الشباب التونسي والحركة السلفية: أية دلالة سوسيولوجية؟
فئة : مقالات
الشباب التونسي والحركة السلفية*:
أية دلالة سوسيولوجية؟
باتت "الظاهرة السلفية"في تونس، خاصة في فترة ما بعد 14جانفي 2011، من المسائل التي تثير الكثير من النقاش والجدل الكبيرين على المستوى السياسيوالإعلامي، وذلك تبعا لعديد الأحداث التي تعيشها تونس، في ظل ما صار يصطلح على تسميته بـ"الانتقال الديمقراطي". وقد ارتبط جزء من تلك الأحداث بالحركة السلفية بوصفها طرفا من الأطراف التي اعتبرت، خاصة من طرف المعارضة اليسارية، تهديدا للعملية الديمقراطية، على اعتبار خطابها المضاد لفكرة الديمقراطية ودعوتها لتكفير الأطراف اليسارية عبر المساجد التي ''احتلتها'' بعيد سقوط نظام بن علي. ولئنكان النقاش الإعلامي والسياسي التي تثيره الظاهرة السلفية في تونس نقاشا يعكس تحولا في التعاطي مع الشأن العمومي، من حيث إن الظاهرة السلفية لم تعدفي ركن "الصمت" و"اللامبالاة"والمسكوت عنه، إلاأن ذلك النقاش، لا يزال واقعا تحت "سطوة الخطاب الصحفي والإعلامي" الذي يطور تمثلا حول"الظاهرة السلفية" لايخلو في غالب الأحيان من مضامين إيديولوجية و"حسابات سياسية" وأحكام قيمية وذاتية تختزل هذه الظاهرة الاجتماعية المعقدة ومتعددة الأبعاد إلى مجرد''حالة انحراف''، يجب تقويمها من خلالمقاربة أمنوية، أثبتت فشلها إبان فترة الرئيس السابق بن علي الذي أطاحت به ثورة 14 يناير 2011.
في هذا الصدد، تظهر أهمية المقاربة السوسيولوجية من حيث هي مدخل لتجاوز الخطاب الإيديولوجي حول الظاهرة السلفية، وكذلك بماهي رؤية معرفية تحليلية قادرة على استكناه دلالة الظاهرة السلفية عبر آليتي الفهم والتفسير. وهنا بالذات يكمن رهان هذه الورقة والمتمثل بدرجة أولى في تفسير وفهمالدلالات السوسيولوجية للمكون الشبابي في الحركة السلفية في تونس بشقيها "الجهادي" و"الدعوي". بمعنى آخر، سنحاول في هذه الورقة البحثية أننسائل الظاهرة السلفية من حيث هي ظاهرة تستقطب ''وتغري" الفئات الشبابية من دون الفئات الأخرى كالشيوخوالكهول مثلا. متسائلين بذلك عن المبرر الذي يجعل "شبابالمدن" و"مجتمع الاستهلاك" يهجر "دين الآباء" إلى ''العالم السلفي"؟. وبالتالي هل تشي السلفية في السياق التونسي بتحول في مجال القيم الدينية وإعلان تشكل علاقة جديدة بالديني لدى الفئات الشبابية لم تعد محكومة بمنطق التقليدية والمؤسساتية ؟ لنتساءل في مستوى ثان عن الدور الهوياتي الذي تلعبه قيم ''التنشئة السلفية'' في تزويد "الشباب الحضري" بموجهات هوياتية ثابتة بعد أن فقدت مؤسسات التنشئة التقليدية قدرتها على لعب هذا الدور؟
1- الظاهرة السلفية في تونس:من اللامرئي إلى المرئي
إن بروز الحركة السلفية في تونس، ليس بالمستجد أو الطارئ، بل إنها متصلة في ظهورها بسياقات الواقع التونسي، بماهو متحول ومرتبط بسياقات الواقع الإقليمي والدولي. فالظهور الإعلامي لما يعرف ''بتنظيم القاعدة'' وكذلك تنفيذ أحداث ''سبتمبر 2001'' وبروز خطابات إعلامية معادية للإسلام المسلمين في الغرب، إضافة إلى غزو العراق سنة 2003 قد شكل أحد الأبعاد الماكرو –سياسية التي غذت مناخات بروز الحركة السلفية في تونس بشقيها الجهادي والدعوي .إلا أن هذه الأبعاد لن تترسخ إلابالتفاعل مع الأبعاد الميكرو سوسيولوجية والمتمثلة بشكل خاص في شعور الكثير من الفئات الشبابية 'بالقلق' إزاء المستقبل، بعد أن فقدت الدولة قدرتها على توفير مواطن الشغل للشباب العاطل عن العمل، سواء من الذين وجدوا أنفسهم مرميين في الشارع بفعل الفشل المدرسي أو من جانب خريجي الجامعات الذين وجدوا أن شواهدهم لا تنفع إلا لإدامة بطالتهم. وتظافر هذا الأمر مع تقلص قدرة مؤسسات التنشئة التقليدية على تمويل الشباب بموجهات هوياتية وقيمية. أما فيما يتعلق بالجانب الديني، حيث كان الخطاب الديني الرسمي متجها لخدمة أجندة النظام ومفرغ المحتوى، وهو ما حتم على الكثير من الشباب "الهجرة" إلى القنوات التلفزية الدينية، (مثل قنوات "اقرأ" و"الرسالة" التي تعج بالدعاة الوهابيين) وذلك قصد البحث عن خطاب ديني بديل يلبي حاجاتها النفسية، ويمكنها من موجهات هوياتية تتمكن عبرها من إعطاء معنى لوجودها الخاص.
أ-ربيع الديمقراطية أم ربيع السلفيين؟
لقد كانت "الحركة السلفية" في عهد بن علي، أشبه ما تكون بـ"المجتمع السري" التي لا يعرف لها وجود مرئي في الفضاء العام، إلا عبر شبكة الإنترنيت من خلال المواقع الإلكترونية التي يرتادها بعض الشبان المعجبون بأفكار"أسامة بلادن" وتنظيم القاعدة، والذين كثيرا ما كانت السلطات الأمنية تلاحقهم و تلاصقهم عبر مراقبة بوليسية شديدة.ولئن حاول التيار السلفي البروز في فترة حكم بن علي من خلال أحداث مدينة سليمان في أواخر سنة 2007 إلا أنه سرعان ما قمع بشدة من قبل النظام لتتلو تلك الأحداث محاكمات عديدة ''للشباب السلفي" خاصة من بين هؤلاء الذين عادوا من القتال في العراق أو الذين حاولوا الذهاب.
إلا أن "ثورة 14يناير 2011" التي أطاحت بنظام بن علي قد شكلت منعرجا حاسما للتيار السلفي في تونس، إذ مكن سقوط النظام وتراجع القبضة الأمنية على الفضاء العمومي، مساحة كبيرة من الحرية لأنصار التيار السلفي بشقيه العلمي والجهادي للظهور شيئا فشيئا في الفضاء العام من خلال اللباس الديني المتمثل في القميص بالنسبة للرجال والنقاب بالنسبة للنساء، لتنتشر مع تصاعد سقف الحريات،الخيم الدعوية التي قد أخذت تتكاثر بين الفينة و الأخرى، في ساحات المدن وداخل الأحياء الشعبية، والتي كان مضمونها يتمحور في غالب الأحيان حول الدعوة إلى " تطبيق الشريعة والحكم بما أنزل الله'' بدل الاحتكام إلى الديمقراطية التي تعتبر وفق الـتأويل السلفي منظومة فكرية تحيل إلى الغرب وإلى الكفر، وهوأمر يناقض و يعادي الإسلام برأيهم. إضافة إلى الخيم الدعوية، تأسست العديد من الجمعيات السلفية التي تعمل تحت يافطة العمل الخيري الموجه للفئات الفقيرة والمحرومة التي تخلت عنها مؤسسات الكفالة الرسمية، لتجعلها في طي النسيان متروكة لحسابها تواجه مصيرها الخاص لوحدها.
في ذات السياق، أتاحت السلطات التونسية لتنظيم ''أنصار الشريعة'' المرتبط فكريا بتنظيم القاعدةأن يعقد ملتقياته بحضور قيادات في حركة النهضة الإسلامية الحاكمة. بالمقابل وفيما يتعلق بالشق الجهادي من التيار السلفي، فقد اعتبر قياديوه أن تونس هي "أرض دعوة وليست أرض جهاد"، إلا أن هذا الشعار لم يصمد كثيرا فقد تبين من خلال عدة أحداث شارك فيها التيار السلفي أن "العنف المقدس" هو أحد المكونات الهيكلية للتيار السلفي بشكل عام. وقد بدأت تلك الأحداث العنيفة قبل أسبوعين منانتخابات 23أكتوبر 2012، حيث هاجمت مجموعة من السلفيين قاعة سينما هشم جزء منها ردا على فيلم "لا ربي لا سيدي" (26 يونيو 2011) للمخرجة نادية الفاني مرورا بأحداث العبدلية و أحداث السفارة الأمريكية في 14سبتمبر 2012 بالإضافة إلى الاعتداء على ناشطين سياسيين من بينهم الزعيم اليساري شكري بلعيد الذي سيتم اغتياله في 06 فيفري 2012على يد عناصر سلفية تنتمي لتيار أنصار الشريعة بحسب الجهات الأمنية الرسمية[1]. كما تم إغلاق مواخير بالقوة[2] وتغيير أئمة وتعويضهم بأئمة سلفيين بالإضافة إلى حملات ضد بائعي الخمر خلسة[3] (أحداث سيدي بوزيد و جندوبة)، وتكوين ما عرف بالشرطة السلفية،ومحاولة تطبيق الشريعة في "مدينة سجنان" التي ستعرف لآحقا "بإمارة سجنان"، وصولا إلى "أحداث الشعانبي" التي أعلنت فيها المواجهة بين الجيش التونسي ومجموعات من العناصر الجهادية المنتمية لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. وقد تصاعد الحضور السلفي في الفضاء العام مع وصول"حركة النهضة" إلى الحكم على إثر انتخابات 23أكتوبر 2012. وقد أثار الكثير من الجدل حول علاقة حركة النهضة بالتيار السلفي، خاصة أن هذه الأخيرة قد أبدت نوعا من "المرونة" و"التسامح" إزاء الأحداث التي كان التيار السلفي حاضرا فيها بقوة،وذلك من خلال تصريحات العديد من قياديها الذين اعتبروا أن الظاهرة السلفية هي تضخيم إعلامي لغايات سياسية لاغير، وأن الشباب السلفي هم "أبناؤنا الذين يجب الصبر عليهم"، وأنهم ضحية سياسة تجفيف المنابع التي اتبعها النظام السابق، والتي أدت برأيهم إلى "تصحر ديني"[4]، إلى غير ذلك من المبررات الإيديولوجية التي يقدمها جزء من القادة التاريخيين[5] لحركة النهضة الإسلامية.
ب-السلفية في مناطق الظل الحضرية
لعل أماكن السلفيين المفضلة للدعوة"الجهاد" هي ليست تلك الأحياء الراقية، بل إن انتشارهم ومجالات تحركهم اليومي، لا يمكن ملاحظتها إلا في الأحياء الشعبية المحيطة بالمدن (حي دوار هيشر وحي التضامن بتونس العاصمة تعتبر "عواصم للسلفيينبشقهم الجهادي والعلمي)، وهو أمر له كثير من الدلالة من الناحية السوسيولوجية ذلك أن تلك الأحياء بوصفها "فضاءات مهمشة" ظهرت ضمن مسار تحضر انتقالي[6]جاء سابقا لعملية التصنيع التي كانت في الغالب مجرد محاولات لنقل التكنلوجيا واكتفاء ببعض الصناعات التحويلية. وقد ارتبط هذا النمط من التحضر بالنزوح الريفي المتولد عن تفقير الأرياف بفعل عملية التحديث التي شهدتها تونس منذ الاستعمار حتى الاستقلال وبناء الدولة الوطنية الحديثة،وهو أمر أدى إلى ظاهرة ''ترييف المدن'' التي ستتشكل على أطرافها تجمعات سكنية عفوية جل ساكنيها نازحون أقصتهم سياسات الدولة السكنية ومنطق المضاربات العقارية من الاندماج بشكل كامل في الحياة الحضرية، مما سيفاقم من المشكلات الحضرية العديدة، مثل ارتفاع مظاهر ''الفقر''[7] والتهميش الاجتماعي والشعور بالإقصاء لدى تلك الفئات، التي ستجد نفسها في ظل ''الفراغاتالاجتماعية" الناتجة عن تخلي الدولةمجبرة عن تدبير أمرها بنفسها من خلال أطر لاشكلية، تبدأ من الاعتماد على الاقتصاد غير المهيكل وصولا إلى أطر انتماء هوياتية لاشكلية تفلت، في كثير من الأحيان، من رقابة المؤسسات، بل إنها تتشكل خارجها وضدها أحيانا (مثل المجموعات الحيطية، شبان الراب، المجموعات السلفية)، حيث نغدو في تلك الفضاءات المقصية إزاء "مجموعات شعورية تربط بين أفرادها علاقات شخصية مباشرة باسم حمية مذهبية أوعروشية أو حتى حب الجمعية الرياضية عند مجموعات المشجعين"[8] لتتشكل في هذا السياق قبائل شبه حضرية تبرز بين الحين والآخر من تحت فشرة التحديث السطحية[9] المترافقة، تحت تواطآت العولمة الحالية، مع صيرورة اللامأسسة التي يعرفها المجتمع التونسي الحالي والمتمثلة بشكل خاص في تآكل شبكة الأمان الاجتماعي وشبكات التضامن المؤسساتي التي تشكل دعامة للفرد"إذ أنه قد صار كل ماكان يعهد بالأمس لمؤسسات الكفالة الجماعية للمؤسسات قد صار يترك أكثر فأكثر للفرد نفسه، هذا الذي يتحمل لوحده مصيره الخاص وكأن ذلك هو مصير حياته الشخصية"[10] مثلما يلاحظ ذلك دانيلو مارتوشيلي، وهذا يعني أن الأفراد كما ذكرنا مضطرون إلى تدبير أمرهم الخاص الذي يتجلى هذا من خلال خلق شبكات تضامن بديلة.
في هذا السياق تحديدا، يبرز الديني ليعبئ الفراغ المؤسساتي الذي تركته الدولةوالأحزاب السياسية والجمعيات، أمريتبين من خلال انتشار الدعاة السلفيين وأفراد ''جماعة الدعوة والتبليغ'' داخل الأحياء الفقيرة ليلعبوا دور الوعظ والإرشاد الأخلاقي من وجهة نظر "الدعوة إلى المعروف والنهي عن المنكر"(الخيم الدعوية أمام المعاهد و الجامعات والساحات العمومية)، بل لينخرطوا في "إدارة" المسألة الاجتماعية داخل الأحياء الفقيرة عبر تقديم المساعدات إلى العائلات الفقيرة ومن خلال العمل الخيري ذي المرجعية الدينية المتصلة بمقولة الزكاة والإحسان، وهو ما مكن التيار السلفي بشقيه "الدعوي" و"الجهادي"من إمكانية التغلغل في النسيج الاجتماعي الحضري عبر مدخل الدعوة والعمل الخيري.
نتيجة لهذا تظهر الظاهرة السلفية بوصفها ظاهرة حضرية بالمعنى الذي يجعلها جزءا من الأطر اللاشكلية التي تحتضن جزاء من الفئات التي تعيش على هامش عالم المدينة، وتعاني الحرمان من الانخراط في عالمي العمل والاستهلاك بشكل كامل،وهو ما يجعلها في حالة شعور بالإحباط بشكل دائم ومستمر ومعادية لكل ماهو رسمي، عداء يتجلى في الأحداث الحضرية التي صارت تندلع بين الحين والآخر في الأحياء الفقيرة المحيطة بالمدن التونسية، حيث يتجه الشبان العاطلون عن العمل، خاصة من بين هؤلاء الذين عرفوا تجربة الفشل المدرسي، ووجدوا أنفسهم مرميين في الشارع بعبارة "عبد القادر الزغل" إلى تهشيم وحرق التجهيزات الرسمية (مثل تكسير اللوحات الإشهارية وقلع الأشجار المغروسة على جانب الطريق، والعبث بكراسي محطات حافلات النقل العمومي) وإضمار علاقة عدائية مع قوات البوليس التي تتجلى في المواجهات العنيفة معهم ماديا ورمزيا، حيث يتبادلون معهم الشتائم، بل لا يتورعون عن إنتاج أغاني راب تسخر منهم[11] وتقلل من شأنهم. كما ينخرط هؤلاء شبان الأحياء الفقيرة الذين يعيشون البطالة بطريقة دراماتيكية فيم يسميه فرانسوا دوبية في "العنف المجاني" الذي يكون بسبب ودون سبب من أجل لفت الانتباه والاحتجاج نتيجة شعور يومي بـ"الاحتقار الاجتماعي"، وهو احتجاج يتم عبر عفوية ذاتيات فردية وجماعية مجروحة[12] ليبدي عبره "الشباب المنتفض" رغبة في تحقيق الاعتراف من خلال الشعور بكرامة ذاتية تبدو لهم مفقودة في ضل البطالة وغياب الأفاق المهنية وحالة اللايقين إزاء المستقبل التي تخترقهم، وهو أمر يحول دونهم ودون بلورة مشروع حياة وتشكيل الذات بماهي ذات فاعلة وقادرة علىالخلق، إذ نلحظ أن لدى شبان الأحياء الفقيرة شعور باليأس وخيبة الأمل المعممة وعدم الثقة في الدولة والخطابات المؤسساتية الحكومية أو الحزبية[13]. وهذا الأمر يجعلنا نعيد طرح "مفهوم الشباب" من جديد؛ فالشباب الذي كان في ستينيات القرن الفائت عنوان التغيير الاجتماعي لدى صانعي القرار لم يعد كذلك اليوم، بل صار عنوان المشكلات الاجتماعية المتعلقة بالبطالة وغياب الآفاق المهنية وصولا إلى ''العنف'' والانخراط في الجماعات الجهادية المسلحة، سواءتلك التي تحاول أن تجد لها موطئ قدم في تونس أو تلك "المجاهدة في بلاد الشام''[14] من أجل "حلم الخلافة" و استعادة مجد المسلمين الضائع، حيث تستقطب تلك الجماعات الفئات الشبابية بشكل مخصوص. إذن، في ظل كل هذا، ماهو التعريف السوسيولوجي الممكن للشباب؟.
ج-ماذا يعني أن تكون شابا اليوم؟
لايمكن فهم المسألة الشبابية دون أن نموضعها في السياق العام الذي تعيشه المجتمعات المعاصرة، وهو سياق كما يلاحظ عالم الاجتماع في بجوا[15] يتميز "بتغيرات عميقة وبانقلابات كبرى إلى الحد الذي لا يمكن أن نبالغ فيه بالقول إننا نعيش في أزمنة الطفرة. ومفهوم الطفرة هنا يتعدى مفهوم الأزمة والإصلاح أو حتى التطور. إنه يعني فيما يعنيه الانتقال من نسق اجتماعي إلى آخر مختلف نوعيا".وتمس هذه الطفرة برأي بجوا كل حقول الحياة الاجتماعية بدأ من حقل الدولة الاجتماعية التي أصبحت في حدها الأدنى، حيث بتنا اليوم إزاء خطاب وتصور معمم يرى أن على الدولة أن تتخلى شيئا فشيئا عن الفئات الهشة وأن تغير سياستها الاجتماعية القائمة على منطق الإحاطة الاجتماعيةإلى سياسة أخرى تقوم على الدفع بتلك الفئات على تحمل مسؤوليتها وحل مشكلاتها بنفسها من خلال تثمين مقولات المبادرة والتمكين والمشاركة إلى غير ذلك من المقولات التي باتت تستعمل في الخطابات الرسمية وصولا إلى حقول علاقات التنشئة والاندماج، حيث نعيش اليوم كما يلاحظ بجوا انتقالا من مجتمعات تتأسس على مبدإ الواجب والانضباط إلى مجتمعات محكومة بنزعة الأفراد نحو الاستقلالية والتحقق الذاتي؛ أي بزوغ حق الأفراد في أن يكونوا ذواتا وفاعلين في وجودهم الشخصي. إلا أن هذا التحول صارت تقابله صعوبات تحول دون العديد من الشبان أن يحققوا ذواتهم بشكل كامل وذلك نتيجة صعوبات الاندماج في عالمي العمل والاستهلاك بشكل كامل.
·تمدد الشباب وسيادة اللايقين:
في هذا السياق الجديد، يقترح أوليفييه قالوند تعويض إعادة صياغة لمفهوم الشباب بمفهوم "الانتقال إلى سن الرشد" أو "الدخول في الحياة"، في إحالة إلى فكرة مفادها أن الشباب هو زمن اجتماعي له خاصية انتقالية. لكن بالمقابل يلاحظ قالوند، أن الشباب من حيث هو زمن انتقالي أصبح يعرف "تمددا"[16] و ذلك في ارتباط وثيق بالصعوبة التي تواجهها الفئات الشبابية اليوم في ما يتعلق بتحقيق الاندماج في سوق الشغل عبر العمل القار، حيث صارت الفئات الشبابية تواجه تحولات عالم العملالذي أصبح مرنا على نحو أدى إلىبروز ما يسمى بالعمل الهش الذي يفضي إلى نوع من الهشاشة النفسية والعلائقية، حيث تعيش الفئات الشبابية في هذا الخضم،مثلما يشير إلى ذلك روبار كستال،[17]علاقة سلبية ومضاعفة بالشغل ترتبط من ناحية أولى بالعمل، وذلك حين تحول عملية التتابع بين فترات البطالة وفترات العمل الهش غير المستقر دون بناء مسار مهني ثابت. من ناحية ثانية بالموجهات السوسيوعلائقية، حيث تغدو الجماعاتية في خضم البطالة، مجرد علاقات آفلة و "وقتل للوقت" تترافق مع "إستفزازات صغيرة" و"انحرافات صغيرة" تريد التعبير عن زمنية بدون مستقبل.
ضمن هذا التحول، يمكن القول إن الشباب لا يمكن أن يكون واحدا وبألف تعريف، بل إنه متعدد خاصة من حيث طرق التفاعل من اللايقينيات الجديدة المرتبطة بالقيموتحولات عالم العمل، بعبارة أخرى نغدو مع "شباب اليوم'' إزاء تعدديةتتعلق بطرق مواجهة الآثار النفسية للبطالة وإدارة حالة اللايقين التي تخلفها وكيفية ''افتكاك مكان تحت الشمس". متعددة هي طرق شباب اليوم، ولكن ما يلفت انتباهنا هو استدعاء الديني وفبركته وتحويله إلى أداة لتشكيل الذات وتأكيدها في الفضاء العام، بحثا عن الاعتراف وعن قيم ثابتة، ومتأكد منها.
·الشباب: مجال اجتماعي هش
تفصح هذه القراءة، على أن المسار الحياتي "لشباب اليوم" "تظهر شيئا فشيئا أقل خطية، وأكثر بعثرة وتنوعا وتعقيدا. "لتصبح بذلك "المحنة" والتجربة التي تخوضها الفئات الشبابية التونسية هي تجربة يميزها اللايقين والريبة إزاء المستقبل. وذلك نتيجة لصعوبة تحقيق الاندماج المهني والاجتماعي، وهو ما يمكن أن يفضي، بحسب فرانسوا ديسنغلي[18]،إلى تبعية الأجيال الجديدة للمؤسسات الاجتماعية من ذلك مثلا العائلة والدولة.
من هذه الزاوية، يمكن القول إن الشباب هو حقيقة اجتماعية متعددة الأبعاد، ومتغيرة باستمرار، تبعا لتنوع السياقات. ففي السياق التونسي، تنبثق المسألة الشبابية اليوم بشكل مختلف عما ساد في العشريات الأولى للاستقلال حين وقع تمثل "الشباب" بوصفه فاعلا في عملية التغير الاجتماعي، ومورد من موارد تحقيق التنميةوالخروج من التخلف. في حين تظهر "الأجيال الحالية''، كرديف للأزماتوالمشكلات الاجتماعية[19](ارتفاع نسب البطالة، الهجرة السرية، العنف...إلخ).
في سياق هذا التحول الذي يحف بالمسألة الشبابية، بفعل صيرورات وديناميكيات معقدة تعرفها المجتمعات المعاصرة – و من بينها المجتمع التونسي– يجد جزء كبير من "الشباب التونسي" نفسه مرميا في الشارع بعبارة عبد القادر الزغل[20] نتيجة "للإخفاق المدرسي". وكذلك نتيجة لعجز سوق الشغل عن استيعاب خريجي الجامعات الذين يتزايد عددهم سنة بعد أخرى، ليكونوا بذلك على هامش عالم العمل وفي قلب تجربة البطالة التي يعيشونها بطريقة دراماتيكية[21]،حيث يرتفع لدى كثير من الشباب التونسي الشعور بالإحباط، وخيبة الأمل، وعدم الثقة في المؤسسات الاجتماعية.
وإذا كانت الفئات الشبابية قد كانت منذ ثمانينيات القرن الماضي في قلب الأحداث الحضرية التي عرفتها تونس، على إثر أزمات نزعت السحر عن المشروع التنموي لدولة الاستقلال ((الخميس الأسود جانفي 1978) و(أحداث جانفي 1984))، وكشفت عن حدوده. فإنها تجد اليوم نفسها في قلب "ثورة 14 جانفي" التي أدت إلى الإطاحة بنظام بن علي، ذلك أن محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه يوم 17 ديسمبر 2010أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجا على وضعه الاجتماعي، قد عبر بعمق عن المحن التي يواجهها الشباب التونسيعلى المستوى الاقتصادية السياسي النفسي.
2- التدين كإطار للمقاومة الفردية والجماعية:
في ظل الشعور بالإقصاء يستدعي جزء من الشبية التونسية منظومة القيم الدينية كإطار هوياتي لتخفيف وطأة اللايقين اتي يعيشونها إزاء المستقبل. يعبر هؤلاء الشبان عن تدينهم بطرائق متعددة ومختلفة بدءا من المظهر الخارجي (إطالة اللحية وإرتداء القميص) وصولا على المواظبة على الصلاة في أوقاتها وفي المسجد.يظهر الدين في هذا الإطار بمثابة القيمة، الملجأ الذي يعطي نوعا من السعادة الوهمية التي تسفه الدنيوي وتعطي إمكانية انتظار الأخروي الآجل ذلك أن الدين يخمد بعض الشئ مرارة الخيبة والإحساس بالحرمان؛ فكما يقول ماكس فيبر يظل الدين عزاء المحرومين، إذ يبقى دائما في خدمة المساكين يقدم لهم العون على تحمل الحياة ويحول دونهم والسقوط في اليأس والقنوط.
لكن ما يجب الإشارة إليه أن هذا التدين الذي يتجه إلى بعض من الشباب المهمش ليس بمعزل في الحقيقية عن ثقافة شبابية تستحيل في خضم ''القلق'' و''التوتر" و''الشعور بعدم الأمان" إزاء المستقبل إلى قضية هوية ذاتية تبحث عن معانيها بصفة فردية والمقصود باهوية الفردية كما يحددها ''مانويال كاستلز'' هي ''نتاج عمل هوياتي يستند إلى خاصيتين هما: إعطاء معنى للأنا والقدرة التعبيرية عنها عبر مختلف الأفعال والسلوكيات التي تتجلى في علامات هوية صريحة"[22]لتغدو في هذا السياق مسألة التدين مسألة هوية شخصية تشي بصعود إسلاموية جديدة تقوم على حساسية ذاتية وفردية تحركها الرغبة في تحقيق الاعتراف الاجتماعي والخروج من حالة عدم الاعتبارية التي يعيشها هؤلاء الشبان والتي تعد بمثابة الوجود الممحي، مما يدفع إلى استعمال الديني استعمالا خاصا قصد حفظ واجهة[23] يرى الشباب الذي يلجأ إلىتجربة التدين أنها بصدد التآكل والتهرؤ بفعل الوصم الناتج عن فقدان الهوية المهنية وبالتالي يغدو التدين في هذا الصدد بمثابة إستراتيجية إلتفاف على الهوية المفروضة من الخارج[24] وعملية إقامة مسافة إزاء نسق قيمي يتأسس على منطق الوصم و الاستبعاد.
أ-السلفية: الفرد الجماعوي والتدين القصووي
تبدو الحركة السلفية بمثابة الطائفة المغلقة والمجتمع السري، مثلما حدده جورج زيمل[25] مجتمع له عاداته وطقوسه وسلوكياته، ورموزه ونمط عيشه الخاص. يمكن هذا الأمر من تشكيل حدودية رمزية ''المجتمع السلفي'' وبقية المجموعات الاجتماعية الأخرى، وهذه الحدودية هي التي تشكل معنى "الهوية السلفية" وليست الهوية في تعريفها هي بمثابة الحد الذي يخلق تمايزا إزاء الآخر المختلف. تستقي الحركة السلفية حدوديتها من كونها تقدم قراءة أصولية للإسلام تقوم على مبدإ الجوهرانية والثبات.
وإن تميز التيار السلفي عدم الاتساق والتجانس في مستوى التصور السياسي؛[26] فإنه يقف عند حقيقة واحدة ألا وهي أن هناك أصلا (السلف الصالح) و فرعا (الخلف) لا يتحقق إيمانه وخلاصه إلا باتباع إسلام السلف (الصحابة والتابعين وتابعي التابعين) وهو إسلام يرون فيه النقاء والطهرية وتشكل هذه الفكرة تحديدا أساس اليطوبيا التي تأسس الحركات الإسلامية بشكل عام والحركة السلفية بشكل خاص مشروعيتهاوتقوم هذه اليوطوبيا على ضرورة '' إعادة أسلمة المجتمع من جديد'' وإن كانت حركات الإسلام السياسي ( على غرار حركة الإخوان المسلمين التي تمثلها حركة النهضة في السياق التونسي) ترى أن ''إعادة الأسلمة'' تتم عبر الدولة والوصول إلى السلطة، فإن مايسميه أوليفييه روا بالسلفية الجديدة ''تحاول أسلمة المجتمع من جديد عبر القاعدة وليس عبر الدولة. وهذا أمر لا يخالف مالاحظناه حول الإسلاموية: إذا كان المجتمع الإسلامي يقوم أولا وقبل كل شئ على فضيلة أفراده، فإن ذلك يعني وجوب إصلاح الأفراد والممارسات. وإن التوسع في هذه الأسلمة يفضي بالضرورة إلى مجتمع إسلامي''[27] وتتم هذه الأسلمة عبر آلية "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"[28] التي ''تهدف إلى جعل الأفراد يعودون إلى ممارسة الإسلام في الحياة اليومية (الصلاة، الصوم، وأن ترتدي النساء النقاب) على أن يرافق ذلك حركة مجتمعية "من تحت" (أي من دون المرور بالدولة و السلطة: أماكن لقاء، نواد لإعارة الكتب، دروس للأطفال، وتعاونيات (...) ليتمحور صلاح العادات حول العودة إلى الممارسىة الفردية. وهنا تلتقي السلفية الجديدة بالتحركات القائمة منذ زمن بعيد، مثل جماعة التبليغ. فالدعاة يبلغون دعوتهم من بيت إلى بيت و يعظون – و أحيانا يوبخون - المسلمين الذين يتناسون عباداتهم و يستغلون مركب الإحساس بالذنب والاحترام الممزوج بالحنين الذي يكنه المسلم بالمعنى '' السوسيولوجي (أي ذلك الذي لا يتقيد بالفرائض ولا يؤدي العبادات ويحرص على أن يقول أنه مسلم) لأحكام القرآن والشريعة. كما يستغلون أيضا بؤس حياة من يرى تفكك قيمه وأسرته ويزنون المعادلة بين تردي وضعه وبين إغواءات المجتمع المتغرب الخداعة (الكحول أفلام الدعارة: أو التسامح حيال سلوك الفتيات إلخ)".[29]
ينبثق في الإطار ما يمكن أن نسميه تدين قصووي، حيث تفيض الممارسة الدينية على الحياة اليومية في كل تفاصيلها الدقيقة إلى الحد الذي ترفض فيه كل الممارسات اليومية، مثل التسلية والموسيقى والمسرح[30] ومشاهدة التلفزيون وذلك ضمن تأويل أصولي وطهراني للإسلام يرفض كل ما يعتبر مخالفا للدين. في هذا الخضم تظهر السلفية بوصفها تشكل جماعوي، يحاول أن يهيكل الاجتماعي عبر مرجعية دينية تقصي كل المرجعيات الأخرى، بل وتلغيها وتحبك هذه الرؤية داخل الجماعة السلفية التي تحبك كما يرى عادل بالحاج رحومة "نسيجا من العصبية والتعصب"[31] الأمر الذي أدى إلى بروز الفرد الجماعوي هذا الفرد الذي "سيتشكل وفق العقل اليومي الخاص بالعامة (...) إنه فرد جماعوي متماه بصفة امتثالية مع العنصر العامي كجماعة أو ملة؛ أي أنه مثلما يقول فتحي المسكيني: "عنصر خطابي وانفعالي و تخييلي مشترك و ظاهر، لأنه جمهوري، ولذلك فهو خطير بوجهين: على العلم بالجهالة وعلى الحكم بالفتنة"[32] وهو فرد قطيعي بالمعنى النيتشوي، حيث ''يحتاج إلى مسكنات لكي يخدر الحياة بأفراح صغيرة وانبساط أو روحانيات يتخذها ذريعة، حتى يتهرب من نفسه أويتناساها. إنه كسل روحي وذهني ينوب مواجهة الحياة بإرادة القوة. فبدل أن يفكر الفرد لنفسه كذات يوكل أمره للآخرين يفكرون له، يمثل هذا الرهط من المواطنية"[33] خطرا على الديمقراطية. إذا تخلق السلفية تطابقا بين الذات الفردية والذات الجماعية على نحو تصبح فيه "تجربة التسلف" تجربة ذاتية تحتاج إلى تعبئة موارد عاطفية كبيرة بالنسبة للشبانالذين يختارون ''المنهاج السلفي" حيث يجدون أنفسهم مطالبون بالذهاب إلى الحد الأقصى في تقمص ميثلوجيا "السلف الصالح" و تحمل عبئ الدفاع عن ''الإسلام" و عن "أمة الإسلام" وهو ما يخلق لدى الكثير منهم شعور بالتفوق بل والاحتقار - من منطلق مقولة "الفرقة الناجية"- لكل من لا يعتبر مسلما بالقدر الكافي أو لبقية المجموعات السياسية المحسوبة على "يسار علماني يعادي الإسلام" برأي مريدو الحركة السلفية. يمكن هذا التدين القصووي فئات شبابية تستشعر الحرمان والإقصاء من تحقيق التمايز و إعادة ترميم واجهة شخصية متآكلة.
*- إرادة التمايز:
تمكن الحركة السلفية بما هي طائفة و "قبيلة حضرية" و"طائفية عاطفية" الفئات الشبابية إمكانية بناء هوية مقاومة و صراعية (صراع ضد مجتمع لا يطبق الإسلام الحقيقي) و بالتالي التمايز الكلي إزاء المجموعات الاجتماعية الأخرى.فالتيار السلفي في شقيه العلمي و الجهادي، ينحو إلى احتكار الحقيقة الدينية، عبر الاعتماد على مقولة الفرقة الناجية والطائفة المنتصرة. في هذا الصدد يعتبر الشباب السلفي أنفسهم بمثابة الفرقة الناجية الأمر الذي يجعل إيديولوجيتهم الخاصة مرتطبة برؤية "طهرانية خاصة" تمكنهم من رفض بقية التأويلات الممكنة لما يمكن أن يكون عليه الإسلام. من هنا تتبرز ثقافة التكفير والتحريم التي تميز خطاباتهم في الفضاء العام التونسي وفي خطب يوم الجمعة؛ فالتكفير وهو آلية الوصم و الإقصاء التي يعتمدها السلفيون لإقصاء خصومهم وأيضا لرسم حدودبينهم وبين المجموعات الدينية الأخرى التي غالبا ما يعتبرونها "مجموعات تحريفية" (نفس الشئ تقريبا نجده لدى الجماعات اليسارية المتناحرة حول الفكر الماركسي)، بل إزاء المجتمع وكل مؤسساته وقوانينيه التي يجب تغييرها بما أنها لا تتناسب مع "شرع الله''، بل إن المجتمع هو مجتمع جاهلي وفاسد. ومن هنا يجب تغيير هذا المجتمع بتحكيم شرع الله ولكن في ذات الإطار يجب ألا ينخرط في المجموعات السلفية إلا هؤلاء الذين لهم الاستعداد للتوبة والانخراط بشكل جدي وحقيقي في الرؤية السلفية لما يجب أن يكونه المجتمع، ولما يمكن اعتباره أيضا "الإسلام الحق".وعلى هذا الأساس، نلاحظ عدم ارتياد الشباب السلفي المقاهي بشكل كثيف، بل إن المسجد هو فضاء اللقاء المفضل الذي يمكنهم من ''استقطاب'' مريدين جدد وكذلك من اللقاء "بالإخوة". لا تتأكد هذه الحدودية فقط عبر الخطاب الديني الذي ينتجه السلفيين، بل إنها تتأكد من خلال مجموعة من الرموز والسلوكيات التي يمسرح من خلال السلفيين ذواتهم في الفضاء العمومي، والتي تشتغل بوصفها أدوات تواصليةبين الشباب المنتمي للمجموعات السلفية، تتمثل هذه الرموز في المظهر الخارجي، والمتمثل في اللباس (القميص)و(اللحية) والنقاب بالنسبة للنساء، ويتشتغل التيار السلفي كمجال للتنشئة الدينية التي تمكن أفرادها من التطبع بالفكر السلفي في مستواه الثيولوجي، وفي مستواه السلوكي اليومي، وذلك في إطار فوران للمعنى الديني على بقية المعاني الدنيوية الأخرى. يفرض هذا الأمر نوعا من الانضباط السلوكي المتمثل خاصة في عدم السلام باليد على النساء، وهو ما يعني تأسسيس أرثوذكسية دينية تلعب دورا تعبويا ضد بقية المجتمع لتغذي بذلك كل أصناف العنف الرمزي والمادي ضد المجموعات الاجتماعية الأخرى المعتبرة مارقة عن الدين.
يمكن القول في هذه النقطة إن المجموعات السلفية المنتشرة فيالأحياء الشعبية بقدر ما تستفيد من الفراغ المؤسساتي التي تركته المؤسسات الراعية للهويات الفردية و كذلك من تراخي الدولة على المستوى الأمني و الإجتماعي بعد ثورة 14 يناير 2011، فإنها تمكن جزءا من الشباب المهمش من الانخراط في منظومة علائقية و قيمية تمكنه من العثور على موجهات هوياتية وإثبات وجود الخاص من جهة. ومن جهة ثانية، فإنها تمكن مريديها من الشباب من "مقارعة" مجتمع يرون أنه يقصيهم ويحتقرهم، ولايوفر لهم بدائل حقيقية للاندماج الاقتصادي والاجتماعي.بالإضافة إلىهذا، فالانطواء في طائفة دينية وتجنب أي اتصال معمق مع الآخرين يمثل إستراتجية لعرض نوع من التمايز الاجتماعي، وذلك لاعتبار يتعلق بكون أن الشباب في الأحياء الشعبية عادة ما يكون لديهم مسار وتاريخ فردي متشابه وثقافة شبابية واحدة. وبالتالي، فالانخراط في جماعة دينية طائفية يمكن من خلق تمايزات فيما بينهم.
يمكن استثمار الديني من خلق حدودية رمزية بين شباب ملتزم وآخر غير ملتزم.وهذه الحدوية تمثل في الحقيقة عاملا مهما لإعادة تشكيل الهوية الفردية وإعادة ترميمها ضمن إطار جديد؛ فجل الشبان الذين ينخرطون في الحركة السلفية هم من الشباب الذي يعاني الوصم الاجتماعي بفعل البطالة والتهميش الاجتماعي الذي يؤدي إلى الانحراف والسجن والشعور بالاحتقار، مما يخلق لديهم هوية موصومة، ذلك أن كل هوية موصومة هي ليست فقط إعاقة من الصعب تحملها ولكنها نوع من اللاشخصنة ناتجة عن هوة بين الصورة التي يحملها الفرد عن ذاته والصورة التي يدركها عند الآخرين. ومن هنا يغدو الانخراط في الحركة السلفية محاولة لإعادة الاعتبار لهوية سلبية و الخروج من وضعية دونية لامرئية إلى وضعية مرئية تقوم على الاعتراف.
ب-الحركة السلفية كبديل تضامني لاشكلي:
يدرك "ميشال ما فيزولي" التحول الحاصل في الروابط الاجتماعية، ليس باعتباره تفككا وانتفاءا للمعيارية وبروزالأنوميا جديدة، بقدر ما يشي بصيرورة مستحدثة يعاد فيها تشكيل الروابط الاجتماعية على نحو تتجه فيه الروابط الجماعاتية إلى تعويض الروابط التعاقدية دون أن يعني هذا التحول برأي مافيزولي عودة للجماعية التقليدية، بل إنه يعني ظهور مجموعات مجهرية هي بالمعنى الفيبري جماعات شعورية [34] تتأسس على التواشج، والتواتد، والتوالف في تقاسم هواية أو انتماء مشترك. ذلك هو حال المجموعات الشبابية السلفية التي باتت مرئية في الفضاء العمومي الحضري في تونس إبان "ثورة 14 يناير". إن تقاسم الانتماء المشترك الذي توفره الجماعة السلفية لمريديها يفرض نوعا من التضامن الذي يجعل الجماعة متماسكة في الصراء والضراء. ويتجلى هذا التضامن بشكل خاص في مستوى مساعدة الشباب في تكوين مشروع تجاري صغير، خاصة حينما يكون '' أحد الإخوة" عاطلا عن العمل، وغالبا ما يندرج النشاط التجاري السلفي ضمن نشاطات السوق الموازية والاقتصاد اللاشكلي، حيث نلاحظ حضورا كبيرا للشبان السلفيين بين الباعة الجوالين وفي النشاطات المرتبطة بالتهريب الذي يمكن الجماعات السلفية من موارد مالية تجعلها قادرة على تمويل أنشطتها الدعوية والاجتماعية ومساعدة مريديها الأوفياء في إيجاد عمل والزواج بيسر. يشكل هذا "التضامن الحي" آلية لتقوية الانتماء إلى الجماعة السلفية وطريقا لإقامة قطيعة مع المؤسسات الاجتماعية الرسمية للدولة (غالبا ما نلاحظ غيابا للتيار السلفي في الاعتصامات التي تطالب بالشغل وتحسين الظروف الاجتماعية) كما يمثل مدخلا لإحياء مقولات تنتمي إلى سجل الزكاة والإحسان، فأشكال اللامساواة لا يجب القضاء عليها في عرف الحركات الإسلامية بتوزيع عادل للثروة وفق منطق العدالة بين الفئات الاجتماعية، ولكن عبر آليات الزكاة والإحسان وتطبيق نظام اقتصادي يستقي مرجعيته من الإسلام. إن التضامن اللاشكلي الذي تخلقه الجماعة السلفية، بقدر ما يشتغل كآلية لتعزيز الانتماء إلى الجماعة إلا أنه يشيرفي ذات الوقت إلى تخلي مؤسسات الكفالة الاجتماعية الرسمية وكذلك المجتمع المدني عن التكفل بالمسألة الاجتماعية وترك الفئات الهشة لحسابها الخاص تواجه لوحدها تبعات الأزمات الاقتصادية وغياب الحلول الجدية لمشكلاتها. فحضور الحركة السلفية في الفضاءات المهمشة هو نتاج لسياسات وخيارات اقتصادية عمقت على امتداد عقود اللامساواة بين الفئات الاجتماعية. والملاحظ أن الدولة كثيرا ما تغض الطرف عن هذا الحضور السلفي، و لا تتدخل إلا من منطلق أمني بحت من أجل حماية التنظام السياسي القائم وفرض نوع من ''الاستقرار الأمني الشكلي".ذلك أن الخطاب الرسمي السائد اليوم حول ظاهرة ''الإرهاب'' هو خطاب أمنوي يفتقد لمقاربة اجتماعية تحارب الفقر والتهميش الاجتماعي، كما يفتقدأيضا إلى مقاربة تربوية وثقافية تعلي من قيم النقد والتساؤل لدى الناشئة.
ج-الحركة السلفية ورهانات المواطنة:
*- الحركة السلفية: حركة اجتماعية مضادة
''الفرد لا يصبح ذاتا، منتزعا نفسه من الماهية، إلا إذا عارض منطق السيطرة الاجتماعية باسم منطق الحرية والإنتاج الحر للذات"[35] هكذا يقول ألان تورين في كتابه ''نقد الحداثة'' متحدثا عن الذات بوصفها حركة اجتماعية، تختزن طاقة خلاقة للتحرر وتمتلك إبداعيتها الخاصة. في هذا الصدد تظهرالحركة السلفية المسكونة بنزعة طائفة بمثابة الحركة الاجتماعية-المضادة التي كمجرد ردة فعل ارتكاسية نحو خطاب الهوية ومنطق الجماعة دون القدرة على بلورة برنامج وإستراتيجية سياسية قادرة على التغيير في اتجاه تحرير الذات، بل تشتغل الحركة السلفية وفق منطق مضاد لقيم الحرية والديمقراطية التي رفعت في شارع الحبيب بورقيبة يوم 14يناير 2011 ذلك أن حتى الثورة كحركة اجتماعية وفعل تاريخي بامتياز هي في العرف السلفي هي "هبة إلهية'' ويجب استثمارها في سبيل'' ترسيخ حكم شرع الله'' في هذه النقطة بالذات، يبرز المأزق الفعلاني للحركات الأصولية بشكل عام والحركة السلفية بشكل خاص ذلك أن البديل الذي تقدمه هو بديل '' طوباوي" يتعارض مع مبدإ التاريخانية، ويقوم على ضمانات ميتا- اجتماعية من قبيل مقولات الأمة والرعاية الإلهية ذلك أن مبدأ التاريخانية يفترض مثلما يبين ألان تورين ''أن تعرف المجتمعات ذاتها اجتماعيا، عندما تعترف بأنها نتاج عملها ونتاج روابطها الاجتماعية، وماقد يبدو للوهلة الأولىمجموعة من ''المعطيات الاجتماعية'' ما هو إلا حصيلة للعمل الاجتماعي للقرارات أوالاتفاقات ونتيجة للهيمنة والصراعات".[36]
من ناحية أخرى تتعارض الحركة الاجتماعيةبماهي حركة صراعية مع فكرة العنف؛ فهي حركة مدنية تموضع الصراع الاجتماعي ضمن إطار مؤسساتي، في حين نجد أن الحركة السلفية تنحو نحو ''العنف الميتا-سياسي" أو ''العنف المقدس" وهذا ما يفقدها مدنيتها ولا يجعلها تتواءم ومقولات المواطنة والديمقراطية بماهي فكرة مؤسساتية. وبالتالي فعملية الانتقال الديمقراطي في السياقي التونسي مرتبطة إلى حد ما بكيفية إدراج الجماعات السلفية المعادية للفكرة الديمقراطية ومعيارية المواطنة في نظام الصراع الممأسس بعيدا عن فكرة العنف المعمم. لا يحدث هذا الأمر دون تشكل فضاء عمومي بالمعنى الهابرماسي تطرح فيه المسألة الدينية للنقاش لا من أجل تقويضها، بل من أجل نزع السحر وفك الهالة عنها، مما يمكن من إعادة تأويلها وقراءتها في سياق إكراهات الدمقرطة والمواطنة.
الخاتمة:
يبدو لنا من خلال البحث في أوجه العلاقة بين الحركة السلفيةبشقيها الجهاديوالعلمي والفئات الشبابية المنتسبة لها أن جذز هذه العلاقة يقع في تحولات المجتمع نفسه، بل لنقل مع ألان تورين ضمن نهاية فكرة المجتمع نفسها[37] التي أصبحت مؤسساته مفرغة من المعنى وفاقدة الشرعية بالمعنى الذي يجعلها تلبي المتطلبات النفسية "لشبيبة خاب ضنها" و"ضاقت بها السبل'' الأمر الذي سيجعلها تبحث عن سبلها الخاصة بعيدا عن ربقة المؤسسات الرسمية والأطر التقليدية المانحة للمعنى. فتغدو بذلك التيارات السلفية والحركات الأصولية من بين البدائل الممكنة التي تمكن شباب الأحياء الفقيرة وشباب الطبقات المتوسطة المتآكلة من ''تأكيد ذاتية محبطة'' في وجه دولة يرون أنها ''كافرة" و يحكمها "الطاغوت". ذلك أن الجماعات السلفية تمنح نظاما أخلاقيا يتسم بالثبات والدوغمائية اليقينية، وهي يقينية تحتاجها شبيبة تشعر أن البطالة والمستقبل الغامض يتربصان بها بين الحين والآخر. إلا أن انخراط جزء من الشباب التونسي في التيارات السلفية الجهادية بشكل خاص هوعلامة عجز المؤسسات الرسمية في تطوير سياسات عمومية للشباب تكون قادرة بشكل جدي على تقديم إجابات مقنعة. لكن تطور الظاهرة السلفية في السياق التونسي الحالي، لا يمكن رده فقط إلى مسألة هوياتية، بل إن المسألة أيضا متعلقة برهانات جيوستراتجية تلعب فيها القوى المتنفذة على المستوى العالمي دورا كبيرا، حيث لا تتوانى عن استعمال كل الموارد الممكنة من أجل تحقيق مصالحها بما في ذلك التيارات السلفية التي يظهر أنها "ورقة رابحة"بشكل أو بآخر يسهل التلاعبوتوظيفها في هذا الاتجاه أو ذاك بحسب ما تمليه السياقات وموازين القوى.
قائمة المراجع:
باللغة العربية:
-روا أوليفييه، تجربة الإسلام السياسي، ترجمة نصير مروة دار الساقي، الطبعة الثانية، بيروت، 1996
-عادل الحاج رحومة،السلفيون والثورة التونسية الهوية و المواطنة''، مجلة عمران، العدد6، سنة 2013
-تورين ألان، نقد الحداثة،ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1997
باللغة الفرنسية:
-Bajoit (Guy), «des jeunes en quête de sens dans un monde incertain » inhttp://www.hainaut.be/culture/formationsDGAC/seminaires/medias/guy_bajoit_abstract_de_la_conference.pdf
-Castells (Manuelle), le pouvoir de l’identité, Paris. Fayard 1999
-Dubar (Claude), la crise des identités: l’interprétation d’une mutation. Paris. P.U.F 2000.
-Galland (Olivier) les jeunes, Paris, la Découverte,2002
-Goffman Erving, la présentation de soi, Paris, Minuit, coll. «le sens commun»,1971 (1973)
-Mahfoudh Dorra«Aperçu sur la sociologie de la jeunesse en Tunisie» in Jeunes Dynamique identitaires etfrontières culturelles. Actes de colloques de Hammamet 16-17 Février 2007
-Maffesolli Michel, Le temps des tribus, Méridiens Klink siècle, 1988
-Martuccelli, (D), Grammaire de l’individu, Paris Gallimard 2002
-Simmel George, Sociologie: Etudes sur les formes de la socialisation. Paris. P.U.F 1999
-Stambouli (F) «Système sociale et urbanisation: Aspect de la dynamique globale de l’urbanisation de la ville Tunisienne» in Revue tunisienne des sciences sociales. N 27, 1971
-Touraine Alain, Production de la société, collection sociologie; Paris, édition du seuil 1973
-Touraine (A (, La fin des sociétés. Paris, édition du Seuil, 2013
-Zghal (Abdelkader), «La jeunesse arabe,vigile de la société» in la jeunesse dans les années 80, les Presses de l’UNESCO, Paris 1980, 1991, p129
-Zghal (Abdelkader) «Note pour un débat sur la jeunesse arabe» in Cahier de CERES, Série sociologique, n 10,1989
*- نص المداخلة الذي ألقي في الندوة التي نظمتها مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث تحت عنوان: "إشكالية الدين والتدين: أسئلة، مقاربات، نماذج"،بتاريخ 5 ـ 6 أكتوبر2013،الرباط، المغرب.
[1]- وجهت وزارة الداخلية في ندوة رسمية تهمة إغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد و محمد البراهمي إلى عناصر سلفية، لتعلن في مرحلة لاحقة تصنيف أنصار الشريعة كتنظيم إرهابي.
[2]- حدث هذا الأمر بوجه خاص مباشرة بعد الثورة إلى إغلاق مواخير مرخص لها من قبل علما و أن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي ترخص للعمل الجنسي العلني في إطار ماخور اوهو مكان كثيرا ما يكون تحت الرقابة الأمنية والصحية للدولة.
[3]- في 19 ماي 2012عرفت مدينة سيدي بوزيد حملة قام بها نشطاء سلفيين ضد باعة الخور و ضد الحانات لتتلوها في مرحلة لا حقة مواجهات بين الأمن و تلك العناصر.
[4]- هذه العبارة هي عبارة متواترة لدى قيادات حركة النهضة الإسلامية وهي برأينا عبارة إيديولوجية تدخل في إطار تصور حركة النهضة للمسألة الدينية، حيث لازالت على غرار الحركات الإخوانية تعتقد بضرورة إقحام الشان الديني في المجال العام.
[5]- يمثل هؤلاء القادة بشكل خاص على العريض رئيس الحكومة الحالي و الصادق شورو والحبيب اللوز وراشد الغنوشي الذي صرح لجريدة الفجر الجزائرية قائلا أن السلفيين هم أبناؤنا الذين بيبشرون بثقافة.
[6]- Stambouli (F) « Système sociale et urbanisation: Aspect de la dynamique globale de l’urbanisation de la ville Tunisienne » in Revue tunisienne des sciences sociales. N 27, 1971
[7]- بحسب المعهد إحصاءات المعهد الوطني الإحصاء تبلغ نسبة الفقر في الجمهورية التونسية حوالي 25 بالمئة ويوجد أغلبهم في المناطق الداخلية المهمشة
[8]- بالحاج رحومة عادل'' السلفيون والثورة التونسية الهوية و المواطنة'' مجلة عمران العدد6 سنة 2013 ص 198
[9]- بالحاج رحومة عادل مرجع سابق ص 198
[10]- Martuccelli, (D) , Grammaire de l’individu, Paris Gallimard 2002. P 77
[11]- وجهت تهمة المس من المؤسسة الأمنية إلى أحد مغني الراب المعروفين بإسم "ولد 15'' وذلك نتيجة أغنية راب عنوانها ''البوليسية كلاب''
[12]- Eme (B) «l’existence bafouée des jeunes précaires» in Projet n 289, novembre 2005 p 66
[13]- بحسب المرصد الوطني للشباب 6 بالمئة هم الشباب الذين شاركوا في إنتخابات 23 أكتوبر 2012كما نلاحط " عزوف'' كبير لدى الشباب عن الإنخراط في الأحزاب السياسة و الجمعيات.
[14]-برزت على إثر إنطلاق الثورة السورية التي واجهها النظام بقمع شديد ظاهرة تجنيد الشباب التونسي للذهاب قصد القتال في سوريا بالإضافة إلى تجنيد الفتيات من أجل '' جهاد النكاح '' بحسب تصريحات السلطات الرسمية.
[15]- Bajoit (Guy),«des jeunes en quête de sens dans un monde incertain»inhttp://www.hainaut.be/culture/formationsDGAC/seminaires/medias/guy_bajoit_abstract_de_la_conference.pdf
[16]- Galland (O) les jeunes, Paris, la Découverte ,2002 p.53
[17]- Castel (R) «les dynamique de processus de marginalisation» in Cahier de Recherche sociologique, 1994 n 22 p20
[18]- De Singly (F) «Penser autrement la jeunesse» in lien social et politique n 43, 2000, p.15
[19]- Mahfoudh(D) «Aperçu sur la sociologie de la jeunesse enTunisie» in Jeunes Dynamique identitaires etfrontières culturelles. Actes de colloques de Hammamet 16-17 Février 2007 p.15
[20]- Zghal (A), «La jeunesse arabe, vigile de la société» in la jeunesse dans les années 80, les Presses de l’UNESCO, Paris 1980, 1991, p129
[21]- Zghal (A) «Note pour un débat sur la jeunesse arabe» in Cahier de CERES, Série sociologique, n 10, p.22
[22]- Castells (M), le pouvoir de l’identité, Paris. Fayard 1999. p 116
[23]- Goffman (E), la présentation de soi, Paris, Minuit, coll. «le sens commun»,1971 (1973).
[24]- Dubar (Claude), la crise des identités: l’interprétation d’une mutation. Paris. P.U.F 2000
[25]- Simmel (G), Sociologie: Etudes sur les formes de la socialisation. Paris. P.U.F 1999. P. 345
[26]- التيار السلفي ليس متجانسا من حيث مواقفة السياسية، إذ يرى التيار السلفي العلمي ضرورة إطاعة الحاكم وعدم الخروج عليه والاكتفاء بنشر الدعوة الدينية، الأمر الذي يتفق فيه مع التيار السلفي الجهادي الذي يرى بالمقابل أن الخروج على الحاكم جائز في إطار مبدأ '' الولاء و البراء''.
[27]- روا (أوليفييه)، تجربة الإسلام السياسي، ترجمة نصير مروة دار الساقي. الطبعة الثانية .بيروت 1996 ص80
[28]- تأسست في هذا الإطار بعد الثورة جمعية ‘‘ الأمر و النهي عن المنكر" يرأسها شيخ سلفي يسمى عادل العلمي وتدعو هذه الجمعية إلى مراقبة السلوكات الفردية في النطاق العام، مثل مراقبة المفطرين في شهر رمضان كما صرح عادل العلمي على موجات الإذاعة الوطنية أن تعدد الزوجات قد يكون سبيلا لمحاربة سرطان الرحم وهي تصريحات أثارت نقد كبيرا من قبل المجتمع المدني كما ساهمت هذه الجمعية في طرد مديرة إذاعة الزيتونة الدينية التي إعتبرها رئيس جمعية النهي عن المنكروالأمر بالمعروف إمرأة علمانية لايجوز أبد أن تترأس إذاعة دينية.
[29]- روا (أوليفييه) مرجع سابق ص 81
[30]- روا أوليفية، مرجع سابق ص 81
[31]- عادل بالحاج رحومة، مرجع سابق ص 199
[32]- 'فتحي المسكيني "جغرافية العقل اليومي'' مداخلة في ندوة"المعقول و اللامعقول" جربة تونس 1993 ذكر في عادل بالحاج رحومة مرجع سابق ص 199
[33]- عادل بالحاج رحومة، مرجع سابق ص 199
[34]- Maffesolli(M), Le temps des tribus, Méridiens Klink siècle .1988
[35]- تورين (ألان)، نقد الحداثة، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 1997 ص 271
[36]- Touraine(A), Production de la société, collection sociologie ; Paris, édition du seuil 1973. p 7
[37]- Touraine (A ), La fin des sociétés. Paris, édition du Seuil 2013