الحملات الإلكترونيَّة في المجال الثَّقافيِّ
فئة : مقالات
الحملات الإلكترونيَّة في المجال الثَّقافيِّ[1]
تعدُّ الحملات الإلكترونيَّة إحدى الأدوات الإعلاميَّة المهمَّة، والَّتي تُحقِّق نجاحاً كبيراً في كافَّة المجالات، ونظراً لأنَّ أغلب الفيروسات الثَّقافيَّة الإلكترونيَّة تسعى إلى إلحاق الضَّرر بالثَّقافة والمجتمع والدَّولة؛ فيجب العمل على إنتاج حملات مضادَّة هادفة إلى الحفاظ على الاستقرار، وفضح الأكاذيب، ونشر الحقائق وزيادة الوعي.
ولعلَّ مِن المجدي والمطلوب بإلحاح في وقتنا هذا؛ الحديث عن إدارة تلك الحملات بالصُّورة الأفضل، ويمكن الحديث عن ذلك في عدد من النُّقاط، وهي كالتَّالي:
ماهيَّة الحملات الإلكترونيَّة:
يمكننا تعريف الحملة الإلكترونيَّة عموماً بأنَّها: «نشاط على الإنترنت يهدف إلى التَّأثير على الرَّأي العامِّ والتَّسويق للأفكار باستخدام كافَّة أدوات التِّكنولوجيا الرَّقميَّة، وإمكانات الشَّبكات الاجتماعيَّة».
والفرق الرَّئيس بين الحملات الإلكترونيَّة، والحملات الإعلاميَّة التَّقليديَّة هو الأدوات؛ فأدوات الحملات الإلكترونيَّة تقنيَّة وساحتها الإنترنت. أمَّا الحملات الإعلاميَّة التَّقليديَّة، فأدواتها الإعلام التَّقليديُّ (صحف، مجلَّات، تلفزيون، راديو)، وساحتها قد تمتدُّ إلى الواقع من خلال المؤتمرات أو النَّدوات حسب برنامج وهدف الحملة.
وهناك مجموعة من الأسباب الَّتي جعلت من استخدام الحملات الإلكترونيَّة أمراً حتميَّاً أبرزها:
. أسباب اقتصاديَّة: تتمثَّل في سهولة الاتِّصال بشبكة الإنترنت بأقلَّ تكلفة، وخصوصاً بالنِّسبة إلى الطَّبقات الفقيرة والمتوسِّطة.
. أسباب سياسيَّة: تتمثَّل في تواجد معظم كيانات المجتمع المدنيِّ افتراضيَّاً على الإنترنت ومواقع التَّواصل الاجتماعيِّ على وجه الخصوص.
. أسباب اجتماعيَّة: تتمثَّل في تزايد الطَّلب الاجتماعيِّ على استخدام شبكة الإنترنت في التَّعليم الإلكترونيِّ والبحث عن المعلومات والحصول على السِّلَع.
. أسباب جغرافيَّة: تتمثَّل في سهولة التَّواصل بين الأشخاص والمؤسَّسات، رغم الحواجز المكانيَّة والجغرافيَّة، وتجاوز صعوبات التَّواصل الحقيقيِّ عبر الطُّرق والنَّقل والمواصلات.
أهداف الحملات الإلكترونيَّة:
1- التَّعريف بالفكرة أو المبادرة الَّتي تدعو إليها الحملة، ونشر الوعي بالأساليب الجديدة والمبتكرة؛ لإيجاد بدائل أو أنظمة موازية.
2- استغلال العدد الكبير من مستخدمي الشَّبكات الاجتماعيَّة.
3- التَّأثير على جمهور على الإنترنت، وإقناعه بالحملة وأهمِّيَّتها.
4- تنويع أساليب الدِّعاية كالصُّورة، والفيديو، وكذلك الشِّعارات المُصمَّمة ببرامج الجرافيك.
5- تشجيع النَّاس على استخدام الإنترنت كوسيلة للتَّواصل، بدلاً من الوسائل التَّقليديَّة ذات التَّكلفة الأعلى.
6- إمكانيَّة الاستفادة من الأدوات الرَّقميَّة، وبرامج الكمبيوتر في التَّحليل والتَّقييم للحملة بسهولة.
7- بناء شبكة من المهتمِّين والمعجَبين بفكرة الحملة، بما يمكِّنهم من التَّعرُّف إلى بعضهم وتبادل الآراء والخبرات.
8- سهولة حفظ بيانات الحملة، وتوزيعها من خلال الوسائط الإلكترونيَّة.
9- المتابعة المستمرَّة للحملة من خلال رسائل البريد الإلكترونيِّ، والتَّحديثات اللَّحظيَّة والتَّغذية الرَّاجعة.
10- التَّسويق الإلكترونيُّ لمبادئ وأفكار الحملة، وتحقيق الإنجاز المطلوب قدر المستطاع.
إدارة الحملات الإلكترونيَّة:
يمكن تلخيص ذلك في عدَّة نقاط:
1- فكرة الحملة:
الفكرة هي محرِّك الحملة الرَّئيس، وتأتي عن طريق رأي أو وجهة نظر أو أسلوب لحلٍّ ما، وعادةً ما تُعبِّر عن مبادرة تُتَّخذ لإيجاد بديل أو نظام موازٍ للنِّظام القائم الَّذي يعاني من القصور، أو المشكلات، أو عدم تحقيق نتائج متميِّزة.
2- التَّخطيط:
لنجاح أيِّ حملة إعلاميَّة أو إلكترونيَّة يجب وضع خطَّة لها، ويجب أن تكون الخطَّة مُحدَّدة بجدول زمنيٍّ، وبرنامج للمهامِّ، وتوزيع للأدوار، وتوضيح وإبراز للمسؤوليَّات والصَّلاحيَّات والإمكانات والظُّروف المحيطة.
3- الدِّعاية وجذب الانتباه:
وتُمثِّل تلك المرحلة بداية جذب الأنظار للفكرة أو الشَّخص، ويجب الاعتماد فيها أوَّلاً على الدِّعاية للصَّفحة على الفيس بوك مثلاً، ويجب أن تكون الصَّفحة جذَّابة باستخدام الصُّور العالية الدِّقَّة والبانرات (الشِّعارات) الخاصَّة بالحملة، سواء مكتوبة أو مصوَّرة. فوجود شعار مكتوب للحملة شيء مهمٌّ منذ البداية، سواء في صورة عبارة أو مجموعة كلمات تُعبِّر عن فكرة الحملة، وكذلك وجود لوغو (الشِّعار المصوَّر) مُميَّز، وبأحجام مختلفة وبخلفيَّة شفَّافة، حيث يسمح لأعضاء الصَّفحة بإضافته إلى صفحاتهم وصورهم الشَّخصيَّة.
4- الحشد:
وتعدُّ مرحلة الحشد وجمع المعجَبين أهمَّ مراحل الحملة، وتعتمد على نشر الصَّفحة لدى أكبر عدد من مستخدمي الفيس بوك؛ وذلك من خلال دعوة المنضمِّين لأن يدعوا أصدقاءَهم للصَّفحة، ويمكن في هذه المرحلة اللُّجوء لعمل إعلان مدفوع يظهر على أحد جانبي صفحة الفيس بوك لدى معظم المستخدمين، ويساعد ذلك على الانتشار السَّريع للصَّفحة، ويظهر العائد المطلوب في زيادة أعداد المعجبين بالصَّفحة.
5- الانضمام للحملة:
تأتي هذه المرحلة استكمالاً للمرحلة السَّابقة؛ وذلك بإيجاد الآليَّات للانضمام للحملة فعليَّاً، وليس مجرَّد الإعجاب بالصَّفحة، فانضمام شخصٍ لصفحة لا يعدُّ بالضَّرورة انتماءً لمبادئ تيَّارٍ فكريٍّ معيَّن، ولكن يلزم صياغة استمارة للانضمام بالبيانات المطلوبة، ووضعها على الصَّفحة مع توضيح كيفيَّة إرسالها للمسؤولين عن الصَّفحة أو الحملة والتَّواصل معهم.
6- صناعة وتأهيل الكوادر والنَّاشطين:
من المبادئ الأساسيَّة الَّتي يجب أن يقوم عليها أيُّ نشاط؛ هو الفروق الفرديَّة بين الأشخاص، ولذلك يجب مراعاة مقدار حماس الأشخاص وطموحهم، فإنَّ خلقَ مُدرَّج للصُّعود من خلال الأشخاص النَّاشطين، والَّذين يمكن اكتشافهم من الصَّفحة أو من خلال اللِّقاءات مع النَّاس، شيء مهمٌّ جدَّاً، وهنا يبرز دور التَّأهيل والتَّدريب لخلق كوادر مؤهَّلة ومُدرَّبة للتَّعبير عن مبادئ وأفكار الحملة.
7- المتابعة والرَّصد:
وهذه الخطوة لها جانبان؛ الأوَّل: على الصَّفحة من خلال عمل استطلاعات للرَّأي وقياسات للرَّأي العامِّ الإلكترونيِّ، والجانب الثَّاني: في الواقع العمليِّ من خلال المتابعة للاهتمام بالصَّفحة، ورصد نبض الجماهير، والتَّحديث المستمرِّ لأخبار الحملة، والرُّدود على التَّساؤلات والاستفسارات الَّتي يطرحها أعضاء الصَّفحة شيء ضروريٌّ، ويساعد على الحفاظ على مصداقيَّة الصَّفحة. ويظهر ذلك في عرض صور لأخبار الحملة في الشَّارع والاحتكاك بالنَّاس في أماكن مختلفة لإثبات تواجد الجمهور المساند، ورغبة المسؤولين في خدمة المواطنين، والتَّعرُّف على مشاكلهم بصورة مباشرة.
8- اللَّحظة الحَرِجة:
وهي أصعب المراحل، وأكثرها حساسية، ويقصد بها ساعة الحسم للحملة، أو اليوم المحدَّد للتَّنفيذ، أو موعد مقابلة لمسؤول مهمٍّ، وينبغي في هذه المرحلة تكثيف الحملة الإلكترونيَّة، ومن الممكن هنا اللُّجوء لزيادة الإعلانات؛ لزيادة تأثيرها وسرعة انتشارها، كما يجب على المسؤول عن الصَّفحة دراسة أوضاع صفحات الآخَرين في حالة وجود منافسين أو حملات مضادَّة، وإبراز البدائل والفرص والإمكانات الَّتي من المحتمل تحقيقها في حالة النَّجاح أو الفوز.
9- التَّقييم:
وهي المرحلة الَّتي تبدأ فور انتهاء الحملة، وتعتمد على إبراز الإيجابيَّات والسَّلبيَّات للحملة الإلكترونيَّة، ويتمُّ ذلك بصورة كمِّيَّة؛ وذلك بعرض أعداد المعجبين بالحملة، ومدى التَّطوُّر والاستمراريَّة من المهتمِّين بالصَّفحة، وكذلك عدد التَّعليقات وضغطات الإعجاب بالموادِّ المعروضة بالصَّفحة، وذلك بصورة كيفيَّة من خلال التَّعرُّف على المراحل العمريَّة للمشاركين والبلدان والمدن المنتمين إليها واللُّغات المستخدمة.
10- إعداد التَّقارير:
يعدُّ التَّقرير النِّهائيُّ عن حملة ما مرجعاً مهمَّاً لكلِّ المهتمِّين والمعجبين بالحملة، ويجب أن يتمَّ إخراجه بصورة جيِّدة وبصياغة سلسة وواضحة، ليكون في متناول الجميع، ويتمَّ فيه عرض كافَّة مراحل الحملة وكذلك التَّقييم. ويمكن أن يتمَّ عمل تقرير مُصوَّر عن الحملة باستخدام أحد برامج المونتاج والفيديو؛ وذلك إلى جانب التَّقرير المكتوب، ويُفضَّل نشر التَّقرير لتحقيق الاستفادة القصوى، وإجراء حوار مُجتمعيٍّ حول جدوى الحملة الإلكترونيَّة ومدى أهمِّيَّتها ونجاحها ودراسة تكرارها، والاستفادة من السَّلبيَّات السَّابقة بتحسين خطِّ سير الحملة للوصول لأفضل النَّتائج.
البناء التَّنظيميُّ والإداريُّ للحملة:
1- صاحب الفكرة أو المبادرة:
غالباً ما تكون الحملة عبارة عن فكرة جديدة، أو مبادرة لشخص ما لمواجهة أسلوب أو طريقة أو مشكلة أو قصور في أحد مناحي الحياة، ويُعبَّر عنها في صورة حملة إلكترونيَّة. وعلى الرَّغم من أنَّ الحملة بمجرَّد اشتراك النَّاس فيها أصبحت الفكرة مُشاعاً، والإضافات متاحة والكلُّ مشارك في صياغة مبادئ وتوجُّهات الحملة؛ إلَّا أنَّ الشَّخص صاحب الفكرة أو المبادرة يظلُّ هو المعبِّر الرَّئيس عنها، وهو الرَّئيس الشَّرفيُّ لها.
2- مدير الحملة:
هو الشَّخص المسؤول عن سير الحملة الإلكترونيَّة، والمشرف العامُّ على كلِّ الأنشطة الَّتي يقوم بها الأعضاء، والمنسِّق لِمَا تقوم به كلُّ الإدارات التَّالية، وغالباً ما يكون له دور في اختيار المسؤولين بالحملة، وتحديد المسؤوليَّات، وتوزيع الأدوار، وصياغة برنامج الحملة.
3- نائب مدير الحملة:
وهو الشَّخص الَّذي ينوب عن المدير في مسؤوليَّاته، ويتمُّ تفويضه بصلاحيَّات معيَّنة لأداء المهامِّ الخاصَّة بسير الحملة الإلكترونيَّة.
4- إدارة الإعلام:
وتتكوَّن من المسؤول الإعلاميِّ، والفريق الإعلاميِّ للحملة ومهمَّته نشر أخبار الحملة والمتابعات والتَّقارير بكلِّ الوسائل الإعلاميَّة التَّقليديَّة والحديثة.
5- إدارة العلاقات العامَّة والاتِّصالات:
وهي تشارك وتساعد إدارة الإعلام في التَّرويج للحملة الإلكترونيَّة، كما تهتمُّ بالرَّصد الإلكترونيِّ للحملات الأخرى، واستجابة الجمهور لها، والتَّحرُّك الإيجابيِّ للحملة في الواقع.
6- إدارة السِّياسات والمشاريع:
وهي تقوم بعرض المعلومات والبيانات عن الحملة الإلكترونيَّة، واقتراح السِّياسات الجديدة ومتابعة تنفيذها، وكذلك عرض الأفكار والمشاريع المميَّزة والحصول على دعم لها، وتنفيذ السِّياسة العامَّة للحملة الإلكترونيَّة.
7- إدارة التَّمويل:
وهي الإدارة المسؤولة عن توفير الدَّعم الماليِّ اللَّازم للحملة؛ سواء للفريق التِّقنيِّ أو توفير الأموال والتَّجهيزات للتَّدريبات للمتطوِّعين، أو عناصر الحملة المشاركين، وكذلك الإعلانات المدفوعة، وتزداد أهمِّيَّة هذه الإدارة في الحملات الكبيرة، وتقلُّ في الحملات أو المبادرات الفرديَّة، بل قد تختفي تماماً لاعتماد الأخيرة على الجهود التَّطوُّعيَّة.
8- إدارة التَّطوُّع:
وهي إدارة تعتمد على جذب أكبر عدد من المقتنعين بمبادئ الحملة كمتطوِّعين لأداء بعض المهامِّ الَّتي تستلزم مساندة من أفراد المجتمع، ومن الممكن بعدها اختيار المتميِّزين لترقيتهم لدرجات أعلى كمسؤولين بالحملة، ويكون ذلك تحفيزاً لهم للعمل بجدِّيَّة وحماس من أجل تنفيذ المهامِّ المُوكلة لهم على أكمل وجه.
9- إدارة التِّكنولوجيا:
وهي تضمُّ مُصمِّمي المواقع الإلكترونيَّة والإعلانات والبانرات، ومسؤول قاعدة البيانات، والمبرمِجين، والمطوِّرين، والمدوِّنين، ومسؤولي التَّسويق الإلكترونيِّ.
10- إدارة المتابعة والتَّقييم:
ومهمَّتها متابعة تنفيذ الجدول الزَّمنيِّ للحملة، وكذلك جمع المعلومات عن كلِّ مرحلة، والإنجازات الَّتي تمَّت، وعرض الإيجابيَّات والسَّلبيَّات، وإعداد التَّقارير، والمتابعات لخطِّ سير الحملة.
وتبقى كلمة أخيرة، وهي أنَّ بلادنا العربيَّة تحتاج للعالم الافتراضيِّ بأحلامه الزَّاهية وتقنياته الحديثة وأفكاره الابتكاريَّة، وكذلك العالم الواقعيِّ بخبراته السِّياسيَّة وآرائه البعيدة النَّظر وثقافته المستمدَّة من التُّراث الوطنيِّ والعربيِّ والإسلاميِّ، الَّذي يُشكِّل أبعاد الشَّخصيَّة العربيَّة الأصيلة.
[1] - مقتطف من كتاب "ثقافة ما بعد الكورونا" للكاتب محمد سيد ريان، كاتب مصري، صدر الكتاب عن دار مؤمنون بلاحدود للتوزيع والنشر.