا "بانعدام الاسم" بسبب حقيقة أن ابنه البيولوجيّ كان يُعتبر وارثًا للزوج الأول المتوفى لزوجته. وعندما وصلت الخلافات من هذا النوع إلى المحاكم؛ كان القُضاة يميلون إلى تفضيل مصالح الأب الحي على مصالح الأب الميت. والطريقة الأخرى التي يعمل بها زواج الكاجار كانت على النحو الآتي: إذا سبقت الزوجة زوجها الذي لم ينجب إلى القبر؛ فيتم اختيار امرأةٍ مُعيَّنةٍ stūr لإنتاج وارث له (ولكن ليس معه) عن طريق زواج الكاجار. قد تكون المرأة المُعيَّنة stūr أخت الرجل أو ابنته. وقد يُعيّن الرجل، الذي ليس له أطفال، stūr لنفسه في وصيته. وإذا لم تكن هناك امرأة مُعيَّنة؛ يُرشح الكهنة واحدةً([40]).
وعشيَّة ظهور الإسلام، كان التبنيّ المدنيّ معروفًا على نطاقٍ واسعٍ وممارسةً اجتماعيَّةً شائعة الاستخدام في الشرق الأدنى خاصةً بين الوثنيين والمشركين فيما يبدو، على النقيض من ذلك، تم تجنب التبنيّ بين الموحدين. وفضّل بنو إسرائيل حل مشكلة عدم الإنجاب مِن خلال مؤسسة الزواج بأرمل الأخ، بينما فضل الفرس زواج الكاجار. وحتى لو كان القانون التوراتيّ لا يعترف بالتبنيّ كمؤسسةٍ قانونيَّة؛ فإن الروايات التوراتيَّة تُشير إلى أن بني إسرائيل مارسوه في الواقع. بالإضافة إلى ذلك، كان التبنيّ المُقدس مفهومًا بارزًا في كلٍ من اللاهوت اليهوديّ والمسيحيّ. وفي الكتاب المُقدس العبريّ، تُعتبر العلاقة بين الأب وابنه بمثابة استعارةٍ للعلاقة بين الله وشعبه المختار. واعتقد دعاة التبنيّ المسيحيّ الأوائل أن عيسى كان إنسانًا، الابن الطبيعيّ ليوسف ومريم، الذي أصبح ابن الله بحكم التبنيّ. وهكذا، وُلِدَ مُحَمَّدٌ في عالمٍ كان فيه التبنيّ ممارسةً اجتماعيَّةٍ مهمةٍ، ولكن متنازعٌ عليها، واستعارةٌ مرتبطةٌ بعقيدةٍ لاهوتيَّةٍ رئيسةٍ.
3. الإسلامُ يُلغي التبنيّ
وفقًا لمصادر إسلاميَّةٍ، فإن إلغاء التبنيّ ارتبط بطريقةٍ ما بزواج مُحَمَّدٍ من زينب بنت جحش، الزوجة السابقة لابنه بالتبنيّ زيد. ولتقدير العلاقة بين الزواج والإصلاح القانونيّ؛ هناك حاجة إلى بعض الخلفيَّة.
حوالي 605م، حصل مُحَمَّدٌ على عبدٍ شابٍ اسمه زيد بن حارثة الكلبيّ. وبعد ذلك بوقتٍ قصيرٍ، يجد والد زيد الطبيعيّ زيدًا في مكة، فيطلب من مُحَمَّدٍ أن يقبل فديةً سخيَّةً مقابل عتق ابنه. فيُخيِّر مُحَمَّدٌ زيدًا بين العودة إلى سُوريَة مع والده أو البقاء في مكة مع سيده؛ فاختار زيدٌ العبوديَّة على الحريَّة. ويُقال إنه قال لسيده: "أنت مني بمكان الأب والأم". وبعد إظهار هذا الولاء؛ قام مُحَمَّدٌ بإعتاق زيدٍ وقام بتبنيه. يمكن وصف حفل التبنيّ بأنها نسخةٌ عربيَّةٍ من قانون مقاطعات الشرق الأدنى. وقد أقيم الاحتفال بالقرب من الكعبة، أي في مكانٍ عام، وشهده أبناء قبيلة قريش ووالد زيد. ونشأت حقوقٌ مُتبادلةٌ في الميراث والحماية بين الأب والابن؛ و- بشكلٍ حاسمٍ- تغير اسم زيد إلى زيدٍ بن مُحَمَّد.
وبعد ظهور مُحَمَّدٍ كنبيّ؛ أصبح زيدٌ يُعرف باسم حِب رسول الله. وكان يُعتبر أول ذكرٍ بالغٍ يُسلم. وفي مكة، تزوج من امرأةٍ حبشيَّةٍ اسمها أم أيمن، وأنجبت منه ولدًا اسمه أسامة بن زيد بن مُحَمَّدٍ، الحب بن حب رسول الله([41]).
وفي وقت الهجرة إلى المدينة المنورة، في 1هـ/622م، كان زيدٌ لا يزال الابن المتبنى للنبيّ. وحوالي 4هـ، طَلَبَ زيدٌ من مُحَمَّد الإذن بالزواج من ابنة عم النبيّ زينب بنت جحش. وعلى الرغم من تردده في البداية؛ وافق مُحَمَّدٌ على تقديم طلب الزواج بزينب، التي اعتبرت نفسها "من أتم نساء قريش"، ووجدت الاقتراح بغيضًا، لكن لم يكن أمامها سوى خيار الإذعان بعد أن علمت أن الأمر قد حسمه الله ورسوله (انظر: الآية 36 من سورة الأحزاب33)([42]).
وثبت أن الزواج لم ينجح. وفي محاولةٍ لإصلاح العلاقات بين الزوج والزوجة؛ قام مُحَمَّدٌ بزيارة منزلهما. وفي لحظة وصوله، لم يكن هناك سوى زينب. وعن غير قصد، أبصرها مُحَمَّدٌ قائمةً، ووقع في حبها على الفور. وبعد أن علم بمشاعر والده تجاه زوجته؛ عَرَضَ زيدٌ أن يطلقها. وفي البداية، رفض مُحَمَّدٌ العرض؛ ربما لأنه كان يعلم أن القانون الإلهيّ يحظر على الرجل الزواج من زوجة ابنه، ولأنه يخشى رد الفعل العام على مثل هذا الزواج. فتدخل الله في ذلك الوقت لمنع النبيّ من ارتكاب الإثم. وفي الآية 37 من سورة الأحزاب، فالصوت الذي يتحكم في النص لا يمنح النبيّ إذنًا خاصًا للزواج من زينب: ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾- فحسب - بل يُقدم، أيضًا، إصلاحًا قانونيًا أضفى الشرعيَّة على الزواج: ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾. ومن الآن فصاعدا، فلا ينطبق حظر الزواج من زوجة الابن إلا على الزوجة السابقة للابن الطبيعيّ، ولم يعد ينطبق على الزوجة السابقة للابن بالتبنيّ.
وخلال الفترة القصيرة بين طلاق زيد من زينب وزواج مُحَمَّد بها؛ تبرأ النبيّ من زيدٍ بقوله له: "لستُ لك بأب"([43]). فعاد زيدٌ إلى اسم ميلاده: زيد بن حارثة الكلبيّ. إن فسخ النبيّ لعلاقته بالتبنيّ مع زيدٍ هو الذي أدى إلى إلغاء التبنيّ، كما هو مبينٌ في الآيتين 4-5 من سورة الأحزاب33: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ... ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾. وعلى الرغم من أن هاتين الآيتين لا تذكران صراحةً أن التبنيّ قد أُلغي؛ فقد استنتج الفقهاء المسلمون الأوائل هذه النتيجة من حديثٍ نبويٍّ؛ ذَكر فيه النبيّ أن من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه؛ فهو كافر، والجنة عليه حرام([44]). ولئلا يكون هناك شكٌ في الأمر؛ فالحل الذي اختارته الأمة المسلمة المُبكرة قد تم وضعه في فم النبيّ نفسه، الذي صُنع لبيان التحريم بلغةٍ عربيَّةٍ واضحةٍ، (لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهليَّة)([45]).
يبدو أن العلاقة بين زواج مُحَمَّدٍ من زينب وإلغاء التبنيّ كانت علاقة سببٍ ونتيجةٍ. وتروي الروايات الإسلاميَّة أن مُحَمَّدًا قد تبرأ من زيدٍ باعتباره ابنًا له من أجل تسهيل زواجه من زينب، وأن تبرئه من تبني زيد أدى إلى إلغاء التبنيّ. ويُعاني التفسير التقليديّ من ثلاثة أوجه قصور على الأقل:
أولًا: تجاهل الروابط المُحتملة بين ممارسة التبنيّ في الجزيرة العربيَّة في القرن السابع الميلاديّ، من جهةٍ، وفي الشرق الأدنى الكبير، من جهةٍ أخرى. قد يُفسر هذا سبب تركيز عددٍ من العلماء الغربيين، الذين عالجوا إلغاء التبنيّ، حصريًا على الجزيرة العربيَّة قبل وبعد ظهور الإسلام دون الالتفات إلى حالة التبنيّ في الشرق الأدنى في أواخر العصور القديمة المتأخرة.
ثانيًا، بعد منتصف القرن الثاني الهجريّ/الثامن الميلاديّ، دفع العلماء المسلمون إلى الهامش الصلة المُبكرة بين إلغاء التبنيّ وعقيدةٍ لاهوتيَّةٍ رئيسةٍ أُعلنت في الآية 40 من سورة الأحزاب33: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾. تُؤسس هذه الآية صلةً مباشرةً بين انعدام الابن لدى مُحَمَّدٍ ومكانته كخاتم الأنبياء. ويُقال إنه سبب نزول الوحي كان بشأن زيدٍ([46]). وحتى الآن، لم يولِ أي عالم حديثٍ اهتمامًا جادًا بالعلاقة بين تبرؤ مُحَمَّدٍ من زيد وإلغاء التبنيّ، من ناحيةٍ، والعقيدة اللاهوتيَّة في ختم النبوة، من ناحيةٍ أخرى.
آخرها: يتعامل العلماء المسلمون، وغير المسلمين على حدٍ سواء، مع الحالة التي تزوج فيها مُحَمَّدٌ من زينب وتبرئه من زيد على أنها حقيقةٌ تأريخيَّةٌ. ويُشير الاهتمام بالصفات الأدبيَّة لهذه الروايَّة إلى أن القضية قد تم تصورها في الأصل وفهمها بشكلٍ أفضل على أنها إعادة سردٍ إبداعيَّةٍ للروايات التوراتيَّة السابقة وتحديدًا زواج داود من بثشبع (الآيات 6-27 من الأصحاح 11 من سفر صموئيل الثاني) وزواج يوسف من مريم (الآيات 18-21 من الأصحاح 1 من إنجيل متى). وكما أزعمُ في مكانٍ آخر(*10)، تم تصميم السرد الإسلاميّ لإيجاد صيغةٍ واقعيَّةٍ، أي سياقٍ معقولٍ شبيهٍ بالتأريخ؛ يُمكن القول فيه أن مُحَمَّدًا تبرأ من زيد. وأن التبرؤ من زيدٍ كان أحد الإجراءات العديدة التي تم اتخاذها من أجل التأكد بثقةٍ أن مُحَمَّدًا خَتَمَ النبوة.
قائمة المصادر والمراجع:
أولًا: المصادر والمراجع باللغة العربيَّة:
- البلاذريّ، أنساب الأشراف، تحقيق: محمد حميد الله. القاهرة: دار المعارف (1987).
- ابن حنبل. المسند. تحقيق: أحمد محمد شاكر. 22 مجلدًا. القاهرة: دار المعارف (1374هـ/1955م).
- السجستانيّ، ابن أبي داوود. كتاب المصاحف. تحقيق: آرثر جيفري. القاهرة: المكتبة الرحمانيَّة (1355هـ/1926م).
- ابن سعد. الطبقات الكبرى. 9 مجلدات. بيروت: دار صادر (1957-1968م).
- ___، كتاب الطبقات الكبرى. تحقيق: كارل إدورد سَخَأوْ وآخرون. 9 مجلدات، ليدن: بريل (1904-1940).
- السيوطيّ. الدر المنثور في التفسير المأثور. 6 مجلدات. بيروت: دار الكتب العلميَّة (1411هـ/1990م).
- الطبريّ. جامع البيان عن تأويل القرآن. 30 جزءًا في 12 مجلدًا. القاهرة (1373هـ/1954م).
- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمرويّ. 80 مجلدًا. بيروت: دار الفكر (1415هـ/1995م).
- مقاتل بن سليمان. التفسير، تحقيق: أحمد فريد. 3 مجلدات. بيروت (1424هـ/2003م).
ثانيًا: المصادر والمراجع باللغات الأجنبيَّة:
The Anchor Bible Dictionary, ed. David Noel Freedman, New York, Doubleday c. 1992
ARAZI, Albert, "Les enfants adultérins [da’is] dans la société arabe ancienne: l’aspect littéraire", Jerusalem Studies in Arabic and Islam, 16, 1993
BAUM, Wilhelm Winkler, and W. Dietmar, The Church of the East: A Concise History, London and New York: Routledge Curzon, 2000
BIRKS, Peter & Grant MCLEOD, Justinian’s Institutes, trans. with an introduction, Ithaca: Cornell University Press, 1987
Book of Jubilees
BRUNDAGE, James A., “Adoption in the Medieval Ius Commune”, in Proceedings of the Tenth International Congress of Medieval Canon Law, Vatican City: Bibliotheca Apostolica Vaticana, 2001
BT = The Babylonian Talmud, trans. I. Epstein, 18 vols., London, Soncino Press, 1978
CHIERA, Edward (ed.) Excavations at Nuzi conducted by the Semitic Museum and the Fogg Art Museum of Harvard University, with the cooperation of the American School of Oriental Research, Cambridge: Harvard University Press, 1929
EHRMAN, Bart, The Orthodox Corruption of Scripture, New York: Oxford University Press, 1993
___. Lost Christianities: The Battle for Scripture and the Faiths We Never Knew, Oxford: Oxford University Press, 2003
ELLIOT, J.K. (ed.), The Apocryphal New Testament: A Collection of Apocryphal Christian Literature in an English Translation, Oxford: Clarendon Press, 1993
GEUTHNER, P., Joint Expedition with the Iraq Museum at Nuzi, 6 vols., Paris, 1927-1939
GOODY, Jack, The Development of the family and marriage in Europe, Cambridge: Cambridge University Press, 1983
GROSZ, Katarzyna, “On Some Aspects of the Adoption of Women at Nuzi”, in Studies on the Civilization and Culture of Nuzi and the Hurrians, vol. 2, ed. David I. OWEN and M.A. MORRISON, Winona Lake, IN: Eisenbrauns, 1987
JÁNOS, Jany, "The Four Sources of Law in Zoroastrian and Islamic Jurisprudence", Islamic Law and Society, 12: 3 (2005)
LANDAU-TASSERON, Ella, "Adoption, acknowledgement of paternity and false genealogical claims in Arabian and Islamic Societies", Bulletin of the School of Oriental and African Studies, 66: 2, 2003
MACDOWELL, Douglas M., The Law in Classical Athens, Ithaca: Cornell University Press, 1978
MACUCH, Maria (trans.), Das sasanidische Rechtsbuch "Matakdan i hazar datistan" (Teil II), Wiesbaden: Deutsche Morgenländische Gesellschaft: Kommissionsverlag, F. Steiner, 1981
MATYSZAK, Philip, The Sons of Caesar: Imperial Rome’s First Dynasty, London: Thames & Hudson, 2006
NICHOLAS, Barry, An Introduction to Roman Law, Oxford: at the Clarendon Press, 1922; reprt. 1975
PERIKHANIAN, A., (trans.), Rechtskasuistik und Gerichtspraxis zu Beginn des siebenten Jahrhunderts in Iran: die Rechtssamlung des Farroḫmard i Wahraman; The book of a thousand judgements (a Sasanian law-book), introduction, transcription and translation of the Pahlavi text, notes, glossary and indexes by. from Russian by N. GARSOÏAN, Wiesbaden: Harrassowitz, 1997
PHILLIPS, Anthony, "Some Aspects of Family Law in Pre-Exilic Israel", Vetus Testamentum, 23, 1973
POLLACK, Daniel, Moshe BLEICH, Charles J. REID, Jr., and Mohammad H. FADEL, “Classical Religious Perspectives of Adoption Law”, Notre Dame Law Review, 79, 2003-2004
PORTEN, Bezalel, The Elephantine Papyri in English: Three Millennia of Cross-Cultural Continuity and Change, Leiden and New York: E.J. Brill, 1996
REID, Charles J., Jr., Power over the Body, Equality in the Family: Rights and Domestic Relations in Medieval Canon Law, Grand Rapids, MI: William B. Eerdmans Publishing Co., 2004
ROBERTS, Robert, The Social Laws of the Qorân: Considered, and compared with those of the Hebrew and other ancient codes, London: Curzon Press, 1925
SANDERS, E.P., The Historical Figure of Jesus, London: Penguin Press, 1993
SCOTT. James M., Adoption as Sons of God: An Exegetical Investigation into the Background of YIOØEƩIA in the Pauline Corpus. Wissenschaftliche Untersuchungen zum Neuen Testament, 2. Reihe, 48, Tübingen: J.C.B. Mohr [Paul Siebeck], 1992
SELB, Walter, and Hubert KAUFHOLD, Das Syrisch-Römische Rechtsbuch, 3 vols., Wien: Verlag der Österreichischen Akademie der Wissenschaften, 2002
SMITH, W. Robertson, Kinship and Marriage in Early Arabia, Boston: Beacon Press, 1903
SOLOVEITCHIK, Rabbi Joseph B., Family Redeemed: Essays on Family Relationships, ed. David SHATZ and Joel WOLOWELSKY, New York: Meorot Harav Foundation, 2002
SONBOL, Amira Al-Azhary, "Adoption in Islamic Society: A Historical Survey", in Children in the Middle East, ed. Elizabeth Warnock FERNEA, Austin: University of Texas Press, 1995
VERDEN, Michel, "Virgins and Widows: European Kinship and Early Christianity", Man, New Series, 23: 3, 1988
VÖÖBUS, Arthur, Discovery of very important Manuscript Sources for the Syro-Roman Lawbook, Stockholm: Estonian Theological Society in Exile, 1971
WESTBROOK, Raymond, "Legal Aspects of Care of the Elderly in the Ancient Near East: Introduction", in The Care of the Elderly in the Ancient Near East, ed. Marten STOL and Sven P. FLEMING, Leiden: Brill, 1998
WESTBROOK, Raymond (ed.), A History of Ancient Near Eastern Law, 2 vols., Leiden and Boston: E.J. Brill, 2003
YARON, Reuven, Introduction to the Law of the Aramaic Papyri, Oxford: at the Clarendon Press, 1961
(*1) أستخدم علامة المدة (~) عندما يتعلق ببيان الحالات التي يتم فيها إعطاء مجموعة من السنوات لوفاة شخصٍ ما، وكذلك الحالات التي تتضمن فيها السنة الهجريَّة القمريَّة سنتين شمسيتين جوليانيتين، وأما في هذا مدينٌ للدكتور بافل بافلوفيتش. المترجم.
([1]) انظر: ألبرت أرازى، "دعاة أطفال الزنى في المجتمع العربيّ القديم: الجانب الأدبيّ"، Albert ARAZI, "Les enfants adultérins [da’is] dans la société arabe ancienne: l’aspect littéraire", 1-34;، وإيلا لانداو تاسيرون، "التبني، والاعتراف بالأبوة، وادعاءات الأنساب الكاذبة في المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة"،Ella LANDAU-TASSERON, "Adoption, acknowledgement of paternity and false genealogical claims in Arabian and Islamic Societies", 169-192
([2]) انظر: دانيال بولاك، وموشيه بليتش، وتشارلز ج. ريد، وجي آر، ومحمد فاضل، "وجهات نظر دينيَّة تقليديَّة لقانون التبني"، Daniel POLLACK, Moshe BLEICH, Charles J. REID, Jr., and Mohammad H. FADEL, “Classical Religious Perspectives of Adoption Law”, 693-753
([3]) ويليام روبرتسون سميث، القرابة والزواج في بداية الجزيرة العربيَّة،W. Robertson SMITH, Kinship and Marriage in Early Arabia, 51; وروبرت روبرتس، القوانين الاجتماعيَّة للقرآن: تم النظر فيها ومقارنتها مع تلك الموجودة في العبريَّة والرموز القديمة الأخرى Robert ROBERTS, The Social Laws of the Qorân: Considered, and compared with those of the Hebrew and other ancient codes, 49-51
(*2) وهما )حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا. وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(.
([4]) أميرة الأزهر سنبل، "التبنيّ في المجتمع الإسلاميّ: دراسة تأريخيَّة"،Amira Al-Azhary SONBOL, "Adoption in Islamic Society: A Historical Survey", 45-67
([5]) ريموند ويستبروك (محرر)، تأريخ قانون الشرق الأدنى القديم، Raymond WESTBROOK (ed.), A History of Ancient Near Eastern Law, 1:50-54.
([6]) للاطلاع على وظائف التبنيّ الأخرى؛ انظر: ويستبروك، تأريخ قانون الشرق الأدنى القديم،Raymond WESTBROOK, A History of Ancient Near Eastern Law, 1:51; وويستبروك، ""الجوانب القانونيَّة لرعايَّة المسنين في الشرق الأدنى القديم: مقدمة"، Raymond WESTBROOK, "Legal Aspects of Care of the Elderly in the Ancient Near East: Introduction", 1-20.
([7]) لمزيد من التفاصيل؛ انظر: ويستبروك، تأريخ قانون الشرق الأدنى القديم، WESTBROOK, A History of Ancient Near Eastern Law, 1:53-55.
([8]) المرجع السابق، 1: 53، 673-675، 711، 728-729
(*3) حوريَّة أي نسبةٌ إلى الحوريين أو الهوريين، وهم من سكان الشرق الأدنى من العصر البرونزيّ.
([9]) حول نوزي واكتشاف هذه الوثائق؛ انظر: البعثة المشتركة مع متحف العراق في نوزي، Joint Expedition with the Iraq Museum at Nuzi; وراجع: الحفريات في نوزي التي أجراها المتحف الساميّ ومتحف فوغ للفنون بجامعة هارفارد، بالتعاون مع المدرسة الأمريكيَّة للبحوث الشرقيَّة، إدوارد شيرا، cf. Excavations at Nuzi conducted by the Semitic Museum and the Fogg Art Museum of Harvard University, with the cooperation of the American School of Oriental Research, ed. Edward CHIERA (Cambridge: Harvard University Press, 1929). ، كانت الممارسات الموثقة في نوزي منتشرة في جميع أنحاء الشرق الأدنى القديم.
([10]) وفيما يتعلق بالتبنيّ الزوجيّ؛ انظر: كاتارزينا غروس، "في بعض جوانب تبني المرأة في نوزي"، Katarzyna GROSZ, “On Some Aspects of the Adoption of Women at Nuzi”, 131-152.
([11]) دوغلاس إم ماكدويل، القانون في أثينا التقليديَّة،Douglas M. MACDOWELL, The Law in Classical Athens, 99-101
([12]) باري نيكولاس، مقدمة في القانون الرومانيّ،Barry NICHOLAS, An Introduction to Roman Law, 65 ff. 13
(*4) في عام 450 قبل الميلاد، نُقِش أول قانون رومانيّ على 12 لوحًا برونزيًا، تُعرف باسم الجداول الاثني عشر، وتم عرضها علنًا في المنتدى الرومانيّ. تضمنت هذه القوانين قضايا الإجراءات القانونيَّة والحقوق المدنيَّة وحقوق الملكية، ووفرت الأساس لجميع القانون المدنيّ الرومانيّ في المستقبل.
([14]) انظر، على سبيل المثال، فيليب ماتيشاك، أبناء قيصر: الأسرة الأولى للإمبراطوريَّة الرومانيَّة،Philip MATYSZAK, The Sons of Caesar: Imperial Rome’s First Dynasty.
([15]) ويستبروك، تأريخ قانون الشرق الأدنى القديم، WESTBROOK, A History of Ancient Near Eastern Law, 1:737 ff.. وللاطلاع على الموقف اليهوديّ الأرثوذكسيّ بشأن التبنيّ؛ انظر: الحاخام جوزيف بن سولوفيتشيك، استرداد الأسرة: مقالات عن العلاقات الأسريَّة،Rabbi Joseph B. SOLOVEITCHIK, Family Redeemed: Essays on Family Relationships, 60-61.
(*5) وهي: (عورة امرأة أخيك لا تكشف، إنها عورة أخيك).
([17]) انظر، على سبيل المثال، أنتوني فيليبس، "بعض جوانب قانون الأسرة في إسرائيل ما قبل المنفى"،Anthony PHILLIPS, "Some Aspects of Family Law in Pre-Exilic Israel", 349-361; وجيمس إم سكوت، التبني كأبناء الله: تحقيقٌ تفسيريٌّ في خلفيَّة YIOØEƩIA في مجموعة بولين،James M. SCOTT, Adoption as Sons of God: An Exegetical Investigation into the Background of YIOØEƩIA in the Pauline Corpus.
(*6) وهي: (ولما رأت ليئة أنها توقفت عن الولادة؛ أخذت زلفة جاريتها وأعطتها ليعقوب زوجة، 10 فولدت زلفة جارية ليئة ليعقوب ابنًا. 11 فقالت ليئة: "بسعد"؛ فدعت اسمه "جادا". 12 وولدت زلفة جارية ليئة ابنا ثانيًا ليعقوب؛ 13 فقالت ليئة: "بغبطتي، لأنه تغبطني بنات". فدعت اسمه "أشير".)
(*7) وهي: (ولما كبر الولد، جاءت به إلى ابنة فرعون فصار لها ابنًا، ودعت اسمه "موسى"، وقالت: "إني انتشلته من الماء".).
([18]) للاطلاع على أمثلةٍ إضافيَّةٍ؛ راجع: قاموس انكور للكتاب المُقدس، التبني، The Anchor Bible Dictionary, s.v. Adoption (F.W. KNOBLOCH).
([19]) بيزاليل بورتن، برديات إلفنتين باللغة الإنجليزيَّة: ثلاثة آلاف سنة من الاستمراريَّة والتغيير عبر الثقافات؛Bezalel PORTEN, The Elephantine Papyri in English: Three Millennia of Cross-Cultural Continuity and Change, 74, -80, -220-2 (B39), -234-5 (B42); وراجع: روفين يارون، مقدمة في قانون البرديات الآراميَّة، Reuven YARON, Introduction to the Law of the Aramaic Papyri, 36.
([20]) سكوت، التبنيّ كأبناء الله،SCOTT, Adoption as Sons of God, 81-83. وحول احتمال أن يكون الأسينيون قد مارسوا التبنيّ؛ انظر: المرجع السابق.
([21]) الآية 14 تستخدم الصيغة نفسها (وهو يكون لي ابنًا)، كما استخدمتُ في تبني ابنة فرعون لموسى (فصار لها ابنًا؛ الآية 10 من الأصحاح 2 من سفر الخروج). وانظر، أيضًا، الآية 7 من الأصحاح 16 من سفر الملوك الثاني (وأرسل آحاز رسلًا إلى تغلث فلاسر ملك أشور قائلًا: "أنا عبدك وابنك...")، والآية 9ب من الأصحاح 31 من سفر إرميا (لأني صرت لإسرائيل أبًا، وأفرايم هو بكري)، والأصحاح 16 من سفر حزقيال، والآية 1 من الأصحاح 11 من سفر هوشع (لما كان إسرائيل غلاما؛ أحببته، ومن مصر دعوت ابني)، والمزمور 7 من الأصحاح 2 من سفر المزامير (أنت ابني، أنا اليوم ولدتك).
([22]) انظر، أيضًا، الآية 10 من الأصحاح 1 من سفر هوشع (أبناء الله الحي)؛ كتاب اليوبيلات، Book of Jubilees, 1: 24-25a.
([23]) إد باريش ساندرز، الشكل التأريخيّ لعيسى،E.P. SANDERS, The Historical Figure of Jesus.
(*8) الأناجيل الإزائيَّة أو الأناجيل السينوبتيَّة، وهي الأناجيل القانونيَّة الثلاثة الأولى: متى ومَرْقُسَ ولوقا. سُميت كذلك لأنه يمكن وضعها بإزاء بعضها بعضًا، فهي متألفة أو متشابهة، حيث تخبر القصص نفسها عن المسيح عيسى ابن مريم، وتتبع ترتيب الأحداث نفسه، بشكلٍ عام. يُشار لأسباب تشابهاتِ واختلافاتِ هذه الأناجيل بالمشكلة السينوبتيَّة. ويُقابل هذه الأناجيل إنجيل يوحنا "المستقل".
([24]) الآيتان 36، 39، من الأصحاح 1 من انجيل لوقا، تم تحديد مريم على أنها من قريبة لإليزابيث وزكريا، والدا يوحنا {يحيى} المعمدان.
([25]) العهد الجديد الملفق: مجموعة من الأدب المسيحيّ ملفقٌ في الترجمة الإنجليزيَّة،The Apocryphal New Testament: A Collection of Apocryphal Christian Literature in an English Translation, 61, § 10.1
([26]) سكوت، التبني كأبناء الله،SCOTT, Adoption as Sons of God, 267-70 and passim.
(*9) الهرطقة، ويُطلق عليها، أيضًا، الزندقة، وهي: تغييرٌ في عقيدة أو منظومة معتقداتٍ مستقرة، وخاصة الدين؛ بإدخال معتقداتٍ جديدةٍ عليها أو إنكار أجزاءٍ أساسيةٍ منها؛ بما يجعلها، بعد التغيير، غير متوافقةً مع المعتقد المبدئيّ الذي نشأت فيه هذه الهرطقة.
([28]) فيما يتعلق بمناهضة التبني وتأثيره على التراث النصيّ للعهد الجديد؛ انظر: بارت إيرمان، الفساد الأرثوذكسيّ للكتاب المُقدس، Bart EHRMAN, The Orthodox Corruption of Scripture, 47-119; وإيرمان، المسيحيَّة المفقودة: المعركة من أجل الكتاب المُقدس والأديان التي لم نعرفها أبدًا،idem, Lost Christianities: The Battle for Scripture and the Faiths We Never Knew, 101.
([29]) انظر: ويلهلم باوم وديتمار دبليو وينكلر، الكنيسة الشرقيَّة: تأريخ موجز،Wilhelm BAUM and Dietmar W. WINKLER, The Church of the East: A Concise History.
([30]) جاك قودي، تطور الأسرة والزواج في أوروبا،Jack GOODY, The Development of the family and marriage in Europe, 73
([31]) للاطلاع على نقد أطروحة قودي؛ انظر: ميشيل فيردن ، "العذارى والأرامل: القرابة الأوروبية والمسيحية المبكرة"، Michel VERDEN, "Virgins and Widows: European Kinship and Early Christianity", 488-505, at 497 ff.; و جيمس أ. بروندغ ، "التبنيّ في القانون العام للعصور الوسطى"، James A. BRUNDAGE, "Adoption in the Medieval Ius Commune", 889-905, at 896-7; وتشارلز جيه. ريد جيه آر، السلطة على الجسد: المساواة في الأسرة: الحقوق والعلاقات المحليَّة في القانون الكنسيّ في العصور الوسطى، Charles J. REID Jr., Power over the Body, Equality in the Family: Rights and Domestic Relations in Medieval Canon Law, 179-180, 193-194.
([32]) انظر: والتر سلب وهوبير كاوفولد، كتاب القانون السريانيّ-الرومانيّ،Walter SELB and Hubert KAUFHOLD, Das Syrisch-Römische Rechtsbuch,، والتي تحتوي على نسخةٍ علميَّةٍ من النص مع الترجمة الألمانيَّة المُصاحبة.
([33]) حول تأريخ النص وروايات المخطوطة؛ انظر: والتر سلب وهوبير كاوفولد، كتاب القانون السريانيّ-الرومانيّ،SELB and KAUFHOLD, Das Syrisch-Römische Rechtsbuch. Vol. 1.
([34]) قد تكون قواعد وأنظمة القانون السريانيّ-الرومانيّ قد اخترقت الحجاز. وبحسب ما ورد، تمكن مُحَمَّدٌ من الوصول إلى بعض الكتابات أو الوثائق أو المخطوطات المجهولة الهويَّة المكتوبة باللغة السريانيَّة، وأنه أصدر تعليماته لكابته زيد بن ثابت (المُتوفى45هـ/665م) بتعلم اللغة السريانيَّة حتى يتمكن من قراءة هذه النصوص وفهمها وترجمتها إلى العربيَّة. انظر: ابن أبي داوود السجستانيّ، كتاب المصاحف، ص3. ومن المتصور أن يكون كتاب القانون السريانيّ-الرومانيّ أحد النصوص السريانيَّة التي امتلكها محمدٌ وأصحابه. وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن كتاب القانون السريانيّ-الرومانيّ هو مصدرٌ محتمل للقانون القرآنيّ.
([35]) انظر: آرثر فوبوس، اكتشاف مصادر المخطوطات المهمة جدًا لكتاب القانون السرياني-الرومانيّ،Arthur VÖÖBUS, Discovery of very important Manuscript Sources for the Syro-Roman Lawbook.
([36]) مؤسسات جستيان، Justinian’s Institutes, index, s.v.v. adoption, adrogation.
([37]) نيكولاس، مقدمة في القانون الرومانيّ، NICHOLAS, An Introduction to Roman Law, 76-80;وريد، السلطة على الجسد: المساواة في الأسرة: الحقوق والعلاقات المحليَّة في القانون الكنسيّ في العصور الوسطى، REID Jr, Power over the Body, 180-181. نقلًا عن جانيوس، المؤسسات،Gaius, Institutes, 1.97-1.99.
([38]) نيكولاس، مقدمة في القانون الرومانيّ، NICHOLAS, An Introduction to Roman Law, 79. 18
([39]) انظر: جاني جونوس، "المصادر الأربعة للقانون في الفقه الزرادشتيّ والإسلاميّ"، Jany JÁNOS, “The Four Sources of Law in Zoroastrian and Islamic Jurisprudence”, Islamic Law and Society, 12: 3 (2005), 291-332, at 303-4 and 311.
([40]) انظر: كتاب القانون الساسانيّ،Das sasanidische Rechtsbuch “Matakdan i hazar datistan” (Teil II); والمؤلف نفسه، رفع الدعاوى القضائيَّة والممارسات القضائيَّة في بداية القرن السابع في إيران: المجموعة القانونيَّة لفروح مارد وهرمان، idem, Rechtskasuistik und Gerichtspraxis zu Beginn des siebenten Jahrhunderts in Iran: die Rechtssamlung des Farroḫmard i Wahraman; وكتاب ألف حكم (كتاب القانون الساسانيّ) ، مقدمة ونسخ وترجمة نص بهلوي وملاحظات ومسرد وفهارس من تأليف أ. بيريخانيان، وكتاب ألف حكم (كتاب القانون الساسانيّ)، مقدمة، نسخ وترجمة نص بهلويّ، The book of a thousand judgements (a Sasanian law-book), introduction, transcription and translation of the Pahlavi text, notes, glossary and indexes by A. PERIKHANIAN; See especially MHD 16, 2-5, MHD 26, 10-12, MHD 29, 6-9, MHD 42, 1-5 and 9-14, MHD 69.1-71.7, MHD 110, 15-17, MHDA 40, 11-14 and 15-16.
([41]) فيما يتعلق بزيدٍ؛ انظر: ابن سعد، كتاب الطبقات الكبرى، 3: 1: 27-32؛ وابن سعد، الطبقات الكبرى (دار صادر) الفهرس، زيد بن حارثة الكلبيّ؛ والبلاذريّ، أنساب الأشراف، 1: 467-473؛ وابن عساكر، تأريخ مدينة دمشق، 19: 342-374. وفيما يتعلق بأسامة؛ انظر ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4: 61-72؛ والبلاذريّ، أنساب الأشراف، 1: 473-476.
([42]) مقاتل بن سليمان. التفسير، 3: 46-49
([44]) المصدر السابق، 3: 32-35
([45]) ابن حنبل، المسند، 2: 179، 207، 211
([46]) مجاهد. التفسير، 3: 49؛ والطبريّ، جامع البيان عن تأويل القرآن، 22:16؛ والسيوطيّ، الدر المنثور في التفسير المأثور، 5: 385
(*10) يُشير المؤلف إلى كتابه "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم: استنباط مفهوم ختم النبوة"، الصادر عام 2009 بنسخته الإنجليزيَّة، وتمت ترجمته إلى العربيَّة عن دار الأمانة عام 2023