الدول، الشعوب، العدالة الدولية
فئة : ترجمات
الدول، الشعوب، العدالة الدولية[1]
عالجنا في الفصل السابق عدداً من الأسئلة الرئيسة، المتعلقة بنطاق عمل السلطة السياسية والعدالة، ومن بينها سؤال: ما الذي يجعلنا نعتبر بعض العلاقات الإنسانية سياسية، ولا نعتبر البعض الآخر. عالجنا أيضاً سؤالاً عن إمكانية تطبيق فكرة العدالة، على العلاقات العائلية بين الرجال والنساء، والعلاقات بين المجموعات الثقافية المختلفة داخل المجتمع.
سيهتم هذا الفصل أيضاً بقضايا السياسة والعدالة، لكن نطاق المعالجة سيكون في المستوى العالمي، وليس داخل الدولة. سوف نسأل عما إذا كانت الوحدات السياسية التي نعرفها حق المعرفة؛ أي الدول القومية، قد تجاوزها الزمن وانتهت صلاحيتها، أم إنها لا زالت كما عرفناها. وسنسأل أيضاً، عما إذا كان علينا التفكير في السياسة، باعتبارها شيئاً ينبغي النظر فيه ضمن مستوى كوني أو حتى مستوى دولي. هذا سيقودنا بطبيعة الحال إلى سؤال العدالة، وما تعنيه حين نتجاوز تطبيقاتها على مستوى الدولة الواحدة إلى مستوى عالمي، سوف نتساءل عن منظور العدالة العالمية إن كانت ممكنة، وإذا كانت هكذا، فهل تختلف المبادئ التي تنطبق على المستوى العالمي، اختلافاً جوهرياً، عن تلك التي تنطبق على المجتمعات السياسية الوطنية.
بالنسبة إلى بعض الناس، ربما يبدو الانتقال من نطاق إلى آخر، أو من حجم إلى آخر، مسألة تقنية فحسب. واقع الأمر أنها ليست كذلك. فالطريقة التي يتفاعل بها البشر مع بعضهم البعض، تتغير بشكل جذري حين ننتقل من مجموعات صغيرة، يتفاعل أعضاؤها بشكل مباشر، ويعرف كل منهم بقية الأشخاص، إلى مجتمعات كبيرة، تغيب فيها أسماء الأشخاص، ونفقد صلتنا المباشرة بهم، وتكون معرفتنا بمعظم الناس عامة وسطحية إلى حد كبير؛ أي إننا سنعرفهم كأنواع أو فئات. في المجتمعات الكبيرة نتعرف على القليل من الناس، من خلال العلاقة المباشرة والشخصية. أما في الأغلب الأعم، فإن معرفتنا بهم ستكون غير مباشرة، من خلال وسائل التواصل الجمعي والتقارير في وسائل الإعلام، على سبيل المثال.
سوف نعود قليلاً في الزمان، إلى مدينة سيينا الإيطالية، في الفترة التي سكنها رسام الجدارية الشهيرة، أمبروجيو لورينزيتي؛ أي القرن الرابع عشر، كي نرى كيف أديرت حكومتها، وكيف كانت بالقياس إلى الوحدات السياسية الشائعة في عالم اليوم؛ أي ما يسمى بالدولة القومية. نعلم أن السلطة السياسية في سيينا كانت محدودة من حيث المساحة، لا تتجاوز في أقصى حدودها 48 كيلومترا من وسط المدينة، وهي تغطي بالكاد البلدات والقرى الصغيرة المحيطة بالمدينة. وقدر عدد سكانها يومئذ بنحو 100.000 قبل أن يضربها الوباء المعروف بالموت الأسود في 1348[2]. كان نصف السكان يعيشون في المدينة الكبيرة، ومن بينهم أقلية صغيرة مؤهلة لنيل الجنسية وحقوق المواطنة.
هذه الخلفية توضح شيئاً مما كان في ذهن لورينزيتي حين رسم جداريته، التي يشير كل جزء فيها إلى جانب من الواقع السياسي لمدينة سيينا. صور الرسام مجتمعاً سياسياً، يديره زعماء معروفون بشكل شخصي للعديد من المواطنين، مجتمع يمكن لأعضائه أن يروا حكامهم، وهم يمارسون مهماتهم داخل أسوار المدينة.
كان المجلس العام للحكومة مؤلفاً من ممثلين عن كل جزء من أجزاء المدينة. وحين يقتضي الأمر اجتماعاً، كان أعضاؤه يستدعون بواسطة منادي المدينة أو دق الجرس. حين أصف هذا بأنه مجتمع سياسي مصغر community فإني أعني ذلك حرفيا.
لقد ولدت الفلسفة السياسية، على النحو الذي نعرفها اليوم، في مجتمعات سياسية صغيرة، مثل هذه. ولعل أشهرها هي أثينا الكلاسيكية. في مثل هذه المدن، كان النظام يتيح لمجموع المواطنين التحكم في مجاري الأمور، على الأقل فيما يخص الشأن الداخلي للمدينة. من هنا كان ثمة قدر كبير من الفائدة وراء طرح أسئلة من قبيل أفضل أشكال الحكومة، المؤهلات التي ينبغي أن يتمتع بها الحاكم الجيد، معنى العدالة... وما إلى ذلك. ولعله يمكن القول إن هذا النوع من دولة المدينة city-state أو المجتمعات السياسية المصغرة، أعطت البشر أفضل فرصة في تاريخهم كي يحكموا أنفسهم على أحسن وجه، كي يحققوا لأنفسهم ما يتطلع إليه كل البشر من حرية وعدالة وديمقراطية.
لكن... لماذا لم تستطع تلك النماذج أن تنجو من عوامل الفناء، لماذا لم تستطع المحافظة على حياتها؟
افترض أن كثيراً من الناس يعرفون الجواب: لقد كانت هذه المدن عرضة لأطماع الوحدات الأكبر حجماً. كان عليهم أن يبقوا على الدوام جاهزين للحرب، كي يحافظوا على استقلالهم. ومن أجل هذا توجب عليهم أن يعقدوا تحالفات هشة مع المدن المجاورة، تحالفات تنجح لبعض الوقت، لكنها ما تلبث أن تضعف وتنهار. وقد ثبت بالتجربة أنهم لم يكونوا قادرين -على المدى الطويل- على مقاومة إمبراطوريات أكثر تمركزاً. لقد استسلمت أثينا للملك فيليب المقدوني (في 338 ق.م.)، بينما استطاعت سيينا الحفاظ على قدر ضئيل من الاستقلال، حين وضعت نفسها تحت حماية حكام المدن القريبة الأقوى، مثل دوق ميلانو. لكنها في نهاية المطاف سقطت في يد إمبراطور إسبانيا تشارلز الخامس (في 1555م). لم تفشل دولة المدينة نتيجة إخفاقات في سياستها الداخلية، بل وقعت ضحية ضعفها في مواجهة الغزو الخارجي. لقد كانت صغيرة في الحجم وفي عدد السكان، فلم تستطع التصدي لتهديد الغزو الخارجي.
من دولة المدينة إلى الدولة القومية
برهنت تجارب البشرية، على أن الدولة القومية الكبيرة الحجم، هي الوحدة السياسية القادرة على مقاومة القوى الإمبريالية، مع احتفاظها -في الوقت ذاته- ببعض فضائل دولة المدينة. تضم الدولة القومية ملايين من السكان، المنتشرين على نطاق جغرافي واسع نسبياً. لكن مؤسسة الحكم ودوائره الكبرى كالبرلمان، المحكمة العليا، الحكومة، القيادة العسكرية، إلخ، تتمركز في العاصمة.
وعلى الرغم من التباعد الجغرافي بين مؤسسات الحكم والسكان المنتشرين في مناطق بعيدة عن العاصمة، فإنه لا زال من الممكن أن نطلق على هذه الدولة اسم المجتمع السياسي political community؛ أي نفس الاسم الذي أطلقناه على المجتمع المصغر في دولة المدينة. السبب في ذلك هو أن مواطني الدولة القومية، ينظرون إلى أنفسهم كشعب واحد، أمة متمايزة عن بقية الجيران.
شعور مواطني الدولة القومية بــــأنهم يحملون هوية مشتركة، وسمات متماثلة، لم ينشأ بصورة عفوية، بل تطلب الأمر عملاً واسعاً وطويل الأمد، وتوفر وسائط اتصال جمعي، ساهمت في ربط المجتمعات المحلية الصغيرة ببعضها وتعريف كل منها بالآخر، وصولاً إلى نسج ثقافة مشتركة وفهم مشترك للذات الجمعية التي تشكل ما نسميه الشعب أو الأمة أو المجتمع السياسي الكبير. ينطوي هذا الجهد على «تصنيع» صورة مشتركة عن الذات، بل وتاريخ مشترك، وهو الأمر الذي دعا المؤرخ المعروف بنديكت اندرسون، إلى تسمية الدول القومية بالمجتمعات المتخيلة imagined communities[3].
ماذا يعني أن تكون الأمة متخيلة؟
وفقاً للرؤية التي قدمها أندرسون، فإن الأمم أو الشعوب الكبيرة، لا تتألف بالضرورة من أشخاص يعرفون بعضهم بصورة مباشرة، لأنهم جيرانهم أو أقاربهم مثلا، كما في حال دولة المدينة. إن وجودهم الجمعي يعتمد على فرضية يتخيلونها جميعاً، فحواها أنهم جميعا يحملون صفة مشتركة، تخصهم وحدهم، وتميزهم عن الآخرين. لهذا السبب، بات الناس -بعد قيام الدولة القومية- يعرفون أنفسهم كفرنسيين أو أمريكان أو يابانيين، وليس كأعضاء عائلة أو قبيلة، أو سكان بلدة معينة. الأمريكي المعاصر يعرف نفسه كأمريكي أولاً. هذه صفة تتقدم على كونه من سكان فلوريدا، أو كون أجداده جاءوا من البرازيل أو إيرلندا، مثلاً. هكذا يعرف نفسه وهكذا يعرفه الناس الآخرون.
مع أن هذا يبدو قريباً جدّاً من الواقع، إلا أنه لا يمنع من بروز سؤال مشروع: هل الأمة أو الشعب كيان حقيقي موجود بهذه الصفة، هل نستطيع القول إن الصفة المتخيلة، قد خلقت كياناً مادياً أو تجسدت في كيان مادي، فتحولت من تخيل إلى واقع، أم إن ما نسميه أمة أو شعباً، هو مجرد خيال ليس له أي واقع مادي؟
دعنا نفكر في قريتين على الحدود بين بلدين.. هذه تقع في هذا الجانب وتلك تقع في الجانب الآخر.. هل هناك فارق حقيقي بين سكان القريتين؟ لقد قال العميد ويليام رالف اينج يوماً إن «الأمة مجتمع وحّدَه وهم مشترك في تعريف أسلافه، وكراهية مشتركة لجيرانه»[4].
هذا اقتباس بليغ ومعبر، وهو يحوي -شأن معظم الاقتباسات البليغة- شيئاً من الحقيقة. في غالب الأحيان تنبثق الهويات القومية من رحم التنابز مع الجيران. لطالما استخدم الناس الجانب السلبي في تعريف أنفسهم: كونك بريطانياً كان، في يوم من الأيام، إشارة إلى التمايز عن الفرنسي، وكونك سكوتلنديا اليوم، هو إشارة إلى أنك لست إنجليزيا، قولك إني كندي تشير أحياناً إلى رغبة في التأكيد أنك لست أمريكياً، كما قد يظن بعض الناس.
كل أمة تطور منظومة أساطير عن نفسها، حول صفاتها الأخلاقية الفريدة، وحول ثقافتها، حول انتصاراتها العسكرية (او حتى الرياضية) وإنجازاتها السياسية، وما إلى ذلك.
هذا لا يعني بطبيعة الحال أن الهوية الوطنية مجرد وهم أو كائن خيالي، فهي تشكل جانباً من حياتنا، ومن الممكن أن تلعب أدواراً طيبة أو سيئة. المجموعة التي ندعوها شعباً أو أمة، يشترك أعضاؤها - في كلّ الحالات تقريباً- في اللغة وفي تجربة العيش. إضافة إلى هذا، فإن العيش المشترك خلال الأزمان المتوالية، يولد سمات ثقافية مشتركة، يعبر عنها، ليس فقط في الأشكال الأدبية، بل حتى في البيئة المادية، الطراز العمراني، في تنظيم المساحات الطبيعية، المعالم الأثرية، المباني الدينية، إلخ.
حين يولد الأطفال ويتربّون في هذه البيئة المادية والثقافية، فسوف تتشكل ذهنياتهم ونفوسهم، وفقاً للأعراف والتقاليد والقيم الأخلاقية والجمالية السائدة فيها، ولن يسع أياً منهم تفادي تأثيراتها العميقة عليه، حتى لو حاول التمرد على بعض جوانبها. ويمكن ملاحظة أن تأثير الثقافة الوطنية، سيكون أكثر عمقاً عند الأمم التي لديها دولة خاصة؛ لأن الإرث الثقافي سينتقل عبر الأجيال، من خلال قوانين الحكومة ومؤسساتها، ومن خلال نظام التعليم العام، الصحافة المحلية، إضافة إلى القنوات غير الحكومية، كالتقاليد والأعراف، إلخ.
كلٌّ من الأمة والدولة، يعمل على تعزيز وترسيخ مكانة الآخر وقيمته. تستخدم الدولة مصادر قوتها المختلفة، في ترسيخ الهوية الوطنية (هوية الأمة). هذا يزيد فاعلية الدولة وقوتها؛ لأن الأفراد الذين تجمعهم الرابطة الوطنية، سوف يكونون أكثر استعداداً لتقبل السلطة السياسية المشتركة، بل والدفاع عنها حين تتعرض للتهديد. هذا يوضح السبب الذي جعل الدولة القومية وحدة سياسية ناجحة نسبياً. فهي كبيرة الحجم -جغرافياً- على نحو يحول دون اختراقها والسيطرة عليها، من جانب القوى الإمبريالية الأكبر، وهي ضخمة من حيث عدد سكانها، وهي قادرة على استثمار الولاء الوطني في تعبئة جمهور الشعب، لمواجهة الغزو الخارجي إذا حدث.
هذا يوضح أيضاً أن الولاء للأمة أو الوطن له ثمار عظيمة. لكن لا ينبغي إغفال حقيقة أنه قد يستثمر في أغراض سيئة أيضاً. حين تتقاتل الدول القومية، كما حصل في الحربين العالميتين في القرن العشرين، فإن الولاء الوطني أو القومي يتحول إلى تعصب قومي، ربما يتسبب في مآس ومعاناة للبشر على نطاق لم يتصوره أحد في ماضي الزمان، يوم كان وقود الحروب مقتصراً على جيوش المرتزقة، التي وضعت نفسها في خدمة الإمبراطوريات.
من هنا، فإن امتداح الدولة القومية كوحدة سياسية مفضلة، لا ينبغي أن يقتصر على الإشادة بقدراتها التعبوية والعسكرية. نحن بحاجة إلى حديث أوسع عما يمكن إنجازه على المستوى السياسي، في مجتمع تربط بين أعضائه هوية مشتركة، وطنية أو قومية، وليس المعرفة الشخصية المباشرة أو رابطة الدم.
مزايا الدولة القومية
سوف أقدم هنا دعوى من جزأين، حول مزايا الدولة القومية/الوطنية:
الجزء الأول... الهوية الوطنية:
كون الهوية الوطنية عامل ربط وتوحيد للمجتمع السياسي، يجعل الحكومة الديمقراطية أقرب للنجاح في أعمالها. وقد رأينا في الفصل الثالث أن واحداً من الصعوبات الكبرى التي تواجه النظام السياسي الديمقراطي، هو التوفيق بين مصالح وتطلعات الأغلبية والأقلية؛ أي إقناع الأقليات بتقبل القرار المتخذ من جانب الأكثرية، وفي الوقت نفسه إقناع الأكثرية باحترام تطلعات الأقلية ومصالحها ومشاعرها، والاجتهاد في أخذها بعين الاعتبار عند صناعة السياسات واتخاذ القرارات.
لا يحدث هذا النوع من التوافق بشكل عفوي أو عشوائي، فهو يحتاج إلى جهد من جانب جميع الأطراف، هدفه بناء قدر من الثقة المتبادلة، تقود إلى بروز ما يمكن أن نسميه «ضبط النفس الديمقراطي». وقد أشرت في الفصل الثالث إلى أنه حين يثق أطراف المجتمع السياسي في بعضهم، ويثقون في وحدتهم الوطنية، فسوف لن يشعر أي منهم بالقلق من كونه في جانب الأقلية، في حال طرحت قضية ما للنقاش العام. وسوف يكون أكثر استعداداً للسماح للأغلبية باتخاذ القرار وتنفيذه، إيمانا بأن الأكثرية لا تريد له سوى الخير. وفي حال كان الضرر متوقعاً، فإنها ستحاول قدر استطاعتها تجنب إلحاق الضرر به، أو تقليصه إلى أدنى حد.
وعلى العكس من ذلك حينما تغيب الثقة أو تضعف، فإن أي قرار تتخذه الحكومة، سوف يثير القلق عند الأطراف غير المشاركة في القرار أو المتضررة منه، من أن المسألة تتجاوز السياسة، بل ربما ينظرون إليها كمسألة حياة أو موت، أو كتجاوز للخطوط الحمراء، كما يقال أحياناً.
دعنا نتأمل مثالاً بسيطاً لتوضيح الفكرة: لنفترض أن لدينا دستوراً ديمقراطياً، وأن الحزب الذي ننتمي إليه قد هزم للتو في انتخابات عامة، فهل يجب علينا تسليم السلطة للحزب المنافس، كما يقتضي الدستور، أم نقوم بانقلاب ونعلن أن الانتخابات غير دستورية، وأن نتائجها باطلة (كما يحصل في الديمقراطيات الناشئة أحياناً)؟
عندما نسلم مقاليد الحكم إلى الحزب المنافس، فإننا نعرض أنفسنا لنوعين من المخاطر:
الأول: أن خصومنا قد يستثمرون مصادر قوة الدولة في اضطهادنا، أو على الأقل وضع تدابير تمييزية، مصممة لجعل سياسات الدولة مائلة لمصالح مناصريهم.
الثاني: رغم أن المنافسين قد وصلوا إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية، فليس لدينا ضمان بأنهم سيحترمون الدستور، بإعادة تسليمها إلى الحزب المنافس، إذا فاز في الانتخابات التالية. ولهذا، فإن تسليمنا للسلطة إليهم، يعني أننا سنفقد فرصة الوصول إليها مرة أخرى. هذا ليس مجرد احتمال نظري؛ ذلك أن العديد من الديمقراطيات الوليدة تعرضت لهذا التحدي. إن اللحظة الحاسمة فيها لم تكن الانتخابات الأولى، بل اللحظة التي ينهزم فيها الحزب الفائز في الانتخابات الأولى، ويكون مدعواً -بحكم الدستور- إلى تسليم الحكم للحزب المنافس.
إن استعدادنا للمجازفة بتسليم السلطة أو العكس، يعتمد إلى حد كبير على مقدار ثقتنا في القوة السياسية التي سوف نسلم السلطة إليها.
استكمالاً للمحاججة، نحتاج للإجابة عن سؤال: ما الذي يحمل الناس على الثقة بالآخرين، وعلى الخصوص الأشخاص الذين لا يعرفونهم بصورة شخصية ومباشرة، وربما لم يقابلوهم في حياتهم أو يتحدثوا إليهم؟.
علماء النفس الاجتماعي الذين درسوا هذه المسألة، وجدوا عاملاً مهما هو التماثل المتصور: نحن نميل للثقة بالأشخاص الذين نعتقد أنهم يشبهوننا بطريقة أو بأخرى. لا يصعب العثور على تفسير لهذا الميل، فقد يكون سمة ورثناها من المراحل الأولى لتطور النوع الإنساني، حين كان البشر يتعاونون مع بعضهم في عائلات ممتدة أو جماعات يجمع بين أفرادها صلة الدم، وكان عليهم يومئذ أن يتعلموا التمييز بين الأهل والأغراب.
في المجتمعات الضخمة، نظير الدول القومية، حيث يبدو الناس مختلفين تماماً عن بعضهم، تثير مسألة الثقة مشكلة حقيقية، لكنها قابلة للعلاج من خلال تعزيز الهوية الوطنية. تمثل الهوية الوطنية عنواناً، يجمع تحته العديد من الروابط التي تصل أبناء البلد الواحد ببعضهم. ربما نختلف سياسياً مع هذا أو ذاك من شركائنا في الوطن، وقد نكره الكثير من مواقفهم أو معتقداتهم. لكننا نعلم -مع ذلك- أنه لا زال ثمة قواسم مشتركة كثيرة تربطنا معاً، مثل اللغة الواحدة والتاريخ المشترك، والخلفية الثقافية. ولكل هذه الروابط، نشعر أن في وسعنا أن نثق بهم، على أقل التقادير، نثق في عزمهم على احترام قواعد الدستور وروح الحكم الديمقراطي[5].
الجزء الثاني.. العدالة الاجتماعية:
إني أتساءل... ما الذي يجعل الناس مستعدين لدعم السياسات التي تؤدي إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، لا سيما حين يرون أنهم سيكونون في الطرف الخاسر، لو تم تطبيق تلك السياسات؟
قد لا تكون خسائرهم باهظة، لكنها -على أي حال- كلف إضافية. قد يضطرون مثلاً إلى دفع ضرائب أكثر من المعتاد، إذا اقتضى الأمر توفير خدمات رعاية مناسبة لجميع المواطنين، في حين أنهم يستطيعون الحصول على خدمات التعليم والرعاية الصحية وأمثالها، بكلفة أقل، من القطاع الخاص. وقد تتمثل الكلف الإضافية في التخلي عن امتيازات، تضمن لأبنائهم أفضلية في فرص التعليم العالي أو الوظائف الممتازة، في سبيل إقرار فرص مماثلة للمجموعات التي تخلفت حتى الآن عن الركب.
لا يجادل أحد في أننا جميعاً نستوعب قيمة العدالة، وبموجبها نقر ببعض الالتزامات تجاه أي إنسان، بغض النظر عن موقعه وصفته أو المسافة التي تفصلنا عنه، وما إذا كان يجمعنا به أي شيء، غير صفة الإنسانية المشتركة. من ذلك مثلاً أننا نعارض قتل أي شخص أو جرحه أو تقييد حريته دون سبب وجيه. وندرك أننا نتحمل واجب النجدة والمساعدة إذا وجدنا إنساناً مثلنا في حالة خطر أو محنة.
هذا الإدراك العام لمقتضيات قيمة العدالة، ربما يساعدنا في استيعاب فكرة العدالة الكونية، كما سأوضح لاحقاً.
لكن إقرارنا وتقبلنا لمبدأ العدالة الاجتماعية يفرض علينا التزامات أكبر بكثير. من ذلك مثلاً أننا نلتزم بتقبل القيود التي تفرضها علينا مبادئ المساواة، حتى عندما يكون في وسعنا تجاهل هذه القيود، وتمييز أنفسنا وأصدقائنا أو أقاربنا، بمنافع فوق التي يحصل عليها الآخرون. كمثال على هذا: يدرك كلّ منا أن لا أحد سوف يقتل أو يصاب إذا قدمنا إقراراً ضريبياً مزيفاً، أو خرقنا قواعد المنافسة العادلة، كي يحصل أبناؤنا على وظيفة جيدة لا يستحقونها.
إذن ما الذي يدفعنا لأن ندفع الضرائب باختيارنا، وما الذي يدعونا للالتزام بقواعد المنافسة العادلة بين أبنائنا وغيرهم؟
لقد أكد الفلاسفة السياسيون مثل جون رولز، أن أحد الدوافع المهمة للغاية وراء هذا الالتزام، هو رغبتنا في العيش مع الناس، بشروط يمكننا جميعا تبريرها لبعضنا البعض. بعبارة أخرى، إذا طلب منّي شخص ما، أن أبرر تصرفاتي؛ أي أن أشرح الأساس الذي يجعل ما أفعله مقبولاً، فإنني سوف أقدم التبرير المطلوب، بالرجوع إلى المبادئ الأساسية أو القيم التي يمكن لكلينا أن يقبلها.
الدافع الذي يذكره رولز؛ أي الرغبة في العيش المشترك، قد يكون قويا أو ضعيفاً. يتراوح الأمر بين هذا وذاك بحسب ارتباطنا بالأشخاص المعنيين. ويتوقع أن يكون الدافع أقوى في المجتمعات الصغيرة، التي يعرف أهلها بعضهم البعض بشكل مباشر. هذا لا يعني -بطبيعة الحال- أن تلك الدوافع معدومة في المجتمعات الكبيرة، كما هو الحال في الدولة القومية. نعرف أن هذه المجتمعات توفر هي الأخرى بعض العوامل، التي تجعل الناس أكثر رغبة في العيش المشترك، في إطار قيمة العدالة ومقتضياتها.
لا أريد الادعاء أن الناس في المجتمعات والدول القائمة، يتصرفون على الدوام، وفقاً لمعايير العدالة. هذا بعيد كل البعد عن الواقع القائم. كل ما أردت التأكيد عليه، هو أن لدى الناس دوافع للتصرف طبقا لمعايير العدالة. وجود هذه الدوافع في أنفسهم، هو الذي يجعلهم أكثر استعداداً للتجاوب مع السياسات التي تنطوي على كلف، مثل التشريعات الخاصة بالضرائب التصاعدية وتكافؤ الفرص، وأمثالها.
هناك من يعارض هذا الربط، بين الهوية الوطنية وبين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. لا سيما في إشارتي إلى المجتمعات الصغيرة. وهم يذكرون -على سبيل الاستشهاد- الدول التي تضم قوميات متعددة وتطبق النظام الفيدرالي، مثل بلجيكا وكندا وسويسرا. هذه البلدان تحوي قوميتين أو أكثر، ومع ذلك فهي ديمقراطيات مستقرة، تتبنى نظماً موسعة للخدمات العامة، كما توفر العديد من المؤسسات الأخرى، التي تساعد في تنجيز العدالة الاجتماعية (خلافاً لقولي إن الدول الصغيرة، الأحادية القومية، أقرب إلى الديمقراطية والاستقرار)[6].
لدي رد على هذا القول يتألف من عنصرين:
الأول: أن هذه الدول قد طورت أنظمة فيدرالية، تسمح بتوزيع السلطات بين الحكومات المحلية والمركزية. وفي هذا السياق، فإن الصلاحيات الخاصة باتخاذ القرار، في عدد كبير من القضايا المهمة، سياسيا واقتصادياً واجتماعياً، قد فوضت إلى الحكومات المحلية في المقاطعات، ثم إن هذه المقاطعات قد قسمت على أساس عرقي أو قومي. في بلجيكا، على سبيل المثال، لدى كل من «الفلامان flemings» و«الفالون walloons» حكومات محلية شبه مستقلة، تتولى مسؤولية الكثير من شؤون المقاطعة، مثل التوظيف والإسكان، إلى جانب الحكومة الفيدرالية التي تدير القضايا على المستوى الوطني مثل قضايا الدفاع والسياسة الخارجية.
الثاني: معظم الناس في هذه المجتمعات، لديهم ما يمكن أن نسميه الهويات الوطنية «المتداخلة»؛ فهم ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم فلمنكيين/بلجيكيين، وكيبيك/كنديين، وهكذا. بعبارة أخرى، فإنهم يحملون هوية وطنية تجمعهم مع كافة أبناء وطنهم، ويحملون في الوقت نفسه هوية محلية، تجمعهم بالذين يتحدثون بلغتهم، أو ينحدرون من نفس عرقهم. هذا يساعد في فهم السبب وراء كون هذه المجتمعات أكثر فاعلية في عملها السياسي. إن تنوعهم يمكنهم من استنهاض الولاءات/الهويات المشتركة لدعم المؤسسات الديمقراطية على المستوى الوطني، وتوزيع أو إعادة توزيع الموارد المادية من المناطق الأغنى إلى تلك الفقيرة.
بفضل الدول القومية، توفرت للناس فرصة العمل المشترك في السياسة، وعلى نطاق واسع، وبناء النظام الديمقراطي ومتابعة العمل لتحقيق العدالة الاجتماعية، بنجاح جزئي على الأقل. وقد تم إنجاز هذه المهمات من خلال إنشاء هويات سياسية مشتركة، يمكنها أن تربط الناس إلى بعضهم البعض، على رغم اختلافهم في المعتقدات والمصالح والجغرافيا.
مع ذلك ثمة كثير من الناس، يعتقد بشكل جازم، الآن، أن هذا النوع من الحكومات، قد عفا عليه الزمن.
من الدولة القومية إلى حكومة العالم
لقد نشر بالفعل عدد يفوق الحصر من الكتابات التي تنعى الدولة القومية وتخبر عن موتها الوشيك، حتى ليخيل للقارئ أن الأمر لا يتعدى برهة وجيزة، قبل أن تسقط أو توارى الثرى.
- ما السبب يا ترى وراء هذا الاعتقاد المتشائم في مصير الدولة القومية، لماذا يظنون أن شمسها قد أفلت فعلياً؟.
ثمة أسباب داخلية، تتعلق بصعوبة الحفاظ على الهويات الوطنية المشتركة، في المجتمعات التي فقدت صفاءها القومي أو العرقي، بسبب تزايد المهاجرين أو غير ذلك من العوامل. وثمة أسباب تتعلق بالبيئة الخارجية، التي لا تستطيع أي دولة تجاهلها.
فيما يخص العوامل الخارجية، نلاحظ أن العالم يتجه شيئاً فشيئا إلى شكل من الاندماج القسري. لم يعد بإمكان الدولة القومية أن تنشئ اقتصاداً منفصلاً عن السوق العالمية، كما لم يعد في إمكانها أن تضع تشريعاتها، في معزل عن التأثير القاهر لتلك السوق. من ناحية ثانية، فقد اتسع نطاق المشكلات - خاصة مشكلات البيئة الكونية- التي لا يمكن حلها من دون تعاون وثيق بين دول العالم، أو من خلال الهيئات الدولية التي تشارك فيها دول العالم.
لا أعتزم إضافة شيء جديد إلى سيل الأدبيات المتوفرة حول هذا الموضوع[7]. لكني أود طرح بعض التساؤلات، ولا سيما حول نوعية النظام السياسي، الذي يمكن أن يحلّ بديلاً عن الدولة القومية.
يبدو أن البديل الأكثر تداولاً، هو شكل من أشكال المجتمع السياسي الكوني، أو الكوزموبوليتي cosmopolitanism. هذه ليست بالفكرة الجديدة، فقد تحدث عنها الفلاسفة الرواقيون الرومان، الذين أحبو أن يعتبروا أنفسهم «مواطنين كونيين kosmopolitai»[8].
أحد معاني الكوزموبوليتية هو إنشاء حكومة واحدة للعالم كله؛ أي إلغاء 191 دولة مستقلة حالياً[9]، وتحويلها إلى ولايات في دولة موحدة تحت سلطة سياسية واحدة. هذا النموذج -رغم ما قيل في الدفاع عنه- لا يخلو من عيوب واضحة، سوف أعرض ثلاثة منها هنا:
العيب الأول: يتعلق بواقعية تمثيل الشعب: إذ يصعب علي في الحقيقة، أن أتصور حكومة بهذا الحجم، ملتزمة بالمبادئ الديمقراطية؛ بيان ذلك: من المتوقع طبعاً أن يشارك المواطنون في القرار السياسي من خلال ممثليهم المنتخبين. هذا يعني أن كل عضو في البرلمان سوف يمثل ملايين الأشخاص، وحينئذ فلن يكون للمواطن العادي فرصة الوصول المباشر إلى ممثله في البرلمان؛ أي إنه لن يكون لدى غالبية المواطنين العاديين، فرصة واقعية للتأثير على الحكومة فضلاً عن السيطرة عليها.
الفرضية التي بنيت عليها حجتي في هذا الفصل، هي أن الديمقراطية ستكون أكثر كفاءة في المجتمعات الصغيرة الحجم، وقد أشرت سابقاً إلى أن «دولة المدينة city-state» ربما تكون نموذجها المثالي، وأعتقد أن الإنجاز العظيم للدولة القومية، يكمن في محاولتها نسخ نموذج العلاقة الحميمة التي تربط بين مواطني «دولة المدينة»؛ وذلك باستخدامها الفعال لوسائل الإعلام والاتصال الجمعي، التي ربطت بين المواطنين، ومنحتهم إحساساً بأنهم منخرطون فعلياً في الحياة السياسية، وأنهم يملكون القدرة على التأثير في مجاري السياسة والقرار.
ليس متوقعاً أن يكون الحال على هذه الشاكلة، في ظل «حكومة العالم». ستبدو هذه الحكومة لغالبية رعاياها، بعيدة جدة وغريبة. الحقيقة أن هذا سيكون الانطباع السائد، حتى لو كانت الحكومة تدير نطاقات أقل من العالم بأسره، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي مثلاً. سوف نواجه مشكلة الثقة التي تحدثنا عنها في صفحات سابقة، بصورة أقوى كثيراً مما يحصل في الأوضاع الاعتيادية، سيقول العديد من الناس إن القرارات السياسية تتخذ من جانب أغلبية، تنتمي لمجتمعات لا أشعر أنني أشاركها في الكثير من السمات والقواسم المشتركة والأفكار، فكيف أثق أن قرارهم سيكون في مصلحتي أيضاً، كيف أثق أنهم سيأخذون إرادتي بعين الاعتبار، حين يصوتون على قرار ما؟
العيب الثاني: هناك خطر حقيقي من أن تنحرف «حكومة العالم» المفترضة، إلى الاستبداد. وإذا حدث هذا، فلن يكون ثمة ملاذ يمكن للأفراد اللجوء إليه. في عالم اليوم، نعرف أن واحداً من أوضح المؤشرات على فساد أي حكومة، هو قيامها ببناء الجدران والأسوار، ومحاصرة شعبها وحجبه عن العالم وما يجري فيه. فإذا وجدت حكومات بديلة، فإنه لا يمكن للأولى أن تحافظ على أسوارها إلى أجل غير مسمى. المثال الذي يعرفه الجميع هو «جدار برلين»، الذي بني في 1961 لمنع مواطني ألمانيا الشرقية من الهروب إلى الغرب. وقد بقي 28 عاماً قبل أن يهدم قطعة تلو الأخرى في 1989. أن قلق الحكومات الاستبدادية من هروب أفراد شعبها إلى الدول الاخرى، حيث يمكنهم العيش بحرية وأمان، هو الذي يجبرها على التحفظ وعدم الإفراط في قمع المواطنين. فإذا زال هذا القلق، كما هو الحال لو أمست «حكومة العالم» حقيقة واقعة، فلن تشعر هذه الحكومة بالقلق، ولن تتقيد أو تتحفظ، وعندئذ فلن يكون لاستبدادها حدود.
العيب الثالث: نعلم أن التنوع الثقافي الذي يتسع باستمرار، في العديد من الدول القومية، قد أثمر -حتى الآن- عن مشكلات كثيرة لحكوماتها. فلو آل الأمر إلى حكومة عالمية، فسوف يكون الحال أسوأ بكثير، إذ يتوجب على حكومة كهذه أن تحتضن كافة الحضارات الرئيسة التي يعرفها العالم اليوم، والتي يريد كل منها أن يرى قيمه ومعتقداته منطوية في السياسة العامة للدولة. فإذا كانت الدولة القومية تواجه مشكلة واحدة أو اثنتين، فإن «حكومة العالم» ستواجه المئات من هذه المشاكل.
فرصة بديلة لحكومة العالم
في اعتقادي ثمة حالتان فقط، يمكن فيهما تحقيق فكرة الحكومة العالمية:
الحالة الأولى: هي تبلور ثقافة عالمية مشتركة، تستوعب الثقافات الحالية المختلفة وتهيمن عليها؛ أي تلغي الاختلافات الثقافية بين الأمم. إن ثقافة من هذا القبيل بحاجة إلى حامل قادر على الاختراق السريع للمجتمعات والثقافات، من قبيل النزعة الاستهلاكية التي تهيمن على العالم في الوقت الحاضرmass-market consumerism، وإطلاق ما يسمى بسيناريو «العالم الكبير/الموحد mcworld»، حيث تتحول كل بقعة على وجه الكوكب، إلى نوع من مراكز التسوق الأمريكية العملاقة.
أما الحالة الثانية التي يحتمل أن توفر ظرفاً مناسباً لقيام «حكومة العالم»، فهي الخصخصة الكاملة للثقافة؛ أي تخلي الدولة تماماً عن أي تدخل في القضايا المتعلقة بالهويات المحلية. في هذه الحالة سوف تبقى كل مجموعة دينية أو إثنية، محتفظة بقيمها الثقافية الخاصة. لكن ليس من المتوقع أن تقوم الحكومة برعاية الرموز الثقافية للسكان. كمثل على هذا، يمكن أن نتصور تطبيقاً مماثلاً لتلك المناطق التي لا تقوم الدولة ببناء الكنائس أو تمويلها، بل تعتمد هذه كلياً على الأهالي. هذه الحالة (الثانية) ربما تكون أكثر منطقية، وأقل إرباكاً للجمهور من الحالة الاولى.
لكن لا ينبغي الاستهانة بالصعوبات التي تواجه هذا السيناريو. يواجه العالم اليوم انقسامات حادة وعميقة، ومن بين أكثرها عنفاً، النزاع بين من يرغبون في رؤية الثقافة، ولا سيما الدين، خارج الحياة العامة، ويقابلهم أولئك الذين يصرون على أن السياسات العامة وأعمال الدولة، يجب أن تعكس القيم الثقافية المفضلة لديهم.
تهمني الإشارة هنا إلى ضرورة رسم خط واضح يميز بين ما أسميناه «حكومة العالم» من جهة، وبين الفكرة الأكثر اعتدالاً، التي اقترحها الفيلسوف إيمانويل كانط وعدد آخر من المفكرين، وأطلق عليها اسم «السلام الدائم perpetual peace»[10] وخلاصتها إنشاء ميثاق دولي، تتوافق -بموجبه- كافة الحكومات على التخلي بشكل دائم عن استخدام القوة فيما بينها. وفي هذا السياق، اقترح كانط إنشاء اتحاد كونفدرالي عالمي، مهمته الإشراف على صيانة الاتفاق المذكور وضمان ديمومته.
فكرة كانط هذه ليست بعيدة عن واقع اليوم؛ إذ نستطيع رؤية تمثيلات لها، وإن بنسب متفاوتة، في العلاقة بين النظم الديمقراطية الليبرالية، والتي تقوم على اتفاق صريح أو ضمني، على التسوية السلمية للخلافات التي قد تنشب بينهم، من خلال المفاوضات أو بالرجوع إلى الهيئات الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة. بديهي أن هذا النوع من الاتفاقيات سوف يسهم في تعزيز العلاقات بين الدول، كما يسهم في ترسيخ استقرار كل منها، رغم أنها ستبقى مستقلة بسلطاتها السياسية ضمن حدودها. وكان كانط نفسه يفضل هذا الحل، فقد اعتقد أن حكومة عالمية واحدة، ربما تنقلب إلى «استبداد كوني يستنزف طاقات الإنسان كلها حتى ينتهي في مقبرة الحرية»[11].
من المرجح أن أيّاً من المجتمعات المعاصرة، لن يتقبل الكوزموبوليتانية بمعناها الحرفي؛ فهي لا تبدو قابلة للاستيعاب والثقة، كما أنها تفتقر للجاذبية تماماً. لكن الفلاسفة السياسيين يشرحون أحياناً فكرة المواطنة العالمية، بشكل غير ما يظنه الإنسان للوهلة الأولى. فهم لا يقصدون أن يكون الإنسان مواطناً في «حكومة العالم»، بل يشيرون إلى كيفية تفكير الفرد في نفسه وفي عالمه، وكيفية تصرفه تجاه البشر الآخرين.
تندرج هذه الفكرة في الإطار الأخلاقي، وفحواها أن علينا جميعاً أن نحاول العبور من انشداداتنا الوطنية الضيقة، وما يماثلها من ارتباطات، وأن نفكر في أنفسنا كما لو كنا مواطنين في العالم ككل؛ أي كأشخاص يتحملون مسؤوليات متساوية تجاه إخوتهم البشر على امتداد الكرة الأرضية. من هذا المنظور، فإن الحدود السياسية التي تفصل بين الدول، ليست سوى خطوط تقسيم اعتباطية، لا ينبغي أن نعلق عليها أي قيمة أخلاقية. وعلينا - بصورة خاصة- أن نتوقف عن التفكير في العدالة كشيء قابلٍ للتطبيق ضمن حدود المدينة أو الدولة في المقام الأول. إن العدالة حق لجميع البشر، ويجب أن نعطي وزناً متساوياً لمطالب البشر كافة، كل فرد منهم، بغض النظر عن عرقه أو عقيدته أو جنسيته.
كلّ منا ينتمي في الأصل إلى هذا الكرة الأرضية. إن انتماءنا إلى بلد بعينه أو عرق أو دين بعينه، مجرد حدث عفوي، لا يد لنا فيه. ولذا لا ينبغي أن نحول هذا الانتماء العفوي إلى حاجز يفصلنا عن بقية سكان الأرض. بناء على هذه الرؤية، فإنه حتى مع بقاء السلطة السياسية محصورة في إطار الدولة القومية بحدودها السياسية المعروفة، فإن واجبنا هو استخدام تلك السلطة، لتعزيز العدالة على مستوى العالم، حيث لا تكون ثمة أفضلية أو أولوية، لمواطني الدولة القومية على غيرهم من سكان العالم الآخرين.
المؤمنون بالكوزموبوليتانية/الحكومة العالمية الذي يتبنون هذه الدعوة، لا ينكرون ما قلناه سابقاً، حول العلاقة الوثيقة بين هوياتنا الجمعية، واستعدادنا لتقبل التزامات محددة تجاه الآخرين، بموجب شعورنا العميق بقيمة العدالة. ومن المرجح أنهم سيميلون إلى الرؤية القائلة إن هذا الشعور يتشكل ويترسخ في نفوس الناس، تبعاً لتبلور شعورهم بالانتماء؛ أي تبلور التمايز بين الأعضاء في مجتمعنا السياسي ومن هم خارجه.
لكنهم -رغم هذه القناعة- لا يودون أن يروا ذلك الربط بين الانتماء والشعور بالعدالة، ثابتاً على المدى الطويل. في حقيقة الأمر هم ينظرون إليه كمشكلة، ينبغي معالجتها وتجاوزها، وليس قيداً ثابتاً على قيمة العدالة.
المقارنة بين هذا الرأي والرأي المعاكس، تثير بعض الأسئلة العميقة حول قدرة البشر على التصرف وفقاً لمبادئ العقل وحده؛ أي من دون التفات إلى المشاعر والعواطف، أو العكس؛ أي تحالف العقل مع المشاعر والعواطف، وإحساسنا بمن نحن، من أجل تحفيز السلوك.
لكني لا أنوي مناقشة هذه الأسئلة الآن. سوف أعرض بدلاً من هذا للأسباب التي تجعل الكوزموبوليتانية/حكومة العالم، لا سيما نسختها المتشددة، محلّ شك عند غالبية الناس، وأخص بالذكر سببين، ثم أقترح طريقة بديلة لفهم العدالة العالمية.
الأول: الانقسام الثقافي
وأعني به الفرضية القائلة إن حالة الانقسام الثقافي التي وسمت تاريخ العالم وحاضره، ستبقى على نفس الشاكلة لزمن طويل في المستقبل، بكلمة أخرى فإن سيناريو «العالم الكبير/الموحد mcworld» الذي أشرت إليه في صفحات سابقة ليس واقعياً أو قابلاً للتحقق.
هذا الانقسام يجعل مفهوم العدالة متفاوتاً بين أمة وأخرى. من المعلوم أن خلفيتنا الثقافية تؤثر على كيفية فهمنا للعدالة. ربما ليس على المستوى القاعدي للمفهوم، ولكن بالتأكيد على العديد من التطبيقات الواقعية للمفهوم، من قبيل نوع المطالب التي نصنفها كمطالب عادلة أو غير عادلة، أو كونها تشير صدقاً إلى حرمان من العدالة أم لا. يقدم التنوع الديني (باعتباره نوعاً من أنواع الانقسام الثقافي) بعض الأمثلة الواضحة: دعنا نفترض أن شخصاً ادعى أن لديه احتياجات خاصة، مختلفة عن احتياجات بقية الناس؛ لأنها ترتبط بمعتقداته الدينية، أو لعله يدعي أن فرصه محدودة، بسبب الممارسات الدينية التي يجب عليه الامتثال لها. فكيف ننظر إلى ادعاءات هذا الشخص؟
إذا نظرنا لهذه الادعاءات من داخل إطار التقليد الديني الذي ينتمي إليه؛ أي إذا وضعنا أنفسنا في مكانه، وقبلنا تفسيره لذلك التقليد، عندها سوف ننظر لادعاءاته، باعتبارها حقّاً وأنها عادلة. لكن لو نظرنا إليها من الخارج؛ أي من دون الأخذ بعين الاعتبار، الأهمية أو المكانة الخاصة بالتقليد الديني، فسوف نعاملها مثلما نعامل دعاوى الآخرين. قد نرى أن تلك الادعاءات فيها قدر من الأهمية، لكن من المحتمل أيضاً أن نسأل، عما إذا كان بالوسع تغيير ذلك التقليد الديني أو تجاوزه، كي يصبح الأمر أقل كلفة على المؤمنين.
المنظور السابق سيكون مشكلة، إذا كان أحد الطرفين يطالب -استناداً إلى قيمة العدالة- بامتياز يخوله الحصول على منفعة، دون الآخرين، مع أنهم يشتركون في كلفتها. دعنا نأخذ مثالاً آخر على الخلاف بين المنظورين على المستوى الدولي: لنفترض أنني أنتمي إلى مجتمع علماني في الغالب، وأنني ملتزم بالمبادئ العالمية للعدالة التي تدعوني لتجاهل الحدود بين الدول. وثمة دولة أخرى يعيش مجتمعها في حالة فقر شديد بالقياس إلى مجتمعي. لكن هذا الفقر يرجع بصورة رئيسة إلى أن أعضاءه قرّروا تخصيص جزء كبير من مواردهم المادية لمؤسسة كهنوتية، بدعوى أن الله أمرهم بهذا، وأنهم لا يستطيعون التمرد على أمر الله.
لا شك أني سأقف حائراً لو طالبني أناس من ذلك المجتمع بالمساعدة. سبب الحيرة أن طلبهم ربما ينظر إليه -من أحد المنظورين- باعتباره ملزِماً لي، استناداً إلى قيمة العدالة. فما هي صدقية هذا الرأي، هل أعتبر الفقر الذي يعانيه أولئك الناس خياراً اختاروه لأنفسهم، لأسباب دينية، وبالتالي فهم يعلمون أن لا حق لهم في مطالبتي بالمساعدة، أم أقول إن تخصيصهم الأموال للمؤسسة الدينية لم يكن اختيارياً على الإطلاق (لأن الأمر الديني ينطوي على شيء من الجبر مثلاً)، وبالتالي أعتبر حاجتهم أكثر إلحاحاً من حاجة الناس الذين في مجتمعي؟
هذا يوضح سمة عامة يمكن اعتبارها بمثابة قاعدة في مناقشة هذا الأمر، وهي أنه إذا كان للاختلافات الثقافية تأثير على كيفية فهمنا للعدالة، فإن متطلبات العدالة لن تكون قابلة للتحديد النهائي، حين يكون في الموضوع أطراف ينتمون لأنساق ثقافية متعددة.
الثاني: فكرة المعاملة بالمثل
الفكرة الأساسية هنا هي أنني أتصرف بشكل عادل تجاه الآخرين، على أمل أنهم سوف يردّون عليّ بالمثل. هذا لا يعني أن فعلهم وفعلي سيتماثلان بشكل تام، فقد تكون ظروفنا مختلفة. كمثال على هذا، أفترض أني صادفت شخصاً تقطعت به السبل في وقت متأخر من الليل؛ لأنه فوت آخر حافلة، فساعدته بإيصاله إلى منزله، فعلت ذلك على افتراض أنني لو كنت في موقف مماثل، فإنه أو أي شخص آخر سيفعل الشيء نفسه.
فكرة المعاملة بالمثل هذه، تتخذ في المجتمعات السياسية شكلاً ملموساً من خلال النظام القانوني وإطارات الحكم الأخرى، حيث تتجلى العلاقة بين الحصة التي يتحملها الفرد من الكلف الاجتماعية المشتركة، وبين المنفعة التي يجنيها كعضو في المجتمع. من ذلك مثلاً: عندما أطيع أنظمة المرور أو أدفع ضرائبي، فإني أفترض أن زملائي المواطنين سوف يلتزمون بنفس الواجب، إما حبّاً في القانون أو خشية العقوبات القانونية. وإذا لم أكن واثقاً من أن الآخرين سيتحملون حصتهم من الكلفة (الالتزام بالقانون/دفع الضريبة)، فإن تصرفي العادل سيحولني إلى موضوع للاستغلال، من جانب أولئك الذين لا يهابون القانون، كما يفتقرون إلى الوازع الداخلي؛ أي محبة القانون أو الإحساس بقيمة العدالة.
هذا المثال قابل للتطبيق على المستوى المحلي والعالمي على السواء. حين أفعل شيئاً على أرضية إيماني بالعدالة العالمية، فإني أتوقع أن أحصل على ردّ فعل مماثل. لكن لا توجد طريقة للتحقق من أن هذا هو ما سيحصل. على المستوى المحلي، هناك قانون يلزم الجميع بتحمل الكلف الاجتماعية بصورة متساوية، لكن ليس ثمة قانون مماثل على المستوى العالمي. ولذا، فإن مشكلة العلاقة بين العدالة والمعاملة بالمثل، أوضح هنا مما هي عليه في المستوى الوطني.
ليس مستحيلاً -بطبيعة الحال- وضع ترتيبات قانونية ملزمة، تنظم هذا النوع من التبادلات على المستوى الدولي، بطريقة مماثلة لما هي عليه في المستوى الوطني. لكن الأمر ليس سهلاً على أي حال. تظهر الصعوبة على النحو التالي: دعنا نفترض أنني أعرف ما يجب فعله لشخص ينتمي لمجتمع بعيد، بموجب قيمة العدالة، فما هو السبب الذي يجعلني أعتقد أنه سيفعل الشيء نفسه، لي أو للآخرين، لو كنت أنا أو كانوا هم، في موضع الحاجة؟ وكيف أعرف أن رغبتي في التصرف بموجب إيماني بالعدالة، لن يتم استغلالها؟
لا أقصد -بطبيعة الحال- أن عدم معرفتي، يستدعي الإعراض عن العمل بحسب مقتضيات العدالة. الغرض هو القول إن عدم المعرفة أو المعرفة بأن الطرف الآخر لن يفعل ما تقتضيه العدالة، يجعل الفعل العادل أكثر كلفة. نستطيع تجنب هذا المشكل لو عملنا على تطوير معايير عالمية مشتركة، تساعد الناس على معرفة المواقف التي تستدعي المبادرة بفعل شيء ما، بناء على الإيمان بقيمة العدالة.
الحقيقة أن البشر قد توصلوا إلى شيء من هذا القبيل، ولو على نطاق محدود، في حالة الكوارث الطبيعية الواسعة النطاق، كالزلازل وحرائق الغابات والأوبئة، حيث أصبح من المعتاد الآن تنظيم حملات على مستوى واسع النطاق، لمساعدة المجتمعات التي تتعرض للكوارث.
نحن إذن لا نحتاج للبداية من الصفر. ثمة أرضية يمكن الانطلاق منها. لكن كما أشرت أعلاه، لا يخلو الأمر من دوافع للقلق. من هنا فقد نحتاج للتحرك بحذر، باتجاه عالم يتبنى أشكالاً محددة للسلوك والتعاملات المتبادلة، المنطلقة من الإيمان بالعدالة. وبانتظار حدوث التحول المنتظر، فلعل بعض الأفراد يتبنون مبادرات تنطلق من مبادئ العدالة الكونية؛ أي مبادرات خيرية لا تتوقف عند الحدود الوطنية، ولا تعبأ بالفروق القائمة على أساسها، مثل هؤلاء الأفراد الذين يتصرفون بشجاعة تامة، ويتحملون أعباء تزيد عما هو واجب عليهم أخلاقياً، سوف يضربون المثل بقدرة البشر على إقرار مبدأ العدالة في العالم كله، وبغض النظر عن الفوارق والانتماءات.
أرجو ألا يفهم كلامي السابق في معنى أنه لا توجد عدالة وراء الحدود الإقليمية للدولة الوطنية. ثمة بالتأكيد شيء من قبيل العدالة الدولية، وهي تلعب دوراً متصاعد الأهمية في السياسة الدولية. لكن لا ينبغي أن يفهم هذا كتمديد لفكرة العدالة الاجتماعية من المستوى الوطني، كي تحتضن الناس في كل مكان على المستوى الكوني (هذا الفهم المبسط اقترحه دعاة الكوزموبوليتانية/الحكومة العالمية cosmopolitanism لكني لا أراه صائباً).
نموذج مقترح للعدالة العالمية
أريد أن أختتم هذا الفصل والكتاب، برسم الخطوط العريضة لنموذج العدالة العالمية الذي أقترحه، وأعتبره بديلاً عن المبدأ الكوزموبوليتاني cosmopolitan.
يتضمن هذا النموذج ثلاثة عناصر رئيسة:
أولاً: احترام المعاهدات القائمة في إطار القانون الدولي
يتضمن النموذج مجموعة المواصفات والشروط التي توضح غايات التبادل العادل بين الدول القومية. بعض هذه المواصفات معروف فعلياً، ومتفق عليه في مدونات القانون الدولي. من ذلك مثلا أن التزام دول العالم بالمعاهدات والاتفاقات الأخرى، التي أبرمتها أو انضمت إليها، والتزام كل منها باحترام السيادة الإقليمية والوحدة الأرضية للدول الأخرى، والامتناع عن استخدام القوة ضد بعضها البعض، إلا في حالة الدفاع عن النفس، وهلم جرا.
إضافة إلى ما سبق، ثمة متطلبات أقل شيوعاً، وقد برزت في السنوات الأخيرة فحسب، وباتت بين القواعد الناظمة للعلاقات الدولية. ويتعلق غالبها بطريقة تقاسم كلف ومنافع التعاون الدولي. ومن هذا القبيل مشكلات البيئة الكونية التي يتوقف حلّها على التزام كل دولة، بوضع قيود على سلوك مواطنيها. ويدخل فيها حصة كل بلد من الكلفة المشتركة التي يتحملها العالم، لتخفيض غازات الدفيئة التي تتسبب في الاحتباس الحراري، وكذا حصتها من صيد الأنواع المهددة بالانقراض من الأسماك، وأمثال هذه.
سنواجه بطبيعة الحال اختلافات في كيفية توزيع هذه الكلف ومقاديرها، ويمكن لمبادئ العدالة أن تساعد في تسوية هذه الاختلافات. لا بد من القول -مع إبداء الأسف طبعاً- إنه لا تتوفر حلول قطعية ولا أجوبة حاسمة على مثل تلك الاختلافات. ثمة مبادئ متنوعة يمكن طرحها لدعم هذا الموقف أو ذاك، وكل منها يتمتع بقدر من المعقولية، الأمر الذي يفتح الباب لاعتماد توازنات القوى في التفاوض على حلول سياسية.
هناك أيضاً النقاشات المتعلقة بشروط التجارة الدولية، والحاجة إلى تعديلها بما يلبّي متطلبات العدالة. فمنذ زمن طويل كان للدول الغنية والقوية، القدرة على وضع تلك الشروط، على نحو يتيح لها تصدير منتجاتها إلى البلدان الأقل نموّاً من دون قيود، بينما تفرض هي قيوداً على استيراد المنتجات من تلك البلدان، حماية لمزارعيها من المنافسة، الأمر الذي جعل من الصعب على المنتجين في تلك البلدان تصدير محاصيلهم. هناك حجج وحجج مضادة، بشأن مدى حرية الأسواق الدولية، لكن الأمر المهم هنا هو ضرورة تلبية متطلبات العدالة، وأبرزها حصول الدول الفقيرة على نفس الفرص الاقتصادية، التي تحصل عليها نظيرتها الغنية، أيّاً كانت القيود المفروضة على التجارة وأيّاً كانت أسبابها.
ثانياً: احترام وحماية حقوق الإنسان
حماية حقوق الإنسان في كل مكان، جزء أساسي من مفهوم العدالة العالمية الذي ندعو إليه. وهذا يشمل تحدّي سلطة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان، إذا لزم الأمر.
سبق أن ناقشت فكرة حقوق الإنسان، بقدر من التفصيل، في الفصل الرابع، وقلت هناك إننا بحاجة لوضع إطارين، يضم أولهما ما أسميته بالقائمة القصيرة؛ أي مجموعة الحقوق الأساسية التي يجب ضمانها لكافة البشر في أي مكان، والتي هدفها تأمين الحد الأدنى من شروط الحياة الكريمة. أما الإطار الثاني، فيضم القائمة الطويلة؛ أي مجموعة الحقوق التي تظهر في العديد من وثائق حقوق الإنسان المعاصرة، والتي ينظر إليها عادة كالتزامات يتوجب على كل مجتمع سياسي توفيرها لمواطنيه.
التمييز بين القائمتين مهم جدّاً؛ لأن ما هو مهم -في منظور العدالة العالمية- هو القائمة القصيرة أو حقوق الإنسان الأساسية فقط. ومن هنا فإنه لا يصح لأي دولة أن تتدخل في أمور دولة أخرى، لمجرد أن الثانية لا تحترم الحقوق التي نعتقد أنها مهمة، مثل حقوق الاقتراع العام أو الحريات الدينية غير المحدودة، وما إلى ذلك. صحيح أننا قد نشجع هذه الدول على تبني هذا النوع من الحقوق وتأمينها لمواطنيها، على المدى الطويل، وربما بتقديم حوافز سياسية أو اقتصادية، لكن ليس بإجبارها أو فرضها عليها أو تهديدها بالعقاب.
بعبارة أخرى، فإن مبدأ العدالة العالمية لا يقر بالسيادة الوطنية واحترام الحدود الإقليمية للدول، إذا تعلق الأمر بخرق صريح لحقوق الإنسان الأساسية. هذا تعبير قوي بطبيعة الحال، وهو يتعارض مع عرف راسخ بين الدول منذ زمن بعيد. ولهذا يحتاج إلى تبرير يساويه في القوة:
يتعلق التبرير الأول بحقوق الإنسان نفسها. فهي تشير إلى سمات جوهرية في الوجود الإنساني، تتجاوز من حيث القيمة والأهمية، الاختلافات الثقافية والسياسية، وتتعلق حصراً بالإنسانية ذاتها، قبل أن تتصف بأي صفة أو تنتمي إلى أي كيان أو تحمل هوية. قد نختلف أنا وأنت حول أهمية المعتقد والممارسة الدينية، وقد يكون لكل منا تبريرات عقلائية كافية، لكن لا يمكننا أن نختلف على استنكار التعذيب الذي يتعرض له شخص، أو حرمانه من الطعام حتى يموت. لا يمكن للعقلاء أن يختلفوا على اعتبار أفعال كهذه إيذاءً وإذلالاً، ولا يمكن لهم تقديم مبرر عقلي لو أنكروا هذا الوصف.
ربما يحتج قارئ بقولي السابق، الذي فحواه أن فكرة «العدالة الاجتماعية» محلية بطبيعتها وليست عالمية، وما قدمته في سياق النقاش من حجج لدعم هذه الرؤية.
جوابي عن هذا الاحتجاج، هو أن حديثنا الحاضر لا يتناول «العدالة الاجتماعية» في مفهومها الذي شرحناه في الفصل الخامس. لقد حاججت هناك أن مفهوم العدالة الاجتماعية، ليس من المسلمات الثقافية ذات الطابع العالمي. لكن هذه الحجج ليست ذات صلة بموضوعنا الحاضر، الخاص بالعدالة العالمية.
من ناحية أخرى، فإن حقوق الإنسان الأساسية تتمتع بوزن أخلاقي عظيم. إنها تقابل أخطر أنواع الأذى الذي قد يتعرض له الإنسان. ولهذا السبب خصوصاً، فإنها تفوق من حيث الأهمية والقيمة، أي قلق يتعلق بالإنصاف والمعاملة بالمثل. والاختلاف بين الأمرين يدركه كل إنسان بفطرته، وبغض النظر عن ثقافته. المثال التالي يوضح الفرق بين الحالة التي تستدعي القلق المتصل بالإنصاف والمعاملة المتماثلة، وتلك التي تستدعي تجاوز أي قلق، مهما كان مصدره:
دعني أفترض أن شخصاً أشار لي طالباً مساعدتي في توصيله بسيارتي إلى محطة القطار مثلا. نظرت إليه فلم أره مضطرّاً لهذا الطلب، ولعلي خشيت أن أتعرض للاستغلال. لو رفضت مساعدته في هذه الحالة، فقد يكون رفضي قابلاً للتبرير. في مناسبة أخرى كنت أمر في طريق، فوجدت شخصاً مصاباً إصابة بليغة بسبب حادث سيارة مثلاً، فكل ما هو مهم في هذه الحالة هو: هل أنا قادر على المساعدة أم لا. فإذا كنت قادراً، فلا ينبغي أن أمتنع عن إنقاذه مهما كان السبب.
تتطابق الفكرة السابقة حول حماية حقوق الإنسان، مع المثال الثاني تماماً. إذا لم نساعد الأشخاص الذين يعانون، فربما يخسرون حياتهم. ولذا، يتوجب على أيّ شخص أن يفعل ما يستطيع للمساعدة، انطلاقاً من قيمة العدالة.
ثالثاً: الحقّ في تقرير المصير
تتطلب العدالة العالمية أن يتاح لكافة الناس في كلّ مكان، فرصة الحصول على استقلالهم السياسي. لكل مجتمع سياسي الحق في تقرير مصيره. هذا لا يعني بالضرورة أن يكون لكل منها دولة خاصة. في حالات كثيرة يتعايش الناس في جغرافيا واحدة، حيث يتعذر تطبيق هذه الصيغة. لكن ثمة إشكال قابلة للتطبيق، مثل الشراكة، نظير ما حصل في إيرلندا الشمالية، حين اتفق الكاثوليك والبروتستانت على تقاسم السلطة[12].
من المرجح أن العديد من المجموعات المتمايزة ثقافياً أو إثنيا، ترغب فعلياً في تقرير مصيرها، بإنشاء دولة مستقلة أو سلطة سياسية مستقلة أو شراكة في السلطة، على النمط الذي أشرنا إليه في السطور الماضية. لكن معظم هذه التطلعات تتعرض للإحباط في واقع الحال، لواحد من سببين: إما الطموحات السياسية للدول المجاورة، التي تريد فرض شكل من أشكال الحكم الإمبراطوري على المجتمع المعني، وإما الاضطراب الاقتصادي الذي يقلص من خيارات المجتمع ويجعله في قلق من تغيير الوضع القائم. في كلتا الحالتين، تتحمل الدول الأخرى مسؤولية العمل المشترك، لإيجاد الظرف المناسب للمجتمع المعني بتقرير مصيره، كي يتمكن من اختيار المستقبل الذي يعتقد أنه أقرب إلى تحقيق تطلعاته.
- لماذا نعتبر الحق في تقرير المصير واحدا من تطبيقات العدالة؟
في مجادلتي ضد فكرة الكوزموبوليتانية السياسية، شددت على ضرورة السماح للمجموعات المتمايزة إثنياً أو ثقافياً، بالتعبير عن هويتها وذاتها الخاصة وتقاليدها الثقافية والسياسية. وهذا غير ممكن في الواقع، ما لم يتمتعوا بالحق في تقرير مصيرهم السياسي. حتى المجتمعات الليبرالية (التي تميل عادة للقيم الفردانية) تضفي قيمة رفيعة على هذا الحق.
هذا دليل على الحاجة القوية عند الناس، للشعور بأنهم مسيطرون على أقدارهم، وهي حاجة كامنة حتى عند أولئك الذين لا يصنفون كمشاركين نشطين في نظام ديمقراطي.
إذا اتفقنا على صحة هذه الملاحظات، فإن الحرمان من الحق في تقرير المصير يعد خسارة فادحة، إلى الحد الذي يحمل الآخرين مسؤولية إضافية، بموجب مبدأ العدالة، للمساعدة في استرجاع الحق.
إذا نجحنا في إقامة العدالة العالمية على النحو الذي شرحناه، فإن العالم سيكون مختلفاً عما هو عليه اليوم.
من المحتمل أن تكون صورة النظام الدولي على الشكل التالي:
تقع السلطة السياسية -في المقام الأوّل- على عاتق الدول القومية. وهذه الدول سوف تتعاون على معالجة القضايا المشتركة، وسوف تقتسم فيما بينها - بصورة عادلة - الكلف التي تترتب على تلك المهمات والمنافع الناتجة عنها. سوف يحكم كلّ مجتمع سياسي نفسه، وفقا لتراثه الثقافي وتقاليده السياسية الخاصة. ومن المتوقع أن تختلف تطبيقات مفهوم العدالة الاجتماعية بين مجتمع وآخر، لكن جميع هذه النظم السياسية سوف تلتزم بمعايير العدالة الدولية، ولا سيما احترام حقوق الإنسان.
وفي الحالات التي تتعرض حقوق الإنسان لتهديد جدي، بسبب الكوارث الطبيعية مثل الجفاف، أو بسبب السياسات الغاشمة للأنظمة القمعية، فإن الدول الأخرى ستتعاون فيما بينها لدرء هذا التهديد.
من المتوقّع بطبيعة الحال، أن تكون بعض الدول أكثر ثراءً من غيرها. لا ينبغي أن نعتبر هذا نوعا من الظلم للأقل ثروة، طالما كان ثمرة لخياراته السياسية أو ميوله الثقافية، ولم يكن ناتجاً عن استغلال الأقوى للأضعف.
قد تطور بعض الدول نظاماً أكثر ديمقراطية من غيرها. هذا متوقع أيضاً. لكن لا ينبغي أن يؤخذ كمبرر لإنكار شرعية النظم الأخرى، في البلدان التي لازالت في مستوى أدنى من حيث المشاركة الشعبية في الحياة العامة؛ إذ إن شعوب هذه البلدان قد تكون متعاطفة فعلياً مع حكومتها، وهي تقرّ بتمثيل هذه الحكومة على نحو صحيح لمصالحها وقيمها.
هذا العالم الذي نتطلع إليه، مختلف تماماً عن عالمنا الحاضر. أطلق جون رولز على هذا النموذج اسم «اليوتوبيا الواقعية»؛ وذلك في كتابه «قانون الشعوب»[13]. هذه اليوتوبيا ليست محض خيال، بل هي رؤية أخلاقية قابلة للتحول، بصورة تدريجية غالباً، من فكرة مجردة إلى تطبيق واقعي، يتسع شيئاً فشيئاً، حتى لو لم تتغير الأوضاع السياسية القائمة في العالم، بشكل جذري. إنها ليست المنّ والسلوى وليست المائدة السماوية، ولن تصل إلى هذا المستوى.
- هل من الممكن حقيقة أن نتوصل إلى تطبيق فعلي، ولو محدود المساحة، لهذه الفكرة؟
- لا يبدو معظم الناس متفائلاً. يتوقع العديد ممن يراقبون المشهد الدولي القائم، أن تواصل السوق المعولمة تقدمها وسيطرتها على الحياة العامة، وسيكون لقوى الاقتصاد الفاعلة في المستوى الدولي، قدرة على منع أي دولة قومية من اتخاذ خيارات سياسية واقعية. ومن هنا، فإن الكلام عن الاستقلال الوطني وتقرير المصير، سيمسي بلا معنى، طالما كان الخيار الوحيد المتوفر هو تبني السياسات التي تضمن أقصى قدر من التنافسية الاقتصادية.
مع ذلك، فإني أعود إلى ما ذكرته في الفصل الأول، وفحواه أن فهم تحولات العالم باعتبارها أقداراً لا يد للبشر فيها، أو ما يسمى بـ «القدرية fatalism»، هذا الفهم لا يبدو قائماً على أرضية تحليلية أو علمية، تتجاوز من حيث الاستدلال، تلك الأفهام العتيقة التي تخلى البشر عنها، مع تطور العلوم والثقافة. وعلى أي حال، فحتى لو افترضنا أن العالم يسير في اتجاه قسري، وأنه لم يبق لنا حقا أي خيارات سياسية، فإن الفلسفة السياسية لن تعود ذات جدوى، سواء كان اهتمامها منصبّاً على القضايا الوطنية أو الدولية، وكما قيل في المثل، فليس ثمة أسوأ من «العبث بينما تغرق روما في أمواج النار»[14].
كل شيء ذكرته في هذا الكتاب، مؤسس على فرضية أصلية، فحواها أنه إذا كان علينا أن نختار بين حكومة صالحة وأخرى فاسدة، فليس ثمة مفر من أن يتحمل الإنسان مسؤولياته ويتخذ القرار الصحيح. علينا دائماً أن نختار، حتى لو علمنا أن تقدم التكنولوجيا سوف يقود دائماً إلى تحول في الحكومة وفي المجتمع، على نحو يجعلهما أكثر تعقيداً، وربما يجعل الاختيار أكثر صعوبة.
لقد كانت رحلة طويلة، تلك التي بدأناها في مدينة سيينا الإيطالية، حيث رسم أمبروجيو لورينزيتي تصوره للحكم الصالح، في دولة-مدينة تضم 100.000 من السكان فحسب. نعلم أن الأمر لم يكن سهلاً على الفنان الشهير، يوم أراد وصف الظروف التي يمكن للناس أن يعيشوا في ظلّها آمنين منتجين، يحرثون أرضهم، يتاجرون في سوقهم، يصطادون الطرائد، ويعلمون أبناءهم، ثم يرقصون في أوقات فراغهم، من دون أن يشعروا بالقلق أو الخوف. لم يكن سهلاً عليه أيضاً، وصف التأثير الكارثي للاستبداد والقمع، وما يؤدي إليه من خراب ودمار ومذابح. لم يكن الأمر سهلاً على لورينزيتي ولن يكون سهلاً علينا، بل لعل العسر سيكون أشد لو أردنا اليوم أن نفعل ما فعله الفنان الشهير في العام 1338م.
تتحرك السياسة في عصرنا على مستويات مختلفة، أوسع بكثير مما كان عليه الحال في عصر لورينزيتي. ومن هنا، فإنه من العسير جدّاً، أن تضع بضعة أسباب ونتائج وتقول إن هذا مرتبط بذاك، أو تنسب إليها النجاح أو الفشل على الصعيد السياسي.
مع هذا، فثمة عناصر في جدارية لورينزيتي الرائعة، لازالت صالحة كأساس للمقارنة في ظروف السياسة المعاصرة. إنها تشير إلى عوامل لازالت موجودة، كما كانت في القرن الرابع عشر في سيينا. من ذلك مثلا تمييزه بين السلطة السياسية الشرعية ونظيرتها المستبدة، ومثلها العلاقة بين الحكومة ومواطنيها، وكذا تصويره لطبيعة العدالة.
لن تغيب هذه الأسئلة يوماً ما. سوف تبقى في صميم الفلسفة السياسية، وستكون أكثر بروزاً في تلك اللحظات التي تواجه البشرية تحديات تفوق طاقتها، وتعزز شعورها بأنها تكاد أن تفقد السيطرة على أقدارها.
في مثل هذه الأحوال لا بديل عن التوقف للتأمل في تلك الأسئلة ومجادلتها بعمق، حتى نتوصل إلى تصور مشترك عما يتوجب علينا القيام به من أجل استعادة الزمام.
[1] - مقتطف من كتاب الفلسفة السياسية – ديفيد ميلر- ترجمة توفيق السيف، إصدار مؤسسة مؤمنون بلاحدود.
[2] - الموت الأسود أو الطاعون الأسود وباء اجتاح أوروبا ما بين عامي 1347-1352، وتسبب في وفاة ما لا يقل عن ثلث سكان القارة. ووصل إلى مدينة سيينا في أبريل 1348، وتقول بعض المصادر إن جثث الموتى تركت دون دفن؛ لأن الأحياء اعتقدوا أنهم سيموتون قريبا. ويقال إنه حين انتهى الوباء لم يبق من سكان المدينة سوى ثمانية أشخاص. انظر: `black death in italy ', wikipedia (accessed on 18-jun-2021) https://en.wikipedia.org/w/index.php?oldid=1024692112 (المترجم)
[3] - بنديكت أندرسون: الجماعات المتخيلة، ترجمة ثائر ديب، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، (بيروت 2014). لمنظور مقابل لفكرة القومية باعتبارها ظاهرة اجتماعية، راجع: ernest gellner, nations and nationalism (blackwell, 1983) , and anthony smith, national identity (penguin, 1991). william ralph inge, quoted in bloomsbury dictionary of quotations (london: bloomsbury 1989) p. 180 (المترجم)
[5] - حجتي التي فحواها أن الهوية الوطنية تدعم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مشروحة بالتفصيل في: david miller: on nationality (clarendon press, 1995).
[6] - للمزيد عن الحجة القائلة بأن الولاء الوطني لا ينبغي أن يكون مزاحماً للقيم الديمقراطية، انظر: for the argument that nationalism need not be detrimental to liberal values, see yael tamir, liberal nationalism (Princeton university press, 1993).
[7] - قدم ديفيد هيلد محاججة دفاعية عن الأفكار السياسية الكوزموبوليتية، انظر: david held in democracy and the global order (polity, 1995). كما دافع بيتز عن مبدأ العدالة في الإطار الكوني، انظر: charles beitz, political theory and international relations (princeton university press, 1999)،
[8] - للمزيد حول الرواقيين وفلسفتهم، انظر ديرك بالزلي: «الرواقية»، مجلة حكمة، ترجمة ناصر الحلواني (عن موسوعة ستانفورد للفلسفة) 13 يناير 2020 https://bit.ly/3vhigw2. وحول الكونية أو الكوزموبوليتي، انظر المدخل الخاص بالموضوع في موسوعة ستانفورد الفلسفية: pauline kleingeld and eric brown, "cosmopolitanism", the stanford encyclopedia of philosophy (winter 2019), https://plato.stanford.edu/archives/win2019/entries/cosmopolitanism (المترجم)
[9] - ازداد عدد دول العالم الآن إلى 202 دولة، بينها 193 عضو في الأمم المتحدة. انظر: `list of sovereign states', wikipedia, (accessed 06-jul-2021) https://en.wikipedia.org/wiki/list_of_sovereign_states (المترجم)
[10] - انظر بهذا الصدد إيمانويل كانط: مشروع للسلام الدائم، ترجمة د. عثمان أمين، مكتبة الأنجلو المصرية (القاهرة 1952).
[11] - immanuel kant: kant political writings, edited by hans reiss, translated by h. b. nisbet, 2 nd ed. cambridge 1991) , p. 114 ??ü ??ن? ?نé??îè éن? ?ن??üî ?نé??ن??? ?ن?? ?????ü à? ?نم??࣠نû? ?ن???? ?? ?ن?î??è ?ن?îà?è ??î ??????. î??? é? ûëàà? ?ن??üî ?ن??à? ¨??î?? نن?ن?? ?نü???©¬ ? ¸± ¨?ن??î??©
[12] - يشير الكاتب إلى اتفاق الجمعة المجيدة (أو العظيمة) الذي وقعه أطراف النزاع في إيرلندا الشمالية في 1998. لمعلومات إضافية، انظر: «اتفاقية بلفاست»، موقع المعرفة (راجعته في 8-يوليو-2021) https://bit.ly/3hou6wb (المترجم)
[13] - جون رولز: قانون الشعوب، ترجمة محمد خليل، المجلس الأعلى للثقافة (القاهرة 2007) ص 31
[14] - وفقاً لمايكل ري، فقد ظهرت هذه المقولة للمرة الأولى في مسرحية «مأساة نيرون the tragedy of nero» لشكسبير (1624). انظر: michael ray: `did nero really fiddle as rome burned?', encyclopedia britanica, (accessed 8-jul-2021) https://www.britannica.com/story/did-nero-really-fiddle-as-rome-burned