الحداثة والمجتمعات القيومية قراءة في موانع استنبات الحداثة بالتشريط الغربي
فئة : مقالات
هل يمكننا أن نتحدث في الراهن عن مجتمع حداثي في عالمنا العربي؟ ماجدوى حديثنا إذا كان المتحدث/الفيلسوف والمفكر خارج إطار المدينة[1]، إنساناً قيومياً لا يؤمن بمسألة الزماني أصلاً؟ الإيمان هنا لا يعكس ضرورة ذاتية في التوجه نحو الاعتقاد، بل يعكس خصوصية حضارية في البناء لمجتمع الحداثة، إننا نعاني استشكالات بنيوية في استنبات قيم الحدث/الراهن/الآني[2]، لأنه أصبح خارج المعقول الذي يحتاج منا أن نؤنسنه؛ فالحداثة لا يمكنها أن تعيش خارج المدينة باعتبارها بناءً بشرياً[3]، فهل الخصوصية الثقافية العربية تشتغل وظيفياً ضمن إطار المدينة أم أنها ما تزال فعلاً صحرواياً[4] يبحث عن حالة البناء في الاستخلاف الديني الذي صادر حقيقة التوجه البشري نحو فرضية هي بالأساس أخروية، وما المقولات التي يرتجلها المسلم في حياته إلا تعبير عن تلك الآلية التي تُعبِّر عن فساد الآني وصلاح الأخروي، هذا ما يعبر عن لازمنية مخصوصة في الوجود الثقافي العربي، وتلك أساساً مصادرة أولية عملت على تهميش أية حاجة لاستنبات مشروع حداثي معين، والمصادرة في تصوري كانت في تشقيقين:
- شق مرتبط بالمقدس التاريخي؛ فنحن نعيش زمن الموروث المقدس ضمن نص السيادة العليا[5] الذي علقنا عليه تقدمنا، فهو في التصويب تقدم النص الذي ما يزال يحافظ على خصوصية القداسة في إنيتنا وليس تقدمنا نحن، ما نزال معلقين على مشجب القدامة، باعتباره فعلاً يقع في أزمنة غيرنا، كائنات لا تنظر عند قدميها، بل رؤوسها إلى الوراء، وجودنا كلّه منحصر في الحركة إلى الوراء لذلك تحركت رمال الخراب في اللحظوي، وأدى كل ذلك إلى تنامي أشكال السلفيات المختلفة لوجود عوامل كثيرة أدت إلى تعطل عام في خصوصية حضارتنا العربية. وعليه فهناك موانع بالجملة وقفت في وجه استنبات مشروع حداثي حقيقي، لعدم تسييق أساسي لخصوصيتنا في الحداثة ذاتها، باعتبارها مشروعاً خارج الرمال، مشروع لا يمكنه أن يتجاوز معضلة السلفيات المتنوعة، هذه الأخيرة لا نقصد بها السلفية الدينية فقط، وإنما سلفيات اقتصادية واجتماعية وسياسية[6]؛ فالعقل العربي يعيش على هذا التجانس المخل بين الدفع الاقتصادي البترودولار الذي يقتات على طبقات الأرض، والعقلية الارتكاسية ثقافياً نحو طبقات التاريخي، فكلاهما متجانس في عمق المسألة، ونحن هنا لا ندعو إلى الانسلاخ عن السلفية بقدر ما ندعو إلى دفع الحياة فيها وزرع قيمة الدنيوية لتحريك العقل التاريخي، لتصبح له دلالة الإبداع البشرية تحرير الأرض من قيمة الأخروية المسكون فيها، باعتبارها قيمة مجهضة للآني/الراهني لصالح القديم/الأخروي، القديم الذي شرط الصالح في نموذج مرحلي[7] أدى في تصوري إلى إفناء الآني وقتل لفلسفة المعيش/الدنيوي، وتعلقه على الصلاح المعيش خارج الدنيوي أساساً، هذا ما جعلنا نفكر بعمق في موانع استنبات حداثة عربية من داخل التفكير في السلفيات المختلفة من خلال تفكيك عضويتها اللازمنية، وإعادة ووضع على الشرط التاريخ، وتحريك ممكن الانهيار الذي سكن التاريخ العربي من لحظة تعطله وإنبائه ضمن عقلية فقهية تعتمد الاستدعاء والاستذكار دون إعادة تجديد خط التاريخ بإعادة بناء الموضوع الديني أو السلفي بناء جديداً.
- ولعل هذا الادعاء ناقشه نخبة من مفكرينا العرب لكنهم فكروا فينا بأدوات غيرنا؛ فكانت المهكلة التي جعلتنا دوماً في متاهة غيرنا دون أن ندرس ذواتنا، لذلك طرحوا ذلك التساؤل الكارثة من أين نبدأ؟
فالحداثة لا يمكنها أن تعيش خارج المدينة، باعتبارها بناءً بشرياً
وهنا سنحلل السلفيات في تمظهراتها الآنية، لنفهم كيف تكونت السلفيات القديمة، وغرضنا هنا ليس هدر السلفيات وعداءها، بل لنفهم كيفية اشتغالها في العقل الفقهي الذي كون منظومتها الثابتة، وتمظهراتها في السلوك الجمعي، إنه عمل يهدف إلى تحرير العقل من الوحدات البنيوية السلفية التي جعلته يتكلس على نفسه، ليصبح فاعلاً في الآخرة لا منفعلاً في الدنيا، عقل متكلس، مسلوب الإرادة من الفعل، عقل أهوائي لا متعقل. هذا يمكننا من تحليل القُبوريات الكامنة فيه ومدى انفعالها بالتجربة الوجودية العاطفية لا التجربة الوجودية العملية، إذ تهدف إلى تحرير الجوارح من الحال وفلسفة المقال، لتصبح الجارحة منفعلة بالعقل ومتجردة باعتبارها فعل آلة لا فعل قلب، أن تتجاوز السبك العاطفي من خلال تلاحق التقنية لتتخلص من الثابت إلى عقلنة الحركة، وبالتالي فالرهان الحقيقي هو كيف نتجاوز هذه السلفيات ابتداء؟
تجاوز هذه السلفيات لا يعني الانفكاك منها لأن الفكاك يعني الانتحار الجمعي، بل يهدف إلى إعادة تأهيليها بما يتطلبه الواقع لتصبح لها الدلالة الدنيوية المهمة. إننا نهدف إلى إصلاح المنظومة الدينية من الداخل بإعادة شروط الحداثة ذاتها، لا أن تبقى فقهياتنا مجرد قوالب مخزونة بالذاكرة بقدر ما نعمل على استدعائها في حياة الجمهور المنفعلين بها.
و نحن هنا لا ندعو إلى الانسلاخ عن السلفية بقدر ما ندعو إلى دفع الحياة فيها وزرع قيمة الدنيوية لتحريك العقل التاريخي
وهذا يفرض علينا تخريجاً جديداً للمفهوم وللعمل به ليس على مستوى تفعيل الجارحة في الواقع فقط، وإنما على أساس مهم تحصيل الاتباع طريقة وسنة في الاستخدام الإسلامي التقليدي وتفعيل هذه السنة مع شرط الحداثة. قد يعني ذلك تصادم بنيتين قديمة وجديدة، باعتبار السنة تحيل إلى التراث، والحداثة قطع مع الممارسات السابقة، وعليه فالسنة يمكنها أن تتفاعل مع الآني بشكل يحافظ على بنيتها في الجماعة شرط ما يضيفه لا ما يُعطِّله، وهنا تتحرك الجماعة نحو إيجاد سبل تفعيل السنة في قيمية المجتمع لا أن تبقى ملفوظاً شفوياً يتحرك على ألسنة الفقهاء، أن تخرج من دائرة الترهيب في الجزاء، إلى دائرة التهذيب في الفضاء الجماعي، وما تحصله من قيم السعادة في المجموع، على أن يكون الاتباع شرط تحريك وبانياً لاتيقاً اجتماعية تبني قيم التسامح، لا أن تصبح فعلاً مصادر لآنيتها باستخدام جوانب أخروية تُفقد صلاحية السنة ذاتها، على أنني لا أرى ضرورة أن ندعي في كل الأحوال أن الحداثة هي قطع مع الممارسات السابقة بقدر ما تعني إيجاد الخصوصية. فهي خارج إطار تخصيص القيم، مجرد لعبة تضطرنا كل مرة أن نخرج ما في جعبة المنجز البشري ثقافياً، فهي في تصويبها ما تجانس مع كوننا جزء من عالم تتحرك فيه القيم الخاصة نحو جلب المصالح وتحقيق التحيز، الذي يمكننا كامنة مخصوصة من تفعيل قدراتها الإبداعية في إنجاح المآل البشري الباحث أساساً عن السعادة بما هي فعل دنيوي، إن لم نلاحق منجزها التقني، نستطيع أن نجد في قيمها الحضارية ما يجلب الآخر نحو الاستراحة في ثقافتنا، إنها نوع من الضيافة الكبرى التي تحدد قيمة حضارتنا الخلاقة.
´وعليه لمناقشة الحداثة والتراث علينا أن نطرح تساؤلاً، هو: ما الذي يجعلنا نصنع بصمتنا في الحداثة الكونية؟
هناك مبدآن متساويان في منظوري: مبدأ الشمول، ومبدأ الخصوص.
(1). مبدأ الشمول:
هو كل ما من شأنه أن يتغيَّا صبغة الإنسانية في الحداثة، وما تتأسس عليه باعتبار نفعها للإنسان ككل، ومحصلة ذلك مسائل التحديث/التقنية أساساً
(2). مبدأ الخصوص:
مبدأ الخصوص ما من شأنه أن يعني صبغة المحلية في الحداثة، وهذا ما يجعلنا أمة ما تنماز عن أخرى، وهذا سبب الفروق، وهي سنة طبيعية.
´وعليه فالمبدأ الثالث؛ ما الذي يجعلنا في الشمول من خلال تركيز مبدأ الخصوص؟
أكيد أنه هناك يتدخل مبدأ ثالث، وهو التكييف والإضافة، فلو نظرنا إلى حالنا نحن العرب والمسلمين من أي الجهات يمكننا أن نحقق الإضافة تلك. فأما الشمول، فنحن جزء منه منذ عهود الرشدية التي فتحت العقل الغربي واسعاً على مراجعته قبوريته المضاعفة، حيث الحداثة وفق التصور المطلوب هي صناعة بشرية لا مزية فيه لجنس على حساب آخر. وأما مبدأ الخصوص، فذلك لحفظ المجتمعات البشرية من أن تفسد أمزجتها أو يتغير قانونها التاريخي، ولو أن المركزية حاولت كسابقتها الإسلامية أن ترسم بعداً واحداً للحداثة، وهو؛ بعد الغالب الذي يفرض قوانينه وقواعد لعبة السيطرة، وبالتالي لو نظرنا في جوهر الخطاب الديني عندنا سنجده متكلساً على تلك المرحلة في التاريخ، والتي أصبحت متخيلاً في الآني، حيث يشتغل متخيل الانتصار في واقع الهزيمة، فما يتغنى به البعض تذاكياً أو تغابياً لا يمت إلى أمتنا بشيء، فلماذا هذا الشرخ أساساً؟ إن السؤال الذي يطرح نفسه ماهي العوائق المبدئية والأساسية التي عوقت مسار استنبات حداثة عربية على مستوى كلياني وليس على مستوى جزئي؟ فالحداثة تطرح مسائل عميقة تمس بنية الثقافة ذاتها، هل هي قابلة لأن تتلقى المنجز البشري دون موانع تحتية تقف عائقاً طبيعياً أو ثقافياً دون تحقق المشروع؟ حيث خلص تأملنا إلى وجود عوائق وموانع جوهرية كامنة في العقل الديني، باعتباره الثابت المرجعي في الثقافة العربية، هذا الأخير جعل مشروع الحداثة لا يستقيم في سماء المخاصمة الكونية من محاولة إيجاد منظومة بديلة أو تفعيل لمنظومة في اتجاه المفهوم الغربي، وبالتالي باتجاه الممارسة الغربية لحداثتهم، فهل يفرض علينا الموقف أن نؤسس حداثة إسلامية بتعبير طه عبد الرحمن أم علينا تحليل القبوريات المختلفة التي حالت دون استقامة المشروع؟ أو أن طرح السؤال سيحاول مساعدتنا على فهم قصورنا في الانخراط في الحداثة الكونية أو أن منظومتنا الدينية تجعلنا نتخبط في تصور صورة الإسلام الذي يمكنه أن ينخرط في الحداثة؟ هو في المبدأ سؤال مسموم عن مفهوم الحداثة الإسلامية عن أي إسلام مقصود؟ وأية حداثة نقصدها؟
´فعلينا من وجهة نظري تحديد المقصود من الحداثة، ثم تحديد أي نوع من الحداثة المطلوب دفعها؟ ثم ما المقصود بالسلفيات الحائلة دون قيام مشروع حداثي؟
مع أنني أقر هاهنا أن مشروع الحداثة المبحوث في ثقافتنا العربية مسلوب من اتجاهين مهمين:
· أولاً حداثة مستلبة من جهة الإشكالية أساساً؛ أي أن أغلب المشتغلين بالمشروع كانوا طلبة تأثروا بالمنجز الإبداعي الغربي، لذلك فالمسائل الكبرى للتحديث عندهم مجرد استيلاف أو استنساخ لمشروع الحداثة الغربي في جانبه المُسِفِّ. ونجدهم قد نقلوا الصراعات مما شكلت أوجه المقاومة ضد هذا النوع من الاستزراع لمشروع الحداثة الغربي، وهنا تولدت إشكاليات نتيجة مقولتي الانفتاح الكامل والاستعصام الكامل ظهرت ثنائيات من قبيل: شرق/غرب وغيرها من التمشكلات التي ماهي في تصوري إلا واجهة أمامية للصراع الحقيقي للنماذج الكبرى، حيث يبدأ المشروع بزرع نموذج من المتتاليات التي يفيد بها النموذج الثقافي الأكبر.
· نموذج داخلي لا خارجي، حيث إن هناك داخل محيطنا الثقافي، وضمن فضاء ثقافة مغلقة تكونت الحتميات السلفية المانعة من استنبات المشروع، فما معنى مجتمع القيامة الذي تماوتت فيه الحداثة؟ وهل الحداثة مفهوم يسري دوماً في اتجاه التنظير الغربي له؟
وهنا سنتناول جزئيتين مهمتين في تقديري:
Øما المجتمع القيومي أو القيامي؟
Øفي الحداثة أو في مفهمتها بإعادة صناعة المفهوم؟
إن القيومية ليست فعلاً في التاريخ، بل تقع خارجه، تعمل صورها المتخيلة على إنهاء التاريخ، فالتاريخ البشري الدنيوي ليس له قيمة مفهومية في التنصيص القيومي، حيث ترجئ الأفعال الآنية إلى مصادرات في زمن آخر تعلق به قيمة الصلاح هنا، وهنا تتحول القيومية إلى مفوض للراهن، باعتباره بنية مفارقة للمفهوم القيومي الذي ينبت في أرض غير هذه الإهدارات التي تستمد إلى أشكال مضاعفة :
sإهدار لمفهوم الآني.
sإهدار لمفهوم الإنسان.
sإهدار لمفهوم الفعل.
هذه المكونات الجنينية لقيمة الدنيوي تفقد كل سبيل إلى تراكم التجربة البشرية، أصبح الفعل البشري مسلوب الدلالة من الآني لصالح آخر أخروي/قيومي، حيث كل فعل له ما يرجئه هناك، لذلك فالشخص هنا فاقد لقيمة الأرض معلق إلى الفوق، التحت بما هو جسد الأرض يسير وفق إملاءات محدودة ومضبوطة، مقولات التقشف والزهد ومتوالياتها، البكاء والرثاء هذه النظرة التأملية تعكس بعداً جوهرياً يخص كل الثقافة العربية القائمة في مشهد الاستوقاف وبكاء الراحلين، وعلى ما ضيعنا من العمر، وأن العمارة الحقيقية هي العمارة هناك في الآخرة. أما الدنيا، فهي منطقة عبور وتجاوز، فالعابر لا يمكث، لا يستقر، فهو في رحيل دائم، تلك الأدلوجة العربية القديمة هي عادة جاهلية سمَّمت الفكر العربي كله، وجعلته يؤول إلى هناك/الآخرة، فلسفة المآل الذي جعل الأرض العربية مليئة بالخراب واليباس، والرحلة بحث عن الإشباع والخضرة والجنة المضاعفة، لذلك فالجغرافيا العربية ومن ورائها الثقافة العربية، فضاء من التلال والرمال كونت في نفسية العربي حالة من القلق وعدم الاستقرار، ولم تعرف تلك النفسية ثباتها إلا بعد تلك المركزية التي مكنها النص الديني الذي نقل الإنسان من الخراب الطبيعي إلى حالة الإشباع البلاغي والنصوصي، حيث جعلهم المركز وفق تخريجين:
1.تحويل القبلة في اتجاه الكعبة.
2.علاقة الدعوة باللغة القرشية وجعلها من ثمة فعلاً تشريعياً.
وكلاهما تحويل ينم عن مركزية مهمة في الجغرافيا، وتعلقات مجتمع الوحي ركز تلك الكفاءة السردية لمجتمع الصحراء، الذي أصبح فيما بعد مركزاً حضارياً بالغ الأهمية، ذلك الفضاء يحمل أبعاداً بروكسمية مقدسة مرتبطة أساساً بمجتمع الوحي، وهذا ما نجم عنه انفصال بين وحدة الأرض ووحدة السماء، حيث أصبح الدنيوي شيئاً هامشياً وجانبياً على حاشية الخصوصية السماوية التي أمدت تلك الحضارة بعوامل الجذب والإمتاع.
* اليامين بن تومي أستاذ جزائري
1. المدينة فعل بشري خالص يعبر عن جهد العقلانية التي حاولت أن تنسج فضاءاً تذوب فيه العرقيات والتصنيفات المختلفة، ففيها تسكت العصبية ويخفت الاختلاف ويسود القانون، فهي في منظوري بؤرة بشرية ذابت فيه الفصوص الخلافية بين الألوان والأجناس فيما يعبر ميشال دوسارتو، حيث استطاعت العقلانية أن تجد مسوغاً حاداً لإسكات الفروض اليوتوبية إلى تحققها من خلال الإرادة البشرية لفعل التمدن، لذلك فالمدينة كما يعبر عنها دوسارتو تحدد وفقاً لثلاثة عمليات: "إنتاج مكان خاص: ينبغي على التنظيم العقلاني أن يقضي إذا كل التلوثات المادية أو العقلية أو السياسية التي تهدده - استبدال المقاومات غير المدركة والعنيدة للتقاليد - خلق ذات كونية وجمجهولة، وهي المدينة نفسها ..." ميشال دوسارتو ابتكار الحياة اليومية فنون الأداء العملي. ترجمة محمد شوقي الزين. الدار العربية للعلوم / دار الآمان / منشورات الإختلاف. الجزائر / الدار البيضاء / بيروت ط 1 2011. ص : 184.
2. لقد تجاوزت المدينة الإحراجات العنيفة التي جرتها الصحراء، أعادت وضع الإنسان العربي وضعاً أنطولوجياً جديداً مكنته من الانسجام مع الوحدات الكونية، ومكنته من تجاوز انسداد الأفق الوجودي، لكن ماتزال تلك المعضلات كامنة فيه رغم الانفتاح
4. من أكثر الملزومات التي تلح على الباحث العربي اليوم هي دراسة انعكاسات التضاريس البدوية على الفكر العربي؛ فالصحراء ظاهرة معرفياً ليس فقط على المستوى الوجودي، بل حتى على المستوى الروحاني حيث أدى التوحد المكاني إلى شيوع الديانات التوحيدية ومن ورائها الانعزالية الكونية التي أدت إلى شيوع مبدأ الاعتصام أو العصمة بتراث الأمة، ودلالات الصحراء على المستويين ما زالت حقلاً بكراً لم يتناوله الفلاسفة والمفكرون العربي بدقة وما تحمله من إشكاليات في صيرورة ممكنات التفلسف العربي وإعادة صناعته لماذا كانت عند اليهودي دافعاً للإنصات للعالم وعند العربي عوقت مسار استحداث نقلة فلسفية وأصبحت بالنسبة للعرب شبهة عطلت تجذرهم الفلسفي أم أن الإسقاط المخل هو الذي جعل تخريجها خارج دائرة السؤال العربي، لماذا عند اليهودي أخصبت المفهوم وجعلته يتخارج فلسفياً وعند العربي كانت نزعة تصحيرية للقيم والمفاهيم والعمران وماتزال تلك الصحراوية تشتغل في منظومة الفقهية والزعم المدنية تنسف كل قيم الحداثة و المعاصرة.
5. يعد هذا المصطلح واحداً من عضائد الركائز التي يشتغل عليها محمد أركون، ويقصد به نصوص الاحتجاج أو التي هي مصادر للتشريع
6. تتحرك السلفيات فيما يشبه المثبط الجمعي نحو هدر طاقة الفرد العربي في تحدي قيم الحداثة المتوارثة كابراً عن كابر، وكلها قيم أدت بالضرورة إلى تساندها في منظور السلم العام للقيم المتوارثة، بل وجعلها مصدراً مقدساً لا يمكن أن يتجاوز، وأي فعل في التجاوز يؤدي إلى خروج الفرد عن قيمة الجماعة، الجماعة بما هي مولد لقيمها ومنتج لفروع المعرفة، وبما هي قوة وسلطة تشكل مجتمع الشريعة العام
7. هناك فهم فاضح لمقولة "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" فترسخ نموذج للصلاح هناك /وراءنا ونموذج للفساد هنا، هذا الخلل الفطري أدى إلى فساد التجارب الآنية لأنها اجتهاد زماني في مكان بعيد عن الهناك، أدى إلى تجذير الفرق بين المرحلتين، هناك وهناك ارتسمت تلك المسافة بين الصلاح والفساد، وتلك معضلة العقل النصوصي الواهم.