الدين العربي
فئة : مقالات
الدين العربي
رائد قاسم
يعد الدين أحد الأنظمة المركزية المنظمة للبيئة البشرية منذ أقدم العصور، لا تكاد تخلو حضارة ما من الدين كمكون ثقافي ومورث روحي ونظام مركزي يتحرك في إطار الحياة الاجتماعية الواسعة ويتلاقى مع الأنظمة المركزية الأخرى، ولا سيما النظامين السياسي والاقتصادي، ويعد حتى يومنا هذا من أهم عناصر البيئة البشرية وأحد أهم مكوناتها وأنظمتها ولا تخلو منه أمة مهما علا مركزها بين الأمم، بغض النظر عن ماهية الدين، إلا أنه في كل الأحوال يتحرك في البيئة البشرية وتنطبق عليه كافة سننها ونواميسها، بما في ذلك عوامل الخمود والخمول والتقادم والأهم الخضوع لسلطة القوى البشرية، باعتباره نظاما وجد لخدمة الإنسان، وبما أنه كذلك ونظرا لأهميته الكبيرة وتأثيره الواسع النطاق على حياة الأفراد والمجتمعات، فإن من أهم خصائصه هو تأثره بالبيئة التي يتحرك فيها وتطبعه بهويتها البشرية والتاريخية وتكوينها الثقافي؛ فالنصوص الدينية تخضع لفهم واستيعاب المشرع الديني الخاضع بدوره لمستوى معين من الثقافة والإدراك والإحاطة والتفاعل مع مكونات البيئة التي يتحرك من خلالها، ونظرا لأهميته في حياة المجتمعات، فقد وقع تحت تأثير قوى التسلط السياسي وهيمنة الرأسمالية البرجوازية وخضع لسلطتها؛ فالديانة المسيحية تضم عشرات الكنائس التي نشأت في الأمم التي اعتنقت المذاهب المسيحية المختلفة، فهناك الكنيسة الرومانية الشرقية والرومانية الغربية، التي نشأت بسبب انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى شرقية وغربية، وكان مقر الكنيسة الشرقية في القسطنطينية (إسطنبول) والغربية في روما، وهناك الكنيسة الأسقفية الأمريكية وتنتمي للطائفة البروتستانتية، ونشأت في الولايات المتحدة بعد استقلالها عن بريطانيا، وتنتمي إليها نخبة علمية واقتصادية واجتماعية واسعة النطاق على امتداد الولايات المتحدة، خرج منها أحد عشر رئيسا أمريكيا، ولكونها تضم هذه النخب الواسعة النطاق، ولكونها نشأت في خضم التحولات الكبرى في الولايات المتحدة، فإنها تعد من أكثر الكنائس ليبرالية وتفاعلا مع مخرجات الحضارة المعاصرة وثقافة العصر وأنماط الحياة الحديثة؛ فالكنيسة الأسقفية كانت أول كنيسة تعين امرأة في منصب المطران، وباركت زواج المثليين، وكانت أول كنيسة عارضت العبودية مؤيدة بذلك الحكومة الفيدرالية في الحرب الأهلية الأمريكية، وتعارض الكنيسة عقوبة الإعدام وتبارك الحقوق والحريات المدنية، ومن أهم مبادراتها سماحها بزواج القساوسة، الذي يعد محرما في معظم الكنائس المسيحية.
الكنائس الشرقية مكون رئيس في الديانة المسيحية، وهي المسيحية التي نشأت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتطبعت ببيئاتها المتنوعة، فلكل أمة مسيحية شرقية، من الشرق الأوسط إلى روسيا وما بينهما، طقوس خاصة بها، تنفرد بها عن الأمم الأخرى، وآداب وتقاليد، وطابع فلكوري، وفنون معمارية وموسيقى كنائسية.
وفي وسط آسيا حيث تنتشر الديانة البوذية، فإن لكل دولة بوذية نظام ديني خاص بها، ففي حين تدار سيرلنكا من قبل ديمقراطية ناشئة يسمح من خلالها للبوذية، وهي دين الأغلبية بممارسة أدوار سياسية في إطار القانون المنضبط، إلا أنه في ميانمار تسيطر المؤسسة العسكرية على الدين البوذي وتوجه في إطار النظام الشمولي التسلطي، بينما في لاوس التي تحكمها طغمة شيوعية تلعب أدوارا محدودة، فالدولة تحظر تدريسه في المدارس، وتمنع تدخل المؤسسات البوذية في الحياة السياسية، وتراقب أنشطته رقابة صارمة، وقد جرت محاولات لتفسير التعاليم البوذية لصالح النظام الشيوعي والاشتراكية.
وفي كمبوديا أوضاع مشابهة، حيث تحظر الحكومة على المؤسسات الدينية البوذية المشاركة في الحياة السياسية حتى لو كان ذلك في إطار تأييدها للنظام الحاكم.
في سنغافورة تشكل البوذية 33% من السكان، وقد حاولت المؤسسة الدينية البوذية احتكار البوذية لصالح مذهب التيرافادا، وضغطت على الحكومة بعدم فسح المجال لأي مذاهب بوذية أخرى، إلا أنها لم تتمكن بسبب النظام المدني الذي يدير البلاد ويتيح حرية العبادة.
وفي كوريا الجنوبية التي تتبع نظام ديمقراطيا راسخا تقتصر الأنشطة البوذية على الحياة الاجتماعية والثقافية دون الانخراط في الحياة السياسية التي تحظر إنشاء أحزاب دينية وتوظيف الأديان في السياسة.
في اليهودية قامت الحركة الصهيونية على عقيدة أرض الميعاد وتفوق اليهود على غيرهم، وأن الرب اختار لهم أرض إسرائيل (فلسطين) وطنا، وأن أي شعب يعيش فيها ليس سوى محتل لأرضهم، وأن عليهم طرده منها وإنشاء دولتهم، وهكذا قامت دولة إسرائيل على أرض فلسطين عام 1948، وطردوا الفلسطينيين من بلادهم، ولكن من جانب آخر هناك فرقة يهودية تدعى "ناطوري كارتا"، ينشط أتباعها في القدس وبريطانيا والولايات المتحدة، وتعارض الصهيونية وتدعو إلى إنهاء سلمي للكيان الصهيوني وإعادة الأرض للفلسطينيين، فهم يرون أن الله عاقب اليهود على خطاياهم وحرم عليهم قيام أية دولة لهم حتى ظهور المسيح، ويعتبرون أنفسهم يهود فلسطين، ويتطلعون للعيش في ظل حكم الفلسطينيين، ومن حججهم ما جاء في بعض نسخ التلمود أن الله أمر اليهود أن لا يقوموا بالثورة على الشعوب غير اليهودية، خاصة تلك التي منحتهم المأمن والمأوى، وأن لا يهاجروا إلى فلسطين.
فالدين يتأثر كثيرا بالبيئة التي يتحرك من خلالها، ويتأثر بالصراعات والتجاذبات السياسية والاقتصادية، خاصة عندما يسيطر عليه من قبل القوى السياسية، حيث تحاول في معظم الأحيان استثماره لصالحها، توظيفا أو احتواء، سواء كانت هذه القوى السياسية تحمل أجندة دينية وروحية أو أجندة أيديولوجية أخرى أو طغمة حزبية أو سلالية أو عسكرية.
الديانة الإسلامية تعرضت لما تعرضت له كافة الأديان الأخرى من تأثرها بالبيئة التي نبتت فيها، فغذا دور الدين مختلفا من أمة لأخرى، إلا أن العرب لا يزالون أصحاب الديانة الإسلامية منذ ظهورها في القرن السادس الميلادي، والدين في العالم العربي منذ تأسيس الدولة العربية الأولى في المدينة المنورة جزء من السلطة السياسية لا ينفصل عنها، حتى عندما سقطت الخلافة العباسية في بغداد، استغل المماليك في مصر الفراغ وأسسوا خلافة عباسية رمزية في القاهرة، لضمان الانسجام ما بين الدين والدولة، وعندما سقطت الخلافة العباسية ووقعت البلاد العربية تحت حكم السلاطين العثمانيين، كان الرأي السائد بين علماء الدين هو أن السلطان العثماني هو القائم بأعمال الخليفة، وحتى يومنا هذا فإن المؤسسة الدينية جزء من مؤسسات السلطة في البلاد العربية، فالعالم العربي منذ القرن السادس الميلادي لا يزال يدار من قبل نظام تقليدي كلاسيكي حيث الدين جزء من السلطة، يتسع نفوذه أو يتقلص تبعا لمنظومة الحكم في كل بلد.
في تركيا بعد زوال الدولة العثمانية وقيام الجمهورية أسقط الدين من معادلة السلطة، وتحول إلى جزء من مؤسسات المجتمع المدني، حتى في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، حيث أعلن الحزب التزامه بالنظام المدني العلماني، وقد عمد إلى إصلاحه من خلال تعديل القوانين المناوئة للحريات الدينية، كحرية ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم، وحرية تلقي التعليم الديني وافتتاح المؤسسات الدينية، يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "الإسلام هو مرجعي على المستوى الفردي، أما على المستوى السياسي، فمرجعي هو الدستور والمبادئ الديمقراطية".
في مقابل تركيا هناك إيران، التي كانت تحكم من قبل سلالة ملكية، وعندما فشلت في إدارة شؤون البلاد سقطت بثورة شعبية جاءت بالإسلاميين الشيعة، لتدار إيران اليوم من قبل المؤسسات الدينية والطغمة الدينية حاكمة، تشكل مزيجا من علماء الدين والعسكريين المتدينين وتيارات أخرى.
في مقابل إيران هناك جمهورية أذربيجان التي تحكها طغمة سياسية تنتهج نهجا قوميا وحكما تسلطيا تقليديا، ورغم كون أغلبية الشعب الأدري مسلما على المذهب الشيعي على غرار إيران المجاورة، إلا أن الدين لا يستثمر في الحياة السياسية وتمارس عليه السلطات سياسة الاحتواء حتى لا تتحول المؤسسات الدينية إلى مؤسسات منافسة على السلطة أو يكون لها شأن في إدارة الشؤون العامة، وترتبط أذربيجان بعلاقات قوية وتحالفية مع تركيا بحكم الانتماء القومي، بينما تقيم علاقات حذرة وباردة مع إيران، رغم انتمائهما المذهبي المشترك، وتخشى أذربيجان انتقال النزعات الدينية والمذهبية إليها من إيران لتفرض الأخيرة نفوذها ووصايتها عليها، في المقابل تخشى إيران من انتقال الثقافة القومية الأذربيجانية الى إقليم أذربيجان الإيراني وأوساط الأذربيين الإيرانيين الذين يعدون القومية الثانية في البلاد بعد الفرس، الأمر الذي يشكل خطرا على استقرار نظامها السياسي القائم على ولاية الفقيه.
في عالمنا العربي، لا تزال علاقة الدين مع الدولة في إطارها الكلاسيكي الذي نشأ مع نشوء الدولة بعد الإسلام، وامتد بعد ذلك إلى كافة العصور العربية الإسلامية حتى عصرنا الراهن، فالدين تسيطر عليه وتديره مؤسسات الدولة، ومع ظهور حركات الإسلام السياسي في السبعينيات الميلادية، ظهر مفهوم إدارة المؤسسات الدينية للمؤسسات السياسية الدينية، وهو ما يعرف عموما بالدولة الإسلامية، إلا أنها لم تتمكن لعوامل عديدة من تحقيق أهدافها، وظلت المؤسسة الدينية جزءا من مؤسسات الدولة وخاضعة لنفوذ النخب الحاكمة.
على صعيد الشيعة العرب، فإن المذهب الشيعي يسيطر عليه العنصر الفارسي منذ أيام الدولة الصفوية، وقد أشار إلى ذلك الدكتور علي شريعتي في كتابه "التشيع الصفوي والتشيع العلوي"، حيث يعتقد شريعتي أن التشيع الخالص نشأ عند الإمام علي ومن بعده الأئمة من ولده، وأن ما زيد عليه من طقوس وعقائد وأحكام، أدخلها الصفويون تحقيقا لمصالح سياسية تسلطية، ما أدى إلى تشوه المذهب الشيعي بعد أن حشي بالعديد من الطقوس والممارسات العقائدية البعيدة عن روح الإسلام والتشيع العلوي، يقول: "وتلبس الصفويون بلباس ولاية علي ونيابة الإمام والانتقام من أعداء أهل البيت.. وفي ظل كل هذه المحاولات كان الهدف الأصلي هو إضفاء طابع مذهبي على الحالة القومية، وبعث القومية الإيرانية وإحياؤها تحت ستار الموالاة والتشيع".
ويقول د. علي الوردي: عندما صار التشيع في عهد الصفويين مذهبا قوميا في إيران، اصطبغ من جراء ذلك بصبغة الغرور القومي، وأمسى عقيدة سلطانية خامدة ـ لا تختلف ـ عن أية عقيدة أخرى من عقائد السلاطين، وخدر الصفويون مذهب التشيع وروضوه، فأزالوا عنه نزعته الثورية، وجعلوه مذهبا رسميا لا يختلف عن غيره من المذاهب الدينية الأخرى.
ويتزعم الإيرانيون اليوم قيادة الطائفة الشيعية على وجه العموم، فالمرجعيات والمؤسسات الدينية تقع تحت نطاق نفوذهم وسيطرتهم وأغلبها من العنصر الفارسي، والإنتاج المعرفي الديني يخرج من مدارسهم وحوزاتهم، في مقابل تبعية العرب لهم، لتسجل كإحدى أهم صور الضعف العربي في العصر الحديث.
إن الإعمار والبناء في إطار الدولة الوطنية، يبدأ دائما من خلال إصلاح الأنظمة المركزية المنظمة لبيئتها، كالأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية، حتى تتحول إلى بيئة حيوية وديناميكية. ومن هذا المنطلق، فإن على العالم العربي أن يعيد صياغة علاقة الدولة بالدين، ولا شك أن النموذج المدني السائد هو الذي أثبت نجاحه وفاعليته من خلال فصل المؤسسة الدينية عن السلطة وتحويلها إلى إحدى مؤسسات المجتمع المدني، ومن تم إعادة صياغة علاقة الدين بالدولة من خلال تحولها إلى مؤسسة مدنية لا تلعب دورا في الحياة السياسية، في مقابل عدم تدخل المؤسسة السياسية في الشؤون الدينية. إن العالم العربي لم يحدث أي تغيير تطوري تجديدي في نظامه السياسي منذ أكثر من ألف وأربعمائة، بل وما قبل ذلك أيضا، حيث كانت علاقة السلطة الدينية في الممالك العربية ما قبل الإسلام جزءا من السلطة الزمنية أيضا، وبينما تمكن العالم الغربي من إعادة تأسيس بيئته وإجراء إصلاحات جوهرية وحاسمة على كافة أنظمته المركزية، في مقدمتها النظامين السياسي والديني، فمن الملكيات المطلقة إلى الدستورية، ومن الإمبراطوريات العسكرية إلى الجمهوريات الدستورية، ومن الدولة الاستبدادية إلى المدنية ومن الاقتصاديات الإقطاعية إلى الرأسمالية، بينما العالم العربي ظل أسير التقادم والخمود والتخلف عن منجزات العلم والنهضة الإنسانية على مختلف الأصعدة والاتجاهات.
من ناحية أخرى، لا بد أن يسود في الأوساط الدينية للشيعة العرب هدفية الاستقلال والإنتاج الديني، بعنوان المنافسة وتحقيق الذات، وإنتاج ديني معرفي عربي ينطلق من بيئته العربية وتأسيس مرجعيات وكيانات دينية عربية مستقلة ومنتجة وقادرة على المنافسة والإبداع في إطار انتمائها القومي والديني، يقول الباحثان عباس كاظم وعبد الله الربح في بحثهما المعنون "إمكانية التحول لدى الشيعة / هل سيظهر مرجع من الجزيرة العربية": (منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979، أظهرت بعض الدول العربية التي لديها مجتمعات شيعية كبيرة تحسسها من القيادات المرجعية الإيرانية العابرة للحدود، وقد كان لدى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي قلق شديد تجاه العلاقة بين مواطنيها الشيعة ومراجعهم الدينيين الذين يقيمون خارج الحدود. إن تاريخ المجتمعات الشيعية في دول مجلس التعاون الخليجي يسبق تحول إيران إلى دولة ذات أغلبية شيعية في القرن السادس عشر الميلادي، لكن ظهور حكومة دينية شيعية، بالتزامن مع زعامة المجتهدين الإيرانيين في العراق، ضاعف من قلق حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً في ضوء التأثير الإيراني الواضح في المشهد اللبناني منذ ثمانينيات القرن الماضي، وفي العراق منذ إسقاط نظام حزب البعث في العام 2003).
إن بناء حضارة وطنية من أساسيتها وجود مؤسسات دينية مستقلة عن أي تأثيرات سياسية أو أي نفوذ خارج الحدود، الغرب عندما بدأ في قيادة الحضارة المعاصرة بنى حضارته على أساس استقلاليته الدينية والسياسية والاقتصادية، واستقلال المؤسسات الدينية عن أي نفوذ خارجي، ففي بريطانيا الكنيسة الأنجليكانية تعد الكنيسة الرسمية لإنجلترا، والكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، تعد الكنيسة الوطنية لليونان، وكنيسة روسيا الأرثوذكسية المسيحية، تعد الكنيسة الوطنية لروسيا.
في لبنان، ظهر السيد محمد حسين فضل الله كمرجعية دينية متأثرة بالبيئة اللبنانية القائمة على التعدد والتنوع، وخرج بآراء عقائدية وفقهية وقراءة مغايرة للنص الديني على خلفية معايشته لمنتجات الحضارة وإفرازات العصر، كقوله بحجية رؤية هلال رمضان والعيد بالمنظار الفلكي، وجواز سماع الغناء والموسيقى، وإنكاره لبعض العقائد الخاصة بالشيعة كالولاية التكوينية وبعض الأحداث التاريخية والطقوس وغيرها.
في الغرب وبسبب الحريات الدينية، ظهرت اتجاهات دينية إسلامية محدودة متأثرة بالبيئة الغربية القائمة على الهامش الواسع للحريات المدنية، ورغم كونها مبادرات لا تستند على أسس فقهية وعقائدية معترف بها، إلا أن تدل بكل وضوح على تأثر الدين ببيئته، فظهر مثلا الدكتور خالد أبو الفضل أستاذ الشريعة بجامعة كاليفورنيا ليقول بأن القرآن لا يحرم إمامة المرأة للرجل في الصلاة، والدكتورة أمينة ودود التي تؤم المصلين الذين يؤدون الصلاة رجالا ونساء إلى جانب بعضهم البعض، وتخطب فيهم أيام الجمع في جامع بنيويورك سمي بالمسجد الليبرالي، وفي الدنمارك افتتح مسجد مريم، مخصص للنساء يوم الجمعة وللجميع بقية أيام الأسبوع، وتؤمه امرأة، وأذانه بصوت امرأة، وتعقد فيه الزيجات المتناغمة شروطها مع قوانين الأحوال الشخصية المدنية كاشتراط عدم الزواج المتعدد، وجواز الزواج بين المسلمين وغيرهم.
لا شك أن مثل هذه الاتجاهات سرعان ما ستنحسر لكونها لا تستند على مرجعية دينية قويمة، إلا أن على عالمنا العربي أن يتحلى بالشجاعة الكافية لإصلاح بيئته، وإعادة صياغة العلاقة بين أنظمته المركزية والتأسيس لنظام ديني عربي حيوي ومتجدد وناهض.