«الباطنية بين الفلسفة والتصوف» للمؤلف محمد البوغالي
فئة : قراءات في كتب
جاء كتاب: «الباطنية بين الفلسفة والتصوف» للباحث المغربي الدكتور محمد البوغالي منقسماً إلى مقدمة عامة وأربعة فصول وخاتمة ومعجم المصطلحات وبيبليوغرافيا، وهو من منشورات فضاء آدم، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2016، عدد الصفحات: 230
-1-
يندرج هذا المؤلف: «الباطنية بين الفلسفة والتصوف» في إطار الأبحاث والدراسات التاريخية والفكرية والمذهبية التي تنشغل بتاريخ الباطنية والسحر والخيمياء والتصوف... إلخ، سواء في مدار الثقافة اليونانية والإسلامية أم في مدار الفكر الغربي الحديث والمعاصر، بل فوق ذلك ينبه المؤلف إلى أمر في غاية الأهمية، وهو بيان الباطنية كمفهوم أو لنقل المقاربة المفهومية للباطنية؛ وذلك قصد رفع الالتباس والغموض والاضطراب النظري الذي أصاب مفهوم الباطنية ذاته.
لقد اعتبر الباحث البوغالي أن القول في الباطنية هو قولٌ نادرٌ وقليل، لأن مجمل الأعمال هي أعمال جامعية لم تعمل المؤسسة على نشرها وإخراجها من رفوف المكتبات [1]فضلا عن ذلك أن ما يكتب في الباطنية في التأليف العربي اليوم هي كتابات ودراسات تجعل الباطنية مرتبطة بتاريخ التنظيمات السرية والفرق السياسية من الإسماعيلية والقرامطة. يقول الباحث: «ونحن نعتقد أن أمرَ هذا الربط المباشر بين الباطنية والإسماعلية، إنما حصل بتأثير من كتاب حجة الإسلام أبي حامد الغزالي "فضائح الباطنية"»[2]؛ ومن ذلك يمكن القول إنه بالرغم من وجود بعض الدراسات والأبحاث في الباطنية، فقد تمكنتْ من الفصل بين الخطاب السياسي والأيديولوجي والنزعة الباطنية. لكنّها ظلتْ مفتقدة للمقاربة المفهومية للباطنية لكشف ثوابت ومتغيراتها[3]. وأما الدراسات الغربية في الباطنية، فقد استطاعت أن تحيط بها إحاطة علمية وأكاديمية دقيقة تتوسل فيها بالآليات المنهجية والميتودولوجية المختلفة (الفيلولوجيا، الحفريات، التأويليات...). و«الجدير بالذكر أنه يوجد بالجامعات الغربية كراسي خاصة بالتيارات الباطنية، بالإضافة إلى عدة مراكز متخصصة في الموضوع...»[4] من هؤلاء الأعلام "هنري كوربان" و"بيير ريفارد" و"أنطون فيفر"... إلخ، مع اختلاف وتضارب آرائهم بشأن الباطنية وأساسياتها. ويعني أنّ فكرة البحث في الباطنية من حيثُ هي موسومة بخصائص كالسر والإخفاء والمماثلة والخيال والباطنة والخاصة...، والتي تضفي على الفكر الباطني الكونية والكلية. ذاك هو ما غُيّب في الثقافة العربية الإسلامية، والذي كان مبرر الباحث الدكتور البوغالي في تحرير هذا النص. يقول الرجل: «لقد كان الفراغ الكبير الذي بدا لنا من خلال الأبحاث المتعددة في الباطنية والغياب الذي يكاد يكون مطلقا في ما يتعلق بالكليات بالمفهوم والمشكلات هو الباعث الأساس الذي حرك همتنا نحو كتابة مقدمة إلى الباطنية تكون مدخلاً»[5]. وقد توسل الباحث بمجموعة من الأدوات والمرجعيات الثقافية والسوسو-معرفي والأنثروبولوجيا والتأويليات (هيرمينوطيقا) لكشف بنية الباطنية وطرق اشتغالها وقواسمها المشتركة مع باقي الباطنيات الآخرى، فكما أن هناك تقاطعات بين الحضارات والثقافات والمجتمعات في مفهوم العقل، فإنّ هناك أيضاً تقاطعات ب في مفهوم العرفان.
كلّ ذلك من أجل تحويل الباطنية من صورة سلبية مشحونة بمضامين مذهبية إلى صورة إيجابية قابلة للفهم والاستيعاب. وبهذا الاعتبار، فقد انطلق المؤلف: «الباطنية بين الفلسفة والتصوف» من إشكال رئيس، وهو: بأيّ معنى يمكن الحديث عن الطابع الكلي للباطنية؟
-2-
لا مِرية في أنّ أطروحة الباحث محمد البوغالي تتمركز في بيان بعض خصائص وسمات الباطنية؛ إذ هي المدخل الأساس لبيان الطابع الكلي للباطنية. ومن ثمة، فالسر والإخفاء هو أحد عناصر بنية الباطني. هذا الأخير الذي يعتقد أن السر هو «تعمُ صفة الموجودات كلّها»[6]. فكل سر يحل على الأخير، بل الأدهى من ذلك أن هذا لامتناه. [7] لذا، لا بد من حجبها على العامة من الناس. فالسؤال المحيّر، وهو كيف تتحول هذه المعارف والمفاهيم والتصورات في لحظة معيّنة إلى مادة لمعرفة باطنية[8]. ويترتب عن هذا أن الباطنية هي العقيدة التي ترى أنّ العلم لا يجوز أن يشاع بين الناس على حد قول "لالاند"[9].
ولبيان طبيعة الطابع الكلي للباطنية استثمر د. البوغالي مرجعيات مختلفة: اجتماعية وأنثروبولوجية وسيكولوجية وتأويلية... إلخ. والشاهدُ على ذلك أنّ السرية هي «وسيلة من بين مجموعة الوسائل التي تنظم بها شخصيتنا، وهي تسعفنا في وضع قواعد سلوكية تنظم علاقتنا مع الآخرين»[10]. والسر من جهة نظر السوسيولوجيا هو تعبير عن حاجيات إنسانية وثقافية داخل المجتمع لترسيخ التماسك والتلاحم[11]، بل فوق من ذلك، قد تكون بعض التجمعات الإنسانية والاجتماعية أكثر استعدادا «من غيرها لأن تشهد ظواهر باطنية»[12].
فهذه المستندات النظرية والمنهجية، إنما تدفعُ المؤلف نحو استشفاف حصيلة مركزية مضمونها أنَّ هذا التنوع الثقافي والمجتمعي والحضاري لا يتعارض البتة مع القول بالطابع الكوني للباطنية! لا سيما وأنها نظرية عامة تجد منجزاتها وتجلياتها في الفكر والعلم والاجتماع والمعرفة. وبعبارة أدق، فهذه الأشكال التاريخية إنما هي المرجع للتدليل على فكرة كونية الباطنية من حيث إنها كلّ هذه القواسم المشتركة ولا واحد منها.
لعل من شروط المعرفة الباطنية أو لنقل من مواصفات الباطني هو عدم إفشاء السر والتزام الصمت على أساس الحفاظ على التقليد الأولي والأصيل بصورة شفاهية (tradition primordial). فهذا التراث التقليدي يوُسم بميسم من قبيل ضاع هذا التقليد في ظروف تاريخية غامضة[13] مما يحوِّلهُ إلى الأصل الذي لا يمكن إدراكه، بل فحسبنا الحنين إليه والالتفاف حوله والتطلع إليه. ومن ثمة، يقتضي هذا الأمر البحث عنهُ في المجتمعات البدائية الأولى لمعرفة هذا التقليد الأولي الذي لن يتم الكشف عنه، والذي يتم النظر إليه كمعطى أولي أو قبلي الملهم. يقول المؤلف في هذا السياق: «إنّ فكرة التقليد تربط بين فكرة المسارة وفكرة استمرار؛ أي نقل وتحويل محتوى من معلم إلى متعلم عبر قناة محكمة وواضحة ومعدة سلفا، وذلك باحترام قواعد مرتبطة بمسار واضح المعالم»[14].
لابد من الانتباه إلى أنّ رصد الباحث المغربي محمد البوغالي لبعض المدارس اليونانية وغير اليونانية مثلَ: الفيثاغورية والأورفية ووالهرمسية والإسكندرية والمسيحية الأوغسطينية والإسماعيلية... هو رصد من جهة الحفر المعرفي والجينيالوجي على مفهوم الباطنية وطبقاته التأويلية المتراكمة عبر المسار التاريخي والاجتماعي والأيديولوجي. كل ذلك يمكنُ لمّهُ في مفهوم جامع هو: السرية.
من الجدير بالذكر أيضاً، القول إن علاقة الخيمياء بالباطنية هي علاقة وثيقة لما بينهما من قواسم مشتركة: كالتحول والسر والغموض والإخفاء... إلخ. لقد كانت اللغة الخيميائية هرمسية تميل إلى الترميز؛ أي إخفاء أسرار التصنيع[15] فضلا عن ذلك أن الخيمياء تميز بين المعادن الشريفة والمعادن الخسيسة؛ وهو على غرار التمييز بين الرغبات والأهواء والفضائل والأخلاق[16]. من ذلك يلتقط الباطني بالقصد الأول المنعى الحقيقي من الخيمياء وهو: كيف يمكن تحويل الكائنات الخسيسة إلى كائنات شريفة؟
أما علاقة الباطنية بالسحر، فليستْ بمنأى عن مواصفات الباطنية وأساسياتها، فهما يشتركان في الإخفاء والسرية. يقول الباحث موضحاً هذه العلاقة: «السحر لا يرتد أساساً للباطنية، وإنما هو الباطنية عينها»[17]. ولا نعدم دليلاً على هذا، إذ إنّ جميع المجتمعات والحضارات والثقافات على وجه القطع لا تخلو من ممارسة السحر بمعية جملة من الطقوس والتعاليم والتقاليد. ومن ثمة، كان مبدأ التجاذب والتنافر من أهم مبادئ الفكر الباطني، والذي كان من رواده أنبادوقليس[18]. وأما علاقة الباطنية بالتنجيم، فهي علاقة وثيقة دفعت الباطني يعضدُ من مستنداته المعرفية والفلسفية. فالمنجم يذيع في الناس أنّ ما يحصل في العالم السماوي (الأعلى) هو ما يحصل في العالم الأرضي (الأسفل) فضلا عن ذلك بيان مصائر الناس والدول والملوك. هذا هو المربط الرهيب بين الغنوصيات والهرمسيات والباطنيات عامة.
لا أحسب أنّ المؤلف حينما كان يرصدُ هذه العلاقات الرهيبة بين الباطنية والخيمياء السحر والتنجيم، إنما كان يسعى إلى التأريخ لها أو بيان القيم الابستيمولوجية التي تنطوي في هذه العلوم، وإنما كان مرماه هو بناء مفهوم الباطنية وتحريره من سوء الفهم والتعقل.
لمكان السر هو محرك الباطنية، وأنّ المسند المعرفي لها هو العودة إلى التقليد الأولي من حيث هو بداية تاريخية ومنهجية على حد سواء؛ لأنّ النزعات الباطنية لا يمكنها الانطلاق من العدم من الهيولى، بل كان من الضروري وعلى وجه الأفضل الحديث إلى الباطنيين عن بداية وأصل أولى.
ليس من العُجب القول إنّ الصراع بين الباطنية والسلطة السياسية هو الصراع بين من يخفي السر وبين من يرغب في كشفه وفضحه على رؤوس الأشهاد؛ أعني بين الذين يعملون على استمالة الناس والمتعاطفين أو لنقل "حملة الأسرار"[19]. وبين أيادي السلطة الساعية نحو بيان زيفهم وضلالهم القولي والأيديولوجي. من ذلك كانت الباطنية تشتغل بمنطق الصمت والحفاظ على السر والصبر على تحمل الأذى والاضطهاد والمنع والقتل.
ألم يقل هرمس في وصيته: «بني إن الحكمة المُثلى في الصمت»[20]. وهذا مؤشر على أن المعرفة الباطنية والصوفية والهرمسية والفيثاغورية لا تتحصل للمتعلم إلا بعد ترويض النفس على الصبر والمعاناة والمكابدة. وبهذا الاعتبار، كانت الباطنية على وعي تام، وحذر مذهبي إن صح القول، من ضرورة التمييز بين العامة والخاصة والحياة والموت والروح والجسد والنور والظلام وبين الظاهر والباطن.
إنّ هذه الثنائيات هي أساسيات الفكر الباطني ومبادئه. فأهل الظاهر لا يستطيعون إدراك المعاني والاشارات التي تروم الباطني قولها[21]؛ لأنه يؤمن بمقولة كل شيء يوجد في كلّ شيء، وكل شيء يحيل على كل شيء، فالموجودات هي في تحول دائم لا حدود بينها[22]. لهذا، فمحاكمة الباطنية واضطهادها لا يتم ذلك إلا من حيث هي ظاهرة اجتماعية ترتبط بالمدينة، وليس من حيث هي باطنية[23]؛ وبالتالي يتم اضطهاد الباطن من خلال الظاهر، وهو ما يطرح مشكل فهم الباطنية كباطنية عند "بيير ريفارد"[24]!
فمفهوم إخفاء السر له مقصد رهيب ألا وهو عدم الإدلاء للعامة بالسر الباطني. فالسر هو ذاته غير مدرك، ثم إن الإدلاء به إلى العامة هو فتنة لهم أكثر من أي شيء آخر. يقول المؤلف: «فالسر يعني في هذا الصدد الأمر اللامعبر عنه، الحالة الغامضة المتعالية عن الوصف، والتي لا يمكن للغة أن تقبض عليها، ولا أن تضم عليها عباراتها وأساسها»[25]. ويظهر هذا بصورة هائلة في الطبيعة الحية، حيث تم الاعتقاد بممارسة آلية المماثلة والمطابقة، وهي من أخطر الآليات التي تعمل العرفانية على توظيفها عن طريق التأويل الباطني. فـ«الطبيعة ينبغي أن تقرأ مثل كتاب وإذا تصفحناها ألفيناها مليئة بالأسرار والعجائب والقابلة للاكتشاف من شتى الأصناف»[26]. فالموت في التعبير الباطني «مجرد تغيير للشكل والصيغة في مادة الجسم»[27].
وهكذا، فقد تخلصت العرفانية من الشكل المنطقي والعقلاني للحدود أو المماثلات المؤسسة على التناسب الرياضي إلى ترسيخ مماثلة تقوم على التأويل والرؤية السحرية القائلة بوجود ترابط بين العالم الرمزي والعالم الواقعي[28]. فـ«الرأس مطابق للسماء، والعينان مطابقان للشمس والقمر والصدر مطابق للهواء والنبض للأرض. أما القلب، فهو مطابق للمعبد، إنه المكان الأكثر أهمية بالنسبة للإنسان وهو محل العقل والحكمة»[29]. يستفاد من هذا، أنَّ المماثلة الباطنية محركها الخيال الذي أداة الوصل بين الإنسان والمطلق وعالم المحسوس وعالم المعاني[30]. لقد كان الخيال هو مختبر شروط إمكان القول في الباطنية أو لنقل المحرك الفعال لها. ومن ثمة، صار الخيال والتخييل هو علة الإدراك عند النفس كما يقول ابن عربي. فالخيال هو أداة أنطولوجية وليس فقط أداة معرفية لتوسيع مدارك الإنسان وافقه على أساس الرؤية الشهودية والحكايات الرمزية[31]. فهذا معضلة رمزية، لأنَّ الباطني يحيا السر، وعلى التناظرات والمماثلات اللامنطقية.
فعالمُ «الباطنية يسير في الطريق المعكوس للفيلسوف والمؤرخ والعالم»[32]. فانظر كيف أن زمن الباطنية هو زمن منكسر مرتد يلغي الزمن الوضعي الطبيعي الذي هو زمن الظاهر[33].
لنبادر إلى القول بأنَّ ملامح الباطنية وأسسها تتمثلُ في التقليد الأولى والتنجيم والأساس السحري والتنجيم، وهو ما أدى بالتبعة إلى ملامح راسخة، وهي: فكرة السر وثنائية الظاهر والباطن وثنائية العامة والخاصة والملمح الخامس الزمان المنكسر. وبهذا الاعتبار، تكون المعرفة الباطنية بنية منتظمة العناصر تستمد مستنداتها من علوم الصوفية والذوق والكشف والتأويل والتناظري والمشابهة في العلاقة بين العالم والإنسان. فهذه الأسس والملامح هو المجال المعرفي والأنطولوجي الحاضنة لكونية الباطنية وطابعها الكلي.
-3-
إنّ أطروحة الكتاب: «الباطنية بين الفلسفة التصوف» للباحث محمد البوغالي أطروحة رفيعة بقدر ما تضع القارئ في حيرة وتشكيك تضعهُ في مدار تأويلي هائل. فالباطنية هي كلّ العناصر المشتركة ولا شيء من هذه العناصر. من هنا، كانت بيانات هذه الأطروحة أي الباطنية الكلية أو الكونية بيانات مختلفة تستمد خلفياتها من مرجعيات علمية متنوعة: سيكولوجية وسوسيو- ثقافية وأنثروبولوجية فضلا عن ذلك التوسل بالنظريات الفلسفية المعاصرة من علم السيمولوجيا والنظر التأويلي... إلخ. كلّ ذلك يكون في خدمة المقاربة المفهومية للباطنية في خضم المعارك الفكرية والفلسفية حول مدى مشروعية كونية الباطنية أو محليتها مع "أنطوان فيفر" (Antoine Faivre) و"بيير ريفارد" (Pierre Riffard).
وعطفاً على هذا، نقول إن إثبات دعوى الطابع الكوني للباطنية لم يكن له طريق ولا خيار سوى العودة إلى الشكل التاريخي للباطنية وآثاره من قبيل الحديث المسهب للباحث الدكتور البوغالي عن أفلاطون وأنبادوقليس والفثاغورية والأورفية وفيلون الإسكندراني ووأسطورة "إيلوزيس" وأسطورة "أوزيريس" المذهب الإسماعيلي الشيعي وأهل التصوف والعنوصيات والهرمسيات وابن عربي وأيضاً حديثه عن أوغسطين وبلوتارك ويامبليخوس والباطنية المانوية والماسونية وتفسير "المركابا" في المدرسة اليهودية الباطنية... إلخ.: «وهي مجموع الخصائص التي ميزت الظاهرة الباطنية في كليتها يعطي النظر عن الأشكال التاريخية المتنوعة والخصوصيات المحلية باختلاف الثقافات، ويتأسس هذا الرأي على القول بوجود مصدر أولي شكل أصلاً متقدماً لكل أنماط التفكير الباطني»[34]ويردفُ بالقول كذلك: «إذن، يتم محاكمة الباطنية لا كباطنية، ولكن محاكمة عقائدها وطقوسها وآثارها وليس بما هي باطنية، ولكن بالنظر إلى انعكاساتها الاجتماعية والدينية ولمصادرها الوثنية»[35]، ويردف بالقول كذلك: «لقد كانت نادرة جداً الحالات التي قامت فيها السلطة السياسية والدينية بمحاكمة الباطنية باعتبارها باطنية»[36]. وبهذا، فهاجس الباحث البوغالي لم يكن وضع خريطة مذهبية للباطنية ولا التأريخ لتاريخ المذاهب والمدارس الفلسفية والصوفية والغنوصية بقدر ما كان يعمل على تشخيص المشاهد المومأ إليها أعلاه من أجل بناء مفهوم الباطنية بناءً علمياً وأكاديمياً يخلصه من الضلال الفلسفي والعمى النظري والالتباس اللغوي.
ذلك كان رهان الكتاب «الباطنية بين الفلسفة والتصوف» للباحث الدكتور محمد البوغالي، والذي رفعه إلى النظر العلمي والأكاديمي في منأى عن التشابك المذهبي والتضليل الأيديولوجي.
[1]- البوغالي (محمد)، الباطنية بين الفلسفة والتصوف، مراكش: دار النشر فضاء آدام، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2016، ص 6
[3]- يقول ذ.محمد البوغالي: «[..] فرغم أنه حصل لديها (الأبحاث) وعي بالتمييز على الباكنية كظاهرة عامة.
وبين الإسماعيلية كشكل تاريخي معبر عنها في لحظة تاريخية معينة، رغم حصول ذلك الوعي فلا أحد منها انشغل بالمفهوم أو ربط التجربة الخاصة للباطنية في الإسلام بالتجربة الباطنية الكلية..»، ص 7: المرجع ذاته
*- «يمتد ليشمل كيفية تحول الفكر الانساني إلى نظر في بعض موضوعات المعرفة باعتبارها سراً، ثم أنه يتسع ليشمل الكيفية التي تجمعتْ بها الأسرار ليشكل موضوعها الخاص»، ص 68: المرجع ذاته أعلاه.
*- «إن الحاجة إليه هي التي تخلقه وتجعل منه وسيلة لاقتحام المجهول»، ص 72: المرجع ذاته.
*- «إن المعادن نفسها في القسمة الخيميائية أرواح وأجساد. فأما المعادن المصنفة في حانة الأرواح فهي الكبريت والزريخ والزئبق. والنوشادر وسميت كذلك، لأنها تطير إذا مسها النار. واما تلك التي تدخل في نطاق الأجسام فهي الذهب والفضة والحديد والنحاس[...] وسميت كذلك لقدرتها على الثبات والمقاومة إزاء النار»، ص 37
[1]- البوغالي (محمد)، الباطنية بين الفلسفة والتصوف، مراكش: دار النشر فضاء آدام، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2016، ص 6
[3]- يقول ذ.محمد البوغالي: «[..] فرغم أنه حصل لديها (الأبحاث) وعي بالتمييز على الباكنية كظاهرة عامة.
وبين الإسماعيلية كشكل تاريخي معبر عنها في لحظة تاريخية معينة، رغم حصول ذلك الوعي فلا أحد منها انشغل بالمفهوم أو ربط التجربة الخاصة للباطنية في الإسلام بالتجربة الباطنية الكلية..»، ص 7: المرجع ذاته
*- «يمتد ليشمل كيفية تحول الفكر الانساني إلى نظر في بعض موضوعات المعرفة باعتبارها سراً، ثم أنه يتسع ليشمل الكيفية التي تجمعتْ بها الأسرار ليشكل موضوعها الخاص»، ص 68: المرجع ذاته أعلاه.
*- «إن الحاجة إليه هي التي تخلقه وتجعل منه وسيلة لاقتحام المجهول»، ص 72: المرجع ذاته.
*- «إن المعادن نفسها في القسمة الخيميائية أرواح وأجساد. فأما المعادن المصنفة في حانة الأرواح فهي الكبريت والزريخ والزئبق. والنوشادر وسميت كذلك، لأنها تطير إذا مسها النار. واما تلك التي تدخل في نطاق الأجسام فهي الذهب والفضة والحديد والنحاس[...] وسميت كذلك لقدرتها على الثبات والمقاومة إزاء النار»، ص 37
*- لا تتحقق المسارة إلا عبر ثلاثة شروط: التأهيل الكامل والتلقي المنتظم التحقيق الذاتي. ويتم كذلك اختيار المتعلم في التعليم الباطني وفق معايير:
صفاء الجسد ونبل المشاعر واتساع الأفق الفكري وسمو الروح، ص 170
[21]- «فالأسرار تستمر أسراراً حتى ولو دونت في الكتب، لأن ادراكها ليس آلياً ومباشراً وإنما يرتبط بسيرورة ثقافية طويلة وبشروط عقلية بدونها يصعب على القارئ أن يدرك المعنى العميق الذي يشير إليه المؤلف»، ص 85
*- «لقد كانت نادرة جداً الحالات التي قامت فيها السلطة السياسية والدينية بمحاكمة الباطنية باعتبارها باطنية»، ص 191