التطبيق الإسلامي لروح الحداثة عند طه عبد الرحمن
فئة : أبحاث عامة
الملخص:
تسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن شروط التطبيق الإسلامي لروح الحداثة عند طه عبد الرحمن. ويعني هذا التطبيق الانطلاق من روح الحداثة نفسها من أجل إبداع حداثة إسلامية، تكون متناسبة مع مقتضيات المجال التداولي الإسلامي اللغوية والمعرفية والعقدية. وذلك من منطلق أنّ الحداثة الغربية هي مجرد تطبيق من بين تطبيقات متعددة ممكنة لروح الحداثة. ولذلك لا ينبغي تقليدها، بل العمل على نقدها وتجاوز آفاتها ونقائصها.
وإذا كان سر الحداثة هو الإبداع، وإذا كان المتفلسفة العرب لا يبدعون بل يقلدون الحداثة الغربية، فإنّ هذا قد جعل طه يذهب إلى أنّه لا وجود لحداثة عربية، مادامت هذه الحداثة مقلدة وليست مبدعة. ومادامت الحداثة مرادفة للإبداع، ومادام واقع الحداثة العربية الإسلامية هو واقع التقليد، فإنّه يتوجب العمل على الانتقال من الحداثة المقلدة إلى الحداثة المبدعة.
ومن هنا يأتي تمييز طه بين روح الحداثة التي هي جملة من المبادئ والقيم الراشدة والمبدعة والناقدة والشاملة، وبين واقع الحداثة الذي هو عبارة عن قراءة وتطبيق لتلك الروح ومحاولة تجسيد مبادئها في واقع تاريخي ومجتمعي محدد. وهذا التمييز هو الذي يعطي الحق للمسلمين لكي يبدعوا حداثتهم الخاصة بهم، طبقًا لمقتضيات مجالها التداولي الخاص.
وإذا كانت روح الحداثة ترتكز على ثلاثة مبادئ رئيسية هي مبدأ الرشد الذي هو الخروج من حال القصور والتبعية للغير، ومبدأ النقد الذي هو ممارسة النقد على كل الأفكار وعدم التسليم بها إلا بدليل، ومبدأ الشمول الذي يعني أنّ مفعول الحداثة وآثارها لا تظل حبيسة المجال الواحد أو المجتمع المعزول، فإنّ التطبيق الإسلامي لهذه الروح الحداثية سيعني أنّ على الحداثة الإسلامية أن تكون حداثةً مبدعةً ونابعةً من مقتضيات توجد داخل المجال التداولي الإسلامي وليست مفروضة ًعليه من الخارج، وهو ما من شأنه أن يخرج الحداثة الإسلامية من التقليد إلى الإبداع، ويجنبها الآفات والنقائص التي وقعت فيها الحداثة الغربية.
وإذا كان التطبيق الحداثي الغربي قد انبنى على جملة من المسلمات، فإنّه يتعين على التطبيق الحداثي الإسلامي أن يعمل على نقد تلك المسلمات وتبيان تناقضها مع روح الحداثة نفسها. وهذا النقد هو الذي سيؤدي بطه عبد الرحمن إلى وضع معالم لحداثة إسلامية تنبني على مجموعة من الأسس، من أهمها أنّها حداثة قيم وليست حداثة زمن، وبالتالي فهي لا تنفصل عن قيم الماضي والتراث، بل ترتكز على روح الدين الإسلامي. وارتكازها على هذه الروح هو الذي سيجعلها حداثة لا تفصل بين المادة والروح، ولا بين العقل والدين، ولا بين الإنسان والغيب، كما أنّها تزاوج بين العقل والخبر، وتعتبر الفصل بين الدين والسياسة فصلاً وظيفيًّا وليس بنيويًّا، كما تقول بمعقولية الدين وتضمن له حرمته وقدسيته. وهي حداثة تسعى إلى تلبية المتطلبات الروحية بجانب تلبية الحاجات المادية، وتسعى إلى إسعاد الغير مثلما تساهم في إسعاد الذات.
وإذا كانت عقلانية الحداثة الغربية هي عقلانية الآلات، وهي عقلانية مجردة تستبعد الدين وتحرم نفسها من الاستفادة منه في المجال العمومي، فإنّه يتعين استبدالها بحداثة الآيات التي هي حداثة روحية تحترم الدين، وتقر بأهميته في تدبير الحياة العامة وتخليقها. ومن هنا، فالحداثة الغربية لا تقف حسب التصور الطهائي سوى على رجل واحدة، ولذلك يتعين تأسيس حداثة إسلامية بديلة تقف على رجلين اثنين. فطغيان الطابع المادي ورجحانه على الطابع الروحي، جعل الحداثة الغربية حداثة استبدادية ومتسلطة، وجعل تطبيقاتها تلحق أضرارًا بالغة بروح الإنسان وسلوكه الأخلاقي وبيئته الطبيعية.
ومن هنا، تأتي ضرورة الحداثة الإسلامية في نظر طه عبد الرحمن، لأنّ الدين الإسلامي هو خاتم الأديان السماوية، وهو الذي أتمت فيه مكارم الأخلاق، وتحدد فيه صالح الأعمال. ولذلك، لا يمكن للحداثة المأمولة إذا شاءت أن تكون أخلاقية وصالحة أن تستغني عن الإسلام، الذي سيمنحها تلك الروح التي افتقدتها في واقع المجتمعات الغربية.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا