التمثّلات الاجتماعية للعنف الرقمي ضد المرأة: دراسة سوسيولوجية في شمال المغرب

فئة :  أبحاث محكمة

التمثّلات الاجتماعية للعنف الرقمي ضد المرأة:  دراسة سوسيولوجية في شمال المغرب

التمثّلات الاجتماعية للعنف الرقمي ضد المرأة:

دراسة سوسيولوجية في شمال المغرب

الملخص:

تكمن أهمية هذه الدراسة في تشخيص العلاقة السببية بين التمثلات الاجتماعية وانتشار العنف الرقمي ضد المرأة في المجتمع المغربي. كما تركز على المحدد السوسيو-ثقافي في تنامي هذا النمط من العنف المستحدث وتبريره، وهو عنف ظهر نتيجة التطورات العلمية-التكنولوجية، خاصة في مجال تقنيات المعلومات والاتصالات. لذلك، كشفت نتائج دراستنا عن أن المرأة ذات المستوى التعلمي الضعيف والمتوسط تعاني من العنف الرقمي بدرجة أكثر مقارنـة بالمرأة ذات المستوى التعليمي العالي، كما أظهرت الدراسة أن هناك تغيراً في تمثلات الرجل تجاه المرأة فيما يتعلق بحقها وحريتها في تواجدها بالفضاء الرقمي.

مقدمة

تسعى هذه الدراسة، بقدر الإمكان، إلى تشخيص العلاقة السببية بين التمثلات الاجتماعية وانتشار العنف الرقمي ضد المرأة؛ إذ أصبح هذا الأخير من الظواهر الاجتماعية الأكثر انتشارا وشـدًّا للانتبـاه بالنظـر إلى المـساحة الـشاسعة التـي يحتلها على امتداد الفضاء الرقمي والاضرار التي يخلفها، وهو في تزايـد مـستمر، بـل أضـحى يمس بشكل خاص فئة النساء. وبذلك، ظل يشكل حجر عثرة أمام تمكين المرأة وتعزيز فرص مساواتها، فضلاً عـن أنـها متجـذرة في ثقافة أغلب المجتمعات الإنسانية، التي تشكل طبيعة "الهويـة الجندريـة"، حيـث تـشهد إدراكًا مجتمعيًا واسعًا باعتبارها مشكلة متصاعدة تهدد أمن واستقرار المجتمع. ولا شك أن العنف الرقمي في بلادنا، كما هو في المجتمعات العربية قاطبة، بقي محافظًا في المخيال الجماعي في ثقافتنا على نزعته الذكورية، من خلال عملية التنميط الجندري، مما يجعل من العنف الرقمي ضد المرأة على درجة عالية من الأهمية، خصوصًا في ظل التحولات التي تعرفها المجتمعات الراهنة بكونها تشهد تفاعلاً علائقيًا جندريًا في الفضاء "الرقمي".

تُعدُّ ظاهرة "العنف الرقمي ضد المرأة" أبرز إنتاجات الثورة المعلوماتية؛ إذ ظهرت نتيجة التطورات العلمية-التكنولوجية الهائلة التي مست مجالات عدة، وخاصة مجال تقنيات المعلومات والاتصالات. فبالرغم من تلك التطورات، فإن الإنسان ما يزال ينظر إلى المرأة نظرة دونية، ولم يستطع أن يتغلب على منهج العنف في التعامل والتفاعل معها. كما "لم تفلح سيرورة البشر التاريخية والحداثة بمجتمعاتها المدنية في فسخ بنية الرموز والأساطير"[1]، التي كانت، وما تزال، هي الأداة، وهي الأساس، وهي الركيزة التي قامت عليها معظم الثقافات، إضافة إلى كونها تُعدُّ المحرك والأساس في بناء تمثلات الناس الاجتماعية.

لقد بينت الكثير من البحوث السوسيولوجية والأنثروبولوجية كيف أن التمثلات الاجتماعية ترتبط بالثقافة الذكورية[2] التي تعمل وفق آليات رمزية على تكريس ثقافة العنف في التمثّلات الجماعية، وتتناقلها الأجيال عبر مختلف مؤسسات التنشئة، ويستطبنها الرجال وحتى النساء. ويعـود هذا النمط من العنف الى عـاملين رئيسين، الأول: الموروث الثقافي الذي يدعم تبعية المرأة للرجل ويجعلها كيانًا تقتصر مهامه على الإنجاب والعمل المنزلي والمحافظة على شرف العائلة. والثاني: غياب وعـي المـرأة بـذاتها ودورهـا الـذي يقودها إلى دعم العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، وتتناقله عـبر الأجيـال بالأسـاليب والطرائق الخاطئة. لذا، فإن التنشئة الاجتماعية للمرأة تعمل على ترويـضها إلى الحـد الـذي تـدافع عـن تهميشها وتتنازل عن حقوقها.

في هذا الإطار، تسلط هذه الدراسة الضوء على أحد أهم أنواع العنف انتشاراً في الوقت الراهن وأحدثه، وهو "العنف الرقمي ضد المرأة"؛ وذلك عبر قراءة سوسيولوجية للظاهرة تتخذ المجتمع المغربي مثالا تطبيقياً لها، وتتناول تحديدًا، التمثلات السوسيو-ثقافية بوصفها محدداً في تنامي هذا الشكل من العنف ضد المرأة (النساء، الفتيات) من خلال تنشئة ذكورية تهدف إلى ترسيخ ثقافة تطويع المرأة جسديًا وتعنيفها، وهو ما بينته "جوديث بتلر" عندما أكدت أن الجسد هو محور وجودنا وصناعتنا وأدائنا في العالم، وهو ما نُلصقُ عليه تمثلاتنا، وهو من يتعرض إلى العنف بشتى أنواعه[3]؛ وذلك في محاولة لكشف أهم التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية في المجتمع المغربي إن وُجِدَت، وانعكاساتها على وضعية المرأة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

[1] - تركي علي ربيعو، العنف والمقدس والجنس في الميثولوجيا الإسلامية، ط 2، (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1995)، ص 24

[2] - انظر في هذا الصدد:

- Emile Durkheim, The Division of Labor in Society, translated by W.D. Halls (New York: Free Press, 1984).

- Sarah Gamble, The Routledge Companion to Feminism and Post Feminism (London; New York: Routledge, 2001).

- Cloude Levi-Strauss, The Elementary Structures of Kindship (London: Eyre and Spottiswoode, 1969).

- Pierre Bourdieu, Masculine Domination, translated by Richard Nice (Stanford, CA: Stanford University Press, 2001).

- Thomas Laqueur, Making Sex: Body and Gender, From the Greeks to Freud (Boston, MA: Harvard University Press, 1990).

- Simone de Beauvoir, The Second Sex, translated by Constance Borde and Sheila Malovany- Chevallier (London: Jonathan Cape, 2029).

[3] - Judith Butler, Défaire le genre, traduit par Maxime Cervuelle, paris, Ed. Amsterdam, « Le corps implique mortalité, Vulnérabilité et puissance d’agir: la peau et la chair nous exposent autant au regard de l’autre qu’au contact et à la violence », 2016, P. 34