التاريخ الفلسفي للإلحاد الغربي الحديث


فئة :  أبحاث محكمة

التاريخ الفلسفي للإلحاد الغربي الحديث

التاريخ الفلسفي للإلحاد الغربي الحديث

ملخص:

تهدف هذه الورقة البحثية إلى رصد الأسس النظرية لمسألة الإلحاد في الفكر الغربي الحديث اعتمادا على نظريات فلسفية حديثة تركت أثرًا كبيرا في مجال النقد الديني. وقد مهّدت هذه الطروحات التي اعتمدناها إلى توسع المباحث في الجدل الديني، وأسهمت في تطوّر علم مقارنة الأديان وتفرّعه إلى مباحث مستقلة مثل علم النفس الديني، وعلم اجتماع الدين وغيرها من المباحث.

وإن كان مفهوم الإلحاد في الثقافة الغربية ملتبسا أشد التباس، فإننا قد حاولنا الإحاطة بتمثلاته وعرضها من خلال جملة من الآراء والنظريات الفلسفية التي تبنّاها بعض روّاد الفكر الفلسفي الغربي الحديث. كما حاولنا الالتزام بأكثر قدر من الموضوعية العلمية وعدم الانسياق وراء إطلاق الأحكام القيمية والتصنيفات الأخلاقية؛ فموضوع هذا البحث شائك وتهمة الإلحاد من بين أخطر التهم التي يمكن أن يواجهها الإنسان على مرّ التاريخ، وكم من ضحية ذهبت (بحقّ أو بغير حقّ) بسبب هذه التهمة.

لبلوغ ما رمنا تحقيقه من نتائج في هذا البحث توسّلنا المنهج الوصفي التاريخي في تجميع وعرض الأفكار والشهادات الخاصّة بكلّ علم من الأعلام موضوع البحث، وحاولنا من خلال المنهج التاريخي خاصة تتبّع التطوّرات التي رافقت الأسس النظرية للإلحاد الغربي الحديث. كما حاولنا اعتماد المقارنات بين بعض النظريات الفلسفية والعلمية التي تتشابك أحيانا وتتقارب في بعض مفاصل البحث وإشكالياته.

ستبحث هذه الورقة إذن في الأسس النظرية التي استند إليها الفكر الإلحادي/ أو اللاديني بمعناه الواسع، ما مهّد لحصول رجّات متتالية تعرّضت إليها المؤسسات الدينية الرسمية في الغرب، وليس غريبا حينئذ أن يُتهم كثير من فلاسفة الغرب الحديث أو حتى المعاصر بمعاداة الدين، أو تسلّط على بعضهم عقوبات ويمنع نشر كتب البعض الآخر.

مقدمة:

عرفت المسألة الدينية منذ أواخر القرن السادس عشر اهتمامًا خاصًّا من طرف الفلاسفة والعلماء، وترافق ذلك مع الإعلان عن اكتشافات علمية حديثة في الفلك والفيزياء، وانتشار القراءة والكتابة والتعليم، وترجمة الإنجيل وقراءته، في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة ورجال الدين يسيطرون على جميع مرافق الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية، ما بدأ يخلّف تذمّرا في صفوف الطبقات الشعبية والوسطى التي صارت تقارن بين وضعيتها الاقتصادية الصعبة في مقابل ما يتمتّع به رجال الكنيسة من امتيازات وثروات فاحشة. خلقت كلّ هذه الظروف البيئة المناسبة لبداية نهاية سيطرة المسيحية على الحياة العقلية للرجل الأوروبي، فاتجهت سهام النقد رأسا إلى المؤسسة الدينية الكنسية. مع الوصول إلى بدايات القرن الثامن عشر بدأ الخناق يشتدّ على المؤسسة الدينية في أوروبا، وبرزت نظريات فلسفية وعلمية قامت بتشريح أسس ودعائم المسيحية ونقدها، وقد انتهى بعضها إلى إثبات تهافت أدلّة الكتب المقدسة على إثبات وجود الإله، ويمكن على سبيل المثال الإشارة إلى ما كتبه الفيلسوف الفرنسي دنيس ديدرو Denis Diderot (1713-1784) حول مسألة الأديان ورفضه للتفسيرات الميتافيزيقية للكون ونقده لفكرة الوحي المسيحي في كتبه التي صودرت أكثر من مرّة وحوكم من أجلها، على غرار كتاب "الخواطر الفلسفية" Pensées philosophiques الذي صدر سنة 1746، وفورا تمت إدانة ديدرو بسبب هذا الكتاب من قبل محكمة باريس العليا، ثم ألّف كتاب "جولة المتشكّك، خواطر في تأويل الطبيعة" Promenade du sceptique, ou Les Allées الذي صدر سنة 1753، واتُهم ديدرو بسببه بأنه رجل خطر للغاية يتكلّم بازدراء عن الديانة المقدسة [1].

وقد مثّلت بعض النظريات العلمية والتيارات الفلسفية الحديثة منعرجا كبيرا في تفكيك الظاهرة الدينية، وبقي الإلحاد في هذه الفترة مقترنا بأصحاب هذه النظريات وخلاصاتهم في نقد اليهودية والمسيحية خاصة، ففتحوا المجال للبحث في الأديان من منطلقات غير لاهوتية في كثير من الأحيان؛ أي من خارج سياق النص الديني والظروف المحيطة به. من هذا المنطلق، حاولنا التركيز على أربعة نقوض للدين بقيت مؤثرة إلى يومنا، وهي على التوالي: نقد بارون دي هولباخ Paul-Henri thiry, Baron d’Holbach (1723-1789) للمسيحية وللأديان بشكل عام، النقد الذي وجّهه فريديريك نيتشه Friedrich Nietzsche 1844-1900(للمسيحية وأسسها الأخلاقية، الدين ووهم الاعتقاد من منظور علم النفس استنادا إلى طرح سيغموند فرويد Sigmund Freud (1856-1939)، ثمّ تعقيب كارل غوستاف يونغ Carl Gustav Jung (1875-1961) على الطّرح الفرويدي، وأخيرا تطرّقنا إلى نقد الدين ومرتكزاته من وجهة نظر ماركسية خالصة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

[1] جورج طرابيشي، معجم الفلاسفة، ط3، (بيروت: دار الطليعة، 2006)، ص 295