الحجاج العاطفي في الخطاب السجالي: مقاربة حجاجية للردود حول كتاب "صحيح البخاري نهاية أسطورة" لرشيد أيلال


فئة :  أبحاث محكمة

الحجاج العاطفي في الخطاب السجالي: مقاربة حجاجية للردود حول كتاب "صحيح البخاري نهاية أسطورة" لرشيد أيلال

الحجاج العاطفي في الخطاب السجالي:

مقاربة حجاجية للردود حول كتاب "صحيح البخاري نهاية أسطورة" لرشيد أيلال

 الملخص

يروم هذا البحث دراسة السجالات التي أثارها كتاب "صحيح البخاري.. نهاية أسطورة" لرشيد أيلال، انطلاقا من منظور حجاجي، يراهن أساسا على الكشف عن الحجاج العاطفي في هذه الخطابات، نظرا لكونها تنزع إلى إثارة انفعالات المتلقي والاستحواذ على عواطفه، فتستخدم اللغة في انزلاقاتها وتحولاتها الدلالية، لتغدو آلية للتضليل وبسط الهيمنة ونفي الآخر وتدميره، والعمل على إنهاء حضوره ووجوده. إنها خطابات تحفل باللغة الانفعالية، فالمساجل عادة ما يصوغ خطابه بطريقة تهدف إلى تحريك عواطف المتلقي (الخصم والجمهور)، للتأثير فيه وحمله على التسليم بالدعوى والأخذ بها.

مقدمة

يعد الخطاب السجالي شكلا من أشكال التفاعل الخطابي، وحدثا تلفظيا، يعتمد على أقوال تتضمن أفعالا إنجازية لها قدرتها الخاصة على تحقيق القصد المشترك بين خطاب الأنا وخطاب الآخر([1]). ويتشكل من الفعل ورد الفعل، فعل القول بوصفه فعلا يثير العملية السجالية، ورد الفعل بوصفه استجابة تكمل دائرة هذه العملية ([2]). ويحيل في الغالب على معنى المبارزة بين الخصمين، ويشي بنوع من الصراع والعداوة بينهما، فكل خطاب سجالي - كما يقول Garand))- مستمد من صراعٍ([3]) يُجسد فكرة الحرب التي يتضمنها المعنى اللغوي للسجال، حيث تتحول فيه الفكرة في عملية سجالية إلى خطاب([4]) يستخدمُ اللغة في انزلاقاتها وتحولاتها الدلالية، ويهتم بجانبها العاطفي اهتماما واسعا، فتغدو كل إمكانية من إمكاناتها محملة بالعاطفة وحاملة لها.

ولما كان الأمر كذلك، فإن اهتمامنا في هذا البحث سيتمركز أساسا حول الكشف عن كيفية تشكل الباطوس في سجالات المحافظين وردودهم على (رشيد أيلال)، فقد عمد هؤلاء إلى إثارة عاطفة المتلقي والنوازع الكامنة فيه؛ لأن الانفعالات تساعد المتلقي على اتخاذ قرار ما، ويُقْصد بها «الأسباب التي تجعل الناس يغيرون أحكامهم، وتلزم عنها اللذة والألم، مثل الغضب والشفقة والخوف وسائر التأثيرات الأخرى»([5])، فكثير من الناس لا يمكن تغيير مواقفهم استنادا إلى حجج عقلية (اللوغوس)، ولكنهم يصبحون على استعداد لذلك إذا شاركتهم مشاعرهم؛ فالقدرة على الإقناع ـ كما يقول (ميشيل ماييرMechel Meyer )ـ تقتضي المعرفة بما يمكن أن يحرك الذات التي نتوجه إليها بالخطاب، أي معرفة ما يحركها([6]).

غير أن مؤول الخطابات الحجاجية لا يجد في البلاغة القديمة ما يمكن أن يتزود به من أدوات تسعف في تحليل التقنيات اللغوية والأسلوبية التي تبني الأهواء([7])، لذلك سنستند إلى طرح (كريستيان بلانتان Christian Plantin) الذي انتهى في تصوره لبلاغة الأهواء إلى إقامتها على مبدأين هما: ملفوظات الانفعال، الذي استعاره من النظرية التوليدية ومن النظريات المعجمية والنحوية التي اهتمت برصد الأفعال المعبرة عن الانفعالات، من خلال وصف المعجم المعبر عنها.([8]) ومواضع الانفعال، ويتعلق الأمر هنا بملفوظات لا تحتوي على لفظ من ألفاظ الانفعال، ولا على تعبير يمكن أن نستشف منه انفعالا معينا، ولكنها رغم ذلك تستطيع أن تثير عاطفة المتلقي، فتلك الملفوظات لا تعين الانفعالات بأسمائها ولا تشير إليها بما ينجم عنها من آثار نفسية وفيزيولوجية، بل نحن إزاء ضرب من التوجيه الانفعالي مداره على وجود سمات انفعالية، بها يتجه الملفوظ نحو التعبير عن انفعال ما وبفضلها يغدو حجة تبرره. ([9]) فما هي أهم العواطف التي أثارتها الردود حول كتاب رشيد أيلال "صحيح البخاري.. نهاية أسطورة"؟ وما الغاية منها؟ هل هي غاية إقناعية تسعى - من خلال إبرام علاقة اتفاق مع المتلقي- إلى التأثير فيه وإقناعه بالعدول عن أمر ما وتبني أمرا آخر؟ أم غاية عدوانية تنشد إفحام الآخر وتخويفه، عبر احتفائها بالعنف اللفظي وانزلاقات اللغة؟

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

([1]) الخطاب السجالي في الشعر العربي تحولاته المعرفية ورهاناته في التواصل، أحمد عبد الفتاح يوسف، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، ط 1، 2014، ص 9

([2]) المرجع نفسه، ص 9

([3]) Ruth Amossy et Marcel Burger, Introduction: la polémique médiatisée, https://journals.openedition.org/semen/9072

([4]) الخطاب السجالي في الشعر العربي، مرجع سابق، ص 79

([5]) أرسطو، الخطابة، ترجمة: عبد القادر قنيني، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، 2008 ص 88

([6]) محمد الولي، "مدخل إلى الحجاج: أفلاطون وأرسطو وشايم بيرلمان"، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ع 2، المجلد 40، أكتوبر 2011، ص 30

([7]) محمد مشبال، في بلاغة الحجاج، دار كنوز المعرفة، عمان، الأردن، ط1، 2018، ص 267

([8]) Plantin - 1998 - Les Raisons Des Emotions.

https://fr.scribd.com/document/162760999/Plantin-1998-Les-Raisons-Des-Emotions

([9]) حاتم عبيد، من الخطابة إلى تحليل الخطاب ــ مفاهيم خطابية من منظور جديد، دار رؤيا للنشر، القاهرة، مصر، ط 1، 2018، ص 134-135