التاريخ الجديد ومقولة البنية بدل الحدث
فئة : مقالات
ينفتح كتاب "أركيولوجيا المعرفة" على رصد ملامح الثورة الجديدة في كتابة التاريخ القائمة على الانفصالية وتعدد مستويات التحليل وإعادة بناء مقولة الحدث ذاتها، ويوضح ذلك النص التالي: "ها قد مضت عشرات السنين واهتمام المؤرخين متركز بالدرجة الأولى على الفترات الطويلة، كما لو كانوا يسعون إلى أن يكتشفوا خلف تغيرات السياسة وتقلب أحوالها، والتوازنات القارة التي يعسر الإخلال بها، والتطورات التي ترتد على عقبيها، والانتظامات الثابتة، والظواهر الميالة التي تنقلب، عندما تصل إلى أوجها بعد أن تكون قد استمرت حقبا زمنية طويلة، وحركات التراكم والإشباع البطيء، والدعائم العظيمة الثابتة الخرساء التي كساها تشابك الحكايات التقليدية بغلاف سميك من الأحداث، من أجل القيام بهذا التحليل، يتوفر المؤرخون على أدوات صاغوها بأنفسهم في جانب منها وتلقوها في جانب آخر… لقد مكنتهم تلك الأدوات من أن يتبنوا داخل حقل التاريخ، طبقات رسوبية متباينة، فحلت مكان التعاقبية الخطية التي كانت حتى تلك الآونة تشكل موضوع البحث التاريخي، عمليات سبر الأغوار، بدءا من الحركية التي تطبع السياسة، حتى التباطؤ الذي يميز الحضارة المادية، تعددت مستويات التحليل، وتميز كل منها بانفصالاته الخاصة، وانطوى على تقسيم لا يخصه ألا وهو وحده، وكلما اتجهنا نزولا نحو أكثر الدعامات عمقا ازدادت التقسيمات اتساعا وشساعة، وارتسمت خلف التاريخ الذي يعج بالحكومات والحروب والمجاعات، تواريخ يكاد النظر لا يستبين حركتها. تواريخ بطيئة الحركة كتاريخ الطرق البحرية وتاريخ القمح، ومناجم الذهب وتاريخ الجفاف والري، والأراضي وتاريخ التوازن الذي يقيمه الجنس البشر بين العوز والرخاء"([1]).
يجمل هذا النص الطويل التحولات الكبرى في كتابة التاريخ، والتي نشأت في أحضان مدرسة "الحوليات الفرنسية" (Les Annales)([2]) وامتدادها في حقل العلوم الإنسانية. وتجسد تلك التحولات قطيعة حاسمة مع ما أصبح يدعى بالتاريخ الحدثي (Histoire évènementielle) القائم على افتراض أحادية الزمن واتصاليته والاقتصار على التحولات السريعة والأحداث البارزة ذات الطابع السياسي والعسكري. كما أن التاريخ الجديد قد أقام قطيعة تامة مع التصور التجريبي للزمن القائم على وهم الوفاء للحدث في واقعته المباشرة، وإعادة تملكه كما فند الخلفيات الوضعية لهذا التصور، الذي يدعي العلمية والموضوعية النظر في الميدان التاريخي بالقياس إلى الميادين التجريبية التي تستجيب للمقولات العلمية. ومن تم نفهم المكانة المتميزة التي يحظى بها النموذج النظري في كتابة التاريخ الجديد، والذي أصبح يطلق عليه "التاريخ المفاهيمي" (Histoire conceptualisante) إذ نستخلص من الاعتبارات السابقة أن التحول الأساسي في كتابة التاريخ يرجع إلى إعادة النظر في بنية ودلالة الحدث ذاته. فالحقل الحدثي ليس وكما يقول بول فاين (Paul Veyne) مجموعة من المواقع التي نزورها وندعوها أحداثا. "إن الحدث ليس كائنا أو مواضيع طبيعية أو جواهر، بل هي حصيلة اقتطاع حر نمارسه داخل الواقع وبالتالي، فإنها لا تتمتع بأية وحدة أصلية"([3]).
إن المبدأ الأساس الذي يحدد المنهج التاريخي الجديد - قابلية كل موضوع أن يحول إلى حدث- يحيلنا إلى بعض المقتضيات الأساسية التي تتعلق بمفهوم الواقع ذاته التي يتعامل معها المؤرخ. في هذا السياق، يميز ميشيل دو سيرتو (Michel De Certeau) بين مفهومين للواقع: الواقع كما هو معروف أي ما ينطلق منه المؤرخ لكي يفهمه ويستعيده؛ والواقع كما تتم صياغته علميا من خلال عمل المؤرخ، والذي يظل محددا بإشكالية الدارس وإجراءاته وأساليبه المنهجية ومنطلقاته الخاصة. فالواقع من جهة هو نتاج التحليل، وهو من جهة أخرى مصادرته ومنطلقه، فهاتان صيغتان لا يمكن أن ترد إحداهما إلى الأخرى والعلم التاريخي يتشكل عبر اقترانهما والتراوح بينهما([4]). إن الفكرة الأساسية التي نستنتجها هنا، هي انبناء النقدية التاريخية الجديدة على أنقاض وهم الموضوع التاريخي، إذ لا وجود لواقع تاريخي جاهز أمام المؤرخ، يكون المطلوب منه الاكتفاء بتسجيله بأمانة وورع؛ فالواقع التاريخي باعتباره واقعا إنسانيا هو واقع غامض لا ينضب غموضه كما يقول ريمون آرون. ويتجلى هذا الغموض في تعدد مناحي الوجود الإنساني وتنوع فضاءات الإدراك ومسوغات التأويل ومجالات الدلالة والمعنى([5]).
لقد كان التجديد الأساسي الذي قدمته الحوليات هو تجاوز التاريخ الحدثي والتركيز على الحقب الطويلة، وصرف النظر عن الحياة السياسية نحو النشاط الاقتصادي وثوابت التنظيم الاجتماعي. ولقد برزت هذه التوجهات باكرا في مقالات لوسيان فيفر (Lucien Febvre) ومارك بلوك (Marc Bloch)، فقد اهتم هذا الأخير بتحليل الوقائع الاقتصادية داعيا إلى ربط التاريخ بميادين أخرى وخصوصا الأنثروبولوجيا واللسانيات، إذ لابد للمؤرخ أن يلم بالعلوم المساعدة والمجاورة كالجغرافيا والإثنولوجيا... وهو الأمر الذي يتطلب العمل في إطار مجموعات بحث؛ وذلك بالضبط هو مشروع الحوليات. أما لوسيان فيفر، فقد دعا هو الآخر إلى ربط حقول الواقع الاجتماعي فيما بينها وإبراز اقترانها الضروري، كما ألح على الدعوة إلى قلب ترتيبها: الصعود من الاقتصادي إلى السياسي بدل الانطلاق من السياسة نحو الاقتصاد([6]).
ويعبر فرنان بروديل (Fernand Braudel) بوضوح عن انعكاسات هذا التصور الجديد للحدث على الكتابة التاريخية، عندما يشير إلى ما يقتضيه من تحولات في المنهج، وانتقال في مراكز الاهتمام وانبثاق تاريخ كمي لم يقل بالقطع كلمته الأخيرة([7]).على أن النتيجة الأساسية لهذا التحول الحاسم، تبدو في تجاوز الزمن التاريخي التقليدي، والذي هو عبارة عن الزمن السياسي. إلا أن إدخال التحويرات الجديدة على فضاء الحدث وانفتاحه على أنماط التحليل في الميادين غير السياسية، سيفرزان بالضرورة مجالا زمنيا متعددا وثريا، يختلف باختلاف نمط الحدث. ويعطي بروديل أمثلة على ذلك: زمن خطاطة الأسعار، أو النمو الديمغرافي أو حركة الرواتب أو تنوع قيمة الفائدة([8]).
وهكذا يقدم بروديل في مقدمة كتابه La Méditerranée et le monde méditerranéen à l’époque de Philippe II (البحر الأبيض المتوسط والعالم المتوسطي في عصر فيليب الثاني)([9]) تصنيفا ثلاثيا للزمن يؤسس المنهج الجديد الذي طبقه في كتابه المذكور. ففي المستوى الأول نجد التاريخ الجغرافي وهو شبه راكد، يتعلق بتاريخ الإنسان من حيث علاقته بالوسط المحيط به. إنه تاريخ بطيء السير والتحول، تطبعه الدورات المتكررة والأوضاع التي لا تنفك تتجدد، إنه تاريخ يكاد يكون خارج الزمن في علاقة مباشرة بالأشياء الجامدة، لكنه شرط كل تحقيب يقوم به المؤرخ. نجد ما وراء هذا التاريخ الراكد، تاريخا ذا إيقاع بطيء، يمكن أن نطلق عليه اسم التاريخ الاجتماعي؛ أي تاريخ المجموعات البشرية. ويتناول المؤرخ في هذا المستوى الاقتصاديات والدول والحضارات والمجتمعات، ليبين مثلا أن كل هذه القوى العميقة تفعل فعلها في ميدان معقد كالحرب، إذ الحرب ليست مجرد مسؤولية فردية. أما المستوى الأخير، فهو التاريخ التقليدي الذي يمكن أن نطلق عليه التاريخ الفردي الذي لا يتحدد من خلال بعد الإنسان وإنما الفرد فقط. إنه التاريخ الحدثي بتموجاته السريعة. وهكذا يتم تفتيت أحادية الزمن التاريخي لتقسيمه إلى مستويات ثلاثة تحدها ثلاثة حقول من الواقع: الوسط والمجتمع والفرد، كما تنفتح على ثلاثة مناهج مختلفة: الجغرافيا وعلم الاجتماع والتاريخ التقليدي([10]).
* شكل رقم (1): مستويات الزمن البروديلي([11])
ومن هنا تتم إعادة بناء المقاربة المنهجية للحدث التاريخي، باعتبار الوعي الجديد بدور النموذج النظري في كتابة التاريخ، التي لم يعد ينظر إليها من منظور الطريقة الوضعية المبسطة القائمة على وهم القراءة التجريبية المباشرة للحدث. أضف إلى ذلك تقويض مفهوم الحدث التاريخي ذاته، الذي كان منحصرا في التاريخ السياسي والعسكري.
لم يعد مجهود المؤرخ مجرد عملية توثيق مادي، أو تسجيل لوقائع تنتمي إلى الماضي المنتهي، ذلك أن العالم الذي يطبق منهجا لا يعرف بنيته المنطقية وليس بإمكانه تحديد فعاليته يصبح كالعامل الذي يحرس آلة، يستطيع أن يراقب اشتغالها، ولكن ليس بمقدوره إصلاحها أو بالأحرى صناعتها كما يقول هنري إيريني مارو (Henri-Irénée Marrou) الذي يحمل شعار النقدية التاريخية الجديدة: "أن لا يدخل علينا من لا يكون فيلسوفا ولا يعني الأمر هنا بناء فلسفة في التاريخ على النمط الهيغيلي، وإنما بناء فلسفة نقدية؛ أي تأمل حول التاريخ، يخصص لفحص الإشكالات ذات الطابع المنطقي والمعرفي التي تثيرها أساليب عقل المؤرخ"([12]).
إن المنحى النقدي الذي دشنته أيضا أعمال وليام ديلتاي (Wilhelm Dilthey) وماكس فيبر (Max Weber) يكتسي اليوم أهمية متزايدة في الخطاب التاريخي الجديد الذي يطلق عليه بول فاين "التاريخ المفهومي". ويبين بول فاين في مقالة له تحت هذا العنوان، أنه لا سبيل لدينا أن نتحصل على معرفة مباشرة بالصيرورة التاريخية، إذ المسالك الحديثة لا تقدم إلينا إلا بصفة غامضة ومشتتة. إن عبارات مثل التاريخ اللاحدثي والتاريخ العميق والتاريخ المقارن والسوسيولوجيا التاريخية هي كلها صيغ مختلفة لتعيين عمل الصياغة المفهومية لهذا الكل المختلط الغامض الذي يتعامل معه المؤرخ في المنطلق. وهكذا، فالمجهود التاريخي يشبه المجهود الفلسفي أكثر من المجهود العلمي([13]).
فالتاريخ وإن ظل لا محال حكاية وسردا، إلا أن هذا السرد لا يمكن أن يستغني عن أفق تصوري يؤسسه ويحدده، وإن كان أفقا ضمنيا غير واع بذاته في أحيان كثيرة. فالتاريخ هو وصف الفرد من خلال الكليات، وهذه الكليات هي مجموعة من المفاهيم الإجرائية ذات الطابع الإشكالي ذلك: إنها تسمح بفهم الوقائع، لأنها ثرية بما تحتويه من معنى يتجاوز كل تحديد ممكن، إلا أنها لنفس السبب تغري دوما بسوء الفهم([14]).
إن التأسيس الجديد للتاريخ لا يكمن في اكتشاف آليات أو محركات تفسر التاريخ، وإنما في تفسير اللاحدثي (Le non événementiel) وصياغته صوريا. ولذا، نجد لدى مؤرخ القرن العشرين من الأفكار والمفاهيم أكثر مما نجد لدى صاحب حوليات قديم لا يرى في التاريخ سوى الملوك والمعارك والأوبئة. فالنشاطات العقلية طبيعية كانت أو نظرية، التي تتطلب الصياغة المفهومية لا تنحصر في العلم؛ والتاريخ ليس سوى أحد هذه النشاطات. ويبرز جانبه المفهومي في مجهود النقد والتفسير والاستنتاج الذي يشكل نمطا مفهوميا (Idéaltype) بحسب عبارة ماكس فيبر بفضله يتم تجاوز الإحساس الغامض.
نستنتج من عناصر التحليل السابق، التي حاولنا فيها تلخيص أهم الركائز المنهجية والنظرية التي تؤسس الحدث حسب الخطاب التاريخي الجديد:
- أن التحول الأساسي في الكتابة التاريخية يكمن في إرساء تصور جديد للحدث التاريخي الذي لم يعد ينظر إليه كواقع تجريبي معطى يطمح المؤرخ إلى استرجاعه في تفصيلاته وحيويته الأصلية، فإبستيمولوجا التاريخ الجديد تؤكد أن الواقع التاريخي واقع يتم بناؤه تصوريا من خلال الممارسة النظرية. أضف إلى ذلك تقويض مفهوم الحدث التاريخي ذاته، الذي كان منحصرا في التاريخ السياسي والعسكري.
- أن النقد الحاسم الذي وجه لمفهوم الحدث التاريخي ووحدته وشفافيته قد قوض النظرية التقليدية المبسطة للكتابة التاريخية التي لم تعد تسجيلا مباشرا وأمينا لأحداث الماضي، فالتاريخ وإن كان سردا ورواية، فإنه يستدعي الإطار النظري والأفق التصوري، وإن كانت الأسس المفهومية مغيبة وغير واعية بذاتها.
- إن الثورة الجديدة في التاريخ قد قوضت النظرة الوضعية المبسطة التي تجعل من التاريخ علما لقوانين وثوابت الممارسة البشرية، وهي النظرة التي تجد اكتمالها في المقاييس الماركسية وزمنيتها الخطية.
- لقد تمت إعادة النظر في منزلة الحقيقة في التاريخ، إذ لم تعد تتماهى مع الإرادة المطلقة التي تحرك مسار التاريخ ولا هي غاية المسار، كما أن الخطاب التاريخي لا يدعي استعادة الحقيقة الأصلية للأحداث كما وقعت في الماضي. إنها لن تكون سوى حقيقة جهوية هي نتاج بناء الواقعية كما يتحدد في الممارسة المنهجية.
- إن التحول شمل أيضا مادة التاريخ ألا وهي الوثيقة؛ حيث اتسع مفهومها ولم تعد تقتصر على ما هو مكتوب فقط، وتخضع لعملية النقد بشقيه الظاهري والباطني، بل إنها أضحت تخضع لأسئلة المؤرخ الافتراضية وإلى ثقافته الفكرية. إن ميزة المؤرخ الأساسية- التي تتأكد في التاريخ الجديد- هي أنه وثائقي عنيد، والعمل انطلاقا من الوثائق يستدعي إرساء سلوك موضوعي ضروري؛ بمعنى أن استعادة الماضي تفترض مساءلة الوثيقة وبناء دلالاتها بتقديم فرضية عمل تمكن من قراءتها، وتسمو بها إلى مستوى الوثيقة الدالة؛ كما تسمو بالماضي ذاته إلى مستوى الحدث التاريخي. ولا معنى للقول بأن المؤرخ يطمح إلى استعادة الأشياء كما وقعت، إن هدفه ليس أبدا أن يجعلنا نعيش من جديد الحدث السابق، وإنما يعيد تركيب هذا الحدث ويعيد إنشاءه من خلال نظام رجعي. فالموضوعية التاريخية تكمن بالضبط في نبذ ادعاء مطابقة الماضي الأصلي، إذ عمل المؤرخ هو بناء نسق الواقع، انطلاقا من فضاء المعقولية التاريخية.
- تم تحويل الاهتمام من الأحداث إلى البنيات إنه تحول في المرجعية ككل. فالتاريخ التقليدي، وهو يهتم بالأحداث والبلاطات والشخصيات كان يقوم على مرجعية التطور والارتقاء والغائية: العقل، التقنية، الثورة. والحال أن التطورات السياسية والمعرفية، في منتصف القرن العشرين، خلقت نزعة تشكيكية في القيم. فمن جهة، كان لمآسي الحرب العالمية الثانية ومآزق الحركات التحررية وأزمة الماركسية، كبير الأثر في زعزعة يقين المثقفين حول فكرة التقدم، حول مفهوم الارتقاء، حول منحى التاريخ. ولذلك بدأ يتقلص اهتمام المؤرخين بالتاريخ السياسي. ومن جهة ثانية، كان للإثنولوجيا مفعول كبير على التاريخ عبر توجيه اهتمامه نحو المستويات الباردة في المجتمعات؛ أي نحو الثوابت السوسيو-ثقافية من موروثات وتقاليد وطقوس ومعتقدات وأنساق القيم. وهكذا بدأ الاهتمام يتحول شيئا فشيئا من البحث في الحاكمين إلى البحث في المحكومين وأساليب معاشهم وطبائعهم وأحاسيسهم، ومن البحث في البلاط إلى البحث في البوادي والمدن، ومن البحث في الأدبيات إلى البحث في العقليات، ومن البحث في الاستثنائي إلى البحث في النمطي، من البحث في قضايا الشأن العام إلى البحث في الحياة اليومية.
[1]- ميشيل فوكو: حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، الدار البيضاء- بيروت، المركز الثقافي العربي، 1986، ص 5
[2]- نشأت مدرسة الحوليات (L’école des Annales) في إطار ثورة على التاريخ الوضعاني (Histoire positiviste) الذي كان سمة القرن التاسع عشر. لقد أراد رواد هذه المدرسة (الحوليات) أن يكون التاريخ إبداعا على مستوى المناهج والأفكار والمواضيع، وإبداعا أيضا في مستوى الأسلوب. وهو الأمر الذي فرض على المؤرخين اعتماد أنواع جديدة من المصادر وتسليط الضوء عليها من زوايا جديدة ترتبط بنوعية التساؤلات المطروحة ونوعية القضايا المتناولة، إذ لم يعد تاريخ الأمة الذي يمثله تاريخ الجنرالات والشخصيات الذائعة الصيت هو الذي يهم المؤرخين، بل أقحم التاريخ كل المغيبين والهامشيين من خلال دراسة المتروك من المصادر والمغيب من الفئات الاجتماعية: تاريخ المجانين، وتاريخ الرعاة والشرائح الاجتماعية الغائبة في أكثر الحالات من النصوص المصدرية، كالحوليات والسير والتراجم، حتى إنها أصبحت من أولوياته. للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع راجع:
- Guy Bourdé et Hervé Martin, Les écoles historique, Paris, Seuil, 1983
[3]- Paul Veyne, Comment on écrit l'histoire, l’histoire? suivi de Foucault révolutionne l’histoire, Paris, Seuil, 1971, p.38-39
[4]- Michel De Certeau, L'écriture de l'histoire, Paris, Gallimard, 1975, p.46-47
[5]- Raymond Aron, Introduction à la philosophie de l'histoire, Paris, Gallimard, 1986, p.147
[6]- Lucien Febvre, Combat pour l’histoire, Paris, Armand Colin, 1953
[7]- Fernand Braudel, Ecrits sur l’histoire, Paris, Flammarion, 1969, p. 47-48
[8]- Ibid., p.48
[9]- Fernand Braudel, La Méditerranée et le monde méditerranéen à l’époque de Philippe II (1558-1598), Paris, Armand Colin, 1949
[10]- Fernand Braudel, Ecrits sur l’histoire, op.cit., p.47-48
[11]- المصدر (بتصرف): فرناند بروديل: قواعد لغة الحضارات، ترجمة الهادي التيمومي، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2009، ص ص 22-23
[12]- Henri-Irénée Marrou, De la connaissance historique, Paris, Seuil, 1975, p. 9-10
[13]- Paul Veyne, «L’histoire conceptualisante», in Jacques Le Goff & Pierre Nora (dir.), Faire de l’histoire t.1: Nouveaux Problèmes, Paris, Gallimard, 1974, p.63-92
[14]- Paul Veyne, Comment on écrit l’histoire, op.cit., p.89