الجوقة في المسرح اليونانيّ: أشكالها وأدوارها بين التّراجيديّ والكوميديّ
فئة : مقالات
لعبت الجوقة دورًا مهمًّا في تطوّر المسرح اليونانيّ، كما كانت عنصرًا مهمًّا في طقوس عبادة ديونيزوس، الّتي أفرزت بدايات المسرح، ويقول نيتشه في هذا الصّدد: "إنّ التّراجيديا لم تكن في الأصل سوى جوقة، ولا شيء غيرها"[1]، وهو يقرّ بأصل الدّراما الحقيقيّ، ويبيّن دورها البارز في نشأة المسرح.
وفي تطوّر لاحق أصبحت الجوقة جزءًا أساسيًّا في بنيّة التّراجيديا والدّراما السّاتيريّة والكوميديا، والدّليل على ذلك أنّ كثيرًا من المسرحيّات الّتي وصلتنا، تحمل في غالب الأحيان عناوين مرتبطة بالجوقة (عابدات باخوس، الضّفادع، الفنيقيّات، ...إلخ)، فلكلّ جوقة مميّزاتها وأشكالها، سواء في الديثرامب الّذي لم تكن فيه الجوقة مقنعة، ولم تكن ترتدي أزياء خاصّة ومميّزة، أو الدّراما السّاتيريّة، الّتي ترتدي فيها الجوقة ملابس وأقنعة لتشخيص تلك الكائنات الأسطوريّة، الّتي هي السّاتير والسّيلين، أو الكوميديا الّتي غالبًا ما تكون أقنعتها وأزياؤها مثيرة للسّخرية والهزل، بحسب الأحداث والمواقف، وصولًا إلى التّراجيديا الّتي تمثّل فيها الجوقة مجموعة من الشّخصيات المشتركة في الحدث، أو الّتي تكون معنيّة به، وتتحدّد أقنعتها حسب طبيعة الشّخصيّات، أو الحركات المقدّمة من قبل الممثّلين[2].
هذا كلّه يدعونا إلى البحث عن أوجه هذه الجوقة، في كلّ من التّراجيديا والكوميديا، مبيّنين أشكالها، وطريقة أدائِها ودورها في العرض المسرحيّ التّراجيديّ والكوميديّ.
الجوقة التّراجيديّة:
قبل ذلك، وبعد انتشار المسابقات التّراجيديّة؛ إذ أصبح المسرح شيئًا غير منفصل عن حياة المدينة والدّولة، كان لا بدّ من الحديث عن الجوقة في إطار المؤسّسة المسرحية، فقد كانت هذه المسابقات المسرحيّة في الدّيونيزيات الكبرى تحت إشراف حاكم المدينة، "الّذي كان يختار أفراد الجوقة (Choeur) بطلب من الشّاعر..."[3]، ظهرت - إلى جانب هذا - مؤسّسة لعبت دور المموّل في المسابقات التّراجيديّة، تسمّى: "الكوريجيا، وكانت مسؤولة عن إطعام وإلباس وتعليم أعضاء الجوقة، خلال فترة التّحضير للعمل الّتي تستغرق شهرًا من الزّمن"[4].
هذا النّوع من التّسيير المحكم، من لدن الدّولة، محاولة لاحتواء المسرح ليكون في صالحها وتحت سيطرتها، خاصّة أنّ رجال السّياسة غالبًا "ما كانوا... يموّلون هذه المؤسّسة لينالوا شعبيّة لدى المواطنين"[5]، وكان اختيار الجوقة يخضع لمعايير اجتماعيّة، فهم - غالبًا - من المواطنين والفتيان والفتيات العاديّين، وكان لهذا الأمر أهميّة خاصّة، لأنّ أعضاء الجوقة يشكّلون في المسابقات التّراجيديّة ما يشبه لجنة التّحكيم الجماعيّة، الّتي تحدّد قبول الشّاعر التّراجيديّ في المسابقات أو عدمه[6]، وهذا كلّه شكل من أشكال الدّيمقراطيّة في القرار، الّتي كانت تتبعه الدّولة اليونانيّة في إطار المؤسّسة المسرحيّة، بينما الشّعب - وهو في صورة جوقة من الفتيان والفتيات - كان يتطلّع بشغف كبير إلى الاشتراك في الجوقات، الّتي تؤدّي الأغاني والرّقصات الجماعيّة في الاحتفالات الكبيرة بالمدينة، فقد "كانوا يرون في اختيارهم للاشتراك في هذه الجوقات شرفًا عظيمًا، ويشعرون بخيبة أمل وإحباط لو لم يحظوا به، بينما يتفاخرون على أقرانهم به طولَ العمر إذا نالوه"[7].
كانت الجوقة ذات شأن عظيم، لأنّها أصل التّراجيديا، أوّلًا، وثانيًا؛ لأنّ المشاركة فيها تحتلّ مكانة عظيمة لدى الشّعب، ولدى المنظّم– الدّولة - الّذي كان يقدّم كلّ اللّوازم الّتي من شأنها أن تجعل المشاركين في أحسن مستوى، لكن ماذا عن المكان الّذي كانت تشغله الجوقة على خشبة المسرح؟
إنّ نشأة المسرح اليونانيّ قائمة على ثنائيّة: ممثّل/ جوقة، ويمكن أن نعزّز هذا الرّأي بالدّليل، المتعلّق بالجهاز المشهديّ في المسرح الإغريقيّ، إنّه جهاز مزدوج بازدواجيّة الحقل الدّراميّ، وتتجلّى ازدواجيّته في بنيته الهندسيّة الثّنائيّة، المؤلّفة من مكونين معماريّين، يفصلان بين الممثّلين والمغنيّين والرّاقصين، ويمكن تحديدهما كالآتي:
● الأوركسترا: هو المكان المخصّص للجوقة؛ حيث يكون التّمثيل، والرّقص، والتّعبير الجسديّ، وهو المكان الّذي تقف فيه أثناء الحوار والإنشاد؛ فهي "عبارة عن حلبة دائريّة من تربة مطروقة يبلغ قطرها عشرين مترًا"[8]، أو ستّين قدمًا"[9]، ويمثّل مركز هذه الحلبة مذبح الإله ديونيزوس، وهو مذبح من حجر صغير يسمّى (Thymélé)[10]، وهو المكان الّذي يستقرّ فيه عازف النّاي، وتلتقي فيه أشعة محيط دائرة المدرّجات المفتوحة بـ 240 درجة[11].
- البروسكنيون: هو المكان المخصّص للتّمثيل، يظهر على شكل مستطيل مسطّح، يبلغ طوله خمسين مترًا وعرضه ثلاثة أمتار، لكنّه يرتفع قليلًا عن الأوركسترا، وهو ما يمكن تسميّته في المسرح الحديث بالخشبة[12]، على أنّ هذه الخشبة في المسرح الإغريقيّ، كانت وراء الأوركسترا المنحدرة عنها بقليل، إلى جانب ذلك، هناك بناية أخرى تتّصل بالبرسكنيون، تسمّى السّكيني §(Skéné)، وهي بناية المناظر، وحجرات ملابس الممثّلين، بمعنى أنّها كواليس، ولكن يمكن أن تكون مكان مشهديًّا استثنائيًّا للرّصد أو الظّهور.
لكن ماذا عن التّواصل ما بين هذين المكونين؟ بمعنى ما حقيقية التّواصل الّذي تحقّقه الجوقة مع البرسكنيون؟
على الرّغم من غياب الوثائق المعماريّة تشير إلى حقيقة هذا التّواصل، فإنّ النّصوص الدّراميّة تثبت هذه الحقيقة، باعتبار أنّ الجوقة - أحيانًا - تلتحق بالممثّل الرّئيسيّ على "السّكيني" لتخرج معه، وعلى عكس ذلك؛ قد يحدث أن يخرج الممثّلون، أو يدخلوا من خلال البرادوس (Parodos)، وهو ممرّ واسع بين التّياترون والبروسكنيّون، تدخل أو تخرج منه الجوقة وقسم من الجمهور[13].
فالجوقة - بالطّبع - تلازم الخشبة من بداية الحدث وحتّى نهايته، فتكون بذلك شاهدة على كلّ ما يحصل، ولمّا كان هذا الأمر يجعل المسرح الإغريقيّ مستقرًّا على شكل هندسيّ واحد، يتّخذ هذه الثّنائيّة - مكان الممثّل ومكان الجوقة - كان على المؤلّفين أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه الثّنائيّة، بمعنى آخر؛ كانت البنية المعماريّة والهندسيّة للمسرح الإغريقيّ توجّه التّأليف المسرحيّ بقوّة، لذا؛ كان من الضروريّ الحرص على تعاقب أداء الجوقة، وأداء الممثّلين، فحضورها أو غيابها، وصمتها، أو تدخّلها؛ هو الّذي يجزّئ الحدث إلى عدد من المقاطع، لتعطينا هذا التّقطيع*:
تلج الجوقة - حسب هذا التّقطيع - إلى الأوركسترا مباشرة، بعد انتهاء البرولوج، و"تردّد أغنية الدّخول الّتي تحاكي إيقاع مشيها"[14]، وكما قلنا سابقًا: فإنّها لا تبرح مكانها إلّا في نهاية المسرحيّة، وتغنّي الجوقة أيضًا - كما هو مبيّن في التّقطيع - ما بين الفصول؛ أي في لحظة خروج الممثّل، وفي اللّحظة الّتي تنتظر فيها عودته.
يحيلنا هذا التّقطيع إلى كيفيّة أو حقيقة التّواصل بين الجوقة والجهاز المشهديّ والممثّلين؛ بل الأكثر من ذلك، أنّها ساهمت في تقسيم التّراجيديا في حدّ ذاتها، وهذا ما نشاهده إذا نحن تتبّعنا خطوات كتاب التّراجيديا، فجميعهم حرصوا على أن تكون الجوقة وأغانيها جزءًا من مسرحيّاتهم، وهذا دليل آخر على ثنائيّة المسرح الإغريقيّ، وعلى أصل التّراجيديا، فالتّقسيمات الّتي ذكرها أرسطو في كتابه "فن الشّعر"، لأجزاء التّراجيديا، تبيّن ذلك، وتشير إلى أنّ الجوقة هي لبّ التّراجيديا وأساسها، وأنّ المسرحيّة تقسّم حسب دخولها وخروجها وأغانيها، يقول أرسطو عن التّراجيديا "إذا نظرنا في بنائها والأقسام الّتي تنقسم إليها، لوجدنا الآتي: المدخل، والدّخيلة، والمخرج، ونشيد الجوقة"[15]، فالمدخل هو البرولوج (Prologue) المذكور سلفًا، وهو "قسم تامّ من أقسام المأساة، يسبق دخول الجوقة"3، بمعنى أنّه استهلال يحكي أحداثًا سابقة تمهد لدخول الجوقة، ونجد هذا - بالخصوص - عند يوريبيدس*، فتكون؛ إمّا على شكل "مونولوج"، أو على شكل حوار "ديالوج"§، على عكس ذلك؛ إذا رجعنا إلى إسخيلوس§ فنجده يتجنّبها؛ حيث يبدأ مباشرة بدخول الجوقة إلى الأوركسترا؛ أي بالدّخيلة، وهي "قسم تامّ في المأساة يقع بين نشيدين تامين من أناشيد الجوقة"[16]، ويسمّى - أيضًا - الدّخول (Parodos)§، وكما قلنا سابقًا؛ فإنّها تردّد أناشيد مكتوبة حسب إيقاع المشي، بعد ذلك، يأتي التّناوب بين الممثلين والجوقة، فالتّراجيديا الإغريقيّة "لا تقوم على مشاهد وفصول؛ بل تتكوّن من حلقات أو أقسام تفصلها مقاطع غنائيّة تنشدها الجوقة"1، بالتّالي؛ فالقسم الّذي يلي الدّخول هو (Episidon)؛ أي الحلقات والأقسام الّتي تفصلها أغاني وأناشيد الجوقة، وعلى ذكر هذه الأخيرة؛ فإنّ أرسطو يذكر من بينها المجاز، وهو "نشيد تنشده الجوقة"[17]، بمعنى أنّه نشيد أو أغنية الدّخول (Parodos)؛ حيث تنشدها وهي تعبر إلى الخشبة، أمّا النّوع الثّاني فهو المقام، وهو الأغنية الّتي تنشدها الجوقة وهي في مكانها؛ أي في الأوركسترا، وكانت تعبّر - غالبًا - عن الأثر الّذي أحدثته الدّخيلة السّابقة[18]، بمعنى؛ أنّ (المجاز) قد يكون مصاحبًا للرّقص والتّعبير الجسدي، لا سيّما أنّ الجوقة تدخل الأوركسترا، أو التّوجه إليها حسب إيقاع المشي ليلائم الإنشاد حركة أفراد الجوقة، أمّا (المقام)؛ فهو الأغنية الّتي تنشدها الجوقة بين الأقسام والحلقات، ولا يكون فيها الرّقص، وهذا ما يفسّره محمّد حمدي إبراهيم حين سمّى (المجاز) أغنية المدخل (dosorap ureohc)، و(المقام) بالفاصل الإنشاديّ (Chorou statihom)§§، يرجع هذا الاختلاف في التّسميات - ربّما - إلى المصدر المعتمد عليه؛ أي فنّ الشّعر، الّذي اتّخذ عدّة ترجمات، إلى جانب ذلك، فالأغاني الّتي تنشدها الجوقة ما بين الأقسام والحلقات؛ أي الفاصل الإنشاديّ، تكون مقسّمة إلى نصفين: نصف الجوقة يردّد مقطوعات قرار (Stephes)، والنّصف الآخر: مقطوعات جواب (Antistrophes)[19]، وتكوّن هذه الأغاني انفعالات وأحاسيس، تنغمس فيها الجوقة حسب الجوّ التّراجيديّ الّذي تطرحه المسرحية، ليضيف أرسطو نوعًا ثالثًا من الأغاني إلى جانب المجاز والمقام، هو: المناحة الّتي هي "مرثيّة أو شكوى تصدر عن الجوقة والمسرح معًا"[20]، بمعنى؛ أنّ كلًّا من الجوقة والممثّلين يدخلون في هذه الشّكوى، وهو ما نظنّ من قوله؛ أي أنّ الممثلين في هذه الأغنية يشاركون أيضًا، وإذا لم يكن ذلك، فلماذا قال: الجوقة والمسرح معًا؟ هذا ما نظنّه بالفعل، والدّليل: يوجد عند أرسطو - في هذا القول المذكور - وفي تحدّثه عن أنواع الأغاني الّتي تؤدّيها الجوقة، بينما هناك من لا يفصل أو لا يفسّر "المناحة"، بمعنى؛ أنّه لا يعطينا جوابًا مقنعًا عن سؤالنا، ويكتفي بأنّ الجوقة والشّخصيّات - كليهما - تنغرسان في نفس الانفعالات والأحاسيس التّراجيديّة، وهذه الوحدة أو التّلاحم؛ هي ما يسمّيه أرسطو (المناحة (Kommos[21]، بمعنى؛ أنّه لا يجعلها أغنية، كما وجدنا ذلك في ترجمة عبد الرّحمن بدوي لفنّ الشّعر، هذا الأخير، يضمّ (المناحة) النّوع الثّالث من أغاني الجوقة، أمّا الباحث عبد الواحد بن ياسر فلا يوردها في كتابه، عندما يقول في هامش الصّفحة 66: "تتألّف التّراجيديا– حسب أرسطو - من حيث البناء من الاستهلال والدّخيلة والمخرج، وأغاني الجوقة، وتنقسم إلى مجاز ومقام"[22].
ونحن هنا نحاول - فقط - التّفسير والفهم، لو كان بأيدينا التّرجمات الأخرى المعتمدة لفنّ الشّعر، لإعطاء رأينا في هذه المسألة.
ورجوعًا إلى ما سبق؛ فإنّ كلًّا من أستروفة (Sptrophe)، وأنتيسترفة (Antistrophe)، وأبودوس (Epodos)، الّتي تعدّ أجزاء رئيسة في بنية الأغنية الجماعيّة لدى الإغريق، منذ أن انضمّ الرّقص والشّعر إلى بعضهما؛ حيث كان الشّعر قبل هذا الاندماج ينظم في "أستروفات"، أو مقطوعات، ففي كلّ أغنية كانت الأستروفة، أو المقطوعة من النّاحية العروضيّة تتكوّن من جزأين مختلفين، هذا منظوم بأسلوب، وذلك بأسلوب آخر، ثمّ تأتي الأستروفة الثّانية (أو المقطوعة الثّانية)، وهي بدورها مكوّنة من جزأين (الثّالث والرّابع)، فالثّالث يماثل الجزء الأوّل في الأستروفة الأوّلى، والرّابع يماثل الثّاني بها، وهكذا، ولمّا شعر الإغريق أنّ هذا الشّكل العروضيّ للأغاني الجماعيّة، يحتاج إلى بعض التّعديل اتّبعوا البنية الثّلاثيّة؛ أي أنّ الأغنية أصبحت تتكوّن من الأجزاء الثّلاثة، الّتي ذكرناها؛ فالأولى؛ تعني دورة، والثّانية؛ دورة مضادّة، والثّالثة؛ ما بعد الأغنية[23]، وصارت هذه البنية الثّلاثيّة - كما شاهدنا - هي الوحدة المتكرّرة في الأغاني الجماعيّة، وفي أغاني الجوقات في المسرحيّات الإغريقيّة، بدلًا من الأستروفات أو المقطوعات الصّغيرة في الشّكل العروضيّ الأقدم، لتتطور في فنّ الغنّاء الجماعيّ ابتداءً من أناشيد الدّيثرامب، ورسوخًا في التّراجيديا، كما تعدّ "هذه البنية الأستروفيّة الثّلاثيّة من اختراع وابتداع ستسخيروس"[24]، وهو أحد الشّعراء الّذين برزوا كآريون وآخرون.
يبقى لنا - بعد هذا التّفصيل - آخر جزء من أقسام التّراجيديا، وهو العنصر الأخير فيها، ألا وهو: المخرج؛ وهو "قسم تامّ من المأساة لا تعقبه أناشيد الجوقة"[25]، بمعنى؛ أنّها نهاية مهام الجوقة، ومرحلة خروجها§(Exodos)، تحلّ العقدة في هذا الجزء، كما هو معهود في المسرحيّات الإغريقيّة، لتخرج الجوقة معلنة انتهاء العرض المسرحيّ، وكأنّها تقوم بدور السّتار في المسرح الحديث عند نهاية العرض.
هذه هي - إذن - أقسام المأساة، الّتي تعتمد في بنيتها - بشكل كبير - على الجوقة وأغانيها ورقصاتها؛ حيث يبني المؤلّفون مسرحيّاتهم على أساسها، آخذين بعين الاعتبار مكانها في المسرح، وقوّتها في الغناء والتّعبير والرّقص، وإلى جانب ذلك؛ فالأغنية جزء من أجزاء التّراجيديا، ولا تحدَّد حسب الجوقة، فقد جعلها أرسطو جزءًا من أجزائها السّتّة، ووسيلة من وسائل المحاكاة إلى جانب اللغة[26]، وهذه الأناشيد الجوقويّة "تكون مصحوبة عادة بموسيقى النّاي، وبالرّقص والإيقاع السّريع في بعض أجزائها"[27]، بالتّالي؛ فقد كانت الموسيقى - أو بالأحرى الجوقة - عنصرًا بارزًا في العرض المسرحيّ الإغريقيّ، تراجيديًّا كان أو كوميديًّا، وهذا ما سنكتشفه في المراحل الآتية طبعًا.
يبقى الأمر المفقود؛ أنّنا لا نستطيع أن نحدّد شكل الملابس الّتي كانت ترتديها الجوقة المكوّنة من (خمسة عشر فردًا)§، فهل كانت الجوقة ترتدي جلود الماعز، كما هو النّسب في اسم التّراجيديا؟ أم كان لها لباس خاص مع ظهور المسرحيّات التّراجيديّة في إطار مسابقات متطوّرة؟ هذا ما لم نستطع تحديده، حتّى على مستوى الأقنعة؛ فإنّنا لا نجد جوابًا خالصًا، فعبد الواحد بن ياسر؛ يذهب إلى أنّ أقنعتها تتحدّد حسب طبيعة الشّخصيّات وحركات الممثّلين[28]، والمعجم المسرحيّ يقول: إنّها لا تضع أقنعة، بدعوى أنّ الأقنعة من اختصاص الممثّل الّذي ينتمي إلى زمن الماضي، أمّا الجوقة - ضمن الحدث الدّراميّ - فتمثّل مجموعة المواطنين من حاضر المدينة، وتطرح رأيهم فيما يقدّم ضمن المسرحيّة، لذلك؛ لم تكن تضع قناعًا[29]، إذن، هناك اختلاف في الرّوايات، وصاحب الدّليل الأقرب إلى الصّواب.
إنّ ثنائيّة المسرح الإغريقيّ القائمة على الممثّل والجوقة، وكذا، على الفصل بين مكان الأداء التّمثيليّ والأداء الكوريغرافي، ثنائيّة، يتحقّق من خلالها تكامل الفرجة، فتمتزج كلّ أشكال الأداء: الغناء، والرّقص، والموسيقى، والتّمثيل، والخطاب، ليتحقّق مفهوم العرض المتكامل الّذي يمتّع بصر المتفرّج وسمعه على حدّ سواء.
الآن: ماذا عن دور الجوقة في التراجيديا؟
للجوقة - كما ذكرنا سابقًا - دور كبير في تقسيم العرض إلى وحدات فنيّة خاصّة ومترابطة؛ فهي تدخل عند انتهاء المقدمة، كذلك وقفاتها، وغناؤها، علاقاتها النّفسيّة والحواريّة، مع رئيسها ومع الممثّل، ثمّ خروجها، كلّ هذه الحالات جعلت من تلك التّقنيّة تقسيمًا دقيقًا، وإذا كان وجودها ساعد على ذلك، فإنّه أدّى - أيضًا - أدوارًا مهمّة أخرى على مستوى العرض التّراجيديّ؛ فهي دائمًا مشاركة وبارزة، وتستخدم وسائل معيّنة: كالحوار، والغناء، هذه الوسائل ترتبط بالحدث الّذي تشاهده، لتصبح جزءًا عضويًّا منه، "تسأل، وأحيانًا تجيب، تسأل رئيسها، تسأل هذا الشّخص أو ذاك، ملكًا كان أو عرّافًا، أو غير ذلك، مهما كانت تشاركهم ذلك الحدث"[30]، وهذا ما يطبع مميّزاتها في التّراجيديّات اليونانيّة، فعضويّتها تتجلّى في تغيير مهامها، فهي ترتبط بالحدث، وتغني العرض، تغنيه بما ترويه، فينتقل المشاهد إلى الماضي، بعد ذلك تقوم بـ"توضيح الأحداث والتّعليق عليها، وكذلك التّخفيف من حدّة التّوتر الّذي يشعر به المشاهدون، جرّاء تتابع المواقف التّراجيديّة العنيفة"[31]، جاعلة المشاهد - بذلك - يحيى لحظة العرض الرّاهنة، لتعطيه لحظات من الإثارة الهادئة، بعد أن توضّح له - بتعليقاتها - ما يدور من أحداث، ورغم أنّها تعبّر عن آراء كتّاب كبار، فإنّ ذلك كان يحدث بطريقة طبيعيّة "دون افتعال أو سفسطة أو تفلسف ظاهر، بحيث تكون أناشيد الجوقة مكمّلة للمشاهد التّمثيليّة، ومرتبطة ارتباطًا طبيعيًّا بما جاء فيها"[32]؛ فدورها هو الرّبط بين المشاهد، مراعية - كما قلنا - جانب التّوتر الّذي يقع فيه المتفرّج، وكانت - بذلك - تخفّف عنه، "فعقب كلّ مشهد تراجيديّ، تستوعب خوف المتفرّج النّاشئ من متابعته الأحداث العنيفة، ثمّ تهيّئه لخوف جديد"[33]، فهي بذلك تخفّف من آلامه، حتّى لا يكون وقع الفاجعة قاسيّا في نفسه، وحتّى موسيقى وأغاني الجوقة تعطي نوعًا من التّطهير، فيكون هذا الأخير؛ "نتيجة أثر الموسيقى المرح القادر على إبطال أثر الانفعالات الحزينة والمؤلمة، وتعويضه بنقيضه"[34]، وهذا ليس لتخفيف الفاجعة على نفس المتلقّي فقط؛ بل ليستسيغ المعنى، ويفهم المغزى التّراجيديّ بعناية، كي لا يتيه في خضمّ انفعالات العرض المتلاحقة، تعدّ الجوقة وأناشيدها - كذلك - ملطِّفًا ومهدِّئًا لبصر المشاهد، فبالموسيقى لا نشعر بالملل ونحن نعمل أو نشاهد مثلًا.
تلعب الجوقة - أيضًا - دور الممثّل في المسرحيّات الإغريقيّة، لكن ليس الممثّل الكامل الأوصاف؛ بل نعدّها ممثّلًا مفترضًا أو مساعدًا، مادامت تشترك في الحوار تمامًا مثل أيّ ممثّل آخر، إضافة إلى أنّ حديثها وإنشادها جزء من موضوع المسرحيّة، لكن ما يعيق قولنا - نوعًا ما - هو أنّها "لا تشترك في الصّراع الدّائر بين الشّخصيّات على خشبة المسرح (حيث صنع الفعل)؛ بل تلزم الحياد التّامّ، وتبقى في مكانها على الأوركسترا (حيث مراقبة الفعل)"[35]؛ فهي تعلّق فقط على ما يحصل، وتدع الصّراع للبطل، لتأخذ دور التّأوه عليه، "دون التّدخّل فعليًّا في مجريات الحدث، ودون اتّخاذ القرارات"[36]، هذا الأمر طبيعي، لأنّها لن تتدخّل، ولن تغيّر شيئًا، نظرًا إلى طبيعة دورها، وليس قصورًا منها، فهي تعلّق على ما يحدث أمامها كونها شاهدًا على ما يحدث، لتعطي وجهة نظرها فقط، ولا تغيّر شيئًا، فالصّراع مرتبط بالبطل، والتّراجيديا صراع يخضع لحتميّة القدر، وبذلك؛ فالجوقة لا تملك الغيب لتفصح عنه، ولا تستطيع التّحذير منه، وهذا ليس قصورًا منها - كما قلنا - وعلى عكس ما (يعيب عليها من المحدّثين والمعاصرين، فهم يرونها في موقف متخاذل؛ لأنّها تكتفي بذرف الدّموع على البطل في محنته، دون أن تفعل من أجله أمرًا؛ بل تعرف - أحيانًا - ما سيقع له، لكنّها لا تستطيع)§، لكنّنا نعدّ هذا الانتقاد غير مقنع، فتدخّلها - في اعتقادنا - مفسد للأمر؛ بل ومفسد للتراجيديا - أيضًا - كمأساة يونانيّة.
حين تختلّ القواعد والأركان، ولا يكون للقدر أو للخطأ التّراجيديّ معنى، لن يكون هناك تطهير، فمسار التّراجيديا يقتضي ألّا تتدخّل الجوقة، فهي تريد من ذلك إيصال عبرة ما، وفهم مغزى ما - أخلاقيّ كان أو فكريّ، أو سياسيّ، أو دينيّ، لهذا، نجد الجوقة تأخذ دور المعبّر عن الرّأي العامّ، بمعنى؛ أنّها "تمدح الأفعال الطيّبة، وتذمّ الأفعال الشّريرة، تثني على الأخيار، وتستقبح فعل الأشرار، تتعاطف مع البطل في محنته، لكنّها لا تتوانى في نقده حينما يحيد عن الحقّ"[37]، هذا يعطيها سمة الرّزانة في الرّأي والتّعقل، وعدم الاندفاع والتّهوّر مثل البطل، فبتواضعها تظهر غطرسته، وبقناعتها يظهر طموحه، وكما يقول ج. مايكل والتون: "الجوقة وظّفت لإعطاء بعد مرئيّ للممثّل"[38].
هكذا تعرّفنا على كيفيّة اشتغال الجوقة التّراجيديّة، وعلى شكلها في المسرح، وكيف كانت تؤدّي أغانيها ورقصاتها وأدوارها إلى غير ذلك، إلّا أنّها بمسارها لم تكن واحدة بعد أسخيلوس وسوفوكل؛ بل وبعد يوريبيدس حتّى.
الجوقة في الكوميديا:
تشترك الكوميديا مع التّراجيديا في جملة من السّمات، من بينها: الأقنعة، والرّقص، والنّشيد، ووجود الجوقة، لكنّهما يختلفان في الخطّة الخاصّة بهما، وفي الرّوح والاتّجاه، فقد ارتبطت نشأة الكوميديا بطقوس جوقة الأناشيد القضيبيّة (نسبة إلى العضو الذّكريّ رمز الخصوبة الذّكوريّة)[39]، ويظهر لنا - من هنا - أنّ الكوميديا ارتكزت أيضًا على الجوقة، وبنيت عليها - كما هو الحال بالنّسبة إلى التراجيديا - لكنّ العمليّة تختلف بحيث أنّ جوقة الكوميديا أربعة وعشرون - وربّما كانت أكثر من ذلك - إلى أن "انتظم الكورس، وأصبح يتكوّن من أربعة وعشرين عضوًا"[40]، وينقسم أفراد الجوقة إلى نصفين: "نصفهم من الرّجال، ونصفهم من النّساء"[41]، الرّجال هنا - طبعًا - يؤدّون أدوار النّساء، سواء في التّراجيديا أو في الكوميديا، أمّا أزياؤها وأقنعتها؛ فغالبًا ما تكون مثيرة للسّخرية والهزل حسب الأحداث والمواقف، فقد "كانوا يلبسون ملابس تظهرهم - أحيانًا - في صورة غير آدميّة؛ كطيور أو ضفادع أو زنابير أو سحب"[42]، وربّما تكون الأزياء الّتي تتّخذها، استمرارًا لما كان يلبسه المتنكّرون - من ملابس وأقنعة حيوانيّة - في مواكب الإله ديونيزوس في الحضارة اليونانيّة.
فالمؤلّف الكوميديّ - مثل التّرجيديا - لا يكتب كوميديّته أو يعرضها، دون الاعتماد على الجوقة؛ فهي جزء مهمّ في بنية الكوميديا، الّتي تتكوّن من ستّة أجزاء، تلعب فيها الجوقة دورًا مهمًّا؛ أوّل جزء: هو البرولوج (Prolog)؛ أي المقدّمة، حيث يُمهَّد فيها للأحداث المسرحيّة، وكذلك لما يدور فيها من مواقف، وهو "الجزء الّذي يسبق دخول الجوقة، ويعرض فكرة وموضوع المسرحيّة"[43].
أمّا الجزء الثّاني فيسمّى (البارادوس parados)[44]، أو أغنية الجوقة (chatikon)[45]؛ حيث تظهر هذه الأخيرة، لتغنّي أغنيتها "أثناء دخولها الأوركسترا"[46]، وهو المكان الدّائريّ المخصّص لها على المسرح، وكما لاحظنا سابقًا؛ فهي تؤدّي فيه الأغاني الأخرى، شأنها شأن الجوقة التّراجيديّة، ولا تتركه حتّى نهاية المسرحيّة.
يأتي بعد ذلك الجزء الثّالث المسمَّى بــ (الأجون (ogon؛ أي (المساجلة)[47]، هو: مناقشة جدليّة، أو مباراة كلاميّة، أو مناظرة بين فردين، "وفيه تتمّ مشادّة كلاميّة بين شخصين من شخصيّات المسرحيّة، تضمر كلّ منهما للأخرى عداء أو خصومة شديدة"[48]، وهذه المشادّات أو الاشتباك الكلاميّ - بالطّبع - يكون في صبغة مضحكة.
بعد هذا المشهد الجدليّ، يأتي الجزء المسمَّى: البراباسيس [49]، أو (parabossis)[50]، أو (parobos)، تتقدّم الجوقة فيه إلى الأمام، أو تأخذ جانبًا لتخاطب الجمهور مباشرة باسم الشّاعر[51]، ويسمّى هذا المقطع - أيضًا - خطاب الجوقة أو (خطبة المؤلِّف)[52]؛ فبعد المساجلة، تؤدّي الجوقة رقصة تخلع فيها ثياب التّمثيل والأقنعة، ثمّ يتقدّم رئيس الجوقة في مواجهة الجمهور، مخاطبًا إيّاه بخطاب شعريّ مطوَّل[53]، ثمّ تأتي أغاني الجوقة، الّتي تشمل ستّة أجزاء:
فالجزء الأوّل من الباراباسيس، يفتتح بمقطوعة تتكوّن من أبيات قصيرة، غالبًا ما تكون من البحر (الأنابيستي)[54]؛ أي التّفعيل الأنابيستيّ السّريع Anapaistos[55].
أمّا الجزء الثّاني؛ فهو جملة طويلة، كان من المحتّم أن تلقى في نفس (paigos) واحد[56]، وتتكوّن هذه الجملة من مجموعة أشعار قصيرة من بحر اللّانابيست[57]، ثمّ تأتي ثالثًا: أنشودة تؤدّيها الجوقة تسمّى (odé)، تبتهل فيها الجوقة إلى الآلهة[58]، وتكون - عادةً - ذات مضمون متنوّع جدًّا[59]، يتلو ذلك جزءًا رابعًا يسمَّى الإيبيريمار (Epperrheme)[60]؛ وهو خطاب يوجّهه قائد أحد شطرَي الجوقة إلى المشاهدين، وهو شبيه بخطاب رئيس الجوقة، ومكتوب بالبحر التّروخائيّ الرّباعيّ التّفعيلة[61]، ويكون هذا الخطاب مقطوعة هجائيّة، تعبّر عن الأحوال السّائدة وقت عرض المسرحيّة[62]، وتأتي بعد ذلك؛ الأغنية الثّانية للجوقة، تسمَّى (أنتودا ontodé)؛ هي أنشودة مضادّة للأنشودة الأولى، ثمّ تأتي في الجزء السّادس والأخير من خطاب الجوقة (parabasis)، مقطوعة هجائيّة مضادّة (Anntepirehema) للمقطوعة الأولى[63].
هذه هي الأجزاء السّتّة لخطاب الجوقة وأغنيتها، أمّا مضامينها؛ فلا صلة لها بموضوع الملهاة، ولا تربط بين أحداث المسرحيّة - كما هو الشّأن بالنّسبة إلى التّراجيديا؛ بل تفصل بينها.
بعد البراباسيس؛ يأتي جزء خامس يدخل - هو الآخر - في تقسيم بنية الكوميديا، ويمكن أن نسمِّيه: الفصول أو المشهد التّمثيليّ (Epeisodia)، وهي "المشاهد الحواريّة الّتي تفصل كلّ منها عن الآخر أغاني الجوقة، الّتي تؤدَّى في الأوركسترا"[64].
ليأتي جزء آخر - بعد ذلك - هو مشهد الخروج، أو الجزء الختاميّ المسمَّى (الأكزودوس (Exodos، ويتألّف من النّشيد الأخير الّذي يعقبه انسحاب الجوقة، وتصاحبه عربدة صاخبة، ويرتبط مشهد الخروج؛ أي خروج الجوقة والممثّلين، بمشهد الجدل؛ أي الأغون (Agon) ارتباطًا عضويًّا - عادةً - وفي مشهد الخروج يحتفل المنتصر بانتصاره على خصومه المقهورين[65]، لتنتهي مسيرة البطل بوليمة أو حفل زواج بهيج، أو حفل شراب وسمر، ولكن تلك لم تكن القاعدة دائمًا، وتنتهي - أيضًا - برقصة صاخبة تسمّى رقصة (السّكارى Korolox)[66].
إذن فالجوقة - كما لاحظنا - تلعب دورًا أساسيًّا في تركيبة الكوميديا، سواء في دخولها أو في أغانيها، وحتّى في خروجها، ماذا عن الأدوار الّتي تؤدّيها الجوقة في المسرحيّة الكوميديّة؟
يختلف دور الجوقة في الكوميديا عنه في التّراجيديا؛ فالجوقة في الكوميديا أكثر تنوّعًا في دورها، وأكثر جرأة في موقفها، ولم يكن الأمر مقتصرًا على غنائها لأحد الأناشيد، لأنّها "أكثر فاعليّة من مثيلتها في التراجيديا، وهي لا تكتف بالغناء والرّقص؛ بل تتعدّى ذلك إلى التّمثيل، مساهمة إسهامًا فعّالًا في حركة المسرحيّة"[67]، لذلك؛ كانت حركة أفرادها تكثر وتتنوّع، وكانت الجوقة التراجيديّة تهدّئ الأمور وتصلح الجوّ المنفعل، وتهدّئ من روع الشّخصيّات، وتصلح ذات البين بينها، وتحاول كبح جماح غضبها، بينما الجوقة الكوميديّة كانت عكس ذلك؛ حيث "كانت في الكوميديا تثير الشّخصيّات، وتحمّس بعضها ضد البعض الآخر"[68]، إضافة إلى ذلك؛ كانت تنحاز إلى صفّ المنتصر - أيًّا كانت صفاته - ضدّ المهزوم، أيًّا كان موقفه السّابق[69]، عكس التراجيديا؛ حيث تتعاطف الجوقة مع من حلّ عليه العقاب، ولا تبدي شفقة نحو المتغطرس، فالجوقة التراجيديّة - كما شاهدنا في محور سابق - تتميّز بالاتّزان والرّزانة والهدوء، في قولها وحركتها، لكنّها في الكوميديا "أوفر نشاطًا، وأكثر فاعليّة؛ فهي لا تكفّ عن الغناء والرّقص طول المسرحيّة، وكانت تتحدّث مباشرة إلى الجمهور، لتعرض عليه عدّة أمور عامّة، وتضع له خصائص المسرحيّة"[70]، إلى جانب هذا؛ تؤدّي الجوقة عددًا من الأغاني، وهي واقفة في مكان محدّد، بينما تؤدّي عددًا آخر منها وهي تتحرّك، كما أنّها تؤدّي بعض الرّقصات في عدة حالات، وأكثر أشكال الرّقص شيوعًا في الكوميديا، نوع يسمَّى (كورداكس)؛ وهو يصاحب عادًة بحركات جسد نشطة جدًّا، وبرفع السّيقان إلى الأعلى، ونوع آخر يدعى "موتون"، وكلاهما من أصل دوريانيّ[71].
تختلف الجوقة الكوميديّة عن نظيرتها التراجيديّة في الصّفات؛ حيث إنّ هذه الأخيرة أكثر وقارًا واتّزانًا عن الأولى؛ الّتي تتميّز بالحركة والتّنوع في الأفعال والحركات الماجنة، أو في ملابسها وأقنعتها أيضًا، وتختلفان - أيضًا - في طريقة الأداء والتّدخل في أحداث المسرحيّة، لكنّهما تتشابهان في نقطة مهمّة؛ هي أنّ كلًّا منهما ركيزة أساسيّة في بنية المسرحيّة الكوميديّة والتراجيديّة اليونانيّتين.
لائحة المصادر والمراجع
- نيتشه، مولد التّراجيديا، ترجمة: شاهر حسن عبيد، دار الحوار للنّشر والتّوزيع، سورية، ط 1، 2008م.
- عبد الواحد بن ياسر، حياة التّراجيديا في فلسفة الجنس التّراجيديّ وشعريّته، المطبعة الوراقة الوطنيّة، ط 1، 2006م.
- سعيد كفايتي وآخرون، إعداد وترجمة: المكان المسرحيّ، تحوّلات معماريّة وسينوغرافيّة (من العصر اليونانيّ إلى القرن العشرين).
- أرسطو، فنّ الشّعر، ترجمة: عبد الرّحمن بدوي، مكتبة النّهضة المصريّة، د. ت.
- أحمد عثمان، الشّعر الإغريقيّ، عالم المعرفة، الكويت، 1984.
- حنان قصّاب وماري إلياس، معجم المصطلحات المسرحيّة، ﻤﻜﺘﺒﺔ ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﻁ 1، 1997م.
- الجوقة الإغريقيّة، لماذا؟ كريا كرياج، مقال مجلة الموقف الأدبيّ.
- ج.مايكل والتون، نظرة جديدة إلى التراجيديا: المفهوم الإغريقيّ للمسرح، ترجمة: محسن مصيلحي، المجلس الأعلى للثّقافة، القاهرة، د. ط، 1998م.
- شلدون تشيني، تاريخ المسرح في ثلاث آلاف سنة، ترجمة: دريني خشبة، المؤسّسة العامّة للتّأليف والتّرجمة والطّباعة والنّشر، القاهرة، ج 1.
- محمد حمدي إبراهيم، دراسة في نظريّة الدّراما الإغريقيّة، دار الثّقافة للطّباعة والنّشر، القاهرة، 1977م.
[1] - نيتشه: مولد التراجيديا، تر: شاهر حسن عبيد، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية، ط.1، 2008، ص 178
[2] - عبد الواحد بن ياسر، حياة التراجيديا في فلسفة الجنس التراجيدي وشعريته، ط1، 2006، المطبعة الوراقة الوطنية، ص 46
[3] - عبد الواحد بن ياسر، حياة التّراجيديا في فلسفة الجنس التّراجيديّ وشعريّته، مرجع سابق، ص 56.
[4] - ماري إلياس وحنان قصاب، معجم المصطلحات المسرحيّة، مكتبة ﻟﺒﻨﺎﻥ، ﻁ 1، 1997م، ص 164.
[5] - نفسه، ص 164.
[6] - نفسه، ص.
[7] - أحمد عثمان، الشّعر الإغريقيّ، عالم المعرفة، الكويت، 1984م، ص 101.
[8] - سعيد كفايتي وآخرون، إعداد وترجمة: المكان المسرحيّ، تحوّلات معماريّة وسينوغرافيّة (من العصر اليونانيّ إلى القرن العشرين)، ص 18.
[9] - نفسه، ص 19.
[10] - نفسه، ص 57.
[11] - سعيد كفايتي وآخرون، إعداد وترجمة: المكان المسرحيّ، تحوّلات معماريّة وسينوغرافيّة (من العصر اليونانيّ إلى القرن العشرين)، مرجع سابق، ص 18.
[12] - نفسه، ص 18.
- انظر عبد الواحد بن ياسر، حياة التّراجيديا، ص 58. سعيد كفايتي وآخرون، إعداد وترجمة: المكان المسرحيّ، تحوّلات معماريّة وسينوغرافيّة (من العصر اليونانيّ إلى القرن العشرين)، ص 18.
[13] - سعيد كفايتي وآخرون، إعداد وترجمة: المكان المسرحيّ، تحوّلات معماريّة وسينوغرافيّة (من العصر اليونانيّ إلى القرن العشرين)، مرجع سابق، ص 19.
[14] - نفسه، ص 23.
[15] - أرسطو: فنّ الشّعر، ترجمة: عبد الرّحمن بدوي، مكتبة النّهضة المصريّة، د. ت، ص 33.
- انظر التّقطيع الّذي أورده في كتاب: سعيد كفايتي وآخرون، إعداد وترجمة كتاب: المكان المسرحيّ، تحوّلات معماريّة وسينوغرافيّة (من العصر اليونانيّ إلى القرن العشرين]، ص 19. وانظر النّصوص الدّراميّة (أفيجينا في أوليس) مثلًا.
- أعمال أسخيلوس.
[16] - أرسطو، فنّ الشّعر، ترجمة: عبد الرّحمن بدوي، ص 33، ق 12.
[17] - عبد الوحد بن ياسر، حياة التّراجيديا، مرجع سابق، ص 65.
[18] - أرسطو، فنّ الشّعر، ترجمة: عبد الرّحمن بدوي، ص 33. ق 12
- § انظر: حمدي محمّد إبراهيم، نظريّة الدّراما الإغريقيّة، القاهرة، دار الثّقافة للطّباعة والنّشر، 1977م، ص 36.
[19] - نفسه، ص 33.
[20] - أرسطو، فنّ الشّعر، ترجمة: عبد الرّحمن بدوي، ص 33. ق 12
[21] - عبد الواحد بن ياسر، حياة التّراجيديا في فلسفة الجنس التّراجيديّ وشعريّته، مرجع سابق، ص 66.
[22] - نفسه، ص 66.
[23] - أحمد عثمان، الشّعر الإغريقيّ، ص 144.
[24] - نفسه، ص 102.
[25] - أرسطو، فنّ الشّعر، ترجمة: عبد الرّحمن بدوي، ص 33. ق12
[26] - أرسطو، فنّ الشّعر، ترجمة: عبد الرّحمن بدوي، ص 20. ق 6.
[27] - محمّد حمدي إبراهيم، نظريّة الدّراما الإغريقيّة، ص: 34
[28] - عبد الواحد بن ياسر، حياة التّراجيديا في فلسفة الجنس التّراجيديّ وشعريّته، مرجع سابق، ص 56.
[29] - ماري إلياس وحنان قصّاب، معجم المصطلحات المسرحيّة، مرجع سابق، ص 164.
[30] - الجوقة الإغريقيّة، لماذا؟ كريا كرياج، مقال مجلة الموقف الأدبيّ، ص 2.
[31] - حمدي محمّد إبراهيم، نظريّة الدّراما الإغريقيّة، ص 68.
[32] - نفسه، ص 68
[33] - نفسه، ص 69.
[34] - عبد الواحد بن ياسر، حياة التّراجيديا في فلسفة الجنس التّراجيديّ وشعريّته، مرجع سابق، ص 84.
[35] - حمدي محمّد إبراهيم، نظريّة الدّراما الإغريقيّة، ص 69.
[36] - ماري إلياس وحنان قصّاب، معجم المصطلحات المسرحيّة، ص 164.
[37] - حمدي محمّد إبراهيم، نظريّة الدّراما الإغريقيّة، مرجع سابق، ص 71.
[38] - ج. مايكل والتون، نظرة جديدة إلى التّراجيديا: المفهوم الإغريقيّ للمسرح، ترجمة: محسن مصيلحي، المجلس الأعلى للثّقافة، القاهرة، د. ط، 1998م، ص 27.
[39] - حنان قصّاب وماري إلياس، معجم المصطلحات المسرحيّة، ص 376.
[40] - شلدون تشيني، تاريخ المسرح في ثلاثة آلاف سنة، ترجمة: دريني خشبة، المؤسّسة العامّة للتّأليف والتّرجمة والطّباعة والنّشر، القاهرة، ج 104.
[41] - حمدي محمّد إبراهيم، نظريّة الدّراما الإغريقيّة، ص 122.
[42] - نفسه، ص 122.
[43] - أحمد عثمان، الشّعر الإغريقيّ، ص 309.
[44] - انظر: المعجم المسرحيّ، ص 377، والشّعر الإغريقيّ، ص 301.
[45] انظر: نظريّة الدّراما الإغريقيّة، ص 103.
[46] - أحمد عثمان، الشّعر الإغريقيّ، ص 309.
[47] - انظر: المعجم المسرحيّ، ص 377.
[48] - محمّد حمدي إبراهيم، نظريّة الإغريقيّة، ص 103.
[49] - انظر: الشّعر الإغريقيّ، ص 309.
[50] - انظر: المعجم المسرحيّ، ص 378.
[51] - أحمد عثمان، الشّعر الإغريقيّ، ص 309.
[52] - انظر: المسرح في ثلاثة آلاف عام، ص 107.
[53] - جميل نصيف التّكريتي، قراءة وتأمّلات في المسرح الإغريقيّ، ص 230.
[54] - نفسه، ص 230.
[55] - محمد حمدي إبراهيم، نظريّة الدّراما، ص 104.
[56] - نفسه، ص 104.
[57] - جميل نصيف التّكريتي، قراءة وتأمّلات في المسرح الإغريقيّ، ص 231.
[58] - أحمد حمدي إبراهيم، نظريّة الدّراما الإغريقيّة، ص 104.
[59] - جميل ناصف التّكريتي، قراءة وتأمّلات في المسرح الإغريقيّ، ص 231.
[60] - انظر: نظريّة الدّراما الإغريقيّة، ص 104.
[61] - جميل ناصف التّكريتي، قراءة وتأمّلات في المسرح الإغريقيّ، ص 231.
[62] - أحمد حمدي إبراهيم، نظريّة الدّراما الإغريقيّة، ص 104.
[63] - نفسه، ص 104.
[64] - أحمد عثمان، الشّعر الإغريقيّ، ص 310.
[65] - جميل ناصف التّكريتي، قراءة وتأمّلات في المسرح الإغريقيّ، ص 231.
[66] - أحمد حمدي إبراهيم، نظريّة الدّراما الإغريقيّة، ص 106.
[67] - جميل ناصف التّكريتي، قراءة وتأمّلات في المسرح الإغريقيّ، ص 232.
[68] - أحمد حمدي إبراهيم، نظريّة الدّراما الإغريقيّة، ص 123.
[69] - نفسه، ص 123.
[70] - نفسه، ص 123.
[71] - جميل ناصف التّكريتي، قراءة وتأمّلات في المسرح الإغريقيّ، ص 232.