التراث المسروق: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة جورج جي إم جيمس/ ترجمة شوقي جلال
فئة : قراءات في كتب
التراث المسروق: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة
جورج جي إم جيمس/ ترجمة شوقي جلال
فكرة الكتاب
يعترض جورج جي إم جيمس، على مصطلح الفلسفة اليونانية أو الإغريقية، ويرى بأنها تسمية خاطئة، حيث لا وجود في نظره لفلسفة لها هذه الخصوصية، ويرى أن الفلسفة تعود في الأصل إلى قدماء المصريين الذين استحدثوا مذهبًا دينيًّا شديد التعقيد سُمِّي نظام الأسرار،[1] والذي كان أيضًا أول مذهب عن الخلاص، ويرى أن التراث المصري القديم لظروف تاريخية واجتماعية وسياسية انتقل إلى اليونان وسمي بالفلسفة اليونانية؛ فالتراث اليوناني في الأصل تراث مصري قديم.
فالحكمة اليونانية أو الفلسفة اليونانية قد نشأت في مصر القديمة؛ إذ إن الحكمة والفلسفة لم تبدأ مع اليونان كما هو مسلّم به، فهي ضاربة في أغوار الماضي السحيق لتاريخ الإنسانية، في تراث مصر والهند والصين واليابان...[2] فضلا عن رسالات الأنبياء والرسل الضاربة في أبعاد الماضي السحيق لتاريخ الإنسان.
فكرة الكتاب مفارقة لكل ما هو سائد ومتداول؛ إذ "ظلَّ العالَم قرونًا طويلة مخدوعًا بشأن المنشأ الأول للفنون والعلوم، وظلَّ سقراط وأفلاطون وأرسطو قرونًا طويلة موضعَ تأليه، زيفًا وبهتانًا، باعتبارهم رموزًا لعظمة الفكر وهي مسألة جعلت الفلسفة اليونانية تتربع على عرش التراث الفكري الإنساني؛ لِمَا قدَّمته من إسهاماتٍ مؤثِّرة مثَّلت حجرَ الأساس للفلسفة الحديثة، ولكن بالرغم من عُمق هذه الإسهامات وتأثيرها، فإن نسبتها إلى الحضارة اليونانية باتت محلَّ نقاش. فالكتاب يضع موضوع تاريخ وتراث الفلسفة، خارجَ نسق المركزية الأوروبية، والبحث في حقيقة الإسهام الحضاري للشعوب الأخرى؛ إذ يقدِّم تحليلاتٍ صادمة حول حقيقة نسبة الفلسفة التي سُمِّيت باليونانية إلى الإغريق، مؤكِّدًا أنها فلسفةٌ مصريةُ الأصل، لكنها تعرَّضت إلى أنواعٍ مختلفة من عمليات السطو، بدأت من نهب «الإسكندر الأكبر» مكتبةَ الإسكندرية"[3]
ويدلِّل المؤلِّف على أُطروحته الفريدة بالعديد من الأمثلة، ومنها قوله إن نظرية «فيثاغورس» الشهيرة نظرية مصرية خالصة، وإن المصريين هم مَن علَّموا «فيثاغورس» الرياضيات، كما أنه قدم الكثير من المعطيات التاريخية التي ترتبط بتاريخ الفكر والفلسفي والإنساني، وتعيده إلى جذوره الأولى الضاربة في القدم.
مواضيع الكتاب
ينقل لنا المؤلف صورة ما يجري في واقعنا الحالي؛ حيث تجتذب أوروبا والولايات المتحدة الطلاب من جميع أنحاء العالم لما تتميز به هذه البلاد من ريادة وقيادة في مجال الثقافة، كذلك كان الحال في العصور القديمة؛ إذ كانت مصر صاحبة القدح المعلَّى في مجال زعامة الحضارة، وتدفق عليها طلاب العلم من جميع أنحاء العالم؛ يلتمسون الالتحاق بنظام الأسرار أو نظام الحكمة فيها.
هكذا كانت مصر قديما، في وقت ترسخت صورة عنها في الزمن الحاضر، اقترنت بعالم السحر والخرافة وعالم ما بعد الموت...رغم أن الطريقة الهندسية والرياضية التي بنيت بها الأهرامات وطبيعة صخورها، لازالت سر من الأسرار... والحقيقة أن من وراء عالم بناء الأهرامات وسر حفظ الأجساد لدى الفراعنة بعد تحنيطها لزمن طويل... معرفة علمية ورياضية وفلسفة للحياة والموت، إذ لا يعقل أن يحدث ذلك دون خلفية معرفية.
أما عن القول "إن مصر كانت أعظم مركز تعليمي في العالم القديم أمَّه اليونانيون، شأن غيرهم، لتلقي العلم، فهذه حقيقة يمكن الرجوع فيها ثانية إلى أفلاطون في محاورته طيماويس؛ حيث يخبرنا أن اليونانيين الطامحين إلى الحكمة اعتادوا زيارة مصر للالتحاق والتتلمذ هناك، وأن كهنة سايس اعتادوا الحديث عنهم بوصفهم أطفالًا في نظم الأسرار. وفيما يتعلق بزيارة طلاب العلم من اليونانيين لمصر لتلقي العلم، فإننا نورد ما يلي لا لشيء سوى لإثبات حقيقة تؤكد أن العالم القديم كان ينظر إلى مصر باعتبارها المركز التعليمي، وأن جماعات مختلفة، مثل اليهود واليونانيين، اعتادوا زيارة مصر لتلقي علومها".[4] وفق هذا السياق العام الذي يرجح أن التراث المصري تعرض للسرقة من لدن اليونان انتظمت موضوعات الكتاب، وأهمها: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة. الفلسفة اليونانية المزعومة كانت غريبة عن اليونانيين وعن ظروف حياتهم. الفلسفة اليونانية سليل نظم الأسرار المصرية القديمة. المصريون علَّموا اليونانيين. فلاسفة ما قبل سقراط والتعاليم المنسوبة إليهم. فلاسفة أثينا. المنهاج التعليمي في نظام الأسرار المصري.
هل الفلسفة ذات منشأ يوناني صرف
رسخت المركزية الغربية بدءا من القرن التاسع عشر وطيلة القرن العشرين، تصوراتها عن العالم وتاريخه، ليس بالضرورة كما هو لكن من الزاوية التي تنظر منها أوروبا إليه، وهي زاوية متمركزة حورة تصورات تخدم مصالح المركزية الغربية في بعدها الثقافي، وبالتالي السياسي والاقتصادي؛ إذ إن كل ما هو ثقافي من داخل الغرب يخدم بدرجة أولى السياسي والاقتصادي، وهي مسألة تجعل المعرفة خادمة للسلطة والتحكم والاستعمار... وهذه معضلة معرفية عالجها الكثير من المختصين والدارسين على رأسهم المثقف الفلسطيني أدوار د سعيد، في كتابه "الاستشراق" الغرب ينظر إلى نفسه بأنه مصدر العلم والحضارة كأن التاريخ بدأ مع الحضارة الغربية الحديثة.
صحيح أن الغرب ليس واحدا، لكن نحن هنا نتحدث عن الغرب المتمركز حول ذاته، وهذه النظرة المتمركزة حول الذات سبق أن عبر عنها "أرنست رينان" من خلال كتابه "ابن رشد والرشدية" سنة 1852م، فهو يرى أن الفلسفة الإسلامية هي ليست سوى فلسفة اليونان مكتوبة بحروف عربية، الفلسفة إذن كما يحلو لكثير من الغربيين ظهرت ونشأت مع اليونان وعادت ونمت مع الغرب، وليست هناك فلسفة دونها.
الشائع والمعروف والمسلم به بين المختصين في الفلسفة وغيرهم أن الفلسفة يونانية، فجل الدارسين يرون أنها نشأت وتأسست في القرن السادس قبل الميلاد لدى اليونانيين، وقد مرت الفلسفة اليونانية بثلاثة أدوار: دور النشوء، ودور النضوج، ودور الذبول؛ فالدور الأول كان: ما قبل وما بعد سقراط؛ والدور الثاني: ملأه أفلاطون وأرسطو؛ والدور الثالث: امتاز بتجديد المذاهب القديمة وبالعودة إلى الأخلاق والتصوف والعناية بالعلوم الواقعية[5]. وقد بدأ التفلسف المنهجي عند اليونان مع الطبيعيين الأوائل؛ إذ انتهجوا نهجا عقليا أقاموه على التساؤل والتعليل العقلي لتفسير الوجود المادي والوقوف على طبيعته، فكانت مهمة الفلسفة إذّاك البحث عن طبائع الموجودات. [6]
ظهر الحكماء الطبيعيون قبل سقراط، وكان لهم دور بيّن وبارز في تمهيد الطريق لتشكل الفلسفة في القرن السادس قبل الميلاد، وكان عملهم يتمثل في مواجهة الفكر الأسطوري، وعملوا على تفسير الطبيعة من خلال عناصر تعود للطبيعة ذاتها. وقد تم إرجاع العناصر المتعددة في الفهم والتفكير إلى عنصر واحد كقول طاليس: «الماء أصل الأشياء» ومن أهم الحكماء: طاليس، أنكسِمندرس، أنكسِمانس، هيراقليدس، بارمنيدس، أنبادوقليدس، وأنكساغوراس، ويطلق عليهم "الحكماء السبعة الطبيعيون ". لقد شكلت آراء الفلاسفة الطبيعيين قطيعة مع الفكر الأسطوري(الميتوس)، مما جعل هؤلاء الحكماء يمثلون الإرهاصات الأولى للتفكير الفلسفي العقلي (اللوغوس)، وبهم ترتبط بداية فعل التفلسف. وفي القرن الرابع قبل الميلاد، سيتم الانتقال من الحكمة إلى الفلسفة مع سقراط.
لكن هذا التاريخ في نظر جورج جي إم جيمس تصحبه الكثير من الشكوك، فكلما "حاول المرء قراءة تاريخ الفلسفة اليونانية القديمة يكتشف غيابًا كاملًا لمعلومات جوهرية عن الحياة الباكرة، وعن ثقافة النشأة الأولى لمن يُسمَّون فلاسفة اليونان بدءًا من طاليس وحتى أرسطو. ولن نجد كاتبًا أو مؤرخًا واحدًا يعترف بأنه يعرف أي شيء عن تعليمهم في مطلع حياتهم. وإنما كل ما يقال لنا بشأنهم عبارة عن: (أ) تاريخ ومحل ميلاد مشكوك فيهما، (ب) مذاهبهم ومعتقداتهم، ولكن بقي العالم كله يتساءل في دهشة من هم؟ ومن أين تلقَّوا تعليمهم؟ ومن المتوقع — بطبيعة الحال — أن رجالًا احتلوا مكانة المعلمين بين أقاربهم وأصدقائهم وأقرانهم، لا بد وأن يكونوا ذائعي الصيت ومعروفين جيّدًا، ليس فقط بين ذويهم وأقرانهم، بل وبين المجتمع كله. ولكن الأمر على العكس من ذلك؛ إذ إننا نجد رجالًا جديرين بأن يحتلوا مكانهم وسط أول معلمي الفلسفة في التاريخ، والذين شبُّوا وترعرعوا من الطفولة إلى سن الرجولة، وعلَّموا تلاميذ لهم، يقدمهم لنا التاريخ باعتبارهم غير معروفين، ولا نجد أي آثار تحدثنا عن حياتهم المنزلية أو الاجتماعية أو التعليمية في باكر حياتهم وفي سن نشأتهم".[7]
فحالة فقدان التاريخ الاجتماعي والشخصي لأناس عرفوا بأنهم أساتذة للفلسفة، تزكي مقولة أن هؤلاء أناس غير مرغوب فيهم، ولا ينظر المجتمع إليهم بعين الرضا، لأنهم اعتنقوا أفكارا مخالفة لما هو شائع ومعروف لدى المجتمع. في هذا السياق، يرى المؤلف أن الفلسفة المصرية عند وصولها إلى اليونان قوبلت بالرفض منذ البدء؛ لأنها مخالفة لمعتقدات وتصورات اليونان؛ إذ تعرض فلاسفة اليونان للمحاكمة والاضطهاد أمر مألوف؛ فالعديد من الفلاسفة قدمتهم سلطات أثينا للمحاكمة الواحد بعد الآخر بتهمة مشتركة، بتهمة إدخال آلهة غريبة عن البلاد. وتعرَّض كلٌّ من أنكساجوراس وسقراط وأرسطو لمحاكمات. وأشهرها محاكمة هي محاكمة سقراط. وهذا في نظره دليل بأن الفلسفة دخيلة على اليونان.
[1] جورج جي إم جيمس، ترجمة شوقي جلال التراث المسروق: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة، مؤسسة دار هنداوي، المملكة المتحدة، ط.1، 1923م (غلاف الكتاب) [هذا الكتاب صدر بالإنجليزية سنة 1954م] ص.29
[2] انظر: توفيق الطويل؛ الفلسفة الخلقية، دار المعارف، 1967م
[3] جورج جي إم جيمس، ترجمة شوقي جلال التراث المسروق: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة، مؤسسة دار هنداوي، المملكة المتحدة، ط.1، 1923م (غلاف الكتاب) [هذا الكتاب صدر بالإنجليزية سنة 1954م]
[4] نفسه، ص.70
[5] يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، مؤسسة هنداوي، مصر، 2012م، ص.18
[6] محمود محمد نفيسة، أثر الفلسفة الإسلامية على علم الكلام الإسلامي، دار النوادر؛ ط.1، 2006؛ ص.18
[7] جورج جي إم جيمس، ترجمة شوقي جلال التراث المسروق: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة، مؤسسة دار هنداوي، المملكة المتحدة، ط.1، 1923م، ص.41