"التفسير الكلاسيكي" تفسير للثعلبي (ت427هـ/1035م) وليد صالح


فئة :  قراءات في كتب

"التفسير الكلاسيكي" تفسير للثعلبي (ت427هـ/1035م) وليد صالح

"التفسير الكلاسيكي" تفسير للثعلبي (ت427هـ/1035م) وليد صالح

التعريف بالكتاب

تزخر الثقافة الإسلامية بكم كبير من التفاسير القديمة (الكلاسيكية) بدءا من التفسير الذي قال به مقاتل بن سليمان في القرن الثاني الهجري (-150هـ). مع العلم باختلاف الباحثين قديما وحديثا في تحديد زمن ظهور أول تفسير كامل للقرآن الكريم، والمؤكد هو أن هذا التفسير من التفاسير المتقدمة. ومن أقدم التفاسير "تفسير معاني القرآن للفراء" (-207هـ)، وتفسير "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (-310هـ)، تفسير الكشف والبيان عن تفسير القرآن لأحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (-427هـ) وقد تتابعت التفاسير على طول التاريخ الإسلامي، ونحن اليوم أمام مدونة كبري للتفسير، الكلاسيكي. السؤال هنا كيف نتعامل مع مختلف هذه التفاسير؟ وكيف تشكلت مدونة التفسير؟ وما هو الأثر المنهجي الكبير الذي تحول الى تقليد قد سبق أن قعدت له مختلف التفاسير القديمة من بينها التفاسير التي سبق أن أشرنا لها من قبل؟ تلك هي القضايا بشكل مجمل التي كرس الباحث وليد صالح جزءا كبيرا من الوقت والتفكير من خلا موضوع كتابه تشكل المعنون بـ: "التفسير الكلاسيكي" تفسير للثعلبي (ت427هـ/1035م) الكتاب من منشورات مركز نماء للبحوث والدراسات، ترجمة محمد إسماعيل خليل، في طبعته الأولى 2022م. يعتبر الكتاب أول دراسة شاملة عن تفسير الثعلبي تبين أهميته وأثره بين كتب التفسير، بعد أن نالته أيادي النقد والسلب حتى غدا في أعين الباحثين قليل الأهمية مليئًا بالترهات والخرافات، في حين أنه يعد أساسًا لكتب التفسير المتأخرة عنه، التي استفادت منه تأثرًا أو نقلًا أو اختصارًا. الثعلبي أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري هو عالم في التفسير القرآني له كتاب العرائس في قصص الأنبياء وغير ذلك ذكره السمعاني وقال يقال له الثعلبي(ت427هـ/1035م).

الكتاب يضم سبعة فصول، وهي: الأول: حول حياة الثعلبي. الثاني: الثعلبي والتصوف. الثالث: تفسير الثعلبي المصادر والبنية. الرابع: المنهج الهرمينوطيقي النظري عند الشافعي. الخامس: من النظرية إلى التطبيق، الموضوعات والمحاور. السادس: من النظرية الى التطبيق، التوجهات والمسارات. السابع: تلقي تفسير الثعلبي. يعرف كتاب "تشكيل التفسير الكلاسيكي" اشتباكا فكريا مع كثير من الأبحاث والدراسات من بينها الدراسات الاستشراقية حول التفسير

التقليد التفسيري

العناية بالبحث في مختلف التفاسير، تساعدنا كثيرا في معرفة التاريخ الإسلامي، "فتفسير القرآن بمنزلة واسطة العقد بين ما ألفه المسلمون في أي عصر من العصور. وفيه يجد المرء تعبيرا عن مشاغل كل جيل من علماء المسلمين. فمع تعاقب القرون تعاظم دور التفسير كونه أهم حامل للفكر الديني. وهذا أمر يصدق على زمننا في الحاضر كذلك، وقد أفاد التفسير من الحداثة إفادة بالغة، رغم الاضطراب الذي أدخلته على علوم إسلامية أخرى، مثل الفقه والحديث والتصوف وأصول الدين"[1] فمن خلال تفسير المنار لمحمد عبده نفهم الأبعاد الفكرية والاجتماعية، والتحديات الثقافية والمعرفية التي عرفها العالم الإسلامي في علاقته بمختلف المعارف الأوروبية حينها، وكذلك نفهم من تفسير في ظلال القرآن للسيد قطب، طبيعة الإشكالات السياسية بعد سقوط نظام الخلافة الإسلامية في المشرق 1924م وانكفاء جماعة من المسلمين على أنفسهم، بتضييق دائرة التفكير الانفتاح على مختلف علوم العصر. ومن خلال موسوعية تفسير مفاتيح الغيب للفخر الدين الرازي (-606هـ) نفهم طبيعة الاتساع المذهبي والفقهي والكلامي والفلسفي الذي تميزت به الثقافة الاسلامية في القرن السادس الهجري. كما أننا نفهم من تفسير الطبري طغيان النزعة الإخبارية والعناية بالأثر والحديث والرواية في زمانه.

وهذا فيه تأكيد أن الحفر حول الجوانب العلمية والاجتماعية والثقافية من وراء تفسير ما، سيأخذنا لمعرفة مختلف زوايا المجتمع في بعدها والعلمي والاجتماعي. بالرغم من أن مختلف التفاسير تعكس تصورات مختلف الجماعات والتيارات والمذاهب التي كانت من وراء تأليفها، طبعا باسم مؤلف معين، أو باسم مؤلف يبدأ التفسير ويكمله أحد طلابه أو أصدقائه، مثل تفسير الجلالين. فإنها تعود الى قالب في "التقليد التفسيري" للقرآن الكريم، قد تشكل عبر الزمن منذ القرن الثاني الهجري.

فالفكرة السائدة بشكل كبير فيما يخص "التقليد التفسيري" مفادها أن الطبري، يعود له الفضل في التقعيد للتقليد التفسيري، فمختلف التفاسير التي جاءت بعده تبني تفاسيرها على مختلف الآراء والأقوال التي قال بها وسارت قاعدة بعده. هذه الفكرة يخرج عليها وليد صالح، فهو يرى بأن الثعلبي له مكانة مؤثرة في تاريخ التفسير، بكونه غيَّر وأعاد تشكيل التقليد التفسيري، فعمله أكثر تأثيرًا من عمل الطبري، مع العلم أن الثعلبي(ت427هـ) قد عاش بعد الطبري(-310هـ) فالثعلبي أعاد بناء ما أنجزه الطبري بطريقة جديدة. وهذا يعني أن المعرفة بتفسير الثعلبي لا تعفينا من معرفة المفسرين قبله منهم الطبري والمفسرين بعده، وبشكل عام لا يمكن دراسة أي تفسير للقرآن بمعزل عن غيره، وإنما يجب أن يدرس مع التفاسير السابقة التي أنتجته، والتفاسير اللاحقة التي أثر عليها، وهذا يجعلنا أمر الى القول بأن علم التفسير نوع الجينيالوجيا بمعني البحث عن النشأة والتكوين والأصل؛ وليس المقصود العودة إلى البدايات، بل الكيفية التي تكوّنت بها الأشياء والعوامل التي تضافرت على إنتاجها. ولكن هذا المعطى الجنيالوجي لم يحظ بالعناية اللازمة عند كثير من الدارسين، وقد رأوا بأن التكرار كصفة تتميز بها الجينيالوجيا يعد أكبر معضلة تميز بها علم التفسير.[2]

يقسم المؤلف التفسير الى نوعين تفسير موسوعي وتفسير مدرسي ولهذا التفسير تبعاته المنهجية على دراسة التفسير. أما عن تقسيم التفسير الى تفسير بالمأثور وتفسير بالرأي، فالغاية من هذا التقسيم مفاده، تقسيم التفسير الى تفسير مبني على دليل وتفسير (التفسير بالمأثور) وآخر اعتباطي قائم على الآراء الشخصية وغير موثوقة (التفسير بالرأي)، بينما في واقع الأمر هذا تقسيم ينبني على أيدلوجية مفادها التحيز لتفاسير السنة؛ وتقويض غير التفاسير والتأويلات غير السنية. ولا شك أن هناك فرقة المعتزلة والإباضية...وحقيقة الأمر أن مختلف التفاسير التي توصف بأنها تفسير بالمأثور، ما هي إلا تفسير بالرأي، وفي الحقيقة أن الحديث عن التفسير بالمأثور في مقابل التفسير بالرأي، اتجاه تأسس بعد الهرمينوطيقا الراديكالية التي دعا إليها ابن تيمية.[3]

التفسير الموسوعي يتصف باستحضار مختلف المعارف والعلوم في التفسير، واستحضار مختلف أوجه تفسير الآية أو السورة، والتفسير الموسوعي يأتي ضخم من جهة المجلدات التي يتكون منها تفسير معين، إذ نقرأ في مختلف التراجم أن بعض التفاسير بلغت ما بين 50 و100 مجلد[4]، وبهذه الموسوعية الكبيرة، يصعب النظر بشكل سهل في هذا النوع الضخم من التفاسير.

يرى المؤلف بأن الثعلبي ساهم بشكل جيد في تحسين التفسير الموسوعي للقرآن، فأصبح على يده منفتحا على مختلف المواد التي يمكن لها أن تلقي الضوء على معنى القرآن، بما في ذلك مختلف المواد التي لم يأخذها أسلافه بعين الاعتبار. وهدف الثعلبي من هذا التوسيع يعود الى العمل على حل للصراع الثقافي المحتدم حينها في العالم الإسلامي، خلال القرنين الرابع والسادس الهجري.[5]

أما التفاسير المدرسية، فهي لا تكتفي بذكر وجه واحد لتفسير الآية، فأغلبها ما هي اختصار للتفاسير الموسوعية، فأغلب التفاسير الموسوعية لها تفاسير مختصرة مدرسة، وأول تفسير مدرسي وصلنا تفسير أبي الليث السمرقندي (-370هـ/980م).

استحضر الثعلبي الشعر والعديد من الجوانب الأخرى للأدب العربي الإسلامي في تفسيره، ولهذا يجد القارئ لتفسيره انعكاس للثقافة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، وهذا الفهم الموسوعي للثعلبي فتح الباي لمن جاء بعده من المفسرين، من بينهم القرطبي، والرازي... ولهذا تفسير الثعلبي يستحق أن يكون في مركز التفسير الكلاسيكي.[6]

يتميز تفسير الثعلبي بمجموعة من الآراء من بينها مثلا، أن يرى في تفسيره للآية السابعة من سورة آل عمران، بأن تأويل المتشابه يعلمه الله تعالى ويعلمه الراسخون في العلم، ويرى الثعلبي بأن المتشابه تعني بأن القرآن متشابه في محتواه، فالآيات المتشابهات، هي لا علاقة لها بمضمون غامض، وإنما تعني ببساطة الآيات التي يشبه بعضها بعضا، فالقرآن محكم كله من وجه ومتشابه من وجه.[7]

[1] وليد صالح "التفسير الكلاسيكي" تفسير للثعلبي (ت427ه/1035م) ترجمة محمد إسماعيل خليل، في منشورات مركز نماء للبحوث والدراسات، الطبعة الأولى 2022م، ص. 36

[2] ص.51

[3] ص.52

[4] ص.55

[5] ص. 55

[6] ص.59

[7] نفسه، ص.139


مقالات ذات صلة

المزيد