الإنسان الرقمي والحضارة القادمة دنيال كوهين/ ترجمة علي يوسف أسعد
فئة : قراءات في كتب
الإنسان الرقمي والحضارة القادمة
دنيال كوهين/ ترجمة علي يوسف أسعد
الإنسان الرقمي والحضارة القادمة، لدنيال كوهين، ترجمة علي يوسف أسعد، دار صفحة، السعودية، الطبعة، 1، 2022م.
فكرة الكتاب
يناقش الكتاب مسألة تأخذ أهميتها من الحاضر وما سيكون عليه المستقبل، نتيجة التحولات المتسارعة التي أحدثتها وتحدثها الثورة الرقمية والمعلوماتية، وهي عملية الانتقال من التقنيات الميكانيكية والتماثلية إلى الإلكترونيات الرقمية، والإنترنت.. فمستقبل العالم والحضارة القادمة لا شك أن الذي نسميه اليوم بالذكاء الاصطناعي سيكون له دور كبير على مختلف جوانب الحياة، فلا محالة أن عالم الروبوتات أو الإنسان الآني سيغير وجه العالم، وهو موضوع سار محيرا للعلماء من جهة توقع ما سيكون عليه الإنسان بوصفه تحكمه عواطف وله وجدان يكره ويحب...وله انتماء ثقافي وتاريخي وطموح...هل سيكون للذكاء الاصطناعي تدخل مباشر أو غير مباشر في التأثير على الإنسان من جهة التحكم في عواطفه واهتماماته؟ أم إن الذكاء الاصطناع سيكون له دور هامشي فقط، يحيل بينه وبين أن يمس بشكل مباشر جوهر ما يتميز به الإنسان؟
الكل يعلم طبيعة التحول الذي أحدثته الثورة الصناعية ومنتوجاتها على الإنسان في نظرته لذاته وفي علاقة الناس بعضهم ببعض، ويكفي المقارنة بين ما كان عليه القرن العشرون والقرن التاسع عشر؛ إذ سيتضح للوهلة الأولى طبيعة الفرق الذي حل بالقرن العشرين، بفعل العديد من التحولات في مجال المواصلات والاتصال (الهاتف. السيارة. المذياع...) كذلك هو الأمر اليوم في القرن الواحد والعشرين؛ إذ دشنت الثورة الرقمية والمعلوماتية والإنترنت أفق عالم جديد.
بالأمس كان الإنسان يعتمد على الآلة، ا/ا اليوم وبوجود الذكاء الاصطناعي، حلت الآلة محل الإنسان، وتقوم ببعض من أدواره، فلم نكن اليوم في حاجة مثلا لعمال التذاكر أمام محطات القطارات، والمترو... ولا شك قريبا أننا سنكون في غنى عمن يجلس عند صناديق الأداء في الأسواق، ومن يعين الزبائن على اختيار مشترياتهم...السؤال هنا ما هي المهام التي يحتفظ الإنسان القيام بها، ولا قدرة الآلات الإلكترونية القيام بها؟ الجواب عن هذا السؤال يقتضي سؤالا آخر ما هو الإنسان قياسا بالآلات التي صنعها؟[1] لا شك أن الإنسان عقل في المقام الأول، فهو له القدرة دون غيره على إنتاج نظريات عن العالم.[2] ولكن رغم كل هذا، فهناك مشكلة في كطريق الإنسان مفادها "الإنسان مبدع وساذج في آن معا".[3]
موضوعات الكتاب
يغطي الكتاب 262 صفحة، وينقسم إلى جزئين؛ الأول: عني فيه المؤلف بموضوع "الوهم الرقمي" وقد أدرجت تحته كثير من المواضيع من بينها: الجسد والعقل. العقاب وإفساد العقل. الروبوتات. التخلخل السياسي. أما الثاني، فقد عني بموضوع "عودة الواقع" وتفرعت عنه مجموعة من المواضيع نذكر منها: المتخيل الاجتماعي. أزمات القرن الواحد والعشرين. بعد مائة عام.
يتضح من خلال التمعن في مواضيع الكتاب، أن المؤلف يبذل جهدا لمعرفة طبيعة التحول الذي سيسري على الإنسان بفعل الثورة الرقمية، فهو يقر أن هناك تحولا سيحدث على جميع الأصعدة، وفي الوقت ذاته يلفت النظر أن الإنسان يملك من القدرة والطاقة والتأمل والخيال، ما لا يمكن أن نتوقعه بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي، بالرغم من تفوقه على الإنسان في الجانب الإحصائي وجانب تخزين واستحضار مختلف المعلومات والمعطيات...إذ لا يمكن أن نصف الذكاء الاصطلاحي بالعقل أو الروح أو العاطفة. فمختلف هذه العناوين تلفت نظر القارئ لمختلف العواقب السلبية والإيجابية التي ستحل بالإنسان نتيجة لهذا التطور.
مضمون الكتاب
لا يمكن أن نأتي على جميع مضامين الكتاب، ولكن سنتوقف عند بعض النقاط المهمة:
- الفرق بين الإنسان والذكاء الاصطناعي:
ما هو الفرق بين الذكاء الاصطناعي والإنسان، في جميع الأحوال، الإنسان يملك عواطف وروحا وعقلا... "ليس للآلة جسد ولا مشاعر، كما أنها تفتقر للروح، فهي لا تملك المخيلة الإبداعية للبشر... وهي لا تستطيع تعميم معرفتها على مواقف مجهولة"[4] لكن في الوقت ذاته يمكن لها أن تقوم بعمليات لا يمكن للبشر العاديين القيام بها أبدا، مثل تقيد آلاف الصفحات في الجزء من الثانية، أو استنتاج مجموع العديد من العمليات في الحساب والهندسة في لحظة من الثانية... بالإمكان الحديث بأن مختلف المهام فيما هو قادم سيتم توزيعها ما بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، فالإنسان يتولى المهام التي تحتاج إلى الفطرة السليمة، وبالأخص في العلاقات مع الآخرين، وتتولى الآلة والذكاء الاصطناعي مختلف المهام التي تتطلب الإحصاء...وقد يكون للآلة دور في ما تقدمه بأن ينجح اجتماع معين أو تنجح سفقة تجارية ما، الإنسان يتولى مهام الإبداع في مختلف العلوم والفنون. والذكاء الاصطناعي يتولى الإجراءات التقنية الروتينية في برمجة ذلك وتحويله إلى تقنية وواقع.[5] وبهذا الشكل، فالإنسان قد يتأثر ويستفيد في الوقت ذاته من الذكاء الاصطناعي، ولكن الأمر سيكون له في بعض من جوانبه أثر كبير على حرية وصحة الإنسان.
- الخدمات عن بعد
شفت أيام الحضر الصحي زمن الكورونا، عن الإمكانات الهائلة للتقنيات الجديدة، عبر العالم إذ ترسخت بشكل كبير فكرة العمل عن بعد، وانطلقت مختلف التطبيقات عن بعد في الاجتماعات ومختلف اللقاءات بما فيها أحيانا زيارة الطبيب؛ فالرعاية الصحية في حالات كثيرة لا تتطلب وجود المريض أمام الطبيب في عيادته... فاللقاء مع الزملاء وجها لوجه أصبح خيارا من بين خيارات أخرى.[6] ماذا يعني كل هذا يعني، أن الثورة المعلوماتية الحالية اليوم، لها القدرة لتقدم جميع الخدمات عن بعد، بما فيها التسوق... وهذا التقديم بهذا الشكل، في تجدد لشكل الاقتصاد والربح ورأس الماء والعملة التي قد تتحول إلى عملة افتراضية لا يلزم معها طباعة وصك عملة محسوسة...
- لست في حاجة لسياقة سيارتك
فيما هو قادم ليس على الإنسان أن يقود سيارته، فهي مبرمجة أن تسوق نفسها بنفسها، هذا الأمر يبدوا غريبا اليوم، كما كان يبدو غريبا بالأمس، إن قال لك أحد إنك ستكلم أحد أقربائك صوتا وصورة، وكم من قال لأحد قبل ثلاثة قرون سيظهر اختراع تبث عبره الأغاني والخطب أي المذياع.
المشكلة التي أثارها هذا التحول مشكلة أخلاقية مفادها، إذا وجدت السيارة معضلة تتمثل في دهس أحد المارة، وهو شاب مثلا تجنبا لدحس آخرين فماذا تفعل؟ ولمن الأولوية في تجنبه دهسه هل الشاب أم الآخرون وهم كبار في السن؟ هل يمكن للسيارة أن تميز أن أحد المارة له الأولوية في الحق بالعبور دونها؟ هذه الأسئلة تبدو ساذجة؛ لأنها سابقة لأوانها، ولكنها مهمة لمصنعي الخوارزميات والمختصين في عالم الذكاء الاصطناعي لماذا؟ لأنها تجعلهم أمام مختلف الافتراضات للعالم القديم الذي ستظهر فيه الكثير من الآلات ذات الذكاء الاصطناعي التي تتخذ كثير ا من القرارات في المجال التطبيقي في معالجة المرضى وفي تشغيل مختلف البرمجيات في مختلف الميادين...[7] فمسألة الأخلاق والتقنية اليوم مسألة ليست بالسهلة؛ إذ يجب على مختلف المختصين في جميع المجالات العمل على بسط رؤى جديد للأخلاق والقيم، فهذا من تخصص الإنسان وليس من تخصص التقنية، فليس كل ما يمكن أن تقوم به التقنية يجب القيام به، تبعا للفعل الإنساني، فليس بالضرورة أن الإنسان يمكن له أن يقوم بكل ما يمكن له أن يقوم به، فمادام الإنسان يتأرجح بين الشر والخير، ويميل إلى الخير قصدا ومطلبا...ويتورط في الشر لدواعي وظروف لا يمكن تبريرها في كثير من الأحيان. كذلك هي التقنية.
دنيال كوهين، الإنسان الرقمي والحضارة القادمة، ترجمة علي يوسف أسعد، دار صفحة، السعودية، الطبعة، 1، 2022م. ص.24
[2] نفسه، ص.25
[3] نفسه، ص.30
[4] نفسه، ص.39
[5] نفسه، ص.46
[6] نفسه، ص.73
[7] نفسه، ص.90