الحرية وحدود سلطة الدولة
فئة : ترجمات
الحرية وحدود سلطة الدولة
تخيل أن فنان سيينا البارع أمبروجيو لورينزيتي، وجد نفسه في سفينة عابرة للزمان، تأخذه إلى يومنا الحاضر. تخيل أننا سألنا عن رأيه في الفلسفة السياسية التي عرضناها في هذا الكتاب، فما الذي تظنه سيقوله؟
أعتقد أنه سيجد الكثير مما ذكرناه مألوفاً لديه، متوافقاً -في العموم- مع الرؤى التي آمن بها. ربما يندهش لأنني أعطيت مساحة واسعة نسبياً لعرض الآراء الأناركية، كما سيستغرب من قول البعض إن لديهم اعتراضات أخلاقية على صيد الثعالب. لكن فيما يخص طبيعة السلطة السياسية، والحاجة إلى جعل الحكام مسؤولين أمام المجتمع السياسي، وكذلك العناصر الضرورية لتكوين حكم سياسي رشيد، فسوف يتفق معنا (آمل ذلك) في الخطوط العريضة على الأقل.
مع ذلك، فإني أتوقع أن يقف لورينزيتي محتاراً أمام الفصل الذي بدأناه للتو. يناقش هذا الفصل مبدأ الحرية، وما إذا كان ثمة حدود لقدرة الدولة على التدخل في حياة الإنسان؛ أي عن وجود نطاق من الحريات الشخصية التي لا تخضع لسلطة الدولة، ولا يصح لها الدخول فيها. هذه الفكرة تمثل عنصراً مركزياً في «الليبرالية»، الإيديولوجيا السياسية السائدة في عصرنا الحاضر، لكنها لم تكن معروفة في القرن الرابع عشر، يوم كان لورينزيتي يرسم لوحته الشهيرة في قاعة التسعة بمدينة سيينا الإيطالية.
نعلم بطبيعة الحال، أن الحكومة الصالحة التي ترمز إليها لوحة لورينزيتي، قد أتاحت للشعب قدراً واسعاً نسبياً من الحرية: فقد تركتهم يزرعون ويتاجرون أو يصيدون من دون قيود. لكن الأساس في هذه الحرية لم يكن الإقرار بالحرية كحق أصلي وكمبدأ عام. لقد ترك الناس أحراراً؛ لأن الحكومة ما كانت قادرة على التدخل في مجالات حياتهم كافة.
أما فكرة الحكومة المحدودة السلطات (أي التي لا يخولها الدستور التدخل في حياة الناس)، فقد تبلورت على مدى قرون عدة. وحصلت على الدفعة الأولى القوية خلال الصراعات التي أعقبت ظهور حركة الإصلاح الديني في أوروبا أثناء القرن السادس عشر[1].
للاطلاع على الملف كاملا المرجو الضغط هنا
[1] - لبعض التفاصيل حول حركة الإصلاح الديني في أوروبا، انظر سكوت ا. هندريكس: مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا، ترجمة كوثر محمود محمد، (م. هنداوي 2013) ن. إ. http: //hindawi.org/46139170 (المترجم)
[2] - جون ستيوارت مل: حول الحرية، مطابع شركة الإعلانات الشرقية (القاهرة 1960)، ص 115 (المترجم)