الربيع العربي و عسكرة الاستشراق
فئة : مقالات
خلُصَ الكاتب "خيري منصور" إلى أنّ الاستشراق انتقل نقلة نوعية من كونه استشراقاً فكرياً إلى كونه استشراقاً عسكرياً، مُستعيناً بأدواتٍ عسكرية حديثة كالبوارج و الطائرات و الصواريخ...الخ. و لم يعد المستشرق متخفياً بلباس مُبشّر أو عالِم أو طبيب، بل أصبح متخفياً بلباس جنرال.
وكان الكاتب خيري منصور قد قسّم محاضرته إلى محورين: تناول في الأول التطوّر التاريخي لفكرة الاستشراق، و في الثاني ربط بين الربيع العربي الحالي و عسكرة الاستشراق؛ أي تحوّل الاستشراق من الدراسات الفكرية إلى البوارج والطائرات والصواريخ.
و في بداية الندوة التي عُقدت في (مؤسسة عبد الحميد شومان) في العاصمة الأردنية عمَّان تحت عنوان (الحراك العربي و عسكرة الاستشراق) والتي أدارَ جلستها الدكتور "تيسير أبو عرجة" أشار "خيري منصور" إلى بدايات الاستشراق، مُستعرضاً لأبرز معالم الاستشراق –كنوعٍ من السرد التاريخي- ليس للشرق بصفته شرقاً من حيث هو كذلك، إنما للشرق بصفته "بدعة غربية" بلغة إدوارد سعيد. ففي الوقت الذي كُتِبَ فيه على ما يزيد عن 60 ألف كتاب عن الاستشراق لا يتم تداول – في العالم العربي- إلا بضعة كتب من هذه الكتب، و في هذا مؤشر خطير على ما يمكن أن يخطّط لنا و لا ننتبه إليه.
و كتأصيلٍ فكري لموضوعة الاستشراق، فقد انبثقت الفكرة الاستشراقية من فكرة (الصياد و الفريسة) –حسبما أشار خيري منصور-، فلكي يُملي الصياد شروطه على الفريسة، كان عليه أن يتماهى مع الشكل الخارجي لفريسته، فإذا ما أراد أن يصطاد نمراً فما عليه إلا أن يتدثر بجلد نمر –لغاية التماهي- من أجل تسهيل مهمة التعرّف على عادات النمر والاطلاع على تفاصيل حياته من الداخل لا من الخارج، و بالتالي تسهيل مهمة اصطياده.
و هذا ما حدث مع المُسْتَشْرِق بإزاءِ الشرق، فقد لبس لباسهم و تماهى مع منظومتهم من الخارج بهدف سبرهم من الداخل؛ فمثلاً "نابليون" لبس لباس المسلمين في مصر و"لورنس العرب" لبس لباس البدو في الأردن، بهدف التعرّف عليهم من الداخل وتحويلهم إلى موضوع دراسة وتحليل وما إلى ذلك.
و قد جاء المحور الثاني عن الربيع العربي و علاقته بالاستشراق الحديث: الاستشراق العسكري؛ فقد لفت منصور إلى أنّ الربيع العربي الحالي ما هو إلا مؤامرة غربية خطّط لها منذ مدة طويلة، وها هي تنفّذ الآن بأدواتٍ استشراقية عسكرية، والغاية النهائية لهذا الاستشراق الجديد هو تفتيت الوطن العربي إلى 78 دويلة صغيرة ؛ حيث لا تصبح مساحة أية دويلة من هذه الدول أكبرُ مساحةً من إسرائيل، و بالتالي تبقى الغلبة لإسرائيل على بقية دويلات المنطقة العربية.
و لقد أسهم العرب –بحسب الكاتب- في مساندة الاستشراق، وجعله يأخذ مداه الاستعماري. وقد استشهد الكاتب بأمثلة من استعانة العربي على أخيه العربي بالآخر والأجنبي، و ضرب على ذلك بعدّة أمثلة منها:
استعانة امرئ القيس بالآخر على أقربائه.
قصيدة للشاعر مصطفى كامل في مدح الإنجليز رغم احتلالهم لمصر.
قصيدة للشاعر حافظ إبراهيم في مدح الإنجليز في العام 1914.
كذلك قصائد لأحمد شوقي وعلي الريماوي و إسكندر الخوري وحافظ عفيفي باشا...الخ، في مدح المستعمر والإشادة به.
و هكذا أسهم المُسْتَشْرَق في تعزيز وجهة نظر المُسْتَشْرِق، من خلال تأكيده على مقولة "الشرق بدعة الغرب" وليس الشرق من حيث هو إبداع شرقي. و الربيع العربي بمسمّاه هذا، لم ينفصل عن المنظومة الاستشراقية بصفته عملاً مُخططا عليه، و ما على الشرق إلا تنفيذه.
لكن هذا التوجّه من قبل الكاتب قوبل بالنقد من قبل بعض الحضور؛ فقد رأى البعض في رؤية الكاتب خيري منصور رؤية استسلامية لنظرية المؤامرة التي هربت دائماً إلى مفهوم إسقاطي استلهاماً لعجز ذاتي عن مواجهة الواقع. فما يحدث في العالم العربي والمُسمّى بالربيع العربي ما هو إلا استنطاق واع للاوعي القهر و الاستبداد الذي مُورِسَ في حقّ الإنسان العربي منذ عقود طويلة، إلى حد لم يكن ثمة مناص من الانفجار. فالإنسان العربي الذي عانى الظلم و الاستبداد لعقود طويلة و ناضل صبراً علّ و عسى أن ينصلح الوضع إلا أن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث؛ لذا كان لا بد من الانفجار والانتقال من مرحلة الظلم و الاستبداد إل مرحلة الربيع العربي. وأن إبقاء الوضع على ما هو عليه درءًا لخطر استشراقي يروم تفتيت المنطقة، ما هو إلا تأكيد على عقلية تُبرِّر للظلم و الاستبداد، و ترتهن إلى وضع قائم، و إن اللجوء إلى مقولات جاهزة لن يوصل إلى نتيجة، فلطالما لُجِأ إلى مقولات جاهزة للتحايل على التحرّر من نير الاستبداد، مثل (الأجندات الخارجية) و (نظرية المؤامرة) و (التعامل مع الآخر الإمبريالي)..الخ. فالحاكم أصلاً ليس بمعزلٍ عن ارتهانات خارجية لأنه لا يعيش في عالم معزول، لكن الوضع ينقلب على المحكوم في حال أراد التحرّر، فما هو حلال للحاكم يصير حراماً على المحكوم، فهو محض هامش في متنٍ عروبي متين!.
* معاذ بني عامر باحث أردني