التنين الأكبر: الصين في القرن الواحد والعشرين


فئة :  قراءات في كتب

التنين الأكبر: الصين في القرن الواحد والعشرين

التنين الأكبر: الصين في القرن الواحد والعشرين

دانييل بورشتاين وأرنيه دي كيزا

ترجمة شوقي جلال

"من الخطأ الادعاء بأن الصين لاعبٌ آخر كبير. إنها اللاعب الأكبر في تاريخ البشرية" لي كوان يو، رئيس وزراء سنغافورة

فكرة الكتاب

ظهر هذا الكتاب عام 1998م؛ أي في السنوات الأخيرة من القرن العشرين التي تطل على القرن الواحد والعشرين. في هذه اللحظة الزمنية مر على انهيار الاتحاد السوفياتي سبع سنوات، وكان العالم حينها معني بنقاش مفاده سؤال محوري مفاده كيف سيكون مستقبل العالم الذي سار بيد القطب الواحد، بزعامة أمريكا وحلفائها من الغرب؟ انهيار الاتحاد السوفياتي، ترتب عنه النظام الدولي الجديد، تحت الهيمنة الأمريكية، البعض حينها كان يرى أن نهاية الحزب الشيوعي السوفيتي، ستليها نهاية الحزب الشيوعي الصيني، نظرا للتقارب بين الحزبين في الإيديولوجيا وفي السياسات الاجتماعية والنقدية، دون مراعاة طبيعة الفرق الحاصل عمليا وسياسيا وثقافيا بين الحزبين.

النقاش في تلك الفترة من الزمن في العالم كان منصبا حول سؤال العولمة التي كان يرى فيها البعض أنها إستراتيجية إعلامية تصب في خدمة مصالحها أمريكا وحلفائها؛ فأمريكا ستجعل من العولمة مدخلا لأمركة العالم. ليس هناك نقاش في تلك الآونة حول مستقبل الصين، وبأنها ستكون أكبر قطب سيستفيد من العولمة ومن تحرير التجارة العالمية، من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، بتنبئه بما ستكون عليه الصين في العقود الثلاثة من القرن الواحد والعشرين، ورد في الكتاب: " وفي تقديرنا أن الصين مهيَّأة، إذا ما سارت الأمور رخاءً كما هي الآن، لكي تصبح حوالَي العَقْد الثالث من القرن الواحد والعشرين أكبرَ اقتصاد قومي في العالم... وسوف تكشف أكثر فأكثر عن نفسها كقوة عظمى في كل المجالات: الاقتصاد والسياسة والقوة العسكرية، وفي الثقافة والتكنولوجيا"[1] هذا التوقع من المؤلف يعود إلى السنة التي ظهر فيها الكتاب 1998م، وهو توقع لم يكذبه الواقع، وما عليه الصين اليوم كقوة عالمية، والأكثر من ذلك أن الصين تحولت إلى مصنع للعالم.

عاشت الصين الثورة الشيوعية الصينية (1945م/1950م) وقد حدَّدت العقيدة المادية عواطفها الأيديولوجية، وعاش الصينيون أسرى داخل رومانسية الخطاب المادي والحلم الذي اقترن بالثورة الثقافية بخلق مجتمع طوباوي جديد في الصين، مستثمرا روح المجتمع الصيني المكونة من نسيج ثقافي عميق مركب؛ فاليوم لا يمكن معرفة الصين إلا من خلال الفهم العميق للبنى التحتية للثقافة الصينية، فعلى الرغم من الحس المادي الذي تميزت به الثورة الشيوعية الصينية، وعلى الرغم أن مجتمع الصين أضحى الآن أكثر حداثةً وانفتاحًا، فلا يمكن تجاوز تلك البنى الثقافية العميقة التي ميزت الصين، وهذا وجه جعل الصين مفارقة لغيرها من التجارب في تجربتها في الانفتاح عن الحداثة عن غيرها.

وواقع الأمر يقول إن الصينيين قد طوروا "لأنفسهم إطارهم الاقتصادي السياسي الأساسي الجديد، الذي يعتمد على عناصر من رأسمالية السوق الحديثة ذات الأسلوب الغربي، ولكنه يجسد نبض الصين الممتد على مدى خمسة آلاف عام هي تاريخها الثقافي، ويعكس كذلك تراث خمسين عامًا من الشيوعية، ولا يزال يحتفظ بقوة كبرى لدولة نشطة قادرة على تغيير مسار الأحداث بقوة، وفرض خططها. وعلى الرغم من الزخارف الخارجية للتغريب، لم يتحول الصينيون لكي يكونوا صورة منا نحن الغربيين: سياسيًّا أو ثقافيًّا".[2]

أهم مواضيع الكتاب

يتكون هذا الكتاب من عدة أجزاء؛ الجزء الأول: داخل الحرب الباردة الجديدة، ومن بين المواضيع التي يضمها نذكر: حرب باردة جديدة تتشكل دون مبرر. النسر والتنين. التنافس والتعاون مع القوة العظمى الاقتصادية العالمية الجديدة. الجزء الثاني: معايير الحكم على الصين، ومن بن مواضيعه: عن المضاربين بالصعود والمضاربين بالهبوط والتفاؤل المعتدل. أعباء الصين. مشكلات مستحيلة وحلول ممكنة. الجزء الثالث: القفز في البحر، ونذكر من بين مواضيعه: موضوع الإجابات عن مسألة الملكية. وموضوع المغامر. وموضوع سيد البنائين. الجزء الرابع: التكهن بمستقبل الصين، ومن أبرز مواضيع هذا الجزء نذكر: سيناريوهات للقرن الواحد والعشرين. ونظرة عجلى إلى المستقبل. الجزء الخامس: ما بعد الحرب الباردة، ومن أبرز مواضيعه: الماضي والمستقبل وحديث مع دنج هسياو بنج. ميثاق شنغهاي الجديد.

الحرب الباردة

مفهوم الحرب الباردة مصطلح استخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس التي كانت توجد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائهم من فترة منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات. تنتمي الصين على المستوى الجغرافي إلى الشرق، كما أنها قريبة من حيث الخط الأيديولوجي إلى المعسكر الشرقي، لكن في زمن الحرب الباردة، ما بين المعسكر الغربي والشرقي لم تكن الصين عنصرا في هذه المعادلة، بسبب الانقسام الصيني السوفيتي (1956/1966م) وكسر العلاقات السياسية بين جمهورية الصين الشعبية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، بسبب الاختلافات العقائدية التي نشأت عن تفسيراتهم المختلفة وتطبيقاتهم العملية الماركسية اللينينية، كما تأثرت بالجغرافيا السياسية لكل منها خلال الحرب الباردة(1945م/1991م). بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الصراع الأيديولوجي، بقيت السلطة في يد الحزب الشيوعي بالصين على المستوى السياسي، لكن على المستوى الاقتصادي تحولت الصين إلى بلد يعتمد الصناعة والتجارة الحرة، وبهذا تكون الصين قد ركبت بين طرفين متناقضين لليبرالية الاقتصاد وبيروقراطية الحكم والسلطة التي بقيت في يد الحزب الشيوعي. فرئيس الحزب هو نفسه رئيس الدولة، هذا الاتجاه لا يبدوا واضحا في مطلع التسعينيات، ولا أحد يعرف ما ستؤول إليه الأمور، مع العلم أن تاريخ الصين لا يميل إلى أن تتبنى الصين فكرة الصراع الأيديولوجي مع الغرب.

اليوم تشير العديد من الدراسات إلى أن العلاقات الأمريكية الصينية- في الوقت الراهن- هي علاقة حرب باردة أساسها التنافس الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي، وليس التنافس الأيديولوجي كما كان الوضع في الحرب الباردة في القرن الماضي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وهذه مسألة واضحة بالنظر إلى مختلف المنتوجات الصينية التي غزت أوروبا وأمريكا، والعالم بأكمله، فحضور الصين في العالم اليوم حضور اقتصادي بامتياز، بمعزل عن الحضور السياسي والأيديولوجي؛ فالصين لا تهتم بمختلف المشاكل العالقة بين مختلف الدول، وإلى حدِّ الساعة لم تنخرط في مختلف الحروب في العالم، وهي على أتم الاستعداد لتنخرط في كل ما هو اقتصادي عن طريق السلم والدبلوماسية كما يبدو إلى حد الساعة. فمثلا لا يمكن تجاهل النفود الاقتصادي الصيني في إفريقيا، وهو نفود تجاري واقتصادي غير مدعوم بقواعد عسكرية، كما هو الشأن بالنسبة إلى أمريكا وحلفائها.

صعود الصين بوتيرة ثابتة وواضحة، وتنامي قوتها الشاملة يثير قلق ومخاوف الولايات المتحدة؛ المهيمنة على النظام الدولي الحالي. وقد أعلنت الصين أكثر من مرة عن عدم رضاها على النظام الدولي الراهن الذي ترى أن العديد من قواعده وأسسه الجوهرية يحتاج إلى تغيير، بهدف إرساء أسس نظام عالمي جديد، وهناك من المحللين من يذهب بعيدا ولا يستبعد وقوع حرب ما بين الصين وأمريكا، لكن هل الصين ستنجر إلى الحرب فعلا إن تضررت مصالحها؟

الحكمة الصينية

هناتك من يتصور الصين من الخارج دون أن يقرأها من الداخل، ويذهب ضحية تصور مفاده أن الصين قطعت بالكامل مع تراثها، وأعطته بالظهر، وعندما نتحدث عن التراث الصيني، فنحن نلامس تراثا يختلف عن تراث الغرب، ويختلف في الوقت ذاته عن تراث الشرق، ونقصد هنا التراث العربي الإسلامي، ففي الوقت الذي ارتبطت الفلسفة في الغرب بالإرث اليوناني عن طريق الإرث العربي، نجد الفلسفة في الصين ارتبطت بكبار الحكماء قديما في الصين، في الحكمة الكونفوشيوسية.

فالفكر الكونفوشي "حسب تفسيره الصحيح، يمكن أن شكِّل أساسًا لنظام اقتصادي يستهدف النمو والربح، ويحقق - كذلك - ملاءمة مهمة وواسعة مع القيم الاجتماعية والأخلاقية والفلسفية، علاوة على هذا، أنه خلق إمكاناتٍ لسياسةٍ استبداديةٍ يمكن تخفيف حدتها باقتصادات خيرة النوايا، وزعماء أقوياء، ونظم تراتبية هرمية غير رسمية تحدِّد المعايير المتفق عليها للأخلاق والسلوكيات العامة، دون قدرٍ كبيرٍ من المراقبة الديمقراطية. وإذا كانت الكونفوشية عادت ليس فقط على المستوى الرسمي، بل وأيضًا بين صفوف الملايين من العامة، فسبب ذلك أنها تهيئ للناس وسيلة للتلاؤم مع حالة التشوش الأخلاقي والتغير الاجتماعي السريع، وتتميز بأن شريعتها - وهي من ناحية عقيدة دينية، ومن ناحية ثانية قانون أخلاقي، ومن ثالثة طقس اجتماعي، وفلسفة سياسية - شريعة مرنة، يمكن أن يستشهد بها مفكرون ذوو مشارب ودوافع مختلفة."[3]

[1] دانييل بورشتاين وأرنيه دي كيزا، التنين الأكبر: الصين في القرن الواحد والعشرين، ترجمة شوقي جلال، مؤسسة هنداوي 2042م، ص.14

[2] نفسه، ص. 397

[3] نفسه، ص.367