الخطاب الصوفي ورحلة البحث عن الذات
فئة : أبحاث محكمة
الخطاب الصوفي ورحلة البحث عن الذات([1])
ملخص:
كثيرا ما يردّد الصوفيّة حديثا منسوبا إلى الرسول ونصّه: "من عرف نفسه فقد عرف ربّه" يتّخذونه حجّة على قيمة البعد المعرفي في تجربتهم الروحيّة من جهة، ويستندون إليه في إثبات عمق الصلة بين الكائن الآدمي والله من جهة أخرى. وكلاهما في تكامل وتناغم فالمعرفة أصل في الخلق ودافع من دوافعه (حديث الكنزية) فقد خلق الله الخلق ليعرفوه، وخصّهم بأداة معرفته دون سائر المخلوقات وحثّهم على ذلك. وجعل لهم في أنفسهم آيات تحقّق لهم هذه المعرفة. ومن ثمّ كانت رحلة البحث في الذات منطلق التجربة الصوفيّة يروم السالك خلالها اكتشاف طبيعتها ومكوّناتها وأبعادها وخصائص وجودها وغايته. ولم تكن الرحلة مكانيّة أو زمانيّة فحسب، بل اتّجهت نحو سبر أغوار النصوص واختبار أسرار اللغة لمعرفة مدى قدرة العبد على التواصل والاندماج بل الالتحام بعالمه واستيعاب وجوده تمهيدا لإدراك الهدف الأسمى وهو القرب من الله عبر تحقيق فعل التوحيد في أسمى درجاته. فمن لم تبلغه معرفتُه التوحيدَ الحقّ والأمثل فكأنّه لم يعرف، إذ لم ينتفع بما عرف. وههنا يحظى بالمرتبة المنشودة التي يستشعر فيها اكتمال ذاته بعيدا عن الحجب والمنغصات. ههنا يدرك ذاته المفقودة التي أفسد الارتباط بالأرض والدنيا صفاءها وأفقدها طهرها وانسجامها فيحيا في كنفها بالله وفي الله.
إنّ الخطاب الصوفي في مختلف تجلّياته إنّما يحكي أطوار هذه الرحلة ويقدّم الأدلّة عليها، فالطريق بمقاماته وأحواله اختبار للسالك وإشارات ترشده إلى هدفه الأسمى، واللغة الصوفيّة ستر من جهة، وإبانة من جهة أخرى عن خصوصيّة البحث الصوفي عن الذات، حيث يكون تفاعله معها تقبّلا وإنشاءً دالا على رغبته في تجاوز المألوف والمتعارف وإقامة الدليل على امتلاكه آليات التواصل وقدرته الخارقة على التحكّم فيها وتصريفها وفق ما يعتمل بداخله من مواجد وتصوّرات.
لقد قدّم الخطاب الصوفي تصوّرا مخصوصا للذات البشريّة بشكل تفصيليّ دقيق علّل به عديد الظواهر التي تعرض للكائن البشري، منها ما استمدّه الصوفيّة من تجربتهم الروحيّة ومنها ما استفادوا فيه من تجارب غيرهم سواء كانوا مسلمين أو منتمين إلى أديان مغايرة. وهذا دليل على أنّهم في سعيهم إلى معرفة الذات قد حرصوا على الاطلاع على كلّ ما من شأنه أن يقدّم إضافة أو توضيحا في هذا الباب فلم يحترزوا أو يتحرّجوا من الأخذ من الآخر المختلف والمخالف لهم. فكان الخطاب الصوفي جامعا لنصوص وروافد متباينة، وحاملا لتأويلات متعدّدة تصبّ في النهاية عند مقصد واحد وهو معرفة الذات. وبها يكتسي هذا الخطاب أبعادا إنسانيّة رحبة تنضاف إلى حقيقة الذات التي يعمل الصوفي على كشفها والتعبير عنها، والتي تتحرّر عنده من كلّ انتماء وقيد ولا تعترف إلاّ بالتوحيد قولا واعتقادا وعملا.
ومن ثمّ سيكون البحث في مكوّنات الخطاب الصوفي وأبعاده المعرفيّة من خلال تتبّع خطى المتصوّف وهو يكتشف ذاته جسدا وروحا ولغة.. لبيان ما يختزنه هذا الخطاب من أبعاد إنسانيّة تتجاوز المجال الإسلامي لتعانق رحابة الفضاء الكوني وتنتصر للفرد حيثما كان بقطع النظر عن انتمائه ومعتقده. وسيكون البحث أيضا مناسبة للتساؤل عن آفاق هذا البعد الإنساني في التجربة الصوفيّة.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1] نص المداخلة التي ألقيت في الندوة التي نظمتها مؤسسة مؤمنون بلا حدود؛ بالتنسيق مع مختبر مسارات الخطاب الصوفي؛ بكلية الآداب جامعة محمد الخامس الرباط؛ المغرب. بتاريخ: 19/20 نونبر 2014