الحكاية المثليّة من منظور تداولي "كليلة ودمنة" أنموذجا
فئة : مقالات
الحكاية المثليّة من منظور تداولي
"كليلة ودمنة" أنموذجا
الملخص
تبحث هذه الدراسة في الحكاية المثليّة من منظور تداوليّ، وقد اخترنا هذا المنهج؛ لأنّه يدرس اللّغة في طور الاستعمال والتفاعل، حيث تنهض بوظيفة إنجازيّة؛ فيركّز على المقام والسّياق في تحقيق التواصل، ويهتمّ أيضا بالمتكلّم والمتلقّي والعلاقة بينها، وما يرافق الكلام من حركات الجسم وتعبيرات الوجه وقدرة المتلقّي على فهم مقاصد المتكلّم ومدى استجابته لهذه المقاصد. وقد تبيّنا بعد معالجة نصّ "كليلة ودمنة" أنّه ينطوي على وظيفة تداولية تتمثل في توجيه النص ضمناً أو صراحة إلى المتلقي يدعوه صاحبها إلى العمل بالتوجيهات التي يسعى إلى ترسيخها في السلوك الفردي والجماعي. ولهذا يجوز لنا أن نمنح القارئ قيمة سيميائيّة، حيث يكون إمّا منفصلا عن قصديّة الكاتب أو متّصلا بها، وفي الحالتين معا يُحاول إنتاج قراءة موازية يمتلك بفضلها سلطة تجعله على المنزلة نفسها مع المنتج الأوّل. فنسجّل بذلك تحوّلا من الاهتمام بالمؤلّف إلى الاهتمام بالنصّ بوصفه عملا أدبيّا يشتغل بواسطة فاعليّة القارئ. وقد جعل أصحاب الحكاية المثليّة بدورهم في إنتاج مؤلّفاتهم مقصدا مزدوجا يجمع بين الإمتاع والإفادة ممثّلة في الحكمة المحمولة على لسان الحيوان، ويرجون لقاء ذلك استجابة من القارئ تتجاوز الظاهر إلى الباطن، وهي أفق التلقّي الممكن الّذي ينهض به القارئ. ولمّا كان للقارئ هذه الأهميّة بوصفه طرفا في عملية الإنتاج عرضنا نصّ "كليلة ودمنة" على التداوليّة، حتّى نستنتج فاعلية اللّغة بعد الاستعمال فنتجاوز بذلك الاتجاه البنيوي الّذي يجرّد اللّغة من سياقها ويدرسها بمعزل عنه.
مقدّمة
يتّجه علم اللّسان حديثا في دراسة اللّغة وأنظمتها اتّجاهين مختلفين؛ أحدهما يميل إلى دراسة اللّغة بوصفها نظاما دالا بمعزل عن كلّ سياق، فيركّز أنظاره على دراسة النظام اللّغوي وعلاقة عناصره بعضها ببعض. ويمثّل هذا الاتّجاه "فـ. دو سوسير" (F. De Saussure) وكلّ الاتّجاهات الّتي جعلت من محاضراته ودروسه قبلتها كالبنيوية والنحو التوزيعي/التحويلي وغيرها. أمّا الاتّجاه الثاني، فيهتمّ بدراسة الاستعمال اللّغويّ، ويمثّل هذا الاتّجاه روّاد التداوليّة[1] وهي دراسة علاقة العلامة بمؤوّلها وبعبارة أخرى تدرس مسار العلامة الّتي تُنجز من قبل الباث في شكل رسالة يتلقّاها المتلقّي ليؤولها ويفسّرها. إنّها باختصار دراسة اللّغة في طور الاستعمال والتفاعل. ويعود استعمال مصطلح التداوليّة إلى الفيلسوف "تشارلز موريس" (Ch. Morris) في كتابه "أسس نظرية العلامات"[2]، حيث حدّد الإطار العام للسّيمياء من خلال تمييزه بين ثلاثة فروع مقتبسة من تصوّر "ش. س. بورس" (Ch. S. Peirce) هي التركيبيّة الّتي تدرس العلاقات الشكليّة بين العلامات، والدلاليّة الّتي تدرس علاقة العلامات بالأشياء الّتي تؤول إليها، والتداوليّة، وهي من وجهة نظره جزء من السيمياء؛ لأنّها تعالج علاقة العلامات بمؤوّليها، فتغدو بذلك بحثا في مسار "السيميوزيس" (Semiosis) وفاعليته من خلال المظاهر النفسية والعضوية التي ترتبط بسيرورات العلامات. ويتّسع هذا التعريف ليشمل المجال الحيواني إلى جانب المجال الإنساني؛ لأنّ استعمال العلامة ليس حكرا على الإنسان، وقد أشار "طوماس سيبوك" (T. Sebeok) إلى هذه العلاقة بين العلامة ومستعملها من الحيوان أو الإنسان، عندما وضع علما يدرس أنماط التواصل عند الحيوان وينظر في الفرق بينها وبين لغة الإنسان، وأسماه "سيمياء الحيوان" (Zoosémiotique)[3].
وتنظر هذه الدراسة في أنظمة التواصل التي ينتجها الحيوان بشكل خاصّ وفق ستّة أبعاد[4] تحدّد مجال دراسات التواصل الحيواني، وهي تقريبا الأبعاد نفسها الّتي يتمّ التركيز عليها عند دراسة العمليّة التخاطبيّة في المجتمع الإنساني. وتبعا لذلك مهما كان ما ينتجه الحيوان، فهو يندرج في إطار العلامات غير اللّفظية؛ لأنّه يسعى من خلالها إلى تحقيق التواصل شأنه شأن الإنسان، وهو ما يسمح لنا بإدراج سلوك الحيوان ضمن الدراسة التداوليّة، لاسيّما أنّنا إزاء كيانات من عالم الحيوان دخلت مجال الكلام المتّصل أساسا بالتفكير في الحكاية المثليّة.
ولكن ثمّة من جهة أخرى، من يحدّ من شمولية التداوليّة، ويجعلها مقتصرة على "دراسة استعمال اللّغة في الخطاب."[5] أو أنّها "تنظر في اللّغة بوصفها ظاهرة خطابيّة وتواصليّة واجتماعيّة على حدّ السواء."[6] ومهما يكن حقل اشتغال التداوليّة، فإنّ أهميتها تتأتّى من كونها تهتمّ باللّغة في طور الاستعمال، حيث تنهض بوظيفة إنجازيّة، وهو ما جعلنا ننظر في السّياق وفي أطراف التخاطب وفي أفعال الكلام؛ لأنّها على صلة وثيقة بالعمليّة التخاطبيّة في الحكاية المثليّة، سواء في مستوى خطاب الحكاية أو في مستوى القصّة. فالخطاب الأدبي "ينهض على نظام تعويضي من الدلالة وعلى مبدأ استعاضي من التمثيل والنيابة لا على نظام الأشياء والموجودات في ذواتها. فقد بات من المفروض أن ينهض الخطاب الأدبي على أساس الوسائط، وليس على أساس حقائق الأشياء في أنفسها."[7] وينهض الخطاب المثلي بدوره بوظيفة وسائطيّة بحيث نتجاوز حقيقته الّتي هو عليها حتّى ندرك دلالته؛ معنى ذلك أنّ النصّ المثلي لا يدلّ في ذاته، حيث يُختصر في الخطاب الهزلي، وإنّما هو ازدواج قائم على مسافة بين الدال والمدلول نحتاج استنباط دلالته إلى تتبّع سيرورة تأويليّة. فالمعنى في العمليّة التخاطبيّة هو مدار التواصل ومن أجله ينهض البيان كلّه، يحتاج حتّى يصبح قيمة متداولة إلى اللّغة؛ لأنّه لن يُنجز إلاّ بفضل "علامات تسمه وألفاظ تميّزه ورموز خطيّة تشدّه وتحفظه وحروف ترسم حدوده وتُقيم ضوابطه حتّى يصير استعماله ممكنا."[8]
وبناء على ذلك يتحقّق التواصل بين الكاتب والقارئ في المجال الأدبي بواسطة النصوص الأدبيّة؛ فهي لا تختلف عن سائر وسائط التواصل، لاسيّما أنّنا نعتبر النصّ بمثابة العلامة الدالّة "وتعود بالنظر إمّا إلى النظام العلامي اللّفظي المتحقّق نطقا وسمعا أو إلى نُظم علاميّة غير لفظيّة [...]"[9] وهكذا يخضع الخطاب لقواعد وقوانين تتجاوز القواعد النحويّة الّتي تضمن سلامة الجمل تركيبيّا، فهو يُعنى بالسياق الحافّ به؛ إذ هو المتسبّب في شتّى التأويلات الّتي تختلف حسب أنماط السّياق الّتي تولّد الدلالة؛ معنى ذلك أنّ "الخطاب القابل للفهم والتأويل هو الخطاب القابل لأن يُوضع في سياقه."[10] وتبعا لذلك تنطوي الحكاية المثلية على وظيفة تخييلية سردية تتجسّد من خلال الأمثولة بوصفها قصّة تمثيليّة رمزيّة، كما تنطوي على وظيفة تداولية تتمثل في توجيه النص ضمناً أو صراحة إلى المتلقي يدعوه أصحابها إلى العمل بالتوجيهات التي يسعى إلى ترسيخها في السلوك الفردي والجماعي. وبذلك تتجلّى أهمية السّياق من خلال الدور الّذي ينهض به، وهو مساعدة المتلقّي على فهم الخطاب فهما سليما وعلى حُسن تأويله من خلال رصد العلاقات بين طرفيْ التخاطب. وقد قدّم "ديكرو" و"تودوروف" تعريفا مميّزا للسّياق يذهبان فيه إلى أنّه يُمثّل المحيط اللّساني المحض لعنصر ما داخل الملفوظ، وهو يشمل سلسلة العناصر الّتي تسبقه وتتلوه داخل الملفوظ.[11] يُعتبر السّياق إذن الوضعيّة الملموسة الّتي توضع من خلالها مقاصد تخصّ الزمان والمكان والمتكلّمين، وكلّ ما نحن في حاجة إليه من أجل استيعاب ما يُقال. هكذا يُدرك مقدار أهميّة السّياق حين نُحرم منه مثلا وحين تنتقل إلينا المقاصد عبر وسيط وفي حالة معزولة عن السّياق الّذي يُصبح مبهما عامّة ودون قيمة."[12] فعند معالجة كتاب "كليلة ودمنة" نستنتج وجود غرضين من السّياق الأوّل سياق هندي يجمع بين اللّهو والحكمة، أمّا الثاني فهو سياق عربي يتمثّل أساسا في التورية من أجل تعرية الممارسات المختلفة بحسب ما يقتضيه مقتضى الحال (اجتماعيّة أو سياسيّة أو أخلاقيّة أو غيرها).
ولكي نفهم الغرض من كلّ مثل أو قصّة ونستوعب القصد منه، لا بدّ من استدعاء السّياق الّذي ورد فيه، فنستنتج من ذلك أنّ لاستعمال المثل على لسان الحيوان قصدا آخر غير اللّهو والمتعة. فقد صيغت قصص "كليلة ودمنة" ضمن إطار سياقي عام سُردت القصص فيه على ألسنة الحيوانات في سياق طريف من أجل اللّهو والمتعة في مستوى الظاهر إلاّ أنّ الكتّاب يدعونا إلى الاعتبار والإقبال على الأخلاق الحسنة والممارسات الجيّدة والإدبار عن الأخلاق والممارسات السيّئة كالتفريق بين المتحابين، فقد كانت عاقبته وخيمة. وقد اُختيرت الرموز الحيوانيّة بعناية لهذه الأدوار؛ إذ استفاد أصحاب الحكاية المثليّة من السمات البيولوجيّة للحيوان من أجل توظيفه فيما يصلح للقيمة المُشار إليها من ذلك الغراب والجرذ اللّذين تربط بينهما علاقة افتراس؛ فالأوّل مفترس أمّا الثاني فطعام له، إلاّ أنّ العالم الممكن المرسوم في حدود الأدب قد سمح بتبادلهما العهود والمواثيق، فنشأت بينهما علاقة تشذّ عن الطبيعة وصارا صديقين صدوقين. وعلى هذا الأساس، يُعدّ السّياق شرطا من شروط تحقّق الانسجام في الخطاب فهو يُسهم إلى حدّ ما في جعل المتلقّي - سواء أ كان سامعا أم قارئا- قادرا على حسن تأويل الخطاب. ولا يمكن أن ننسى من جهة أخرى أنّ للمراتب الاجتماعيّة لحظة التخاطب ولسلطة المتلفّظ بالدرجة الأولى أهميّة بالغة في التوجيه السّياقي. فللخطاب المثلي إحالة مرجعيّة (بيدبا/ دبشليم) وسياقيّة (الراوي/المروي له) ومقاميّة (المخاطِب/المُخاطب)، وهو ما جعلنا نقرّ بأنّ النصوص المثليّة بوصفها خطابات أدبيّة قد أُنجزت في مستويات، لاسيّما في النصوص الّتي تتّسم بالتضمين السردي، حيث يضطلع الإسناد بدور الوساطة فأحيانا ينقل ملفوظ غيره وأحيانا أخرى يُنجز ملفوظه الخاصّ، وبذلك نسجّل وجود مستويات في عمليّة التلقّي.
وبناء على ذلك، يجوز لنا أن نمنح القارئ قيمة سيميائيّة، حيث يكون إمّا منفصلا عن قصديّة الكاتب أو متّصلا بها، وفي الحالتين جميعا يُحاول إنتاج قراءة موازية يمتلك بفضلها سلطة تجعله على المنزلة نفسها مع المنتج الأوّل؛ ذلك أنّه لطالما تملّكت الإنسان رغبة في "تحويل عالم الطبيعة الأبكم الأصم إلى عالم ناطق يمكن التحاور معه: أكلّمه فيُجيب. وأستطيع بدءا أن أقول إنّ هناك تجاذبا قويّا بين عالم الطبيعة وعالم الحضارة، عالم الحياة وعالم الدلالة، عالم الّذين يعيشون وعالم الّذين يفسّرون."[13] وعلى هذا الأساس تسعى السيمياء من وجهة نظرها إلى تفسير العلامة مثلما تسعى الهرمنيوطيقا[14] إلى فهم العالم وتفسيره في ظلّ حضور الذات المنتجة أو في غيابها. أمّا التداوليّة، فتُعنى من جهتها بالفراغ الحاصل بين القدرة التواصليّة العاديّة وقدرة الانزياح، حيث يتم ملؤه عن طريق المتلقّي. ولهذا يمتلك الدليل اللّساني المجازي (Signe linguistique figuratif) من وجهة نظر "هنريش بليت" (Heinrich Pleit)[15] ثلاثة أبعاد هي خطّي ومرجعي وتواصلي، ويظهر هذا التعدّد في عمليّة التلقّي في شكل قراءات متعدّدة ومتكرّرة. ويُشكّل مجموع القراءات المختلفة طاقة تواصليّة لسانيّة أسلوبيّة في النصّ الأدبي، ثمّ إنّ هذه الطاقة ليست مستقرّة ولا ثابتة، بل إنّها في حركة مستمرّة بفضل تتابع عملية التلقّي. أمّا الدليل الخطّي، فيقابل التركيبي ويشير بذلك إلى المحور السّياقي الداخلي، حيث تتألّف العناصر اللّغويّة لتؤلّف انزياحات خطيّة (Ecarts linéaires) وأمّا الدليل المرجعي، فيقابل مصطلحا استبداليا ويشير إلى الخلفيّة المعرفيّة للمتلقّي. وأما الدليل التواصلي فيحيل إلى البعد التداولي لإعادة تشغيل الصور لدى المتلقي، وهي تختلف باختلاف المقام ومقتضى الحال (مقام شعري أو بلاغي أو يومي) وقد دعا "بليث"[16] إلى ضرورة مراعاتها من أجل استخلاص الوظائف الّتي تنهض بها التداوليّة عند تقصّيها الانزياح في مختلف الخطابات. ذلك أنّه لا يمكن تأويل الصور البلاغيّة واستنباط دلالتها إلاّ داخل سياقها ومثال ذلك الرمز الّذي يقوم على التلويح والإيحاء، فإنّ بنيته ليست نحويّة ولا دلاليّة وإنّما مجازيّة، حيث يرتبط طرفاه من وجهة نظر "دو سوسير" بعلاقة طبيعيّة ويحيل بذلك إلى شيء ما بشكل غير مباشر، وهو ما يجعلنا في حاجة إلى الاستدلال على دلالته المسوّغة، ولا يكون ذلك بمنأى عن السّياق الّذي نشأ فيه. ولا تقتصر هذه الصيغة أي الرمز على الألفاظ فقط؛ بمعنى أن نستعير لفظ الأسد للدلالة على الملك، وإنّما تتّسع حتّى تشمل النصّ المثلي بأكمله الّذي عددناه استعارة لأنّه سلك سبيل الرمز والإيحاء والانزياح والعدول. وتبعا لذلك تكتسب الحكاية المثليّة قيمة استدلاليّة غير مباشرة نصل إليها بواسطة سيرورة تأويليّة ينهض بها المتلقّي بوصفه منتجا ثانيا للنصّ مثلما افترض ذلك "ر. بارت" (R. Barthes).
I- التلقّي بوصفه ممارسة تأويلية (إعادة إنتاج)
سنعمل في هذا المستوى من البحث على استنباط العمليّة التأويليّة في النصّ المثليّ الّذي عُنينا به؛ لأنّه يحمل حكمة في ثناياه والمتلقي مدعو من جهته إلى استنباطها حتّى يتحقّق التواصل، ولهذا يلعب المتلقّي دورا رئيسا في الأدب المثلي؛ لأنّه معنيّ بشكل مباشر (المروي له) أو غير مباشر (القارئ) باستنباط العبرة من المثل، والعمل بها حتّى تتحقّق غاية الحكيم، وهو يحضر حينا ويغيب آخر؛ يحضر عندما يكون بصدد عمليّة تخاطبيّة مباشرة وغائب عندما يكون أمام عمليّة نقل ورواية. وفي الحالتيْن تختلف عمليّة التأويل فقد يستوعب المرويّ له خطاب المتكلّم ويفهم قصده وقد لا يفعل، ولكن القارئ مطالب في كلّ الأحوال باستيعاب قصد الكاتب حتّى يكون من صفوف الحكماء وإلاّ فقراءته لن تتعدّى الظاهر، ويكون مثله كمثل الحمار يحمل أسفارا، لا يجني إلاّ تعب القراءة. وقد وجدنا أنفسنا في إطار هذا المسعى أمام مجموعة من الممارسات الهرمنيوطيقيّة[17] التأويليّة والنقديّة الخاضعة للتسلسل الزمني وتختلف من جهة موضوع طرحها. واستنتجنا منها اتّجاهيْن الأوّل يُعنى بقصد المؤلّف بوصفه أساس التأويل، أمّا الثاني فيرفض هذا الطرح ويدعو إلى موت المنتِج حتّى يكون التركيز على المُنتَج لا على الظروف الحافّة به. ولكن هل يمكن الجزم بأنّ الممارسات، سواء التأويليّة أو النقديّة تجسّد توجّهيْن اثنيْن، إمّا البحث عن القصديّة أو إنكار القصديّة؟ أم إنّه يصحّ الدعوة إلى التكامل بين الفهم والتفسير؟
I- 1- التلقّي بين الفهم (الذاتيّة) والتفسير (الموضوعيّة)
إنّ البحث في مسألة القصد يقتضي أساسا فلسفيّا بشكل عام، إلاّ أنّ إشكالية القصديّة[18] في ممارسة النصوص الأدبيّة تتطلّب أكثر من الوقوف عند المحاولات الفلسفيّة وإسهام الفكر الظواهري في بلورة مبادئ المناهج النقديّة؛ فرغم أنّ "إ. هوسيرل" (Edmund Husserl) لم تكن له تطبيقات في مجال الأدب فإنّ ما جاء به، لاسيّما مفهوم "القصديّة قد أثّر في تأسيس الفكر التأويلي والفكر النقدي بشكل عام. تنقسم المقاربات التأويليّة إذن إلى اتّجاهين أساسيين أحدهما يدرس مسألة القصديّة بمنظور موضوعي؛ بمعنى يتتبّع المعنى الأصلي منطلقا من قصدية المؤلّف؛ وذلك بالاستعانة بالهرمنيوطيقا أو منهجية التأويل[19] وهي عبارة عن خلاصة الجهود الفلسفيّة والتحليليّة الّتي تُعنى بمشكلة الفهم والتأويل؛ فعملية التأويل تعني الكشف عمّا يكمن خلف الأشياء الظاهرة من معانٍ[20] ويُكشف هذا الغموض عن طريق وسيط يكون موضوعيّا أو ذاتيّا. أمّا الوسيط الموضوعي، فيتمثّل في التفسير السببي "ويعني محاولة اكتشاف العلاقات السببيّة بين الظواهر باستخدام منهج يقوم على المراوحة بين الاستدلال العقلي والاستقراء العلمي"[21] وهو المنهج الّذي تبنتّه العلوم الاجتماعيّة من خلال أعمال فلاسفة العقل (من أمثال ديكارت، كانط) وفلاسفة التجريب (هيوم)؛ وذلك لأنّها ترى أنّ "محاولات الفهم الذاتي الحدسي الاستبطاني خارجة عن نطاق العلم أو هي على أقل تقدير غير قادرة على كشف المعرفة الموضوعيّة الّتي هي مطلب البحث العلمي"[22].
ويُعدّ "فريدرك شلايرماخر" (Friedrich Schleiermacher) أوّل من أرسى الأسس التأويليّة الظواهريّة في نهاية القرن الثامن عشر، وجعل هدفه استعارة الدلالة الأولى للعمل الفنّي؛ وذلك من خلال الاحتفاظ بسياق العمل الأصلي أي ظروف الكتابة؛ لأنّ استرجاع مقاصد المؤلّف أساس الفهم. ومن بعده تأتي "فينومينولوجيا" (Phenomenologie) "م. هيدجر" (Martin Heidegger) الّتي وجدت مواطن انعقاد مع الأفق التأويلي في تأملات "هوسيرل"، لاسيّما تلك الّتي وضعها في وقت متأخّر وقد أسهمت في الحدّ من الطموح الظواهري لـ"شلايرماخر"؛ فقد استبدل "هوسيرل" "الكوجيتو الديكارتي" بوصفه وعيا تأمليّا وحضورا للذات وتغييبا للآخر بالقصديّة بوصفها فعل الوعي الّذي يُعدّ أساسا وعيا بشيء ما. واُعتُبرت هذه القصديّة مع "هيدجر" فينومينولوجيّة تاريخيّة، ففهمنا الأوّل يُعتبر غير مستقلّ عن وجودنا وعن كينونتنا. ولكن لم يُعالج "هوسيرل" و"هيدجر" تأويل النصوص الأدبيّة بشكل أساسي حتّى جاء "هانس جورج غادامير" (Hans G Gadamer) في كتابه "الحقيقة والمنهج"[23]، حيث طرح مسألة "الهرمنيوطيقا" منذ "شلايرماخر" وسلّط الضوء على معنى النصّ وعلاقته بقصد المؤلّف فأسّس بذلك لأنطولوجيا (Ontologie) تأويليّة من خلال اللّغة الّتي عدّها وسيطا للتجربة التأويليّة في النصوص الأدبيّة. وبذلك يصبح التأويل معه تأويل سياق لا يُعنى بإرادة المؤلّف، وإنّما بسياق وُضع في نصّ ما ينتقل بفضله من سياق ثقافي إلى آخر، وهكذا انتقل نصّ "كليلة ودمنة" بوصفه موضوع الحال من السّياق الثقافي الهندي إلى السياق الفارسي ومنها إلى السياق العربي؛ وهي النسخة الّتي عُنينا بعرضها على التأويل محاولين قدر المستطاع استنباط السّياق الهندي ونظنّ ذلك ضربا من المستحيل؛ لأنّ الترجمة لم تكن موضوعيّة، بل أدخل المترجم بواسطتها في النصّ الأصلي عامل الثقافة في عملية النقل، حيث طُمست ولو بشكل جزئي الثقافة الأمّ. ولعلّ ذلك ما جعل "غادامير" يعرّف التأويل بأنّه حوار بين الماضي والحاضر محاولا بذلك سدّ الهوّة الزمنيّة بين النصّ والقارئ، ونظنّ ذلك ضربا من المستحيل.
وقد تركّز النقد الجديد على رفض هذه المعايير التقليديّة حتّى صار نقطة لتحوّل حاسمة في التأويل، وكان هدفه دراسة المعنى الّذي يُمثّل موضوع كلّ الممارسات النقديّة على كثرتها وتعدّدها. وقد كان إقصاء سيرة المؤلّف وقصديته تقترن بالدعوة إلى استقلالية النصّ الأدبي مثلما نادى بذلك "ر.بارت"، حيث يكون العمل الأدبي على درجة كبيرة من النضج والاكتمال فلا يحتاج حضور المؤلّف ولا البحث عن قصديته وبذلك يكون البحث عن المعنى من داخل النصّ لا من خارجه. وتبعا لذلك تُسند إلى القارئ سلطة ويُعطى دورا محوريّا يتمثّل في التلقّي وإعادة إنتاج النصّ، فيصبح القارئ منتجا ثانيا ويكون ذلك بالتوازي مع مقترحات "دوسوسير" الّتي أعادت صياغة البحث اللّغوي وأنزلت في العديد من المجالات لا يهمّنا منها سوى المجال الأدبي. وقد وجّه "بارت" أحد المتأثرين بدروس "سوسير" ناظريْه صوب النصّ وأسّس نظرية في شأنه تقوم على أربعة أبعاد[24] لا يعنينا منها في هذا المستوى سوى البعد السّيميائي، حيث يمثّل النصّ صورة منجزة من صور العلامة إلى جانب الرمز والأيقونة والأمارة وغير ذلك، وهو بذلك يتكوّن من بنية ثنائيّة شأنه شأن الدليل اللّساني، وينشأ عن علاقة إحالة أو إيحاء، وهي علاقة يستنبطها القارئ، حيث تصبح قراءته بناء آخر للنصّ قد يُوافق فكر الكاتب وقد يُخالفه؛ ومثال ذلك إنكار "الجاحظ" على من عاب الهزل الّذي يسم كتابه "الحيوان" مستدلاّ على ذلك بجهله للجدّ الّذي يحتمله ذلك الهزل وما إلى ذلك من الأمثلة، ولكن هل التحوّل من السّياق إلى النسق (النظام الدال) هو تحوّل عن قصديّة المؤلّف؟
يبدو أنّ هذا التحوّل يكون من المؤلّف إلى النصّ ثمّ إلى القارئ، وهو ما يجعلنا أمام علاقة ثلاثيّة هي مؤلّف/نصّ/قارئ، فمع أيّهما يحدث التواصل بالنسبة إلى القارئ؟ فالتأويل يروم الإمساك بالمعنى ويبقى السؤال كيف السبيل إليه؟ وهل يوجد معنى واحد أم معانٍ متعدّدة؟ ولا بدّ من التمييز ههنا بين المعنى والقصد؛ لأنّنا لاحظنا تماهيهما أثناء تحليل النصّ فنبحث عن المعاني على أساس أنّها مقاصد المؤلّف. وقد نرضى في هذا المستوى بهذا التمييز البسيط إذ نردّ القصد إلى المؤلّف والمعنى إلى القارئ، فالقصد يمثّل بوجه عام المعنى في استخدامه وقد يكتسب المعنى بذلك خصوصيّة من ارتباطه باتّجاه معيّن، فهو عند "شلاير ماخر" يُعدّ بمثابة المعنى الأصلي وهو عند "هيدجر" الوجود وبحث عن التراث عند "غادامير". وهكذا ينضد الكاتب نصّه لمقاصد معيّنة يتوجّه بها إلى قارئ معيّن يتلقّى بدوره النصّ ويستنتج معنى من ضمن معانٍ كثيرة يظنّها مقاصد المؤلّف، ولكنّها لا تعدو أن تكون تفسيرا أو تأويلا مردّه الذات مهما ادّعى الموضوعيّة. وعلى هذا الأساس فـ"مهما كانت الاختلافات بين فلاسفة التأويل، فإنّهم يُجمعون على موضوع واحد هو أنّ التأويل محاولة للفهم [بمعنى أنّ الفهم غاية التأويل وليس أداتها] ورغم اختلافهم في الأسلوب الّذي يتمّ به الفهم، فإنّهم جميعا يؤكّدون على أنّ الفهم هو محاولة لكشف المعاني واستجلاء الغموض، أو هو محاولة للتوصّل إلى جوهر الأشياء وحقيقتها اللّذين لا يبدوان ممّا يظهر منها، وإنّما يحتاج كشفها إلى جهد تأويلي."[25] ولعلّ ذلك ما يشرّع التساؤل عمّا إذا كان التأويل انفتاحا للنصّ أم أنّه سلطة القارئ؟
I- 2- التلقّي بوصفه قراءة تأويليّة: في التكامل بين الفهم والتفسير
لقد تعدّدت المناهج الّتي تأسّت مع دروس "دوسوسير" وجعلت نَصب البحث النصّ لا الظروف الحافّة به، ولا يعنينا من هذه المناهج سوى نظريّة التلقّي[26] وقد "جاء هذا التيّار ليستكمل ما أجملته البنيويّة وليضع العمليّة الأدبيّة في دائرة التواصل الإنساني بالنظر إلى طبيعتها وينقل مركز الثقل من استراتيجية التحليل من جانب المؤلّف-النصّ إلى جانب النصّ-القارئ"[27]؛ فقد رسّخت البنيويّة مركزيّة النصّ ومنحت القارئ سلطة تتمثّل في إعادة إنتاج النصّ حين أعلنت موت المؤلّف مثلما افترض ذلك "ر. بارت". فنسجّل بذلك تحوّلا من الاهتمام بالمؤلّف إلى الاهتمام بالنصّ بوصفه عملا أدبيّا يشتغل بواسطة فاعليّة القارئ. وتحيلنا العلاقة نصّ/قارئ إلى ثلاث نظريات متآلفة من جهة الموضوع (وهو طرفا التخاطب) ومتنافرة من جهة منشأ التوجّه من الناحية التاريخيّة، وتُعنى هذه النظريات بعمليات القراءة وآليات التلقّي وإمكانات التأويل.[28]
وهكذا تركّز نظرية التلقّي على القارئ والمتلقّي بشكل عام مستفيدة من المقاربات الّتي سبقتها؛ فالشكلانيّة والبنيويّة وهرمنيوطيقا "غادامير" قد كانت بمثابة الأرضيّة التأسيسيّة لهذه النظريّة الّتي وُضعت من أجل إعادة بناء المعنى من خلال فعل الإدراك الّذي يفعّله القارئ متمثّلا أساسا في عمليّة القراءة الّتي تخضع لإرادة القارئ وفعل إدراكه وهي تختلف من واحد إلى آخر؛ إذ قد نرغب أثناء قراءتنا لنصّ ما في تجاوز بعض الفقرات رغبة منّا في الوصول إلى مآل الأحداث ويوضّح "بارت" ذلك بشكل مفصّل في كتابه "لذّة النص". وأمّا إذا كان النصّ نظاما إيحائيا فإنّه يشير إلى قراءات متعدّدة للنصّ الواحد، وهو ما يجعلنا نتحدّث عن فائض المعنى الّذي يُحيلنا إلى إمكان التأويل أو إمكانات شتّى؛ لأنّه فعل ذاتيّ وليس موضوعيّا، فانبرى البعض يحاولون الإجابة عن السؤال التالي: ما هي طبيعة المعرفة الّتي يكشف عنها التأويل؟ هل هي معرفة ذاتيّة أم موضوعيّة؟ وكانت الإجابة كالآتي: كانت "الهرمنيوطيقا" لا تتعدّى الانطباع الحدسي ثمّ تحوّلت مع "شلايرماخر" إلى منهج يخضع لقانون عام يقوم على العلاقة بين الجزء والكلّ أو بين الفرديّة والكليّة أو بين الذاتية والموضوعيّة.[29] حتّى استوى التأويل نظرية مع "بـ. ريكور" ينهض بوظيفة، وذلك في إطار الجدل بين الفهم الّذي يكون ذاتيّا حدسيّا استبطانيّا يخرج عن نطاق العلم والتفسير السببي الّذي تبنّته العلوم الاجتماعيّة.
ويبدو أنّ بوادر تأسيس علم التأويل قد نشأت مع "فيلهام ديلتاي" (Wilhelm Dilthey) "الّذي كان يحلم بإقامة نظام علمي لا ينتمي إلى مجال بعينه من مجالات العلوم الاجتماعيّة ولكنّه يحتويها جميعا في منهج واحد يميّزها كنظام علمي مستقلّ بذاته أطلق عليه الروح [...] فهو هيكل من المعرفة تطوّر متوازيّا مع العلوم الطبيعيّة بموضوع متميّز. ويضمّ هذا الهيكل علوما كالتاريخ والاقتصاد والسياسة والدراسات القانونيّة والدينيّة ودراسات الأدب والشعر والموسيقى والفلسفة وعلم النفس، فكلّ هذه النظم المعرفيّة تشترك في حقيقة مهمّة هي أنّها تدرس الجنس البشري."[30] وسعى "ديلتاي" إلى تركيز معرفة موضوعيّة في خصوص العلوم الروحيّة فـ "اعتبر التأويل في العلوم الروحيّة منهجا بديلا من التفسير في العلوم الطبيعيّة. بل قد ذهب إلى أبعد من ذلك عندما اعتقد أنّ التأويل القائم على الفهم (بوصفه منهجا للعلوم) يجب أن يتّسم بالعالميّة بوصفه منهجا للعلوم الطبيعيّة تماما.[31] فأسهم بذلك في وضع منهج الفهم التأويلي للتوصل إلى معرفة موضوعيّة. وهكذا لم يعد التأويل بعد "ديلتاي" منهاجا لاكتساب معرفة موضوعيّة، بل أصبح منهجا لاكتساب معرفة ملائمة تعمّق فهمنا لوجودنا. وقد اتّضحت هذه الرؤية لوظيفة التأويل عند "هيدجر"، حيث "تسير عملية الفهم التأويلي [من وجهة نظره] في خطّ دائري يبدأ من الذات (الّتي تمثّل مستوى من الوجود) وينتهي إلى العالم (الّذي يمثّل مستوى آخر من الوجود) ويرتدّ إلى الذات مرّة أخرى. ويبدأ التأويل عندما ينكشف الوجود الخارجي للذات المدركة أو الفاهمة."[32] ومن بعده رأى "غادامير" أنّ الفهم ليس أحاديّ الزاوية، وإنّما هو حوار بين النصّ والقارئ ينتهي إلى انصهار الذات في النصّ والعكس. وقد أطلق "على دائرة التأويل هذه عملية انصهار الأفق Fusion of horizon وهو تعبير يدلّ على هذه اللّغة الحواريّة بين المفسّر والنصوص الّتي يفسّرها. إنّها لغة يتحوّل فيها النصّ إلى كائن وجودي حيّ له أفقه الخاصّ."[33]
وعلى الرغم من اختلاف مقاربات فلاسفة التأويل حول مسألة التأويل ومجراه، فإنّهم "يتّفقون على أنّ اللّغة هي محور أساسي لعمليّة التأويل وأنّ الفهم التأويلي هو عمليّة أبعد من فهم ما هو ظاهر من الأشياء [...] وأنّ الفهم عمليّة ذاتيّة يصعب على المرء فيها أن يتخلّص من آفاق عقله وتراثه."[34] يكون التأويل إذن جدلا بين الفهم والتفسير الّذي يمثّل بالنسبة إلى القراءة "ما يمثّله الاستقلال النصّي واللّفظي للمعنى الموضوعي للخطاب."[35] وقد اقترح "بـ.ريكور" وصف هذا الجدل بوصفه نقلة من الفهم إلى التفسير ثمّ بوصفه نقلة من التفسير إلى الاستيعاب؛ "في المرّة الأولى سيكون الفهم إمساكا ساذجا بمعنى النصّ ككلّ. والمرّة الثانية سيكون الاستيعاب نمطا معقّدا من الفهم تدعمه إجراءات تفسيريّة."[36] ولكن لا ينبغي معاملة هذا الجدل والتفاعل بين التفسير والفهم في القراءة بمصطلحات ثنائيّة، "بل بوصفه حدثا بالغ التعقيد وكثير الوساطات."[37] لأنّ التأويل ليس مجرّد انطباع، وإنّما هو منهج يخضع لسنن إنّه "تفاعل مع نصّ العالم أو تفاعل مع عالم النصّ عبر إنتاج نصوص أخرى."[38] ولمّا كان النصّ علامة فإنّه يحيلنا إلى "سيميوزيس" خاص به أو بالأحرى إلى مسار اشتغاله، وهو مسار تأويلي بالأساس ينتهي في مرحلة ما إلى إنتاج معرفة خاصّة بمضمون الممثّل أرقى من تلك الّتي شكّلت نقطة انطلاق هذه السيرورة."[39] ويقتضي ذلك اتّخاذ مسافة بين النصّ ومؤوّله، فهي شرط ضروري للتأويل حسب "ريكور"[40]؛ وذلك من أجل الإصغاء إلى ما يقوله النصّ، ويرتبط هذا الشرط بعملية تثبيت الخطاب بواسطة الكتابة الّتي تؤسّس حسب رأيه لظاهرة أساسيّة أعمق من التثبت، وهي استقلالية النصّ عن قصد الكاتب والظروف (الثقافيّة والاجتماعيّة وغيرها) الحافّة بعمليّة إنتاج النصوص وعن المتلقّي بوصفه مرسلا إليه. وبهذا الاعتبار ينفتح على قراءات لا محدودة، قراءات خاضعة بدورها لسياقات اجتماعيّة وثقافيّة في تحوّل مستمرّ. وهذا يعني أنّ النصّ يتحرّر من سياق إنتاجه (se décontextualiser)، ليعيد بناء سياق جديد (se recontextualiser) وهو جوهر عملية القراءة. ولا تعني المسافة القطع، وإنّما هي ضرب من الحياديّة أو مباشرة النصّ دون معرفة مسبقة حتّى يكون التأويل مرجعيّا، فيحيل إلى النصّ لا إلى صاحبه. ومع ذلك يدعو "ريكور" إلى عدم إقصاء الفهم عن التأويل بل هو يؤسّس لتكاملها وذلك من خلال دفع التحليل البنيوي إلى درجة من العمق من أجل أن ينكشف المعنى، ولعلّ ذلك ما يفسّر قول "غادامير" إنّ الحقيقة والمنهج ليسا طرفيْ ثنائية، وإنّما هما عُنصرا تفاعل جدلي.[41] وهكذا فكلّ خطاب أو فعل تخاطبي يُنجز في سياق ما ولهذا علينا –إذا ما أردنا دراسة فعل التلقّي في الحكاية المثليّة- أن نضع في الحسبان السّياق؛ لأنّه ينهض بدور وظيفي في عملية التأويل الّتي ينهض بها القارئ الخاضع لمبدأ التراتبيّة في الحكاية المثليّة.
II- التلقي ومستويات القراءة: المتلقّي متّصلا أو منفصلا
يشير الباحثون إلى مستويات من التلقّي؛ فنجد أنّ البعض يقطع مع المراحل السّابقة من أجل بناء منهج جديد مثل العلوم الاجتماعيّة الّتي ترفض الفهم؛ لأنّه يخرج عن مدار العلم من وجهة نظرها، واقترحت لذلك التفسير التجريبي من أجل إنشاء قراءة موضوعيّة. ويُوفّق البعض الآخر بين الفهم والتفسير واضعا نظرية في التأويل، ولكن "دون محاولة فرض مطابقة آنية بين البنية الداخلية للنصّ بوصفه خطاب الكاتب وعمليّة التأويل بوصفها خطاب القارئ."[42] أمّا الفهم، فهو توضيح يظلّ وفيّا لمقاصد الكاتب الظاهرة فيُعلي بذلك من قصديّة الكاتب على دلالة النصّ. وأمّا التفسير، فيمثّل التفصيل أي الكشف عن الجزئيات المؤديّة إلى الكلّيات بواسطة المنطق السببي. وأمّا التأويل، فشامل للمفهومين السابقين فيصير بتكاملهما نظريّة في المعنى وينهض باستنباط فائض المعنى متّبعا -دون إفراط- سيرورة تأويليّة تضع اتّساع النصّ وعلاقة الإيحاء بين طرفيْه نَصب التفسير، فيصبح الفهم بذلك غاية وليس قراءة. فيأتي بنصّ قائم بذاته تتجاذبه نقاط ائتلاف ونقاط اختلاف عن الأوّل، حيث تمثّل نقاط الائتلاف تلك القراءة الّتي انطلقت بداية من النصّ إمّا فهما أو تفسيرا. بينما تمثّل نقاط الاختلاف الأبعاد الّتي تمخّضت عن التأويل ذاك الّذي يُعدّ همزة وصل وفصل في الآن نفسه؛ فهي في حالة وصل مع سياق النصّ وفصل مع قصد الكاتب وإرادته بحيث يُنتج عالما ممكنا من بين العوالم الممكنة الخاصّة بنصّ ما ويكون ذلك بالاستناد إلى عمليّة معادلة للتأويل هي التناصّ؛ فالقارئ يُحكّم مخزونه المعرفيّ عند مباشرة نصّ ما ومن ثمّ يستنبط دلالته بفضل عمليّة التأليف الناجمة عن عملية التأويل الممكنة.
وهكذا لئن كان الفهم مرحلة ضروريّة في سيرورة التأويل بوصفه إعادة إنتاج، فإنّ التناصّ يمثّل مطيّة ورؤية مغايرة للنصّ وبذلك لن تكون قراءة النصّ "مجرّد تكرار للواقعة الكلاميّة في واقعة شبيهة، بل توليد واقعة جديدة تبدأ من النصّ الّذي تموضعت فيه الواقعة الأولى."[43] وهذا ما يسوّغ للقارئ أن يتحرّر من قيود المؤلّف وانغلاق النصّ ليُنتج تناصّا يجعله يبلغ التأويل الممكن. ويعني التناص أنّ أيّ نصّ يتقاطع مع عدد من النصوص، فيصبح بذلك في الوقت نفسه إعادة قراءة لها وتثبيتا لها وتكثيفا وانتقالا منها في اتّجاه الدلالة العامّة الّتي تسم العلاقة بين دال النصّ ومدلوله، فننتقل بذلك من سلطة النصّ إلى سلطة القارئ. وبذلك لم يعد بإمكاننا الحديث عن نصّ منغلق إنّما هو عمل مستمرّ بفضل سلطة المتلقّي بوصفه منتجا ثانيا للنصّ، إذ يعتمد في محاولته تأويل نصّ ما على المخزون المعرفي والموسوعي على حدّ تعبير "إيكو" فيُسخّره لتوسيع دلالة النصّ. ومن هنا تبدأ متعة القارئ عندما يُصبح هو نفسه منتجا ثانيا للنصّ، فيقف على الفراغات والفجوات الّتي يلاحظها في ثنايا النصّ بسبب المسافة الموجودة بين الدال والمدلول ذلك أنّ النصّ المثلي يقوم على الإيحاء والاتّساع، فلا يُصرّح بكلّ شيء وإنّما يترك للقارئ حرية استنباط دلالة النصّ ولكن ذلك لا يمنعه من تأطيره (البعد التعليمي)، فيعمل بدوره على ملء الفراغ حتّى تكتمل الصورة. وبإمكانه الاكتفاء باستهلاكه دون الإسهام في ملء ذلك الفراغ، فتكون غايته إتمام النصّ إلى آخره دون استيعابه.
وعلى هذا الأساس، تكون إعادة الإنتاج هي الوظيفة الّتي ينهض بها المتلقّي ضمن مستويات ومنازل حسب تباين أفكار المتلقين وثقافتهم وإدراكهم. فيجعل المتلقي من النصّ مطيّة لإنتاج نصّ ثانٍ بواسطة ممارسة تناصيّة يوظّف فيها موسوعته المعرفيّة. فيكون المتلقّي، وهو ينهض بوظيفة إعادة الإنتاج، محمّلا بعمليّتين أساسيّتين عليهما مدار القراءة على اختلاف معارجها. فيجد المتلقّي نفسه "في موقع تقاطع بين التذكّر والترقّب (Retention-Protension)، ويكون التذكّر مسؤولا عن اندماج القارئ في النصّ بينما يشير الترقّب إلى لحظة تحرّر القارئ من النصّ. وتتكرّر هذه العمليّة أثناء فعل القراءة مرّات عديدة وهي الصورة الّتي تبيّن كيف يجرّب القارئ النصّ بوصفه حدثا حيّا.[44] إنّ هذه السلطة الّتي يمارسها القارئ على النصّ من خلال فعليْ التذكّر والترقّب يتبدّى في صور شتّى تمثّل معارج التلقّي. فالنصّ في مرحلة القراءة حقل متنوّع المحاصيل، ولكلّ منتج نصيب منها بقدر الإجراء الّذي يُسلّط عليه. وإذا اعتبرنا فعل القراءة إعادة إنتاج فإنّه سيغدو بهذا المعنى إجراء حاويا لمختلف مستويات التلقّي وهي الفهم والتفسير والتأويل. يأتي فعل القراءة في كلّ مستوى بصورة مختلفة من أجل استيعاب النصّ ومن ثمّ إعادة إنتاجه، "ففهم عمل أدبي ما ينشأ من خلال التفاعل بين حضور القارئ في النصّ وتجاربه المعتادة الّتي هي الآن توجيه ماضٍ، وباعتباره كذلك ليس الفهم عملية قبول سلبيّة، بل هو تجاوب منتِج"[45] ويظلّ السؤال المطروح ما الّذي يوجّه القراءة الّتي ينهض بها المتلقّي؟ أ هي السنن أم المعرفة الموسوعيّة أم أنّها كلّها مجتمعة؟
وبناء على ذلك نقول إنّ الفرد عموما يتمكّن من إيصال رسالته أو فكرته إلى المتلقّي بواسطة عملية نفسية بالأساس، حيث يستدعي المتكلّم مفاهيمه أو معانيه المخزّنة في ذهنه، ثمّ يقوم بالبحث في نظامه اللّغوي الدّاخلي عن المتصور الذهني أو المدلول المطابق للمرجع، ويقوم بصورة آنية بربط ذلك المدلول بالصورة الصوتية أو اللّفظية القابلة للتقطيع أي الدال المتعارف عليه داخل المجتمع الذي ينتمي إليه المتكلّم. وينطبق ذلك على الحكاية المثليّة التي تُعدّ علامة دالها الحيـوان ومدلولها الإنسان؛ فكتّاب الحكاية المثليّة قد استدعوا مفاهيمهم المخزّنة حـول الإنسان واستدلّوا عليها بالدال الحيوان، لهذا كان اختيار العلامة الحيوانيّة اختيارا وظيفيا. "فالشخصيات المنحوتة في الأثر والنص والمتحرّكة داخلهما، إنّما نراها تتواصل فيما بينها تواصلا واقعيّا في قبيل غير الذي نلحظه في مستوى الصلة التعاقدية الجامعة بين المنشئ والمتلقّي، ففي كتاب كليلة ودمنة -وهو موضوع من موضوعات الدرس ههنا- وجدنا التواصل جاريا في منازل عديدة من الخطاب وما وراء الخطاب سويّا فميّزنا بين حدود التواصل الناهض بين الشخوص البشرية والحيوانيّة داخل الأثر والنصّ من جهة، وحدود التواصل القائم بين طبقات متراصّة ومتتاليّة من الرواة والمروي لهم من جانب ثان، وحدود تواصل آخر يجمع بين الكاتب وأصناف مختلفة من القرّاء من وجه ثالث."[46] وهكذا نُسجّل تراتبيّة في مستوى الوسائط، فنجد حلقات وسائطيّة في النصوص المثليّة تخضع لمبدأ التراتبيّة. أمّا من خارج النصّ، فنسجّل ثنائية في مستوى التواصل هي الكاتب والقرّاء على اختلاف العوامل المتحكّمة في عمليّة التلقّي (ثقافة المتلقّي وخصائصه النفسيّة والفيزيولوجيّة وظروف حياته، وغيرها). ونسجّل من داخل الأثر في مستوى الخطاب؛ الراوي ممثّلا في بيدبا، والمروي له ممثّلا في دبشليم. ونجد في مستوى القصّة أطراف التخاطب المباشر ونعني بذلك الشخصيات البشريّة والحيوانيّة. ولم يغفل أصحاب الحكاية المثليّة من جهة أخرى عن تأطير المتلقّي من أجل السير على منهاج يرسمه له؛ فإن اتّبعه فهو من الحكماء، وإن حاد عنه، فإنّه لا يعدو أن يكون من السفهاء الّذين يأخذون بظاهر الأشياء، ومثله في ذلك مثل الأسد الّذي توجّس رهبة من صوت الثور دون معالجته، فقد ظنّ أنّه ضخم وقويّ قُوّة صوته. فعمل أصحاب الحكاية المثليّة بذلك على التعاقد مع المتلقّي منذ البداية حتّى لا يكون أجره عناء القراءة فقط، وإنّما عليه استخراج الحكمة من ثنايا النصّ مثلما تُستخرج النار من الحجارة بالقدح والعمل بها حتّى تؤتي الحكمة أُكلها.
III- التعاقد بين الباث والمتلقّي وأفق التلقّي
يحظى المتلقّي بمكانة أساسيّة وفاعلة في الحكاية المثليّة بوصفها الدال الحامل للحكمة، وهو ما جعل أصحابها يصدرونها بمقدّمة أو استهلال من أجل بيان سياق الكتابة. وفي كتاب "كليلة ودمنة" بوصفه موضوع عملنا تتصدّر ثلاث مقدّمات تأطيريّة تُسمّى كلّ واحدة منها بابا، يتحدّث فيها عن سبب تأليف "كليلة ودمنة" ويسرد الظروف السياسية والثقافيّة الّتي سبقت تأليف الكتاب، ثمّ الغاية من المؤلَّف ذاته. وقد اعتبرنا أنّ الحكاية المثليّة متمثّلة في القصص الأصليّة والقصص الفرعيّة فعلا منجزا؛ لأنّها في أصل منشئها خطاب بين ملك وحكيم. ولهذا فإذا كان للباثّ مقاصد من إنشاء خطابه فعلى المتلقّي أن يبلغ تلك المقاصد حتّى تتحقّق الغاية الّتي ينشدها الحكيم، وبذلك نكون أمام وظيفة الرسالة بوصفها أفق التلقّي الّذي يدفع المؤلّف إلى وضع رسالته بين يديْ المتلقّي، ولو لا ذلك لما فهم الرموز الموضوعة في ثنايا القصص. وهكذا يركّز أصحاب الحكاية المثليّة في المقدّمات الّتي وضعوها على الباثّ والمتلقّي والرسالة الّتي تحدّد أفق التلقّي؛ فقد توقّف "ابن المقفّع" عند أركان الخطاب هذه، إذ يقول: "ولم تزل العلماء من كلّ أُمَّة ولسان يلتمسون أن يُعقل عنهم ويحتالون لذلك بصنوف الحيل ويبتغون إخراج ما عندهم من العلل في إظهار ما لديهم من العلوم والحِكَم حتّى كان من تلك العلل وضعُ هذا الكتاب على أفواه البهائم والطير فاجتمع لهم بذلك خِلال"[47] يحدّد "ابن المقفّع" العناصر الّتي تنبني بها دلالة النصّ، وهي العلماء (الباثّ) ويقصد بهم الكتّاب الّذين يخوضون في الأدب بشكل عام شأنهم شأن الأدباء قديما لا يفصلون الأدب بالمعنى المعجمي عن الأدب بوصفه فنّا من الفنون. و"يُعقل" عنهم بمعنى أن يأخذ عنهم المتلقّي الحكمة المبثوثة في ثنايا نصوصهم، وقد ورد مجهولا؛ لأنّ أصحاب الحكاية المثليّة يريدون على الأرجح أن يكون المتلقي على اختلاف منازلهم الاجتماعيّة والسياسية سواسية من جهة التلقّي. ويذكر العلوم والحكم إشارة منه إلى مضمون الخطاب، ولا ينسى "ابن المقفّع" أن يُشير إلى أسلوب خطابه من خلال عبارة "وُضع هذا الكتاب على أفواه البهائم والطير، فيُنبّه المتلقّي إلى أنّ هذه الطريقة حيلة من المؤلّف، فاستخدم عبارة "يحتالون بصنوف الحيل" حتّى ينصرف المتلقّي عن المعنى الظاهر ويستبطن المعنى العميق. ولعلّ ذلك ما دعانا إلى معالجة مسألة التلقّي ومستوياته لأنّها تحيلنا إلى عمليّة القراءة وإمكانات التأويل.
يبدو أنّ أصحاب الحكاية المثليّة واعون بمستويات تلقّي خطابهم القائم على التمثيل والترميز، فهم يُدركون التفاوت الحاصل بينهم فصنّفوهم إلى حكماء وسفهاء ويتركون الحريّة للمتلقّي في اختيار منزلته. ولكنّ هذه المستويات تُعلن عن تراتبيّة أخرى فرضتها طبيعة الحكاية المثليّة؛ لأنّ كتاب "كليلة ودمنة" القائم على أسلوب التضمين يختلف عن كتاب "النمر والثعلب" الّذي يستجيب لمعايير القصّة المسترسلة. ولهذا نسجّل تراتبيّة في مستوى التلقّي، حيث نسجّل وجود متلقّ في مستوى خطاب الحكاية وأُخَر في مستوى القصّة؛ لأنّ صور المتلقّي تتعدّد بتفرّع القصص، وهي تتراوح في الغالب بين الشخصيات الحيوانيّة والإنسانيّة وبين قيمتي الجهل والعلم. ونسجّل بذلك تفاوتا في الاستيعاب الناجم عن العمليّة التأويليّة، ولعلّ ذلك راجع إلى الطابع التعليمي الّذي يسم الحكاية المثليّة، فمن البديهي أن يؤطّر أصحابها المتلقّي حتّى لا يحيد عن المنهاج المطلوب "فإنّ قارئه متى لم يفعل ذلك لم يدر ما أريد بتلك المعاني ولا أيّ ثمرة يجتني منها ولا أيّ نتيجة تحصل له من مقدّمات ما تضمّنه هذا الكتاب، وإنّه إن كانت غايته منه استتمام قراءته والبلوغ إلى آخره دون تفهّم ما يقرأ منه لم يعُد عليه شيء ويرجع إليه نفعه"[48] يشير هذا القول إلى أنّه ينبغي على المتلقّي أن ينتبه إلى أمرين؛ أوّلهما أنّ إجراء القصص على ألسنة الحيوان ما هو إلاّ ترميز وإيحاء يُخفي دلالات أخرى تُستخرج بالاستنباط وإعمال الروية. أمّا الأمر الثاني، فيتمثّل في إشارة "ابن المقفّع" إلى أنّ القارئ لن يُفيد شيئا من هذه القصص ما لم يبحث في الباطن. وتبعا لذلك تنهض المقدّمة أو الاستهلال في الحكاية المثليّة بوظيفة المنارة الّتي تُرشد البحّار في ظلمة البحر، فيهتدي القارئ المحتمل (حكيم/سفيه) بواسطتها إلى قراءة مفيدة وتُجنّبه كلّ شطط في التأويل، وهو ما يدعم ما ذهبنا إليه من أنّ المتلقّي ينهض بدور أساسي في الحكاية المثليّة الّتي تُعدّ صورة بلاغيّة جاز بها أصحابها من العالم الواقعي إلى العالم الممكن لوصلة، وهي وظيفة الحكيم أيّ ردّ السلطان عن جوره واستبداده ونشر القيم الفضلى في سياسة ولين.
وعلى هذا الأساس، فإنّ لكل كاتب من تأليف كتابه أغراضا ومقاصد، ولمّا كان الأدب لا يخلو من وظائف متعدّدة فإنّ منتجيه يتوجّهون به إلى قرّاء متعدّدي الأهواء والأذواق، وقد جعل أصحاب الحكاية المثليّة بدورهم في إنتاج مؤلّفاتهم مقصدا مزدوجا يجمع بين الإمتاع والإفادة ممثّلة في الحكمة المحمولة على لسان الحيوان. ويرجون لقاء ذلك استجابة من القارئ تتجاوز الظاهر إلى الباطن، ولعلّ ذلك ما يحمله على النظر في الغاية من الترميز وهي أفق التلقّي الممكن الّذي ينهض به القارئ، فيكون هذا العقد ميثاقا موجها للقراءة التأويليّة توجيها أقرب ما يكون إلى دليل في طريق من آثر أن يخوض في الأدب المثلي. وتبعا لذلك يهدف الباثّ إلى إقناع المتلقّي أو بالأحرى إلى إحداث تغيير في الموقف الفكري أو العاطفي عنده، وينبني فعل الإقناع على افتراضات سابقة في شأن عناصر السّياق والخطابات السّابقة والممكنة. فالخطاب ليس فعلا معزولا، وإنّما هو بالأساس فعل يمارسه الباثّ من أجل الإقناع الّذي يصحّ اعتباره فعلا تداوليّا يُحدّد العلاقة القائمة بين المتخاطبين، فيحضر الحجاج إذا كان الباثّ يروم تغيير تصوّرات المتلقّي وأفكاره، ويحضر الجدل إذا تكافأت الذوات المتخاطبة من جهة المعرفة. رغم أنّه ثمّة من يرى أنّ الحجاج مرادف للجدل، وفي ذلك يقول "ابن عاشور" "ومنه سُمّي علم قواعد المناظرة والاحتجاج في الفقه علم الجدل"[49] ويقول في موضع آخر مُعرّفا المجادلة بأنّها على وزن "مفاعلة من الجدل وهو القدرة على الخصام والحجّة فيه، وهي منازعة بالقول لإقناع الغير برأيك"[50] وعند العودة إلى الكتب[51] الّتي عالجت هذا المصطلح نجد التداخل نفسه بين اللّفظين فهما يذهبان إلى أنّ ألفاظ "المحاجّة والحجاج والاحتجاج قد اُستخدمت على أنّها ألفاظ مرادفة للفظ الجدل. وإزاء هذا الخلط بين الحجاج والجدل يرى "عبد الله صولة" أنّ مجال الحجاج يمكن أن يُضيّق في الجدل "فكلّ جدل حجاج وليس كلّ حجاج جدلا"[52] ويذهب إلى أنّه قاسم مشترك بين الجدل والخطابة، ومنطلقنا في ذلك هو ما ذهب إليه أرسطو من اعتبار الجدل والخطابة "قوّتين لإنتاج الحجج"[53]، وهو ما جعل البعض يذهب إلى أنّه يوجد حجاجان أحدهما جدلي والآخر خطابي.[54] أمّا الحجاج الجدلي، فقائم على مناقشة نظريّة غايتها التأثير العقلي المجرّد في حين يكون الحجاج الخطابي موجها إلى جمهور معيّن ضمن ظروف ومقامات مخصوصة من أجل التأثير في المتلقي وإثارة الانفعالاته[55] وتبعا لذلك يُعدّ الحجاج ركيزة في جنس الحكاية المثليّة، فلمّا كانت خطابا، فإنّها تعدّ في ذاتها حجة؛ لأنها ترتبط بسياق تواصلي يتوخى فيه الباثّ إقناع المتلقي بالأطروحة التي يرغب في ترسيخها، والقيم الّتي يروم تثبيتها أو نفيها مثل قيمتيْ الصداقة والعداوة.
خاتمة
إنّ الشكل الأدبي الّذي ابتدعه "ابن المقفّع" بعد ترجمته كتاب "كليلة ودمنة" قد أسّس جنسا أدبيا يجري عليه ما يجري على الأجناس الأدبيّة الّتي أُنتجت على الصعيدين العربي والغربي؛ معنى ذلك أنّ شأنها شأن الخبر والنادرة والمقامة، إنّما صيغت لتستجيب لحاجات أدبيّة وجماليّة متآزرة، وهي تقوم أساسا على تجسيد المعاني المجرّدة في صور محسوسة؛ ونعني بذلك الرموز بالمفهوم البورسي الّذي يعدّها صيغا عامّة تجسّد شيئا ما محسوسا أو مجرّدا. فالعدالة والصداقة والتعاون والخير والشرّ كلها معان يتوسّط بها أصحابها ترغيبا في قصص تمثيليّة رمزيّة أبطالها من الحيوان رمزا وإيحاء؛ فالحيوان ليس سوى قناع يُخفي وراءه أحد أبعاد الإنسان الأخلاقيّة؛ فهذه الحيوانات كائنات لها وجود حقيقي في الطبيعة، وقد أسبغ عليها الكتّاب خصائص سلوكيّة إنسانيّة من باب الكناية والتعريض، غير أنّ ذلك لا يعني أنّها لا تُبقي على خصائصها البيولوجية والفيزيولوجيّة الّتي وظّفها أصحاب الحكايات المثليّة على نحو يخدم سير الأحداث. وهكذا تنزع الحكاية المثليّة إلى إنشاء عوالم ممكنة من باب إسقاط خيال الكتّاب على الواقع، إذ تعكس عالما منشودا مودودا في مقابل عالم موجود مردود. فالكتّاب لم يوظفوا الرمز عبثاً، بل صوّروا المجتمع الإنساني الذي تحكمه الغرائز الحيوانية وشرائع الغاب في مظهره الحقيقي، لذا كان للحيوانات دور كبير في تصعيد الصراع إلى ذروته، وأصبح المجتمع الإنساني غابة حيوانية، فسعى الكاتب إلى انتقاء الفصائل الحيوانيّة بعناية فائقة من أجل تركيز بعد الانتماء في القصص. وتبعا لذلك ينهض الخطاب المثلي بدور الوساطة على منازل ومراتب تتجلّى في مستوى خطاب الحكاية والقصّة الثنائيّة الشكليّة المتحكّمة في النصّ المثلي الّذي يقوم على مبدأ التضمين. ولعلّ ذلك ما حملنا على دراسة التلقّي بوصفه بعدا تداوليا، يحيلنا إلى عملية القراءة وممارسة التأويل من قبل المتلقّي سامعا كان أو قارئا، فأسلوب الحكاية المثليّة يجعلنا أمام نصوص تقوم على أسلوب بليغ يجمع بين الهزل والجدّ والإمتاع والإفادة يُؤوّل من قبل متلقّ استدللنا على علاقته بالنصّ من خلال التداولية. واستنتجنا تبعا لذلك دوره الفاعليّ في إنشاء النصّ من خلال إعادة تركيبه بعد تفكيكه، فيخرج من جموده بوصفه مجرّد مستهلك ويصبح منتجا ثانيا للنصّ، ويكون التلقّي بذلك ممارسة تأويليّة مثلما أنّ الكتابة ممارسة إنتاجيّة.
[1] تختلف التداوليّة (Pragmatique) عن المذهب الذرائعي النفعي (Pragmatisme) في الفلسفة، غير أنّ البعض يرى في الذرائعيّة أو النفعيّة مصدرا من مصادر التداوليّة رابطينا ما طرحه "تشارلز موريس" بالسياق الذرائعي لـ"بورس" وخصوصا مفهوم "بورس" عن العلامة والفكر؛ فهو يرى أنّه لا يمكن التفكير دون علامات وكلّ تفكير هو بالعلامات ولهذا سارت التداوليّة منذ ذلك الوقت في اتّجاهيْن هما: الدراسات اللّسانيّة والدراسات الفلسفيّة، بل تشعبّت وكثُرت مجالاتها وتعدّدت اتّجاهاتها فمنها تداوليّة البلاغيين الجدد، تداوليّة اللّسانيين، تداولية المناطقة والفلاسفة) (فرنسواز. أرمينكو. المقاربة التداوليّة. تر سعيد علّوش.ص5)
[2] Charles.W.Morris. Fondations of the theory of signs.In International Encyclopedia.Vo1.No2. University of Chicago/Chicago.1938.p25
[3] إنّ معرفتنا بسلوك الحيوان بسيطة محدودة وتحتاج إلى مزيد البحث والاستكشاف لأنّ عالمه ثريّ ومدهش، وقد لاحظ ""ك.فون.فريش" نفسه مرّة أنّ حياة النحل مثل بئر سحريّ؛ كلّما سحبت [الماء] منه وجدت ما تسحبه. والشيء نفسه ينطبق دون أدنى شك على حياة كلّ الكائنات الأخرى العاجزة عن الكلام، إلاّ أنّ معرفتنا بقدراتها ووسائلها التواصلية لا تزال أكثر بدائية."(Timo Maran and others.Readings in Zoosemiotics.article Thomas A Sebeok.Zoosemiotics at the intersection of nature and culture.De Gruyter Mouton.Nov 2011.p81) لهذا توجّهت أعين العلماء إلى هذا العالم حتّى يكشفوا عنه جانبا من الغموض الذي يُلمّ به. وانقسموا تبعا لذلك شِيَعًا فمنهم من ركّز اهتمامه على تركيبة الحيوان البيولوجية والفيزيولوجية وتوصّل إلى نتائج علميّة دقيقة أدرجها في علم بعينه هو "علم الحيوان"(Zoologie)، ومنهم من نظر في طرق تواصلها وقارنها بلغة الإنسان ضمن علم معقّد يجمع بين أكثر من مجال، وهو "سيمياء الحيوان" الذي ينبثق من "سيمياء الأحياء" (biosemiotics) من جهة ويرتبط بـ"علم السلوك" (Ethologie) من جهة أخرى. وبناء على ذلك لا تُعنى "سيمياء الحيوان" بدراسة تركيب الحيوان ووظائفه وطرق عيشه كما يفعل "علم الحيوان" وإنّما تُعنى بحياته الاجتماعية وبكيفية التواصل بين بني جنسه. لهذا ارتبطت شديد الارتباط بـ"علم السلوك" الذي يدرس سلوك الحيوان في بيئته وضمن المجموعة التي يعيش فيها. بل إنّ سيمياء الحيوان توليفة بين "السيمياء النظرية العامّة للعلامات وعلم السلوك الدراسة البيولوجية للسلوك، وموضوعها هو الطُرُقُ أين-بــ[ماذا]تتواصل الحيوانات مع بعضها البعض."(Thomas A Sebeok. Animal communication (abridged manuscript). ed Indiana university. Paris 20 october 1965.p1) ونظرا إلى أهميّة هذا المجال يدعو "سيبوك" إلى التطرّق إليه ويشجّع على دراسته واحتجّ لذلك بأنّ "سيمياء الحيوان" توضّح بدقّة القواسم المشتركة والفوارق بين التواصل البشري والحيواني على حدّ السّواء"(Timo Maran and others. Readings in Zoosemiotics. artile Thomas A Sebeok. “Talking” with animals Zoosemiotics Explained.p94) لأنّنا من وجهة نظره لم نتمكّن بعد من الإلمام بأشكال التواصل اللّفظي(verbal communication) والتواصل غير اللّفظي(non verbal communication).
[4] وهي على التوالي المصدر (source) والوِجهة (destination) والقناة (channel) والشّفرة (code) والرسالة (message) والسياق (context)، بل إنّ هـذه العـوامل تصلح لكل عمليـة تـواصليـة مهمـا كان شكلهـا أو مكانها أو منتجوها. وتبعا لذلك فــ"كلّ مصدر يتطلّب مرسلا يعمل على إعادة التنظيم (to reorganize) بواسطة عملية تسمّى التشفير (encoding)، ورسالة ينتجها في شكل يمكن أن تستوعبه القناة، ومرسلا إليه مُطالبا [على نحو ما] بإعادة التحويل (to convert) بواسطة عمليّة تسمّى فكّ التشفير (decoding)، ويمكن فهم الرسائل الواردة في شكل [ما] بواسطة الوِجهة. وهكذا فقد ذُكِر المصدر والوجهة على نحو كامل أو على الأقل جزئيا من أجل نصيب الشفرة التي يمكن تعريفها على أنّها مجموعة من قواعد التحويل التي يمكن بموجبها تحويل الرسائل من تمثيل (representation) إلى آخر.[...] والتجسيد المادي للرسالة هو الإشارة التي تكون عادة مختلطة مع الضوضاء؛ [...] وأخيرا تقتضي الرسالة حتّى تكون سارية المفعول سياقا يحيل إليها، [يكون] قابلا للفهم أو الملاحظة عبر الوِجهة." (Thomas A Sebeok.Animal communication(abridged manuscript).ed Indiana university.Paris 20 october 1965.p2)
[5] فـ أرمينكو. المقاربة التداوليّة. تر سعيد علّوش. مقدمة رودولف كارناب. مركز الإنماء القومي. بيروت. دت. ص8
[6] Jacques Francis. Article Pragmatique. In Encyclopédia Universalis.V18.Paris.1996.p856
[7] مراد بن عيّاد. مسائل تأصيليّة في الأدب العربي القديم: دراسات في وسائط البيان والتواصل. تقديم محيي الدين حمدي. مكتبة علاء الدين. صفاقس. ط1. 2018. ص70
[8] المرجع نفسه. ص ن
[9] المرجع نفسه. ص59
[10] محمد خطابي. لسانيات النصّ: مدخل إلى انسجام الخطاب. المركز الثقافي العربي.ط1. 1991.ص56
[11] O Ducrot et T Todorov. Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage. ed. Seuil. 1972. p417
[12] فرنسواز. أرمينكو. المقاربة التداوليّة. ص6
[13] سيزا القاسم.القارئ والنصّ: من السيميوطيقا إلى الهيرمينوطيقا.مجلّة عالم الفكر.ع3و4.مج23. 1994.ص252
[14] مرّت الهرمنيوطيقا بعدّة مراحل حتّى استقرّت نظريّة للتأويل مع "بول ريكور" فمن كونها نظريّة للكتاب المقدّس إلى علم الفهم اللّساني مع شلايرماخر والفهم الوجودي مع "مارتن هايدجر" إلى اعتبارها نظاما للتأويل مع "بول ريكور" (راجع: هانز جورج غادامير. الحقيقة والمنهج. تر حسن ناظم وعلى حاكم صالح. دار أويا. طرابلس/الجماهيريّ العظمى. ابتداء من الصفحة257 وأيضا Richard E Palmer.hermeneutics interpretation theory in schleiermacher dilthey heidegger and gadamer.éd Northwestern.University Press.1969)
[15] هنريش بليت. البلاغة والأسلوبيّة: نحو نموذج سيميائي لتحليل النصّ. تر محمد العمري. أفريقيا الشرق.الدار البيضاء/المغرب.ط1. 1999.صفحات 103: 105
[16] المرجع نفسه. ابتداء من ص99
[17] راجع: روبرت هولب. الهرمنيوطيقا: نظريات التأويل الموجّهة إلى القارئ.تر عادل مصطفى. في موسوعة كمبريدج في النقد الأدبي ج8: من الشكلانيّة إلى ما بعد البنيويّة. تحرير رامان سلدن. مراجعة وإشراف ماري تريز عبد المسيح. مشرف عام جابر عصفور. المجلس الأعلى للثقافة.ط1. 2006.ابتداء من ص395
[18] لقد طُرحت مسألة القصديّة من زاويتين إحداهما تمثّل إعادة لما عايشه المؤلّف وتتبّعا للمعنى الأصلي الّذي أراده بواسطة سيرورة الهرمنيوطيقا، وأمّا الزاوية الأخرى فتقوم على تتبّع إشكالية القصد مع سيرورة المناهج النقديّة. وفي كلا الاتّجاهيْن نجد مرحلتيْن متتابعتيْن؛ المرحلة الأولى هي القول بقصديّة المؤلّف بوصفها أساس الفهم ويمثّل هذه المرحلة من الاتّجاه الأوّل "فـ.شلاير ماخر" و"فيلهام ديلثي" (يمثّلان الشقّ الهرمنيوطيقي) ومن الاتّجاه الثاني (شقّ المناهج النقديّة) نجد الدراسة الوضعيّة. أمّا المرحلة الثانية فترفض هذا القصد ونجد ذلك مع "م. هيدجر" و"جادامير" و"بارت" وغيرهم (وهم النقّاد الجدد).
[19] أحمد زايد. الهرمنيوطيقا وإشكاليات التأويل والفهم في العلوم الاجتماعيّة. في: حوليّة كليّة الإنسانيات والعلوم الاجتماعيّة. جامعة قطر. ع14. 1991.ص227
[20] المرجع نفسه. ص229
[21] المرجع نفسه. ص232
[22] المرجع نفسه. ص. ن
[23] هانز جورج غادامير. الحقيقة والمنهج: الخطوط الأساسيّة لتأويليّة فلسفيّة. تر حسن ناظم وعلي حاكم صالح. راجعه: جورج كتوره. دار أويا للطباعة والنشر. ط1. مارس 2007
[24] أوّلها البعد المادي حيث يكون النصّ عبارة عن "مساحة هائلة للعمل الأدبي؛ أو هو نسيج من الكلمات المشاركة في العمل الأدبي والمرتّبة على نحو يستوجب معنى قارّا ووحيدا قدر الإمكان."(Roland Barthes.Théorie du Texte.In Encyclopeadia Universalis.T23 Paris.1996.p518) بمعنى أنّه فضاء من الألفاظ المتّسقة الّتي تشكّل نسيجا محبوكا، وثانيها البعد الزمني فالنص من وجهة نظره "متّصل جوهريا بالكتابة (النصّ هو ما كان مكتوبا) وقد يكون ذلك بسبب أنّ مجرّد رسم الحروف -رغم أنّها تظلّ خطيّة- يقترح أكثر من الكلام"(Ibid) فهي تضمن حفظ الخطاب وثباته من جهة وشرعية الحروف إذ يتعذّر محو أثرها، بخلاف الكلام الذي يكون عرضة للنسيان. أمّا ثالث الأبعاد فيتمثّل في البعد الاجتماعي، ذلك أنّ النصّ "يرتبط تاريخيا بكلّ عوالم المؤسّسات [خاصّة منها مؤسّسة] القضاء والدين والأدب والتعليم؛ [...] فالمكتوب بوصفه ممارسة في العقد الاجتماعي يُلزم ويستوجب إدراكه واحترامه."(Ibid) وذلك أنّ هذه النصوص تملك سلطة معنوية أو فعلية على الإنسان. وأخيرا نجد البعد السّيميائي، حيث يندرج النصّ من وجهة نظر "بارت" ضمن مقولة أكبر هي العلامة بوصفها مفهوما ضاربة جذوره في التاريخ، و"يقتضي مفهوم النصّ أن تكون الرسالة المكتوبة متمفصلة بدورها مثل العلامة: فمن جهة يجسّد الدال الحروف وتسلسلها في كلمات، في جمل، في فقرات، ومن ثمّ في أبواب، ومن جهة أخرى يُحدّد المدلول بوصفه أصليا وفريدا من نوعه ونهائيا في الآن نفسه من خلال ضبط العلامات التي تنقله"(Ibid)
[25] أحمد زايد. الهرمنيوطيقا وإشكاليات التأويل والفهم في العلوم الاجتماعيّة. ص231
[26] راجع: الفصل الخامس المعنون بـ "نظرية التلقّي والقراءة والتأويل" من كتاب "مناهج النقد المعاصر". دار ميريت للنشر والمعلومات. القاهرة/ مصر. ط1. 2002" لـ"صلاح فضل". ص145
[27] صلاح فضل. مناهج النقد المعاصر. ص146
[28] المرجع نفسه. ص145
[29] أحمد زايد. الهرمنيوطيقا وإشكاليات التأويل والفهم في العلوم الاجتماعيّة. ص233
[30] المرجع نفسه. ص. ن.
[31] المرجع نفسه. ص234
[32] المرجع نفسه. ص242
[33] المرجع نفسه. ص243
[34] المرجع نفسه. ص236
[35] ريكور (بول).نظرية التأويل: الخطاب وفائض المعنى. تر سعيد الغانمي. المركز القافي العربي. الدار البيضاء/المغرب. ط2. 2006. ص118
[36] المرجع نفسه. ص121
[37] المرجع نفسه. ص. ن.
[38] إيكو (أمبرتو). التأويل بين السيميائيات والتفكيكيّة. تر وتقديم سعيد بنكراد. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء/المغرب.ط2. 2004.ص117
[39] المرجع نفسه. ص ص120-121
[40] Ricoeur (P). Du texte à l’action. éd Seuil. 1986. p366
[41] المرجع نفسه. ص368
[42] ريكور (بول).نظرية التأويل الخطاب وفائض المعنى. ص118
[43] المرجع نفسه. ص122
[44] إيزر (فولفغانع). فعل القراءة: نظرية جماليّة التجاوب (في الأدب).تر حميد الحمداني والجلالي الكدية. منشورات مكتبة المناهل. فاس/المغرب.ط1. أفريل. 1994. ص ص5-6
[45] المرجع نفسه. ص88
[46] ابن عياد (مراد). من الوسائط الإجرائية في الأدب العربي القديم: بحث في سيميائية التواصل. مج1. مطبعة التسفير الفنّي. ط1. صفاقس. 2010. هامش ص215
[47] ابن المقفّع. كليلة ودمنة. باب غرض الكتاب. شرح سامي ج. الخوري. دار الجيل. ط3. 2009. ص68
[48] المصدر نفسه. ص69
[49] ابن عاشور (الطاهر). التحرير والتنوير.ج3.الدّار التونسية للنشر. تونس. 1984. ص194
[50] المرجع نفسه. ص. ن.
[51] راجع: "البرهان في علوم القرآن للزركشي تـ749هـ، وكتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي تـ911هـ
[52] صولة (عبد الله).الحجاج في القرآن: من خلال أهمّ خصائصه.دار الفرابي.بيروت/لبنان وكلية الآداب والفنون والإنسانيات.منوبة/ تونس.ط1. 2001.ص17
[53] أرسطو الخطابة.تر عبد الرحمان بدوي.المقالة1 الفصل2.دار القلم.بيروت.1979 ص1356
[54] صولة (عبد الله).الحجاج في القرآن.ص17 (اراجع: Ch Pereleman et O tyteca. traité de l’argumentation. p62)
[55] أرسطو.الخطابة.المقالة3.الفصل7.ص1408