الذكاء الاصطناعي الوصفة السحرية لمواجهة فيروس COVID19
فئة : مقالات
الذكاء الاصطناعي الوصفة السحرية لمواجهة فيروس COVID19
اجتاحت العالم اليوم كارثة وبائية، سببها كائن دقيق، يسعى إلى البحث عن تكاثر ملائم في أبدان، وأجسام، وخلايا العالم الإنساني. إنه فيروس كورونا covid19 الذي لا يفرق بين دولة، أو بين حدود اجتماعية، أو أنظمة سياسية، أو قيم ثقافية، فهو يصيبنا جميعا ويجعلنا سواسية كأسنان المشط في مواجهة هاته الجائحة، فوفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن كل شخص مصاب بالفيروس يمكن أن ينقل المرض إلى 2.6 من الأشخاص في المتوسط، وبعد 10 أجيال من انتقال العدوى تستغرق كل منها 5 أو 6 أيام، هذه الحالة الواحدة تكون قد نقلت العدوى لـ 3500 شخص في غضون أيام قليلة. لذلك أصبح العالم اليوم لا يبحث عن طرق العدوى، أو عن السبيل وراء العلاج، أو عن وسائل الوقاية الناجعة من أجل البقاء المستمر في هذا الكوكب إلى حدود الموت الطبيعي، بل أصبح السؤال هو كيفية التصدي له ونحن على مشارف إنهاء المليار من المصابين بالعدوى في العالم كما تتنبأ بذلك منظمة الصحة العالمية، والسبب في ذلك أن الدول جميعها قامت بإجراء حملات التحسيس بالوقاية، كالحجر الصحي في المنازل والمستشفيات، وغلق الحدود، حتى أصبح الأمر مستفيضا يرهق العقل ويرعب النفس، ومع ذلك لا زال هذا الفيروس الإكليلي ينهب أرواح العالم، ويطيح بأجساده تباعا، بطريقة متضاعفة العدد في كل مرة وفي كل يوم. ليبدأ التفكير في البحث عن طرائق بديلة تعجل مسألة القضاء على هذا الفيروس العنيد المتطفل على أجساد العالم الإنساني، فنظر مجموعة من الخبراء والباحثين في شتى المجالات المختلفة ذات العلاقة بهذا المجال الوبائي، أن احتواء هذه الأزمة والقضاء على الوباء، متوقف على كيفية استخدامنا لتقنيات التعلم الآلي، وخصوصا بعد النظر إلى التجربة الصينية الناجحة. فهل تحول الذكاء الاصطناعي في هذه الظروف من دور العملاق المخيف إلى دور المنقذ؟
لقد وقفت أسلحة الذكاء الاصطناعي في الصف الأول لمواجهة فيروس كورونا المستجد بشكل استثنائي النظير، حيث عملت في المرحلة الاولى من الحرب على تتبع العدوى واحتوائها، فلأول مرة في التاريخ، يتم توظيف تقنيات تعلم الآلة في مجابهة فيروس القاتل، هكذا نجحت الصين في احتواء ما قدره 99 بالمئة من حالات العدوى الفيروسية لتعود الحياة من جديد في إقليم ووهان.
من المعلوم أن سرعة اتخاذ القرار تساهم بشكل كبير في الحد من انتشار الفيروس والتقليل من خطورته، ونظرا لندرة المعلومات عن الوباء الجديد من جانب، وتلكؤ الحكومة الصينية عن توفير المعلومات المحصل عليها، فإن توقيت إعلان منظمة الصحة العالمية عن التقرير مبرر ومنطقي لحاجتها لمعلومات تبني عليها تقريرها.
في التاسع من يناير 2020 أصدرت منظمة الصحة العالمية WHO تقريرا عن تفشي وباء في إقليم ووهان، توقعت المنظمة أنه ناتج عن تناول نوع محدد من المأكولات الحية، في المقابل قامت منصة للمراقبة الصحية كندية الجنسية تدعى BlueDot بإصدار تقرير تحذر فيه شركائها من الوباء بتاريخ 31 دجنبر..، وتعمل منصة BlueDot باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي، لفحص تقارير الأخبار الصادرة عن الوكالات بمختلف الجنسيات، والشبكات المختصة بأمراض الحيوانات والنباتات…، لتكون بذلك فكرة عن الأماكن الموبوءة، والتي من الممكن أن ينتقل إليها الوباء. كما انتهجت منصة BlueDot طريقة ذكية ومبتكر في تعاملها مع الوباء إذ قامت بجمع بيانات من مواقع التواصل الاجتماعي، المنتديات وأيضا من شركات الرحلات الجوية، مكنتها باستعمال تقنيات البيغ داتا (BIG DATA) من تعقب تحرك الأشخاص المصابين بـ 19covid ومعرفة وجهتهم المقبلة، وبالتالي كانت توقعاتهم صحيحة بانتشار الفيروس في بانكوك سيئول وطوكيو.
من بين الوسائل أيضا التي استندت على الذكاء الاصطناعي في مواجهة هذا الوباء في الصين، أن شركتي بايدو (Baidu) - شركة صينية متخصصة بالأنترنت - ومكفي (Megvi)، قامتا بتطوير نظام استشعار حراري، قادر على فحص أكثر من 200 شخص في الدقيقة بدون إعاقة حركة المرور، أو إجبارهم على الانتظار على الطريقة التقليدية التي تعتبر أبطء ب 600، مرة مما يتسبب في الازدحام بها وزيادة انتشار العدوى بشكل مخيف، كما طورت شركة بايدو النظام الذكي، لتعقب المواطنين، والتأكد من ارتدائهم الأقنعة الواقية، واحترامهم لشروط السلامة، بينما طور العملاق الصيني علي بابا نظاما شاملا لمراقبة وتصنيف الأشخاص، ثم تحديد المصابين بالعدوى ليتم نقلهم للحجر الصحي، وطورت (LINKING MED) - شركة صينية تنشط في مجال الصحة - مجموعة من الخوارزميات والبرمجيات، باستعمال الذكاء الاصطناعي، والقادرة على تحليل الصور الطبية للالتهاب الرئوي، وكشف العدوى في ثواني قليل بدقة تصل إلى 92 بالمئة، وهو أفضل وأسرع بمئات المرات من الطريقة التقليدية.
أما المرحلة الثانية من الحرب ضد الفيروس، فكان تطوير اللقاح ومعالجة العدو، من خلال نموذج Alfa Fold من جوجل الذي هو نتاج تجارب ودراسات العديد من السنوات، استعملت فيها قاعدة بيانات ضخمة، بالإضافة إلى النموذج المطور من بايدو، حيث يسعيان إلى تحديد بنية RNA الثانوية للفيروس، مما يساعد على فهم أفضل لآلية انتشاره، وبفضل ميكانيزمات الذكاء الاصطناعي، التي تمكن العلماء من تخفيض الزمن اللازم لتوقع البنية الثانوية لفيروس COVID19 من 55 دقيقة الى 27 ثانية فقط؛ أي تسريع العملية بنحو 220 مرة. أما بخصوص تطوير العلاج، فإن مؤسسة إنسيليكو قامت بتطوير شبكتها الاصطناعية، باستخدام نموذج GANلتجربة جميع التركيبات المحتملة للوصول إلى لقاح للفيروس. أما مؤسسة BenevolentAI فقد توصلت بالفعل إلى تركيبة محتملة في علاج العدوى أطلقت عليها Baricitinib ما تزال في فترة التجربة. في هذه اللحظة أيضا، يعمل أكثر من 100 مختبر وشركة عبر العالم لتطوير عقارات، ولقاحات، باستعمال تقنيات التعلم العميق Deep learning كمثال الصين وكوريا، فقد تم وضع أكثر من عقارات ولقاحات، تحت التجربة لقياس مدى فعاليتها في مقاومة العدوى.
تبقى المرحلة الثالثة، هي إيصال الإمدادات الطبية وتعميمها، سواء أكان قبل أو بعد اكتشاف لقاح لهذا الفيروس، فإن إيصال الإمدادات الطبية، وتوزيعها في المناطق الموبوءة مسألة مهمة وضرورية، للحد من تفشي الفيروس، وهنا يأتي دور الروبوتات والمعدات الأوتوماتيكية، التي تشتغل بتقنيات الذكاء الاصطناعي ونذكر على سبيل المثال دائما كتجربة ناجحة الصين، وكوريا، واليابان هاته الدول التي طورت نوعا جديدا من الدرونز (DRONES) لتوصيل العلاج والإمدادات الغذائية، وتوزيعها على مختلف الأقاليم والجهات. كما تم تطوير مجموعة من الروبوتات لعمل كشف الحجر الصحي، وتغطية النقص في عدد الأطباء والممرضين، هذه الآليات التي تساعد في تسريع عملية التشخيص دون تعريض مزيد من الأشخاص للعدوى.
هكذا، وبهذه المراحل الثلاث التكتيكية المعتمدة على الذكاء الصناعي، عملت الصين على احتواء الوباء، والانطلاق من جديد في حياة طبيعية لمواطنيها دون تسجيل حالات داخلية، فأصبح الأمر اليوم بالنسبة إليها تحد خارجي، تنظر فيه إلى محاولة منع الحالات الوافدة من المناطق الأخرى، ولعل أكبر دليل على نجاح هذه التجربة التكنولوجية الموظفة للذكاء الصناعي، ذلك الاعتراف العالمي للدول بما فعلته الصين حيث وصفته منظمة الصحة العالمية بالإجراء الذي لا نظيره له حتى الآن، لا من حيث الإجراءات التي قامت بها الدولة، ولا من حيث الاستجابة السكانية الشعبية، ولا من حيث أيضا التناغم مع الوسائل التكنولوجية والروبوتات ووسائل الذكاء الصناعي، الذي برهنت الصين على التمكن منه وفيه مقارنة مع غريماتها الدول المتقدمة الأخرى، كما أن الصين لم تكتفي بذلك، بل ارتأت أن تشارك تجربتها في مقاومة هذا الوباء، عن طريق إرسال بعثات طبية صينية إلى الدول الأكثر تضررا وارتقاء في سلم انتشار العدوى عبر العالم، ومن بين هذه الدول نجد إيطاليا، هكذا استطاعت الصين أن تصنع للعالم وصفة سحرية لمواجهة فيروس الكورونا الجديد COVID19، أساسها الذكاء الاصطناعي.