الذئاب المنفردة (قراءة في كتاب الإسلاموية المتطرفة)
فئة : قراءات في كتب
الإسلاموية المتطرفة والغرب، كتاب لصوفي فيوليه، صدر باللغة الفرنسية عام 2010، وصدرت ترجمته العربية، من طرف محمد أحمد صبح عام 2014، عن دار نينوي، يقع في 144 صفحة.
ما هي أسباب تزايد الذئاب المنفردة التي أصبحت تهدد الأمن القومي في الدول الغربية خاصة الأوروبية، لاسيما أنها تتجاوز القواعد الأمنية الوقائية والترسانة الدفاعية التي أصبحت تسخرها الحكومات؟
هذا هو السؤال المركزي الذي تحاول المؤلفة الفرنسية الإجابة عنه من خلال الانطلاق من الديناميات الصاعدة المركزة على الأفراد الناشطين، وتجاوز الكثير من الأطروحات والأعمال الفكرية التي ظلت حبيسة تفسيرات نظرية المؤامرة، والتفسيرات النفسية، والصور الإعلامية.
أولا: الدين والحداثة: الاعتراف والتطرف
في ظل نهاية الإيديولوجيات والتحولات التي عرفتها الحداثة في نهاية القرن العشرين، أضحى الدين مقبولا ولم يعد ينظر إليه كخرافة أو كمعرقل لتطور المجتمعات، ذلك أن الجوانب والظواهر اللاعقلانية كالحدس والمخيلة والانفعال كسبت مشروعيتها في إطار الحداثة.
غير أنه، بالرغم من هذا التحول الذي حدث على مستوى العالم الغربي، إلا أن ناشطي الإسلاموية المتطرفة لم يغيروا من نظرتهم للغرب، ولم يمنعهم ذلك من الاستمرار في معارضة جذرية لنموذج الحداثة كما يقترحه الغرب، والدفاع بالمقابل عن فكرة مضادة مفادها أن الحداثة توجد في صلب الإسلام، وأن لهذا الأخير حداثته المتفردة والمتميزة.
ويصرف المتطرفون الإسلامويون جزءا من تحديهم هذا من خلال أشكال من التدين العلني المتحد للمجتمع والفضاء العام الذي لم يعد مسألة انتقالية، بل ممارسة مستمرة في العالم الغربي، من خلال الانضمام إلى الجماعات المتطرفة، التي أصبحت أكثر خطورة بفعل اتساعها وانتشارها واحتلالها للمشهد الإعلامي.
ثانيا: عقلانيون لا عدميون: في الخصائص السوسيو- ثقافية
لللإسلاموية المتطرفة
انطلاقا من مقتربها التفسيري المركز على الفرد المتطرف، وبالعودة إلى بروفايلات واستجوابات لمتطرفين مسجونين، تحاول المؤلفة أن تقدم خصائص غير نمطية ومتميزة عن هؤلاء. فأغلب الإسلامويين المتطرفين في الغرب، ولدوا وتربوا في البيئة الغربية، وتلقوا تربية حديثة، إذا فهم متعددو الثقافة، ويتحدثون لغات عدة، ومندمجون في الغرب إلى حد كبير، ومتكيفون مع بيئته، إذ إنهم أقاموا في بلدان غربية عدة.
وينحدر أغلب المتطرفين من الطبقة المتوسطة التي يمكن اعتبارها الفاعلة الرئيسة في الجهاد العالمي، فالمتطرفون الإسلامويون ليسوا ضحايا الغرب.
وتلقى أغلبهم دراسات عليا، مع غلبة التخصصات العلمية، فهم ليسوا جهلة، كما أنهم ليسوا مراهقين، بل شباب تجاوزوا سن المراهقة، والعديد منهم متزوجون. ولا يقتصر أمر الانضمام إلى الجماعات الإرهابية على الرجال، بل يشمل كذلك النساء، ينحدر أغلبهن بالولادة من دين آخر، واللواتي تم استبعادهن سابقا من إمكانية الالتحاق بالجماعات الإرهابية.
وبالرغم من إعلان المتطرفين الإسلامويين أن تضحيتهم هي في سبيل الإسلام، فإن مشروعاتهم في العمق لا تختلف عن الشباب في المجتمعات الغربية، والمتمثلة في العمل والزواج والأولاد، والبحث عن الرفاهية والسعادة والتحرر وتحقيق المشروعات الشخصية. إنهم ليسوا عدميين.
ومن خلال هذه الأفكار تكسر المؤلفة الصورة النمطية المقدمة حول المتطرفين الإسلامويين الانتحاريين في الغرب. كما تساءل جملة من الأفكار الرائجة، كـ"أطروحة عدم النضوج" التي تقول بأن الحالة العاطفية والنفسية المندفعة للمراهقة تدفعهم للالتحاق بالجماعات المتطرفة، و"أطروحة اليأس" التي تعتبر الناشطين الإرهابيين يائسين ومحبطين.
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا ينضم هؤلاء إلى الحركات الإرهابية؟
ثالثا: في أسباب الالتحاق بالحركات الإسلاموية المتطرفة
إن "الجهاد" ليس نتيجة للآمال الخائبة، كما أنه ليس نتيجة أمراض عقلية، باعتبار الإسلامويين المتطرفين غير مصابين بمرض عقلي أو نفسي، على عكس ما تقدمه بعض الأطروحات التي تقول بوجود استعداد نفسي مشترك لدى الإرهابيين، فالاختلال الوظيفي الموجود هو اختلال نفسي اجتماعي أكثر مما هو نفسي مرضي.
إن ما يوحد الإسلامويين المتطرفين هو تأثير صعوبات الحياة عليهم، بشكل يجعل الحركات الإرهابية المتطرفة ملاذ وخزان كبير لإفراغ ضيقهم وتذمرهم من الغرب عموما. وأغلبهم يتأثر بـ"الحالة النموذجية الأولى" التي تكون بداية الاتجاه إلى التطرف وإحياء صعوبات الحياة الكامنة التي يواجهها هؤلاء، "نتبين في غالبية الحالات وجود حادثة أثرت فيهم شخصيا وبصورة عميقة هذه الحالة - التي يسميها خسرو خافار "الحادثة النموذجية الأولى" - تكون الشرارة في الاتجاه إلى التطرف، والواقع أن الصعوبات المصادفة في الحياة اليومية والتظلمات الموجهة إلى المجتمع الذي يعيشون فيه موجودة من قبل، ولكن بصورة كامنة، فتأتي الحادثة المؤثرة وتسبب إعادة التساؤل ويقظة قلق، وعذابات كانت كامنة ومكبوتة قبلها"[1].
وتجمل المؤلفة هذه الصعوبات في ثلاثة أنواع رئيسة؛ أولها صعوبات متعلقة بالهوية، وتتمثل أساسا في العنصرية والاحتقار والنبذ والاستغلال والظلم الذي يشعر به المسلمين في الدول الغربية، وكذا الخوف من فقدان الهوية الإسلامية؛ وثانيها صعوبات متعلقة بالعواطف المتصلة بوجود الناشطين ككائنات بشرية، والمتجلية في شعور المتطرفين بالمهانة، وبأنهم ضحايا الغرب، يجعل منهم أفراد متخلفين. لذلك يعد الإسلام منقذ ومطهر، والانضمام إلى الإسلاموية المتطرفة سبيل إلى تحقيق ذلك؛ وثالثها عناصر متصلة بالشعور بالذنب، وتتمثل في التوبة عن الخطايا والمعاصي التي تتم من خلال "الجهاد".
وقد أتاح تطور وسائل التكنولوجيا الحديثة تحرر الأفراد من القواعد الجمعية المفروضة من طرف المؤسسات الدينية والعائلية، وأصبحوا في مواجهة مباشرة مع العروض الدينية المتنوعة والمختلفة، مما يجعل الهداية أمر شخصي طوعي، كما يجعل أمر التعامل مع النص الديني حبيس الفهم الخاص، لذلك يلاحظ لدى الناشطين المتطرفين تبني الكثير من المظاهر والسلوكيات التي يجهلون أسبابها.
رابعا: في أهداف الانضمام إلى الحركات الإرهابية: الهوية وعناصرها
إذا كانت التفسيرات الكلاسيكية تركز على صدمة الاستعمار، واحتلال الأراضي العربية، والديكتاتورية والفقر، وبالرغم من إقرار الباحثة بأهمية هذه التفسيرات، إلا أنها في إطار تفسيرها لأهداف الانضمام إلى الإسلاموية المتطرفة، تركز على مسائل متصلة بشكل مباشر بذاتية الناشطين، وذلك من خلال عنصر الهوية. وتقدم الشعور بالهوية كمظهر لمشاعر متنوعة؛ كالإذلال والاستياء والشعور بفقدان الكرامة التي تجعل المتطرفين في وضع قلق دائم، ليأتي الانضمام إلى الحركات الإرهابية بمثابة انتقال إلى حياة أفضل، كما تجعلهم يتبنون رد فعل اتجاه الغطرسة والهيمنة الغربية، ويدخلون في عملية تقمص دور الضحية، وتبني "الجهاد" كوسيلة لردع الغرب وحمله على احترام المسلمين. وبذلك، فالجهاد يعبر عن وعي الناشطين بهويتهم والسعي إلى حمايتها، وإعطاء معنى لأنفسهم.
إن المؤلفة تركز على الديناميات الصاعدة الفردية، حيث لا تنظر إلى الفرد كضحية أو معفى من المسؤولية، فـ"عقلانية الناشطين هي التي ينبغي أن تحلل في مقاربة شبه تركيبية"[2]، لكن في الآن نفسه لا تهمل الديناميات النازلة المتمثلة في عمليات التجنيد وغسل الدماغ التي تقوم بها التنظيمات الإسلاموية المتطرفة. إن هناك التقاء بين الديناميات الصاعدة والديناميات النازلة، حيث نية الالتحاق بجماعة إرهابية للحفاظ على الهوية تشكل تربة خصبة تستغلها المنظمات لاستقطاب ودمج الناشطين.
بالرغم من الحذر الواضح للمؤلفة في توظيف المفاهيم، حيث تصر على استخدام الإسلاموية المسماة متطرفة بدل الإسلامية المتطرفة، والإرهاب المسمى دينيا عوض الإرهاب الديني؛ وبالرغم من وعيها بالنقص المنهجي والصرامة الموضوعية التي تعتري الكثير من الدراسات حول الموضوع لاسيما منذ أحداث 11 شتنبر 2001، بشكل يجعلها تكرر العديد من الأحكام المسبقة والتفسيرات النمطية؛ وبالرغم من اعتمادها على مقابلات مع بعض الناشطين، إلا أن المؤلفة سقطت في هفوات منها على الخصوص؛ إعلانها اعتماد مقاربة متعددة التخصصات دون تحديد نوع هذه المقاربة، وهل تشمل جميع العلوم الاجتماعية المذكورة من طرفها، تقول المؤلف في هذا الإطار "كما أن الإرهاب لا يشكل موضوعا لعلم مختص، ويقتضي مقاربة متعددة الاختصاصات: فالعلوم الاجتماعية (العلاقات الدولية، العلوم السياسية، علم الاجتماع، التاريخ على وجه الخصوص) وعلم النفس (علم النفس المرضي، التحليل النفسي)، وعلم الإجرام، تخصص جزءا من أشغالها لموضوع الإرهاب، ومع ذلك فغالبا ما يتطور موضوع الإرهاب بشكل يبعده إلى الأطراف، عند حدود ما تدرسه. ولهذا ستكون المقاربة المفضلة هنا متعددة التخصصات بقدر الإمكان"[3]؛ الاعتماد على مقابلات باحث آخر ويتعلق الأمر بالعينة المستجوبة من طرف "فرهاد خسروخافار" المنشورة في كتابه "عندما تتكلم القاعدة: شهادات من وراء القضبان" الصادر عام 2006؛ "فقد قابل عالم الاجتماع عشرة من الإسلاميين الفرنسيين الذين سجنوا بتهمة تكوين عصابة أشرار بنية القيام بعمل إرهابي. وأقوال حسن وإحسان وموسى ومهدي وكريم ومجيد وحسين- فرانسوا، الواردة في هذه الدراسة مستخرجة من مقابلات السيد خسروخافار"[4]. ودون شك يعد هذا الأمر مخالف لقواعد البحث العلمي إذ إن من أهم شروط هذا الأخير الاعتماد على مصادر أصلية، ومقابلات وأبحاث ميدانية أصلية من إنجاز الباحث، فلا نجد أي معنى في استغلال مضمون مقابلات باحث آخر أجريت في سياق، ولأهداف محددة من طرفه، وما قد يعتريها من نقص أو توجيه أو تحريف.
[1] صوفي فيوليه، الإسلاموية المتطرفة والغرب، ترجمة محمد أحمد صبح، عن دار نينوي للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، 2014، ص 43
[2] المرجع نفسه، ص 21
[3] المرجع نفسه، ص 25
[4] المرجع نفسه، ص ص 25-26