الدهماء في عصر التفاهة
فئة : مقالات
الدهماء في عصر التفاهة
”روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على النَّاس سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟، قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ* يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)“ (أخرجه ابن ماجه: 4036).
”إذا أردت أن تدمر مجتمعاً فدمره بالقبح واليأس وغياب الأمل وسيطرة الدهماء والتافهين على الاهتمامات العامة للناس“ (المؤلف).
تتمحور فكرة كتاب نظام التفاهة لـ "آلان دونو" في أن كل نشاط في المجال العام (سياسياً، اجتماعياً، ثقافياً، ...) أصبح أقرب إلى "لعبة"، يعرفها الجميع رغم أن لا أحد يتكلم عنها. ولا قواعد مكتوبة لهذه اللعبة، ولكنها تتمثل في الانتماء إلى كيان كبير ما، تُستبعد القيم فيه من الاعتبار، فيختزل النشاط المتعلق به إلى مجرد حسابات مصالح متعلقة بالربح والخسارة الماديين (كالمال، والثروة)، أو المعنويين (كالسمعة، والشهرة، والعلاقات الاجتماعية)، وذلك إلى أن يصاب الجسّد الاجتماعي بالفساد بصورة بنيوية، فيفقد الناس تدريجياً اهتمامهم بالشأن العام، وتقتصر همومهم على فردياتهم الجزئية والصغيرة. وهكذا، فنحن نلعب لعبة أعظم من أنفسنا أو نتظاهر بالخضوع لها، ونوسّع من نطاق قواعدها طوال الوقت، أو نخترع لها قواعد جديدة حسب الحاجة.
ففي كل المجتمع عادةً ما يكون بين أفراده أشخاص طموحين ذوو معايير عالية تنشد النجاح الرفيع، وآخرون ذوو معايير متدنية يبحثون عن النجاح السهل، فإن من يدير اللعبة هي الفئة الثانية عادةً؛ لأن أفرادها أقرب إلى ما تتطلبه الطبيعة اليومية للحياة من التبسيط ونبذ المجهود والقبول بكل ما هو كافٍ للحدود الدنيا. فإن لم يرتفع أصحاب الفئة الثانية إلى المرتبة العالية للفئة الأولى، حرصوا على أن ينحدر هؤلاء إلى دركهم، والانحدار - إن لم يتنبه إليه أصحاب المعايير العالية - هو أمر يحدث بسرعة، وبشكل مراوغ، لا يلبث المرء معه إلا وقد وجد نفسه قد سقط من عليائه، فانضم إلى من في السفح هناك بالأدنى، فالتسفّل أيسر من الترفع، كما قال فيلسوف الشرق وموقظه جمال الدين الأفغاني (1839-1898)؛ لأن للأمر تفسيراً فيزيائياً معروفاً: فكل مرتفع يقاوم الجاذبية الأرضية، فيما كل منحدر يسلم نفسه بيسر إليها.
ولكن ما هو جوهر كفاءة الشخص التافه؟ إنه القدرة على التعرف على شخص تافهٍ آخر. معاً يدعم التافهون بعضهم البعض (كما يحدث مع الأشخاص الذين يقدمون المحتوى التافه على مواقع التواصل الاجتماعي فهناك ممن يستهويهم هذا المحتوى)، فيرفع كل منهم الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار؛ لأن الطيور على أشكالها تقع. ما يهمنا هنا لا يتعلق بتجنب الغباء، وإنما بالحرص على إحاطته بصور السلطة والمشروعية. إذا كان المظهر الخارجي للغباء لا يشبه التقدم، المهارة، الأمل، أو الرغبة الدائمة في التعديل، فإن أحداً لن يرغب في أن يكون غبياً، كما لاحظ روبرت موسل كن مرتاحاً في إخفاء أوجه قصورك في سلوكك المعتاد، ادعِ دائماً أنك شخص براغماتي، وكن مستعداً للتطوير من نفسك، فالتفاهة لا تعاني من نقصٍ لا بالقدرة ولا بالكفاءة، بل مفهوم يشير إلى ما هو متوسط، بمعنى أن التافهين لا يجلسون خاملين، إنهم يؤمنون بأنهم كيف يعملون بجهد.
فالأمر يتطلب مجهوداً لصناعة محتوى معين في مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال، إلا أن الجميع لا يمتلك القدرات الشخصية للوصول إلى هذه الغايات؛ فالجودة والأدوات التقنية تصبح لازمة لإخفاء الكسل الفكري العميق الذي تنطوي عليه العديد من المهن ذات الأسس الامتثالية في التزامهم بالمتطلبات الدقيقة لعملٍ لا يعود لهم في الحقيقة، وفي انغماسهم في فكر يأتيهم من الأعلى، فإن ابتذال الأشخاص التافهين هو أمر يغيب عن أنظارهم هم أنفسهم.
بذلك تكمن مقدرة التافه الرئيسة - حسب دونو - في التعرُّف على تافه مثله، حيث يعملان معاً على مبدأ: أضئ لي أقدح لك، وبيِّن لي أجيبك، حتى تقوى شوكة جماعة عددها في ازدياد، إذ لن يطول بهما الأمد في حشد من أمثالهما بتزايد مستمر. ليس المهم تجنب السخافة، بل جعلها تكتسي صور السلطة والمشروعية وهذا ما نجده مع صنّاع المحتوى التافه لرواد مواقع التواصل الاجتماعي. فالشخص التافه – في كثير من الأحيان – يتمثل في مخلوق منحط، يستفيد من معرفته بالأخبار الداخلية والدسائس في أوساط السلطة لاستغلال كل موقف. وفي هذا السياق، يضرب لنا دونو مثالاً لتوضيح ما يقصده (كان سيلسي Celse ينحدر من خلفية تافهة، ومع ذلك فإن أشخاصاً من ذوي المراتب الاجتماعية العليا كانوا يتأثرون به: لم يكن عالماً، ولكنه كان ذا علاقةٍ بالعلماء، كان قليل الجدارة، ولكنه يعرف أشخاصاً ذوي جدارة كبيرة، لم يكن حاذقاً، ولكنه كان ذا لسانٍ يجعله مفهوماً وقدمين تحملانه من مكان إلى آخر).
وفي سياق متصل يقول الكاتب والمفكر الإسباني المشهور أورتيجا إي جاسيه Ortega Y Gasset في كتابه "ثورة الدهماء" علينا أن نعترف بحقيقةٍ واضحة، سواء أكنا نَعُدُّها خيراً أم شراً، حقيقة لها أهمية عظمى في الحياة العامة لأوروبا في عصرنا الحالي، هي أن الدهماء أصبحوا يملكون زمام السلطة الاجتماعية كاملاً. ولما كان الدهماء - تبعاً لتعريفهم - ليسوا ممن ينبغي عليهم أن يوجهوا حياتهم الشخصية بأنفسهم، ولا يستطيعون ذلك، ناهيك بحكم مجتمع بأسره، فإن معنى هذه الحقيقة هو أن أوروبا تعاني من أشد نكبة يمكن أن تصيب الشعوب والأمم والحضارة، هذه النكبة قد حدثت في التاريخ من قبل أكثر من مرة، وخصائصها ونتائجها معروفة، وكذلك اسمها، فهي تسمى (ثورة الدهماء).
ويؤكد وجود حالة نفسية تسمى ﺑ "الدهمائية"، وهي حالة يمكن تعريفها حتى دون انتظار وجود أفراد يكونون كتلة من الدهماء. ففي وسعنا أن نحكم على فرد واحد بأنه من الدهماء أو ليس منهم. والدهمائية في رأيه هي حالة كل مَن يعجز عن أن يضع لنفسه قيم معينة على أسسٍ معينة، سواء أكانت هذه القيم خيراً أم شراً، فهي حالة من يشعر أنه هو "والآخرون سواء"، ولا يحس من جراء ذلك بأدنى قلق، بل يستشعر السعادة إذ يرى نفسه مماثلاً للآخرين من جميع الوجوه.
تاريخياً، تعد طبقة الدهماء عامة الشعب في الإمبراطورية الرومانية، التي اندرج فيها أغلبية المواطنين الرومان الأحرار (من غير العبيد الرومان)، ممن لم ينتموا إلى طبقة نبلاء الرومان، وفق ما يقره الرقيب الروماني. بذلك يعد معظم أصحاب المحال والحرف والعاملين المهرة أو غير المهرة أفراداً من طبقة الدهماء. بدءاً من القرن الرابع قبل الميلاد أو قبله، كان أفراد بعض أغنى وأكثر العائلات الرومانية نفوذاً من طبقة الدهماء. لكن رغم ذلك، عادةً ما يستعمل المصطلح لقصد المواطنين الرومان العاديين، وقد ظهرت الكلمة بحد ذاتها لتستعمل كإشارة لعامة الناس في روما وتفريقهم عن النبلاء وذوي النفوذ، حيث اشتقت من الكلمة الإغريقية "plethos" بمعنى (حشد). من خلال ما تقدم يمكننا القول إن الدهماء "هم عامة الناس وسوادهم، تشكل فئة هلامية هامشية بلا انتماء وبلا قيادات وبلا تنظيم، ولذلك فإن الدهماء يمثلون في الواقع مادة قابلة للاشتعال أو الانفجار دون رابط أو ضابط؛ أي إنهم لديهم توقعات وطموحات دون أن يكون لديهم خبرات أو مهارات مناسبة".
في ظل هذا التوصيف، نجد أن الثقافة بدأت تنحسر وتتقهقر الجدية وينسحب العلماء والمفكرون ويسود الدهماء، وللإِعلام اليد الطولى في ذلك والأعجب عندما تجد النخب الفكرية والثقافية أصبحت تتبع الدهماء. أصبحوا هم من يقرر الأولويات ويحدد المشكلات ويثير الزوبعات، وأصبح المثقفون يحاولون أن يشاركوا في المعمعة وهم لا يفقهون اللعب؛ أي إن النخب الفكرية أصبحت تبع الدهماء فيما يعرض ويناقش، فيما يهم ولا يهم، أليسوا هم الأكثر شهرة والأكثر حضوراً على مواقع التواصل الاجتماعي؟ أليسوا هم من يتبعهم الآلاف بل الملايين أحياناً؟
في واقع الأمر، أضحى كل فرد في المجتمع المعاصر مثقفاً مخضرماً، سياسياً محنكاً، مصلحاً اجتماعياً، فقيهاً دنياً، حيث أتاح هذا المجتمع لأفراده بواسطة التطورات التكنولوجية المتلاحقة المنقطعة النظير استخدام مواقع التواصل الاجتماعي (العالم الافتراضي)، ليعبروا عن آرائهم وأفكارهم وطموحاتهم، فبات لا هم لهم إلا أن يحللوا الوقائع والأحداث، وأن يدلوا بأصواتهم على منابر وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي من خلال حلقات البث المباشر والمناقشات الجماعية التي لا تفيد ولا تثمر، مما جعل هؤلاء الأفراد يأخذون مكانات وأدواراً بعيدة كل البعد عن أدوارهم الحقيقية، ليتحول المجتمع برمته إلى جسد بلا رأس تقوده فئة الدهماء في عصر التفاهة، وهذا يعني نطق الرويبضة، كما تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم، فتكلم العامة والدهماء في شأن أهل الحل والعقد والمتخصصين، بل تساوت الرؤوس بين من لا يحسن أن يكتب اسمه وبين الأساتذة المتخصصين، والدكاترة الباحثين، فالكل متاح له أن يتكلم ويسمع له عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، وأضحى كل شخص له جمهوراً، دون أن يكون لهم مرجعية.
إن هدف هذه الفئة في واقع الأمر هو جني الأموال من خلال التركيز على رفع عدد المشاهدات، والأخص من خلال تقديم المحتوى الهابط الذي يتمحور بشكل أساسي حول الغرائز الجنسية، بالإضافة إلى حب الشهرة والمظاهر التي تكاد تسيطر على عقليات الكثير من "الدهماء"، من خلال ما يقيمونه من مناسبات، ويطلقونه على أنفسهم من ألقاب، ويقال فيهم من مديح إلى الحد الذي صارت معه هذه الظاهرة قابلة للعدوى تارة بالتقليد، وتارة أخرى بالمنافسة، والمحرك الأول الذي يدفع هؤلاء إلى التقليد والتنافس والبحث عن الذات وتمجيدها، هو الثروة وعلى أساسها تكون المفاضلة والمفاخرة.
تكمن خطورة هذه الفئة (المشاهير وصناع المحتوى) على المجتمع في أن هؤلاء المشاهير يفتقرون للمؤهلات العلمية الكافية للظهور الإعلامي وتقديم المحتوى المفيد للمجتمع، بالإضافة إلى أن المحتوى الذي يقدمونه محتوى ثقافي هزيل جداً يعتمد في معظم الأحيان على توظيف الجسد والمتاجرة به من خلال الإغراءات الجنسية المباشرة وغير المباشرة، وتأثيرهم في تقدير صورة الجسم المثالي وبالأخص بين المراهقات؛ فالناس في هذه الأيام يشعرون بالقلق إزاء صورة أجسادهم؛ لأنهم يقارنونها بالمشاهير أو المؤثرين، بالإضافة إلى تقديم وصفات الأطعمة التي تنذر بأن هذا المجتمع لا هم له إلا الطعام والجنس كل ذلك من أجل تحقيق أكبر عدد من المتابعين لزيادة الدخل المادي، وعلى الرغم من أن ذلك يخالف القيم والمبادئ والثوابت الأخلاقية والاجتماعية لمجتمعاتنا، إلا أن هؤلاء أصبحوا - مع الأسف الشديد - قدوات يحتذى بها لدى معظم أبنائنا وبالأخص المراهقون منهم مما انعكس سلباً على تربيتهم وأخلاقهم وممارساتهم الاجتماعية وتحصيلهم الدراسي والعلمي.
لكننا بالمقابل، يجب أن نكون منطقيين ومنصفين ليس كل قدوات ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي يقدمون محتوى سلبي، بل نجد في بعض الأحيان قدوات وشخصيات إيجابية لها تأثير ملهم على الكثير من الأطفال والمراهقين والشباب والنساء والرجال، ولكن تأثير هؤلاء لا يذكر أمام تأثير المحتوى الذي يقدم من قبل القدوات السلبية التي أصبحت هي الدارجة والمسيطرة على معظم أفراد المجتمع الذين يطمحون إلى تقليدهم وإعادة إنتاج أساليبهم بهدف تحقيق الدخل المادي بغض النظر عن طبيعة الآلية المتبعة في تقديم المحتوى ومصدر الحصول على المال حتى لو كان ذلك على حساب القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية.
وفي هذا السياق، يجب علينا أن نطرح على أنفسنا التساؤل التالي: لماذا وصلنا إلى هذا الحال من التردي الفكري، والثقافي، والاجتماعي، والأخلاقي؟ في واقع الأمر، إن الكثير من المتابعين اغتروا بمشاهير مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة سلبية، فظنوا أن السعادة الحقيقية تكمن في جمع المال والشهرة؛ فالمتابعون يرون الجانب المشرق الخالي من المشكلات من خلال ظهور المشاهير والمؤثرين، أو ما يسمى بالفاشينيستا وصانعي المحتوى وهم في فرح سعادة غامرة عندما يرتدون أغلى الماركات وبالمجان بهدف تسويقها لأصحاب الشركات المصنعة التي تعرف كيف تستغلهم من أجل تحقيق أكبر نسبة من عائدات الربح، كما يتم أيضاً دعوتهم إلى بعض المطاعم الشهيرة وبالمجان من أجل توظيف شهرتهم في الدعاية والإعلان وإغراء المتابعين في ارتياد تلك المطاعم؛ لأن المشاهير تناولوا وجبة الطعام فيها، بذلك يظن المتابعون أن حياة هؤلاء المشاهير خالية من المشاكل وكلها سعادة وفرح والعكس هو الصحيح إذا اطلعنا على حياتهم الخاصة. وهكذا يقبل المتابعون للحسابات وصفحات المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي أي شخصية ذاع صيتها في أي مجال ويفضلون متابعة الجديد والغريب عنهم ويقلدونهم بشكل جعلهم مهووسين بهؤلاء المشاهير وما يقدمونه، فيضيعون هويتهم الشخصية وتختفي لديهم العادات والتقاليد ويتعلمون ألفاظاً لا معنى لها ويقومون بتقليعات غريبة، وهذا في أحسن الأحوال هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتم من خلالهم ترويج ونشر سلوكيات سيئة بما يغير عادات المجتمعات والأسس والأخلاق الحميدة، وفي النهاية هم بشر معرضون للخطأ، ولاحظنا الفتيات يقلدن "الفاشينيستا" بشكل جريء جداً، والمراهقون ينجرون خلف المشاهير ويبتعدون عن القيم التي تربوا عليها في مجتمعاتهم الأصلية، كتصوير كل شيء يحصل داخل المنزل أو في حياتهم الخاصة دون أي خجل، حيث يقوم بعض المراهقين بلبس إكسسوارات وتسريح الشعر بطريقة عجيبة، وتقليد ثقافات غربية، إلا أننا بالمقابل نحاول جاهدين السيطرة على ما يشاهده أطفالنا لأن شاشات الهواتف الذكية في أيديهم طوال الوقت.
وفي النهاية، ندعو إلى ضرورة رفع مستوى الوعي الاجتماعي لدى أفراد المجتمع عن طريق إقامة البرامج التوعوية والندوات التثقيفية فيما يتعلق باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تشجيع أفراد المجتمع وبالأخص الشباب منهم على القيام بالمراقبة الذاتية لأنفسهم أثناء استخدام تكنولوجيا الاتصال والإعلام؛ لأن هذه الوسائل مجرد تقنيات، وتوظيفها الإيجابي يتوقف على طبيعة مستخدمها، فإن استخدمها في الأمور الإيجابية تعود عليه بالإيجاب، والعكس صحيحاً، كما يجب دعم التوعية الأسرية والإعلامية بالمخاطر الاجتماعية والأخلاقية الناجمـة عـن الاستخدام السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركة الأسرة للأبناء فـي بيـان أهميـة استخدام الإنترنت وتحديد ما هو إيجابي وما هو سلبي.
كما ندعو القائمين على مؤسسات التنشئة الاجتماعية بمختلف أنواعها إلى ضرورة ترسخ قيم ومبادئ العمل في حياة الإنسان والمجتمع؛ لأن الإنسان في وجوده على وجه الأرض في حاجة ماسة لبناء نفسه وتطويرها من كل النواحي، وهذا البناء لا يتم إلا بالعمل النافع لدنياه وآخرته، فالعمل كقيمة اقتصادية حضارية ساهمت في تطوير الفرد والمجتمعات والأمم، وانعكست على الحياة الاجتماعية للإنسان بدءًا بتفعيل دوره في تنمية شخصيته ومجتمعه وقوة تأثيره على شبكة العلاقات الاجتماعية، والتماسك المجتمعي، ودوره التاريخي والعميق في مواجهة مشكلات الفقر والبطالة، والتشرذم الاجتماعي والانتحار والمخدرات، والعنوسة، والسلوكيات الإجرامية، كما أن العمل في جانبه الإيجابي يساهم في بعث روح التعاون وتعميق مفهوم المسؤولية الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي وازدهاره وتقدمه، كما يؤدي إلى تحقيق التغير الاجتماعي نحو مستقبل أفضل.
وأخيراً يجب علينا ألا ننكر أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت جزءاً لا يتجرأ من حياتنا الاجتماعية، فمن خلالها يمكن لنا ملء أوقات الفراغ والترفيه النفسي وتنمية الثقافة العامة ورفع مستوى الوعي الاجتماعي والصحي والسياسي، باعتبارها تمثل أعلى درجات التطور التكنولوجي، الذي وصل إليه الإنسان بفضل العلم والبحث العلمي الدؤوب في وقتنا المعاصر، إلا أن استخدامها وتحقيق الفائدة المرجوة منها يتوقف بالدرجة على طبيعة التكوين النفسي والاجتماعي لمستخدم الوسائل التكنولوجية بحد ذاته. وفي هذا السياق، نستحضر مقولة مفكر النهضة الحضارية جمال الدين الأفغاني "لن تبعث شرارة الإصلاح الحقيقي في وسط هذا الظلام الحالك، إلا إذا تعلمت الشعوب العربية وعرفت حقوقها، ودافعت عنها، بالثورة القائمة على العلم والعقل".
المراجع المعتمدة:
- Ortega y Gasset: The Revolt Of the Masses, George Allen & Unwin Ltd, London, First British Edition, 1932
- فؤاد زكريا: الإنسان والحضارة، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط2، 2018
- آلان دونو: نظام التفاهة، ترجمة وتعليق: مشاعل عبد العزيز الهاجري، دار سؤال للنشر، بيروت، ط1، 2020.
- ناول عبد الهادي: صندوق النقد الدولي والدهماء في المدن العربية، مجلة الفيصل، الرياض، العدد: 166، 1990
- ياسمين محمد إبراهيم السيد: تأثير متابعة صفحات وحسابات المشاهير الرسمية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على التفاعل شبه الاجتماعي لدى المراهقين، المجلة المصرية لبحوث الرأي العام، جامعة القاهرة، المجلد: 18، العدد: 3، يوليو 2019
- سعيد بن سالم الدرمكي: ظاهرة مشاهير التواصل الاجتماعي وأثرها على المجتمع، شبكة بينونة للعلوم الشرعية، 07/02/2023. https://www.baynoona.net/ar/article/613#_ftn4
- هالة عبد اللطيف السيد وآخرون: العلاقة بين تأثير مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي وتقدير صورة الجسد لدى المراهقات في الرياض، المجلة العربية للقياس والتقويم، المجلد: 4، العدد: 8، يوليو 2023
- أسعد بن ناصر بن سعيد الحسين: أثر وسائل التواصل الاجتماعي على سلوكيات وقيم الشباب من منظور التربية الإسلامية، مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، العدد: 169، الجزء: 3، يوليو 2016
- أحمد قرود: قيمة العمل ومساهمته في تنمية الحياة الاجتماعية للفرد والمجتمع، مجلة السوسيولوجيا، الجزائر، المجلد: 1، العدد: 2، 2017
* الرجل التافه: هو الرذيل والحقير، والرويبضة تصغير رابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبه.