السوق الديني والصراع على استملاك خيرات الخلاص: "رؤى نظرية"
فئة : أبحاث محكمة
ملخّص:
على الرغم من عدم كفاية المفاهيم الاقتصادية في التعاطي مع الظاهرة الدينية إلى الآن، إلا أن المتأمل في حقل الدراسة السوسيولوجية للظاهرة الدينية يجد أن المعجم الاقتصادي السياسي قد أُدخل بكامله عليه. فبتنا نتحدث عن سوق دينية تلعب فيها قوى اجتماعية دور المنتج والمعلب والموزع، وتقوم أخرى بدور المستهلك، وتتحكم ثالثة في ديناميات عمل هذا السوق برمته؛ لنصبح في نهاية المطاف أمام سوق للأفكار والمعتقدات والأيديولوجيات كاملة الأركان تتحكم فيها ليس فقط القوى الاجتماعية والسياسية الوطنية والمحلية، ولكن أيضًا القوى الإقليمية والدولية كذلك، حيث تخضع هذه السوق - كما السوق الاقتصادية تقريبًا - لنفس المحددات والعوامل القومية والإقليمية والدولية في تسيير عملها ضمن بنية دولية لتقسيم العمل وتوزيع الأدوار.
ووفق ذلك، يضع آدم سميث في كتابه ثروة الأمم الأساس النظري للسوق الدينية، فيزعم أن المصلحة الذاتية هي التي تدفع الإكليروس وتوجهه كمنتجين علمانيين، وأن السوق يجبر الكنائس ويضع عليها قيودًا، باعتبارها مؤسسات علمانية واقتصادية رمزية، كما يزعم أن المنافع المتنافس عليها والاعتبارات الاحتكارية ومخاطر التنظيم الحكومي واقعة في مجال السوق الديني كما هو الحال في أي قطاع اقتصادي آخر.
وتتركز معظم الأعمال المبكرة المتعلقة بالاقتصاديات الدينية على التنوع والتعددية الدينيين، باعتبارهما مؤشرين للمنافسة داخل السوق الديني. وعلى النقيض من النظرية الاجتماعية التقليدية التي كانت تنظر إلى التنوع والتعددية الدينية باعتبارهما يشكلان تآكلًا لمعقولية الاعتقاد الديني المعترف به، وبالتالي يضران بالتدين العام للمجتمع، ترى النظريات الحديثة في التنوع الديني ميزة مفيدة للقوة الإجمالية الكلية للمجموعات الدينية، حيث نجدها تؤكد أن التنوع الديني يمكنه أن يعزز هويات الجماعة الدينية، لأن هناك مجموعات دينية خارجية متاحة يمكنها هي الأخرى تحديد هوية الفرد وتعزيزها كعضو فيها، ومن هنا يصبح التنافس أساسًا في تدعيم الهويات وصيانتها، لأن الفرد في العصر الحديث بات أكثر حرية في الانتقاء والاختيار، فضلًا عن كونه بات أكثر عقلانية وبرجماتية.
وبحسب بورديو يتوزع رأس المال الديني بشكل غير متساوٍ وفقا لبعد الفرد أو قربه من مركز إنتاج التفسيرات والمعارف الدينية، تلك التي تشكل جوهر الرأسمال الديني، حيث يفرز الحقل الديني منتجين لهذه المعارف يرتبطون بالمؤسسة الدينية وكذلك مستهلكين لهذه المعارف. إنهم الأفراد العاديون الذين يستهلكون ما يُلقى عليهم من الخبراء المنتجين لهذه المعارف، ومن ثم يتجمع الرأسمال الديني عند الفئة الأولى، وتكاد تُحرم الثانية من هذا التراكم الديني.
وتأسيسًا على ذلك، سوف نحاول تطبيق مفهوم السوق الديني على دراسة الخطابات الدينية، باعتبارها سلعا معروضة في سوقٍ للأفكار الدينية محاولين - نظريًا - تبيان أثر التنظيم الحكومي للسوق الديني، أو قل أثر تدخل الدولة في إدارة خيرات الخلاص على نوعية وجودة السلع / الخطابات الدينية المطروحة في السوق. وفي ضوء مقولات نظرية الاختيار العقلاني، سوف نحاول تاليًا كشف العلاقة بين السلع الخلاصية (الخطابات الدينية)، وبين أسعارها في السوق (أي كلفة الانخراط في أحد هذه الخطابات) بالنظر إلى بنية التفضيلات وهرمية الحاجات الفردية. وفي النهاية، سنحاول الكشف عن العلاقة الجدلية بين التعددية الدينية، وبين كلفة الانخراط في السوق الدينية عمومًا.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا