السياسة (المدينة) وجهل الأغلبية: قراءة في كتاب تدبير المتوحد لابن باجة
فئة : قراءات في كتب
تقديم
تحتل صورة سقراط في تاريخ الفلسفة، وضعًا متميزًا، يختلط فيه الأسطوري بالتاريخي[1]. فسقراط، أنموذج الفيلسوف الذي مارس الفلسفة والسياسة في جميع الساحات والأمكنة[2]. وسقراط صورة الفيلسوف الذي "حكم عليه بالإعدام" على الرغم من ظلم القوانين. ويشكل سقراط لحظة توتر كبرى، بين الفيلسوف والمدينة Polis. وإذا كانت تهمة سقراط، حسب أعدائه، تتمثل في إفساد عقول الشباب، وشتم الآلهة؛ فبعضهم يرى أنّ تهمته الحقيقية هي: التعبير عن مواطنة مفرطة في الغيرة، أي الغيرة على مصلحة المدينة. ومن مظاهر تلك الغيرة، الحذر من نمط الحكم السياسي، أي من الديمقراطية الإغريقية. وهو حذر، سيتكرر صداه في كتابات أفلاطون وأرسطو. فأفلاطون، اعتبر الديمقراطية (في كتاب الجمهورية) درن المدينة الفاضلة؛. بل هي تعبير عن انحراف للدولة الفاضلة. أما أرسطو (في كتاب السياسة، الكتاب الثالث) فلا يميل أيضًا إلى الديمقراطية. إنّ الديمقراطية الإغريقية، كما عاشها وعايشها الفلاسفة اليونان - نظام يقوم على الحرية، ويطمح إلى تحقيق حكم الأغلبية / الشعب Demos. إلا أنّ حكم الأغلبية، في غياب المعرفة، لا يمكن أن يعطي سوى الظلم الناتج أساسًا على الجهل. وهذا ما عبر عنه أفلاطون في صيغة تساؤل: كيف يمكن تحقيق العدالة في غياب إدراك حقيقي لماهية العدالة؟ (كتاب الجمهورية). إنّ عدم تحمس الفلاسفة السابقين للديمقراطية، نظامًا سياسيًّا، ليس بسبب الأسس والغايات التي يرومها هذا النظام؛ بقدر ما يرجع ذلك الحذر إلى "جهل الأغلبية" الحاكمة. إنّ أكبر خطر على الديموقراطية كما يرى أرسطو - هو الديماغوجية، وهيمنة الطبقة المتواضعة على السلطة[3]. فليس من الصعب اختراق الديمقراطية في غياب تعليم الجمهور وإشاعة المعرفة، ويستحيل بناء نظام ديمقراطي قائم على الاعتقاد بصحة آراء الأغلبية مقارنة مع الأقلية، إذا لم يتم تعليم الشعب كيف يفكر[4]. لذلك، جعل أرسطو من التربية -البيداغوجية فعلاً متممًا ومؤسسًا، للفعل السياسي، فجاء كتابه في السياسة جامعًا بين الأمرين معًا.
في العالم العربي- الإسلامي، يمثل ابن باجة - أبو بكر بن الصائغ - صورة شبيهة إلى حد ما بصورة سقراط، مع بعض الاختلافات[5]، فابن باجة مارس السياسة فعلاً وقولاً، ولمدة ليست بالقصيرة[6]. وقد عايش ابن باجة، لحظات عصيبة من التاريخ الإسلامي-الأندلسي: انهيار حكم الطوائف في الأندلس. وعاش توترًا نفسيًّا وسياسيًّا وفكريًّا انتهى باغتياله. لم يكن ابن باجة ضحية ظلم الأغلبية "الجاهلة" فحسب، بل كان أيضًا ضحية تداخل سلطتين: السلطة السياسية والسلطة الفقهية[7]. سلطتان غايتهما في أغلب الحالات، غاية ذات طبيعة عملية - نفعية؛ وكثيرًا ما تتبادلان المصالح، لتأثيرهما معًا في الأغلبية-الشعب، خصوصًا في لحظات الحرب، والحاجة إلى المال والرجال. لذلك يقول عبد الواحد المراكشي، ملخصًا أهم سمات هذه المرحلة التاريخية: "ولم يكن يقرب من أمير المؤمنين، ويحظر عنده، إلا من علم علم الفروع[8]"، مع نوع من المغالاة في الجزئيات الفقهية[9].
إنّ ابن باجة، مثل سقراط، لم يختر الانسحاب من المعركة الفكرية[10]، ومن المسؤولية السياسية، ومن التزام الفيلسوف، بل انخرط بكل قوة في هموم المرحلة بنوع من الحرقة والأسى، وتلك دلالة على المواطنة الغيورة والجريئة. في ظل هذه الظرفية التاريخية، عاش ابن باجة، وأمامه السؤال القوي - إذ قوة القول في قوة السؤال ـ: كيف يتعايش الفيلسوف مع محيط ليس العقل فاعلاً فيه، ولا مؤسسًا له، في محيط يرسم غايات ليست هي غايات العقل؟ ليس أمام الفيلسوف إلا الاحتمالات الآتية: 1- الرجوع إلى الوراء، والبحث عن أنموذج فلسفي حدث في التاريخ وهو أمر لم يقع 2- الفرار إلى الأمام عبر تصور المدينة الفاضلة (كما فعل أفلاطون والفارابي) 3- الدعوة إلى ممارسة العنف ضد المدن الفاسدة 4- اختيار الطريق الصوفي القائم على الانفصال بين وطنين: الوطن الواقعي (الفاسد) ووطن للذاتية -الروحية 5- اختيار الانزواء الذاتي الفكري-العقلي، وتعايش الذات مع الوطن الواقعي، لحظةً ومرحلةً مؤقتة، يبدأ فيها تأسيس الذات والوعي بها.
لم يكن ابن باجة، ليتجاهل التجارب السابقة عليه سواء في بعدها التاريخي أو الفلسفي؛ فكان اختياره على الرغم من مشائيته الأرسطية المؤمنة بفكرة الإنسان "الحيوان الاجتماعي بالطبع"، التوحد، والوحدانية وهو الموقف الذي جسده كتابه "تدبير المتوحد".
أهم تمفصلات كتاب تدبير المتوحد
1- دلالة "التدبير" و"المتوحد"
1-1- دلالة التدبير: يشير ابن باجة إلى لفظة التدبير في لسان العرب والتي تقال على معان كثيرة، لم يقدم منها ابن باجة إلا أشهرها[11]، وهي: ترتيب أفعال نحو غاية مقصودة[12]. إنّ هذا التعريف الذي اختاره، وقدمه يتألف من ثلاثة حدود: الترتيب - الأفعال - الغاية. على أنّ مغزى التدبير بوصفه ترتيبًا، إنّما هو فصل خاصية إنسانية بامتياز.
1-2- دلالة المتوحد: يقدم ابن باجة مرادفين للمتوحد، فهو غريب، ونابت[13]. هو نتيجة وجود المدن الفاسدة، بخلاف الفارابي الذي اعتبر النوابت / النابت، فردًا أو أفرادًا مخالفين وخارجين عن آراء أهل المدينة الفاضلة[14]
إنّ متوحد ابن باجة هو الفيلسوف الحكيم، الذي يبحث عن سعادته الذاتية، في المدن الفاسدة التي لا تعرف إلا الشقاء[15]. إنّه صاحب رأي صادق في مدينة ضالة[16]. لذلك، فهو غريب في وطنه، غربة الرأي السديد الصائب وسط الجماعة الجاهلة والفاسدة. إنّها غربة فكرية، لا علاقة لها بالبعد الاجتماعي ولا السياسي. وداخل هذه الغربة، يدبر المتوحد حياته الفردية، ليجنبها آفات الجماعة[17]. إذن فهو متوحد وغريب، يقبل العيش ولا يفضل الموت، مع الاعتقاد بإمكانية تحقيق الفرد لسعادته في الأرض وليس في عالم آخر.[18]
يطرح، في سياق الحديث الباجوي عن المتوحد، سؤال أولي: كيف يتحدث ابن باجة عن متوحد، وهو الأرسطي، المطلع على كتابات أرسطو التي تؤكد أنّ خير الفرد وسعادته تابعان لسعادة المدينة؟ يمكن الاكتفاء بتقديم إشارتين، الأولى: اعتراف ابن باجة بأنّ الإنسان هو كائن اجتماعي بالطبع، لكن الحديث عن تدبير المتوحد، جاء نتيجة ضرورة جعلت هذا الإنسان / المتوحد، يلحقه أمر يخرجه عن طبعه، أي الطبع الاجتماعي، ويجعل أمر تدبير ذاته، شرطًا لا بد منه لينال أفضل وجود في المدن الفاسدة. إنّه مثل الفرد الذي ينصحه الطبيب بحفظ صحته الخاصة.
الإشارة الثانية: إنّ هذا المتوحد - الذي جاء نتيجة فساد المدن - هو الذي سيكون سببًا في حدوث المدينة الكاملة[19]. وهذه الإشارة تدفع إلى القول بأنّ لحظة "تدبير المتوحد لحظة مؤقتة في أفق العمل على إعادة بناء الوعي بالذات، والتأثير في وعي الآخر"[20]، وفي أفق "تعميم" العقل وانتشاره، فاعلاً، وغايةً داخل المدينة. ذلك وحده، هو شرط تحقق الإنسانية، وأفول ظاهرة المتوحد، وذلك أيضًا هو شرط تجسيد الفعل الإنساني في الواقع. لكن، ما يسود - في زمان ابن باجة- ويفرض على الفيلسوف الوحدة والتوحد، غياب العقل، وهيمنة اللاعقل، أو بتعبير ابن باجة انحطاط الإنسانية إلى البهيمية.
2- القول في الفعل البهيمي والفعل الإنساني:
يشكل الحديث عن الفعل البهيمي والإنساني - باعتباره علاقة جد متوترة، قضية ذات مكانة هامة في فلسفة ابن باجة، تخترق مباحث متعددة، فلسفية وسيكولوجية ومعرفية، وأخلاقية-سياسية وطبيعية. وعليه يمكن أن نميز بين ثلاثة مجالات أساسية:
2-1- المجال الطبيعي-الفيزيائي
يتحدد المجال الطبيعي -الفيزيائي بمحددات موضوع العلم الطبيعي. فإذا كان موضوع هذا العلم، هو الجسم الطبيعي[21]، فإنّ مجال البحث ينحصر في الجسم بوصفه مركبًا من مادة وصورة[22]. إنّ الغاية من الحديث عن العلم الطبيعي، هي بلوغ لحظة انكشاف المتحرك وظهوره من تلقائه خاصيةً يتميز بها الحيوان، من حيث هو جسم طبيعي، من بين جملة الأجسام الطبيعية الأخرى. وعندما يبحث العلم الطبيعي، عن مبدأ الحركة والسكون فإنّه يجده في مفهوم "الروح الغريزي"، وهو الذي يحرك الحيوان بشكل تلقائي، ولهذا وجد الحيوان متحركًا من تلقائه[23]. والواضح، أنّ الحركة هنا هي الحركة في المكان، مادامت الحركات الأولى توجد لباقي الأجسام الطبيعية[24].
2-2- المجال البيولوجي والسيكولوجي
إذا كان المجال الأول ركز على الجسم الطبيعي المتحرك، فإنّ هذا المجال ينظر إلى الجسم الطبيعي من جهة أنّه جسم طبيعي حي، إذ يظل الجسم الطبيعي هو الموضوع، لكن باختلاف لواحقه وفصوله، تختلف جهات النظر، وبالتالي تختلف العلوم الجزئية التي تتناوله، ويلخص ابن باجة هذه الاختلافات واللواحق، في قوله، وكل إنسان فإنّه يشارك الجمادات في أمور، وكل حيوان فإنّه يشارك الحي فقط في أمور، وكل إنسان فإنّه يشارك الحيوان غير الناطق في أمور، فالحي والجماد يشتركان فيما يوجد للأسطقس الذي ركبا منه وذلك مثل الهبوط إلى أسفل طوعًا والصعود إلى فوق قسرًا (...) وكذلك يشارك الحيوان الحي في هذه، إذ هما من أسطقس واحد، ويشاركه أيضًا بالنفس الغاذية والمولدة والنامية في أفعالها. وكذلك يشارك الإنسان الحيوان غير الناطق في كل هذه ويشاركه في الحس والتخيل والتذكر[25].
إنّ أول مفهوم يطرحه ابن باجة، في هذا النص، والذي يمكننا فعلاً من الانتقال من مجال فيزيائي إلى مجال بيو-سيكولوجي هو مفهوم الحي، وهو مفهوم يجعل الإنسان كجسم حي، ويخضع لحتميات بيولوجية، فلكي يحفظ نوعه ويعمل على استمراره زودته الطبيعة بهذه القوى التي لا دخل له فيها ولا اختيار.
لكن، باعتبار الإنسان جسمًا طبيعيًّا حيًّا، ومتحركًا - كما هو الشأن بالنسبة إلى الحيوان بشكل عام - فقد مدته الطبيعية، أثناء الحركة المكانية، بقوى وآلات تساعده في التعرف على الغذاء وحفظ الذات من الأخطار، وهي خاصة يتميز بها كل الحيوان. وهي القوى المسماة بالحواس الخمس- كما تقدمها فلسفة أرسطو خصوصًا كتاب الحس والمحسوس وكتاب النفس - مع امتياز واضح لحاسة اللمس، وهو ما يؤكده ابن رشد أيضًا[26]، بل يذهب إلى أنّ حاسة اللمس هي الأصل في تمييز الإنسان وذكائه[27].
إنّ الحواس، هي من قوى النفس وآلاتها، وبالتالي فهي، في الحقيقة ليست لخدمة الجسم، على القصد الأول بل لخدمة النفس. وذلك لأنّ النفس هي استكمال أولي لجسم طبيعي آلي[28].
وفي كيفية خدمة الحواس للنفس، تبرز فيما تقدمه هذه الحواس من معطيات تفيد في عمل قوى نفسية أخرى، مثل الحس المشترك، والطبيعة المتخيلة، والتذكر والحفظ. وأغلب هذه القوى، والآلات النفسية يشارك فيها الإنسان الحيوان. إلا أنّ الإنسان يتميز عن غيره، بأنّ له القوة الفكرية[29]. ولما كانت النفس تعرف بقواها، والقوى تعرف بالأفعال، فإنّ الأفعال الناتجة عن القوة الفكرية هي الأفعال التي تكون للإنسان بالاختيار، أما ما عداها، فهي أفعال تغلب عليها الضرورة والاضطرار[30]، إما بسبب المحددات الفيزيائية أو البيولوجية، بل حتى القوى النفسية، السابقة فهي قوى يغلب عليها طابع الانفعال، بسبب المؤثرات الخارجية الحسية، ويظهر ذلك أساسًا في الشهوة والتخيل. والملاحظ أنّ القوى النفسية – حسب ابن باجة - تختلف في الغاية، من الإنسان إلى الحيوان، فهي لدى الحيوان تقف على تحقيق اللذة واجتناب الألم؛ أما عند الإنسان، فإنّ هذه القوى تتعاون لخدمة القوة الفكرية أو الناطقة[31]. إنّ الخلاصة الأساسية التي يطلبها ابن باجة من خلال ما سبق هي: أنّ إنسانية الإنسان لا تتحقق فعليًّا إلا عند اكتمال القوة الفكرية[32]. والقوة الفكرية دالة عند ابن باجة على الخروج من دائرة المشروط إلى اللامشروط ومن الضرورة والانفعال إلى الفعل والاختيار والأهم أنّها لحظة الانفصال النهائي بين الفعل الحيواني والفعل الإنسان، أو لنقل بلغة هيغيلية الاحتواء والتجاوز.
2-3- المجال الأخلاقي-السياسي
لقد تبين في المجال السابق، أنّ ميزة الفعل الإنساني تظهر في البعد الاختياري لهذا الفعل، وهو اختيار وليد الروية[33]. والروية، هي القوة التي تبعد الفعل الإنساني عن تأثيرات النفس البهيمية الحيوانية، دون أن يعني ذلك أنّ الإنسان يصبح فارغًا من أي محتوى حيواني. بل المقصود، أنّ الروية تلعب دورًا "علاجيًّا" و"تطهيريًّا" و"توجيهيًّا، وليوضح ابن باجة الفرق بين الفعلين، يقدم مثالاً دالاًّ فيقول: "ومثل من يكسر حجرًا ضربه أو عودًا خدشه لأنّه خدشه فقط، وهذه كلها أفعال بهيمية. فأما من يكسره لئلاّ يخدش غيره، أوعن روية توجب كسره فذلك فعل إنساني"[34] فعلى الرغم من أنّ النتيجة واحدة في الفعلين معًا، إلا أنّ الدوافع تختلف. فهناك، في الحالة الأولى، دافع نفسي ناتج عن انفعال مرتبط بالألم؛ وفي الحالة الثانية، هناك دافع يأتي وليد التفكير والتدبير، ويروم غاية معينة وهي تحقيق الخير العام. لذلك يقول ابن باجة "فالفعل البهيمي هو الذي يتقدمه في النفس الانفعال النفساني فقط - مثل التشهي أو الغضب أو الخوف أو ما شاكله؛ والإنسان هو الذي يتقدمه أمر يوجب عند فاعله الفكر"[35]. ولذلك، فالروية إنّما تكون دائمًا نحو غاية محددة، وهي الخير على الإطلاق[36].
والملاحظ أنّ ابن باجة، وهو يحدد ما يميز كل فعل عن الآخر، يستحضر كل ما قيل في المجالين السابقين: فالانفصال يدل على الضرورة، وغياب الاختيار والحرية سواء بالنسبة إلى الجسم بوصفه جسمًا طبيعيًّا، أو جسمًا حيوانيًّا يقع خارج ذات الإنسان، بل هو تفاضل داخلي، يقع داخل الذات، ككل مركب مما هو فيزيائي، بيو-سيكلولوجي، ذات واحدة تجتمع فيها كل العناصر السابقة. غير أنّ تحقق الفعل واقعيًّا، يكشف عن الفاعل الحقيقي، والمحرك الأول في الإنسان، وهو إما القوة الفكرية، أو قوى ما قبل-الفكرية. واعتبارًا لما سبق، يمكن أن نصنف الفعل الإنساني بشكل عام إلى ثلاث مراتب: الأول: فعل بهيمي خالص أي مجرد انفعال. الثاني: فعل بهيمي بالذات لا يحضر فيه الإنسان الحقيقي إلا بالعرض أو بعبارة أخرى بهيمي من حيث الدوافع الحقيقية، وإنساني من حيث المظهر الخارجي. الثالث: فعل إنساني خالص.
إنّ الصنف الثاني من الأفعال هو الذي يشكل الأغلبية من الناس، ومنه تتشكل الظاهرة السياسية، لذلك نجد الفعل الإنساني في المدن، لا يخلو مما هو بهيمي من جهة المحرك والغاية. وهذا التداخل بين الفعلين أمر حتمي، مادام التجمع المدني يستلزم حدًّا معينًا من التدبير- أي من الروية والتفكير، غير أنّ الغاية من هذا التدبير هو تحقيق أهداف بهيمية. وتجليات هذا التداخل، حسب ابن باجة- تظهر في المدن الأربع الفاسدة. وهي المدن التي تناولها ابن باجة في كتاب يحمل عنوان: "العلم المدني" ويحيل عليه في كتاب تدبير المتوحد غير أنّه كتاب مفقود، فلا ندري هل هو تلخيص لكتاب السياسة لأرسطو، أم لأفلاطون، أم للفارابي، أم أنّ ابن باجة قدم فيه تصورًا خاصًّا به. لذلك سنحاول تتبع أهم ملامح هذه المدن الأربع الفاسدة انطلاقًا مما كتبه الفارابي لاعتبارين، أولهما: إنّ القول بوجود أربع سير أو مدن فاسدة هو قول يتكرر ويحضر عند الفارابي[37]. الاعتبار الثاني، هو احتفاظ ابن باجة بأسماء المدن الفاسدة نفسها مثل: المدينة الجماعية، مدينة التغلب. ويقسم الفارابي المدن الفاسدة، المضادة للمدينة الفاضلة (أو الأمامية)[38]، إلى أربع مدن وهي: المدينة الجاهلية، المدينة الفاسقة، والمدينة المتبدلة وأخيرًا المدينة الضالة.
1- المدينة الجاهلية، وهي التي لم يعرف أهلها السعادة، وكل ما عرفوه هو مجرد غايات جسمانية ولذات حسية، وعليه فإنّ تحقيق هذه اللذات هو السعادة، والحرمان منها هو الشقاء. وهذا ما يبرر قول ابن سينا: "ولهذا يجب أن لا يتوهم العاقل أنّ كل لذة فهي كما للحمار في بطنه وفرجه"[39].
2- المدينة الفاسدة لها آراء المدينة الفاضلة من علم بالسعادة ومعرفة الله والعقل الفعال، إلا أنّ أفعالها أفعال أهل المدينة الجاهلية.
3- المدينة المتبدلة، وهي مدينة كانت آراؤها وأفعالها في القديم مطابقة لآراء المدينة الفاضلة وأفعالها، غير أنّها تبدلت وتغيرت آراؤها وأفعالها.
4- المدينة الضالة، مدينة تؤمن بوجود السعادة بعد هذه الحياة، لكن لها آراء فاسدة الاعتقاد بالله والعقل الفعال[40].
إنّ ما يقدمه الفارابي من معطيات نظرية عن هذه المدن، لا يمكن إلا أن يدعم أطروحة ابن باجة القائمة على فكرة فساد المدن، إما لغياب دوافع فكرية (أي الجهل)، أو لأنّ الغايات المرسومة غايات بهيمية؛ من قبيل إشباع اللذات، أو تحقيق الغلبة والشهرة. وأنّه وفي جميع الحالات، لا يخلو الفعل البهيمي من فعل إنساني وإن كان بالعرض.
وعلى الرغم من نقد ابن باجة للبعد الشهواني والجسمي، فإنّه مع ذلك، لا يصل إلى حد إقصاء الجسم، ولا يطالب بإفناء الجسمية من أجل الروحانية "فبالجسمانية هو الإنسان موجود، وبالروحانية هو أشرف، وبالعقلي هو إلهي فاضل"[41]. وهو موقف أكده الفارابي، عندما طالب الفاضل بعدم استعجال الموت "بل ينبغي عليه أن يحتال في البقاء ما أمكن ليزداد من فعله ما يسعد به، ولئلا يفقد أهل المدينة نفعه لهم بفضيلته"[42]. ومن الواضح أنّ صنف الإنسان العاقل أفراده قليلون جدًّا، إن لم نقل هناك فرد واحد فقط، وهو المتوحد الفيلسوف. ومن المنطقي أنّ هذا المتوحد لا تلتئم منه مدينة، فكل المدن فاسدة. أما إذا أصبحت المدينة كاملة، فلا حاجة لوجود المتوحد أصلاً[43].
3- الصور الروحانية
في حديث مسهب عن الصور الروحانية العامة والخاصة وما يميزهما عن الصور الجسمانية والتي يمثلها على المستوى الاجتماعي-السياسي، أصحاب الأنساب والأثرياء. أما من الناحية السياسية –التاريخية فهم أسباب زوال الأمم وانتقال السيادة إلى الغير[44]. يتوقف عند الصور الروحانية العامة: ويرى أنّه ليست لهذه الصور، إلا نسبة واحدة، هي نسبتها إلى الإنسان الذي يعقلها، وهي عبارة عن جملة من المعقولات الروحانية المطلقة، والمدركة بواسطة العقل الفاعل، أو العقل الفعال[45]. إنّ الصور العامة، بلغة المنطق في جانبه البرهاني، هي كليات عامة، وهي أكمل الروحانيات على الإطلاق. إنّها تدرك فقط بالعقل وهي خاصة به. وإدراكها، يجعل الإنسان حاصلاً على الكمالات الفكرية، وليست الحكمة إلا أكمل أحوال الروحانية الإنسانية. "إنّ الأفعال الذكرية [كذا في الأصل الذي وضعه المحقق، والأصح "الفكرية"] والعلوم، فهي كمالات بالإطلاق، وهي مختصة بالإنسان، لا يشترك فيها غير الإنسان، وهي إما تعطي الوجود الدائم، أو تصل به"[46]. من الواضح، أنّ ابن باجة، يجعل طريق "الإمساك" بالصور الروحانية العامة، طريقًا عقليًّا خالصًا، يقوم على فكرة الاتصال بالعقل اتصالاً ينشد من خلاله الفعل الإنساني، مشاركة هذا الفصل الفعال في العلم الكلي، والمعرفة التامة الأزلية. إنّه اتصال يشبه الصعود، كما يقول ابن باجة في رسالة الاتصال[47] إلا أنّه ليس صعودًا ولا اتصالاً صوفيًّا، كما يؤكد ذلك ابن طفيل[48]. إنّ الإنسان في تدرجه عبر الصور، يستطيع أن يحقق "نقلة" عقلية نحو عالم الأزلية، والمعرفة المطلقة، ويصبح من ثمّ ذا قوة عقلية على اختراق المطلق. وكل ما حققه الإنسان في مرحلة ما قبل هذا العقد النظري، يمكن اعتباره أفعالاً نفسية ترتبط بالجانب العملي، اعتمادًا على الروية والتمييز، ومن ثمّ فهي أقرب إلى ما سماه ابن باجة، بالعقل العملي[49]. ولا يكتمل العقل العملي إلا عندما يصبح العقل النظري المعطي لأسبابه، ومبادئه وغاياته. آنذاك فقط، يمكن الحديث عن الماهية الحقيقية للإنسان بل يصبح الإنسان صاحب فعل إلهي وعقل إلهي.
إلا أنّ قول ابن باجة، بالاتصال بالعقل الفعال المفارق، قول يطرح إشكالاً قويًّا: هل العقل الفعال عقل مفارق معرفيًّا وأنطولوجيًّا؟ أي هل ابن باجة، يعيد إنتاج الأطروحة الفيضية نفسها مع الفارابي وابن سينا وهي الأطروحة التي تقول بترابية العقول المفارقة، لتصل بعد ذلك إلى العقل العاشر، وهو العقل الفعال أو واهب الصور، أم أنّ هذا العقل الفعال، يصبح مع ابن باجة، عقلاً محايثًا للعقل الإنساني، ومن ثمّ يكون ابن باجة قد مهد الطريق لابن رشد[50].
لقد جاء القول الباجوي، الذي تناول هذا الإشكال - لأسباب متعددة - مقتضبًا ومجملاً، وأحيانًا غير تام ومكتمل، كما هو الشأن بالنسبة إلى كتاب تدبير المتوحد[51]. ونتج عن ذلك نوع من الغموض الذي ألقى بظلاله على الدارسين، فاختلفت مواقفهم من هذا الإشكال، ومن كيفية معالجته من طرف ابن باجة[52].
لذا، وعلى الرغم من الأهمية القصوى التي يشكلها، هذا الإشكال في تاريخ الفلسفة في القرون الوسطى - والذي ينتهي أساسًا إلى نظرية العقل، بوصفها نظرية حاول من خلالها الشراح والمشاؤون الأرسطيون، الإجابة على قضية تركها أرسطو معلقة[53]. على الرغم من ذلك، سنتركه جانبًا، لأنّه قول لا يناسب، بشكل مباشر، هدفنا من هذا المقال.
يؤكد إذن، ابن باجة، مفهوم الاتصال، باعتباره فعلاً من أفعال الفعل الإنساني "فالإنسان له أولاً الصور الروحانية على مراتبها، ثم بها يتصل بالمعقول، ثم يتصل بهذا المعقول بذلك العقل الآخر"[54]. والمهم، في هذا السياق - هو التساؤل الآتي: لماذا التأكيد على الاتصال؟ وماذا يستفيد العقل عند اتصاله بالعقل الفعال؟
إنّ التأكيد على الاتصال، يفيد قدرة الإنسان على تجاوز الحتميات والشروط الفيزيائية، والبيو-سيكولوجية والاجتماعية-السياسية، والاتجاه صعودًا إلى أعلى مستويات العقلية، أو بعبارة كانطية، إنّه انتقال من المشروط إلى اللامشروط. من الصحيح أنّ ذلك الصعود خاص فقط بمرتبة -فئة "السعداء" القادرين على إدراك الصور الروحانية العامة، في مقابل مرتبة النظار، أصحاب الصور الروحانية الخاصة، وفئة الجمهور، التي - ولأسباب تتعلق بقصور في الإدراك العقلي، ولعوائق مرتبطة بالطبع والفطرة، وغياب التعليم - لا تتجاوز إدراكاتها الصور الجسمانية[55] لكن، ومع ذلك، يظل الاتصال، أمرًا ممكنًا، وللإنسان الإرادة والاختيار لتحقيقه. فالاتصال فعل إنساني، وليس "هبة" تأتي من أعلى، بحيث لا يكون للإنسان فيها أي دور أو اختيار، كما ذهب إلى ذلك الفارابي وابن سينا، بالإضافة إلى ذلك، يسمح فعل الاتصال بفتح أفق واسع لممارسة النشاط العقلي، بل ربما اختراق "المقدس" ذاته، ومشاركته في معقولاته الكلية والمطلقة؛ الأمر الذي يقدم للإنسان الشرط القبلي لكل معرفة لاحقة، ولكل سلوك يستحق أن يعبر عن ماهية الإنسان الحقيقية الفعلية. لكن هذا القبلي، ليس فعلاً فيضيًّا يسنح به العقل الفعال على العقل الإنساني، بل هو جهد حقيقي من طرف الإنسان، ويتوج باللقاء والاتصال، آنذاك فقط، يتحقق الكمال العقلي. إنّ متوحد ابن باجة، هو عبارة عن مشروع إنسان يرنو نحو خلود أبدي، يمر عبر العقل.
الخاتمة:
يمكن لقارئ "تدبير المتوحد" أن يضع هذا الكتاب، في سياق نظري خاص بإشكال العقل الذي تركه أرسطو معلقًا، وهو إشكال، أثار عدة نقاشات، وتأويلات سواء مع الأسكندر، أو ثيمسطيوس، أو الفارابي، وابن سينا وابن رشد[56]. لكن، من الممكن أيضًا، أن ينظر المرء إلى إشكال الاتصال باعتباره إشكالاً عقليًّا يخفي وراءه قراءة باجوية لواقع سياسي، واجتماعي معين، هو واقع ابن باجة ذاته- واقع، كما تمت الإشارة إلى ذلك في المقدمة، تميز بوحدة مصالح الفئة الحاكمة وفئة الفقهاء وهي مصالح، فرضت وأفرزت جملة من الإثباتات النظرية، وأعطت الأولوية للجماعة على الفرد والتقليد على التجديد؛ وركزت على ما يسميه ابن باجة، الفضائل الشكلية - ذات التأثير الانفعالي في العامة، الجمهور - مثل تمجيد الشجاعة، والغلبة والقتال والتآزر والتضحية... وهي أولويات تستند، نظريًّا على أسبقية "المعرفة النافعة" والآنية التي حتى لو كانت الأغلبية تجهل طبيعتها، فإنّ الأهم هو ما تحققه من منافع، سواء في درء الخطر الداخلي أو الخارجي.
إنّ قيمة المعرفة من هذا المنظور - إنّما تقاس بما يسمى الآن "المصلحة العليا والعامة" والتي لم تكن سوى مصلحة الساسة والفقهاء[57]. والمهم، ليس الفهم والتعلم- إنّما المهم هو الفعل والعمل، وليس الأساسي هو القيمة النظرية للمعرفة، بل النجاعة والبعد العملي. تلك هي خصائص المدن الفاسدة، والتي غاياتها الأساسية، غياب العقل والمعرفة النظرية، وأفعالها ذات دوافع لا عقلية بالذات، وعقلية بالعرض، ومثل هذه المدن تحمل في ذاتها عناصر تدميرها، وأنّ الفئة الحاكمة في هذه المدن الفاسدة، هي سبب زوالها وانتقال السيادة إلى غيرها.
يقر ابن باجة بحقيقة تاريخية، ويقدم تفسيرًا سياسيًّا وتاريخيًّا لأسباب انهيار الأنظمة، وهو تفسير، ينتهي في آخر التحليل إلى إرجاع "الإنهيار" إلى غياب الأساس العقلي والغايات العقلية.
من الواضح، أنّ ابن باجة، كان على وعي تام، بأنّ زمانه، المطبوع بهيمنة المدن الفاسدة، لن يتقبل مثل هذه الأفكار، لذلك، كان رد الفعل النظري، هو التوحد، والابتعاد المؤقت عن هذا الواقع، ورفضه فكريًّا، إلى حين توفر المناخ الفكري والثقافي، الذي يعي فيه الإنسان إنسانيته، وحيث يصبح العقل المؤسس والغاية، ويصبح هو المطلق، وليس وسيلة لتحقق المطلق. والأكيد، أنّ ذلك لن يكون في مدنية طوباوية، بل يمكن أن يتحقق المطلوب، عندما تنتشر "ثقافة العقل"، وهي الرسالة التي على الفيلسوف، القيام بها. لذلك كان تأكيد ابن باجة، بشكل قوي، على المعرفة الحقة، وعلى التعليم، وأنّه ليس ضروريًّا أن يكون الفيلسوف إمامًا، أو ملكًا، أو رئيسًا، لكن، من الواجب عليه أن يكون فاعلاً، ومربيًا، ومؤسسًا للقواعد ومحددًا للغايات..
وبالمعرفة يضمن الإنسان دوامًا أطول وأفضل: "إذا كان الإنسان يحب بالطبع بقاء عام زايد في عمره، فأحرى أن يكون محبوبًا عنده أكثر وأعظم زيادة عشرات، بل زيادة مئتين، بل زيادة ألوف أو أكثر. كما نجد ذلك في كثير من ذوي المهن، ونجد المئتين في كثير من العلماء، والآلاف مثل الإسكندر من الملوك وكثير من الحكماء، والآلاف في مثل أبقراط وما جانسه"[58].
مسرد المراجع
باللغة الأجنبية:
- Baraquin (N) et Lauffitte (J) Dictionnaire des philosophe, Ed: A.colui. Paris, 1997
- De diéquez (M): Le combat de la raison. Ed: Albin Michel France. 1989
- Hadot (P): Qu’est ce que la philosophie antique? Ed: Folio.1995
- Russ (J): Philosophie: Les auteurs, les œuvres, Ed: Bordas 1996
باللغة العربية:
- ابن باجة: رسالة الاتصال، ضمن رسائل ابن باجة الإلهية. تحقيق ماجد فخري، دار النهار، بيروت 1968
- ابن باجة: شرح السماع الطبيعي لأرسطوطاليس، حققه وقدم له فخري ماجد، دار النهار للنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1991
- ابن باجة، ضمن رسائل فلسفية للكندي والفارابي وابن باجة وابن عدي.
- ابن رشد: تلخيص كتاب النفس. تحقيق وتعليق: عبري الفرد.ل. المكتبة العربية-المجلس الأعلى للثقافة. القاهرة، 1994
- ابن طفيل: حي بن يقظان، تحقيق وتقديم عبد الحليم محمود، مكتبة الأنجلو-المصرية، القاهرة، دون تاريخ.
- ألوزاد محمد، القول الأنسي لابن باجة.
- ابن سينا: الشفاء –الإلهيات.
- تدبير المتوحد لابن باجة. تحقيق وتقديم زيادة معن. دار الفكر الإسلامي –بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1978
- عبد الواحد المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي، القاهرة 1949
- الفارابي: فصول منتزعة.
- الفارابي: كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة.
- الفارابي: كتاب السياسة المدنية.
- الفارابي: كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة.
- معن زيادة: الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة. دراسة في فلسلفة ابن باجة الأندلسي. دار اقرأ. بيروت-لبنان، الطبعة الأولى 1985
- نجار فوزي متري، دار المشرق، بيروت. الطبعة الثانية، 1993
مقالات:
- زيدان (محمود فهمي)، مقال بعنوان: "نظرية ابن رشد في النفس" ضمن بحوث ودراسات: الفيلسوف ابن رشد: مفكرًا عربيًّا ورائدًا للاتجاه العقلي، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة 1993
[1] Hadot (P): Qu’est ce que la philosophie antique? Ed: Folio.1995 P 47 et 49
Voir aussi: Baraquin (N) et Lauffitte (J)
Dictionnaire des philosophe, Ed: A.colui. Paris, 1997, P: 297.
[2] نشير هنا إلى المقدمة التي كتبها غريزوني (A): Grison، في كتبه سياسات الفلسفة. طبعة كراسي، باريز، 1976
[3] Russ (J): Philosophie: Les auteurs, les œuvres, Ed: Bordas 1996 P: 44
[4] De diéquez (M): Le combat de la raison. Ed: Albin Michel France. 1989. P: 26
[5] نركز على اختلافين: سقراط لم يكتب بخلاف ابن باجة، وسقراط حوكم، أما ابن باجة فاغتيل بفاس، سنة: 1138 م / 533 هـ. إلا أنّهما يشتركان في أداة القتل وهي السم.
[6] كان ابن باجة وزيرًا لأبي بكر بن إبراهيم حاكم مرسية ومن ثم سرقسطة لمدة عشرين سنة، وبعد سقوط المدنية في يد الأفرنجية، انتقل إلى مدينة شاطبة حيث أصبح وزيرًا. نقلاً عن كتاب معن زيادة: الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة. دراسة في فلسلفة ابن باجة الأندلسي. دار اقرأ. بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، 1985، ص 23
[7] المرجع السابق، ص ص 19 و24
[8] عبد الواحد المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي، القاهرة 1949، ص 173
[9] لذلك يعتبر كتاب ابن رشد: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" بمثابة رد فعل على هذا التوجه الذي عرفه علم الفقه.
[10] مثل ابن حزم وابن وهيب. زيادة معن: الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة. كتاب سبقت الإشارة إليه، ص 25
[11] لم تكن غاية ابن باجة إحصاء هذه المعاني، بل كان يضع نصب عينه المعنى الوحيد الذي قدمه، لذلك يقول: "إذ ليس نقصد إحصاء أصناف التدبير، بل إنّما نقصد التدبير الصادق، لأنّه أفضل التدبير، ولأنّه قد يمكن أن ينال المتوحد السعادة الذاتية به" من كتاب تدبير المتوحد لابن باجة. تحقيق وتقديم زيادة معن. دار الفكر الإسلامي –بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1978، ص ص 64-65
[12] المرجع السابق، ص 40 وص 122
[13] المرجع السابق: 45 و46 ونشير إلى ورود لفظ المتوحد عند الفارابي، في كتابه: آراء أهل المدنية الفاضلة، ص 154
[14] يقول الفارابي: "والمدنية الفاضلة تضادها المدينة الجاهلة والمدنية الفاسقة، والمدنية الضالة. ثم النوابت في المدينة الفاضلة، فإنّ النوابت في المدن منزلهم فيها منزلة الشيلم في الحنطة" كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة، ص 87. وأيضًا ص 104
[15] الفارابي: فصول منتزعة، تحقيق وتقديم، نجار فوزي متري، دار المشرق، بيروت. الطبعة الثانية، 1993، ص 95
[16] ابن باجة: تدبير المتوحد، ص ص 64/65
[17] المرجع السابق، ص 45
[18] Hadot (P): qu’est ce que la philosophie au tique? Op. cit: P: 198
[19] المرجع السابق، ص 46
[20] لذلك لا يمكن أن نذهب إلى ما قاله معن زيادة عن متوحد ابن باجة باعتباره توحدًا ينشد الحل الفردي على هذه الأرض ويفضل التدبير الفردي على التدبير الجماعي. زيادة معن، الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة، مرجع سبقت الإشارة إليه، ص 27
[21] ابن باجة: شرح السماع الطبيعي، ص 15
[22] المرجع السابق، ص ص 16 و20 و26
[23] المرجع السابق، ص 113
[24] المرجع السابق، ص ص 127-131
[25] ابن باجة: تدبير المتوحد، ص 49
[26] ابن رشد: تلخيص كتاب النفس. تحقيق وتعليق: عبري الفردل. المكتبة العربية-المجلس الأعلى للثقافة. القاهرة، 1994، ص ص 53 و55
[27] المرجع السابق، ص 85
[28] ابن باجة: كتاب النفس، تحقيق المعصومي، دمشق 1960، ص 28
[29] ابن باجة: تدبير المتوحد، ص 49
[30] المرجع السابق، ص 50
[31] المرجع السابق، ص 69
[32] ابن باجة: كتاب النفس، ص 16
[33] تتحد الروية بالبحث والاستدلال وتعني أيضًا الفكرة. تدبير المتوحد، ص 95
[34] ابن باجة: تدبير المتوحد، ص 51
[35] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[36] ابن باجة، ضمن رسائل فلسفية للكندي والفارابي وابن باجة وابن عدي، مرجع سبقت الإشارة إليه، ص 138
[37] الفارابي: كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة، ص 131. وأيضًا كتاب السياسة المدنية، ص 87
[38] التسمية نفسها نجدها أيضًا عند ابن باجة في كتاب تدبير المتوحد، ص 93
[39] ابن سينا: الشفاء - الإليهات، ص 424
[40] الفارابي: كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة، من ص 131 إلى 156. وأيضًا كتاب: السياسة المدنية، من ص 87 إلى 107
[41] ابن باجة: تدبير المتوحد، ص 52
[42] الفارابي: فصول منتزعة، ص 84
[43] ابن باجة: تدبير المتوحد، ص 46
[44] المرجع السابق، ص 77
[45] المرجع السابق، ص 56
[46] المرجع السابق، ص 98
[47] ابن باجة: رسالة الاتصال، ضمن رسائل ابن باجة الإلهية. تحقيق ماجد فخري، دار النهار، بيروت 1968، ص 17
[48] ابن طفيل: حي بن يقظان، تحقيق وتقديم عبد الحليم محمود، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، دون تاريخ، ص 5
[49] ابن باجة: شرح السماع الطبيعي، ص 107
[50] زيدان (محمود فهمي)، مقال بعنوان: "نظرية ابن رشد في النفس" ضمن بحوث ودراسات: الفيلسوف ابن رشد: مفكرًا عربيًّا ورائدًا للاتجاه العقلي، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأمبرية، القاهرة 1993، ص ص 41/55
[51] نشير هنا مثلاً، إلى أنّ النسخة التي اعتمدت عليها، وهي تحقيق معن زيادة، غير تامة مقارنة مع النشرة العبرية التي اعتمدها S.Munklo زيادة معن، تدبير المتوحد-التقديم، ص 15 وأيضًا كتاب: الحركة من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة، لزيادة معن، ص 148
[52] يمكن في هذا السياق تقديم موقفين، الأول للمصباحي (م)، والذي يرى أنّ ابن باجة، عندما تكلم عن تواجد للعقل الفعال، في العقل النظري، لم يكن يعني بذلك، انصهارًا فيه، بل تصوره مجرد علة خارجية تؤثر في الفعل النظري. من كتاب إشكالية العقل عند ابن رشد، المركز الثقافي، العربي،/ الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 1988، ص 168. أنظر أيضًا كتابه: من المعرفة إلى الفعل بحوث في نظرية الفعل عند العرب، المصباحي محمد. دار الطليعة بيروت، الطبعة الأولى، 1990، ص ص 105-140
ولعل ما يؤكد الأطروحة السابقة، تأكيد ابن باجة طبيعة العلاقة بين العقلين، أو بين الفعل النظري والمعقولات، بوصفها علاقة قائمة على الجذب: رسالة الاتصال، ص 13. ومفهوم الجذب بالإضافة إلى الدفع يدل على الحركة والتحريك "فالدفع والجذب ضرورة، إنّما يلزمان حركة المتحرك من محرك خارج عنه" شرح السماع الطبيعي، ص 100
أما الموقف الثاني، فنجده يؤكد أنّ هوية العقل المفارق ذاته في الإنسان. أوزاد محمد، القول الأنسي لابن باجة، ص ص 121، 127
[53] يقول ابن رشد: "ولذلك ينبغي أن نفحص هل يمكن في العقل الذي فينا أن يعقل الأمور المفارقة وهو فينا، أم لم يمكنه ذلك، إلا إذا تجرد من الجسم. فإنّه يظهر من أمره أنّه ليس يمكنه أن يعقل ما هاهنا إلا وهو ملتبس بنا، وليس يحتاج في عقله المفارقة إلى أن يلتبس بنا. فأما هل يمكنه أن يعقل المفارقة، وهو فينا، فهو الذي ينبغي أن نفحص عنه بآخره. وأرسطو وعد بالفحص عن ذلك ولم نجد له شيئًا في ذلك". كتاب تلخيص النفس. تحقيق وتعليق الفرد. د. عبري، المكتبة العربية، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1994، ص ص 135-136
[54] ابن باجة: رسالة الاتصال، ص 17
[55] ابن باجة: تدبير المتوحد، ص 99
[56] ألوزاد محمد: القول الإنسي لابن باجة، ص 125
[57] المصباحي محمد: من المعرفة إلى العقل، ص 130- انظر الهامش، رقم 8
[58] ابن باجة: تدبير المتوحد، ص ص 98-99