التشيّع العاطفي


فئة :  مقالات

التشيّع العاطفي

التشيّع العاطفي

يمثّل كتاب افتتاح الدعوة[1] الذي أنهى القاضي النعمان (ت. 363هــــ/974م) تأليفه سنة 346هــــ/950م أقدم الوثائق التي توصّلنا إليها حول أخبار شيعة بلاد المغرب بلسان الشيعة. وتكمن أهميّة هذا الكتاب في اعتماد صاحبه وثائق معاصرة للأحداث التي دوّنها، وفي مواكبته الحياة السياسيّة والاجتماعيّة مراقبة ومساهمة. وتبيّن من خلال بعض الفقرات القليلة المتعلّقة ببداية التشيّع في شمال إفريقيا عامّة وفي إفريقيّة خاصّة، أنّ التاريخ البعيد لهذه الظاهرة يعود إلى أواخر النصف الأوّل من القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي.

حلّت في هذه المرحلة من تاريخ المنطقة بعثة دعوية يقودها داعيان منتخبان من القيادة الفكرية والروحيّة الشيعيّة في المشرق. وقال القاضي النعمان في هذا السياق: «قدم إلى المغرب سنة خمسة وأربعين ومائة رجلان[2] من المشرق قيل إنّ أبا عبد الله جعفر بن محمّد (صلوات الله عليه) بعثهما وأمرهما أن يبسطا ظاهر علم الأئمّة (صلوات الله عليهم) وينشُرا فضلهم»[3]. وتكمن أهميّة هذا الخبر في مستويين اثنين: أوّلهما ربط هذه البعثة بالإمام السادس عند الشيعة جعفر الصادق (148هــــ/765م)[4]. والثاني تدقيق وظيفتها وحصرها في بسط ظاهر علم الأئمّة دون تفاصيل، وهو ما يعطى جهود الداعيين بعداً أخلاقيّاً يمكن تمرير مضامينه بيسر عكس البعد المذهبي الذي تأكّد فشل الرّهان عليه في المشرق.

ينضاف إلى مكانة الصادق المرموقة وغير المعلنة عند أهل السنّة، باعتبار أنّ أبا حنيفة (ت. 150هــــ/767م) ومالك بن أنس (ت. 179هــــ/795م) كانا من تلامذته[5]، فإنّه يمثّل العمود الفقري لعمليّة صناعة الذاكرة الجمعيّة الشيعيّة بفرعيها الاثني عشري والإسماعيلي[6]. ويُحسب لهذا الإمام ووالده محمد الباقر (ت. 114هــــ/732م)[7] عملهما على ترميم إرث علوي كاد يندثر في واقعة كربلاء (61هــــ/679م) التي لم تخلّف إلّا شابّاً مريضاً هو جدّه علي بن الحسين (السجّاد) (ت. 95هــــ/714م)[8]. وقد أسهم الصادق بفاعليّة في تحويل أفكاره إلى نسق مذهبي بالمعنى الفكري العقائدي، اكتملت معالمه مع القرنين الرابع والخامس/ الحادي عشر والثاني عشر[9]، وصارت المرويات عنه مرجعيّة روحيّة وثوريّة بالمعنى الاجتماعي السياسي للمذهبين الاثني عشري والإسماعيلي وعدد من الفرق الغالية[10]. ونستدلّ على مركزيّة الصادق بحجم المرويات الشيعيّة التي تعود في سلاسل سند إليه[11]. ومن التحويرات المهمّة التي أدخلها الإمام السادس، تحويل الحركة العلويّة من حالة عاطفية ترتبط بذاكرة الثأر للمظلوم والثورة على الظالمين التي قادها جدّه الحسين وعمّه زيد بن علي (ت. 122هــــ/740م)، إلى حالة عاطفيّة جديدة تتّسم بالهدوء والرصانة الفكريّة، وترتكز على العمل الدعوي المدروس[12]. وتستلهم الحالة الأولى شحنتها من ذاكرة مثلّثة، ضلعها الأوّل صورة علي بن أبي طالب (ت. 40هــــ/660م) المفارقة في الوجدان الإسلامي، وضلعها الثاني صورة الحسين وموته المأساوي في كربلاء. وضلعها الثالث ذاكرة قبليّة مثقّلة بصراعات ما قبل الإسلام. ويهم الباحث منها الصراع بين هاشم وأميّة الذي تجدّد بغطاء ديني[13]. ونجد صدى هذا الصراع فيما نُقل عن أبي سفيان بن حرب (ت. 30هــــ/652م) قوله أيّام السقيفة: «والله إنّي لأرى عجاجة لا يطفئها إلّا دم، يا آل عبد مناف فيما أبو بكر في أموركم؟ أين المستضعفان؟ أين الأذلّان علي والعباس؟»[14].

تستلهم الحالة الثانية مقوّماتها من مثلّث ضلعه الأوّل مرجعيّة جعفر الصادق العلميّة والأسريّة، وضلعه الثاني فلسفة هشام بن الحكم (ت. 1179هــــ/ 795م) والمفضّل بن عمر الجُعفي (ت. 180هــــ/796م) وعدد من الموالين، وضلعها الثالث تجربة العلويين التاريخيّة في الصّراع من أجل القيادة. ونرجّح أن يكون الضلع الثالث من المرحلة الثانية هو أساس رهان جعفر الصادق في ترميم البيت العلوي واستعادة مكانته فكريا وسياسيا وبشريا. لقد أثبتت التجربة التاريخيّة فشل رهان جدّه علي بن أبي طالب على العراق وأهله عسكرياً على الأقل. وتأكّد هذا الفشل مع وقوع الحسين بن علي وزيد بن علي بن الحسين في المأزق نفسه في مشهد مستعاد لتجربة الإمام الأوّل. ولا مِراء في أنّ الصادق خاصّة، والعلويين الثوريين عامّة يدركون أهميّة تغيير المجال الجغرافي والعنصر البشري لأجل إنجاح دعوتهم المنبعثة من رحم العدم.

لهذا السبب الاستراتيجي اتجهت عنايتهم إلى الغرب الإسلامي بما يمثله من حاضنة بشريّة تختلف في طبيعتها عن أهل العراق والشام. فالمشارقة حسموا أمرهم واتخذوا مواقعهم من الصراعات الدائرة؛ فمنهم من اتبع السلطة ومنهم من هاجر ومنهم من سكت. تنوّعت المواقف وجمع بينها التخلّي عن العلويين والمساهمة في إنهاء صراعهم مع الأمويين والعباسيين بهزيمتهم واستسلامهم. وفي المقابل بقي المغاربة بعيداً عمّا يحدث، بل إنّ عمليّات تعريبهم وأسلمتهم بالقوّة خلقت حاجزاً بينهم وبين عرب المشرق الممثّلين للإسلام الرسمي، وجعلتهم متأهّبين للثورة ضدّهم.

اخترنا اعتماد المصادر والمراجع التونسيّة ما أمكن في تمثّل النصوص القديمة حول التاريخ التونسي، ونشير إلى أنّ الثعالبي تحدّث عن التنافر العربي البربري من خلال ظهور أديان بربريّة مناهضة للإسلام والعرب في إفريقيّة. وقال في هذا المعنى: «إنّ إخفاق الثورة البربريّة [في] ملاحقة العرب والتخلّص من سلطانهم على البلاد قد فتح مصارع الكيد في أدمغة دهاة المغرب لمناهضة الإسلام قبل العرب، كما فعلوا بالنصرانيّة»[15]. وتعود أهميّة هذه المنطقة الجغرافيّة، بالنسبة إلى العلويين، إلى بعدها عن مركز الخلافة المتربّصة بالعلويين من جهة، وإلى تململ سكّانها البربر بسبب سياسة التهميش والإقصاء من قبل القادة العسكريين للفتح الإسلامي[16].

راهن جعفر الصّادق في بلاد المغرب على معطيين أساسيين لتجاوز نكسات المشرق ونكباته، وهما المعطى الاجتماعي والمعطى السياسي. فما عجز العلويون عن تحقيقه في المشرق بحث عنه الإمام السادس في المغرب، وكان البذل والتضحية هما السبيل الذي وجب سلكه، مثلما سلكوه دوماً، ولكن بأسلوب مخالف لما سبق. إنّه رهان بعث جديد، وبشروط متجددة تقطع مع الاندفاع والدّم وتراهن على الوجدان والفكر في مرحلة التأسيس.

1- رهان الصّادق على المعطى الاجتماعي

على الرغم من التشكيك في إمكانيّة أن يكون جعفر الصادق وراء خروج الداعييْن أبي سفيان والحلواني إلى بلاد المغرب[17]، فإنّنا نرجّح ما ذكره القاضي النعمان حول وقوفه وراء هذه الحركة الدعويّة لسبب بسيط في ظاهره، ولكنّه عميق في دلالته. ويتمثّل هذا المعطى في خبر زواج الصادق من امرأة أمازيغيّة تدعى حميدة[18]. وقد أنجبت هذه المرأة الإمام السابع عند الاثني عشريّة موسى الكاظم (ت. 183هــــ/ 799م). ويصبح الزّواج في هذا السّياق «رسالة تعبوية وسياسية ورهاناً استقرابيَا»[19] يساعد على تغيير المشهد ودعم الخيارات التي فشلت سابقا في المشرق بعد تجديدها. ويعني هذا الاختيار، من منطلق سوسيولوجي، أنّ الإمام السادس بحث عن حاضنة اجتماعيّة تقوم على رابطة دمويّة يمكن أن تضمن نجاح الطموح القديم.

غالباً ما مثّلت رابطة الزواج في تاريخ العلاقات البشريّة، نواة مفهوم الاجتماع لدى الجماعات الرعويّة عامّة والجماعات العربيّة خاصّة في شبه الجزيرة. وحفظت الذاكرة الطالبيّة أنّ قريش استضعفت عبد المطّلب جدّ العلويين ومنعته من حفر بئر زمزم لقلّة النسل الذي ينصره عند الحاجة، ويحميه ويردّ عليه العدوان كلّما حدث. وتطرّق وحيد السعفي إلى هذه المعادلة الوجوديّة، فقال: «فكّر عبد المطلب في أمر قريش تصدّه عن كلّ شيء وتنازعه في كلّ شيء. وفهم القضيّة: الوِلْدُ الوِلْدُ، آه لو كان له وِلْدُ كثيرٌ، أو تظنّ أنّ قريشاً كانت تعرض له في كلّ أمر عزم عليه لو كان له بنون يذودون عنه؟ [...] كان لا ابن له غير الحارث، وما الحارث أمام صفوف قريش؟ الابن الواحد لا يمثّل ثروة، والثروة في كثرة الأبناء»[20].

يجدر التذكير أنّ جدّ الصّادق، نبيّ الإسلام، قد راهن على العامل الاجتماعي في إنجاح دعوته بشكلين بارزين؛ شكل مباشر كانت فيه القبيلة النواة المؤسّسة لأنصار الدعوة. وقد انطلقت جهوده الأولى بين أفراد أسرته وأقربائه وأصحابه بتوجيه من القرآن {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشُّعَرَاء: 214]. وتدعّمت هذه القاعدة بموقف أبي طالب من الرسول ودعوته، وعبّرت بدقّة عن أهميّة الرابطة الدموية والقبليّة ومكانتها في بناء الاجتماع البشري وضمان حمايته. لقد وقف هذا الهاشمي إلى جانب ابن أخيه، وتحدّى عتاة قريش، ومن حذا حذوهم من ذوي السلطان والنفوذ. وقف هذا الموقف رغم عدم إيمانه بالدّين الجديد حسب المصادر السنيّة، وهو ما تنفيه نظيرتها الشيعيّة وتؤكّد عكسه. ترك أبو طالب كلّ شيء، ورفض كلّ الإغراءات من أجل الالتزام بقانون اجتماعي وأخلاقي تربّى عليه وحفظته الذاكرة والوجدان.

وشكل غير مباشر كان فيه الزواج وسيلة من وسائل ترويض القبائل وتسهيل تحالفه معها، ثمّ دمْجها في نسيج الجماعة الإسلاميّة لأجل دعمها وتقويتها. ومن خلال هذا الرهان الاستراتيجي فسّر بعض الفقهاء تنوّع مصاهرات الرسول محمد. ومن هذه الزاوية اعتبر عادل بالكحلة زواج الصادق «رهاناً استقرابيّاً»، ونقف على أهميّته في فهم خصوصيّة المرحلة الأولى من التشيّع في إفريقيّة وبلاد المغرب. كان زواج الصادق من حميدة البربريّة وسيلة لرهان هدفه خلق جغرافية بشريّة افتقدها العلويون بعد مقتل الإمام الحسين في كربلاء، وبعد فشل أغلب الثورات اللاحقة، ومع افتقاد العلويين كلّ امتداداتهم الاجتماعيّة في المشرق. ويتدعّم هذا الافتراض بأخبار مماثلة حول زواج الأئمّة العلويين من مغربيات مقتفين أثر الإمام السادس. وذكر المفيد في الإرشاد أنّ الإمام السابع موسى الكاظم المولود لأم مغربيّة تزوّج بدوره مغربيّة اسمها «تكتم»، وأنّها أنجبت له الإمام الثامن عند الاثني عشرية علي الرضا (ت. 203هــــ/818م)[21].

تتداول بعض كتب السيرة أنّ أم الإمام العاشر أبي الحسن علي الهادي (ت. 254هــــ/868م) نوبيّة -نسبة إلى نوبا- أمازيغيَة، وتدعى سمانة المغربيّة[22]. وقال الطبري الإمامي (ت. ق. 411هــــ/ق1020م)): «وأمّه أمّ ولد تسمّى شكل النوبيّة ويقال سوسن المغربيّة، ويُقال منغوسة ولها حديث»[23]. ولا نستبعد في هذه الحال أن يكون الإمام الهادي أسود البشرة مثل أمّه النوبيّة، وإن لم تذكر المصادر الشيعيّة هذا الأمر. والأهمّ من لون هذا الإمام بالنسبة إلى بحثنا هو التساؤل التالي: هل يمكن بعد هذا التسلسل، وأمام هذا التسابق والتلاحق نحو المغربيات ألا نؤكّد ما افترضناه رهاناً في البداية، ونتحدّث بصيغة تقريريّة عن الجانب الاجتماعي لمشروع الصّادق الدعوي في إفريقيّة وبلاد المغرب؟ بالطبع، يمكن أن نثبّت هذا القصد ونعتبر ما حصل اختياراً واعياً. وذهب فرحات الدشراوي إلى ترجيح ما افترضناه حول صلة اليمانِيَيْن بجعفر الصادق فقال: «ويبدو أنّ هذا الخبر غير مستبعد؛ لأنّ محمداً بن إسماعيل الذي انتقلت إليه الإمامة إثر وفاة أبيه إسماعيل، وفي حياة جدّه جعفر الصادق، وعلى وجه التحديد سنة 145هــــ، هو الذي نظم 'جزر' الدعوة الإسماعيليّة، ومن بينها بلا شكّ بلاد المغرب النائية»[24].

يدعم منطق الصراع الذي عرفه المسلمون منذ اجتماع سقيفة بني ساعدة فرضيّة بحث العلويين عن مناطق نفوذ جديدة في ظل حالة التضييق والترهيب التي فرضتها الأنظمة السياسيّة عليهم بين الحجاز والشام. وتأكّدت هذه الرغبة لديهم من خلال تعدّد الثورات في عدد من المناطق البعيدة عن مركز السلطة بدمشق وبغداد. وقد اتجهت أنظار العلويين خاصّة إلى اليمن الذي عرف أهله بشدّة ميلهم إلى العلويين والالتحاق بنصرتهم في كلّ مرّة. وربط القاضي النعمان في هذا السياق ربطاً وثيقاً بين حركة التشيّع في اليمن ونظيرتها في المغرب[25].

ترجمت هذه العلاقة المفترضة باختيار الصادق يَمَانِيَيْنِ (أبي سفيان والحلواني) لهذه المهمَة. ويمثَلٌ هذا الاختيار استبطاناً لأطروحة الأصل العربي للأمازيغ. وورد خبر الاشتراك في الأصل بين الجماعتين في نزهة الأنظار، وقال محمود مقديش الصفاقسي: «قال ابن خلّكان إفريقيّة سُمّيت بإفريقين بن قيس بن صيف الحِميري [...] ويقال إفريقين وإفريقش وقيل إنّ إفريقش الذي ملك إفريقيّة هو ابن أبرهة ذي المنار بن الإسكندر بن ذي القرنين [...] وقال التيجاني إنّ بلاد البربر كانت أرض فلسطين وما جاورها من الشام. وكان ملكهم جالوت الذي قتله داود عليه السلام. وتفرّقوا في البلاد وتوجّه أكثرهم إلى إفريقيّة وبلاد المغرب»[26].

لقد أدرك جعفر الصادق أهميّة العنصر اليماني في فتوحات المغرب واستيطانه فيه، فحرص على جعله نواة لتوسيع رقعة التشيّع الوجداني في المرحلة التأسيسيّة. ولاشكّ في أن هذه العوامل تمثّل دعامة لنَجاح العمل الدَعوي وتوطينه في الفضاء الجديد. ويضاف إلى هذا المعطى ما يعتبره بعض الباحثين تشابهاً بين الثَقافتين اليمانية والأمازيغية، يسهّل عمليّة القبول ثم الاندماج[27]. ويدعم هذا المعطى ما كنّا بصدد إثباته سابقاً حول رغبة العلويين في اكتساب مناطق نفوذ تخفّف عنهم الحصار، وتسهم في ضمان استمرارهم.

ذكر القاضي النعمان أنّ جعفر الصادق أمر رسوليْه «أن يتجاوزا إفريقيّة إلى حدود البربر، ثم يفترقان فينزل كلّ واحد منهما ناحيّة»[28]. ولا يمكن أن يكون هذا التكليف مجرّد رأي اختص به الأئمّة، وإنّما هو قراءة إستراتيجيّة دقيقة لواقع المنطقة وطبيعة أهلها. وتأكّد هذا التحليل وتكرّر صداه في خطّة أبي عبد الله الشيعي وأسلوبه في اقتناص برابرة شمال إفريقيا، وسنعرض له لاحقاً. ودون شك، فإنّ هذا التمشّي المدروس يضمن بيسر بلوغ صدى الدعوة إلى أكثر ما يمكن من بشر. ومن المرجّح أن يكون جعفر الصادق قد انتبه إلى أهميّة الموقع الجغرافي لبلاد المغرب وإفريقيّة التي ترجمها تعاقب الحضارات عليها. ودعّمها دورها التاريخي الذي لعبته القيروان في حركة الفتوحات الإسلاميّة في اتجاه باقي بلاد المغرب وأوروبا.

أكّد النعمان أنّ الدّاعيين التزما بما أُوكل إليهما، فصارا إلى مَرْمَاجَنَة (برماجن حالياً) واستقرَ أبو سفيان ببلدة تالا (هي مدينة تالة بولاية القصرين التَونسيَة حالياً)[29]. وتقدَم الحلواني إلى منطقة سوجمار (بين سوماتة والزَاب الجزائريَة حالياً) فاستقرَ ببلدة النَاظور[30]. وقد ابتنى أبو سفيان مسجداً وتزوّج امرأة واشترى أمة وعبداً، وكان له من الفضل والعبادة والذكر في الناحية ما قد اشتهر به ذكره[31]. وواصل بهذا الفعل الرهان الاستقرابي الذي بدأه الإمام الصادق، فأسّس بزواجه شراكة اجتماعيّة وقرابة دمويّة كانتا له سنداً وحصنا[32]. وحاز أبو سفيان تدريجيّاً ثقة أهل البلاد. وذاع صيته واستقطب أتباعاً من كلّ النواحي، وصار الناس يأتون إليه ليسمعوا فضائل أهل البيت[33] التي تناقض صورة رجال الدين والسياسة في تلك المرحلة، وتخلق لديهم مرجعيّة جديدة يمكن أن يدافعوا عنها بشراسة إذا دعت الحاجة إلى النصرة[34].

جاء في افتتاح الدعوة أنّ «من قِبَلِهِ تشيّع من تشَيَّعَ من أهل مَرْمَاجَنَة، وهي دار شيعة، وهو كان سبب تشيّعهم، وكذلك أهل الأُرْبُس، ويقال إنّه كان أيضاً سبب تشيّع أهل نفطة»[35]. وأصبحت مدينة تالا منطلقاً لنشر الدعوة الجديدة في المناطق المجاورة مثل منطقة الجريد، ولكنّ العمليّة تتمّ هذه المرّة بحكمة وحذر يقومان على الجانب الأخلاقي، ويبعدان شبهة السياسة وما انجر عن الخلط بينها وبين التشيّع في المشرق. وأسهمت الحركة التجاريّة بين هذه المدن في انتشار التشيّع بين سكّانها، في تداخل واضح بين الاقتصادي والاجتماعي والدّيني، وهي معادلة قديمة. وتمثّل عمليّة مشابهة لما يقع في خلال رحلات الحج من تقاطع. يقول النعمان: «ذلك أنّ قوماً منهم كانوا يختلفون بالتّمر إلى تلك الناحية (تالا) ويشترون القمح منها. وكانوا يأتونه، ويستمعون منه ويأخذون عنه»[36].

تلقّفت منطقة الجريد في إفريقيّة أصداء هذه الدعوة واستبطنتها حتى صار أغلب أهلها شيعة بمعنى إظهار محبّة العلويين بالمعنى الأخلاقي وليس العقدي. وبرزت في هذا الإطار مدينة نفطة الواقعة في الجنوب الغربي التونسي إلى جانب قبيلة كتامة بالجزائر، لتصبحا مركزاً للتشيّع في بلاد المغرب. وتحدّث المؤرّخ البكري (ت. 487هــــ/1094م) عن التحوّل المذهبي الذي ظهر في هذه المنطقة عامّة، وفي مدينة نفطة خاصّة فقال: «إنّ شربها جزاب[37] وجميع أهلها شيعة وتسمّى الكوفة الصغرى»[38]. إنّ الحديث عن كوفة أخرى يستبطن بالضّرورة النموذج الكوفي الأصلي في العراق، ويثبت أنّ التشيّع قد وجد موطئ قدم في بلاد المغرب مثلما خطّط له جعفر الصادق من المدينة، وأنّه لم يعد مجرّد أحاديث مجالس ومسامرات، بل أصبح واقعاً وثقافةً وجدانيّةً.

لقد كانت أذهان البربر مهيّأة دوماً للتغيير، باعتبار أنّ مذهب الفاتحين باسم الإسلام الرسمي لم يترسّب فيها بسبب ارتباطهم بخلافة أمويّة أهملت طبيعة سكّان المنطقة وخصوصياتهم، وركّز ممثّلوها السياسيون والعسكريون على المال والجاه واستعملوا السكّان الأصليين بغير حكمة. وقد تحدّث فرحات الدشراوي صراحة عن تبدّل الهوية المذهبيّة لسكّان بلاد المغرب، ووصفهم بالشيعة حين تطرّق إلى النّظام العسكري الذي أسسه أبو عبد الله الشيعي في قبيلة كتامة. وقال في هذا السياق: «وبمثل هذا النّظام الذي وفّر للمجموعة البربريّة الشيعيّة أطرها السياسيّة والعسكريّة [...] أراد أبو عبد الله أن يقيم الدّليل على أنّه لا يعمل لحسابه الخاصّ، بل يعمل باسم الإمام، باعتباره نائباً عنه ليس إلّا»[39].

تحدّث المؤرخ البكري عن توسّع رقعة التشيّع بشرياً وجغرافيّاً في هذه المنطقة فقال: «ومن هذا الموضع [يقصد نفطة] هناك مدينة حمزة نزلها وبناها حمزة بن الحسين بن سليمان بن الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم»[40]. ونرجّح أن يكون المقصود بــــ«هذا الموضع» الذي ذكره البكري هو مدينة حمزة وقد شهد اسمها تصحيفاً فأصبح اليوم «حزوة» الواقعة جنوب مدينة نفطة من جهة الحدود الجزائريّة. ونستند في الافتراض إلى توسطها بين نفطة وكتامة، ولكن الإثبات النهائي يحتاج إلى مزيد من التدقيق.

أفرز تمركز التشيّع في نفطة بعض العلماء، مثل أبي عبد الله محمد بن علي النفطي البُجَلي الذي كان «جليل المقدار، رئيساً من رؤساء العلماء»[41]. وتذكر بعض المصادر أنّه رفض عرض الأمير الأغلبي لتولّي القضاء سنة201هــــ/816م. ويمكن تفسير هذا الرفض بحرص صاحبه على عدم مناقضة مبادئ مذهبه القضائية المتمايزة مع المذهب السنّي للسلطة الأغلبيّة. ومن النفطيين، أيضاً، ينحدر الحسن بن علي بن وَرْصَنْدْ البُجَلي، «الذي من المرجح أنه نشأ متشيَعاً اثني عشريَا قبل أن يتحوَل داعية ببلاد السوس بالمغرب الأقصى عشية النَصف الأوَل من القرن الثَالث»[42]. ومن رجال الفكر الشيعة النفطيين ذكر القاضي النعمان محمد بن رمضان الذي احتفظ بتشيّعه، رغم قسوة السلطة الأغلبيّة وتشدّدها مع الشيعة خاصّة[43]. وقد وقف هذا الشاعر مع البِلِّزْمِيِّين[44] في مواجهة إبراهيم بن أحمد الأغلبي، وقال في هذه الواقعة [من البسيط]:

قُلْ لابْنِ أحمَدَ إبْرَاهيمَ مَالِكَةً

عن الخَبِيرِ بمَا يَأتِي وَما يَذَرُ

عنِ المُشرَدِ في حبِّ الأئمّة مِنْ

آلِ النبِيِّ وخيْرُ النّاسِ إنْ ذُكِرُوا[45]

تذكر وداد القاضي في مقالها آنف الذِّكر، أنّ بُجَلِيّة نفطة انتقلوا إلى المغرب الأقصى وكوّنوا إمارة تحمل اسمهم. واستندت في ذلك إلى ما ذكره الرحّالة ابن حوقل (ت. 367هــــ/977م) من أنّ «البُجَليّة في بلاد السوس من أتباع علي بن ورصند البُجَلي النفطي، كانوا اثني عشرية يرون الإمامة في ولد الحسين واستقرارها في الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق»[46]. وتحدّث ابن حوقل عن تديّن سكان السّوس وتشيّعهم فقال: «ومن بالسوس ونواحي دَرعة شيعة»[47]. وإذا سلّمنا بأخبار ابن حوقل والقاضي النعمان وغيرهما، يكون الفكر الاثنا عشري قد وجد طريقه إلى بلاد المغرب مبكّراً وقبل الأدارسة الزيديين في سنة 172هــــ/788م مثلما يشيع في عدد من البحوث.

على الرغم من إقرارنا بتحوّل مدينة نفطة إلى مركز للتشيّع في جنوب تونس وإسهام علمائها في تشكيل أوّل سلطة شيعيّة إماميّة في بلاد المغرب، فإنّنا نرجّح عدم ارتقاء الجهد الدعوي إلى مستوى ما يجري بالمشرق في مستوى التنظير، وفي مقوّمات الشعور بالانتماء إليه. ونعتقد أنّ التشيّع بقي في إطار أفقي ينتشر بين الناس في شكل حكايات ومجالس قصٍّ برع المشارقة في إدارتها قبل الإسلام وبعده، ويقتصر مضمونها على فضائل العلويين ومكانتهم في الأرض وفي السماء[48].

عادة ما تنسج هذه الحكايات بأسلوب عجائبي غرائبي يتقاطع فيه التاريخ العلمي بالأسطوري، فيكون مناسبةً للتسليّة والموعظة أكثر منه تأسيساً لنسق فكري عقائدي[49]. فصورة الأبطال التاريخيين لا تبنيها الأحداث التاريخيّة التي جرت على أرض الواقع فحسب، بل يسهم في تشكّلها المتخيّل الجمعي بما تتقاطع فيه من روافد تغذّيها الأحلام والرغبات والموروث الثقافي. ومن خصوصيات هذا النسيج الحكائي تحوّله من الفردي إلى الجمعي، ومن الدنيوي اليومي إلى المقدّس، ومن خبر متداول إلى رؤية للوجود وشكل من أشكال الوعي به[50].

تطرّق محمد أركون إلى فعاليّة هذا القصّ، فقال: «الإخراج القصصي الفنّي يهدف إلى التلاعب بخيال السامع والنفاذ إليه والتأثير فيه أكثر ممّا يهدف إلى التثبّت من صحّة الوقائع التاريخيّة المذكورة كما يفعل المؤرّخ المحترف والدّقيق»[51]. ولا يعني هذا الموقف التقليل من شأن هذه المرحلة، ومن دورها الذي لعبته في نشأة المرحلتين اللاحقتين للتشيّع في تونس، بل يندرج في سياق الكشف عن آليات اشتغال العقل الإيماني في تلك المرحلة. وقد عبّر الحلواني - مستشرفاً- عن أهميّة مرحلة التشيّع العاطفي في بناء جدليّة بين السابق واللاحق، فقال: «بُعثت أنا وأبو سفيان. فقيل لنا اذهبا إلى المغرب فإنّكما تأتيان أرضاً بوراً فاحرثاها وكرّباها وذلّلاها إلى أن يأتيها صاحب البذر»[52].

تمّت هذه المرحلة الأولى من الدعوة الشيعيّة بحذر وتقيّة[53]. ويبدو أنّ النفطيين المتشيعين مارسوا التقية، فتذرّعوا بالمذهبين الشافعي والحنفي لاتقاء غضب السلطة الأغلبية بإفريقية وانتقامها؛ لأنّهما أقرب المذاهب السنية إلى المذاهب الشيعيّة. ويجد سلوك النفطيين مشروعيّة في بعض ما نُسب إلى الصادق من مرويات، ومنها قوله: «كظم الغيظ عن العدوّ في دولاتهم تقيّة، وحرز لمن أخذ بها وتحرّز من التعريض للبلاء في الدّنيا»[54] وقوله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يتكلّم في دولة الباطل إلّا بالتقيّة»[55].

يبدو أنّ أصداء هذا التمدّد الشيعي في إفريقيّة قد استهوى فروعاً أخرى من العلويين مثل الزيديين والحَسَنيين فقصدوها إمّا مروراً بها أو استقراراً، وهذا ما يمكن أن تثبته البحوث الأنثروبولوجيّة والأركيولوجيّة متى توفّرت الإرادة. وقال ياقوت الحموي في هذا السياق: «كان بباب القيروان مأجل عظيم جدّاً وللشعراء فيه أشعار مشهورة، وكانوا يتنزهون فيه، قال السيد الشريف الزّيدى أبو الحسن علي بن إسماعيل ابن زيادة الله بن محمد بن علي بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: يا حسن مأجلنا وخضرة مائه، والنهر يفرغ فيه ماء مزبداً كاللؤلؤ المنثور»[56]. وتأكّد هذا الخبر بوجود عائلات من نسب علوي في القيروان اليوم. ومن أشهرها عائلة العواني التي ثبت نسبها الشريف حسب محمد بن الخوجة[57]، وإليها ينتسب عدد من الشيعة المعاصرين في المدينة، ونعرض لذلك في الفصل الرابع.

2- رهان الصّادق على المعطى السياسي

تجمع المصادر التاريخيّة على أنّ الفتح الإسلامي لبلاد المغرب بدأ ما بين 22 و27هــــ/ 643 و647م[58]. وواجه الفاتحون صعوبات وصدّاً في عمليّة بسط سيطرتهم على المنطقة بسبب مقاومة البيزنطيين في قرطاج إلى حدود سنة 79هــــ/698م، واستماتة الكاهنة البربريّة في حماية رعيتها إلى حدود سنة 82هــــ/701م[59]. وتميّزت المرحلة الأولى من تمكّن الفاتحين باضطرابات سياسيّة واجتماعيّة عنيفة يرتبط جانب مهمٌّ منها بسياسات العسف التي مارستها الجيوش الفاتحة على السكّان الأصليين في عمليّة تمركز عرقي ربطوها بالجانب الدّيني اجتهاداً[60]. وتُرجمت هذه الحالة من الفوضى بكثرة تداول الولاة الأمويين والعبّاسيين. ووصف فرحات الدشراوي المرحلة فقال: «خلال تلك السنوات المائة من التاريخ 'المُظلم' [..] لم تعكس صورة إفريقيّة تحت 'وصاية المشرق' سوى الاضطراب والارتباك؛ فقد اندلعت وخمدت بسرعة ثورات دامية من أجل افتكاك سلطة الولاة الواهية [...] كما اندلعت اضطرابات سياسيّة واجتماعيّة ودينيّة»[61].

بدا واضحاً أنّ ولاة إفريقيّة لم يقدّروا صعوبة الوضع، ولم يفهموا منطقه وخصوصياته، فواصلوا المراهنة على التشدّد والعسف من أجل التحكّم في رقاب الرعيّة وإخضاعها لرغبات تتجاوز أهداف الفتوحات في بعض الأحيان، بل تعطلها وتأتي عكسها. وهذا ما تقبّله الثعالبي التونسي من النصوص القديمة وذكره في تاريخه، رغم وقوفه ضدّ الشيعة ودفاعه عن السنّة. ونقل عن الوفد البربري الذي توجّه إلى دمشق من أجل الشكوى صورة دقيقة عمّا يحدث. وجاء في رسالتهم إلى الخليفة هشام بن عبد الملك (ت. 125هــــ/743م): «إنّ أميرنا يغزو بنا وبجنده، وإذا أصاب أنفلهم دوننا، وقال: هم أحقّ به. فقلنا ذلك أخلص لجهادنا [...] وإذا حاصرنا مدينة قال: تقدّموا وأخّر جنده. فقلنا لبعضنا تقدّموا فإنّه ازدياد في الجهاد والمأوبة [...] ثم إنّهم عمدوا إلى ماشيتنا، فجعلوا يبقرونها عن السّخال يطلبون الفراء الأبيض لأمير المؤمنين، فيقتلون ألف شاة في جلد [...] ثمّ إنّهم سامونا أن يأخذوا كلّ جميلة من بناتنا وتخميس زكاتنا. فقلنا: لم نجد هذا في كتاب ولا سنّة ونحن مسلمون [...] فلمّا ملّوا الانتظار ولم يأذن لهم هشام [بن عبد الملك] [...] رجعوا إلى إفريقيّة يقصّون على إخوانهم ما لقوه في دمشق من الإخفاق. ولمّا عادوا انتحلوا مذهب الصفريّة وبايعوا ميسرة بن مطغري بالخلافة وتعاهدوا على قتال العرب ككفّار مرتدين عن الإسلام»[62].

ينقسم هذا الخبر في مستوى الدلالة إلى قسمين: قسم أوّل يتعلّق بطبيعة العلاقة بين المشارقة الفاتحين والمغاربة أصحاب الأرض ومجال الدعوة. فإذا استند المغاربة إلى تعاليم الدين الجديد التي يُبَشَّرون بها وجدوها مغرية، باعتبارها تدعو في عمومها إلى المساواة والعدل والإنصاف. وإذا قارنوا بين ما سمعوه من قول وما عاشوه من فعل، ثبت لهم العكس تماما. وما يهمّ البربر في هذا السياق، ليس ما يوجد في الكتب والنصوص، بل ما اعتبروه ظلماً وقهراً وإذلالاً من قبل الحاكمين باسم الدين الجديد. وإذا أُخذ في الحسبان أنّ غالبيّة السكان في بلاد المغرب لا يحسنون القراءة والكتابة، فإنّ النتيجة المنطقيّة هي استنادهم في تقييم الدين الجديد إلى جانبه الإجرائي، وليس إلى نصوصه التي لا يقدرون على قراءتها. والواضح من رسالة الوفد إلى دمشق أنهم شعروا بالغبن والقهر، وفهموا من سلوك الفاتحين، أو بعضهم، المغالطة عند المقارنة بين ما قيل حوله وما طبّق باسمه.

يتعلّق القسم الثاني بالعلاقة بينهم وبين السلطة المركزيّة في دمشق. فرأس هذه السلطة خليفة رسولٍ سمع عنه الأمازيغ الكثير من الفضائل، ودُعوا إلى الإيمان برسالته دون التمكّن من تفاصيلها ولا عايشوها مثلما حصل في المشرق الإسلامي. ويفترض هذا المعطى أن يكون الخليفة عادلاً، وحريصاً على ضمان حقوق رعيّته دون ميز بينهم، لكنّه أعرض عنهم ولم يعبأ بقيمة ما قطعوا من أجله الأميال والشهور، وأثبت لديهم ما كان شكّاً، وبرّر لهم سلوكه ما كان يختمر في وجدانهم من ردّة فعل احترفوها على مرّ تاريخهم. لقد ربطوا اللاحق بالسابق، وتأكّدوا أن ما عُرض عليهم لا يمكن أن يلبّي طلباتهم ويشبع رغبتهم في الاستقرار والحياة الكريمة العادلة. فقرّروا «الردّة»، وانطلقوا في دعوة مضادّة لإسلام الساسة والعسكريين من أجل عمليّة إصلاح جذريّة تنطلق من مشاكلهم وتقدّم لها حلولاً. وتراوحت عمليّة الإصلاح بين التصحيح في إطار الدعوة الأصليّة، وبين العمل على تجاوز الدعوة المحمّدية بإظهار نبوّات جديدة مثل التي أعلنها طريف البرغواطي[63].

نفترض في هذا السياق، أنّ جعفر الصادق ودائرته المقرّبة كانا يدركان جيّداً أن لا أمل لهم في الرّهان على المشارقة بعد ما حدث من حروب خاسرة في المستوى المادي، ولا قدرة لهم على التحرّك تحت عيون الخلافة ورصدها. وفي هذه الحالة، لابدّ من البحث عن مواقع بعيدة عن السلطة المركزيّة في دمشق ثم بغداد. فكانت الوجهة اليمن والمغرب وخرسان، وهي من الأطراف التي يصعب أن تتحرّك إليها السلطة المركزية بالقدرة نفسها التي تمّ التحرّك بها في العراق والحجاز[64]. ونرجّح أن يكون جعفر الصادق على علم بالمعطيات السياسيّة المضطربة في بلاد المغرب من خلال أخبار التجّار ورحلات الحجّ والعلم إلى المدينة أين يقيم ويعلّم. ومن اليسير أن ينتبه إلى ضرورة التوسّع في هذه المنطقة المؤَمَّنة سياسيّاً واجتماعيّاً. ولا نستبعد أن يكون على دراية بتاريخ الجماعات البربريّة الثوريّة المتحفّزة طبيعيّاً للثورة والتمرّد. وقد تعزّزت هذه الحالة لديهم بسبب المظالم التي يتعرّضون لها على أراضيهم عبر تاريخهم.

لئن لم يتسنّ للصادق معاينة نتائج رهانه السياسي على منطقة المغرب، فإنّ معالم وعيه بأهميّة هذا المعطى المحفّز في منطقة بعيدة عن أعين السلطة المركزيّة، ستتضح نتائجه في تركيز الداعية أبي عبد الله الشيعي على قبيلة كتامة حين أعلن الخلافة الفاطميّة. وتُرجم هذا الرهان بتعيين الولاة وقادة الجيش والقضاة والدعاة من أعيان هذه القبيلة[65]. وغيّر الداعية الشيعي الإستراتيجيّة الدفاعيّة القديمة التي كانت تقوم على التغطية المضادّة للبربر بمفهوم الدّفاع ضدّ زناته. وأصبح النظام السياسي الجديد يستمدّ قوّته من قوّة الكتاميين «ضمن نظام تيوقراطي قد أقيم من أجل انتصار الإمامة الشيعيّة ذات النزعة الباطنيّة في بلاد المغرب قاطبة للدفاع عن القضيّة السياسيّة الدينيّة العلويّة التي تبنّاها الكتاميون»[66]. يؤكّد هذا الشاهد أنّ التسلسل الذي نظّم تحرّكات العلويين من المشرق إلى المغرب، لا يمكن أن ينبني على الصدفة وإن كانت بداياته بسيطة. وقد أسهمت بعثة الصّادق في خلق فرصة لتحالف المهمّشين. ولم تكن طبيعة هذا التحاف وتفاصيله يعنيان الأمازيغ. فالمهم بالنسبة إليهم أن يظهر بديل يخلّصهم مما شعروا به من اضطهاد وتهميش رافقهم منذ البيزنطيين.

[1] - افتتاح الدعوة، تحقيق فرحات الدشراوي، الشركة التونسيّة للتوزيع- تونس- وديوان المطبوعات الجامعية - الجزائر- 1986م، ط2

[2] - ذكر القاضي النعمان أنّ الرجلين هما أبو سفيان والحلواني ولم يذكر شيئاً حولهما سوى كونهما يمانيين. افتتاح الدعوة، ص27. وعنه أخذ جلّ المؤرّخين كلّ حسب موقعه من الجماعة الشيعيّة. ينظر مثلاً: فرحات الدشراوي، الخلافة الفاطميّة بالمغرب 296- 365هــــ/ 909- 975م، التاريخ السياسي والمؤسسات، نقله إلى العربيّة حمّادي الساحلي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1994م، ط1، ص78

[3] - القاضي النعمان: كتاب افتتاح الدعوة، ص ص26-27

[4] - قال خير الدين الزركلي «هو جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط، الهاشمي القرشي، أبو عبد الله، الصادق. سادس الأئمة الاثني عشر عند الإماميّة. كان من أجلاء التابعين وله منزلة رفيعة في العلم. أخذ عنه جماعة منهم الإمامان أبو حنيفة ومالك. ولقّب بالصادق لأنّه لم يُعرف عنه الكذب قطّ. له أخبار من الخلفاء من بني العباس، وكان جريئاً عليهم صدّاعاً بالحقّ». الأعلام، بيروت، دار العلم للملايين، 2002م، ط15، ج2، ص126 يُنظر حول هذه الشخصيّة: - سليمان الكتّاني: الإمام جعفر الصادق ضمير المعادلات، بيروت، دار الثقلين، 1418هــــ/1998م، ط1 - عمر بن عبد العزيز، الفكر السياسي للإمام جعفر الصادق (ع)، بيروت، دار المحجّة البيضاء- دار الرسول الأكرم، 1417هــــ/ 1998م، ط1 - مؤتمر الإمام الصادق الدولي، دمشق 17- 19 ربيع الأوّل 1412هــــ/ 26-28 أيلول 1991، دمشق، المستشاريّة الثقافيّة للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.

[5] - ما يثير الاستفهام هو أنّ أبا حنيفة وأنس بن مالك لا يرويان عن معلّمهما. ولا يمكن الجزم بمسؤوليتهما في ذلك لفرضيّة أن تفعل يد النسّاخ وأوامر السياسيين والمتعصّبين فعلها في المراحل اللاحقة. - يُنظر أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، دار الكتاب الإسلامي، 1425هــــ/2004م، ط1

[6] - انقسمت الشيعة الإماميّة إلى فرقتين بعد وفاة الإمام السادس جعفر الصادق (148هــــ/765م). وقد تمسّكت الإسماعيليّة بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق (ت. 133هــــ/755م) رغم موته قبل أبيه، وقالت بانتقال الإمامة من بعده إلى ابنه محمد المكتوم، وهو أوّل الأئمة المستورين عندهم. وفي المقابل ساقت الاثنا عشريّة الإمامة إلى أخيه موسى الكاظم (ت. 183هــــ/ 799م)، باعتبار أنّ إسماعيل توفّي قبل أبيه جعفر. ويمكن العودة إلى كتاب المقدّمة لابن خلدون، طبعة دار الشعب، القاهرة، ص189

[7] - يمكن العودة إلى سليمان كتّاني، الإمام الباقر نجيّ الرسول، بيروت، دار الوسيلة للطباعة والنشر، ط1، 1415هــــ/1995م.

[8] - هو الإمام الرّابع عند الشيعة، ومن ألقابه: زين العابدين، السجّاد، البكّاء، المتهجّد، الزّاهد، الخاشع...: مكّي حسين سالم: من سير المعصومين عليهم السّلام، تدقيق سمير شيخ الأرض، دمشق، دار الكوثر، ط1، 1423هــــ/2003م، ص70 ينظر أيضاً: إعلام الورى بأعلام الهدى، تقديم محمد مهدي خرسان، منشورات المكتبة الحيدريّة، النجف، ط3، 1390هــــ/1970م، ص355 يُنظر حول فضائل الأئمّة: الشيخ المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، بيروت، 1416هــــ/1995م، ط1، ج2، ص 155 وما بعدها.

[9] - رجّحت الرزينة لالاني أن يكون محمد الباقر الإمام الخامس عند الاثني عشريّة هوّ أوّل القائلين بالنصّ على الإمام، وأنّ أمره لا يكون بالانتخاب والبيعة والشورى. ونقلت عن ابن سعد في طبقاته (مج 5، ص321) أنّ الباقر نفى أن يكون أيّ فرد من آل بيت النّبي تحدّث بسوء عن أبي بكر وعمر. وتمثّل مقولة النصّ على الإمام أساساً وظفته جماعات شيعيّة أخرى غير الاثني عشريّة، الفكر الشيعي المبكّر: تعاليم الإمام محمد الباقر، ترجمة سيف الدين القصير، بيروت، دار الساقي بالاشتراك مع معهد الدراسات الإسماعيليّة، 2004م، ط1، ص81

[10] - يقول زهير غزاوي في منجزات جعفر الصادق للمذهب الشيعي: «لقد تمكّن الإمام الصادق من حفظ تراث أهل البيت، بحيث أنّ الكثير المتسم بالأهميّة لم يُضف إليه في مرحلة الأئمة الستّة التالين -رغم أنّ الإضافات قد تمّت- لكنّ الإمام السادس أتمّ بناء الإيديولوجيا الإسلاميّة مكتوبة ذات أصول وأسس تنسجم مع طبيعة المرحلة الموسومة بمنتصف القرن الثاني الهجري... مرحلة الترجمة والكتابة والتلاقح الحضاري ووضع الأصول الفقهيّة والتفسير وبدء التدوين والتاريخ وقواعد اللغة...»، الإمام جعفر بن محمد الصادق بين الحقيقة والنفي، دمشق، 1998م، ط1، ص11

[11] - يقول فرهاد دفتري في مكانة جعفر الصادق: «كان الصّادق من نوعيّة ثقافيّة متفوّقة بالنسبة إلى أقاربه العلويين، فاكتسب سمعة واسعة الانتشار في المعارف الدينيّة. فكان راوية للحديث يستشهد به بكلّ احترام في الأسانيد المقبولة حتى لدى أهل السنّة أيضاً. يضاف إلى ذلك أنّه علّم الفقه وإليه، بناء على أعمال والده، يعود فضل تأسيس ما أصبح فيما بعد المذهب الشيعي»، الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم، ص149

[12] - تناول الباحث العراقي علي الحسيني الخربوطلي النقلة التي عرفتها المعارضة العلويّة في تاريخها فقال مثلاً: «بدأ التشيّع فكرة بسيطة واضحة محدودة المبادئ. فكان كلّ من وافق الشيعة في أنّ عليّاً رضي الله عنه أفضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأحقّهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعيّ (نقل عن غولدتسيهر) وإن هو خالفهم فيم عدا ذلك ممّا اختلف عليه المسلمون، فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيا. وتطوّرت آراء وتعاليم الشيعة في العصرين الأموي والعبّاسي نتيجة تغيّر الظروف السياسية وظهور الفرق الدينيّة والسياسيّة الأخرى»: كتابه: أبو عبد الله الشيعي مؤسس الدولة الفاطميّة. نسخة رقميّة (pdf)، ص8 http://www.muhammadanism.org/Arabic/default.htm ويمكن العودة إلى كتابه: العراق في ظلّ الحكم الأموي.

[13] - تقي الدّين المقريزي، النزاع والتخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم، تحقيق صالح الورداني، الهدف للإعلام، د.ت. صوّر وحيد السعفي العلاقة العضوية بين الفرد والقبليّة عند العرب فقال: «كان الإنسان، إن في الجاهليّة وإن في الإسلام، يعيش حياته كما تأتّى، فيفرح ويمرح ويضرب في الأرض غازياً سابياً، ويأخذ بثأره ويقتل ويسرق ويفعل ما يشاء أو ما تشاء قبيلته التي أودعها سرّه ومحبّته التي لا تفنى»: القربان في الجاهلية والإسلام، دار تبر الزمان، تونس، 2003م، ص218

[14] - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرّسل والملوك، ج3، ص197

[15] - عبد العزيز الثعالبي، تاريخ شمال إفريقيا من الفتح الإسلامي إلى نهاية الدولة الأغلبيّة، جمع وتحقيق أحمد بن ميلاد ومحمد إدريس، تقديم ومراجعة حمّادي الساحلي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1410هــــ/1990م، ط2، ص146

[16] - فرحات الدشراوي، الخلافة الفاطميّة بالمغرب 296- 365هــــ/ 909- 975م، التاريخ السياسي والمؤسسات، ص31 وما يليها.

[17] - يمكن العودة إلى محمّد سهيل طقوش، تاريخ الفاطميين في شمال إفريقيا ومصر وبلاد الشام 297- 567هــــ/ 910- 1171م، بيروت، دار النفائس، 1428هــــ/ 2007م، ط2، ص63

[18] - الشيخ المفيد: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص215

[19] - عادل بالكحلة: «إمكانيَة الذَات الأمازيغيَة، تبلور المشروعيَة التَاريخيَة والبحث الدَائب في المشروع النَحْنٌويَ»، ضمن عمل جماعي: التنوّع والتماثل في المغرب العربي، مركز الدراسات والأبحاث الاجتماعيّة، تونس 2007م، ص166

[20] - وحيد السعفي، القربان في الجاهلية والإسلام، ص ص97-98

[21] - قال الشيخ المفيد: «أخبرني جعفر بن محمد...قال لي أبو الحسن الأوّل عليه السلام: هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا. قال: بلى قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة فانطلق بنا. فركب وركبت معه حتى انتهينا إلى الرّجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق، فقلت له: اعرض علينا فعرض سبع جوارٍ، كلّ ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام: لا حاجة لي فيها، ثم قال: اعرض علينا. فقال ما عندي إلّا جارية مريضة. فقال له: ما عليك أن تعرضها. فأبى عليه وانصرف، ثم أرسلني في الغد فقال لي: قل له كم كان غايتك فيها؟ فإذا قال لك كذا وكذا فقل قد أخذتها. فأتيته فقال: ما كنت أريد أن أنقصها. فقلت: قد أخذتها. قال هي لك ولكن أخبرني من الرّجل الذي كان معك بالأمس؟ فقلت: رجل من بني هاشم. قال: من أي بني هاشم؟ ما عندي أكثر من هذا. قال أخبرك أنّي اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ قلت اشتريتها لنفسي، فقالت ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك، إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلّا قليلا حتى تلد غلاما لم يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله. قال: فأتيته بها فلم تلبث عنده إلّا قليلا حتى ولدت الرضا عليه السلام»، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص ص254-255 ورد الخبر أيضاً عند أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري (الإمامي)، دلائل الإمامة، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمنشورات، 1408هــــ/ 1988م، ط2، ص172

[22] - الشيخ المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص ص275-276

[23] - الطبري الإمامي، دلائل الإمامة، ص220

[24] - فرحات الدشراوي، الخلافة الفاطميّة بالمغرب 296-365هــــ/909-975م، التاريخ السياسي والمؤسسات، ص78

[25] - القاضي النعمان، كتاب افتتاح الدعوة، ص3

[26] - محمود مقديش، نزهة الأنظار في عجائب التاريخ والأخبار، ص52

[27] - عادل بالكحلة، «إمكانيَة الذَات الأمازيغيَة، تبلور المشروعيَة التَاريخيَة والبحث الدَائب في المشروع النَحْنٌويَ»، ص166

[28] - القاضي النعمان، كتاب افتتاح الدعوة، ص27

[29] - م.ن، ص27

[30] - القاضي النعمان، كتاب افتتاح الدعوة، ص ص28-29

[31] - م.ن، ص27

[32] - نفّذ الداعية الثاني الحلواني الخطّة نفس، وبالمواصفات ذاتها. انظر القاضي النعمان، كتاب افتتاح الدعوة، ص ص28-29

[33] - نجد ما أظهره أبو سفيان من سلوك فيما جاء من آداب الشيعة على لسان أبي عبد الله الصادق وهو يوصي أبا أسامة لشيعة الكوفة: «اقرأ من ترى أنّه يطيعني ويأخذ بقولي منهم السلام، أوصيهم بتقوى الله والورع في دينهم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السّجود وحسن الجوار. فبهذا ما جاء محمد [...] صلّوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسُن خُلُقه مع الناس قيل 'هذا جعفري' فيسرّني ذلك». أبو الفضل علي الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق مهدي هوشمند، قم، دار الحديث، 1418هــــ/1997م، ص132

[34] - تميّزت العلاقة بين الحكام المشارقة والسكان الأصليين لبلاد بالمغرب بانعدام الثقة والصراع المستمر: محمّد سهيل طقوش، تاريخ الفاطميين في شمال إفريقيا ومصر وبلاد الشام 297-567هــــ/ 910-1171م، ص ص17-18

[35] - القاضي النعمان: كتاب افتتاح الدعوة، ص27

[36] - القاضي النعمان، كتاب افتتاح الدعوة، ص27

[37] - الجزاب: المجزب هو الحسن والمقصود في هذا السياق الماء الحلو العذب: مجد الدين الفيروزآبادي، القاموس المحيط، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1432هــــ/2005م، ص67

[38] - أبو عبد الله بن عبد العزيز البكري، المغرب في ذكر بلاد إفريقيّة والمغرب، دار الكتاب الإسلامي القاهرة، د.ت، ص75

[39] - فرحات الدشراوي، الخلافة الفاطميّة بالمغرب، ص115

[40] - فرحات الدشراوي، الخلافة الفاطميّة بالمغرب، ص53

[41] - نقلاً عن وداد القاضي، «الشيعة البجليّة في المغرب الأقصى»، ضمن المؤتمر الأوّل لتاريخ المغرب العربي وحضارته، تونس 1979م، ج1، ص172

[42] - عادل بالكحلة، «إمكانيَة الذَات الأمازيغيَة، تبلور المشروعيَة التَاريخيَة والبحث الدَائب في المشروع النَحْنٌويَ»، ص168

[43] - يندرج قيام الدولة الأغلبيّة في القيروان ضمن سياق الصراع السياسي بين الإسلام الرسمي ممثّلا بالعباسيين والمعارضة الشيعة. وكان العباّسيون حذرين من هذه المسألة. وفي هذا السياق يأتي تكليف هارون الرّشيد إبراهيم بن الأغلب لحكم إفريقيّة سنة 184هــــ/800م. ورسم له هدفا أساسيّاً يتمثّل مواجهة دولة الأدارسة العلويّة بالمغرب الأقصى. أبو العباس أحمد بن خالد النّاصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الدار البيضاء، 1954م، ج1، ص82

[44] - ينحدر البِلِّزْمِيِّون من الجهة الشرقية من الجزائر على بعد حوالي 7 كلم شمال مدينة باتنة اليوم.

[45] - القاضي النعمان: كتاب افتتاح الدعوة، ص72

[46] - أبو القاسم بن حوقل النصيبي، كتاب صورة الأرض، بيروت، دار صادر، طبعة ليدن، 1938م، ج1، ص92

[47] - م،ن، ص103

[48] - تحدّث وحيد السعفي عمّا أسماه «الاقتداء بالرجل المثال، فقال: 'هنا وكر العجيب والغريب، وملجأ الحلم الجميل. ويحلم الإنسان أنّه أيّوب أو يونس أو الخضر أو يوسف أو كلّ رجل مثال. ويكبر فيه الأمل ويعظم الحنين إلى أن ينال ما نال أولئك الرّجال. ويلعب العجيب والغريب الدور الذي كان لا بدّ من أن يلعباه، حتّى يعلّما الإنسان الصبر والسلوان، من خلال ألف قصّة وقصّة تروي بصيغ مختلفة ورجال كُثر وأحداث متنوّعة مسيرة واحدة تحدّث بالانقلاب من حالة الشقاء إلى حالة السعادة»، العجيب والغريب في كتب تفسير القرآن، تونس، تبر الزمان، 2001م، ص716

[49] - دقّق وحيد السعفي طبيعة القصص الديني الذي انتشر في المساجد والأماكن العامّة والخاصّة، في أثناء محاولته تتبّع استفادة الثقافة العالِمة مما توفّره الثقافة الشعبيّة من متخيَّل فقال: «هذه القصص كثيراً ما تتستّر وتلبس القناع من وراء القناع، وتقتحم فضاء الثقافة العالمة -التفسير أحد أركانها- فتتزيّ بزيّ الحديث المرفوع أو الخبر الذي لا يطعن فيه طاعن، وتندسّ بين جملة في الإعراب وأخرى في القراءات وتمرّ مرّ الكرام، لا ينتبه إلى وجودها محدّث ذاع صيته أو عالم اشتهر أمره بين النّاس بكثرة التمحيص ودقّة النّظر»، العجيب والغريب في كتب تفسير القرآن، ص37

[50]- أسهم الأنثروبولوجي جيلبار ديران Gilbert Durand بشكل فعّال في دراسة وظائف المتخيّل الرمزي واعتباره شكلاً من أشكال الوعي بالوجود بعد أن هُمّش وصُنّف مرادفاً للوهم واللاعقلانيّة. ويمكن العودة في هذه المسألة إلى مشروعه الأنثروبولوجي الذي عبّر عنه في كتابين أساسيين: - Les Structures anthropologiques de l'Imaginaire, Paris, Dunod, 11e إdition, 1992 - L'Imagination symbolique, Presse universitaire de France, Paris, 2003, 5em إd. - الخيال الرمزي، تعريب علي المصري، بيروت، المؤسسة الجامعيّة للنشر والتوزيع، 1411هــــ/1991م، ط1، (الفصل الخامس). وتمكن الاستفادة أيضاً من مقال: - Claude Gillot; Portrait mythique d'Ibn `Abbas, in ARABICA, n032, 1985, pp127-184

[51] - محمد أركون، «الإسلام والتاريخ والحداثة»، ضمن (مجلّة) الوحدة المغربيّة، عدد52، كانون الثاني/يناير 1989م، ص ص17-26. (نقلاً عن بسام الجمل: أسباب النزول، بيروت، المركز الثقافي العربي- المؤسسة العربيّة للتحديث الفكري، 2005م، ص209

[52] - القاضي النعمان: كتاب افتتاح الدعوة، ص29

[53] - عرّف الشيخ المفيد التقيّة أنها «كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا [..] وقد أمر الصادقون -عليهم السلام- جماعة من أشياعهم بالكف والإمساك عن إظهار الحق، والمباطنة والستر له عن أعداء الدين، والمظاهرة لهم بما يزيل الريب عنهم في خلافهم»، اعتقادات الإماميّة، بيروت، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، 1414هــــ/1993م، ص137

[54] - الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، ص89

[55] - م.ن، ص90

[56] - شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي الحموي، معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان، 1399هـــ/ 1979م ج5، ص32

[57] - محمد بن الخوجة، صفحات من تاريخ تونس، تقديم وتحقيق حمادي الساحلي والجيلاني بالحاج يحي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1986م، ط1، ص148

[58] - اختلف المؤرخون حول تاريخ موحّد لبداية الفتح الإسلامي لبلاد المغرب. - ذكر محمّد سهيل طقوش أنّ الفتح بدأ سنة 22هــــ/643م: تاريخ الفاطميين في شمال إفريقيا ومصر وبلاد الشام 297-567هــــ/ 910-1171م، ص18 - أكّد فرحات الدشراوي أنّه بدأ سنة 27هــــ/647م : الخلافة الفاطميّة بالمغرب 296-365هــــ/909-975م، التاريخ السياسي والمؤسسات، ص31

[59] - جورج مارسي، بلاد البربر الإسلاميّة والمشرق في العصر الوسيط، الجزائر- باريس، 1946م، ص 19-56 يُنظر أيضاً: محمد بن أبي القاسم الرعيني القيرواني (مشهور بابن أبي دينار)، المؤنس في أخبار إفريقيّة وتونس، تحقيق محمد شمام، تونس، المكتبة العتيقة، 1967م، ط2، ص22 وينظر في خبر الكاهنة: أبو إسحاق إبراهيم بن القاسم الرقيق: تاريخ إفريقيّة والمغرب، تحقيق عبد الله العلمي الزيدان وعزالدين عمرو موسى، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1990م، ط1، ص23

[60] - نقل ياقوت الحموي صورة من هذا التمثّل فقال: «ذكر محمد بن أحمد الهمذاني في كتابه مرفوعاً إلى أنس بن مالك قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي وصيف بربري، فقال: يا أنس ما جنس هذا الغلام؟ فقلت: بربري يا رسول الله، فقال: يا أنس بعه ولو بدينار، فقلت له: ولم يا رسول الله؟ قال: إنهم أمة بعث الله إليهم نبياً فذبحوه وطبخوه وأكلوا لحمه وبعثوا من المرق إلى النساء فلم يتحسسوه، فقال الله تعالى: لا اتخذت منكم نبياً ولا بعثت فيكم رسولاً، وكان يقال: تزوجوا في نسائهم ولا تؤاخوا رجالهم، ويقال: إن الحدة والطيش عشرة أجزاء تسعة في البربر وجزء في سائر الخلق. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما تحت أديم السماء ولا على الأرض خلق أشر من البربر، ولئن أتصدق بعلاقة سوطي في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق رقبة بربري، قلت: هكذا وردت هذه الآثار ولا أدري ما المراد بها السود أم البيض، أنشد أبو القاسم النحوي الأندلسي الملقب بالعلم لبعض المغاربة يهجو البربر فقال: رَأَيْتُ آدَمَ في نَوْمِي فَقُلْتُ لَهُ أبَا البَرِيِّةِ! إنَّ النَّاسَ قَدْ حَكَمُوا أَنَّ البَرَابِرَ نَسْلٌ مِنْكَ، قَالَ: أَنَا؟ حَوَّاءُ طَالِقَةٌ إنْ كَانَ مَا زَعَمُوا بَرْبَرَةُ»: معجم البلدان، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1399هــــ/1979م، ج1، ص369

[61] - فرحات الدشراوي، الخلافة الفاطميّة بالمغرب 296-365هــــ/ 909-975م، التاريخ السياسي والمؤسسات، ص32

[62] - عبد العزيز الثعالبي، تاريخ شمال إفريقيا من الفتح الإسلامي إلى نهاية الدولة الأغلبيّة، مج 2، ص ص136-137

[63] - ادعى البرغواطي أنّ الكتاب الذي يبشّر به وحي من الله. وقد فرض فيه على أتباعه صوم رجب وحرّم صوم رمضان، وأوجب خمس صلوات في اليوم وخمساً في الليلة، وجعلها بالإيماء ودون سجود والتضحية في الحادي عشر من محرّم، وجعل الوضوء غسل السرّة والخاصرتين، ثم الاستنجاء ثم المضمضة وغسل الوجه والعنق والقفاء، وغسل الذراعين من المنكبين، ومسح الرأس والأذنين ثلاث مرات..، ابن حوقل، صورة الأرض، ص142

[64] - من الحركات الشيعيّة الأولى في اليمن الزيديون والقرامطة والزياديّة واليعفريّة. يُنظر: سيف الدّين القصير، ابن حوشب والحركة الفاطميّة في اليمن، دمشق، دار الينابيع، 1993م، ص18

[65] - محمّد سهيل طقوش، تاريخ الفاطميين في شمال إفريقيا ومصر وبلاد الشام 297- 567هــــ/910-1171م، ص89 عبّر الخليفة المنصور عن مكانة الكتاميين في المنظومة الفاطميّة بمناسبة انتصاره على ثورة الخوارج بقيادة صاحب الحمار فقال: «يا أهل دعوتنا، يا أنصار دولتنا، يا كتامة، احمدوا الله واشكروه على ما خصّكم به من نعمته، [...] هداكم والنّاس ضلّال إلى دينه ونصرة حقّه وطاعة وليّه، علم الهدى وسراج الدّجى، فأفازكم بالسيف إلى نصرته والسعي في طاعته [...] اللهم إني أصبحت راضياً عن كتامة لاعتصامهم بحبلك وصبرهم على البأساء والضّراء في جنبك»: أبو علي منصور العزيزي: سيرة الأستاذ جَوذر، تحقيق كامل حسين وعبد الهادي شعيرة، القاهرة، 1954م، ص58

[66] - فرحات الدشراوي، الخلافة الفاطميّة بالمغرب 296-365هــــ/ 909-975م، التاريخ السياسي والمؤسسات، ص517