التفكير في حياة خارج الأرض
فئة : مقالات
التفكير في حياة خارج الأرض
فكرة العيش خارج الأرض، فكرة تبدو غريبة، وبالرغم من ذلك فهي حاضرة، من جهة الخيال الأدبي والعلمي، إلا أن الفكرة قد خرجت من مجال الخيال، إلى مجال التفكير الجدي، وإلى مجال البحث في احتمالات وقوع ذلك، فمن بين ما يبحث فيه وعنه علم الفضاء ومعرفة الكواكب، سؤال مفاده هل هناك حياة أخرى خارج كوكب الأرض؟ وحتى إن اكتشفت حياة أخرى خارج الأرض ماذا عن تركيبتنا الأرضية؟ هل تركبت الإنسان تسمح له بالعيش في كوكب دون الأرض؟
السيطرة على الطبيعة
المتتبع لمختلف الكتابات الفلسفية والفكرية التي تنتقد الغرب، سيجد أن مجملها توجه مختلف طروحاتها النقدية تجاه النزعة التي تختزل الرؤية إلى الطبيعة في الجانب الاستعمالي الذي تسمح بها الطبيعة في مختلف مجالاتها، وهي نزعة تتصور قدرة الإنسان على السيطرة على الطبيعة وتكييفها لصالحه كما يريد؛ فالإنسان والطبيعة في حالة صراع، فالكثير من الفتوحات العلمية التي نجح فيها الإنسان ينظر إليها من لدن الكثير من زاوية القوة، ولهذا نسمع مقولة غزو الفضاء بدل اكتشاف الفضاء، ونسمع مقولة السيطرة على الطبيعة، بدل الانسجام مع الطبيعة، وكلها مقولات متداخلة مع الرؤية الاستهلاكية المتضخمة في كل مجالات حياة الحضارة الحديثة، فالسيطرة على الطبيعة بهدف إنتاج واستهلاك وتسويق أكثر.
فاقتصاد السوق مسيج بقانون العرض والطلب، بهدف جلب أعلى قيمة من الإنتاج والأرباح، لا تهم مشكلة الأسمدة والمبيدات التي تسمم آلاف الهكتارات، وتكون سبب في انقراض مختلف الكائنات...ويمتد المشكل إلى الإنسان بظهور مختلف السرطانات التي لم يعد بالإمكان التحكم فيها، لا يهم إن كان ذلك سببا في نفاد أكبر الفرشات المائية عبر العالم، وتحول سطح الأرض عليها إلى صحراء. لا يهم أن تكون مختلف الصناعات الكيماوية سببا في التلوث البيئي، ولا يهم أن يكون استعمال الوقود الأحفوري سببا في ذلك، مادام الأمر يتعلق بالربح والإنتاج.
الوقود الأحفوري هو وقود يُستعمل لإنتاج الطاقة الأحفورية، ويستخرج من المواد الأحفورية كالفحم الحجري، الفحم، الغاز الطبيعي، ومن النفط. وتستخرج هذه المواد بدورها من باطن الأرض وتحترق في الهواء مع الأكسجين لإنتاج حرارة تستخدم في كافة الميادين. يستخرج من باطن الأرض، يعتمد تركيب الوقود الأحفوري على دورة الكربون في الطبيعة، وبهذا يتم تخزين الطاقة (الشمسية) عبر العصور القديمة ليتم اليوم استخدام هذه الطاقة.
لا يهم إن إغراق منطقة وشعب بأكمله وثقافة وحضارة بوابل من القنابل واختلاق كثير من الحروب والنزعات، ما دام الأمر يتعلق بمصلحة ومنفعة شخصية وهي الوصول إلى البترول، بأي ثمن حتى ولو كان الثمن الإنسان ذاته، وهذه هي قصة العراق وشعوب أخرى...فالنزعة الاستعمالية حاضرة في كل شيء حتى في النظر إلى الثقافة والإنسان، هذا هو الاتجاه المهيمن والمسيطر على العالم اليوم باسم المركزية الغربية، ولا شك أن الغرب ليس واحدا، فهناك غرب آخر ينتقد هذا الاتجاه ويحذر من مشكلات المصير المشترك للعالم والإنسان.
وفق هذا السياق، صرح أحد المثقفين الذين اشتهروا بنقد الغرب بشدة، متهما الغرب بأنه لم تعد تهمه الطبيعة والإنسان في شيء، ولم يعد يميز بين الاستعمال الأخلاقي والعقلاني للطبيعة، والاستغلال المفرط الغير الواعي والمنخرط في دائرة الصراع مع الطبيعة بوهم السيطرة عليها، وربما تجاوزها، بالتعديل في قوانينها...ونقصد هنا الدكتور وائل حلاق، فقد صرح في برنامج "ثمانية- فنجان" أن الغرب سار يفكر في موضوع الحياة في عالم آخر بدل العالم الذي نحن فيه، أي العيش في عالم آخر غير الأرض. ولهذا سار لا يهمه فساد حال الطبيعة التي توفر لنا الحياة على الأرض. عندما يفسد هذا العالم، نبحث عن الحياة في عالم آخر خارج الأرض.
التفكير في حياة خارج الأرض
تصريح وائل حلاق يؤكده كتاب ويد روش، بعنوان "البحث عن حياة خارج الأرض" الكتاب صدر 2020م، وترجم إلى العربية سنة 2023م. ومؤلف الكتاب حصل على الدكتوراه في تاريخ التكنولوجيا من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. هذه الفكرة التي تتحدث عن حياة جديدة في كوكب آخر، تبدو غريبة، ولكن جزء كبير من البحوث التي تبحث في الفضاء وتكتشف أسراره كل سنة، يحكمها هذا الطموح، بغض النظر هل سيبقى الموضوع في عالم الأحلام، أم سيتحول إلى حقيقة في يوم ما.
يرى ويد روش بأننا "نَعيش في خِضمِّ قصةٍ كبرى غير مُكتملة؛ حكاية ظهور البشر كنوعٍ يُهيمن على الكوكب ولكنه مُقيَّد داخله، وإمكانية تحوُّلنا إلى نوعٍ يرتحل في الفضاء مُستوطنًا عدة كواكب. إننا نعرف كيف بدأت القصة؛ حين ترَكنا السكن فوق أعالي الأشجار، وانتشَرنا عبر القارات، وطوَّرنا اللغة والزراعة والثقافة المكتوبة، والعلم في نهاية المطاف. ونحن نعرف كذلك أين وصَلَت القصة اليوم. في القرن الحالي، سنكون مشغولِين بمواجهة التحدِّيات الوجودية المُتعدِّدة التي أوجدناها لأنفسنا. ولكن إذا استطعنا أن نُتقِن قوى السياسة على نطاقٍ عالَمي والتكنولوجيا على نطاقٍ صناعي، وإذا استطعنا تحمُّل مسؤوليتنا بإدارة مناخ الأرض وأنظمتها البيئية، وإذا استطعنا تنظيم استكشافنا للكواكب الأخرى، وهي جميعًا افتراضات كبرى تَكتنفُها الشكوك بكل تأكيد."[1]
يتحدث ويد روش، بثقة كبيرة بالعلم والإنسان، فيترك الشك جانبا ويؤكد بقوله: "فحينها لن يُوجَد شيءٌ آخر يَمنعنا من التوسُّع خارج الكوكب في أنحاء المجرة"[2]، والذي جعله يقدم مجال الثقة بالعلم عن الشك، هو طبيعة ما تبحث فيه العلوم اليوم، فمجال علم الأحياء الفلَكية بأكمله، على سبيل المثال، "مُكرَّس لمعرفة الكيفية التي ربما تنشأ بها الحياة في بيئاتٍ غير أرضية مُشابهة. عندما نشأ هذا التخصُّص قبل عدة عقود، لم يكن لدى العلماء سوى فكرة ضئيلة عن نطاق البيئات التي قد تزدهِر فيها الحياة، حتى هنا على الأرض، ناهيك عن أي مكانٍ آخر في نظامنا الشمسي أو في أيِّ مكانٍ آخر في المجرَّة. ولكن على مدار الأربعين عامًا الماضية، شهد المجال تقدمًا جوهريًّا. فمن ناحية، اكتشفنا أنواعًا عديدة من كائنات «مُحبة للظروف القاسية» تزدهر حول فتحات حرارية تحت سطح البحر وفي أماكن أخرى قاسية لم يكُن أحد ليتصوَّر أن يجد حياةً فيها حتى اللحظة التي عثرنا فيها على تلك الكائنات. علاوةً على ذلك، يواصل علماء الفلك إضافاتهم إلى فهرس الكواكب خارج المجموعة الشمسية، أو الكواكب الخارجية. حتى وقت كتابة هذه السطور، اكتُشف ٤٠٢٥ كوكبًا منها"[3]
الإنسان تركيبة أرضية
فكرة الحياة خارج كوكب الأرض ليست فكرة جديدة، وهي فكرة سهلة بأن تخطر على بال أي إنسان، وبالأحرى كيف لا تخطر بشكل جدي على عقل عالم وفيلسوف، ولكن البحث فيها كان دائما من باب الخيال الذي لا يجلب من ورائه فائدة عملية وواقعية؛ فالإنسان بخياله ممكن أن يغادر العالم الذي هو فيه إلى عالم آخر، ولكن ليس بمقدوره أن يغادر هذا العالم جسدا وخيالا. وفكرة العيش في عالم خارج الأرض أشار لها القرآن وربطها بسلطان العلم والمعرفة، وهي صعبة المنال؛ لأن القرآن يشير بأن الإنسان مركب من تراب الأرض وخروجه عن محيطها يعرضه إلى الانفجار والتفكك والتفتت... وقد يتمكن من ذلك بفضل العلم ولكن هذا الأخير لا يمكنه من الاستقلال عن بنيته ومكوناته المكون منها والتي تعود إلى الأرض قال تعالى: "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)" (الرحمن) فالنفاذ من أقطار السماوات والأرض، أمر ممكن، ولكن الانتصار في ذلك النفاذ على المكونات التي يتكون منها الإنسان، بالقدرة على تجاوزها إلى مكونات أخرى هي عين المشكلة، أخذ كل مقومات تكوينه من الأرض (تراب- ماء- هواء- جاذبية-...) وهذه المقومات تدخل في صلب خلق الإنسان. السؤال هنا هل هناك كوكب آخر مماثل للأرض في هذه المكونات؟
الحياة خارج كوكب الأرض، ترتهن إلى فكرة مفادها هل هناك كوكب دون الأرض تعيش على ظهره كائنات أخرى، والعيش هنا يرتبط وفق سنن عالمنا بمقومات الحياة، الأكسجين والماء... فطيلة آلاف السنين، "لم يكن بوسع التجادلين إلَّا التخمين والتفلسُف حول وجود كائنات خارج كوكب الأرض. لم تكن المشكلة تكمن فقط في عدم وجود دليلٍ مادِّي يُؤيد أحد الرأيَين المتعارضَين، [...] بل كانت المشكلة أنه لم يكن أحدٌ يعرف حتى كيفية التوصُّل إلى أي دليلٍ [...] وقد بدأ كل ذلك يتغيَّر في عام 1959م، عندما نشرت المجلة العلمية البريطانية «نيتشر» ورقةً بحثية بسيطة مكوَّنة من ثلاث صفحات للفيزيائيين جوزيبي كوكوني وفيليب موريسون بعنوان «البحث عن اتصالاتٍ فيما بين النجوم»."[4]
صحيح العلم لازال لم يتقدم بما هو كافي حول طبيعة الموضوع؛ فالعلماء ليسوا متَّفقين على رأيٍ واحد أو مزاج واحد بشأن إمكانية وجود حياةٍ خارج كوكب الأرض. "وقد ساد الموقف المنفتح [...] وعلى الرغم من أنه قد ثبت أن قنوات المريخ ليست سوى وهمٍ، تغلغلت فكرة سكان المريخ في الثقافة الشعبية على مدار نصف القرن التالي.
لكن بحلول ستينيات القرن العشرين، [...] مع بدء علماء الأحياء في استكشاف آليات علم الوراثة. بدت فكرة أن تظهر مصادفةً أنظمة مُعقدة وغير مُحتملة - مثل الحمض النووي الريبوزي RNA والحمض النووي DNA - على أكثر من كوكب.
وقد ذهب الفيزيائي والكاتب ومُناصِر البحث عن ذكاءٍ خارج الأرض، بول ديفيز: أن هذه الفكرة فكرة سخيفة. ولكن هناك دائمًا بعض العلماء الذين لا يُعيقُهم نعتُهم «بالسخف». يُظهر الصمت الذي يسود السماء، حتى الآن أن الحياة «الذكية» ستكون جائزة بعيدة المنال، لكن يَعتقِد مُعظم الباحثين أننا أقرب من أي وقتٍ سبق في التاريخ من اكتشاف مُؤشِّراتٍ على حياةٍ من نوعٍ ما خارج عالمنا؛ حياة بسيطة على الأرجح."[5]
[1] ويد روش، البحث عن حياة خارج الأرض، ترجمة: ياسمين العربي، مراجعة: محمد إبراهيم الجندي، مؤسسة هنداوي، 2023م، ص. 9
[2] نفسه، ص.9
[3] نفسه، ص. 20
[4] نفسه، ص. 27
[5] نفسه، ص. 66 (بتصرف)