الإسلام والمجتمع والدولة والسلطة
فئة : مقالات
توطئة:
المقدمة الأولى:
أتوجه بالخطاب إلى الأخوة العلماء والكتاب والمفكرين والسياسيين والأكاديميين وطلبة العلم، أننا لا نملك المزيد من ترف الوقت؛ فمجتمعاتنا تنزلق نحو الفوضى والعنف، ودائرة الحريق تتسع، ولذلك أنتم والآخرون ونحن جميعاً نتحمل مسؤولية إطفاء الحريق، وبناء جدار يقف أمام الفوضى العارمة.
هذا المؤتمر، وكل المؤتمرات العلمية المشابهة، عليها أن تسهم بتجسير الفجوة بين الفرقاء، وتقليل منسوب التوتر، والإمساك باليد التي تصب الزيت على النار.
نحن نؤتى من الكلمة غير المسؤولة، ونؤتى من الذين لا يقيمون وزناً للكلمة وأثرها في الحياة والمسيرة الإنسانية، "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ، وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ"، (سورة إبراهيم 24 – 26).
المقدمة الثانية:
التطرف في بلادنا صناعة، وله متعهدون، ومقاولون وتجار استطاعوا الاستثمار في هذه الحرفة، ونجحوا في جعل بلادنا مرتعاً ومنجماً ومختبراً، ومزرعة، وأصبحنا وقوداً.
وقبل أن تذهبوا بعيداً في حصر مفهوم التطرف، أود أن أنبه إلى أن التطرف عام وطام، ولا يقتصر على فئة أو شريحة أو دين، بل هناك متطرفون من كل الأفكار وفي كل الاتجاهات وفي كل الأديان وفي كل المذاهب، وأبشع أنواع التطرف ذلك التطرف المتسربل بالعلمانية والمتدثر بقشرة الديمقراطية؛ فهنالك من يمارس الاستئثار بالسلطة والإقصاء للآخر ويخوض معركة التهميش والإعدام والإفناء للمخالف تحت هذا الغطاء.
المقدمة الثالثة:
المعركة بين الدين والدولة، والمعركة بين الدين والديمقراطية، والمعركة بين الدين والعلم، لم تقع في عالمنا العربي والإسلامي، وهي معركة وهمية لم يعرفها تاريخنا، وهي معركة مستنسخة، يتم استجلابها إلينا قهراً. وقعت بعض المعارك الجزئية المؤقتة بين النقل والعقل في فترة متقدمة من تاريخنا، سرعان ما تم معالجتها بحكمة، وتم التوفيق بين النقل والعقل بطريقة حكيمة وعبقرية.
نحن لسنا بحاجة إلى استنبات هذه المعارك الوهمية التي يُحَاوَلُ إثارتها بين فريقين يجهلان الإسلام وفلسفة الإسلام من بعض خصومه ومن بعض من يحمله.
بناء على ما سبق، نحن بحاجة إلى إرساء قواعد جديدة في الحوار السياسي والفكري وفي منهجية طرح القضايا الخلافية على طاولة البحث وفي كيفية تناولها، نحن بحاجة إلى رسم خطوط التوافق والمبادئ العامة التي تشكل منطلقاً لنا جميعاً في إرساء حياة مشتركة ومظلة للتعايش، رغم الاختلاف الحتمي في التفاصيل.
وبناءً على هذه المقدمة، أقدم هذه الورقة لتمثل إحدى عناصر الفهم الصحيح لدور الإسلام في الحياة وفي المستقبل من خلال إلقاء الضوء على أكثر العلاقات تعقيداً وسخونة، والتي تدور حول مفهوم الدولة والسلطة في الإسلام.
ونحن بهذا الصدد، أمام حقيقتين كبيرتين لا يمكن تجاوزهما:
الحقيقة الأولى: أن الإسلام يملك دوراً كبيراً ومهماً في بناء المجتمع العربي الإسلامي وفي صناعة نهضته الشاملة، ولن يستطيع فريق مهما أوتي من سلطة ونفوذ تجاهل هذا الدور، وأن الجهود المبذولة في هذا الشأن سوف تكون في دائرة العبث التي تعيق تقدمنا نحو المستقبل.
الحقيقة الثانية: لا بد للعلماء والمفكرين وأصحاب الاختصاص والحكمة من تطوير الخطاب الإسلامي المتعلق بمفاهيم الدولة والسلطة وإدارة المجتمع البشري، وبناء العلاقات الإنسانية.
مفهوم الدولة:
حتى يتوضح مفهوم الدولة، لا بد من الحديث عن جملة من المسارات:
-المسار الأول: بناء الإنسان، حيث يمثل الخطوة الأولى على صعيد البناء الاجتماعي الإنساني الكبير، وعملية بناء الإنسان أخذت حيزاً كبيراً من تعاليم الإسلام وتشريعاته، وتنبثق من فهم الكينونة الإنسانية، وإرساء الفلسفة الشاملة الصحيحة في البناء البشري عقلاً، ونفساً وروحاً وبدناً، والتي تتلخص بمعنى (التزكية): "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا"
ويهدف هذا المسار إلى إعداد الإنسان ليكون صالحاً في ذاته، وقادراً على التعامل مع نفسه ومع الآخر ومع موجودات الكون، ومع الوقت والأفكار بطريقة صحيحة.
-المسار الثاني: مسار (الأسرة) المجتمع المصغر، حيث تمثل اللبنة الأساسية في البناء المجتمعي الكبير، ومسار الأسرة حظي بتعليمات دقيقة وتشريعات مفصلة، لم يحظ بها أي مسار آخر، وارتبط المعنى الديني بقضايا الأسرة ارتباطاً وثيقاً، وتم إلحاق تعليمات بناء الأسرة بالحرية الدينية.
-المسار الثالث: مسار المجتمع، حيث إن الإنسان مدني بالطبع، ولا يستطيع العيش إلاّ من خلال تجمع بشري؛ فالمجتمع البشري بمرتبة الضرورة لتحقيق الوجود الإنساني، واستقرار الحياة.
ولكن الناس إذا اجتمعوا اختلفوا، اختلافا حتميا لتعارض مصالحهم وحاجاتهم وتناقض رغباتهم، ومن هنا عني الإسلام بإرساء (منظومة القيم) التي تشكل المرجعية العليا للتحاكم، وفض الخلاف.
فض الخلاف واستعادة الحق ومنع التظالم والتواثب، لا بد له من سلطة تملك الصلاحية على تنظيم أمور المجتمع وتبسيط العدل وتحقيق الأمن.
ولذلك، اعتبر الماوردي أن المجتمع البشري يقوم على خمسة أركان:
(سلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح)، حيث لا تقوم الحياة الاّ بها.
-المسار الرابع: العلاقات الدولية، إذ أن التجمعات البشرية الكبيرة التي تعيش على كوكب واحد، لا بد من رسم إطار للتعايش القائم على التعارف والتعاون والتكامل والتكافل وفي نطاق المصالح المتبادلة، ضمن تشريعات السلم والحرب، حيث أرسى الإسلام قواعد القانون الدولي العام، المأخوذة في خطاب: (يا أيها الناس)، واستطاع أن ينقل البشري نحو إطار قيمي واسع يقوم على معاني المساواة في أصل الخلقة، والمساواة في الحقوق الإنسانية العامة، مثل حق الحياة، والتمتع بمرافق (الكون)، وحقه في الحرية والعدالة.
عند الحديث عن مسار التجمع البشري، يأتي الحديث عن مضامين الدولة والسلطة.
فالإسلام يهدف إلى إقامة المجتمع الصالح الذي يسوده السلم والأمن والعدل، ولذلك لا بد من تزويد المجتمع البشري بمهارات الإدارة الجماعية التي تسهل الحياة وتقلل المنغصات، وتزود الناس بمكنة حل المشاكل والمعوقات، وفي هذا الإطار يجب تقرير مجموعة من الأساسيات:
الأساس الأول: الإسلام عمل على إرساء القواعد الأساسية والمبادئ العامة والخطوط العريضة المتمثلة (بمجموعة القيم) التي تشكل الفهم المشترك، ولم يعن بالتفاصيل، بل تركت التفاصيل الكثيرة التي لا نهاية لها ولا عد، للعقل والاجتهاد، وورود بعض التفصيلات كان على سبيل التمثيل والنموذج الذي يصلح للاقتداء أو من أجل توضيح القاعدة الكبرى.
الأساس الثاني: التشريعات والأنظمة التي تنظم حياة الناس وعلاقاتهم، هي عبارة عن اجتهادات بشرية مشتقة من المرجعية القيمية العليا، هذه الاجتهادات تصلح لمكانها وزمانها؛ فهي ليست ثابتة، ولا معصومة، وليست خارج نطاق النقد والتعديل والإلغاء.
والعلماء والمجتهدون وأصحاب الاختصاص وأهل الرأي في كل وقت هم الذين يتولون الاجتهاد المناسب لمكانهم وزمانهم.
الأساس الثالث: أن أمور الدنيا العامة وإدارتها تقوم على العلم والخبرة والتجربة، المتحصلة لدى التجمع البشري من خلال قدرتهم على اكتشاف ما في الكون من أسرار ونواميس، وقدرة على تسخيرها واستغلالها واستثمارها، وهذا يلخصه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بشؤون دنياكم).
الأساس الرابع: الخطاب العام فيما يتعلق بشؤون القيم والأحكام والمبادئ والقواعد متوجه إلى عامة المكلفين العقلاء الذين يمثلون التجمع البشري القائم؛ فالدين ملك للأمة جميعها، وليس ملكاً لأية فئة أو شخص أو عائلة أو شعب أو قومية، لا وصاية لأحد على الدين، ولذلك فإن الدولة في الفكر السياسي الإسلامي هي دولة المجتمع، وليست دولة رجال الدين ولا الفقهاء؛ فكل فرد في المجتمع يملك سهماً مساوياً لغيره دون مفاضلة إلا بما تحصل لديه من علم عبر المجاهدة والتحصيل، والدين مفتوح للجميع بلا أسرار أو طلاسم.
عناصر الدولة الرئيسة:
أولاً: الأفراد (المواطنون)
قامت دولة الإسلام الأولى على أساس المواطنة من أول يوم؛ بمعنى أن مواطني الدولة كانوا مسلمين وغير مسلمين، فكان هناك مسيحيون ويهود وعبدة نار، حيث أشارت الوثيقة الدستورية الأولى وثيقة المدينة إلى هذا المعنى، عندما نصت هذه القاعدة بالقول: (للمسلمين دينهم ولليهود دينهم)، بالإضافة إلى وثيقة نصارى نجران المعروفة، وقصة المجوس وعبدة النار معروفة أيضا.
مما يؤدي إلى القول أن الدولة تضم كل رعاياها ومواطنيها والاعتراف بحقهم بالحياة والوجود، وحقهم في الملك والكسب وحقهم في التحاكم إلى السلطة، مما ينفي قطعا مقولة الدولة الدينية.
ثانياً: السلطة
لا شرعية لصاحب السلطة إلا من خلال الاختيار الحر النزيه من الأمة، وهذا ما نقله الجويني، أنه محل إجماع جميع المسلمين بكل مذاهبهم وفرقهم وطوائفهم (باستثناء طائفة الشيعة الاثنا عشرية)، وتم التعبير عن طريقة الاختيار بما عرف بالبيعة.
والبيعة عقد من الأمة للإمام تمنحه من خلالها حق السلطة. أما ما عرف في التاريخ الإسلامي من ولايات القهر والغلبة أو ولاية العهد، فهي اجتهادات سياسية، وأقوال الفقهاء في هذه المسائل ليست دينا، وليست قولا مقدساً معصوماً، وإنما يعد من باب الرأي السياسي لسد باب الفتن وحقن الدماء نتيجة النزاع على السلطة.
الإسلام يقرر مدنية الدولة بناءً على مجموعة أسس:
-الأساس الأول: الاختيار والبيعة
-الأساس الثاني: حق الأمة في المراقبة والتقويم والمحاسبة
-الأساس الثالث: حق الأمة بالشورى الواجبة والمشاركة بالرأي
-الأساس الرابع: حق الأمة بعزل الإمام عندما يستحق العزل.
مبدأ تداول السلطة في الإسلام:
إذا استندنا للإجماع بأن السلطة للأمة، وتتم بطريقة الاختيار والبيعة؛ فهذا يؤدي إلى جملة استنتاجات:
·أن عقد البيعة ليس عقد دائم؛ فهو يقبل التوقيت فليس هناك ما يمنع أن يكون عقد لسنوات محدودة.
·أن الإمام وكيل عن الأمة وأجير عندها، ويخضع لمراقبتها ومحاسبتها، والأمة تملك إنهاء عقد الوكالة في أي وقت.
·الإمام لا يملك من الولاية حقاً شخصياً؛ فليس له أن يورثه أو يعطيه لمن يشاء، ولذلك لا يجوز أن يصبح حقاً متوارثاً. ولذلك، اجتهاد الوراثة في الحكم اجتهاد مرفوض لا يقوم على دليل شرعي صحيح وينافي مبادئ الإسلام وقواعده العامة.
ثالثاً: فيما يتعلق بالتشريعات
عبر المراحل الزمنية المتعاقبة للدولة وتطور المجتمع الإسلامي، استطاع الفقهاء أن يستنبطوا من القواعد والمبادئ العامة فقهاً واسعاً، ومن هذا الفقه الواسع وجدت القوانين والأنظمة التي تنظم الحياة والعلاقة بين البشر، وتم تتويج هذا الجهد بما أطلق عليه مجله الأحكام العدلية، حيث تم تحويل الفقه الحنفي إلى مواد قانونية وصيغ مختصرة تسهل على القضاة والحكام الفصل في القضايا والحوادث، ولذلك مصطلح شريعة مأخوذ من التشريع؛ أي مجموعة التشريعات، أو مجموعة القوانين، وهي عبارة عن اجتهاد بشري غير معصوم وغير ثابت، وهو محل للتطوير الدائم والإضافة والحذف والإلغاء.
ولذلك ليس هناك تشريعات ثابتة موجودة منذ القدم، ويأتي اليوم من يريد نفض غبار عنها وتطبيقها، وأن مرد ذلك للأمة بعلمائها و فقهائها وأهل الاختصاص والقادرين على معرفة المصلحة وتشخيصها، لإيجاد القوانين المناسبة في كل زمان وفي كل وقت، اعتمادا على ما استقر في ذهنية الأمة وعقليتها من قيم ومبادئ وقواعد عامة.
مصطلح الحاكمية
ظهر مصطلح الحاكمية في العصر الحديث، ويتم الاعتماد على الآية القائلة: (إن الحكم إلا لله)، ويفهم منه هنا نظام الحكم في بعض الاجتهادات غير السديدة، حيث إن هذه الآية لا تتحدث عن نظام الحكم، وإنما تتحدث عن حق الله وحده في التحليل والتحريم، ولذلك تعريف الحكم في الاصطلاح الفقهي مختلف تماماً عن استخدام هذه الكلمة في السياسة؛ فالحكم هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين، إيجاباً أو ندباً أو تحريماً أو كراهية أو إباحة.
ومن هنا لا يملك أحد الإنابة عن الله، أو أن يحكم باسم الرب، وأنه ظل الله في الأرض، وما يقوله لا معقب لحكمه، ولا نقد ولا اعتراض، فهذا أمر مرفوض بالإجماع.
مصطلح القرآن دستورنا
المقصود هنا بأن القرآن يعد مصدراً مهماً للدستور، وهناك مصادر أخرى بالتأكيد، لأن الدستور قانون وتشريع، ومن المعروف أن مصادر التشريع عديدة، القرآن والسنة والإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع، وغيرها ...
الإسلام والحرية:
الحرية تحظى بأهمية بالغة في الإسلام، ولذلك، هناك قاعدة أصبحت محلاً للإجماع في الفهم: أن الإنسان يولد حراً، ولا تملك قوة في الدنيا نزع الحرية من أحدـ وهذا معنى قول عمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".
وبناء على ذلك، فإن:
·الحرية تسبق الدين والتدين، إذ لا بد للإنسان أن يمتلك حريته الكاملة قبل، أن يحمل الدين، لأن الدين لا يقوم مع القهر، ولا يجوز أن يفرض بالإكراه، وهذا ما قرره الله عز وجل في قوله: "لا إكراه في الدين" (سورة البقرة).
·حرية الدين تقوم على حرية الفكر، وحرية الفكر تقتضي حرية الإرادة وحرية الاختيار.
·الحرية تعبير عن فلسفة الاختبار والابتلاء التي تقوم عليها فلسفة الدين، قال تعالى: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً"، ولا يتحقق معنى الابتلاء الحقيقي إلا بحرية الإرادة وحرية الاختيار.
السلطة والحرية في الإسلام
الحرية تسبق السلطة ومقدمه عليها، وما وجدت السلطة إلا من أجل حفظ حريات الناس وصيانتها، وتتناقض السلطة مع أصل تشريعها، إذا أصبحت قيداً على الحرية أو مصدراً لتهديدها أو الانتقاص منها.
حرية الدين تؤسس لكل الحريات الأخرى
بمعنى عندما يأمر الإسلام بحريه المعتقد؛ فهو أمر بكل الحريات الأخرى، فليس معقولاً أن يسمح بحرية عبادة غير الله، ثم لا يسمح بالحريات الشخصية، مثل حريات اللباس والطعام والتنقل والسفر والمراسلات وغيرها من الحريات.
الإسلام والتعددية
جاء الإسلام ليقرر أن الاختلاف سنة من سنن الكون، وسمة أصيلة للموجودات، فقد قال تعالى: "ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ،وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ" (فاطر، 27–28).
فقد شاء الله أن يخلق الناس مختلفين، ولم يخلقهم بعقل واحد وإرادة واحدة، والإسلام يخاطب العقل، ولذلك فإنه ينبغي احترام العقل عبر احترام التعددية ضمن إطار الدولة، ولذلك لا تقوم الحياة إلاّ باحترام التعددية التي تعبر عن الاختلاف، مما يقتضي إيجاد الطريقة المناسبة التي يدار فيها الاختلاف بما يحقق المصلحة العامة، ولن تستطيع قوة في الأرض نفي الاختلاف أو إنهاءه.
ولذلك، فالنظام السياسي الإسلامي يقر التعددية الدينية والتعددية المذهبية والتعددية الحزبية، فضلاً عن التعددية الفكرية والمعرفية.
الإسلام والمرأة
الإسلام يقرر المساواة التامة بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة، والمساواة التامة في الكرامة الآدمية والمساواة أمام الخطاب التكليفي العام، والمساواة العامة في الحقوق والواجبات، والمساواة في الجزاء والحساب والثواب والعقاب، مما يقتضي تقرير دور المرأة في حمل الرسالة وأداء الأمانة في إعمار الكون والخلافة في الأرض، ومشاركة الرجل في إدارة الشأن العام، بناءً على فلسفة التعاون والتكامل وليس على فلسفة الصراع والتناقض.