التربية العاطفية عند جان جان روسو


فئة :  مقالات

التربية العاطفية عند جان جان روسو

التربية العاطفية عند جان جان روسو

تمهيد:

تأتي التربية العاطفية في التدرج الطبيعي الذي ينهجه جان جاك روسو لتنمية ملكات الطفل، كامتداد للتربية الحسية التي يكتسب فيها الطفل عن طريق احتكاكه بالموضوعات الطبيعية، وخاصة منها الموضوعات المؤلمة، الشعور باللذة والألم اللذين يعدان من المفاهيم الأساسية التي تقوم عليهما التربية الوجدانية في هذا الطور. كما تأتي بعد التربية العقلية التي يكتسب فيها الطفل الملكات العقلية التي تعمل على إذكاء وشحذ عواطفه وتفعيل دورها من خلال معاينته لمشاهد الألم والمعاناة وتقمص تلك المشاهد. وتعد هذه المرحلة تمهيدا مسبقا للتربية الأخلاقية، ولبنتها الأساسية.

وإذا كانت التربية بوجه عام، في أحد جوانبها تنمي في الإنسان القدرة على الحياة الاجتماعية وتوثق الروابط والعلاقات بين الأفراد، فإن اكتساب هذه القدرة تستوجب من المربّي أن يوجه أنظاره إلى جوانب أخرى من حياته، ونخص بالذكر هنا الجانب العاطفي الوجداني في الإنسان، لما له من أهمية كبرى في تأمين وحماية الطفل من السقوط في فخ الغرائز والشهوات والإباحية والفجور. لاسيما أن الأهواء والانفعالات تنطلق في نموها خلال هذه الفترة؛ أي فترة تشكل الميول والأهواء وبداية المراهقة التي تنذر بجملة من التغيرات في طبيعة الطفل، والتي من شأنها أن تؤثر سلبا على طبعه وبراءته الأصلية. وهنا تكمن أهمية التربية العاطفية الوجدانية، والتي يركز فيها جان جاك روسو على شيئين اثنين هما: التربية على الذوق، لكيلا يتفشى الترف والبذخ ويسود الذوق الفاسد. والتربية على الحب، لكي ينصرف القلب عن حرارة الرغبات والعواطف الخطيرة التي تسوقه إلى الهاوية. ويتجه نحو العواطف الإنسانية المرهفة التي تربطه بالغير برباط المودة والشفقة والطيبة والصداقة. وكلا المسعيين ينشدان غرس بذور الفضيلة في قلب الحياة الإنسانية.

وعليه، فإن هذا المقال سيحاول تسليط الضوء على مفهوم التربية العاطفية عند جان جاك روسو انطلاقا من التساؤلات التالية:

- ما هو الموقف الذي ينبغي على المربي أن يتخذه لنفسه إزاء العواطف والشهوات؟

- وكيف ينبغي أن يتعامل مع هذا الطور الجديد من النمو- طور المراهقة وبداية تشكل الميول والأهواء-عند الطفل؟

- وهل من الواجب تنوير الأطفال منذ وقت مبكر بخصوص الأمور العاطفية التي جرت العادة إخفاءها عليهم؟

- وما هي السبل الممكنة لتهذيب العواطف من قبيل الذوق والحب، والحلول دون فسادهما؟

نشير في البدء إلى أن العواطف في المنظومة الفكرية لدى جان جاك روسو تحتل مكانة الصدارة. فإليها يرجع الدافع وراء تكلم الإنسان؛ فـ »الأسباب الأولى التي دفعت الإنسان إلى التكلم هي العواطف(...) ففي البداية لم يتكلم الناس إلا شعرا، ولم يخطر ببالهم أن فكروا إلا بعد زمن طويل»([1]). وهي من الوسائل الرئيسة لحفظ الذات وحفظ النوع، وعليها تقوم غريزة البقاء. كما أنها ولا شك، مشاعر طبيعية سابقة على العقل وعلى التفكير. «إن الوجود بالنسبة لنا هو الشعور. فالحساسية لدينا سابقة ولا جدال علة ذكائنا. والمشاعر حاصلة لدينا قبل حصول الأفكار والمعاني»([2]). وفي حالة الطبيعة كانت مشاعر العاطفة تقوم مقام القوانين والفضيلة والأخلاق. ولذلك، فإن العناية بالعواطف الإنسانية وتوجيه البحث والدراسة نحوها من شأنهما أن يجدا حلولا لمجموعة من المعضلات الأخلاقية والاجتماعية والسياسية التي كانت ولازالت تعتري الإنسان في الماضي وفي الحاضر. وهذا ما يؤكده قوله «إن أجدى المعارف الإنسانية وأقلها تطورا هو القلب البشري»([3]). ويذكر جان جاك روسو من بين هذه العواطف على سبيل المثال، التي يستوجب تهذيبها وتربيتها، هناك عاطفة الحب والشفقة والذوق وغيرها. فكيف يمكن إذن تربية هذه العواطف؟

  1. المراهقة وبداية تشكل الميول والأهواء

في الجزء الرابع من "إميل أو في التربية" تطرق جان جاك روسو إلى المراهقة عند الطفل، وهي فترة تمتد من سن الخامسة عشر إلى سن العشرين، وفيها يحين وقت التربية الدينية والتربية الخلقية والتربية العاطفية، بعد أن فارق الطفولة، وبلغ من النضج الحسي والعقلي مبلغا يجعله قادرا على الجمع بين عمل أعضائه وعمل ملكاته؛ إذ «لم يعد أمامنا كي تتم تكوين الرجل إلا أن نجعله كائنا محبا معقولا؛ أي أن نعمل على تكوين عقله بعواطفه»([4]). وفي هذا السياق، سنركز على التربية العاطفية، مرجئين التربية الأخلاقية والدينية إلى الفصول اللاحقة.

خلال هذه المرحلة التدريجية الرابعة من مراحل تكوّن الطفل، يصل جان جاك روسو إلى تكوين الجانب الوجداني للإنسان، حيث يعتقد ما إن يودّع إميل لحظة الطفولة حتى يلج عالم المراهقة. ولعل ما يميز هذه المرحلة، هو ظهور الميول والأهواء التي تعبر على أن "إميل" حصلت له جملة من التغيرات في المزاج وفي الشكل وفي سحنة الوجه والتي ستنعكس بلا شك على حياته، فيحتمل أن ينقاد إلى الغريزة الحيوانية العمياء، بيد أن هذه الرغبات الجسدية الناشئة في الشاب، القوية والجارفة، ينبغي معرفة كيفية تدبيرها. فإن جوبهت بالقوة والعنف، وإن تمّ النظر إلى حاجاته الجديدة التي يحس بها في داخله ضروبا من الجرائم، فلن يصغي لنا ولن ينقاد لسياستنا. أما «وإن أنا تصنعت الجهل وتغاضيت، فيستغل غفلتي وضعفي ظنا منه أنه تغفلني. فيحتقرني وأكون قد تواطأت على فساده. وإن حاولت تقويمه بعد ذلك لن أفوز بطائل؛ لأنه لن يصغي إلي، بل سيكرهني ويضيق بي ذرعا»([5]). الأمر الذي جعل روسو يتساءل: «ما هو الموقف الذي ينبغي على المربي أن يتخذه لنفسه إزاء العواطف والشهوات؟»([6])، و«هل من الواجب تنوير الأطفال منذ وقت مبكر بخصوص الأمور العاطفية التي جرت العادة إخفائها عليهم؟»([7]).

وكجواب عن سؤاله، يرى روسو في هذا المقام، أنه عمليا «من المستحسن أن نؤخر ما استطعنا فضولهم في هذا الخصوص، وإذا وجهوا إلينا أسئلة، فمن المستحسن أن نلزمهم الصمت خيرا من أن نكذب عليهم. أما إذا قررنا تنوير الأطفال في هذه المسائل، فليكن كلامنا معهم فيها مصطبغا بطابع الجد. ولا ينبغي إطلاقا أن نتخذ سذاجتهم فيها موضوعا للمزاح. فإن المزاح في هذه الأمور يمهد للتهتك والإباحية فيما بعد»([8]).

انطلاقا من هذا القول نسجل، بأنه لا يجب بوجه من الوجوه الخوض مع الأطفال في أمور لازالوا لم ينضجوا لها النضج الكافي، بل ينبغي انتظار وقت نضوجها، وتأخير يقظة الرغبات والإبقاء على البراءة إلى سن العشرين، وإطالة هذه الفترة قدر المستطاع([9])؛ لأن من الأفضل أن تنمو الانفعالات ببطء، على أن تنفجر بشكل عنيف فيفقد الطفل طهره، مما يحول دون تفتح قلبه على الانفعالات الطيبة والرقيقة كالصداقة والشفقة مثلا، لتشكل في الأخير جسر مودة ورابطة وصل بين الإنسان وأخيه الإنسان. إن هذا

الارتباط في ما بيننا تدفعنا إليه حالات الشقاء والمعاناة المشتركة بين الناس، وتعضده وتقويه العواطف والمشاعر الطيبة التي تتولد عندنا. فكيف يمكن صون وحماية الطفل ضد الميول والأهواء المستجدة، المعكرة للصفاء والنقاء الداخلي للإنسان؟

يرى روسو أن السبيل الممكن لذلك هو «ألا تعرض على أنظاره منذ البداية صورة السعادة والرفاهية، كما تتبدى في أبهى القصور وبذخ البلاط. ولا تصاحبه إلى المنتديات الراقية والمجتمعات الزاهرة، ولا تطلعه على مظاهر الطبقة العليا(...). فإنك إن أريته المجتمع الراقي قبل أن يعرف البشر من حيث هم، لا تكون قد كونته، بل هدمته، ولا تكون قد علمته بل غررت به»([10]). ومعنى ذلك أن قهر العواطف والأهواء والميول الناشئة عند الطفل في هذه المرحلة؛ أي مرحلة المراهقة، لا يحصل بتربيته على حياة الرفاهية والثراء والبذخ والسلطة والمال، فهذه الحياة لا تعكس طبيعة الناس وحقيقتهم الجوهرية، فلذلك من الأفضل له أن يبدأ من معرفة طبيعة الناس وحقيقتهم كما ولدوا حفاة عراة وفقراء، وغير محصنين ضد شرور الحياة. وبهذا الأسلوب «سيدرك مقدار شقائهم وعذابهم وهم في أوج السلطان. وسيتعلم أن متاعب الإنسان تتضخم وتنمو مع نمو ثروته ومكانته ومسؤوليته. وسيتعلم إميل احتقار المطامع والشهوات»([11]). وهكذا تموت بذور الكبرياء والغرور والحسد والغيرة وسائر العواطف القاسية، وفي مقابل ذلك تثمر بذور الشفقة والإحسان والرحمة والحنان وسائر العواطف الرقيقة التي تسر الناس بطبيعتهم.

وإذا كانت الأهواء الناشئة مع سن المراهقة خطيرة على حياة الطفل، مما يقتضي رعايتها وتدبيرها التدبير الأمثل، للتقليل من أخطارها؛ وذلك باستنبات عواطف أخرى في قلب الإنسان للعمل ضدها وكبح جماحها، كما هو الحال بالنسبة إلى عاطفة الشفقة التي تحل في قلب الإنسان كشعور رابط بين الأفراد. فكيف يمكن العمل مع الحب والذوق، بوصفهما هما الآخران عواطف مهددة لحياة الطفل الوجدانية.

  1. عاطفة الحب:

لئن كان جان جاك روسو، كما أسلفنا الذكر، ينصح بعدم تنوير الأطفال منذ وقت مبكر بخصوص الأمور العاطفية التي جرت العادة إخفاءها عليهم، ويدعو إلى تأخير يقظتها. فإن موقفه من عاطفة الحب تحديدا سيكون عكس ذلك تماما. وسبب هذا التباين في الموقف يعود- كما يذكر روسو- إلى طريقة قيادة شخص راشد تناقض تماما طريقة قيادته، وهو طفل. يقول في هذا السياق: «ولئن كنت حتى الآن أتحكم فيه عن طريق جهالته. فيجب منذ الآن أن أتحكم فيه عن طريق الدراية وفتح عينيه على الحقائق»([12]). والمقصود بالحقائق هنا، حقائق الحب وأسراره التي لطالما يجتهدون الناس في إخفائها عنه، بمن فيهم أساتذته ومربّوه. لذلك جرت العادة أن يعرف الشبان هذه الحقائق الحيوية من أصحابهم والمخلصين لهم. وهذا جرم فظيع في نظر جان جاك روسو، تقترفه التربية القائمة على الاستبداد والقمع. ولاسيما حين يتعلق الأمر بالحب الذي يعد في المخيال الاجتماعي التقليدي من العواطف المحظورة والمسكوت عنها، ومن الموضوعات المكبوتة التي لا يسمح لها بالظهور بشكل علني وواضح، والممنوعة من المناقشة. وعلى هذا الأساس بنت التربية التقليدية تمثلها للحب وصورته «للشبان في صورة الجريمة. كأنما خلق الحب للعجائز فحسب!»([13]).

وعلى خلاف هذا التصور السلبي للحب، الذي ينقل دروسا مظللة وخادعة إلى قلب الطفل، يدعو جان جاك روسو إلى تصوير الحب للطفل في صورته الصحيحة بكونه السعادة القصوى في الحياة. و«أنه هو الذي يضفي على الرغبات الحسية جمالا ساحرا ساميا، وأن الغريزة بغير حب إسفاف وابتذال. وسأجعله يتقزز من الإباحية والفجور، وأوجه أشواق عواطفه جميعا إلى سماء الحب الذي يجب أن يتهيأ له ويسعى للصعود إليه. فإن إميل لم يخلق للعيش بمفرده. ولابد يوما أن يحب ويتزوج من يحب»([14]). لكن السؤال هنا هو كيف يمكن نقل هذه الصورة الصحيحة عن الحب إلى الطفل وغرسها في قلبه؟

يقول جان جاك روسو كجواب عن هذا السؤال: «إن من يريد أن يزرع زرعا مثمرا، عليه أن يحرث الأرض قبل أن يلقي البذور. وبذور الفضيلة عسير نباتها. ولابد من جهد ودأب كي تنشب جذورها في الأرض. والأرض معادن. ومما يجعل المواعظ غير ذات أثر أنها تلقى على كافة الناس من غير تدبر لاختلاف طبائعهم. فكيف يمكن أن تلائم الموعظة الواحدة صنوف السامعين على اختلاف أفهامهم وأمزجتهم وأعمارهم وأجناسهم وآرائهم»([15]). من خلال هذا النص، يتبين أن تربية الطفل على فضيلة الحب ليست من المسائل التي لا تحتاج- كما يسود الظن- إلا إلى حديث صريح في لحظة عابرة، ثم بعد ذلك ينتهي الإشكال كله، بل الأمر على خلاف ذلك يحتاج إلى خطة عمل استباقية من أجل تحضير نفس الطفل لما سيقال له وتهييئها للموضوع قبل مجادلته؛ أي يجب الإعداد القبلي للطفل، فيما يتعلق بالأمور العاطفية، وتفادي أساليب الغفلة والفجأة. أما طريقة الوعظ والخطب في لحظة الطيش، فهي تذهب جفاء، وقد توقعه في المزالق والمهاوي. لأن الشاب عندما تضطرم شعلة عواطفه، تطيح بعقله وتستبد بإرادته، فلا يكون متهيئا لسماع المواعظ. لهذا السبب، يقول روسو بأسلوب النهي: «لا تخاطب العقل في الشبان، حتى الراشدين منهم، إلا بعد أن تعدهم لإدراك ما تقول إدراكا حسنا(...) فالأستاذ الصالح يجب أن يعد نفس تلميذه لما يقوله له(...) والشاب الطائش مثله كمثل من يسير في نومه على حافة هاوية، فإن أيقظته فجأة كان حريا أن يتردى فيها»([16]). لذلك، فإن المطالعة والوحدة والحياة الرخوة ومخالطة الناس وحياة المدينة، كل هذه سبل خطيرة على الشاب في سنه، من وجهة نظر جان جاك روسو. وخير صارف للقلب عن حرارة الرغبات هو إشغاله عن نفسه، بممارسة التمارين البدنية والأعمال الشاقة التي يميل إليها بنفسه ويختارها بمزاجه وذوقه، لتشغيل الجسم وإرهاقه، حيث إن انشغال اليدين على الدوام وإرهاق الجسم باستمرار، هي سبل ناجعة في إخماد ثورة الحس وتوقيف شطط المخيلة التي توري الطريق للطفل من أجل الوقوع في المحظور. وتقيه من شر العواطف الخطيرة التي تسوقه إلى الهاوية. وفي هذا الصدد يؤكد روسو أنه «لا سبيل لتذوق الخير العظيم إلا إذا عرفنا جانبا من الشرور الهينة. هذه هي طبيعة الإنسان. فإذا كان الجسد على أحسن حال، فسدت الروح، والشخص الذي لا يعرف الألم لا يمكن أن يعرف الحنان الإنساني ولا عذوبة الرحمة والشفقة؛ لأن قلبه لن يتحرك لشيء، ولن يكون اجتماعيا، بل سيكون بين نظرائه وحشا أو مسخا»([17]).

علاوة على ذلك، فإن تنمية عاطفة الحب تستوجب المناقشة العقلية الصريحة والواضحة والصادقة للفتى من قبل المربي، لفتح عينيه على الحقائق التي كان يجهلها من قبل. لكن شريطة أن يبلغ الطفل السن المناسب لذلك. وخلال المناقشة لا يجب التسرع والتعجل في الأمر، بل يجب كما يشير روسو «أن أتخير المناسبة، والزمان والمكان، وأن أحدثه في الموضوع ببساطة ورزانة، ولكن ليس في جفاف، بل حيث يدرك أني مشترك معه في الإحساسات التي أحدثه عنها، وسأحدثه عن الحب والنساء والملذات حديثا صريحا أكسب به قلبه وأكون موضع سره في هذه الأمور بعد ذلك»([18]). إن الأمر الذي يتطرق إليه روسو في هذا النص شبيه إن لم نقل هو ما صار يعرف اليوم بالتربية الجنسية. وعلى ضوء ذلك القول، يتبين أن ثمة خطة محكمة يقترحها روسو بخصوص هذا الموضوع الشائك، يلح فيها على احترام الزمان والمكان، واتباع الطرائق الأكثر بساطة ورزانة في الحوار، ومشاركته في نفس الإحساسات موضوع هذا الحوار بنوع من التفاعل الايجابي والدعم العاطفي. وبعد ذلك، نعرض بالشرح والتفصيل بأنه يمتلك أحساسات كباقي البشر، وأن الإنسان من خلال طبيعته يميل إلى حب النساء، وما يلزم ذلك من ملذات، من أجل تقاسم بعض الأسرار التي يجهلها الطفل عادة. فالمربي عندما يريد حسب روسو أن يعلم الطفل، فهو لا يقصد تخويفه من طبيعته، بل في الحقيقة يهدف من جراء ذلك تأمين الشباب وحمايتهم من فخاخ الشهوات والحب. على عكس ما كان سائدا في عصر روسو ومجتمعه، الذي اعتبره جريمة ينبغي قهرها واستئصالها من الطبيعة الإنسانية.

وهكذا يتفتح قلب الإنسان للحياة الاجتماعية، ويبتعد عن الفسوق والفكر السلبي، ويشرع شيئا فشيئا في الولوج إلى تلك الحياة الاجتماعية، وخير وسيلة كي يطرق بابها هو قول روسو: «إن قلبك أيها الشاب بحاجة إلى رفيقة فهيا بنا ننشد تلك التي تلائمك. وربما لم يكن العثور عليها سهلا، فالفضيلة الحقة نادرة دائما. فلنبحث بأناة. ولا بد أن نعثر على ضالتنا في النهاية، أو على الأقل على أقرب فتاة إليها شبها»([19]). ومن شأن هذا، المرونة في التعامل أن تساعد الفتى على أن يصبح منفتحا على الحياة الاجتماعية، لينتقل من كائن مسلوب ومقيد الإرادة، بالوعظ والإرشاد الذي كثيرا ما يتسم بالقسوة والعنف، إلى كائن يتميز بالاستقلال الفكري المعبر عنه في الآداب الاجتماعية، التي تقوم على الحوار والمناقشة العقلية والاحترام ونبذ العنف ومختلف أشكال الفكر السلبي. وفي هذه النقطة بالذات تبرز ملامح الحداثة في فلسفة التربية عند جان جاك روسو.

وبهذا التفتح العاطفي يغدو الإنسان محبوبا عند الناس، ما دام أنه هو نفسه يحبهم ويتقاسم معهم كل مشاعر المعاناة والألم والشرور المشتركة بينهم، بيد أن هذا الحب ليس مجرد ألفاظ معسولة ورخاوة وتقليد، كما هو عند طلاب الشهوات والمستهترين، وإنما هو أعمق جذورا، ويصدر من القلب ومن رقة الإحساس. وهذا هو المحب الحقيقي ذي الطبع السليم. وعلى هذا الأساس، يجب أن تنبني العلاقة مع الغير على الحب والاحترام المتبادلين بينهم، ومصدر هذه العلاقة ليس هو عراقة النسب أو فداحة الثراء أو سطوة الجاه. وإنما تبنى على أساس أنهم بشر يتميزون بأخلاقهم وسجاياهم وأذواقهم. ومعنى هذا أن الحب عند جان جاك روسو إحساس طبيعي يربط الأنا بالغير برباط الفضيلة، وليس برباط المنفعة([20]). وفي هذا السياق، يقول جان جاك روسو عن إميل الذي أصبح بفضل التربية العاطفية يحمل في قلبه مشاعر مرهفة ورقيقة تمكنه من العيش مع الآخرين في هناء وسعادة: «إنه يحب الناس لأنهم أناس مثله. وأحبهم إليه أشبههم به في الذوق والخلق. وتقديره للناس مبني على دراسة أخلاقهم وسجاياهم وأذواقهم»([21]). وبالتالي، فإن علاقة الإنسان مع بعضه البعض لن تعود قائمة على التشابه في الثراء والمظاهر، بل ستقوم على توافق الأذواق والطباع الأخلاقية. يقول روسو: «إن الصداقة لا تشترى. فلن أجعل إميل يسيغ تكوين بطانة من الأتباع والمتملقين عبيد كرمه أو الطامعين من مكانته. فمثل هذه الصلات سخيفة؛ لأن الأساس فيها ليس التقدير الذاتي، بل المنفعة والنفاق»([22]).

  1. التربية على الذوق:

إن تربية الذوق جزء أساسي من عملية التربية الشاملة للإنسان. كونها تساهم إلى جانب تربية الملكات الإنسانية الأخرى، في بناء شخصية الإنسان وحفظ توازنها، ومن ثمة فإن دورها لا يقل أهمية عن دور تربية باقي الملكات الأخرى من عقل وحس وعواطف ورغبات... فما هو الذوق عند جان جاك روسو؟ وكيف يمكن تربيته وتهذيبه؟ وما الجدوى منه؟

في تحديده لمفهوم الذوق، يشير جان جاك روسو إلى أن تعريفات الذوق من أشق الأشياء وأكثرا ضلالا. وأن أبسط تعريف له هو أنه «ملكة الحكم على ما يعجب السواد الأعظم من الناس أو لا يعجبهم»([23])، غير أن موضوعات الذوق لا تكون منصبة على الأشياء المهمة والضرورية للعيش، والتي لا يلزم الذوق للحكم عليها بحكم ضرورتها الطبيعية، بل في غالب الأمر ينصب الذوق على الأشياء التي تتصل بالمتعة والكماليات. وهذه الموضوعات غير الأساسية عادة ما يختلف الناس في الحكم عليها، نظرا لتباين مقاييس وقواعد الحكم لديهم. وهذا التباين والاختلاف في الحكم وتحديد الأذواق، يفسره جان جاك روسو بمجموعة من الاعتبارات، الجغرافيا والثقافية والعمرية وغيرها، يقول بصدد هذه المسألة: «ألاحظ أن الذوق يخضع لقواعد محلية، ولاسيما من جهة الجو والطباع والعادات والعرف السائد والنظم الاجتماعية وطريقة الحكم. كما أن لاعتبارات السن والجنس والطبع دخلا في تلوين الذوق. ولهذا قيل أن الأذواق لا يصح أن تناقش»([24]).

وبناء على ما سبق، نستخلص بأن من سمات الذوق الأساسية أنه متغير ويتأثر بالحساسية والثقافة والبيئة، وليس على قدم المساواة لدى الجميع، ولا ينمو بنفس الدرجة عند الجميع. من هنا تلح الحاجة إلى تربية الذوق من أجل توحيد أحكامه عند الناس، وتوحيد قواعده ومقاييسه. ومن أجل هذه الغاية، يؤكد جان جاك روسو أنه ينبغي أن يرتاد الإنسان الأوساط الخالية من التفاوت الضخم بين الطبقات، والأوساط التي يكثر فيها وقت الفراغ واللهو والبطالة؛ لأن مثل هذه الأوساط لا يسود فيها الاستبداد بالرأي والشطط في حب الاغراب. حتى لا تقضي الموضة على الذوق. لأنه متى تفشى الترف والبذخ ساد الذوق الفاسد. وهذا شيء بديهي عند جان جاك روسو، مادام أن الذين يقودون الذوق هم الفنانون والكبراء والأثرياء. ومن يقود هؤلاء هو صالحهم أو غرورهم، فهم يحبون إظهار تفوقهم الهائل على سائر الناس بالأعمال الغالية التكاليف والباهظة الثمن. وهذا هو حب البذخ الذي يحل المال محل الجمال، ويمنحه المرتبة الأولى، دون الاكتراث بقيم الجمال الحقيقية. يقول روسو: «كان البذخ وفساد الذوق لا ينفصلان. فحيث يكون الذوق مترفا يكون فاسدا»([25]).

ويشير روسو من جانب آخر، إلى أن فساد الذوق أو صلاحه يتجلى في أوضح صورة داخل العلاقات الاجتماعية، بحيث كلما كان الذوق في المجتمع فاسدا، كلما كانت الروابط الاجتماعية قائمة على المتعة المبتذلة والإباحية والانحلال الأخلاقي. والعكس صحيح، كلما ساد الذوق الحسن بين الناس تحسنت أخلاقهم وصلحت أحوالهم. «فحسن الذوق يقترن بحسن الأخلاق»([26]). وبمناسبة الحديث عن الذوق، والمناسبة كما يقال شرط، يميز روسو بين ذوق المرأة وذوق الرجل، ففي ما يخص الأشياء المادية يوصي روسو بالرجوع إلى المرأة فهي خبيرة بأمور الحس. أما في ما يخص الأشياء المعنوية فهو يوصي بالرجوع إلى الرجل، فهو خبير بأمور الفكر، غير أن روسو يعتبر أن من بين الأسباب المفسدة للذوق هي تفشي الحياة المادية و«المجتمعات المخنثة التي تسيطر فيها المرأة على الأذواق، والمجتمعات المترفة التي يسيطر فيها المال على الفنون. ويطمس فيها البذخ الجمال الطبيعي»([27]). وفي المقابل اضمحلال الحياة الفنية والرمزية. لهذا يدعو روسو إلى إخراج الطفل وإبعاده من مثل هذه المجتمعات المادية. وتدريبه على أسلوب عيش بسيط، يكون مستوى الذوق فيه يتابع الطبيعة ويلازمها عن كثب. «لذا لن يكون مقامه في قصر؛ لأنه لا يحتاج لسكناه إلا لحجرة واحدة. ويجب أن يكون الأثاث بسيطا. وألا تثقل الحياة بمراسيم الخدمة الباذخة ومظاهر الأبهة(...) لن أعود إميل التقيد بالخيل والمركبات حتى لا تستعبده قوائم جياده. وسأعوده بساطة الملبس حتى لا يستمد قيمته من زخارف ثيابه»([28]).

يلاحظ إذن، أن جان جاك روسو ينتقد الذوق السائد في المجتمع، والقائم على الثراء والمظاهر المادية الباذخة، وفي مقابل ذلك يؤكد على تحرير الذوق من هذه الأبعاد المادية. وإعادة تشكيله وفق بعد معنوي وأخلاقي يعيد للإنسان حقيقته ويحرره من سيطرة رغباته وشهواته التي كانت تعيق رؤية حقيقة الأشياء، ويحقق له لذّاته وسعادته.

بالإضافة إلى ما سبق، يرى جان جاك روسو أن تهذيب الذوق يقتضي الاستعانة بدراسة الآداب القديم من مسرح وشعر وتاريخ وأساطير وغيرها من الفنون التي تستلهم مادة دراستها من النزعة الطبيعية والإحساس الفطري الأصيل. وفي نفس الوقت الاطلاع على الآداب الحديث، ليس للاحتذاء به، وإنما لاكتشاف ما فيه من سخافة وحذلقة وتكلف ممقوت. وبالتالي معرفة حقيقته قبل النفور منه. يقول في هذا السياق: «وبعد أن أرويه من تلك المناهل الصافية من آداب الأقدمين، أطلعه على الآداب الحديثة ليكتشف ما فيها من سخافة، فلا يلبث أن يطرحها نافرا منها. وأطلعه على مهاترات رجال المجامع الرسمية والأكاديميات حتى لا ينخدع في أسمائهم الطنانة، ولا يقدرهم إلا بحسب أعمالهم الضحلة»([29]).

وفي ما يخص المسارح والشعر، فلابد من ارتيادها وخاصة المسارح التي يصفها روسو بمدارس للذوق لما فيها من متعة وترفيه وترويح للإنسان. ويعتبر أن وجودها لم يكن من أجل العلم وطلب الحقيقة، بل لغاية محددة هي تهذيب العواطف والمشاعر. فـ «ليس الغرض في هذه الفترة إطلاقا أن تعلمه العلوم، بل الغرض أن تربي فيه الذوق ليحبها، وتربي لديه مناهج تعلمها بنفسه عندما يبلغ ذلك الذوق أشده. وهذا يقينا هو المبدأ الأساسي لكل تربية جيدة»([30]).

أما الشعر، فيقوم على التعبير عن العاطفة ولا يستلهم العقل والمنطق. «ففنون الشعر والمشرح هي المحراب الحقيقي للجمال وتنمية الذوق»([31]). وبارتياد المسارح والولوج للشعر، سيتعلم الطفل كيف يحس الجمال بجميع أنواعه وكيف يحبه، فيزدهر ذوقه وتزدهر عواطفه، ويلتمس السعادة في الجمال لا في الثروة وما تتيحه من متاع غليظ.

كما لا يكتفي صاحب كتاب "إميل" بهذا الجانب من تهذيب الذوق، بل يشير إلى أهمية دراسة التاريخ والأساطير وما لهما من أثر إيجابي في تشكيل الذوق الإنساني وتقويم عواطفه. وفي نفس الوقت يوجه كثيرا من الانتقادات للطريقة التي بها يدرس التاريخ عادة، ومكامن النقد هنا نجدها في نص روسو ذاته، إذ يقول «إن التاريخ على العموم ناقص ومعيب؛ لأنه لا يسجل إلا الوقائع المحسوسة البارزة التي يمكن إثباتها بالأسماء والأماكن والتواريخ. أما الأسباب الكامنة لتلك الوقائع تظل مجهولة خافية. إننا قد نجد في معركة رابحة أو خاسرة سبب قيام ثورة، وتكون هذه الثورة في الحقيقة أمرا لا مناص من حدوثه حتى قبل تلك الموقعة. إن الحرب ليست إلا مظهرا معبرا عن أحداث قررتها أسباب معنوية يندر أن يفطن إليها المؤرخون» ([32]). ونظرا للعيوب الكثيرة التي تعتري المعرفة التاريخية وطرائق تدريسها، فهي لا تعطي صورة واضحة لقراءة الحياة الخاصة التي لن تقوم لها قائمة، دون دراسة قلب الإنسان، وهذه هي الدراسة الحقة؛ أي دراسة الشخص الفرد أولا لدراسة الناس على وجه عام، عوض التركيز على المعارك الصاخبة والكاذبة وتاريخ الأباطرة. «فمن عرف تمام المعرفة ميول كل فرد استطاع أن يتنبأ بمجموع الميول المتداخلة في كتلة الشعب»([33]). لذلك سيستفيد الطفل(إميل) من جراء هذا بأن يدرك الحقيقة الكبرى وراء حياة جميع العظماء، وسيدرك مقدار شقائهم وعذابهم وهم في أوج السلطان. وسيتعلم أن متاعب الإنسان تتضخم وتنمو مع نمو ثروته ومكانته ومسؤوليته. وبالتالي، سيعمل على احتقار الشهوات والمطامع.

ونفس الشيء ينبغي على المربين أن يقوموا به إذا أردوا الاستفادة من الأساطير وتوظيفها في التربية وخاصة تربية العواطف. كون الأسطورة تعين التلميذ على استخلاص قاعدة أخلاقية من حادثتها الفردية، وتساعده على رسوخ تلك القاعدة في ذاكرته. وفي هذا السياق يندد جان جاك روسو بالعبر والقوالب الأخلاقية الجاهزة التي تختتم بها معظم الأساطير المختارة والتي تصد الطفل عن استخلاص العبرة بنفسه من الحادثة التي أوردتها الأسطورة. ومن ثمة تعيق تكوين حاسته الأخلاقية. ويعتبر أن هذه الأخيرة تتشكل بجعل الطفل يستخلص هو ذاته العبرة من تلك الحادثة. وهنا يكمن سر التربية كله «في أن ندع للتلميذ لذة تعليم نفسه عن طريق الموضوعات والوقائع. فهذا هو ما يربي لديه ملكة التفكير والتمييز والقياس والضمير»([34])، ليشمل الناس كافة، بغض النظر عن فروق الجنس والعرق والوطن أو الدين.

وفي غياب التربية العاطفية أو فسادها، فإنه تنمو عند الطفل عواطف وأهواء شريرة، تستدرجه إلى حب الأدوار والشخصيات ذات العواطف القاسية في التاريخ والأساطير، ومن ثمة يسيء فهم الأسطورة على وجهها الأخلاقي، وسيعجب بالشخصيات الشريرة وسيحتقر الشخصيات الضعيفة أو المظلومة. يقول روسو: «أما المجني عليه في الأسطورة أو الضحية أو الضعيف المظلوم فسيراه في نظره أبله يستحق ما نزل به على يد ظالمه الأثيم، الذي يراه هو لبيبا أريبا»([35]).

خاتمة:

على غرار ما سبق، نستخلص أن التربية العاطفية هي تربية تتوخى تنمية الجانب الوجداني عند الطفل، لوقايته من نمو العواطف والأهواء الشريرة، وتزوده بأفكار صحيحة عن العدل والطيبة. ومن ثمة، فهي تحوّل طباعه نحو فعل الخير. ولإذكاء هذا الجانب وتوجيه في اتجاهه الطبيعي، ينبغي أن نقدم للطفل موضوعات يمكن أن يمارس فيها قوة التفتح التي في قلبه، كي تتسع حساسيته لتشمل مختلف الأشخاص. وبهذا تثار لديه الطيبة الإنسانية والشفقة والإحسان والرحمة والحنان وسائر العواطف التي تسر الناس بطبيعتهم، وتمنع بزوغ الحسد والغيرة والحقد وسائر العواطف القاسية المنفردة التي تلغي رهافة الحس. من هنا فقد شكلت العاطفة عند روسو «ذلك العنصر العامل الوحيد في الروح، بل أكثر من هذا غذت قيمة الحياة مستمدة من مبلغ نصيب تلك العاطفة فيها»([36]). وهكذا نفهم أن تربية العواطف وتهذيبها لدى الطفل هي أساس الأخلاق عند جان جاك روسو، أو ما يطلق عليه بالأخلاق الوجدانية؛ لأن الإنسان حسب روسو لا يغدو فاضلا إلا إذا عرف كيف يقهر شهواته ويتحكم في عواطفه، «فالرجل الفاضل حقا هو الذي يعرف كيف يقهر عواطفه وشهواته. لأنه عندئذ يستلهم عقله وضميره. ويقوم بواجبه ويلزم جادة النظام(...) فبهذا يا إميل تغدو رجلا فاضلا حقا»([37]).

[1]- جان جاك روسو، محاولة في أصل اللغات، مصدر سابق، 35

[2]- جان جاك روسو، إميل أو في تربية الطفل من المهد إلى الرشد، ترجمة، نظمي لوقا، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة، 1958، ص،214

[3]- جان جاك روسو، خطاب في أصل التفاوت وفي أسسه بين البشر، مصدر سابق، ص، 21

[4]- جان جاك روسو، إميل أو في تربية الطفل من المهد إلى الرشد، ترجمة، نظمي لوقا، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة، 1958، ص،172

[5]- المصدر نفسه، ص، 220

[6]- المصدر نفسه، ص، 219

[7]- المصدر نفسه، ص، 178

[8]- المصدر نفسه، ص، 178

[9]- يستشهد جان جاك روسو ببعض الوقائع من التاريخ عن تأخير يقظة الرغبات، وإطالة فترة البراءة، كقبائل الجرمان التي كان يلحق فيها العار بالشاب الذي يفقد بكارته قبل سن العشرين. كما يستشهد بوالد الفيلسوف مونتاني، الذي كان رجلا معروفا بتوقد الذهن والمضاء وقوة البنية. وكان هذا الرجل يقسم أنه تزوج وهو بكر، وكانت سنه ثلاثا وثلاثين سنة، بعد أن خدم طويلا في حروب إيطاليا. وظل محتفظا بقوته ومرحه إلى ما بعد سن الستين. المصدر نفسه، ص،220

[10]- المصدر نفسه، ص، 180

[11]- المصدر نفسه، ص،187

[12]- المصدر نفسه، ص، 221

[13]- المصدر نفسه، ص، 223

[14]- المصدر نفسه، ص، 224

[15]- المصدر نفسه، ص، 222

[16]- المصدر نفسه، ص، 222

[17]- المصدر نفسه، ص، 87

[18]- المصدر نفسه، ص، 223

[19]- المصدر نفسه، ص، 224

[20]- نشير إلى أن روسو يميز في الحب بين بعدين، يطلق على الأول الحب الفيزيقي او الطبيعي وعلى الثاني الحب الأخلاقي او الاجتماعي. وفي معرض تمييزه بينهما، يقول: «ولنبدأ بأن نميز بين الفيزيقي والأخلاقي طي الشعور بالحب، فأما الفيزيقي فهو الرغبة العامة التي تحمل الجنس على الاتحاد بالجنس الآخر، وأما الأخلاقي فهو ما يعين هذه الرغبة ويشدها حصرا إلى موضوع بعينه، فإن لم يكن ذلك مكنها، على الأقل، في نزوعها إلى هذا الموضوع المفضل من طاقة أقوى. والحال أنه من السهل أن نتبين أن البعد الأخلاقي للحب شعور مصطنع متأت من عادات المجتمع، وتحتفي به النساء بكل مهارة وحذق كي يوطّدن سلطانهن ويصيّرن الجنس الملزم بالطاعة جنسا مسيطرا. وإذ إن هذا الشعور يتأسس على معان معينة مثل المزايا والجمال مما لم يكن المتوحش في وضع من يستطيع تمثله قط، لزم أن يكون هذا الشعور معدوما لديه أو يكاد، فإذ لم يكن ذهن المتوحش قادرا على تكوين أفكار مجردة حول الانتظام والتناسب، لم يكن قلبه أيضا مهيئا لمشاعر الإعجاب والحب التي تنشأ عن تطبيق هذه الأفكار دون أن يفطن لها أحد، إنه لا يصغي إلا للمزاج الذي تلقاه من الطبيعة لا لذوق لم يتمنك من اكتسابه. ومن ثم كانت كل امرأة حسنة في عينيه. ومتى كان البشر مقصورين على البعد الفيزيقي للحب، لا غير، وكانوا سعداء بما فيه الكفاية ليجهلوا هذه المفاضلات التي تهيج شعورهم ذاك وتزيد في تعقيده، لزموا ان يحسوا حميات مزاجهم بوتيرة اقل وبعنفوان أقل، ولزم بالنتيجة ان تنقص المنازعات بينهم وأن تصبح أقل فظاعة(...) ومما لا جدال فيه إذا أن الحب كذلك، مثله مثل سائر الأهواء الأخرى، لم يكتسب إلا في المجتمع هذه الحمية الصائلة التي كثيرا ما تجعله شرما على البشر، وانه من السخافة ان نصور المتوحشين قوما يتناحرون بلا هوادة إرواء لغلة بهيميتهم، فإن هذا الرأي تكذبه التجربة مباشرة: فالكاراييب، وهي من بين الشعوب القائمة حاليا أقلها انحرافا عن الحالة الطبيعية، هي بالذات أهدأها في حبها الجنسي وأقلها استسلاما للغيرة، مع أنها تعيش في مناخ لاهب يبدو كأنه في اتقاد هذه الأهواء». جان جاك روسو خطاب في أصل التفاوت وفي أسسه بين البشر، ترجمة بولي غانم، مصدر سابق، ص ص،107- 108.

[21]- جان جاك روسو، إميل أو في تربية الطفل من المهد إلى الرشد، مصدر سابق، ص، 226

[22]- المصدر نفسه، ص، 230

[23]- المصدر نفسه، ص، 226

[24]- المصدر نفسه، ص، 22

[25]- المصدر نفسه، ص، 228

[26]- المصدر نفسه، ص، 228

[27]- المصدر نفسه، ص، 228

[28]- المصدر نفسه، ص ص، 229- 230

[29]- المصدر نفسه، ص، 229

[30]- المصدر نفسه، ص، 257

[31]- المصدر نفسه، ص، 229

[32]- المصدر نفسه، ص،185

[33]- المصدر نفسه، ص،186

[34]- المصدر نفسه، ص،189

[35]- المصدر نفسه، ص،188

[36]- جان جاك روسو، أحلام يقظة جوال منفرد، مصدر سابق، ص، 88

[37]- جان جاك روسو، إميل أو في تربية الطفل، مصدر سابق، ص،329