البينيّة في الأكاديميا العربيّة والإسلاميّة (مؤمنون بلا حدود 2023) المؤلِّف: علي الصّالح مولى
فئة : قراءات في كتب
البينيّة في الأكاديميا العربيّة والإسلاميّة
(مؤمنون بلا حدود 2023)
المؤلِّف: علي الصّالح مولى[1]
- I مقدّمة
يتنزّل هذا الكتاب[2] الذي نتولّى تقديمه، ضمن خارطة الأكاديميا العربيّة، إلى صنف من الكتابات التي تلت تاريخيّا مرحلة المشاريع النّقديّة الكبرى بداية من السّبعينيات إلى بداية الألفيّة الثالثة: مشروع طيب تيزيني ومشروع حسين مروة ومشروع عبد الله العروي ومشروع محمد أركون مشروع محمد عابد الجابري إلخ...، فهو يمتّ إليها بسبب وينفصل عنها بأسباب؛ إذ ينشغل مثلها بتفكيك العقل التراثيّ، ولكنّه أكثر منها انخراطا في الحاضر، وهو يتّخذ مثلها كلّيات الثّقافة العربيّة موضوعا متتبّعا عوائقها، ولكنّه يتّجه بقوّة إلى تفتيت العقل الشّرعي تخصيصا، وينطلق ممّا انتهت إليه تلك المشاريع من حسم في خاصّية التّفويت والاستنفاد والعجز لينصبّ الجهد على أفق منهجيّ ومعرفيّ يراه كفيلا بالخروج به من عوائقه والاندراج في الفكر العالميّ الحديث، لا بمنطق التبعيّة والاستلاب، بل عبر تخليص هذا الفكر من طابعه الوضعيّ العلمانيّ المفرط. ولعلّه من هذه الجهة أقرب إلى تلك المقاربات التي صوّبت النّظر إلى النصّ المقدّس مباشرة بعد نقد النّصوص الثواني الشّارحة والمفسّرة التي غطّت على النصّ الأصليّ، أمثال مقاربات نصر حامد أبي زيد ويوسف الصدّيق مع اختلاف تلك المقاربات والمناهج التي تمّ توظيفها. والأهمّ من ذلك كلّه أنّ تلك المشاريع قد سعت إلى بناء أنساق مغلقة، تنهار بمجرّد انهيار أحد أسسها، في حين أنّ الكتابات التي تلتها، ومن ضمنها هذا المؤلَّف موضوع هذا التقديم، قد عملت على بناء آفاق منفتحة للبحث، وبلورة براديغمات بديلة للبراديغمات القديمة من أجل الانخراط في الفكر العالمي الحديث من موقع الخصوصيّة. وآية ذلك، في ما نحن بصدده، أنّ الباحث علي الصالح مولى قد أدار كتابه على هدف أقصى، هو: البحث في إمكانات تشبيك العلوم الدّينيّة مع العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة عبر فتح مسالك جديدة يتمكّن بها المسلمون في التّاريخ المعاصر من إنتاج المعرفة إنتاجا إبداعيّا أصيلا[3]، انطلاقا من تشخيص دقيق لواقع العلوم الشّرعيّة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة. يقول المؤلّف: "إن المعارف الاجتماعيّة والإنسانيّة التي تنتمي للزمن الحديث معارف تشكّلت معقوليّتها خارج الرّؤى الدينيّة مقدّماتٍ ومقاصدَ، وهي في عمومها معارف علمانيّة مركز اهتمامها الإنسان بأبعاده الأرضيّة وأسئلته الزّمنيّة، وأنّ العلوم الدينيّة تنتمي للزمن القديم، وتكتسب معقوليّتها من الدين بما يمثّله من رؤى للإنسان وما يبنيه من شبكات تنتظم داخلها مختلف أنشطته"[4]. أمّا وسيلة تحقيق رهان التّشبيك فهو البينيّة في صورتها القصوى، أعني المنهج العابر للاختصاصات، لا مجرّد التّقاطع الذي يرى أنّه يظلّ "طورا تقنيّا يهيّئ الطريق للصّهر". يقول الباحث: "التّقاطع المحتمل تحقّقه بين العلوم الدينيّة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة يظلّ، رغم الآمال المعقودة عليه، محدود الأثر إن لم يقع الذهاب بالتّشبيك إلى مداه الأقصى، حيث يوجد الاختصاص العابر للاختصاصات"[5].
II- تقديم الكتاب: عرض ونقد
يضمّ الكتاب إحدى وسبعين ومائتي صفحة من القطع المتوسّط، توزّعت على مقدّمة عامّة وخاتمة، وبينهما خمسة فصول، تفرّع كلّ منها إلى مبحثين. واختصّ الفصل الثاني بثلاثة مباحث. وقد شكّل الفصلان الأوّل والثّاني القسم النّظري، وتمحضّت الثّلاثة الأواخر للجانب التّطبيقيّ الإجرائيّ، وهو ما سنعمل على عرضه في ما يلي من هذا التّقديم.
مهّد مولى للفصل الأول الموسوم بـ: "تقاطع الاختصاصات.. مقدّمات إبستيمولوجيّة وإشكاليّة" بمَوْقَعَةِ بحثه في سياق صيرورة المعرفة وتاريخ العلوم الذي مرّ، في رأيه، بثلاثة أطوار هي: "الطور الموسوعيّ، والطّور التخصّصيّ، والطّور البينيّ"[6]. وفي هذا الطّور الأخير الذي اقتضته تحوّلات المعرفة ومناهجها، فضلا عن عوامل أخرى كثيرة، تتنزّل المقاربة البينيّة بصورة عامّة، وقد باشر الباحث هذه المقاربة بالتزام مزدوج: معرفيّ وعلميّ من جهة، وحضاري أخلاقي من جهة أخرى؛ إذ انصبّ اهتمامه على المجال العربيّ الإسلاميّ تخصيصا، فمنه انطلق توصيفا وتحديدا، وإليه انشدّ في رسم أهدافه ورهاناته، يحدوه إحساس بالأزمة، أزمة المجتهد/ المثقّف العربي المسلم في هذا العصر: "كان المجتهد ينتج من داخل الحضارة التي ينتمي لها. وكان الحافز إلى ذلك الأسئلة التي تتشكّل داخل هذه الحضارة نفسها. وليس الأمر اليوم كذلك، فالأسئلة ناشئة بعلّة خارجيّة اقتضاها الزّمن العلمانيّ الحديث. والأجوبة التي يُدعى هذا المجتهد إلى توفيرها هذا المجتهد لجمهوره ما عادت متاحة باليسر المعهود، فكثير من عناصرها تقع خارج مجاله الثقافيّ والعلميّ وخارج زمنه أيضا"[7]. وتجسّدت هذه الوضعيّة المعرفيّة الحضاريّة في أزمة الفقيه باعتباره الفاعل الأبرز في الثقافة والمجتمع العربيّيْن، حتّى اعتبر الجابري الحضارة العربية حضارة فقه مثلما أنّ الحضارة اليونانيّة قديما هي حضارة فلسفة والحضارة الحديثة هي حضارة علم وتقنية[8]. وقد بدت للمؤلّف أزمة الفقيه تلك في هيئة مفارقة قائلا: "توجد مفارقة بين اختصاصات الفقيه التقليديّة والأسئلة التي تنبع من إكراهات مأتاها اختصاصات اجتماعيّة وإنسانيّة لا تقع تحت سلطته المعرفيّة، وهو ما يعني استحالة توليد أجوبة دون التفكير في إحداث اختراقات في النسقين المتقابلين"[9]. ولا حلّ، في رأي الباحث إلاّ بـ"إدراج مساريْ الشرعيّات والإنسانيّات تحت سقف المقاربة البينيّة"[10]، وهو ما يتمّ عبر السعي إلى الكشف عن المشتركات والتقاطعات المطموسة أو المستبعدة بين المعرفة الدينيّة والمعارف الأخرى، فتغنم المعرفة الدينيّة بذلك، كما يقول الباحث، من مناهج العلوم وأدواتها ومناهجها، بعد أن بات من المسلّمات المنهجيّة والنظريّة أنّ الشرعيّات لا تنفكّ عن الوقائع والتاريخ. وعلى هذا النحو، فإنّ مهمّة الفقيه لم تعد عملا تقنيّا أو نظريّا صرفا لإصدار الفتاوى عبر تنزيل الأحكام على الوقائع، بل نظرا عميقا في أحوال الناس، وفهما لنواميس التاريخ والعمران "لا يقلّ شأنا عن النظر في المعادلات والقياسات والمطابقات لتوليد الحكم وإصدار الفتوى"[11].
ويشير الباحث إلى أنّ الرّهان على البينيّة لن يؤتي ثماره في الأكاديميا العربيّة عامّة، وفي مجال العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة نفسها "إن لم يقع جرّ المعرفة الدينيّة المُنُتَجَة بالآليات والمنهجيّات التقليديّة إلى قلب المعالجات البينيّة"[12]. ومن هنا تبدو الحاجة المتبادلة بين الاجتماعيّات والإنسانيّات من جهة، والشرعيّات من جهة أخرى أمرا ملحّا. وهذا يعني أنّ الإنسانيّات والاجتماعيّات ستظلّ نظريّاتها نخبويّة معزولة عن الواقع ما لم يتمّ إدراج الشرعيّات ضمن المقاربة البينيّة؛ أي إنّها "لن تكون في خدمة المجتمعات الإنسانيّة إن ظلّت مجرّد معارف تقنيّة مدرسيّة معزولة عن هموم الناس وقضاياهم"[13]. ولنا أن نتساءل هنا: هل الأزمة هي أزمة الشرعيّات أم أزمة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة؟ يغلب على ظنّنا أنّ الأزمة هي أزمة الشرعيّات قبل أن تكون أزمة غيرها من العلوم، وما مطلب البينيّة سوى وسيلة لفتح الشرعيّات المنغلقة، أمّا خصيصة العلمنة التي تميّز العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة الحديثة، فلا نظنّها عائقا، فقد ذهب بعضهم في سبيل محاربة الإيديولوجيا، إلى حدّ المطالبة بعلمنة العلوم الدقيقة بعد أن بات العلماء أشبه بالكهنوت، وأصبح العلم الحديث في دوغمائيّته و"نزقه" نظيرا للدّين في الثقافات القديمة[14].
أمّا المبحث الأول، فقد خصّه الباحث للنّظر "في البينيّة اصطلاحا وتاريخا"، واختار ألاّ يتّسم تعريفه بطابع مدرسيّ، فاستدعى المصطلحات الدائرة في فلك البينيّة، والتي تحضر عادة في اهتمامات المنشغلين بالبينيّة منهجا ومعرفة، وهي، كما يقول، ثلاثة مصطلحات: "الاختصاص" discipline و"تقاطع الاختصاصات" interdisciplinarité/interdisciplinarity و"الاختصاص العابر "للاختصاصات" transdisciplinarité /transdisciplinarity. واستبعد الباحث بعض المصطلحات الأخرى لأنّها، في رأيه، لا تضيف شيئا، ومنها: "مصطلح تعدّد الاختصاصات pluridisciplinarity /pluridisciplinarité[15]. وأشار إلى أنّ الاختصاص ظهر في فرنسا في ق 14، وانتهى إلى التخصّص spécialisation في ق19 استجابة لمتطلبات الثورة الصناعيّة. أمّا تقاطع الاختصاصات، فنشأ في ق19، و"تكثّف الطلب عليه في القرن العشرين، وخاصة بين عقدي الأربعينيّات والثمانينيّات مع تشعّب المعارف وتنوّع الفروع العلميّة وتأكّد الحاجة إليه في شتّى مجالات البحث النظريّة والتطبيقيّة، الطبيعيّة والإنسانيّة"[16].
وعدّ الباحث مصطلح الاختصاص العابر للاختصاصات، الأحدث تاريخيّا؛ إذ انطلق بصورة فعليّة في تسعينيّات القرن العشرين[17]. وختم المبحث بالنظر في مكاسب البينيّة الماثلة والمنشودة، وبتاريخ العلاقة بين العلوم، فميّز بين إبستيميّتين في هذا التاريخ: قديمة تغلب عليها الإيتيقا، وتقوم على "أنّ وحدة العلوم من وحدة الكون ووحدة الإنسان"، وحديثة تغلب عليها البراغماتية، وتتميّز بغزارة المعرفة وفتوحاتها الجديدة في جميع المجالات[18].
وتمحّض المبحث الثاني للبحث في: "منزلة البينيّة في بناء المعرفة الإسلاميّة". واتّجهت الهمّة فيه إلى النظر، من منظور إبستيمولوجيّ ومنهجيّ، في مدى حضور البينيّة والوعي بها من خلال استدعاء بعض النماذج المتعلّقة بتقاطع الاختصاصات في الفضاء الأكاديميّ الإسلاميّ[19]. وممّا توقّف عنده الباحث أنّ العقل الإسلاميّ القديم مارس ضربا من البينيّة حين صنّف العلوم إلى علوم مقاصد وعلوم آلة. ولئن أعطى الأفضليّة للصّنف الأول، فقد جعل الصنف الثاني في منزلة الواجب الذي لا يتمّ الواجب إلاّ به[20]. ويضيف إلى ذلك، تلك النزعة الموسوعيّة التي اتّسمت بها المعرفة منذ العهد الأوّل للإسلام، ومنه مجلس ابن عباس وقد حضر فيه الفقه والشعر واللّغة والأنساب المغازي. وأشار إلى تعدّد معارف القدامى وشواغلهم، فذكَر فخر الدين الرازي الذي كان فقيها وأصوليّا ومتكلّما وفيلسوفا وعالما في الفلك والرياضيّات والطبّ، مثله مثل ابن خلدون والشريف الجرجاني[21].
ومن المؤشّرات الدالّة على الوعي البينيّ قديما، ذكر الباحث كذلك الترجمة بما هي "مسلك من مسالك تأمين تراث الآخر العلميّ واعتراف به أوّلا، وأداة فعّالة لتلاقي العقول وتعاونها ثانيا، وأرضيّة مناسبة للتّشبيك"[22] ثالثا.
ولنا في هذا المستوى من البحث ملاحظة تتعلّق بتواتر استعمال الباحث لمصطلح العقل الإسلاميّ بدلا من العقل العربيّ، رغم جمعه بينهما في عنوان مؤلَّفه، وهي مسألة تمّت إثارتها في سياق نقد مشروع محمد عابد الجابري، وكان من جواب الجابري أنّ هناك سببين لاعتماده مصطلح العقل العربي: 1- سبب شخصيّ يتمثّل في عدم إلمامه بكلّ اللّغات التي كتب بها التراث الإسلامي. 2- سبب منهجيّ يتمثّل في اختيار النقد الإبستيمولوجيّ لا النقد اللاّهوتي العقديّ الكلاميّ الذي يطمح روّاده إلى إحياء (أو إنشاء) علم كلام جديد[23]. ونعتقد، بشيء من الحذر، أنّه كان من الأولى أن يستعمل الباحث علي الصّالح مولى مصطلح العقل العربيّ بدلا من العقل الإسلاميّ لا سيّما أنّ مدوّنته عربيّة صرف، وإن توسّعت بعض التوسّع في القسم التّطبيقيّ إلى الفضاءين الفارسي والهندي، ويجوز، حينها، استعمال النّعت المزدوج للعقل: عربيّ إسلاميّ تماما كما ورد في العنوان.
انتقل الباحث من التاريخ القديم إلى التاريخ الحديث والمعاصر، فكان التأزّم والانسداد هو السّمة المهيمنة على حاضر المسلم المعاصر؛ فالمسلمون اليوم، كما يقول الباحث، يحيوَن أزمة مضاعفة وهم يعالجون موضوعا واحدا: "أزمة استنبات العلوم الوافدة، وأزمة تحيين العلوم الأصيلة (...) وكان مبدأ التأصيل هو الإستراتيجيا الوحيدة تقريبا التي مارست بها العلوم الشرعية أزمة التحيين، ومارست بها العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة أزمة الاستنبات"[24]. وخلَص من هذا التّوصيف إلى أنّ "فجوة كبرى تفصل بين الكتابة البينيّة في الممارسة الأكاديميّة الغربيّة ونظيرتها العربيّة"[25]. ومنه انطلق إلى طرح سؤال توجيهيّ نقل به نظره من التمهيد النظريّ إلى القسم التطبيقيّ: "كيف نبني مجال الفقيه- المفكر بدل الفقيه- المفتي؟، وهذا السّؤال ينقلنا مباشرة إلى التفكير تحت سقف البينيّة"[26].
أدار الباحث الفصل الثاني الموسوم بـ: "العلوم الدينيّة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة... تأمّلات في البينيّة المهدورة" على ثلاثة مباحث، فكان هذا الفصل أطول الفصول الخمسة، والعلّة في ذلك، كما نرى، هي التنبيه على مسارات أشرف بعضها على تشبيك الشرعيّات من جهة، والإنسانيّات والاجتماعيّات من جهة أخرى، غير أنّها فشلت في تأسيس ممارسة بينيّة في المجال التداوليّ العربيّ. واستدعى الباحث ثلاثة نماذج على تلك المسارات، هي جِماع الفصل ومحاوره التي أدار عليها مباحثه الثلاثة: المجامع الفقهيّة، وتجربة المعهد العالميّ للفكر الإسلاميّ، وعلم المقاصد.
اختصّ المبحث الأوّل بالنّظر في "المجامع الفقهيّة وإمكانات البيننة". وقد انطلق الباحث من تشخيص واقع الفقه وحالة الانسداد والعجز التي يعيشها موضّحا بأنّ "ازدياد الضغوط على الفقه من جهة، والحاجة إلى تمكين الوجدان الإسلاميّ المعاصر من أجوبة فرضتها أسئلة جديدة مصدرها حضارة العالم الحديث الوضعاني والمعلمن من جهة ثانية، أدّيا إلى الإقرار بأنّه ليس بإمكان علوم الدين أن تظلّ منغلقة على نفسها وظيفة ومنهجا في السّياق الحداثيّ المعولم"[27]. فكان ممّا فكّرتْ فيه هو "استحداث أفق اجتهاديّ جماعيّ/ مجمعيّ (...) للتفكير جماعيّا في ما يشغل المسلمين"[28]. ومِنَ المَجامع: مجْمع البحوث الإسلامية بالقاهرة (1969)، ومجْمع رابطة العالم الإسلاميّ بمكّة (1977)، والمجْمع الفقهيّ المنبثق عن مؤتمر القمّة الإسلاميّ بالطائف (1981)، ومجْمع الفقه الإسلاميّ بجدة[29]. ولئن استعرض الباحث بعض ما يوحي بانفتاح هذه المجامع على اختصاصات مختلفة عبر اعتماد المستشارين في بعض المسائل الدقيقة كالطبّ مثلا (مسألة الجيروم البشريّ)، وتبنّيها في بعض أحكامها قيما حديثة كالكرامة وحقوق الإنسان والحرّيات الأساسيّة[30]، فإنّ الباحث لم يتردّد في الحكم عليها بإهدار البينيّة معتمدا مؤشّرات ومواقف كثيرة، وفي مقدّمتها قصْر عضويّة المجامع على علماء الشريعة، وعلى خرّيجي المؤسّسات الدينيّة الجامعيّة العليا، وغياب التنصيص على جميع الاختصاصات[31].
وفي المبحث الثاني الموسوم بـ "إسلاميّة المعرفة.. دراسة في رسالة المعهد العالميّ للفكر الإسلاميّ" عكف الباحث على تحليل التجربة الثانية، فذكّر بتاريخ نشأة المعهد العالميّ للفكر الإسلاميّ ببنسلافيا/أمريكا سنة 1981، معتبرا إيّاه أفضل من جسّد الرهانات المعقودة على مشروع أسلمة الحداثة، بالنّظر إلى أنّ تكوين أغلب أصحاب المشروع من المختصّين في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، وأنّ المجلتين اللّتين أصدرهما المعهد اتّخذتا من تقاطع الاختصاصات خصيصة وهدفا لها[32]. وكان من أهداف المعهد محاولةُ العمل على تحويل مجرى مخرجات العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة والطبيعيّة لتعزيز ترسانة قراءة الوحي وتطوير العلوم الدينيّة، وهي مهمّة تجري "تحت عنوان حضاريّ وقيميّ، وليس فقط من أجل الاستثمار في العلوم الاجتماعية والإنسانيّة والطبيعيّة استثمارا تقنيّا أو مدرسيّا محدود الأثر"[33].
ارتكزت أحكام علي الصالح مولى على النظر في بعض ما نشره المعهد في عددين من المجلّة التي أصدرها المعهد (العدد 39 لسنة 2005 والعدد 101 لسنة 2019)، وانتهى إلى أنّه "بالرغم ممّا تحت يده من وسائط عمل كبرى، لم يفارق كثيرا منهجيّات التأليف التقليديّ في علوم الشرع، والحال أن هناك اعترافا بأنّ هذه العلوم تعيش أزمات ومآزق في ظلّ سيطرة العلوم ذات المرجعيّات الوضعيّة على أغلب الفضاء المعرفيّ الكونيّ"[34]. وأشار الباحث على وجه الخصوص إلى أنّ العدد "الحادي والمائة تجنّد للهجوم على هذه المناهج [الغربيّة الحديثة] واستخداماتها في بعض التجارب العربيّة. وهو ما يدعو إلى التساؤل عن حقيقة وجود مشروع أسلمة للمعرفة قائم على التناسق والانسجام بين مكوّناته الإنتاجيّة ومحصّن برؤية ناظمة تنسكب فيها الكتابات المستجمعة شروطَ الإيمان بالدور الذي ينبغي أن تنهض به العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة تحت سقف الأسلمة"[35]. ويستدرك الباحث قائلا، إنّه بالرّغم ممّا تقدّم، فإنّ "ما أنجز على المستوى النظريّ في المعهد قد لامس "ملامسة نوعيّة معنى الرهان على علوم الإنسان والمجتمع لإنشاء نظام معرفيّ وقيميّ إسلاميّ"[36]. ويضيف في ضرب من التفسير لفشل رسالة المعهد في تجسير المعارف قائلا: "الأقرب إلى الظنّ أنّ تبنّي إستراتيجيا الأسلمة بدل استراتيجيا إنتاج المعرفة كان السّبب الأساس لتعطّل مشروع التشبيك بين مختلف عناصر المعرفة"[37]. ونرى، من جانبنا، أنّ الباحث قد وضع الإصبع على السبب الرئيسيّ لفشل مشروع التشبيك، وهو التعلّقُ، أوّلا وقبل كلّ شيء، بالأسلمة، أي على ملاحقة المعرفة، بدلا من الانكباب على إنتاجها. وهو أمر واضح، نجده في ورقة مؤسّس المعهد، إسماعيل الفاروقي في مؤتمر مكّة (مارس 1977)، وهي ورقة شهيرة، ولعنوانها دلالة قويّة، وهو: "إعادة صياغة العلوم الاجتماعيّة في ضوء الإسلام". كما أكّد التوجّه نفسه في مناسبة أخرى بقوله بضرورة "إعادة صياغة المعرفة على أساس علاقة الإسلام بها، بمعنى أسلمتها؛ أي إعادة تعريف المعلومات وتنسيقها، وإعادة التفكير في المقدّمات والنتائج المتحصّلة منها"[38].
واتّجهت عناية المؤلّف في المبحث الثالث إلى بيان وجوه هدر البينيّة في علاقة "المقاصد بالعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة" رغم اعتقاده بأنّها أقدر من غيرها على التشبيك بين الشرعيّات من جهة، والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة من جهة أخرى. وما يبرّر استدعاء هذا الاجتهاد هو منهجه القائم على الالتزام بالرؤية الإسلاميّة من ناحية، ولكن "بعيدا عن الارتهان لقيود وشروط وأشكال تحفل باستخراج الحكم أكثر من احتفائها بفلسفة التّشريع"[39] من ناحية ثانية، وهو ما أكسبه خاصيّة مهمّة سمّاها الباحث بالمطّاطيّة، بها "يستطيع العقل الاجتهاديّ أن يوسّع شُعاع نشاطه، وأن يستشعر روح الإسلام في كثير من إبداعات العقل العلمانيّ"[40].
وذكر الباحث بعض النماذج والمؤسّسات التي عملت في اتّجاه مقاصديّ، غير أنّه ينتهي إلى الحكم على كثير منها بأنّ "ما يشدّ الانتباه في هذه المشاريع النقديّة هو الطابع الإحيائيّ الشكلانيّ الذي يُبقي المقاصد في حدود النظر الفقهيّ الكلاسيكيّ"[41]. ويحيل دليلا على ذلك على سبيل التمثيل على مقال الشيخ محمد رشيد قباني الموسوم بـ: "زراعة الأعضاء الإنسانيّة في جسم الإنسان"، "فرغم ما يقتضيه هذا النوع من المباحث المستجدّة من معارف متنوّعة ومراجع وإحالات على علوم واختصاصات متشابكة، لم نجد سوى خمس (5) إحالات. واللاّفت أنّها مستجلبة من خارج الزمن الحديث". وعزّز الباحث تمثيله بأنموذج ثان للشّيخ محمد صالح البقمي في مقاله: "الاتّجار في العملات عبر وسائل الاتّصال الحديثة وأشهر صور المضاربة المطبّقة في الأسواق العالميّة"، وأشار إلى أنّه لا يوجد سوى (5) مراجع خارج المقاربة الشرعيّة من جملة ستّة وتسعين مرجعا[42].
ولئن أعاد الباحث التأكيد أنّه لا يوجد "أفضل من باب المقاصد لدخول علوم الإنسان والمجتمع إلى رحاب علوم الدين لتخصيبها وتنمية اتّجاهات البحث في شعابها الكثيرة"[43]، فإنّه، قد حكم عليها بالفشل في ترسيخ البيْننة؛ إذ ظلّ حضورها، مثلُها مثلُ العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة الوافدة، حضورا نظريّا في قاعات الدرس والكلّيات الشرعيّة غير فاعلة ولا وظيفيّة في معيش الناس اليوميّ[44]. ويضيف الباحث في ما يشبه التبرير لهذا الفشل بأنّ المقاصديّين، على أهمّية مقاربتهم، قد فُرضت عليهم في الزمن الحديث "إشكاليّات لم يسبق لهم أن وجدوا أنفسهم أمامها". وهي إشكاليّات تتعلّق بلحظة حضاريّة سِمتها تخلّف العرب والمسلمين، بعد أن أزيحوا من الرّيادة، وفقدت حضارتهم "ميزة التحرّك وفق ما يمليه عليها عقلها"، وباتت الأمم الغالبة اليوم هي من يوجّه بوصلة العالم في مجال القيم والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة التي أزيح منها الدين[45]. ذلك أنّ إبداع المعرفة وفق شروط الذات الحضاريّة ورؤيتها الخاصّة مقدّم على البيننة والتشبيك والتّجسير بين مختلف الحقول.
يعدّ الفصل الثّالث الموسوم بـ: "علم الكلام والهرمينوطيقا.. أيّ رهان؟" فاتحة القسم التطبيقيّ، به انتقل الباحث من المقدّمات النظريّة والمنهجيّة وتشخيص وجوه الهدر في بعض المحاولات البينيّة إلى رسم آفاق ممْكنة للبيْنَنة. وقد استدعى الهرمينوطيقا وعلم الكلام الجديد أفقين لاختبار إمكانيّة بناء منطقة تتقاطع فيها الاختصاصات. أمّا الهرمينوطيقا فتحضر باعتبارها منهجا ورؤية بها يتمّ اختبار مدى "جاهزيّة علم الكلام للخروج من "موطنه الأصلي" تصوّرا ومقاصد، والاندراج في فضاء معرفيّ حديث"[46]. وأمّا علم الكلام الجديد، فاستدُعي في ضوء سؤال توجيهيّ، كما يقول الباحث، وهو: "إلى أيّ مدى تضْمن الدراسات البينيّة إنتاج معرفة غير تقليديّة تتطوّر بها علوم الشرع، وتنسكب بها في مجرى القيم الحديثة؟"[47]. وهكذا، فالمبحث الأوّل لم يكن سوى تمهيد لهدفيْن رسمهما الباحث، هما: "تحرير القول في ما بين علم الكلام القديم وعلم الكلام الجديد من تداخل وتخارج، واستكناه آفاق علم الكلام الجديد وإمكاناته لتحقيق التمايز بعد التخارج"[48].
خصّص المؤلّف المبحث الأوّل، وهو بعنوان: "من أجل تبديد المخاوف من الهرمونيطيقا"، لا لتقديم الهرمينوطيقا بصورة غير مدرسيّة فحسب، بل من أجل هدف رئيس وضعه، كما تقدّم، في العنوان: تبديد المخاوف منها. وهو ما يكشف وعيا بحجم الصدّ والرفض الذي تُقابَل به الهرمينوطيقا من قِبل كثير من المشتغلين بالشرعيّات، على نحو لا يجوز تجاهله، لما يحظوْن به من ثقل في المجتمعات العربيّة الإسلاميّة، بالرغم من كلّ المفارقات التي يعيشونها، والعجز الواضح عن مواكبة العلوم الحديثة. يرى الباحث أنّ تَأخُّرَ التقريب بين الهرمينوطيقا وعلوم الشرع يعود إلى "أنّ تجريب الهرمينوطيقا على المجال النصيّ القرآنيّ لا يحظى بالتّرحيب من طيف من علماء الشرع عامّة والتفسير خاصّة لأسباب أهمّها ما يشاع عن كونها آليّة تأويل تستهدف الإطاحة بقدسيّة النصّ المقدّس من جهة اعتباره نصّا كسائر النصوص التي نشأت في التاريخ ويلحقه ما يلحق كلّ النصوص من تبدّل أو تلف أو تغيّر"[49].
ولم يُجْدِ المتحمّسين "لتفعيل الهرمينوطيقا في فضاء العلوم الدينيّة" دفعُهم المستمرّ لتهمة سحب القداسة من النصّ القرآنيّ عن مقارباتهم. وقد ضمّ الباحث صوتَه إلى صوتهم، فذكر ثلاث خصائص تميّز النصّ القرآنيّ عن غيره: "القدسيّة والخاتميّة والصّلاحية الأبديّة. وبسبب هذه الخصائص يتحمّل المسلمون، باعتبارهم متلقّين للرسالة، مسؤوليّة إبقائها مقدّسة ومكتملة وصالحة. ولمّا كانت هذه الرسالة نصّا، فلن تكون إلاّ القراءة آليّةً مثلى لتحقيق المناط. ومن هنا تحديدا تُقترح الهرمينوطيقا نشاطا قرائيّا لمواجهة انحباس النصّ في زمان ما، وعقل ما، ومتلقّ ما"[50]. ثمّ عاد، في سياق الإقناع، فأعاده إلى طبيعته النصّيّة، بحيث ينظر إليه كما ينظر إلى أيّ نصّ آخر يُحْيِيه إنتاج المعنى الذي تؤمّنه الهرمينوطيقا بلا انتهاء. وهكذا، تصبح الاعتراضات على الهيرمونيطيقا، كما يقول الباحث، بلا معنى[51]. وهو ما أعاد المؤلّف تأكيده في المبحث الموالي، إذ بيّن "أنّ القراءة عمليّة معقّدة تستحضر ما حصّله القارئ من معارف ومهارات على المستوى الفرديّ، وتستدعي الأحوالَ الاجتماعيّة والسياسيّة والأخلاقيّة والاقتصاديّة وكلّ ما في الذاكرة الجماعيّة من تمثّلات. وهكذا يصبح النصّ خاضعا للّحظة التأويليّة التي هو فيها. وهو بذلك يفقد سلطته وانغلاقه الدائمين، فتتعدّد المعاني المستخلصة منه، وتختلف باختلاف الوضعيّات التاريخيّة والثقافيّة"[52].
ولا شكّ في أنّ علم الكلام هو الفضاء المعرفيّ الأكثر جدارة، كما يرى المؤلّف، أن يتجسّد فيه الجهد البينيّ، بالرّغم من أنّ هناك إجماعا على أنّه كان قديما من أكثر العلوم الإسلاميّة إثارة للجدل والخلاف حول هويّته وأصالته واستقلاله. وأمّا من جهة حركته في التّاريخ، فهو "أقرب ما يكون إلى إمكان إبستيمولوجيّ بدّدته المذاهب، فتوزّع أشتاتا قبل أن يأخذ هوّيّته المعرفيّة النهائيّة، واستحال متعدّدا، فوجدنا الكلامَ الأشعريّ والكلامَ الاعتزاليّ والكلامَ الشيعيّ والكلامَ الإرجائيّ، بل قد وجدنا كلام الأفراد. إنّه في نهاية المطاف تجسيد للعقول الإسلاميّة، وليس منوالا لعقل إسلاميّ جامع"[53]. وقد تمّ استدعاؤه "في التاريخ الحديث والمعاصر إلى الفكر الإسلاميّ في إطار الاتّجاهات الإصلاحيّة الكبرى التي قادها أعلام النهضة والتحديث في القرن التاسع عشر"، و"تداعى إليه جماعة من المفكّرين المعاصرين يراهنون عليه في تجديد علم العقل الإسلاميّ تحت مسمّى "علم الكلام الجديد"[54]. وذكر من الأعلام الذين حاولوا العبور بـ"علم الكلام" من وظائفه القديمة إلى سياق جديد: شبلي النعماني الهندي (1857-1914) الذي جرت على قلمه تسميةُ علم الكلام الجديد. وقد جادل الباحثُ عبدَ الجبار الرفاعي في نسبته إلى أحمد خان (1817-1898) بدلا من الهندي، ومحمد إقبال (1877- 1938)...[55].
استهلّ الباحث المبحث الثاني من الفصل الثالث الذي كرّسه لـ: "علم الكلام الجديد وخروج النصّ من الحقيقة إلى التّأويل" بمناقشة التسمية، فبيّن ما عرفته من اختلاف بين من اختار مصطلح "تجديد علم الكلام" ومن فضّل تسميته بـ"علم الكلام الجديد". وقد فضّل الباحث المصطلح الثاني لأسباب إبستيمولوجيّة. وعرض موقف حيدر حب الله من التسميتين واقتراحه بدلا منهما، لأسباب كثيرة بيّنها، "علم أصول الدين أو علم العقيدة الدينيّة أو علم النظريّات العقديّة"[56]. وعطف التحليل بعد ذلك على جدارة علم الكلام الجديد بأن ينهض بمهمّة تشبيك العلوم المختلفة، بقوله إنّ علم الكلام يتميّز بمنزلة تؤهّله إلى أن يكون مساحة يلتقي فيها ما يقع ضمن دائرة علم الشريعة، وما يقع خارجها: "فهو في علاقة تداخل وتخارج مع الدين. فأمّا ما هو من التّداخل فانتساب المتكلّم إلى مجال الدين انتصارا له. وهو، بهذا، معدود في المسائل الإيمانيّة. وأمّا ما هو من التخارج، فانتساب المتكلّم إلى مجال الصناعة الهادفة إلى بناء معرفة حول الدين، وليس هذا معدودا في المسائل الإيمانيّة حصرا بدليل أنّ سهام التضليل والتبديع والتكفير قد لاحقت المتكلّمين على نحو من الأنحاء"[57]. وسعى الباحث إلى تبديد وهم التعارض بين بعديْ النصّ القرآنيّ: البعد الإلهيّ المقدّس والبعد البشريّ، ويعدّ هذا الوهم عقبة كأداء في وجه القبول بالمقاربة الهرمينوطيقيّة كما أسلفنا، فكان أن أكّد الباحث بوضوح، استنادا إلى الهرمينوطيقا، "أنّ الألوهيّة التي تميزه [الوحي/النص] لا تتنافى مع بشريّته التي تتضمّنه وجوبا من جهة كونه معطى لغويّا. واللّغة قناة التواصل بين المرسِل والمرسَل إليه. ولا يكون التواصل ممكنا إن لم تكن اللغة حاملةً المشترك الدلاليّ بين طرفيْ الخطاب"[58]. ويُعدّ هذا التّمييز مهمّا جدا؛ إذْ كان مدخلا لتسويغ إخضاع النصّ للمناهج الحديثة بما فيها المقاربات التأويليّة مثلما نجدها عند يوسف الصدّيق ونصر حامد أبي زيد وعبد المجيد الشّرفي، وغيرهم كثير من الذين قالوا بتاريخيّة النصّ دون المسّ بقدسيّته في أغلب الأحوال[59]. ولعلّ القول بتاريخيّة النصّ يعود على نحو ما إلى الجهد الاعتزاليّ الذي ميّز بين المصحف واللّوح المحفوظ، وبين الوضع والتوقيف في اللّغة...[60].
وفد عمد الباحث، بناء على ما تقدّم، إلى عقد مقارنة بين القديم والحديث، فرأى أنّ الزمن الإسلاميّ القديم هو الزمن التفسيريّ، أما الزّمن الحديث فهو الزمن التأويليّ أو الهرمينوطيقيّ بعبارة محمد مجتهد شبستري الذي يتّجه "نحو المفاهيم الكبرى (النصّ، الحقيقة، المعنى، التأويل، التفسير)[61]. والفرق بين الزمنيْن هو أنّ التفسيريّ يطلب الحقيقة، في حين يطلب الزمن التأويليّ المعنى. و"لا ريب أنّ الفرق شاسع بين الحقيقة والمعنى، فبالحقيقة تدرك أسرار التنزيل ويقع الالتحام/ التماهي بين المادّة التفسيريّة والمراد الإلهيّ. وأمّا التأويل، فيه تقع قراءة الوحي لصياغة الوجود المتجدّد للإسلام"[62]. أمّا الفرق بين علم الكلام القديم ونظيره القديم، فهو أنّ الكلام القديم كان علما "يتضمّن الحجاج على العقائد الإيمانيّة" (...). أما مشروع هذا العلم الجديد، فهو الدفاع عن الإسلام باستبعاد كلّ الإسلام الذي أنتجه الزمن التّفسيري". وهذا، إن ثبت، كأنّه انقلاب كوبرنيكيّ على جميع البنى الاجتماعيّة والأخلاقيّة والسياديّة والتربويّة التي صاغها التفسير"[63]. وينعكس هذا الانقلاب على وظائف كلّ من المفسّر والمؤوّل ووظائفهما، فـ "المفسّر يفسّر ليزداد قربا ممّا يظنّ أنّه مدار المقدّس، والمُؤوِّل يؤوّل لتفكيك "شفرات" النصّ المقدّس وجعله أكثر قربا من الإنسان (...). ويستهدف هذا التأويل "استعادة الإنسان"؛ أي جعله بؤرة العمل التأويليّ"[64]. أمّا المتلقّي، فمن شأن هذا "الدين الإنسانيّ" أن يخرجه من وضعيّة المتلقّي السلبيّ ليصبح في علاقة تفاعليّة مع النصّ[65]. وعلى هذا النحو، تتمكّن الهرمينوطيقا من أن تجعل مباحث النصّ مكرّسة لـ"بشريّة القرآن"، وبها يتمّ استبدال مركزيّة الإنسان anthropocentrisme في قانون الصعود بمركزية الله في قانون النزول، كما يقول المؤلّف. وتلك مقدّمة لتدشين "أنسنة الإسلام نصّا ومعنى"، وهي أطروحة تقضي "بتغيير قواعد العلاقة بين السماء والأرض. فقد كانت محكومة بقانون النّزول الذي يتأطّر داخل معقوليّة الأمر والتّنفيذ (...) وتضحي العلاقة في فلسفة الكلام الجديد محكومة بقانون الصّعود الذي يجعل الإنسان في حواريّة مع السّماء تتأسّس على مَطالبه واحتياجاته"[66]. وترجمة ذلك عمليّا هو التحوّل من سؤال: "ماذا يريد النصّ منّي؟" إلى سؤال آخر هو: "ماذا أريد من النصّ؟". ولمزيد التوضيح، يستدلّ الباحث بمثال استجلبه من سبشتري، يقول فيه: "لطالما قلتُ إنّ السؤال عمّا إذا كان الإسلام يتوافق مع الديمقراطيّة سؤال خاطئ. والسّؤال الصحيح هو: هل يريد المسلمون الديمقراطيّة؟"[67]. ولا شكّ في أنّ هذا الانقلاب سيصيب سلطة الفقهاء التقليديّين الذين سيتمّ استبعاد سلطتهم الاحتكاريّة للتفسير، في مقابل فتح المَعابر بين الشرعيّات وجميع العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة الحديثة[68].
ويستدعي القول باستبدال مركزيّة الإنسان anthropocentrisme في قانون الصعود بمركزية الله في قانون النزول، الحديث عن الأطروحة التي بنى عليها المفكّر المصري حسن حنفي مشروعه الفكريّ متأثّرا بلاهوت التّحرير (مثله مثل آمنة ودود كما سيشير الباحث لاحقا). وهي أطروحة قلبت التصوّرات القديمة رأسا على عقب، إذ غيّرت منزلة الإنسان الوجوديّة في علاقته بالذات الإلهيّة بكلّ ما ينجرّ عنها من تحرير للإنسان وجميع الأحكام والتصوّرات المتّصلة به في الفقه وعلم الكلام، وإن كان يعتبر العلاقة الأولى رأسيّة والثانية أفقيّة، وهي تسميات تقابل ما استقرّ اختيار الباحث عليه هنا بـ: قانون النزول وقانون الصّعود[69].
وختم الباحث على الصّالح مولى هذا الفصل باستنتاجيْن جامعيْن مكثّفيْن اخترقا كامل الفصل، وهما:
- أوّلا: أهليّة علم الكلام لترسيخ ممارسة بينيّة في قوله: "إنّ إعادة اكتشاف علم الكلام في التاريخ المعاصر برّره تقدير العاملين في مجاله بأنّه يستطيع عبر عمليّات تعديل نوعيّة على وسائله وموضوعاته أن ينهض بوظيفة علميّة وحضاريّة في الوقت نفسه. فالإطار العقليّ المنفتح الذي نشأ فيه يشجّع على مقاربة الدين بأدوات غير دينيّة"[70].
- ثانيا: جدارة الهرمينوطيقا بمهمّة الوساطة بين النصّ المقدّس والعلوم، ونفي تهمة سحب القداسة من النصّ عنها. يقول مولى: "تكون الهرمينوطيقا جسما وسيطا بين النصّ المقدّس وهذه العلوم [الإنسانيّة والاجتماعيّة]، وهي إذ تكون كذلك، يتباعد الخوف والتخويف (المبرّران أحيانا) منها حيث تُقدّم من خصومها، باعتبارها تهديدا للوحي لأنّها تسحب القداسة منه. فالوساطة التي عبّرنا بها عن وظيفة الهرمينوطيقا تجعل دورها منحصرا في فتح المقدّس المكتمل والمنغلق على البشريّ الناقص، ولكنّه المتطوّر والمتغيّر"[71].
ولا يمكن أن ننهي عرض هذا الفصل دون استدعاء ما عرفته محاولات إحياء علم الكلام أو تجديده من نقد واعتراض، فقد شكّك المفكّر المغربي عبد الله العروي في جدوى إحياء علم الكلام استنادا إلى خلل إبستيمولوجيّ فيه يعوقه عن التقدّم والتجدّد. وهذا العائق، كما يقول، هو "عجزه عن عقل الزمان، بمعنى التطوّر والتغيّر، لا بمعنى الظهور بعد الكمون"[72]، فضلا عن خاصّيتين أخريين ملازمتين له، هما: الحصر والاستيفاء، ويعني مفهوم الحصر، عند العروي، السعيَ إلى ضبطِ المقالاتِ وحصرِها في عدد معلوم، وذلك بردّ "المسائل إلى قواعد، ثم ردّ هذه إلى أصول حتى يشيّد بناء فكريّا متناسقا (...) وهنا يعترضنا ما يروى عن الأصول الخمسة"[73]. لذلك، فإنّه لا مطمع في أن يأتي المتأخّر بما لم يأت به الأوائل. وكلّ إحياء في نطاق منطق الكلام إنّما هو في حقيقته بعث لأمر قديم وجد فعلا. أمّا الاستيفاء فيعني أنّ كل القضايا والإشكاليّات، كل المطالب والمباحث، التي يمكن أن تُثار قد أثيرت فعلا في إطار علم الكلام، لأنّ "المسائل والمقالات محدودة منذ البداية، وهي الموجودة عند المتقدّمين والمتأخّرين على السّواء. إنّ كتب المقالات تحتوي على كلّ الاحتمالات، وهي محصورة في عدد مزعوم. وكتب العقائد تحتوي على الاختيارات المحقّقة بالفعل. فلا يُتصوّر إبداع افتراض مقالة زائدة ولا تحقيق اختيار لم يتحقّق بعد. العمليّة الأولى ممتنعة والثانية محظورة"[74]. ولكن، أليس في تشبيك المعارف والمناهج الحديثة، واستبدال مركزيّة الإنسان في قانون الصعود بمركزية الله في قانون النّزول بما يعنيه من ثورة على مرجعيّة المطلق ذاتا وعلما، وأنسنة الدّين... ما يمكّن علم الكلام الجديد من التجدّد فعلا، بل الانقلاب على صورته القديمة حتّى القطيعة؟ يغلب على الظنّ أنّ الفتوحات التي تَعِد بها الهرمونيطيقا موظَّفةً في علم كلام جديد ذي أسس وتصوّرات ورهانات جديدة قد تكون قادرة على تفنيد توقّعات العروي.
يُعدّ الفصل الرابع الموسوم بـ: "النسويّة الإسلاميّة ومغامرة التّأويل" عملا اسكشافيّا ثانيا بحث فيه المؤلّف عمّا يُفيد توظيف الخطاب النسويّ أدواتٍ وعلوما من حقول معرفيّة متعدّدة، أي عن حدود ما يتوفّر في المقاربة الجندريّة من تقاطعٍ للاختصاصات. وقد فرّعه الباحث إلى مبحثين متعالقيْن؛ الأوّل منهما أكثر تعميما وأوسع مساحة من الثاني، وفيه انصرفت العناية إلى دراسة النسويّة نشأةً وحقلا معرفيّا تقاطعت فيه علوم اجتماعيّة وإنسانيّة بعد أن كان في بداياته حركة احتجاجيّة مناضلة في سبيل نيل المرأة حقوقَها. وتمحّض الثاني، للنظر في التجربة النسويّة الإسلاميّة وخصائصها وأدوات عملها، بالاستناد إلى تجربة آمنة ودود[75].
انفتح المبحث الأوّل: "النسويّة حقلا معرفيّا بينيّا" بتعريفيْن: لغويّ واصطلاحيّ؛ فمِنَ الأوّل قولُ الباحث: "النسويّة تعريب لكلمة feminism/féminisme، وهي متأتّية من الجذر feminin الذي يعني جنس الأنثى. وأمّا أصل الكلمة، فيرجع إلى اللاّتينيّة femina، والرّاجح أنّ هذا اللّفظ دخل في التاريخ الحديث إلى اللسان الفرنسيّ في المعجم الطبيّ أوّلا"[76]. ومِنَ الثاني قوله: "النسويّة اصطلاحا، وفي سياق ما نحن بصدده، ليست حركة اجتماعيّة حقوقيّة تنتصر للمرأة، ولا هي اتّجاه إصلاحيّ يرمي إلى تحسين وضعيّتها في المجتمع (...) وهو ما نفسّر به تأخّر ولادة المصطلح وعدم موافقته ظهور الحركات والاتّجاهات الإصلاحيّة والتحرّريّة، فهو عنوان لمعرفة، وليس لحركة اجتماعيّة"[77]. وقد احتاج المرور من مرحلة المطالبة بالحقوق إلى المرحلتين الإيديولوجيّة فالمعرفيّة إلى ما يقرب من قرنين. وتنوّعت تسمية هذه الدراسات، وأوّلها عنوان الدراسات النسويّة، فالنوع الاجتماعيّ والجندر...[78]. ويعيد الباحث هذه التحوّلات إلى دخول المرأة ميدان المعرفة المتخصّصة في الحقل الدينيّ وحيازتها منهجيّات البحث العلميّ منذ الستّينيات. وإلى اعتراف الأكاديميا الرسميّة بالنسويّة حقلا معرفيّا[79].
وأشار الباحث إلى أنّ النسويّة في المجال العربيّ الإسلاميّ صنفان: "أحدهما تغلب عليه المغالاة إلى الحدّ الذي يلوح فيه لا فقط مُدينا التراثَ التفسيريّ الذكوريّ، بل أيضا محمّلا القرآن نفسه ما تعيشه المرأة المسلمة من استبعاد وإذلال وامتهان، وأنّه لا سبيل إلى تمكينها من حقوقها إلاّ بالقطع مع شبكة القيم التي تضمّنها القرآن وتوسّع في تبريرها وتثبيتها الفقهُ الذكوريّ، والنهل مباشرة من معين الحضارة الغربيّة وما وفّرته الحداثةُ من مكاسب. والثاني يُحمِّل من تولّى التفسير وإنتاجَ المعرفة في الإسلام مسؤوليّة السّطو على القرآن وتوجيه معانيه ومقاصده نحو الأهداف التي ترغب الجهة القائمة على التفسير في الوصول إليها"[80]. وانصرف اهتمام الباحث، بعد هذا التّمييز، إلى تأكيد أهمّيّة النسويّة الإسلاميّة ومشروعيّتها معرفيّا وحضاريّا وواقعيّا؛ فـ"النسويّة الإسلاميّة رافد من روافد النسويّة في العالم. ورغم أنها تأخّرت في الظهور اصطلاحا ومضمونا (...) فإنّ مشروعيّة وجودها إن لم تكن أوكد من مشروعيّة غيرها من النسويّات فهي، دون ريب، ليست أدنى منها لسبب مباشر على الأقلّ، وهو أنّ الإسلام نصّا وتأويلا وتاريخا من الديانات الكبرى التي مازالت إلى الآن تتحكّم في حياة المؤمنين"[81]. ورفد تلك الأهميّة والمشروعيّة بما أنجزه هذا الحقل المعرفيّ في أفق البيْنَنة، على قصر مدّة ظهوره وانتشاره، فذكر الباحث أنّ "من خصائص هذا الحقل أنه حقل بينيّ تتقاطع فيه العلوم والمناهج (...) ويبدو أنّ الإنتاج العلميّ لهذا الحقل تراكم بسرعة، وتوسّع حتّى شمل أغلب أنظمة المعرفة أصولا ونتائج. ومن مزايا تموقعها في منطقة تقاطع الاختصاصات أنّها كانت تستخدم ما لدى تلك الاختصاصات من أدوات دون مشاكل تُذكر"[82].
وفي المبحث الثاني الأكثر تخصيصا الذي وسمه الباحث بـ: "آمنة ودود وإنشاء المعنى القرآني النسويّ" استدعى تجربة آمنة ودود التأويليّة بخلفيّتها الجندريّة "لإظهار الدور الذي قامت المداخل النظريّة والأدوات البحثيّة تلك التي سخّرتها ودود لاختراق البنى التي تشكّل منها عالم التفسير الذكوريّ وتدشين أفق تأويليّ نسويّ يفتكّ شرعيّته من قيمتي العدل والمساواة في القرآن"[83]. وهي وجهة نظر تأويليّة تتنزّل في "الأفق اللاّهوتيّ النسويّ عموما، وفي لاهوت التحرّر على وجه الخصوص. وتقع الاستفادة مباشرة من الرصيد المعرفيّ والمنهجيّ الذي تراكم بسرعة في التجارب النسويّة الأمريكيّة والأوروبيّة"[84].
وكانت الأطروحة القاعديّة الأولى التي انطلقت منها ودود، مثلما ذكر الباحث، هي التسليم بأنّ الله عادل عدلا مطلقا، وأنّ عباده متساوون، وهذا ما جاء به القرآن. وإذا كان الواقع يشي بضدّ تلك القيم، فما ذلك إلاّ بسبب التفسير والمفسّرين الذين أسقطوا أهواءهم على النصّ، وهو أمر تفاقم بمرور التاريخ؛ إذ "كلّما ابتعد الناس زمنيّا عن القرآن ازدادت سلطة المفسّرين وكثرت العلوم الوسيطة (...) وهكذا حجبت نصوص المفسّرين خصوصا، ونصوص من يقدّمون المعرفة عموما نصّ القرآن"[85]. وبهذا الموقف تقف ودود على النقيض من الطّرح السّلفي، وإن تشابها، في إدانة التاريخ.
أمّا من الناحية المنهجيّة، فإنّ ودود قد استحضرت السّياق في قراءتها النصّ القرآنيّ إيمانا منها بأنّ كلّ خطاب، أيًّا كان هذا الخطاب، لا ينفصل عن "سياق إنتاجه". والخطاب القرآنيّ لا ينفكّ عن هذه القاعدة، ولا عن أن يتأثّر بسياق إنتاجه الخاصّ "من حيث تركيبه اللّسانيّ أو من حيث المعاني التي تضمّنها. وكانت عمليّة مراعاة الخطاب لنوع السياق من أهمّ الضمانات ليُقبل عليه المتلقّي، ويتقبّل ما فيه. وسمّت ودود المعنى الحاصل من التفاعل بين الخطاب القرآنيّ والسياق "المعنى السياقيّ"[86]. وذهبت ودود، كما يقول المؤلّف، إلى أنّ المعنى السياقي "لا يمكن إلاّ أن يحرّر منتجَه من الادّعاء بأنّ التفسير، أيّ تفسير هو عين المراد القرآنيّ. وبمثل هذا التحرّر من الانضباط للحقيقة الواحدة والنهائيّة المزعومة يُضْحي كلّ تفسير مجرّد فهم جزئيّ ونسبيّ وخاصّ باللّحظة التي تمّ فيها إنتاجه. والأهمّ من كلّ ذلك أن تنفتح الإمكانيّات أمام تطويره وتجديده"[87]. وكانت النتيجة الكبرى التي انتهت إليها قراءتها، وأطاحت بها بالزمن التفسيريّ: "نحن من ننشئ المعنى"[88]. وينتج عن هذا الاستنتاج بصورة آليّة تقريبا القولُ إنّ المعاني تتغيّر بتغيّر السّياقات من زمن إلى زمن، "وتبعا لذلك يتغيّر ما يتكلّم به القرآن إلينا، أي ما نفهمه منه"[89]. ويلاحظ الباحث أنّ ودود تتعامل مع اللّغة "وفق مستويين: لغة تأسيس، ولغة تأويل. الأولى صريحة مباشرة، والثانية "لغة ضمنيّة تستدعي تأويلا لاستخراج المعنى الذي لا يتناقض مع لغة المستوى الأوّل الصريحة (...) [انطلاقا من] تصوّر مفاده أنّ اللّغة لا تنجز وظيفتها التواصليّة إلاّ داخل سياقات الاستخدام الاجتماعيّ والثقافيّ. ومن هذا المدخل يتمّ استحضار وسائط التأويل المتعدّدة مثل أسباب النزول، وعموم اللّفظ وخصوص السبب، وتاريخيّة النصّ، وانتماء الكلمة ومَراجعها ومناسبات استعمالها"[90]. وما من شكّ في أنّ مقاربة كهذه، وانقلابا شديدا في المنظور يستدعي استعدادا نفسيّا للاقتناع بأنّ القول بعدم المساواة بين الرجل والمرأة ليس قيمة قرآنيّة، بل هو من "انحرافات التفسير"، ويعود "إمّا إلى خصوصيّة السياق الذي نزلت فيه الآية، أو إلى خصوصيّة التفسير المحكوم بشرط لحظته التاريخيّة"[91]. أما استخراج المعنى المناسب، فيستدعي استعدادا معرفيّا ومنهجيّا يحتاج معه صاحبه/صاحبته إلى "حيازة معارف متنوّعة واستثمارها في الفهم والاستنتاج واستخلاص القيمة التي لا تتنافى مع المقاصد الكلّيّة التي تضمّنها القرآن"[92].
استهلّ الباحث الفصل الخامس الذي عنونه بـ: "نحو إعادة بناء المجال الدينيّ.. من البينيّة إلى الصّهر" بتوصيف واقع المشهد الثقافيّ العربيّ الإسلاميّ المجزّإ وتجارب البيْنَنة المهدورة، وهو مشهد يتميّز بوجود "عقول متعدّدة تعدّد الجغرافيا الثقافية"[93]، وبانعدام عقل إسلاميّ كلّيّ أو أعلى، كما يسمّيه المؤلّف. وعلى هذا، كان مدار المبحث الأوّل. وتمحور المبحث الثاني حول "ضرورة العبور من مطلب البينيّة إلى مطلب الصّهر بين حقليْ العلوم الدينيّة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة". وهكذا، قام الباحث بتوجيه بوصلة البحث صوب اختيار منهجيّ يتجاوز التجارب التي أتى على ذكرها في ما سبق من البحث. يقول المؤلّف: "إزاء تجارب البيْنَنة المستعصية والمهدورة، (...) نعتقد بأنّه من الضروريّ تغيير اتّجاهات البحث نحو مقاربة تستهدف إعادة بناء المجال الدينيّ وفق مقتضيات المعارف والقيم التي تنتظم داخل الزمن الحديث بكلّ محمولاته الكونيّة حيث يجد فيه الإنسان، مهما كان انتماؤه، هويّته باعتباره "إنسان العالم"[94].
طرح الباحث علي الصالح مولى في بداية المبحث الأوّل: "خرائطيّة العقول وجزأرة الاجتهاد" جملةً من الأسئلة التي ستوجّه بحثه وتؤطّر إجاباته، وهي: "ما السبيل إلى أن يكون صانع الفتوى منتجا المعنى من دون أن يفرّط في روح الدين ومنزلة الإنسان فيه؟ وما السبيل إلى أن يكون الحداثيّ مجتهدا بعدّته المعرفيّة والمنهجيّة لتحقيق ما يُعتقد أنّه من مشمولات الفقه وحده؟ وما السبيل إلى أن يكون العقل الإسلاميّ ملتقَى هذين المسارين المتنابذين تنابذا تاريخيّا لا وجوديّا؟"[95]. وأوضح، لمزيد التأكيد، أنّ الجواب عن هذه الأسئلة يستهدف تجاوز "المشهد الاجتهاديّ– التأويليّ المطبوع واقعيّا بالتشتّت المؤدّي إلى بناء عقل إسلاميّ ممزّق تتنازعه قراءات لم تنجح إلى الآن في إنتاج جملة من التقاطعات بين مختلف العلوم الشرعيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة المساعدة على توليد معرفة تتغذّى من مختلف الروافد الاجتهاديّة، وتنزع نحو تكوين أفق ثقافيّ يمكّن المسلمين من أن تكون لهم إسهامات تعيدهم إلى مجرى التاريخ الحيّ، وتجعل لهم دورا في تأثيث الشبكات القيميّة المتحكّمة في مسارات العالَم المعاصر"[96]. أمّا الحلّ عنده، فيكمن في تجاوز البينيّة إلى الصّهر بين حقليْ العلوم الدينيّة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، معتبرا إيّاه الهدف الأسمى والأقدر على بلورة عقل إسلاميّ منتج للمعرفة وفق ضوابطه الخاصّة المحقّقة لمبدإ التوحيد وفلسفة المقاصد بعيدا عن "معارك التأصيل الزّائفة ومشاريع الأسلمة المستحيلة"[97].
والعقل الإسلاميّ المقصود هو عقل هوويّ أعلى أو كلّيّ يجمع بين الحقول المعرفيّة التي ظلّت تنشط في الحقل الدينيّ دون إستراتيجيّة واضحة، وكان ينبغي أن تنسكب جميعا، باعتبارها عقولا قطاعيّة مجزّأة، في هذا العقل. وعند هذه النقطة، يلتقي الرهان الحضاريّ بالرهانات الإبستيمولوجيّة والنظريّة. ومن المقاربات التي اشتغلت بالحقل الدينيّ، في عزلة وتجزّؤ، يذكر الباحث: المقاربات النصّانية (بكر بن عبد الله أبو زيد عضو مجمع الفقه الإسلاميّ)، والمقاربة الحقوقيّة (محمد الشرفي) والمقاربة الأنثروبولوجيّة التطوّرية (محمد عابد الجابري)، والمقاربة التأويليّة اللسانيّة (محمد شحرور). وهي نماذج لم تختلف حول المصدر الإلهيّ للنصّ وللتشريع بالتبعيّة، ولكن حول قراءة النصّ وتأويله، غير أنّ كثيرا من الجهود ذهبت سدى حين انحرف الاختلاف عن "الاجتهاد في النصّ إلى الطعن فيه"[98].
إنّ الحديث عن عقول قطاعيّة مجزّأة في المشهد الثقافيّ العربي الحديث والمعاصر الذي تحدّث عنه الباحث علي الصالح مولى يستدعي إلى الذهن تحليل الجابري للثقافة العربيّة القديمة والتمييز فيها، على وجه المفاضلة، بين عقل برهانيّ وآخر بيانيّ وثالث عرفانيّ. ونخشى أنّ ما نُقِد به الجابري قد يُنقد به هذا المؤلَّف أيضا، غير أنّ الاختلاف يكمن في أنّ الجابري قد فضّل أحد هذه العقول (البرهانيّ)، ودعا إلى استئنافه، في حين دعا مولى إلى وحدتها، بل انصهارها[99].
ويمثّل المبحث الثاني: "من البينيّة إلى المنهج العابر للاختصاصات" عودة إلى التجريد والتنظير. ولكنْ، من طريق غير التي سلكها الباحث في الفصلين الأوّل والثاني؛ إذ كان خلاصة مسار بحثيّ نظريّ وتجريبيّ خاضه الباحث في الفصلين الثالث والرّابع. وكان هاجسه تجويدَ النظر في المساحات الممكنة لاختبار فرضيّة التقاطع؛ فكان علم الكلام الجديد علما شرعيّا، والهرمينوطيقا وسيلةً وسيطةً للتّفاعل بين العلوم الشرعيّة من جهة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة من جهة أخرى. وكانت النسويّة مغامرة تأويليّة. وهو ما أجمله في قوله: "كانت بداية هذه الرحلة تأمّلا في نظريّة المعرفة الإسلاميّة الكلاسيكيّة، وكانت نهايتها طلبا لإمكان نظريّة جديدة لهذه المعرفة"[100]. وقد عبّر الباحث عن وعيه بضرورة تتويج بحثه بجملة من التصوّرات الكليّة والاستنتاجات العامّة التي ينبغي أن تقود كلَّ جهد يروم تحديث الفكر الإسلاميّ عبر محاولة بناء نظريّة إسلاميّة جديدة في المعرفة تبني الإنسان المسلم المعاصر. يقول الباحث: "نخصّص ما تبقّى من هذا المبحث لبيان الجدوى الحضاريّة من إنشاء ما سبق أن اصطلحنا عليه حقل "المجتهد- المفكّر" بديلا من حقل "المجتهد– المفتي"[101]. والعدّة التي لا مناص من توفّرها لهذا المجتهد- المفكّر هو المرجعيّات المتعدّدة التي تنصهر على يديه في عقل كلّي جامع يفتح السياجات الدوغمائيّة المغلقة، وينفتح على القيم الحديثة: الحرّية، العدالة، الديمقراطيّة، الإنسيّة، الخير، الدولة، الحقوق..[102]. ويشدّد الباحث على أنّه لا يكفي أن تتعدّد العلوم والمناهج وأن تتقاطع، بل أن يتمّ صهرها في بوتقة واحدة، و"إن لم يندمج بعضها في بعض اندماجا يتجاوز مرحلتي التعدّد والتقاطع في إطار تصوّر جديد لفلسفة التحديث يعاد فيه إعادة تشكيل تصوّرنا للمعرفة في الإسلام نظريّة وإنجازا، فإنّه تظلّ توجد مساحات عازلة تمنع تفكيك كثير من الأحكام والأوهام، وتحرم العقل من أن تتحرّك داخله المعارف منسابة في ألفة دون مضايقات مسبقة واحترازات ثقافيّة يفترض أنّها مُتجاوَزة"[103].
وهكذا يستقرّ رأي المؤلّف على أنّ مصطلح العبور (المعارف العابرة للتخصّصات) أعلى وأوسع من مصطلحيْ تقاطع الاختصاصات وتعدّد الاختصاصات؛ لأنّه يمثّل النسق العامّ/العقل الكلّي/العقل الأعلى الذي تندرج فيه العقول الجزئيّة والتخصّصية شرعيّةً كانت أو إنسانيّة واجتماعيّة[104]. وختم الباحث هذا المبحث الأخير بتأكيدٍ كثّف به وفيه رؤيته معرفيّا وحضاريّا، إبستيمولوجيّا وإيتيقيّا، فقال: "لا يخالطنا ريب في أنّ المرور من وضعيّة الإبداع المعرفيّ تحت سقف التقاطع إلى وضعيّة الصّهر والدمج تحت سقف النسق (الصهر) هو وحده من تُعلّقُ عليه آمال تحديث الفكر الإسلاميّ"[105].
III- الخاتمة
ختاما، هذا كتاب رائد في المباحث البينيّة، لم يكتف بالدعوة إلى التجسير بين الشرعيّات من جهة، والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة من جهة أخرى، بل أخضع "تجارب بينيّة" مهدورة للدرس والتّمحيص، وقدّم أخرى واعدة بإمكانات تشبيك واسعة، ولم يثقل متنَه باستعراض التعريفات المدرسيّة، وإنْ حشد مراجع ومصادر بلغات عدّة ومشارب كثيرة، قديمِها وحديثِها والأكثر حداثة. وهو إلى ذلك طريف في طرحه، جريء في مواقفه، تجاسر على الدعوة إلى ضروب من القطائع المعرفيّة والإبستيمولوجيّة، دون أن يرمي الرضيع مع الغسيل، وقد أداره المؤلّف على إشكاليّة رئيسيّة هي العلاقة البينيّة بين العلوم الشرعيّة من جهة، والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة من جهة أخرى. وتحرّك البحث في ضوء سؤال مركزيّ مركّب، هو: "كيف يكون الانتساب إلى الزمن الحديث انتسابا إيجابيّا تتقدّم فيه الثقافة الإسلاميّة باقتراحات، وتنهض فيه بأدوار تساعد على تحسين شروط عيش الإنسان داخله"[106]. ووجّهه بسؤال مركّب تركيبا ثلاثيّا أكثر تخصيصا وأقرب إلى المدار الإنجازيّ العمليّ يستجمع البحث من أوّله إلى آخره، وهو: "ما العوائق المنتصبة في وجه تشبيك العلوم الدينيّة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة؟ وما الإمكانات المتاحة لتذليلها؟ وما الوسائل التي تيسّر المهمّة؟"[107]. وقد رسم شروطا لهذا التّشبيك الذي جعله رهانا للانتقال بالعقل الإسلاميّ من الزمن القديم إلى الأزمنة الحديثة، وهو فتح مساحات التقاء بين العلوم الشرعيّة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة تتجاوز أفكار الأسلمة والتأصيل والتوطين التي أثبتت عدم جدواها.
وقد بدا الباحث واثقا من أهمّيّة الأفق البحثيّ الذي فتحه، ومن جذريّة ما دعا إليه حتّى أنّه وسمه بالثورة، إذ يقول: "ليس من المبالغة إذن اعتبار انفتاح الفكر الدينيّ الإسلاميّ على هذا الأفق المنهجيّ بمثابة الثورة التي لا شبيه لها في سابق الأزمان. ومعنى الثورة الخروجُ من برادايم التفسير والفيلولوجيا إلى برادايم التأويل"[108].
[1]- أستاذ تعليم عال بالجامعة التونسيّة مهتمّ بقضايا الفكر العربيّ المعاصر
[2]- على الصّالح مولى، البينيّة: في الأكاديميا العربية والإسلاميّة، ط.1، بيروت/ الشارقة، مؤمنون بلاحدود، 2023
[3]- المصدر نفسه، ص: 8
[4]- المصدر نفسه، ص: 10
[5]- المصدر نفسه، ص: 234
[6]- الصدر نفسه، ص: 18
[7]- المصدر نفسه، ص: 10
[8]- محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، (نقد العقل العربي 1)، ط.4، المركز الثقافيّ العربيّ، الدار البيضاء/ بيروت، 1991. ص ص: 336- 339
[9]- على الصالح مولى، البينيّة، مصدر سابق، ص ص: 10- 11
[10]- المصدر نفسه، ص: 14
[11]- المصدر نفسه، ص ص: 13-14 وص: 17
[12]- المصدر نفسه، ص: 17
[13]- المصدر نفسه، ص: 66
[14]- Paul Feyerabend, Contre la méthode: esquisse d’une théorie anarchiste de la connaissance. Traduit de l’anglais par: Baudouin Jurdant et Agnès Schlumberger, éd. Seuil, Paris, 2020, p.12. et p.337
[15]- على الصالح مولى، البينيّة، مصدر سابق، ص: 18
[16]- المصدر نفسه، ص ص: 19- 20
[17]- المصدر نفسه، ص: 21
[18]- المصدر نفسه، ص: 30
[19]- المصدر نفسه، ص: 31
[20]- المصدر نفسه، ص: 37
[21]- المصدر نفسه، ص ص: 39- 40
[22]- المصدر نفسه، ص: 42
[23]- محمد عابد الجابري، التراث والحداثة، دراسات ومناقشات، ط.1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1991، ص ص: 320- 321
[24]- على الصالح مولى، البينيّة، مصدر سابق، ص: 54
[25]- المصدر نفسه، ص: 33
[26]- المصدر نفسه، ص: 55
[27]- المصدر نفسه، ص: 66
[28]- المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[29]- المصدر نفسه، ص: 70
[30]- المصدر نفسه، ص ص: 73- 72
[31]- المصدر نفسه، ص: 70
[32]- المصدر نفسه، ص: 80
[33]- المصدر نفسه، ص ص: 82- 83
[34]- المصدر نفسه، ص: 86
[35]- المصدر نفسه، ص: 89
[36]- المصدر نفسه، ص ص: 90- 91
[37]- المصدر نفسه، ص: 114
[38]- اسماعيل راجي الفاروقي، أسلمة المعرفة: المبادئ العامّة وخطّة العمل، تر. عبد الوارث سعيد، دار البحوث العلميّة، الكويت، 1983، ص: 33
[39]- على الصالح مولى، البينيّة: مصدر سابق، ص: 93
[40]- المصدر نفسه، ص: 97
[41]- المصدر نفسه، ص: 100
[42]- المصدر نفسه، ص: 101
[43]- المصدر نفسه، ص: 107
[44]- المصدر نفسه، ص ص: 107- 108
[45]- المصدر نفسه، ص: 94
[46]- المصدر نفسه، ص: 118
[47]- المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[48]- المصدر نفسه، ص: 124
[49]- المصدر نفسه، ص: 119
[50]- المصدر نفسه، ص: 123
[51]- المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[52]- المصدر نفسه، ص: 141
[53]- المصدر نفسه، ص: 130
[54]- المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[55]- المصدر نفسه، ص135
[56]- المصدر نفسه، ص139
[57]- المصدر نفسه، ص: 157
[58]- المصدر نفسه، ص: 142
[59]- ينظر مثلا على التوالي:
يوسف الصدّيق، هل قرأنا القرآن، أم على قلوب أقفالها، ط.2، دار محمد عليّ، صفاقس/ دار التنوير، بيروت، 2015، ص: 9
نصر حامد أبو زيد، مفهوم النصّ، دراسة في علوم القرآن، ط.5، بيروت/ الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 2000، ص ص: 9- 10
عبد المجيد الشّرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ط.1، بيروت، دار الطليعة، 2001. (كامل الفصل الثاني).
[60]- يُنظر مثلا: نصر حامد أبو زيد، الاتّجاه العقليّ في التّفسير، دراسة في قضيّة المجاز في القرآن عند المعتزلة، ط.1، بيروت، دار التنوير، 1982، ص: 70 وما بعدها.
[61]- على الصالح مولى، البينيّة، مصدر سابق، ص: 148
[62]- المصدر نفسه، ص: 150
[63]- المصدر نفسه، ص: 149
[64]- المصدر نفسه، ص: 151
[65]- المصدر نفسه، ص: 152
[66]- المصدر نفسه، ص ص: 152- 153
[67]- المصدر نفسه، ص: 153
[68]- المصدر نفسه، ص: 157
[69]- ينظر مثلا: حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة (1)، مقدّمات نظريّة، القاهرة، مؤسسة هنداوي، 2020، ص: 83
[70]- على الصالح مولى، البينيّة، مصدر سابق، ص: 161
[71]- المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[72]- عبد الله العروي، مفهوم العقل، بيروت/ الدار البيضاء، المركز الثقافيّ العربيّ، 2006، ص ص: 101- 102
[73]- المرجع نفسه، ص: 89. وانظر كذلك ص: 91
[74]- المرجع نفسه، ص: 93. للتوسّع يمكن النظر في: امبارك حمدي، التراث وإشكاليّة القطيعة في الفكر الحداثيّ المغاربيّ.. بحث في مواقف الجابري وأركون والعروي، (سلسلة أطروحات الدكتوراه 126)، ط1، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2017. الفقرة: "تجديد علم الكلام"، ص: 185 وما بعدها:
[75]- على الصالح مولى، البينيّة، مصدر سابق، ص: 164
[76]- المصدر نفسه، ص: 165
[77]- المصدر نفسه، ص: 166
[78]- المصدر نفسه، ص: 167
[79]- المصدر نفسه، ص ص: 168- 169
[80]- المصدر نفسه، ص: 182
[81]- المصدر نفسه، ص: 178
[82]- المصدر نفسه، ص: 170
[83]- المصدر نفسه، ص: 185
[84]- المصدر نفسه، ص: 192
[85]- المصدر نفسه، ص ص: 190- 191
[86]- المصدر نفسه، ص ص: 192- 193
[87]- المصدر نفسه، ص: 193
[88]- المصدر نفسه، ص: 194
[89]- المصدر نفسه، ص: 193
[90]- المصدر نفسه، ص: 199
[91]- المصدر نفسه، ص: 200
[92]- المصدر نفسه، ص: 196
[93]- المصدر نفسه، ص: 207
[94]- المصدر نفسه، ص: 204
[95]- المصدر نفسه، ص: 205
[96]- المصدر نفسه، ص ص: 205- 206
[97]- المصدر نفسه، ص: 205
[98]- المصدر نفسه، ص ص: 209- 215
[99]- يُنظر في تمييز العقول الثلاثة: محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، (نقد العقل العربي 1)، المركز الثقافي العربي، ط4، الدار البيضاء/ بيروت، 1991، ص: 134 وما بعدها.
وينظر مثلا في نقده:
- علي حرب، النصّ والحقيقة 1، نقد النصّ، ط.3، الدار البيضاء/ بيروت، المركز الثقافيّ العربيّ، 2000، ص: 119
- طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، ط.2، الدار البيضاء/ بيروت، المركز الثقافيّ العربيّ، 1993، ص ص: 32- 33
[100]- على الصالح مولى، البينيّة، مصدر سابق، ص: 236
[101]- المصدر نفسه، ص: 227
[102]- المصدر نفسه، ص: 218
[103]- المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[104]- المصدر نفسه، ص: 233
[105]- المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[106]- المصدر نفسه، ص: 11
[107]- المصدر نفسه، ص: 14
[108]- المصدر نفسه، ص: 145