الحالات الرّاهنة وتراجع العلاقة

فئة :  ترجمات

الحالات الرّاهنة وتراجع العلاقة

الحالات الرّاهنة وتراجع العلاقة

حنّا صوفيا مورين

ترجمة حاتم الهادي السالمي

تشكّل هذه الأطروحات الثلاث التّالية مجتمعةً وجهة نظر كان اقترحها عددٌ قليل جدّاً من الميتافيزيقيّين المعاصرين (على رأسهم ديفيد أرمسترونغ): توجد كليّات وتوجد ركائز[1]. فالكليّات والركائز تستجيبان لما يسمّيه أرمسترونغ (1978: مجلد i) مبدأ التّفسير (PI) ومبدأ رفض الجزئيّات المجرّدة (PRB) الكليّ إنْ كان موجوداً يجب أنْ يكون ممثَّلاً في بعض الركائز.

(PRB) يجب على الرّكيزة -إنْ وُجدت- أنْ تجسّد بعض الكليّ.

عندما يتمّ تمثيل الكليّ في الرّكيزة (عندما تكون الركيزة مثالاً على الكليّ)، فإنّه توجد، بالإضافة إلى الكليّ والرّكيزة (على الرّغم من أنّه تمّ تشكيله بطريقة ما)، وضعيّات راهنة[2].

ولكن، إذا كان هناك كليّات وركائز، فإنّ بعضها يعتمد على بعض اعتماداً عامّاً بالطريقة المنصوص عليها من قِبل مبدأ التّفسير (PI) ومبدأ رفض الجزئيات المجرّدة (PRB)، فهل نحتاج إلى فرض الحالات الراهنة أيضاً؟ في هذا الفصل، أعتمد إجابة مؤثّرة عن هذا السّؤال وأنقدها[3].

1. مشكل الوَحدة:

وَفْقَ وجهة النظر، التي هي قيد البحث والتقصّي حاليّاً، إنّ أحد الأسباب (الذي من المرجّح جدّاً أنْ يكون الرئيس) لتفضيل الحالات الراهنة بالإضافة إلى ركائزها الأساسيّة وكليّاتها هو أنّ هناك حاجة إلى حالات راهنة من أجل حلّ مشكل فلسفيّ حقيقيّ: وهو مشكل الوَحدة. ولنتبيّنَ كيف يتمّ ذلك، لنفترضْ أنّ الحقائق المشروطة (على الأقل) تصنعها كيانات في العالم[4]، ولنفترضْ أنّ الحقائق المتمايزة، أيْ الحقائق ذات (على الأقلّ بشكل غير متماثل) القيم الحقيقيّة المستقلّة، يجب أنْ يكون لها صنّاع حقيقة مختلفون[5]. ولنتذكّرْ، وفقاً لوجهة النظر قيد التّحقيق حاليّاً، على الرغم من أنّ الكليّات والركائز تعتمد بشكل عامّ من أجلْ وجودها بعضها على بعض، أنّه إذا كانت (a) تمثّل (F-ness)، فإنّ (a) يمكن أنْ يكون موجوداً وممثَّلاً لبعض كليّ آخر غير (F-ness)، و(F-ness) يمكن أن يكون موجوداً وممثلاً في بعض ركيزة بخلاف (a). فهذا يعني أنّ مكوّنات الحالة الراهنة لها وجود مستقلّ عن وجود الحالة التي يحدث أنْ تكون فيها أحد مكوّناتها[6]. وهذا يعني أنّ الحالتين الآتيتين (أو «العوالم») كلتاهما ممكنة[7]:

(A: aandF-nessexist; aandF-nessexist>istrue; aisF>istrue)

(B: aandF-nessexist; aandF-nessexist>istrue; aisF>isfalse)

الآن، كلّ من (a) و(F-ness) موجود () و(a) هي (F) هما حقائق مشروطة؛ ولذلك يجب، إذا كانت صحيحةً، أنْ تكون صحيحةً بواسطة شيء ما. ولمّا كان الاقتراح السابق يمكن أنْ يكون صحيحاً في حين أنّ الاقتراح الأخير غير صحيح، فإنّ صانعي الحقيقة قد يكونون على الأرجح متداخلين؛ ذلك أنّ شيئاً من الأشياء مجاور أوْ مختلف عن كلّ ما يوجد في (B)، يجب أنْ يكون بعبارة أخرى موجوداً في (A). ولكن ما عساه أنْ يكون؟

الجواب الفوريّ والمستقطب للاهتمام، أوْ كما تذهب إلى ذلك القصّة، هو الذي يقول إنّه في (A)، ولكن ليس في (B)، يوجد شيء «يوحّد» (a) و(F-ness) -علاقة، اتّصال، رابط، صلة. ويبدو هذا الأمر صحيحاً، ولكن يحتاج هذا الجواب، لكيْ يكون مرضياً، إلى بعض الاستزادة. ما طبيعة هذا الموحّد، وكيف تحوّل إضافته وضعيّة (B) إلى وضعيّة (A)؟

يتفق الأغلبيّة على أنّ العلاقات التي تربط روابط مختلفة، ومن ثمّ توحّد بينها، إمّا أنْ تكون داخليّة، وإمّا أنْ تكون خارجيّة بالنّسبة إلى تلكم الرّوابط. لنفترضْ أنّ الموحِّد الخاصّ بنا يكون داخلياً بالنّسبة إلى روابطه. ومن ثم يعتمد هو وروابطه من أجل وجودهم (وطبيعتهم) بشكل متماثل على بعضهم بعضاً: بالضرورة، إذا وجدت (a) و(F-ness) (و«كيفما كانتا»)، فكذلك يفعل موحّدهما. لكن هذا لا يمكن أنْ يكون صحيحاً. ولذلك بالنّسبة إلى كلّ وضعيّة يُوجد فيها (a) و(F-ness) ستكون وضعيّة يكون فيها (a) هو(F)، ومن ثَمَّ تُستبعد الوضعيّة (B).

ولفسحِ المجال للوضعيّة (B)، يجب أنْ نفترض، تبعاً لذلك، أنّ موحّدنا هو خارجيّ بالنّسبة إلى روابطه، وهكذا يمكن أنْ توجد (a) و(F-ness)، من دون وجود كائن (F). ولكن الآن، على ما يبدو، لم يبقَ لموحّدنا القيام بالعمل الذي تم تقديمه من أجله. وإذا لم تكن (a)، بحكم طبيعتها، يجب أنْ ترتبط بــــ (F-ness)، فإنّ الوضعيّتيْن الآتيتين ممكنتان:

C: a,F-ness,unifierexist; a,F-ness,unifierexist>istrue; aisF>is true

D: a,F-ness,unifierexist; a,F-ness,unifierexist>istrue; aisF>is false

مرّة أخرى، يجب أنْ يكون شيء ما «يُحدث» الفرق بين الوضعيّتيْن موجوداً. وباستخدام المنطق نفسه الذي قادنا من (A) إلى (C)، يمكننا إضافة موحِّد آخر، في هذه الحالة إلى الوضعية (C)، ونقول إنّه في (C)، ولكن ليس في (D)، توجد (a) و(F-ness)، وإنّ الموحِّد يوجد موحَّداً. ولكن، ولأسباب مماثلة لتلك المبيَّنة أعلاه، يجب أنْ نقول إنّ هذا الموحِّد خارج عن ذاك الذي يوحّد توحيداً افتراضيّاً، ما يعني أنّه سيتم إنشاء أزواج جديدة من الوضعيّات الإشكالية ستكون معمَّمة، هكذا، بلا نهاية[8]. لذا هذا هو مشكل الوَحدة[9].

2. إنقاذ الحالات الرّاهنة:

الفكرة المطروحة، الآن، تتمثّل في أنّ إقحام الحالات الراهنة يحلّ مشكل الوَحدة. وحسبنا أنْ ننظر في ما جاء في كلمات أرمسترونغ (1989a: 88)[10]:

«لماذا نحتاج إلى الاعتراف بالحالات الرّاهنة؟ لماذا لا نعترف ببساطة بالجزئيات والكليّات (مقسَّمَةً إلى خصائص وعلاقات)، وربّما بالتّمثيل؟ يظهر الجواب عبر التفكّر في النقطة الآتية: إذا كانت (a) هي (F)، فإنّ ذلك يستلزم، إذاً، وجود (a)، ويقتضي أنّ الــــكليّ (F) موجود. وعلى الرغم من ذلك، يمكن أنْ توجد (a)، ويمكن أنْ توجد (F)، ومع ذلك فإنّها تفشل في أنْ تكون الحالة (a) هي (F) (يتمّ إنشاء مثيل (F)، ولكن يتمّ إنشاء مثيل في مكان آخر فقط). فأن يكون (a) هو (F) إنّما يتضمن شيئاً أكثر من (a وF). وليس من الجيّد إضافة الرّابط الأساسي أو رابطة التّمثيل إلى مجموع (a وF)؛ إذْ لا يعادل وجود (a)، ووجود التمثيل، ووجود (F) قيمة (a) كونها (F). يجب أنْ يكون الشّيء أكثر من كون (a) هو (F)» - وهذا الأمر يجسّد حالة راهنة [الكلام المكتوب بخطّ مائل مضاف].

وانظر من جديد في قول أرمسترونغ (1997b: 116):

«نحن نتساءل عمّا في العالم 'من موجودات' سوف تضمن وتجسّد وتحدّد وتخدم، بوصفها أرضيّة أنطولوجيّة، حقيقة أنّ (a) هي (F). يبدو أنّ المرشح الأبرز 'لذلك' هو الحالة الراهنة لتجسّد كون (a) هي (F). في هذه الحالة الرّاهنة (واقع، ملابسات) إنّ (a وF) يتم اتّخاذهما معاً».

هذا «المعطى» يبدو واعداً، إذا كان الفرق بين الوضعيّة (A) والوضعيّة (B) هو الوجود في (A) (ولكن ليس في B) من الحالة الراهنة التي يكون فيها (a) هو (F)[11]، يبدو أنّه لدينا الوسائل في النّهاية لحساب حقيقة أنّ (a>) هو (f) بطريقة توقعنا في حلقة مفرغة من الجدال العقيم؛ لأنّ وجود الحالة، التي يكون فيها (F) غير متوافق بشكل واضح مع زيف (a>) هو (f)، يعني أنّه لا توجد أزمات جديدة من الإشكاليات مترتّبة على إقحامها. فهل تمّ حلّ المشكل؟

3. ما الحالات الرّاهنة؟

ولكي نتمكّن من الحكم على ما إذا كان إدخال الحالات الرّاهنة يحلّ مشكل الوحدة، فلا يكفي القول ببساطة إنّه في الوضع (A) توجد الحالة التي تكون فيها (a) هي (F)، في حين أنّه لا يوجد في (B). لذا ما الذي يعنيه هذا بالضبط؟

يجب أنْ يعني أكثر من مجرّد أنّه في (Aa وF-ness) يوجد موحّدان، بينما في (B) لا يفعلان، أو هلْ إدماج حالات راهنة سيكون فقط إدخال طريقة أخرى للحديث عن ظاهرة لا تزال غير محسومة وغير مفسّرة[12]. وما نحتاج إليه هو حساب جوهري وغير دائريّ لطبيعة ما هو موجود في (A) ولكن ليس في (B)؛ أيْ نحتاج إلى تصوّر طبيعة الحالات الراهنة. فقط إذا أخذنا مثل هذا التصوّر، فيمكننا بعد ذلك الحكم على ما إذا كانت الحالات تشكّل حلاً قابلاً للتطبيق لمشكل الوَحدة، وإذا كان من الممكن استخدام الدور الذي تنهض به الحالات الراهنة في صلة بهذا المشكل الذي يُستخدم بوصفه حجّة لوجودهم.

الآن، نحن نعلم أنّه لمّا كانت B هي وضعيّة محتملة، مهما كانت الحالة، لا يمكن اختزالها في a وF-ness، أوْ في a وF-ness وموحّد، أو في a وF-ness وما لا نهاية من الموحّدين في نسق تصاعديّ. وكان هذا هو الدرس المستفاد من تراجع العلاقة. إنّ الحالات الراهنة غير قابلة للاختزال. ولكن ما الذي يجب أنْ يؤخذ في الاعتبار على هذا النّحو ليتضمّن تقهقر العلاقة؟

هناك خياران رئيسان: إمّا أنْ تكون الحالات غير قابلة للاختزال وبسيطة من النّاحية الأنطولوجيّة، وإمّا أنْ تكون غير قابلة للاختزال ومعقّدة من النّاحية الأنطولوجيّة. ويجب أنْ أتحقق من هذه الخيارات بدورها، فقط بغية أنْ أجد أنّ أياً منها غير مقبول، أوْ على الأقلّ ليس هو المؤيد التقليديّ للحالات الرّاهنة.

4. الحالات الرّاهنة بوصفها مختزلة وبسيطة أنطولوجيّاً:

وفقاً لأرمسترونغ إنّ الحالات التي «تأتي أوّلاً» والجزئيات المجرّدة (الركائز) والكليّات التي لا مثيل لها هي «تجريدات مفرغة ممّا يمكن تسميته بالحالات الرّاهنة: هذا بالنّسبة إلى طبيعة معيّنة» (1997 أ: 110). ولكن ما الذي يعنيه أنْ نقول عن الحالة الرّاهنة إنها «تأتي أولاً»، أو إنّ الجزئيات المجرّدة والكليّات غير الممثَّلة «تجريدات مفرغة» منها؟

بالنسبة إلى الحالات الرّاهنة، لكي تتمكّن من حلّ مشكل الوحدة، يجب أن تعني شيئاً أكثر من مجرّد كونها a وF-ness يعتمد بشكل عامّ بعضها على بعض، على نحو ما رأينا، لنقول إنّ هذا «التصوّر» لا يمنعك من أنْ ينتهي بك الأمر إلى تقهقر لا نهائيّ أجوف (ولكن راجع أرمسترونغ 1997a: 110). ومع ذلك، يجب أنْ يعني ذلك شيئاً ما أقلّ من كون a وF-ness يعتمدان تحديداً بعضهما على بعض، أوْ وجود الحالة التي تكون فيها a هي F، ومن ثم إنّ حقيقة a> هي F ستتبع بالضرورة الوجود المعطى ببساطة لــ a وF-ness (ومن ثم يستبعد الوضعيّة B)؛ ذلك أنّ التأويل الجذريّ لآراء (Armstrong) هو الذي يأخذ حديثه عن التّجريد الأجوف على محمل الجدّ. حرفياً، في هذا الاقتراح لا توجد a وF-ness بشكل حرفيّ صريح، كلّ ما يوجد إنّما هو حالات راهنة. وربّما لا يزال يقال إنّ «a» و«F-ness» لهما قوّة مرجعية، ولكن مرجعهما سيكون الحالات الراهنة؛ لأنّ ذلك هو كلّ ما هو موجود[13]، فالحالات الرّاهنة هي منطلقنا.

هذه الإجابة -لا ريب- ليست بالإجابة المحبّذة من قِبل أرمسترونغ، أوْ للسبب ذاته من قبل المؤيدين للحالات الراهنة بشكل عامّ. ومع ذلك، إذا تمّ اعتماد هذا الاقتراح، يختفي مشكل الوحدة. لأنّه إذا لم يكن هناك (a) ولا (F-ness)، فليس هناك أيّة وضعيّة توجد فيها (a) ولكنّها لا تمثّل (F-ness)، أوْ حيث توجد (F-ness) ولكنّها ليست ممثَّلة في (a). وبدلاً من ذلك، لا توجد سوى حالات راهنة، ويجوز القول إنّ (a) و(F-ness) متّحدتان بشكل موحّد فقط، فهناك طريقة أخرى للقول إنّه على الرّغم من أنّ هذا هي الوضعيّة التي توجد فيها الحالة (aهي F)، هناك أيضاً حالات لا تكون فيها الحال كذلك، ولكن حيث، على سبيل المثال، الحالات الراهنة التي تشير إلى أنّ (a) هي (G) و(b) هي (F) تكون الوضعيّة موجودة.

وقد نثير، مع ذلك، ضدّ هذا الاقتراح، على الأقلّ، اعتراضين. أوّلاً، إذا كانت الحالات الراهنة غير قابلة للاختزال وبسيطة من الناحية الأنطولوجيّة، فعندئذٍ يتم تداول الواقعيّة لصالح الاسميّة. لّأنه إذا كان ما هو موجود بسيطاً من الناحية الأنطولوجية -يصنع- الحالات الرّاهنة، وإذا كانت الحالات الراهنة (كما يودّ أرمسترونغ اتخاذها عيّنة للدّرس) جزئيات ملموسة، فإذن، بناء على هذا الاقتراح، إنّ العالم عبارة عن عالم من الجزئيات الملموسة البسيطة. فثمّة حقاً أنباء سيّئة لأيّ شخص يعتقد بوجود خصائص. ثانياً، ووصلاً بما سبق ذكره، على الرغم من أنّه في هذا الاقتراح، لم يحلّ بالتّأكيد مشكل الوحدة، لا يمكننا القول في الواقع إنّه وقع حلّه؛ لأنه إذا كانت الحالات الراهنة بسيطة من الناحية الأنطولوجية، فإنّ هذا النوع الإشكاليّ من المركّب كاملاً لا وجود له، ما يعني أنه لا يوجد مشكل في الوَحدة. ولكن إذا لم يوجد مشكل في الوحدة، فعندئذٍ لا يوجد شيء يمكن استخدام الحالات الراهنة لحلّه. وإذا كانت الحالات غير قابلة للاختزال وبسيطة من الناحية الأنطولوجية، فإنّ الدور (غير الموجود) الذي تنهض به فيما يتعلق بمشكل الوحدة (غير الموجود) ليس سبباً للاعتقاد بوجودها (راجع دوود 1999: 151 لاعتراض مماثل).

5. الحالات الرّاهنة غير قابلة للاختزال ومعقّدة من الناحية الأنطولوجية:

إذا لم يكن من الممكن أنْ تكون الحالات الرّاهنة غير قابلة للاختزال وبسيطة من الناحية الأنطولوجيّة، يجب أنْ تكون غير قابلة للاختزال، ولكنّها معقّدة من الناحية الأنطولوجية. وهذا يعني أنّه عندما تكون الحالة الرّاهنة (a) هي (F) موجودة، فإنّ الركيزة (a) والكليّ (F-ness) يكونان كذلك. لا يزال مبدأ التفسير (PI) ومبدأ رفض الجزئيات المجرّدة (PRB) يمنعان (a) و(F-ness) من الوجود إلا بوصفهما مكوّنات لبعض الحالات الرّاهنة، ولكن في الاقتراح الحالي، حقيقة أنّ (a) و(F-ness) يجب أنْ تشكّلا بعض الحالات الرّاهنة لا تعني أنّ (a) و(F-ness) لا يمكن اعتبارهما بعضاً من (وربّما) المكوّنات النهائيّة للعالم.

إنّ ما تعلّمه إيّانا علاقة التّراجع هو أنّه لا يمكن اختزال الحالة الرّاهنة التي تكون فيها (a) هي (F) إلى زوج (a) و(F-ness). وهذا يعني أنّ الطريقة التي تشكّلت بها (a) و(F-ness) هي الحالة الرّاهنة التي تكون فيها (a) هي (F)، ففي هذا الاقتراح الحالي، لا يمكن أنْ تكون إحدى الطرق التي تشكّلت فيها (a) و(F-ness) مركباً كاملاً بمجرّد وجوده. إذْ يستلزم هذا، بشكل أكثر تحديداً، أنّ الحالة التي تكون فيها (a) هي (F) لا يمكن أنْ تكون إمّا (مجرّد) كلّ مريولوجيّ تكون فيه (a) و(F-ness) بمنزلة أجزاء[14]، وإمّا مجموعة تكون فيها (a) و(F-ness) مثل أعضاء. وبناءً على ما قاله أرمسترونغ، وعلى حدّ علمي، إنّ هذا هو الرأي المشتَرك بين المدافعين عن الحالات الراهنة عموماً، يجب أنْ نستنتج أنّ «الحالات الراهنة تجمع مكوّناتها بعضها إلى بعض في صيغة غير مريولوجيّة من التّركيب» [الخطّ المائل مُضاف] (أرمسترونغ 1997b: : 118).

ولكي يعني هذا الأمر شيئاً أكثر أهميّة، يحتاج النوع الخاصّ من التركيب غير المريولوجي المميز للحالة الرّاهنة إلى مزيد من البيان والتّبيين. فكيف، تأسيساً على هذا الاقتراح، تكون الوضعيّة (A) التي توجد فيها مجموعة غير مريولوجية تتألف من (a) و(F-ness)، مختلفة عن الوضعيّة (B)، حيث تشكل تلك المكوّنات نفسها على الأغلب كلاً مريولوجياً؟ ومرّة أخرى، نكون إزاء خيارين. فإمّا (A) تختلف عن (B)؛ لأنّ هناك شيئاً موجوداً في (A) غير موجود في (B)، وإمّا (A) يختلف عن (B)، ولكن هذا الاختلاف صارخ ولا يمكن إرجاعه إلى بعض الاختلاف الذي يوجد، على وجه التّخصيص، إمّا في (A) وإمّا (B).

وإذا كان الاختلاف هائلاً، فالوضعيّتان (A وB) مختلفتان تماماً؛ أيْ إنهما مختلفتان، ولكن لا يوجد شيء محدّد يصنع هذا الاختلاف. وفقاً لفاليسيلا هذا أمر مبهم؛ إذْ يبيّن (2000: 248) هنا:

«أنّه لمن غير المفهوم أنْ نفترض أنّ مركّبين مختلفين [المجموع المريولوجي لــ a وf-ness، والحالة الرّاهنة التي تكون فيها a هيF] يختلفان فقط باعتبارهما قضيّة حقيقة ملموسة؛ ذلك أنّ الحقيقة ومجموع مكوّناتها هي مركّبات متمايزة. ومن ثم توجد حاجة إلى سبب اختلافهما».

ويبدو هذا «المعطى» صحيحاً بالنسبة إليّ، ولكنّي لست بحاجة إلى إقناع كلّ شخص[15]. لنفترضْ، تبعاً لذلك، واسترسالاً مع فاليسيلا، أنْ نقول بوجود فرق، ولكن لا شيء يجعل هذا الفرق واضحاً. ثمّ لا يزال من غير الواضح ما الطريقة الجوهريّة التي يُحلّ بها مشكل الوحدة. على حدّ قول دوود (1999: 151-52) الآتي:

«[إذا كان الفرق بين الحالات الرّاهنة المركّبة غير المريولوجيّة التي تكون فيها (a) هي (F)، والكلّ المريولوجيّ (a + F-ness) ملموساً/ صارخاً] يبقى السؤال المألوف الذي ليست له إجابة مطروحاً: كيف يمكن أنْ يكون لشيء ما له فحسب جزء وكلّ، بوصفهما مكوّنات، أنْ يكون وَحدة؟ وكيف يمكن الجمع بين (a وF) معاً لتشكيل كيان موّحد موجود فقط في حالة (a) هي (F)؟

إنّ مثل هذا «الجمع» بين (a وF) لا يتمّ عن طريق علاقة تمثيل؛ وعلى غرار ما رأينا، لا يمكن أنْ يكون مجموعاً نظرياً ولا مريولوجياً، فنحن لا نملك أيّة فكرة عن كيفيّة الجمع بين (a وF) لتشكيل حالة راهنة موحّدة فعلاً. وبالنّظر إلى حالة اللعب هذه، إنّ اختراع أرمسترونغ للحالات الرّاهنة يهفو إلى تحقيق أمنية فلسفيّة».

ومن ناحية أخرى، إذا كان هناك شيء موجود في (A) لإحداث الفرق بين هذه الوضعيّة والوضعيّة التي توجد فيها (a) و(F-ness)، ولكن ليست الحالة الرّاهنة التي تكون فيه (a) هي (F-ness)، فنحن في مأزق. لماذا يمكن أنْ تتحوّل وضعيّة (a) و(F-ness) إلى وضعيّة تكون فيها (a) هي (F) دون تراجع لانهائيّ أجوف؟

ليس من المفيد أنْ نقول، كما يقول أرمسترونغ، إنّ الذي يوجد عندما تكون الحالة الرّاهنة هو صلة أو رابطة غير علائقيّة (1997b: 118)؛ إذْ يجب أنْ يكون الارتباط غير العلائقيّ إمّا غير مضاف إلى (A) مقارنة بــــ (B)، ما يعني ذلك، مرة أخرى، أنّ (A وB) مختلفان فقط؛ وهو خيار نتعامل معه من الآن فصاعداً (لسبب وجيه) باعتباره معيباً في الأساس. أو إمّا يجب أنْ يكون إضافة إلى (A)؛ ولكن، مرّة أخرى، يبدو أننا قد تركنا في الظلام: بالنّظر إلى عن أيّ نوع من الإضافة نتحدّث، أو بالنّسبة إلى هذه المسألة، كيف من المفتَرض أنْ يؤدي ذلك إلى تحقيق الوحدة دون أنْ يؤدي إلى التراجع اللانهائي الأجوف. وفي مرحلة ما، يمكن أنْ يُؤوّل أرمسترونغ كأنّه يعالج هذا الهمّ الأخير. فهو يجادل (1997b: 118) على هذا النّحو:

«حتّى لو تمّ التنازل عن «علاقة»، فإنّ التراجع غير ضارّ. والأمر الذي يجب ملاحظته أنّه في حين أنّ الخطوة «المقطوعة» من المكوّنات إلى الحالة الراهنة هي أحد الأمور المشروطة، فجميع الخطوات الأخرى في التراجع المقترَح تتبع بالضرورة... لاحظ مرة واحدة، لا يجوز القول إنّ صانع الحقائق الوحيد المطلوب لكلّ خطوة في التراجع بعد الأوّل (إدخال الرّابط الأساسيّ) ليس شيئاً آخر أكثر من الحالة الرّاهنة الأصليّة؟ يوجد العديد من الحقائق إنْ شئت، ولكن يوجد فقط صانع واحد للحقيقة».

يمكن القول إنّ «هذا التّفسير» غير مرضٍ؛ لأنّ العلاقة التي تتمّ إضافتها إلى (a) و(F-ness) في الخطوة الأولى المحتملة للتّراجع الحميد بالكاد هي ما يحقّق وحدتهما (وهو بالضبط ما يثبت علاقة التقهقر المذكورة أعلاه). وبدلاً من ذلك، يجب أنْ يكون التّزاوج المخصوص («النمط غير الموريولوجي للتّركيب») للحالات الرّاهنة هو بمنزلة الكلّ الذي يقوم بذلك؛ وهنا يدفع سحره بخطوة واحدة أبعد إلى الأمام في اتّجاه التراجع أكثر ممّا لو أنّنا لم نسمح لأيّ نوع من المكوّنات العلائقيّة بأنْ يقع في الحالة الراهنة. ولكن (مهما يكن أمره) يفعل سحره مع ذلك. وتبقى كلّ أسئلتنا الأصليّة قائمة: ماذا يفعل السحر؟ وكيف يفعل ذلك؟

6. معضلة مستحيلة:

إنّ الطبيعة غير القابلة للاختزال للحالات الرّاهنة، بحسب فاليسيلا (ما يسمّيه «المفهوم غير المختزل للحالات الرّاهنة») غير متناسقة «في ذاتها». ويحتجّ لذلك في المقطع التالي بأنّ (2000: 247):

«حالة راهنة غير متجاوزة هي كلٌّ لأجزاء (من حيث كونها مركّبة) ليست هي كلُّ لأجزاء (بقدر ما هي أكثر من مكوّناتها)، ومن ثم هي بنية متناقضة ذاتيّاً».

وتوجد طريقة أكثر تحوّطاً لطرح هذه المسألة، وهي تتمثّل في وضع مصطلح المعضلة: الحالات الراهنة إمّا أنْ تكون قابلة للاختزال وإمّا غير قابلة للاختزال؛ إذْ لا يمكن اختزالها وإلا ينتهي بك المطاف إلى تراجع لا حصر له. وإذا كانت غير قابلة للاختزال، من ناحية أخرى، فإنّ الحالات الرّاهنة إمّا هي غير قابلة للاختزال وإمّا هي بسيطة أنطولوجيّاً أو أنّها غير قابلة للاختزال ومعقدة أنطولوجيّاً. ولكن، مرة أخرى، على الأقل إذا كنت تعدّ الكليّات (أوْ المجازات بالنّسبة إلى هذه المسألة) ضمن المكوّنات الأساسيّة للعالم، وإذا كنت تعتقد أنّ مساهمة الحالات الراهنة في حلّ مشكلة الوَحدة هي سبب (وجيه) للتّفكير في أنّها موجودة، فلا يمكن أنْ تكون الحالات الرّاهنة لا هذا ولا ذاك.

7. هل من خيار ثالث؟

هل استنفدنا كلّ الاحتمالات؟ الجواب ربّما لا. حتّى الآن تمّ ضمنيّاً افتراض أنّه إذا كان هناك شيء يُحدث الفرق بين الوضعيّة (A) والوضعيّة (B)، فيجب، إذاً، أنْ يكون الأمر داخليّاً بالنسبة إلى الحالة الرّاهنة نفسها. ولكن ماذا لو كانت الحالة الرّاهنة، التي مفادها أنّ (a) هي (F) (في A) والمجموع المكوّن من (a) و(F-ness (في B) يتمّ كلاهما تشكيله فقط بوساطة (a) و(F-ness)؟ ماذا لو اختلفتا مجرّد الاختلاف، لكنّ هذا الاختلاف لا يؤخذ في الحسبان، ولكنّه يُفسر تفسيراً ميتافيزيقيّاً -أوْ تفسيراً مؤصَّلاً- في وجود شيء خارج عن الحالة الرّاهنة نفسها، إنّه شيء موجود في (A)، ولكن ليس في (B)، ويجعل (a) و(F-ness) داخل وَحدة مركّبة؟

هذا الخيار تمّ تبنّيه تبنّياً صريحاً من قِبل فاليسيلا؛ إذْ يبيّن فيما يلي (2000: 249-50):

«لكن يوجد احتمال ثالث ألا وهو أنّ وَحدة مكوّنات حالة الرّاهنة إنّما هي راجعة إلى موحِّد خارجيّ؛ لأنها لا تتأتّى مباشرة من حقيقة كونها أكثر من مكوّناتها (الابتدائية والثانوية) التي هي ترابط دون واصل أوْ موحِّد؛ إذْ قد يكون الموحِّد خارجاً عن الواقع وعن مكوّناته. وإذا أمكن فهم معنى هذا، يمكننا الإبقاء على وجهة النّظر الجذّابة التي مفادها أنّ الحقيقة ليست كياناً متميزاً عن مكوّناته (وهو عنصر الحقيقة في المقاربة الاختزاليّة) في الوقت الذي يمثّل فيه أيضاً الوَحدة التي لا يمكن إنكارها لمكوّنات الحقيقة. تماماً مثلما تحتاج الجمل الصحيحة المشروطة للحالات الرّاهنة لتجعلها صحيحة، تحتاج الحالات الراهنة إلى موحّد خارجي يربط مكوّناتها ويجعلها موجودة؛ ذلك أنّ الموحّد الخارجيّ هو «صانع الوجود» للحالات الرّاهنة».

ولكيْ تكون قادراً على الحكم على ما إذا كان هذا الاقتراح يمكن أنْ يقدّم لنا ما نحتاج إليه، يجب استكماله بتصوّر لطبيعة هذا الموحِّد الخارجي؛ إذْ توفّر لنا فاليسيلا المكمّلات المطلوبة عن طريق الاستدلال المنطقيّ المستمَدّ من القياس على النّحو الآتي (2000: 252):

«لنفترضْ أنّني أحكم على أنّ (a) هي (F)، وافترضْ أبعد من ذلك أنّ محتويات أعمال الحكم ليست مقترحات فريجين (Fregean)، ولكنّها عناصر لا يمكن أنْ توجد بمعزل عن عمل الحكم. فبالحكم على أنّ a هو F أوجد عقلياً محتوى «قضويّاً» مركّباً يتألّف من عنصر مسنَد إليه وعنصر مُسنَد. وهذا المركّب هو وَحدة من المكوّنات. من ناحية، إنّ محتوى الحكم ليس أكثر من مكوّناته. لكن من ناحية أخرى، إنّ محتوى الحكم هو شيء أكثر من مكوّناته بقدر الأخير ما هو موحّد فعلياً لتشكيل محتوى قادر على أنْ يكون إمّا صحيحاً وإمّا خاطئاً؛ أيْ في الطريقة التي فيها لا المكوّنات المتّخذَة من قبل ذاتها، ولا أيّ قائمة ومجموعة أوْ مجموع منها، قادرة على أنْ تكون صحيحة أو خاطئة. ولكن كيف يمكن أنْ يكون محتوى الحكم أكثر من كونه مجموع َمكوّناته دون أنْ يكون كياناً آخر غير قابل للاختزال إليها؟ الطريقة الوحيدة لحلّ هذا الإشكال هي من خلال وضع موحِّد خارجيّ، بمعنى أرضيّة خارجيّة لوحدة محتوى الحكم. وفي هذه الحالة، إنّ الوعي بالحكم هو الذي يكفل وحدة المحتوى. ودون اللّجوء إلى مثل هذه الأرضيّة الخارجيّة، سنكون في مأزق مع الإشكال».

وفقاً لفاليسيلا، أيّاً كان الموحِّد الخارجي، يجب أنْ يكون قوّة فاعلة، أو عاملاً (أوْ، بشكل يُصاغ في حياد أكثر، عامل أنطولوجي)، وهو الشيء الذي «يفعل شيئاً ما للمكوّنات الأساسية بغية توحيدها» (2000: 250). يعتقد فاليسيلا أنّ هذا العامل لا يمكن أنْ يكون بشراً فرديّاً، أو وعياً محدوداً، حيث «سيكون ذلك لاحتضان مثالية لا تطاق» (2000: 252). لذا الخيار الوحيد هو اعتبار الموحِّد الخارجيّ بمنزلة وعي متعالٍ من نوعٍ ما. وبصفته مؤمناً/ موحّداً يمتلك فاليسيلا، في ذهنه، مسوّغاً جيّداً (2000: 252): «الربّ له وظائفه. ويمكن أنْ ينهض الربّ بدور الموحّد الخارجيّ أوْ 'صانع الوجود' في جميع الحالات الرّاهنة».

ولكن (كيف) استطاع الربّ أنْ يوحّد الحالات الرّاهنة دون تراجع أجوف لا متناهٍ؟ الجواب المختصر هو أنّه، في حدّ ذاته، لا يفعل ذلك؛ لأنّه، إذا كان الربّ هو ما يوحّد خارجيّاً (a) و(F-ness) في (A)، فلا شيء يبدو أنّه يمنع الربّ من الوجود أيضاً في (B) (قد يقول البعض أنْ لا شيء يمكن أنْ يمنع ذلك؛ لأنّ وجود الرب ضروريّ). وبوصفه عاملاً هادفاً، كان من الممكن أنْ يختار الربّ (أوْ أيّة تسمية نختارها لنسمّي هذا الوعي المتعالي) عدم توحيد (a) و(f-ness). ولكن ليس وجود الربّ هو الذي يصنع الفرق بين (A وB) في نهاية المطاف. لنفترضْ، بدلاً من ذلك، أنّه عمل توحيد يجترحه الربّ هو الذي يفعل هذا. والآن، حتّى لو كان عمل الربّ الموحِّد لا يمكن أنْ يوجد من دون وجود الربّ، وحتى لو لم يكن الربّ قادراً على الوجود دون التصرّف بطريقة أوْ بأخرى، يمكن أنْ يوجد الربّ بالتأكيد دون أنْ يتصرف بطريقة تجعل من الحالة الرّاهنة، التي تكون فيها (a) هي (F)، موجودة (دليل على ذلك والوضعيّة B). ومن أجل أنْ يتمكّن الربّ من الاضطلاع بدور «صانع الوجود» الذي تمّ تقديمه له، يجب أفعاله، تبعاً لذلك، أنْ تكون أكثر دقّة. فالفرق بين الوضعيّتين (A وB)، ينبغي لنا أنْ نقول، هو الوجود في (A)، من فعل (ربانيّ) لتوحيد (a) و(F-ness)[16]. ويبدو أنّ هذا الفعل مرشّح جيّد لشيء ما يجعل الفرق بين (A وB) بلا تراجع لانهائيّ أجوف. ولكن الآن يجب على المؤيّدة للحالات الرّاهنة أنْ تسأل نفسها ما الذي بقِي من الدّور الذي من أجله قُدّمت الحالات الرّاهنة. وبناء على التّقدير الحاليّ، ربّما يكون الربّ، أوْ بالأحرى، عمل الربّ الهادف - والأكثر دقّة المتفرّد- هو الذي يحلّ مشكل الوحدة. وإذا كان الربّ هو الحلّ لمشكل الوحدة، فلم يعد، إذاً، من الممكن استخدام هذا المشكل لتبرير فرضيّات الحالات الرّاهنة في الأنطولوجيا[17].

8. الحالات الرّاهنة بوصفها موحَّدةً توحيداً خارجيّاً من قِبل الحالات الرّاهنة:

لكن ماذا يحدث لو أنّ وَحدة الحالات الرّاهنة تم إنجازها بواسطة حالات راهنة أخرى خارجيّة بالنسبة إلى الأولى؟ هذه هي وجهة نظر أوريليا (2006: 229) كما بسطها في كتابه:

«إنّ ما يجعل (Fa) (الحالة الرّاهنة التي تكون فيها a هي F) كياناً موجوداً ويعلو فوق (F وa) هي الحالة الرّاهنة (E 2 Fa)، التي تُفهم بوصفها مختلفة عن (Fa)، حيث إنّ (E 2) يتمّ اعتبارها المكوّن الحقيقيّ المنسوب إلى الحالة السّابقة، في حين أنّ (F) تُعدّ المكوّن المنسوب إلى الحالة الأخيرة».

وبناء على هذا الاقتراح، إنّ الحالة الراهنة (a) هي (F) موجودة وتضمن وحدة (a) و(F-ness) فضلاً عن حقيقة (aisF>)؛ لأنّ نظام الحالة الرّاهنة العليا؛ أي الحالة الرّاهنة التي تضمّ (a) و(-nessF)، والموحِّد الموحَّد موجود. إذا نجح هذا الاقتراح، بصرف النّظر عن كونه متوافقاً مع طبيعة صحيّة، فإنّه يتجنّب الصعوبة التي واجهتها فاليسيلا. ومتى وقع توحيد الحالات الرّاهنة خارجيّاً من قبل حالات راهنة، فإنّ الحالات الرّاهنة تشارك بشكل مناسب في حلّ مشكل الوحدة، ومن ثَمَّ يمكن تبرير وجود الحالات الرّاهنة بالرجوع إلى الدور الذي تضطلع به في علاقة موصولة بهذا المشكل.

ولكن هل يمكن توحيد الحالات الراهنة خارجيّاً بواسطة حالات راهنة ذات ترتيب عالٍ دون تراجع غير محدود؟ للأسف الجواب لا. لأنّه إذا كان الوجود المحتَمل للحالة الرّاهنة التي تكون فيها (a) هي (F) (أو Fa، استعارة لشكلانيّة أوريليا) يتطلّب وجود حالة من الحالات الرّاهنة العليا التي تكون فيها (a,F-ness) والموحِّد موحَّدين «في» (E 2 Fa) فقد يبدو أنّ الحالة الرّاهنة الأخيرة تحتاج إلى نظام أعلى من التّرتيب ثابت لضمان أوجه وجودها المحتمَل؛ وهي الحالة الرّاهنة التي يتمّ فيها توحيد (F-ness) وموحِّد وموحِّد من المرتبة الثانية (E 3) (E 2) (Fa). ولكن من السهل الآن رؤية أنّ هذه الوضعيّات الرّاهنة تبقى في حاجة إلى شيء ما لضمان وجودها؛ أي في النّهاية تحتاج إلى نظام أعلى من الحالات الرّاهنة. وهكذا دواليك؛ إلى ما نهاية له.

9. تراجع لا متناهٍ خارجيّ مقابل تراجع داخليّ:

ربّما من المُدهِش أنّ أنصار وجهة النظر التي هي الآن قيد التدبّر -أيْ «اللّانهائيّون»- يقبلون بسرور التّراجع الناتج المذكور أعلاه. في الواقع، إنّ التّراجع اللانهائي الذي يلزمهم به رأيهم ليس ذاك الذي فقط هم مستعدّون للعيش معه، وإنّما بالأحرى ذاك يشكّل جزءاً لا يتجزأ من حلّهم لمشكل الوَحدة؛ وذلك لأنّه بدلاً من هذا التراجع اللّانهائي. إنّ الحالة الرّاهنة التي يكون فيها a هي F هي حالة موجودة[18].

ولا يشكّك، الآن، اللانهائيّون في أنّ التّراجع اللانهائي الموصوف في مستهلّ هذه الورقة العلميّة يمنعنا بشدّة من ترسيخ حقيقة (a>) هي (F). ولكن بعد ذلك، يجب أنْ يكون التّراجع الذي يلزمون به أنفسهم مختلفاً حقّاً عن ذاك الالتزام الأوّل. ولكيْ نكون قادرين على الحكم على ما إذا كان اللانهائيّ قادراً على حلّ مشكل الوَحدة بنجاح، يجب علينا أنْ نتأكّد أوّلاً من أنّ التّراجع الذي يثيره المذهب اللانهائيّ في الحقيقة يختلف اختلافاً بالغ الأهميّة عن التّراجع الموصوف في بداية هذا الفصل، وثانياً، من أنّه مختلف في المنحى الذي هو موصول بمسألة الشرّ.

والآن يختلف التّراجعان اختلافاً جوهرياً تسهل البرهنة عليه؛ ذلك لأنّ هذا الأمر، بينما في التراجع الأصليّ يمكن اعتبار ما يوجد في كلّ خطوة توسّعاً تصحيحياً ومتطابقاً مع ما هو مفتَرض أنْ يكون موجوداً في خطوة التراجع السّابقة؛ لا ينطبق على التّراجع اللانهائيّ. وعلى النّقيض من ذلك، في التّراجع اللّانهائيّ، كلّ خطوة هي متمايزة، على الرّغم من ارتباطها بغيرها، عن كلّ خطوة أخرى موجودة في التّراجع. وإذا ما أخذنا في الاعتبار التراجع الأصليّ، فإنّ النتيجة، حينئذٍ، هي وجود كلّ مركَّب بشكل لا نهائيّ؛ لأنّه، في أيّة خطوة يوجد هذا الكلّ الموحَّد، يتناقض مع وجود الحالة الرّاهنة التي تكون فيها (a) هي (F). وبالنّظر إلى التّراجع اللّانهائيّ، من ناحية أخرى، إنّ النتيجة، بدلاً من ذلك، هي عدد لا متناهٍ من المركّبات النهائيّة اللامتناهية والكليّات الموحّدة أوْ الحالات الرّاهنة. وهذا يعني أنّه بينما التّراجع الأصليّ ينطوي داخل الحالة الرّاهنة المحتمَلة التي تشير إلى أنّ (a) هي (F)، يتطوّر الترّاجع اللانهائيّ بدلاً من ذلك، ويخرج عن هذه الحالة الرّاهنة. وهكذا، إنّ التراجعيْن مختلفان اختلافاً واضحاً. ولفهم هذا الاختلاف، يمكننا أنْ نقول، مع أوريليا، إنّ التراجع الأصليّ هو «داخليّ»، في حين أنّ التّراجع اللانهائيّ هو «خارجيّ». ويمكن توضيح الفرق على النّحو الآتي (باستخدام مصطلح Orilia`E' للدّلالة على 'الموحِّد'):

تراجع داخليّ تراجع خارجيّ

F- a F- E 1 - a F- E 2 - E 1 - E 2 - a F- E 3 - E 2 - E 3 - E 1 - E 3 - E 2 - E 3 - a ... œ

Fa E 1 (Fa) E 2 (E 1 (Fa)) E 3 (E 2 (E 1 (Fa))) ... œ ولكن، ماذا سيكون الأمر، إذا كان هناك شيء ما حول هذا الاختلاف الذي ينبغي أنْ يجعلنا نحكم على التراجع الداخليّ بأنّه أجوف على الرغم من أنّ التراجع الخارجيّ عميق؟

ولا تُوجد، لحسن الحظّ، حاجة إلى صياغة أيّ نظريّة حول ما يميّز التّراجع الأجوف من التّراجع العميق لكيْ نتمكّن من الإجابة عن هذا السؤال (لكن، راجع: جراتون 2010 ومورين 2013أ). وبدلاً من ذلك، يمكننا أنْ نقيم حساباً لما يمكن أنْ يشكّل فشلاً في الإجابة عن الأسئلة المحدَّدة المطروحة في هذا الفصل. تذكّر تلكم الأسئلة التي كانت، أوّلاً: «ما الذي يجعل الأمر كذلك في A، ولكن ليس في B، وهل الأمر صحيح أنّ a> هي F؟»، وثانياً، نظراً إلى أنّنا اخترنا الإجابة عن السؤال الأوّل بــ «الحالة الرّاهنة التي تكون فيها a هي F»: «ما الذي يجعل من وضع أنّ الحالة الرّاهنة، التي قوامها a هي F حالة موجودة؟» ما نبحث عنه هو ما يمكن أنْ نسمّيه الأرضيّة الأنطولوجيّة، أو التفسير الميتافيزيقيّ لوجود كليهما وجود حالة راهنة مفادها أنّ (a) هي (F)، ونتيجة لذلك الوجود المتعلّق بأنّ حقيقة (a>) هي (F)، وهو أمر مّا يضمن وجودُه وجودَ الحالة الرّاهنة[19]. لذا فإنَّ أيّ تراجع يمنعنا من إنتاج هذه الأرضيّة هو من ثَمَّ تراجع أجوف.

لقد أصبح من السّهل الآن معرفة لماذا تراجع العلاقة الداخليّة هو تراجع أجوف؛ إذْ في هذا التّراجع، تتضمّن كلّ خطوة شيئاً متوافقاً مع كلّ من الحقيقة والزيف لــــ (a>) هي (F) ومع وجود وعدم وجود معاً الحالة الرّاهنة التي تكون فيها (a) هي (F)، ما يعني أنّه لا يمكن في أيّة مرحلة من المراحل اعتبار أنّ (a) هي (F). ولسوء الحظ، لا يتمّ تقييم كلّ تراجع بسهولة، وتراجع العلاقة الخارجيّة هو مثال على ذلك.

إنّ إطلالةً عجْلى على تراجع العلاقة الخارجيّة يجب أنْ تجعلنا نفكّر في أنّ هذا التّراجع غير إشكاليّ. وبعد هذا كلّه، مهمّتنا التفسيريّة تمّ إكمالها بالفعل بالنّظر إلى الخطوة الأولى لهذا التراجع؛ وذلك لأنّه بحكم وجود الحالة الرّاهنة المعطاة التي تكون فيها (a) هي (F)، فنحن إزاء حقيقتيْن معاً كون (a>) هي (F)، وبشكل مألوف، يكون وجود الحالة الرّاهنة التي قوامها (a) هي (F) وجوداً مضموناً. ولكن بعد ذلك، مهما سيجد في التّراجع من أمر لاحقاً، فلن يحدث أيّ فرق في النتيجة النهائيّة. وعلى نحو ما صاغه أرمسترونغ (1997b: 119) عند استكشاف بديل مشابه: «توجد عدّة حقائق إذا شئت، ولكن يوجد فقط صانع واحد للحقيقة».

وليست هذه هي الطريقة التي يريد المذهب اللانهائيّ أنْ نفهم بها التّراجع الذي يتبنّاه. ولأنّه إذا كان التراجع غير إشكالي على هذا النّحو، فإنّ الحالة الرّاهنة، إذاً، لــــ (a) هي (F) لا تُفسّر تفسيراً ميتافيزيقيّاً بما يأتي لاحقاً في التّراجع. ولكن هذا هو بالتّحديد ما يريد اللانهائيّ، مع ذلك، ادّعاءه. وفقاً للانهائيّ، على الرّغم من أنّ نظرة عجلى على هذا التّراجع قد تجعلنا نعتقد في أنّ كلّ ما يحتوي عليه (التراجع) بعد خطوته الأولى يعتمد في وجوده على ما هو موجود في هذه الخطوة الأولى، ومن ثمّ إنّ علاقات التبعيّة الوجوديّة هي في الواقع على النقيض من ذلك؛ ذلك أنّ أيّ شيء موجود في أيّة خطوة في التّراجع (بما في ذلك الأوّل) يضمن وجوده -وهو ما يُفسَّر بطريقة ميتافيزيائية- بأيّ شيء يليه في التّراجع. وبحسَبَ أنصار اللانهائيّة، من قِبل أنّ التّراجع لا نهاية له، لن تكون هناك أيّة خطوة غير مبنيّة على أساس ميتافيزيقيّ في الذي يليه. ولمّا كان كلّ شيء يستند إلى ما يليه، فإنّ كلّ شيء مسنود، لذلك هذا التراجع عميق.

إنّ نقّاد اللانهائيّة يميلون إلى الاختلاف. ومن المثير للاهتمام، الآن، أنّ هذا ليس خلافاً حول ما يجعل التراجع أجوف؛ إذْ يتفق مؤيّدو ونقّاد اللّانهائيّة على حدّ سواء على أنّ التّراجع أجوف إذا منع الخطوة الأولى للتّراجع من تكوين تفسير ميتافيزيقي لوجود الحالة التي يكون فيها (a) هي (F). وبالأحرى إنّ هذا خلاف مداره على ما إذا كان يُوجد مشكل أوْ لا يوجد مؤدّاه أنّه لا توجد خطوة في التّراجع اللانهائيّ يمكن أنْ تشكّل التفسير المطلوب لوْلا وجود الخطوة التالية في التّراجع. ولذلك، هذا خلاف ليس مداره على ما يجعل التّراجع أجوف، بلْ على ما يقتضيه شيء ما ليكون تفسيراً ميتافيزيقيّاً في المقام الأوّل. وبشكل أكثر تخصيصاً، هذا خلاف حول ما إذا كان يجب للتّفسير (الميتافيزيقيّ) أنْ يجنح أمْ لا.

10. هل يجب أنْ ينجح التّفسير؟

إنّ المبدأ الذي يختلف في شأنه أنصار المذهب اللانهائيّ ونقّاده هو ما يأتي (كامرون2008: 8):

«عندما توجد سلسلة لانهائيّة من الكيانات (e1، e2، e3، ...)، أوْ سلسلة لا نهائيّة من الحقائق (f1، f2، f3، ...)، ثمّ إنّه في حين قد تعتمد e2 أنطولوجيّاً على (e1 وe3 على e2... إلخ)، وبينما يمكن الحصول على (f2) بفضل ((f1 و(f3) بفضل (f2)، وما إلى ذلك، فإنّ من المستحيل أنْ تعتمد (e1) أنطولوجيّاً على (e2، وe2) تعتمد أنطولوجيّاً على (e3... إلخ)، أوْ للحصول على (f1) بفضل (f2) و(f2) بفضل (f3)... إلخ. يجب أنْ توجد أرضيّة ميتافيزيقيّة، وعالم من الأشياء المستقّلِة أنطولوجيّاً، وعالم من الحقائق الأساسيّة التي تُوفّر الأساس الميتافيزيقي النهائي لجميع الحقائق المشتقّة».

وإذا كان هذا المبدأ، الذي نتّبع فيه أوريليا (2009)، ربّما نطلق عليه «التّأسيس الأنطولوجيّ الجيّد» (WF) (ت ج)، مقبولاً، فلا بدّ من أنْ يفشل المذهب اللانهائيّ في تزويدنا بالتّفسير الميتافيزيقيّ المطلوب. من أجل الإلحاح على أنّ وجود الحالة الرّاهنة، التي يكون فيها (a) هي (F)، يمكن أنْ يُفسّر ميتافيزيقيّاً حقيقةَ أنّ (a>) هي (F) بحكم كونها هي بدورها مفسَّرة تفسيراً ميتافيزيقيّاً بما يليها في مسار التراجع... إلخ. ولذا ما يقوم به المذهب اللّانهائي أساساً هو بالتحديد ما يمنعه مبدأ التّأسيس الأنطولوجيّ الجيّد، ثمّ إنّ الحدس، بلا شكّ، يعضد مبدأ التّأسيس الأنطولوجيّ الجيّد[20]. فحتّى أوريليا، على الرّغم من رغبته في رفض المبدأ، يبدو على استعداد للقبول به بمقدار كبير (2006: 232) كما يظهر هنا:

«يبدو من الصّواب، بدهيّاً، القول إنّ لدينا تفسيراً للمبدأ (P) فقط طالما أنّه توجد -إذا جاز التّعبير- زيادةٌ في معرفتنا، عندما نتأمّل المبدأ (P). ولكن يمكن للمرء أنْ يجادل بأنّني إذا كنت إزاء محاولة لشرح المبدأ (P) فإنّني أشرع في مهمّة تفسيريّة بحيث في كلّ مرحلة يجب أنْ أفترض مرحلة لاحقة، ومن ثمّ لا يوجد تقدّم. وبالنّسبة إلى أيّ تقدّم من هذا القبيل، إنّما هو اقتراب من المرحلة النهائيّة، وإذا لمْ توجد مثل هذه المرحلة، فلا يوجد، تبعاً لذلك، أيّ تفسير. ومن ثَمَّ لا يمكن أنْ تكون هناك سلاسل تفسيريّة غير محدودة».

قد تكون، الآن، البدهيّات مضلّلة، وفي هذه الحالة، يجب على صاحب المذهب اللانهائيّ أنْ يجادل بأنّها كذلك. وإذا كان أوريليا على صواب، وإذا كانت بداهة مبدأ التّأسيس الجيّد (ت ج) تنبع من الأفكار الدّائرة على كيفيّة التّفسير التي يجب أنْ تؤدي إلى زيادة معرفتنا وفهمنا، فإنّ الأمر يبدو كما لو أنّ صاحب المذهب اللانهائي قد يكون له سبب وجيه ليكون حاسماً. وبعد هذا كلّه، تختلف التّفاسير الميتافيزيقيّة تمام الاختلاف عن التّفاسير اليوميّة؛ ذلك أنْ تمنح تفسيراً ميتافيزيقيّاً لــ (x) إنّما هو تأسيس (x) ميتافيزيقيّاً. وسواء أكان فهمنا لــ (x) يزيد على ذلك أمْ لا يزيد، لا يبدو أنّ له أيّة علاقة بما إذا كان هذا التّفسير ناجحاً أم لا، ولكن يمكن أنْ يُؤسّس على الأغلب مصادفة. ومن المرجَّح جداً أنْ يكون لها تأثير جانبيّ على مثل هذا النجاح. فإذا كان أوريليا على حقّ، وهذا هو السّبب الرئيس وراء ميل الناس إلى الاعتقاد بأنّ التفسير لا بدّ أنْ يخفق، وقد بان لنا، تبعاً لذلك، عدم وجود أدنى سبب للاعتقاد بأنّ التفسير لا بدّ من أنْ يفشل طالما أنّه تفسير ميتافيزيقيّ نحن بصدد الحديث عنه. ولكن هل هذا هو مسوّغنا الوحيد الذي يدعونا إلى الاعتقاد أشدّ الاعتقاد بأنّ التفسير لا بدّ من أنْ يخفق؟ أنا لا أعتقد ذلك. فالسّبب الأكثر أهميّة بالنّسبة إلى قوّة منزلة المبدأ، هو، بالأحرى، ضربٌ من الاعتقاد مختلفٌ تماماً. على نحو ما صاغه (كامرون) (2008: 3):

«[إذا كان] هناك عدد لا نهائيّ من مستويات الوقائع، فإنّ الحصول على كلّ منها يعتمد على الوقائع في المستوى التّالي... ومن الصّعب أنْ نرى كيف يمكن للأشياء أنْ تنطلق من الأساس في المقام الأوّل». أوْ، على حدّ تعبير شافير (2010: 62):

«الكينونة ستُؤجّل بشكل لانهائيّ ولنْ يتمّ تحقيقها أبداً».

لذا، ربّما ليس ذلك مرّده اعتقادنا بأنّه ما لمْ يخفق التّفسير يمكن أنْ يؤدي ذلك إلى تطوّر في فهمنا، ولكن ما لمْ يخفق قد يؤدّي ذلك إلى «ظهور» أيّ شيء (يبدأ) بالوجود. ولهذا هو السبب في وجود صلة أكثر وضوحاً بنوع التّفسير الذي يهمّنا هاهنا. ومع ذلك، يمكن القول، تماماً، فقط كما قد نعتقد، إنّ التّفسير الميتافيزيقيّ لا بدّ أن يُخفق لأنّنا نعتقد أنّ «الكينونة» تحتاج إلى شيء من الأساس كيْ تقوم. ولذلك يمكن استخدام هذا الاعتقاد على أقصى تقدير لشرح إيماننا القوي بمبدأ التّأسيس الجيّد، ولا يمكن استخدامُه لتبرير ذلك.

ويخلص كامرون إلى أنّ من العبث محاولة إعطاء دفاع ميتافيزيقيّ المبدأ للتّأسيس الجيّد (ت ج). وبدلاً من ذلك يجب علينا أنْ نقبل فقط أنّ (ت ج) هو مبدأ أساسيّ؛ إنّه نقطة البداية للحجاج بدلاً من كونه نقطة نهايته. ويعتقد كامرون أنّ المبدأ لا يزال من الممكن الدّفاع عنه، وإنْ لم يكن مع الإحالة حتّى إلى بعض المبادئ الميتافيزيقيّة الأساسيّة. وبدلاً من ذلك، يجب الدفاع عن (ت ج) على أساس منهجيّ، وليس على أساس ميتافيزيقيّ. ومن أجل تبرير (ت ج)، ينبغي لنا، إذاً، أنْ نرى كيف أنّ هذا المبدأ (ومقابله) يشتغل في علاقة موصولة بأثمن مبادئنا المنهجيّة. وفي هذه الحالة بالذّات، يقترح كامرون أنْ نقيّم المبدأ التّأسيسيّ الجيّد (ومقابله) مع أخذ المبدأ المنهجيّ «الموحِّد» الموالي في الحسبان (2008: 12):

«إذا كنّا نسعى إلى تفسير بعض الظواهر، فثمّة إذاً أشياء أخرى موجودة متساوية «من جهة التّفسير»، فإعطاء التّفسير نفسه لكلّ ظاهرة أفضل من إعطاء شرح معزول/ منفصل لكلّ ظاهرة. لذا، فالتّفسير الموحَّد للظاهرة ذو فائدة نظريّة».

وهذا المبدأ، كما يبيّن كامرون، يبدو أنّه يوفّر بعض الأدّلة لصالح (ت ج)؛ لأنّه (2008: 12):

«إذا كانت توجد سلسلة تنازليّة لا نهاية لها من التبعيّة الأنطولوجيّة، فإنّ كلّ شيء يحتاج إلى تفسير ميتافيزيقيّ (أساساً لوجوده) يملك تفسيراً؛ إذْ لا يوجد تفسير لكلّ شيء يحتاج إلى شرح. بمعنى أنّه صحيح بالنّسبة إلى كلّ تابع (x) الذي قوامه أنّ وجود (x) مفسَّر بوجود شيء ما سابق (أوْ مجموعة من الكائنات الأوليّة)، بيد أنّه لا توجد مجموعة من الكائنات تشرح وجود كلّ (x) تابع».

وبصرف النّظر عما إذا كان هذا «المعطى»، في الحقيقة، سبباً للقبول بمبدأ التّأسيس الجيّد أو رفضه، فقد استطاع أنْ يكون محلّ نزاع (راجع أوريليا: 2009). ونحن، هاهنا، لا نحتاج إلى اتخاذ قرار في أيّ من الاتجاهين. وحسبُنا أن نتفق على أنّ (ت ج)، باعتباره مبدأ أساسيّاً ميتافيزيقيّاً، على الرغم من بروزه في تفكيرنا (الفلسفيّ)، صعبٌ تبريره بطريقة من المحتَمَل أنْ تقنع خصومنا؛ لهذا الأمرُ متعلّقٌ بالتكلفة النظريّة.

نادراً ما تظهر التكلفة النظريّة بمعزل عن غيرها من المسائل. فبعض «الباحثين»، كما رأينا، على استعداد لإضافة حالات راهنة إلى أنطولوجيّاتهم الخاصّة بغية إيجاد حلّ لمشكل الوَحدة. وهذا ما يمكن أنْ نسمّيه تكلفة نظريّة لنوع أنطولوجيّ. ويجادل أنصار الحالات الرّاهنة بأنّك إذا لم تكن راغباً في دفع هذا الثمن، فإنّك ستضطرّ إلى دفع ثمن آخر: ثمن عدم القدرة على تمييز الوضعيّة (A) من الوضعيّة (B)، وهي تكلفة قد يعدها الأغلبيّة غير مقبولة. ولنفترضْ، الآن، أنّ تفسير كيف يختلف (A) عن (B) يتطلب، ليس فحسب أنّنا نفترض وضعاً للحالات الراهنة، بل أيضاً وضعاً لكلّ حالة من الحالات الراهنة التي نتوقّعها، لذا إنّنا نفترض افتراضاً آليّاً العديد من الحالات الرّاهنة بلا نهاية. إنّ هذه لتكلفة أنطولوجيّة أخرى. ولنفترضْ لاحقاً أنّ إضافتنا، كما اتّضح لنا، لا يمكن أنْ تحلّ مشكل الوحدة إلّا إذا تمّ التخلّي عن مبدأ يوجّه الكثير من تفكيرنا الفلسفيّ، الذي يَعدّه معظمنا أمراً مسلّماً به. وإنّ لهذه تكلفة كبرى. وينبغي أنْ يؤخذ في الاعتبار ضدّ الاقتراح، ولكنّه إذا وُضع في ميزان العقل فقد يكون مقبولاً. وهذا كلّه يتوقّف، كما أعتقد، على القدر الذي يريده المرء لحلّ مشكل الوحدة، وبطبيعة الحال، يتوقّف الأمر على ما إذا كانت هناك أيّة حلول بديلة متاحة أبخس ثمناً. في كلتا الحالتين، انطلاقاً من الإشارة إلى أنّ قبول المذهب اللانهائيّ يستدعي معه تكلفة عالية الثمن للإقرار «بضرورة» التخلّي عن مبدأ التّأسيس الجيّد، فإنّ ذلك القبول لا يتّبع فكرة أنّ المذهب اللانهائيّ لا يمكن أنْ يفلح في حلّ مشكل الوَحدة[21].

11. النّوع الخاطئ من التّفسير:

هل هذا يعني أنّ صاحب المذهب اللانهائيّ يستطيع أنْ يحلّ مشكل الوَحدة؟ الجواب لا. وسبب لماذا لا، هو سبب من السخرية بمكان، وهو بالضبط السّبب لماذا، حتّى الآن، أنجزت اللّانهائيّة في هذا المجال أفضل بكثير من منافسيها. فلتتذكّرْ، باللّجوء إلى تراجع العلاقة الخارجيّة، أنّ صاحب المذهب اللانهائيّ يمكن أنْ يميّز الوضعيّة (A) من الوضعيّة (B):

A: a, F-ness, Fa, E2(Fa),E3(E2(Fa)), etc.adinfinitum, exist; aand F-ness exist> true; a isF> true.

B: a, F-ness, exist; aandF-nessexist> true; aisF> false.

وفقاً لصاحب المذهب اللانهائي، فلأنّ (Fa) E 2 ... موجود في (A)، وحيث (Fa) موجود في (A)؛ ولأنّ (Fa) موجودة في (A) فإنّ (a>) هي (F) صحيحة في (A). وبالنّظر إلى هذا الحساب المتعلّق بالفرق/ الاختلاف بين (A وB)، لا توجد، علاوة على ذلك، أزواج جديدة إشكاليّة من الأوضاع ذات طابع تعميميّ. وعلى وجه الخصوص، لا يمكن أنْ توجد أيّة وضعيّة حيث يوجد (Fa) E 2 ... ومع ذلك، من الخطأ أنْ تكون (a> هي F). لِمَ لا؟ قد يبدو هذا سؤالاً ساذجاً، حيث يجب أنْ تكون الإجابة عنه واضحة. (Fa) E 2 ... لا يمكن أنْ توجد في عالم يكون فيه المعطى (a> هي F) خاطئاً؛ لأنّ (Fa) E 2 ... لا يمكن أنْ توجد في عالم لا يوجد فيه (Fa).

ولكن بعد ذلك، مثلما أنّ وجود الحالة الرّاهنة التي يكون فيها (a) هي (F) مضمون بوجود ما نراه في الخطوة التالية من هذا التراجع، فإنّ وجود ما هو موجود بعد الخطوة الأولى في التراجع مضمون الوجود من خلال وجود حالة الرّاهنة (a) هي (F). فالتبعيّة الوجوديّة، الكائنة في تراجع العلاقة الخارجيّة، هي، بتعبير مغاير، ليست متناظرة، وإنّما هي متناظرة[22].

ولمعرفة لماذا هذا المعطى إشكاليّ، لاحظ أنّ السّؤال «ما يجعل الحالة التي تكون فيها الحالة الرّاهنة a هي F موجودة؟» هو سؤال غامض. وإذا فُكّ غموض هذا السؤال، يمكن الآن صياغة سؤالين مختلفين:

كيف يمكن أنْ تكون هناك وضعيّة تكون فيها الحالة الرّاهنة (a) هي (F) موجودة؟

ماذا يجعل هذه الوضعيّة التي توجد فيها الحالة الرّاهنة التي تكون فيها (a) هي (F) موجودة؟

وهنا يُفترض أنْ يُفهم السؤال: كيف أنّه «قادر» على إمساك المعنى الذي نحن من خلاله، عندما نطلب تفسيراً ميتافيزيقيّاً لوجود الحالة الرّاهنة التي تكون فيها (a) هي (F)، نتساءل عمّا قد يجعل الحالة الراهنة ممكنة الوجود، في ضوء وجود (F-ness) و(a)؛ في حين أنّ المقصود من السؤال: ماذا هو نقل المعنى الذي يمكن أنْ يُستخدم فيه السؤال نفسه للتّساؤل عن الحالة الرّاهنة التي يكون فيها (a) هي (F)، وعمّا يوجد عندما يُفعل ذلك، وليس فقط (F-ness) و(a) تفعل ذلك. فهذا تمييز جيّد بالفعل، ولأغلب الأهداف يمكننا التغاضي عنه. غير أنّ هذا التّمييز، بالنسبة إلى صاحب المذهب اللانهائيّ، هو الذي يصنع الفارق في العالم.

يفسّر صاحب المذهب اللانهائيّ، على غرار ما رأينا للتوّ، وجود الحالة الرّاهنة التي تكون فيها a هي F مع الإحالة إلى شيء ما (الحالات الرّاهنة المركّبة المتزايدة المتولِّدة بشكل تراجعيّ لا متناهٍ) والذي يكون له وجود مؤسَّس على وجود الحالة الرّاهنة التي تكون فيها (a) هي (F). ويذهب التفسير في كلا الاتّجاهين. ولكن هذا يعني أنّه، على الرّغم من أنّ التفسير الذي قدّمه صاحب المذهب اللّانهائيّ يمكن بالتأكيد أن يكون جواباً جيّداً عن السؤال (كيف؟)، لن يكون كذلك الأمر إجابةً عن السؤال (ماذا؟). وبعد هذا كلّه، لا يمكن أنْ تُفَسِّر إمكانيّة وجود الحالة الرّاهنة، التي تكون فيها (a) هي (F)، عن طريق إقحام التراجع المناسب إلى (F-ness) وإلى وضعيّة (a)؛ لأنه، من أجل الحصول على التراجع، يجب أنْ تكون بالفعل في حالة تكون فيها (a) هي (F)؛ ذلك أنّ الوجود المحتمَل للحالة الرّاهنة التي تكون فيها a هيF هو، بتعبير آخر، أمر يفترضه تفسيرُك.

هل يجب، الآن، أنْ نجيب عن السّؤال: (كيف؟) من أجل أنْ نتمكّن من حلّ مشكل الوَحدة؟ للأسف نعم يجب أنْ نفعل ذلك؛ إذْ يمكن لتراجع العلاقة الخارجيّة لصاحب المذهب اللانهائي أنْ يضمن فقط وجود الوحدة في تشعّب اللهمّ إلا إذا كانت توجد وَحدة في التّشعّب. ومع ذلك هذا ليس مشكل الوَحدة. مشكل الوحدة هو مشكل ينشأ عندما نحاول أنْ نفهم كيف يمكن أنْ تكون هناك وَحدة في موضع تشعّب. لذلك، على الرغم من أنّ صاحب المذهب تمكّن من تفسير ما يوجد عندما تكون الحالة الرّاهنة التي فيها (a) هي (F) موجودة، فإنّه لا تستطيع، على خلاف ما يظهره، مواجهة التّحدي الأساسيّ، وهو شرح كيف يمكن أنْ يكون هناك حالة راهنة تكون فيها (a) هي (F) موجودة في المقام الأوّل.

12. الحالات الرّاهنة وعلاقة التّراجع: تقييم

وفقاً لأنصار الحالات الرّاهنة، إنّ أحد الأسباب المهمّة للتشبّث بفكرة وجود الحالات الرّاهنة يتمثّل في أنّ الحالات الرّاهنة بمستطاعها أنْ تحلّ مشكل الوَحدة. لقد عملت في هذا الفصل على الاحتجاج فقط بأنّه إذا كانت طبيعة الحالات يمكن توضيحها بشكل كبير وغير دائريّ، استطعنا حتّى الانطلاق في تقييم هذا الادّعاء. إنّ تصوّر طبيعة الحالات الراهنة، الذي يتبدّى الأقرب إلى منحنا ما نريده نحن، هو تصوّر صاحب المذهب اللانهائي. ولكن، مثلما يتّضح، على الرّغم من أنّ صاحب المذهب اللانهائيّ تمكّن من توضيح طبيعة الحالات الرّاهنة بطريقة واحدة، فهذا التّوضيح، مع ذلك، ليس تصوّراً لطبيعتها الذي نحتاج إليه كيْ تتمكّن الحالات الرّاهنة من أنْ تشتغل بوصفها حلاً لمشكل الوَحدة. ولذلك أختم كلامي بالقول إنّ لدينا سبباً ضئيلاً للغاية للاعتقاد بأنّ الحالات الرّاهنة يمكن أنْ تحُلّ مشكل الوَحدة. ومن ثمّ، يوجد عندنا سبب صغير جداً للاعتقاد بأنّ الدور الذي تنهض به الحالات الرّاهنة في صلة بهذا المشكل يشكّل سبباً للاعتقاد بوجودها.

[1] - ستكون الحجج الواردة في هذا الفصل على صلة مشتركة بشخص ما (من نظير، على سبيل المثال، C. B. Martin 1980)، الذي يبني الحالات الراهنة كما تشكّلت جزئيّاً من المجازات، وليس من خلال الكليّات. ومع ذلك، هناك أسباب وجيهة للتفكير في أنّ هذه الحجج يجب أنْ تكون ذات أهميّة خاصّة (دون ذكر سبب الاهتمام الخاصّ) لواقعي الكليّات. على الرغم من أنّه من المحتمَل على الأغلب أنْ يتمّ تطوير نظريّة المجاز دون اللجوء إلى الحالات الراهنة (راجع: Maurin 2014 a)، غير أنّ الأمر نفسه لا ينطبق على الواقعيّة الكليّة (راجع المجلد i: Armstrong 1978، 91-96 للمحاججة في هذا الصدد).

[2] - وهكذا، هذا نوع من مكوّن الأنطولوجيا على حدّ تعبير لوكس وفان إنفاغن وغارسيا (في هذا الكتاب 'مشكل الكليّ في الفلسفة المعاصرة')، بمعنى أنّ هذا رأي يفسر (أو يؤسس) بشكل ميتافيزيقيّ وجود أشياء مألوفة وخصائصها في وجود وطبيعة الكيانات التي تنتمي إلى المقولات الأنطولوجية الأساسيّة.

[3] - أود أنْ أشكر محرّري هذا الكتاب: Nils-Eric Sahlin، Johannes Persson، Ingar Brinck، Goran Hermerén، واثنين من المحكّمين الغفل على تعليقاتهم وانتقاداتهم المفيدة. أنا ممتّن بشكل خاص لــــ Johan Brannmark لمساعدته لي في جميع المسائل العملية، وكذلك النظريّة. لقد تمّ إكمال هذا الفصل بدعم ماليّ من Riksbankens Jubileumsfond وVetenskapsradet.

[4] - من أجل أهداف المناقشة المجراة هنا، فإنّه لأمر كافٍ إذا قبلنا بمبدأ صانع الحقيقة هذا بالنّسبة إلى الاقتراحات الذرية من الأشكال a exists وa is F. وهذا يجب أنْ يجعل من المبدأ مقبولاً نوعاً ما من قبل الجميع الذين يوافقون على وجود صانعي حقيقة منذ البداية. إذْ يجب أنْ يكون على وجه الخصوص قابلاً للقبول بالنّسبة إلى المدافعين والمنتقدين لما يُسمّى بــــ «صانع الحقيقة القصوى» على حدّ سواء. وللحصول على نظرة شاملة، راجع: ماكبرايد (2014).

[5] - هذا الافتراض يستلزم معطى ضرورة صانع الحقيقة: (TN) (ض ص ح)، الافتراض القائل إنّ وجود صانع للحقيقة يتطلب حقيقة بعض الافتراضات المعيّنة. وما إذا كان يجب قبول (ض ص ح) أمْ لا هو محلّ جدل طاحن. إنّه سؤال مفتوح على الأقل إذا كان الافتراض الوارد في هذا الفصل لا ينطوي عليه فحسب، بل يتطلب أيضاً «معرفة» حقيقة (ض ص ح). لمعرفة المزيد عن مبدأ (ض ص ح) راجع: كامرون (2005).

[6] - هذا لا يعني أنّ وجود العناصر المكونة لحالة راهنة موجود بشكل مستقلّ عن وجود بعض الحالات الراهنة. كما أنّه لا يستلزم، بالنظر إلى حالة معينة معطاة، أنّه كان يمكن أنْ يتشكّل بطريقة مختلفة. بمعنى أنّ مكوّنات الحالة المستقلّة هي وجودياً مستقلّة عن الحالة الرّاهنة التي يحدث أنْ تشكلها المكوّنات، وهذا يعني، بعبارة أخرى، أنها متوافقة تماماً مع (على الرغم من أنّها لا تتطلب) أن يكون للحالة الرّاهنة عناصرها أساساُ. راجع: (مورين 2011: 76f).

[7] - خلال هذا الفصل، كلّ شيء محاط بــــعلامة '>' وعلامة ' ' هو حامل الحقيقة. سأتحدث كما لو أنّ حاملي الحقيقة هم من المقترحات، ولكنّهم على الأرجح ليسوا ضروريّين لأيّ شيء سأخوض فيه هنا.

[8] - ولكن ماذا لو لم يكن موحِّدنا إمّا متناغماً بشكل متناظر وإمّا مستقلّاً بشكل غير متناظر عن روابطه، ولكن بدلاً من ذلك يعتمد بشكل غير متماثل عليها (ماذا لو، في ضوء وجوده، يجب أنْ يربط الرّوابط به، على الرغم من أن تلك الروابط قد تكون موجودة وليست متصلة به)؟ هذا موجود في (مورين) (2010) و(2011)، أقر بأنّ الموحِّد المفهوم على هذا النحو يحلّ مشكل الوَحدة (على الرغم من أنه يفعل ذلك من خلال إجبار مؤيديه، على الأقلّ، على قبول بعض المجازات). وها هنا، سيتمّ تجاهل هذا البديل، وسيتم افتراض (مع ذكر الأسباب المذكورة أعلاه) أنّ الحلّ الموحِّد في (مظهره التقليديّ المتماثل) فاشل. وهذا لأنّ ما يهمّني هنا ليس إذا ما كانت توجد أيّ حاجة لتبدأ بها الحالات الراهنة، ولكن بالأحرى، إذا كانت هناك مثل هذه الحاجة، فهل ستتمكّن الحالات الراهنة من حلّ المشكل الذي أُدرجت من أجله.

[9] - راجع أيضاً: أرمسترونغ، المجلد i، (1978، 1997ب، 2004). يصف أرمسترونغ ذلك بــــ «حجّة صانع الحقائق» لوجود حالات راهنة. قدّم مولنار(2003) مصطلح «حجة رئيسة» له (وهو عنوان مناسب بدلاً من ذلك نظراً إلى مكانته بين مؤيدي الحالات الرّاهنة).

[10] - في ما سيأتي (بصفة كليّة) ستتمّ الإشارة إلى الحالات الرّاهنة باستخدام الخطّ المائل.

[11] - شيء ما مثل أنّه لا يمكنك أنْ تشرح خصائص الأفيون التي تحفّز على النوم بالقول إنّها تنبع من «فضائل النوم».

[12] - ربّما يمكننا حتى القول إنّهم يحيلون إلى «مظاهر» مختلفة من الحالات الراهنة. ولكن بعد ذلك يجب علينا أنْ ننتبه، إذاً، إلى أنّ الحديث عن «المظاهر» لا (يعيد) إقحام الركائز والكليّات باعتبارهما مقولات متمايزة.

[13] - إذا افترضنا أننا نقبل مبدأ ديفيد لويس(1991) للتركيب المريولوجي غير الحصريّ.

[14] - من المؤكَّد أنّ هذا الرّأي لم يقنع أحداً من محكّمي هذا النصّ.

[15] - ولمّا كان هذا الفعل ينطوي أساساً على مكوّنات الحالة الرّاهنة التي من المفترَض أنْ يوحّدها، فيمكن للمرء أنْ يعترض على أنّها ليست بوحدة خارجيّة حقيقيّة بعد كلّ شيء (وقد يتساءل المرء عن ماهية الاختلاف الذي يتيح فرص الاقتراح لحلّ مشكل الوحدة). هنا أترك مناقشة هذا الاعتراض المخصوص لمناسبة أخرى.

[16] - Vallicella (2000: 256) لا يوافق على هذا التصوّر. ومع ذلك، بقدر ما أستطيع أنْ أرى الأمور، لا يمكنه فعل ذلك إلا إذا اتّخذ «الحالة الرّاهنة» ليعني بها 'حلّ مشكل الوَحدة»، وهي استراتيجيّة أودّ النّصح باعتماد خلافها.

[17] - دافع عن هذا الرّأي أوريليا (2006) و(2009) (وجهة نظر مماثلة تمّ اقتراحها من قبل جاسكان 2008 و2010. وانظر أيضاً مورين (2013 b) بالنّسبة إلى الاطلاع على نقاش نقديّ يتعلّق بوجهات نظر كلّ من أوريليا وجاستان)، وتوجد مبادرة مبكّرة في طرق هذا الموضوع سابقة لأوريليا من طرف سلجبارغ الذي كان ينشر حصريّاً باللغة السويديّة. ولكن بفضل ترجمة يمكن القول إنّها حديثة نسبيّاً) بواسطة أشبارغ ورنغستروم، انظر سلجلبارغ 1999 أصبحت أعماله الكاملة متاحة الآن باللغة الإنجليزيّة. لمعرفة المزيد عن آراء سلجلبارغ، راجع: أوشبارغ (1999) ومورين (b2014).

[18] - أفترض أنّ تفسيراً ميتافيزيقيّاً مختلفاً هو تفسير من قبيل أنّه إذا كان x يفسّر ميتافيزيقيّاً y (إذا كانت y موجودة بفضل x) عندها x لا يستلزم فقط y، أوْ يجعلها موجودة/متاحة، ولكنّه يفعل ذلك بفضل كون y (مريولوجيّاً أوْ غير مريولوجيّ) تتكوّن من، أو، على الأقل، من خلال كونه الأساس الذي تقوم عليه y أو التي تنبثق منه. هذه بطبيعة الحال ليست سوى طعنة أولى في رصيد التّفسير الميتافيزيقيّ المختلف، ولكن سيتعيّن القيام بها الآن. راجع أيضاً على سبيل المثال: باتي (2010) وSchaffer (2010) وWieland وWeber (2010).

[19] - أفترض أنّ تفسيراً ميتافيزيقيّاً مختلفا هو تفسير من قبيل أنّه إذا كان x يفسّر ميتافيزيقيّاً y (إذا كانت y موجودة بفضل x) عندها x لا يستلزم فقط y، أوْ يجعلها موجودة/متاحة، ولكنّه يفعل ذلك بفضل كون y (مريولوجيّاً أوْ غير مريولوجيّ) تتكوّن من، أو، على الأقل، من خلال كونه الأساس الذي تقوم عليه y أو التي تنبثق منه. هذه بطبيعة الحال ليست سوى طعنة أولى في رصيد التّفسير الميتافيزيقيّ المختلف، ولكن سيتعيّن القيام بها الآن. راجع أيضاً على سبيل المثال: باتي (2010) وSchaffer (2010) وWieland وWeber ((2010.

[20] - ربّما يكون المذهب اللانهائيّ متوافقاً حتّى مع تصوّر معدَّل قليلاً من مبدأ (ت ج)؛ لأنّه، بالنّظر إلى مذهب لا نهائيّ معيّن، لا يرجع ذلك التوافق ببساطة إلى أنّ كلّ خطوة من التراجع تُفسّر بما يليها ما يضمن وجود الحالات الراهنة مفسَّرة بطريقة ميتافيزيقيّة؛ من المهم أيضاً لينجح الاقتراح أنْ يكون هناك العديد من هذه الخطوات بشكل لا نهائي. لكنّ هذا لا يعني، إلى حدٍّ ما، أنّ التفسير، حتّى وفق هذا التّقدير، يخفق إلى ما لا نهاية (راجع كامرون 2008، لمناقشة مماثلة). أعتقد أنّنا نستطيع أنْ نستنتج أنّه سواء أوقع الدفاع عن مزيج من اللّانهائيّة أم لم يقع مع مبدأ (ت ج) المعدّل إذاً، فإنّ حقيقة أنّ اللانهائيّة لا يمكن إلا أنْ تفسّر ميتافيزيقياً وجود الحالات الرّاهنة إذا تمّ استبعاد مبدأ (ت ج) (في شكله الأصلي)، وهو ما يعني أنّ اللّانهائّية لا يمكن أنْ تفسّر وجود حالات راهنة أوْ مرحلة.

[21] - قد يظنّ البعض حتّى أنه إذا ما كانت التبعيّة، وكذا شأن التّفسير (الميتافيزيقيّ)، يجب أنْ يؤخذا على أنّهما متناظريْن، فهذا المعطى، في حدّ ذاته، يدلّ على فشل التصوّر (راجع على سبيل المثال شافير 2010). وأترك مناقشة هذا الاعتراض لمناسبة أخرى.

[22] - عندما يغيّر أرمسترونغ، في كتابه (2005، 2006)، فكره بشكل مفاجئ (وذلك فقط لتغييره مرّة أخرى بعد فترة وجيزة)، ويجادل بأنّ التمثيل ضروريّ، ومن ثَمَّ يحلّ بشكل آليّ المشكل الذي تمّ تقديم الحالات الرّاهنة أصلاً من أجله، فهو حريص على الإشارة إلى أنّه لا تزال توجد أسباب أخرى لقبول وجود حالات راهنة. وهذا يعني أنّه حتّى لو نجحت الحجّة الواردة في هذه الورقة في البرهنة على أنّ أحد الأسباب المهمّة لوضع حالات راهنة قد فشل، فإن ّهذا الأمر يُضعف على نحو كبير إمكانيّة وجود حالات راهنة. انظر: ولترستروف، الهوامش رقم: 10، 49، 50، 117