الحداثة بين الانعطاف والأفول
فئة : أبحاث محكمة
الحداثة بين الانعطاف والأفول
ملخص
كلما تعلق الأمر بالحديث عن الحداثة، عن ماهيتها وعن سماتها وخصائصها، وعن حقبتها وآفاقها، ومن تم عن طبيعة علاقتها بما بعدها، إلا وكان السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح وبصيغ مختلفة، هو بالضبط ذلك الذي يروم التحقق مما إذا كان العصر الذي ندعوه بـ «ما بعد الحداثة»، هو فعلا بمثابة «عصر جديد»، يصطلح عليه بـ «عصر ما بعد التاريخ وما بعد الإنسانية وما بعد السببية وما بعد المحاكاة وما بعد الميتافيزيقا وما بعد التجاوز»؛ عصر يرمي بنا كما يقال، في عالم ما بعد الحداثة، بوصفه «عصر الما- بعديات الذي سقطت فيه كل الما- قبليات بسقوط الكل المتجاوز»؛ حيث يصح أن نقول إن الحداثة الآن في طور الأفول، إن لم تكن قد أفلت فعلا وبلغت نهايتها؛ وأن أفولها هذا هو بمثابة إعلان عن إخفاقها وإفلاسها؛ وأن الفكر لم يعد بإمكانه أن يقول شيئا، أو أن يتحرك في ساحة الوعي الأخلاقي السياسي أو الفلسفي؛ لأن اللعبة تغيرت فعلا وبشكل تام، وأصبحت الوظيف الحقيقية الوحيدة والحيوية للمثقفين كما يشاع، هي «استثمار التناقض والسخرية والتشظي وجمالية الارتداد والثورة دوما على القانون والبداهة، مادام أن الأمر قد صار يتعلق بقاعدة للعب جديدة تماما، هي قاعدة اللايقين الذي أصبح يتحكم في العالم، والذي تحول معه النقد إلى مجرد سخرية موجهة صوب الصدفوي والجرثومي والكارثي والانقلابي»؛ أم إن هذه الفترة التاريخية الاخيرة التي يصطلح عليها بما بعد الحداثة، لا تعدو أن تكون منعطفا للحداثة نفسها، أو بالأحرى، «الصبغة الخيرة للحداثة ذاتها التي تزعم أنها تعوضها، وأنه ليست هناك فترة تاريخية مستقلة عن الحداثة، نستطيع تسميتها بما بعد الحداثة، بل هناك فقط تحولات اقتصادية واجتماعية أعطت للإمبريالية آليات جديدة لتضاعف من هيمنتها»؛ ولا سيما أن الحداثة نفسها من حيث هي «حركة تسييل العالم التي انطلقت منذ عصر النهضة الأوروبية، ورمت إلى تذويب كل ما هو مادي صلب في حركة من التنقلات داخل شبكة كبرى تجرف المدن والاقتصاد والإنسان»، لم تتوان عن إفراز حداثة مضادة لها، «كنوع من الاعتراض على هذا العصر التقني الذي يسند الحضارة الصناعية بما يميزها من ضياع وعنف وأنانية مفرطة وعبودية مقنعة وأضرار جسيمة تجتاح الثقافة والطبيعة» معا، بل وحتى الإنساننفسه الذي صار وقد حولته التقنية إلى مجرد «بهيمة شغل»، مختزلا، بعد المشروع السيبرنيطيقي والثورة الرقمية - اللذين أفرغا الذات الحديثة من كل القيم التي تشكلت منها مع النزعة الإنسية والأنوار والحداثة، باعتبارها ذاتا متفردة وحرة، تملك جوهرا وداخلا وعمقا ونقدا- في مجرد علاقة تواصلية وتفاعلية مشروطة بالاستهلاك الرقمي وما يقتضيه من تسطيح وتأليل وشفافية وتغدية راجعة وإخراج من السياق وتشفير وحوسبة وإنكار للذات وقلب للقيم؛ مما يجعل الحاجة ماسة إلى نقد جدري لأسس الحداثة نفسها، وإلى مراجعة وفحص شامل للمبادئ والمسلمات الكبرى لدعاة ما بعد الحداثة، وما قد تنطوي عليه أطروحاتهم من أغاليط وأوهام ومشاريع وأخطار، لعل ذلك يكون مساهمة منا في العودة إلى التنوير، وفي إرساء المعقولية من جديد في النسيج الاجتماعي، وعملا على إعادة صياغة تصوراتنا عن كل من التقنية والعلوم الحديثة، وعن طبيعة هذا الوجود السائل والرقمي الذي يشرط وضعنا وعالمنا المعاصر ليظهره بمظهر العصر الجديد، حتى نتملكه بدل أن يتملكنا.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
