الدين و المجتمع أية علاقة ؟
فئة : أبحاث عامة
لمعالجة سؤال الدين والمجتمع استدعينا نظريات أهم الوجوه الفكرية في هذا المجال، كما استحضرنا التنوع في الحقول المعرفية التي تناولت هذا الإشكال، خصوصًا سوسيولوجيا الدين، وفلسفة الدين، وعلم النفس، كما لم يفتنا حقل مركزي يشكل هو نفسه جماع حقول معرفية متباينة وهو حقل الأنثربولوجيا، لما له من علاقة مباشرة بالجانب التصوري والعملي المرتبط بالمؤسسات والأفراد.
أما الجانب المنهجي فقد فرضت ثنائية المجتمع والدين نفسها علينا فيه بأن وجهت مقاربتنا وتحكمت فيها، فلم يعد لنا من خيار في تجاوزها إلا بالقدر الذي نعيد معه توظيفها، فنزلت عندنا مكونات الثنائية منزلة المقولات الموجهة لهذه المقاربة. دفعتنا هذه الثنائية نفسها إلى الوقوف عند مصطلح الثقافة لما تبين لنا حضوره بشكل ملفت في تضاعيف مختلف المقاربات من مختلف الحقول المعرفية، فنزل عندنا منزلة السابق، والمقولتان مجتمع دين منزلة اللاحق. وبما أنه من بديهيات الاجتهاد تحقيق مناطه، كان لزامًا علينا البدء بتحديد معاني مكونات هذا الثلاثي، و بذل الجهد من أجل جعله يفي بالغرض العلمي الكامن وراء استدعائه وتوظيفه. ولقد استقرت عندنا تعاريف مكوناته على النحو التالي:
عندما يستعمل مصطلح الدين فغالبًا يقصد به ما يلي:
"كل نسق System من الأفكار والأفعال التي تتقاسمها جماعة ما، والتي تقدم للفرد معايير توجيهية ومجالاً للعبادة"[1] فكلمة الدِّين التي تستعمل في تاريخ الأديان لها معنيان لا غير. أحدهما هذه الحالة النفسية التي نسميها التدين، والآخر تلك الحقيقة الخارجية التي يمكن الرجوع إليها في العادات الخارجية، أو الآثار الخارجية، أو الروايات المأثورة، ومعناها: جملة المبادئ التي تَدين بها أمة من الأمم، اعتقادًا أو عملاً. وهذا المعنى أكثر وأغلب[2]."الدين يعني تلك التراكيب الاجتماعية والتاريخية للحقيقة والتي لها وظيفة الربط بشكل أكثر أو أقل، كما أنها تخضع للتعديل الذاتيً[3]
يظهر من خلال هذه العينة من التعريفات أن الدين يختص بما يلي:
أنه نظام أو نسق مع ما يترتب عن هذا التعريف من تفريع مضموني وعلائقي وبنائي يتوجه للدين باعتياره أبنية متسقة ومنظمة تستجيب لمفهوم النسق كركيبًا غاية في التعقيد. فالدين بهذا المعنى كل مركب من عناصر أو مكونات متفاعلة في ما بينها، و يحكمها منطق خاص بها، و تعرف حركية دائمة، كما أنها تناقض حالة الثبوث أو الجمود استجابة لمنطق التفاعل الذي يحكم العلاقات بين العناصر المكونة للنسق، وفي الوقت ذاته يحافظ الدين على توازنه بفعل قواعده العامة والخاصة الضابطة لسيرورات التفاعل الخارجية والداخلية لعناصره نظامًا. إنه إذًا بُنية تتميز بالانفتاح والانغلاق والضبط الذاتي، كما أن أي نسق يهدف إلى تحقيق غايات معينة، إذ هو بطبيعته غائي، لذلك لا وجود لنسق دون وظيفة، والدين لا يشكل استثناء في هذا الأمر بل لربما يمكن اعتباره نسق الأنساق. التعريف نفسه يحيلنا إلى كون الدين في أصله فكر وفعل. بمعنى أنه يلامس بعدين أساسين في الإنسان: بعده المعرفي وبعده الحركي أي بعد العمل، أو قد نقول: لا دين دون اتحاد النظر والعمل. فالمتدين يسعى دائمًا إلى تنزيل معتقده في عالم الشهادة، إنه على رأي طه عبد الرحمن تنزيل للعالم الغيبي إلى رتبة العالم المرئي[4].
إن الدين، حسب تعريف Erich Fromm لا ينفك عن الجماعة، والجماعة تحيل على الاجتماع، فهي بذلك وحدة أو رابطة تناقض في أصلها الفرقة، وترمز إلى التعايش، فأينما وجد الدين، اجتمع الناس أو لنقل بأن اجتماع الناس رهين باتفاقهم على دين يجمعهم، أي أن اجتماعهم منوط بأفكار توحدهم ويحتكمون لمقتضياتها العامة والخاصة. فهي إذًا مرجعيتهم في الأحكام والأعمال.فبتنوع الأفكار الموجهة للعمل تتنوع الجماعات وتتمايز، حتى أن هذا الاختلاف و التمايز يطال الجماعة الواحدة ذات الدين الواحد داخل بناء اجتماعي واحد في سياق واحد.
لقراءة البحث كاملا المرجو الضغط هنا
[1]Fromm, Erich; Autoritaere und humanitaere Religion. In: Menne Erwin: Religionsphilosophie. Arbeitsmaterialien fuer den Philosophieunterricht.Sekundarstufe II. Duesseldorf 1983.S.129.
[2]ملاحظة:عن موقع القرضاوي. يوسف. انظر: دراز، محمد عبد الله: الدين. صـ29- 32.
http://www.qaradawi.net/library/77/3892.html. 18/04/2013. 12h18mn
[3]Luckmann, Thomas.: Die Sozialisierungsfunktion der Religion. In: In: Menne Erwin.: Religionsphilosophie. Arbeitsmaterialien fuer den Philosophieunterricht.Sekundarstufe II. Duesseldorf 1983.S.137.
[4]عبد الرحمان. طه: روح الدين. من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية. الدار البيضاء 2012. ص.51.