الإنسان على عجل نحو ديكتاتورية للسرعة


فئة :  مقالات

الإنسان على عجل نحو ديكتاتورية للسرعة

الإنسان على عجل

نحو ديكتاتورية للسرعة

هناك مؤشرات تغمر حياتنا اليومية تشي فعلا على أننا في عالم يحبس الأنفاس، ومَرد ذلك إلى السرعة التي تنحت وجودنا مثل فنان عظيم، وهو منكب على نحت تمثاله من أجل أن يبدع تحفة فنية تجعل الأجيال القادمة تتكلم عنها، وتحفظها في ذاكرتها وأرشيفاتها. من بين العلامات التي تٌجسد وبالملموس على أن حياتنا اليومية مٌخترقة بعامل السرعة، وهو ما نلاحظه من تغيرات فجائية في نمط وجود الإنسان اليوم، وفي أسلوب حياته، وفي تدبير يومه، وممارسة الأشياء التي اعتاد على القيام بها. من بين هذه الأشياء التي اعتاد على القيام بها، نأخذ على سبيل المثال استهلاك منتج القهوة في مقهى معين. إنه مثال حي، ورغم مضمونه البسيط، والمتواضع، إلا أنه ينطوي على دلالات عميقة تخبرنا على أن حياتنا اليومية صارت فريسة سهلة أمام غول السرعة الذي لا ينقطع. المقهى حدث معطى، وهو ما يستتبع من الذات المفكرة أن تتأمله، هو حدث معطى إلى كل الذوات التي ربما لم تنتبه إليه، أو ربما لم يبلغ بعد حقلها الإدراكي. الحدث هو حدث، ولكنه يكمن في التفاصيل البالغة الدقة، ليست كل العيون والأذهان مهيأة قبليا لرؤية هذا الحدث في تفاصيله المتوارية.

إن الدلالة الأكيدة والعميقة لهذا الذي يٌسمى مقهى، وهي أنها المكان المثالي الذي يشكل النواة الصلبة لالتقاء الأصدقاء من أجل تبادل أطراف الحديث، وتكسير إيقاع الروتين الذي أصاب الذات بعد أسبوع كامل، مديد من العمل، أو من أجل مناقشة عابرة، لكنها عميقة مع الرفاق في بعض المواضيع التي تمس صلب حياتهم المجتمعية، أو لنقل فقط من أجل انزواء الذات عن الأغيار مع محاولة مراجعة أفكارها من حيث هي مشروع مشدود في كليته إلى المستقبل. لكن يظهر على أن الغائية التي كانت أصلا مبنية عليها فكرة المقهى من حيث هي موضع للجلوس، قد أخذت في التلاشي والزوال. من المؤكد أن طقس الجلوس هو ما من أجله وٌجدت المقهى منذ البداية. لكن الطفرة التي حدثت في البنية المفهومية للمقهى، هو أن الشرخ قد أصاب ماهيتها بما هي ماهية للجلوس. والجدير بالذكر، أن الجلوس بات في هذا العصر المثخن بفاعليات السرعة وصمة عار، وفضيحة بجلاجل إن صح القول. فالتفكير في أخذ قسط من الراحة في مقهى جميل يٌطل على منظر أخَّاذ وساحر يصير تفكيرا رجعيا، ويشي على أن هذا الإنسان الذي يفكر بهذه الطريقة إنسان كسول، ومتمرد وفق منظور نظام رأسمالي متوحش. إذن، وجب القول إن أول تغير جذري مسَّ كينونة المقهى هو استبدالها للفنجان المصنوع من الفخار، أو الخزف وتعويضه بكوب من البلاستيك Disposable، والذي يستعمل مرة واحدة، ثم بعد ذلك يرمى في سلة إعادة التدوير Recycle. على الرغم من بساطة هذا التحول، إلا أنه زعزع جوهر المقهى بما هي جوهر للجلوس، فهذا الحدث المفاجئ يعبر وبعمق بالغ عن آلية السرعة التي اقتحمت حياتنا ومناحيها بمباركة سامية من نظام رأسمالي ما يفتأ يشجع على عامل السرعة بما هو عامل مربح ومنتج في نفس الآن. إن فنجان القهوة الخزفي مٌكرَّس في أصله إلى الثبات، في حين أن كوب البلاستيك يحيل في ذاته على مسألة التغير. لا ثبات في عالم مسكون من رأسه إلى أخمص قدميه بإعادة التدوير. ففي عالم السرعة تٌلغى قاعدة الجلوس، حيث يتم استئصالها من جذورها بشكل تدريجي. فعندما أقول السرعة هنا وفي هذا السياق، فأنا أقصد بها الفرد، وهو في حالة استعجال دائم. أول حركة يقوم بها الفرد المستعجل وهي حمل هاتفه الذكي، والبحث مباشرة عن تطبيق معين من أجل طلب ما تشتهيه نفسه من وجبات سريعة من مطعمه المفضل، أو من مقهى هو معتاد على مشروبها. إن الهدف المباشر لطلب أونلاين، أو من خلال الاتصال الهاتفي، هو محاولة ذكية وجريئة من أجل تقليص الزمن. إن هدفها الأسمى كذلك هو محاولة إلغاء الانتظار بما هو تعذيب للذات المنتظرِة. إن إنسان اليوم يمقت طقس الانتظار سواء كانت مدته تدوم ساعات، دقائق، أو ثوان معدودة. فتفعيل زر السرعة وتجييش روح الاستعجال ليس إلا صيغة ضمنية لتقليص مفعول الانتظار بما هو ارتهان للكائن في حاضر مٌترهل ما ينفك يمضي بتثاقل. هذا الفرد المستعجل بشكل دائم هو في حقيقة الأمر ضحية لمفعولات العمل. إن هذا الأخير هو أحد الركائز الأساسية التي تجعل المرء في حالة استعجال متواصل. ففي مجتمع رأسمالي قح، حيث يهيمن منطق السرعة، تجد الأفراد يشتغلون لعدة ساعات، فبالإضافة إلى الساعات المتعارف عليها والمتمثلة في أربعين ساعة، ثمة ما يسمى بالوقت الزائد Overtime. من هذا المنطلق، يصير الفرد عبدا مخلصا وأمينا لمالكه، وهو في هذه الحالة هو العمل. عندما يكون العمل مهيمنا وضاغطا بقوة على الذوات العاملة، يصير هؤلاء وبموجب ذلك الضغط تحت رحمة الوضعية الاستعجالية.

لنبقى في نفس المثال الذي قدمناه في البداية، وهو مثال المقهى. فمعظم المقاهي تقدم لزبائنها ما يسمى ب Drive Thru، وهو مسار دائري، من خلاله يمر موكب سيارات الزبائن بشكل ملتف حتى تصل إلى نافذة، حيث يقابل سيد أو سيدة عاملة في ذاك المقهى، وتناوله ما أراده، فقبل أن يصل إلى النافذة المنشودة، يكون التواصل مع الزبون قد حٌسِم قبليا، وهذه العملية تٌسرع في إعداد الطلب بسرعة، والحصول عليه بسرعة، واستهلاكه بسرعة. الخلاصة التي يمكن أن نستخلصها من هذا السيناريو اليومي، وهي أن الحصول على طلبك وأنت متسمر داخل سيارتك التي لم تغادرها قط، هي تعبير صريح على أن هذا الإنسان في حالة استعجالية قصوى. إنها فعلا قصوى، حيث لم يكلف نفسه عناء الخروج من السيارة والمشي على الأقل خطوات محسوبة على رؤوس الأصابع من أجل الحصول على المشروب، أو الوجبة السريعة. وقد تفطنت مجمل المشاريع الاقتصادية إلى هذا المٌسْتجد، عنوانه الأصلي الكائن العجول. لذلك، فهي لا تٌصاب بالتردد في محاولة تعبيد الطرق والسبل من أجل أن يقضي هذا الفرد مآربه بشكل فوري وأسرع.

من واجبنا الإشارة إلى أن ثمة ثنائية لغوية تسكن ألسن العاملين في مقهى أو مطعم معين. إنها الثنائية الأكثر تداولا في اليوم الواحد، إنها المنطوق المتكرر باستمرار في خطب أولئك العاملين، والتي تتناهى إلى مسامع الزبائن، وهي من فرط تكرارها صارت حقيقة شائعة ومتداولة. إنها ثنائية For here or to go?، وهي صيغة على شكل سؤال، بمعنى هل يود الزبون تناول طلبه في عين المكان، أم يفضل بالأحرى أن يحمل طلبه إلى حيث يريد. فأغلب الإجابات تصب في خانة to go؛ لأنهم دائما في حركة دؤوبة لا تتوقف عجلاتها. فإجابات الكائن العجول العالقة تحت ضغط نظام رأسمالي صارم وقاس، غالبا ما تكون على صيغة أنا مستعجل، أٌفضل to go. إن هؤلاء مكرهين لا أبطال في اختياراتهم، لا هوادة ولا تقاعس ولا تماطل تحت ظل نظام يجبر أفراده على أن يكونوا دائما في حالة سرعة لا متناهية. فالشغل الشاغل للنظام الرأسمالي هو أن يخلق كائنات بشرية مٌبَرْمَجَة فقط على التصرف، والعمل، والحركة بسرعة.

إن الفرد اليوم هو فرد مرغم على أن يكون استهلاكيا حتى النخاع بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. ليس هناك أي مبرر، أو عذر منطقي مقبول يدفع هذا الفرد إلى أن يكون فردا متمردا على سلطة النزعة الاستهلاكية؛ فلسان حال هذا النظام الذي يرفع شعار الاستهلاك، ثم الاستهلاك المفرط يقول أمام هذا الفرد المعني: استهلك أولا، ثم فكر بعد ذلك! لقد سعى هذا النظام بجهد حثيث وخيالي على توفير كل التسهيلات الممكنة التي لا يمكن لعقل بشري طبيعي أن يستوعبها هكذا دفعة واحدة. ليس ثمة مبرر قد يكون بالنسبة إليه ورقة رابحة من أجل العودة إلى الوراء، والانزواء، وجعل اليد مغلولة إلى عنقه، أو حتى أن تكون مسرفة في الحدود المعقولة. إنه نظام يكرس لفلسفة اليد المبسوطة كل البسط، بمعنى أن تستهلك وبشراهة لا مثيل لها؛ شراهة يسكنها الجنون والأرواح الشريرة. إن الفرد المثالي من خلال عيون هذا النظام هو الفرد الذي يوزع ثروته ذات اليمين وذات الشمال على الرغم من قلتها، أو إن صح القول عن ندرتها.

إن ما أود التأكيد عليه، وبدون لف ولا دوران، وهو أن السرعة هي الحليف المخلص، الأصلي والتقليدي للنظام الرأسمالي الذي ما يفتأ يٌعرَي عن وجوهه وأقنعته أمامنا. إنه نظام ما فتئ يكشر عن أنيابه المقززة التي تصيب الذات بالغثيان. إنه لا يتوقف البثة عن كشف عضلاته المفتولة أمام هذا الكائن المثخن أصلا بمفعولات الزمان المميتة؛ فبالغياب الجذري للسرعة سيجد ذاك النظام نفسه في حالة يٌتْمٍ قاسية قد تستأثر معه القلوب الضعيفة. إن الانسان الذي يحيا تحت ظله يكون دائما مدفوعا بالتحرك وفق إيقاع السرعة المحدد له قبليا، فهو لا يملك الخيار في الرفض. إنه بمثابة آلة مبرمجة يتم تحريك خيوطها عن بعد. فهذه الآلة حسب ذلك النظام غير قابلة للتقادم، أويتم تسريب العطب إلى مفاصلها؛ فهذه الآلة-الإنسان غير قابلة للتذمر والاستياء، أو إعلان العصيان المدني. إن من واجباتها ذات الطابع القسري والإكراهي أن تعمل بسرعة، تفكر بسرعة، تستهلك بسرعة، تقود بسرعة، تدفع الفواتير بسرعة.

لنعمل سويا على تحليل بعض من هذه المظاهر التي ذكرت للتَّو من أجل مقاربتها بمفهوم السرعة. لنتطرق أولا إلى مفهوم السرعة في علاقته بالعمل. يجب التنبيه في المقام الأول إلى أن ماهية العمل مٌتاخِمة للسرعة، لا يستقيم العمل دون أداء مهاراتي سريع. فكلما كانت هناك سرعة، كانت نتائج العمل أكثر فعالية ونجاحا. فعلى سبيل المثال، عندما يتلقى رب العمل/الشركة عرضا مهما، لنقل إن عليه أن يوفر كمية ما من منتوج ما في وقت محدد ووجيز، في هذه الحالة، فإن الأداء البطيء سيكون حجرة عثرة أمام إنجاز هذه المهمة. أما إذا كان الأداء مشمول بطابع السرعة الجنونية، ومرفقا بالدقة المطلوبة، فإنه سينال حظا أوفر من النجاح المثلج للصدر. لهذا السبب، نلاحظ أن الشركات تعمل بدون توقف، تشتغل ماكيناتها وربوتاتها وسواعدها على قدم وساق، وعلى مدار الساعة من أجل أن تكتمل المهمة في الوقت المحدد سلفا.

إن الوعي اليقظ للنظام الرأسمالي بأهمية مفهوم السرعة الذي يجنبه الموت المحقق، قد دفعه إلى ابتكار فكرة موسومة بالجهنمية، والتي تتجلى في توفير إمكانية مثالية في تخطيط المدن من خلال هندسة عبقرية لا تٌضاهى، ثم العمل على تهيئة بنية تحتية صلبة لا تتزحزح أركانها متمثلة أساسا في بناء طرق السيار المترامية الأطراف. بناء عليه، فمن أجل أن يؤدي الفرد عمله بسرعة، يجب أن يصل إلى موعد العمل بسرعة، وهو ما تتيحه طرق السيار. ففيها يختبر المرء القيادة بسرعة من أجل بلوغ المكان المحدد بسرعة. إن التأمل العميق في طرق السيار تنكشف أمامنا حقيقة ودلالة العصر بما هو عصر الكل فيه منغمس في سباق محموم ضد الزمن. عندما تقف فوق جسر، وتنظر إلى تحت حيث السيارات والشاحنات تتسارع وتهب مثل ريح في بحر متلاطم الأمواج، فستتأكد أيها القارئ العزيز مدى جنون السرعة وهو لابث في أذهان هؤلاء السائقين، إنه مسلسل يومي حيث الكل يريد أن يتجاوز الآخر، رغبة منه في التفوق، حيث هذه الرغبة يكيل لها هذا النظام المديح والكلام المنمق، المرصَّع والمعسول، هي رغبة يعمل على تزكيتها وتأصيلها في قلوبهم حتى يظل هو قائم الذات وجاثم على الأنفاس. إن الدخول إلى عالم Highway له أدبياته الخاصة وبروتوكولاته ومراسيمه التي تحظى بالقداسة؛ فشرط هذا العالم، أي عالم Highway وهو أنه عليك أن تأخذ بعين الاعتبار شرط السرعة، بمعنى ما من المعاني، عليك أن تقود بسرعة لكي تتلاءم مع من هم متواجدين سلفا على الطريق؛ فصيغة Merge ليست إلا ترجمة للاستعداد في خوض غمار عالم السرعة السحري والفانتازي.

لنواصل دائما تحليل التجليات الكبرى التي تٌترجِم في مضمونها فاعلية السرعة المخترقة للوجود الإنساني. كما هو معلوم أن التكنولوجيا المتطورة هي لغة عصر الألفية الثالثة بامتياز، وبدون منازع. إن التقنية لغتنا التي نتكلم بها، شاء من شاء وأبى من أبى. إن التقنية كأداة لإنجاز المشاريع هي عَيْنٌ العقل، نظرا لما تنطوي عليه من إمكانات هائلة في تسريع قضاء الحوائج، ففي رمشة عين تصير المهمة قد أنجزت بسرعة وبحذافيرها. عندما يود الفرد أن يسدِّد على سبيل المثال فواتيره المشمولة بالكثرة والتعدد إلى الحد الذي يشعر فيه هذا الفرد بالدوار والغثيان، بنقرة بسيطة وواحدة تكون مهمة تسديدها قد أٌنجزت بالكامل. لا يتطلب الأمر سوى ثوان معدودة حتى يكتمل التسديد؛ وما صيغة Due إلا ارتهان الكائن بالزمان المحدد الذي من المفروض فيه ألا يتعداه، وإلا ستؤول وضعيته إلى ما لا تحمد عقباه. فقد فطن هذا النظام إلى مدى أهمية التكنولوجيا في إضفاء طابع السرعة على جميع الأشياء، بحيث ما فتئ يبدع السبل المثالية لبلوغ مسعاه، لم تعد هذه الامكانية في التسديد شائعة بقدر ما حلت محلها إمكانية أكثر سرعة وهي إمكانية Auto-payment، فحين يصل وقت السداد، يٌلغى التدخل المادي- الفزيائي المباشر للكائن الإنساني، لتتم العملية بنجاح بمنأى عنه، والحال فمسألة النسيان، أو شلل في الذاكرة، أو الإصابة بالزهايمر، صارت بموجب هذه التقنية نسيًا منسيًا. إن التسديد الآلي هو الضمانة المتعالية التي بمقتضاها يحفظ من خلالها ذلك النظام حقوقه التي يتم التقاطها بسرعة البرق. لنسترسل في تقديم الأمثلة التي تبين بجلاء مدى التسهيلات المتاحة في الاستهلاك، وتسديد الفواتير، إلى غير ذلك من متطلبات الحياة المادية للاجتماع البشري. عند اقتنائك لبضاعة ما من متجر ما، لم تعد عملية إدخال البطاقة الائتمانية داخل الآلة هي الآلية الوحيدة، بل كل ما يجب عليك القيام به هو تمريرها فوق الآلة، وفي رمشة عين تكون عملية الاستهلاك والتسديد تمت بسرعة جنونية. والأدهى من ذلك، لم يعد الأمر مقتصرا على حمل بطاقتك، بل فقط عليك أن تمرر هاتفك الذكي فوق تلك الآلة وقٌضي الأمر.

في نهاية المطاف، يمكننا القول إن الإنسان منذ نعومة أظافره، بمعنى منذ بدايات تاريخه السحيق، التليد وهو مهووس بفكرة السرعة. والحق يقال، ليست السرعة كفكرة وليدة اليوم، حيث انبثقت في ذهنه هكذا وبدون استئذان، بل هي إرهاص أولي، وفطرة متجذرة في كيانه الثابت. فأغلب الاختراعات البشرية تَصٌبٌّ في مجملها على جعل فكرة السرعة متحققة على أرض الواقع. وما عساها أن تكون فكرة وسائل النقل سوى تجسيدا لها، فالطائرة، القطار السريع والسيارات رباعية الدفع، والصاروخ سوى الرغبة الجامحة التي تجتاح الكائن البشري في أن يكون رائدا في بلوغ أقصى درجات السرعة الممكنة. وماذا عساها أن تكون فكرة وسائل التواصل سوى تلك الصيغة التي تتحقق فيها فكرة السرعة، فالأنترنيت والهاتف الذكي ليست إلا تعبيرات مجهرية للتحقق الفعلي في كون مساعي الإنسان نحو السرعة هي هاجسه الأولي في هذا الوجود. إن أساس الفكر البشري بِرٌمَّته، سواء كان على المستوى التكنولوجي أو الاقتصادي، فهو قائم في جوهره على أساس فكرة السرعة. لكن السؤال الذي يفرض ذاته علينا الآن، وهو ما المآل الذي تقودنا إليه السرعة بالضبط؟