الصابئة: من الحكمة الإلهية إلى وصمة التكفير تأريخ التسمية في الشرق القديم


فئة :  مقالات

الصابئة: من الحكمة الإلهية إلى وصمة التكفير تأريخ التسمية في الشرق القديم

الصابئة: من الحكمة الإلهية إلى وصمة التكفير

تأريخ التسمية في الشرق القديم

لا يخفى على المهتم بأمر الصابئة إشكالية تسميتهم وكثرة التفاسير التي أسست على أنها عربية من (صبأ)، والتي ذمت بها قريش المسلمين، ما جعل أغلب مفسري القرآن يقول بذم الصابئين وتكفيرهم، بيد أن الناظر بتدقيق سيتوقف عند دلالات واضحة لنقد ذلك النهج، أهمها: أن ذكرهم في القرآن يعد مصداقاً لأقدمية التسمية، وأن العرب كانوا يعرفونها كعقيدة لذا صح التذكير بها، وأنها لا تفيد إلى معنى الزيغ والضلال بالمطلق، وإلا فلما شملهم وعد القرآن بالأجر واللاخوف؟

كل هذه المؤشرات دفعتنا إلى البحث في تسمية الصابئة واقتفاء أثرها في اللغات القديمة، وكذلك بيان مدلولها على أقدم شرعة مشرقية للعرفان سبقت مذاهب الغنوص الهلينية.

صبأ العربية: المعنى والاصطلاح

نقرأ في القواميس العربية عن معاني "صبأ" الأصلية ما يعزز مفهوم البروز والتحول إلى مرحلة في الاكتمال والنضوج، على العكس تماماً من الحيز الضيق الذي تناولته أغلب تفاسير القرآن، فنجد:

  • صَبَأَتِ النُّجُوْمُ: خَرَجَتْ من مَطالِعِها. أصْبَأ: إذا أضَاءَ عِنْدَ صُبُوْئه.
  • وصَبَأَتْ سِنُّ الغلامِ: طَلَعَت
  • صبأ نابُ البعير صبوءًا إذا طَلَع حَدُّه

أما في الاصطلاح، فلا نجد في الموروث العربي قبل الإسلام ما يدل على استخدام "صبأ" أو مشتقاتها لوصف سلوك عقائدي، بل يظهر أنه شاع عند معاصري بدء الإسلام الذين استحدثوا مصطلح "الصبأة" لوصف ما رأوه في دعوة المسلمين انحرافاً عن عقيدة أسلافهم. كما جاء مثلاً في حديث أم مصعب بن الزبير: "إنك لعلى ما أنت عليه من الصبأة بعد"، وحين دعاها لتعتنق معتقده قالت: "والثواقب لا أدخل في دينك فيزري برأيي ويضعف عقلي ولكني أدعك وما أنت عليه وأقيم على ديني"[1]

وبالرجوع إلى المعاجم، نجد في كتاب العين للفراهيدي، وهو أول معجم عربي، أن: "صبأ فلان أي دان بدين الصابئة"، دون الإشارة إلى سلوك ديني آخر كالارتداد أو الكفر، وهو ما أكده أيضاً الصاحب بن عباد في "قاموس المحيط".

أما في المرويات، فنجد أيضاً قصة رواها عبد خير بن يزيد الهمداني عن إسلام والده، الذي قال لزوجته حينها: "يا أم فلان أسلمنا فأسلمي، واستصبينا فاستصبي - فقيل له: "ما قوله استصبينا؟ قال: هو في كلام العرب: أسلمنا"[2]. وهذا يدل على أن ذلك السياق الديني صار مستحدثاً في كلام العوام، ولم يكن معروفاً في لغة العرب قبل الإسلام.

يتضح لنا بالاستناد إلى تلك المصادر اللغوية والتاريخية أن (الصابئ) هو كل معتنق لدين الصابئة، وأن المعاجم العربية القديمة لا توثق في "صبأ" أي معنى لمبدأ أو سلوك عقائدي، كما في معاني المسلم والنصراني واليهودي، ما جعل التفاسير تأخذ بالتأويل أكثر من التأثيل.

فهل لفظة "الصابئة" عربية؟

هناك من المفسرين من توقف عند لفظة (الصابئين) في القرآن وتنبه إلى أقدمية التسمية، فافترض أنها قد تكون ليست من جذر عربي:

  • فقد علق البيضاوي حول اسم الصابئين قائلاً: "وهو إن كان عربياً فمن صبأ إذا خرج[3]."
  • أما الألوسي، فقال: "اختلف في اللفظ فقيل غير عربي، وقيل عربي من صبأ"[4].
  • وكذلك شرح ابن عاشور في تفسيره: "والأظهر عندي أن أصل كلمة الصابي أو الصابئة أوما تفرع منها هو لفظ قديم من لغة عربية أو سامية قديمة هي لغة عرب ما بين النهرين من العراق"[5].

ويكمل ابن عاشور فيما ذكره الفراهيدي والصاحب ابن عباد حول خصوصية "صابئ" بمن دان بدين الصابئة، فيقول: "ويقال الصابئون بصيغة جمع صابئ والصابئة على أنه وصف لمقدر أي الأمة الصابئة وهم المتدينون بدين الصابئة، ولا يعرف لهذا الدّين إلا اسم الصابئة على تقدير مضاف أي دين الصابئة إضافةً إلى وصف أتباعه".

أما الاختلاف في القراءات القرآنية بين "صابئين" بالهمز وبغيره كـ"صابيين" ـ ومن قرأ بلا همز يُعد من الثقاة، فقد يثير تساؤلاً حول ضرورة أن تكون "صابئة" مشتقة من "صبأ" المهموز، أم إن اختلاف القراءات ناتج عن كون هذه الكلمة ليست من جذر عربي. فبالعودة الى تسمية قريش للمسلمين الأوائل بال "صباة"، نجد أنهم لم يستخدموا أصل الفعل المهموز "صبأ". وعلى هذا علق ابن منظور: "ويسمون المسلمين الصُّباةَ، بغير همز، كأَنه جَمْع الصابي[6]، غير مهموز، كقاضٍ وقُضاةٍ وغازٍ وغُزاةٍ".

أما الرأي بضرورة استخدام الهمز، فيبدو أنه ـ كما أشرنا أعلاه ـ مذهب أغلب المفسرين الذين أخذوا بالتأويل وليس بتأصيل اللفظة. وفي هذا يقول الرازي: "قلب الهمزة فنقول: الصابيين والصابيون والاختيار الهمز؛ لأنه قراءة الأكثر وإلى معنى التفسير أقرب؛ لأن أهل العلم قالوا: هو الخارج من دين إلى دين"[7].

يتضح مما تقدم، أن لفظة "صابئة" ليست بالضرورة مشتقة من جذر عربي، بل وتعزز شواهدنا النقدية الاستنتاج بأنها ـ مثل محاولات أخرى ـ أسلوب انتهجه بعض المفسرين لتأصيل كل مفردات القرآن إلى العربية، حتى كثرت بالتناقل، فبانت وكأنها إجماعاً لكثرة تداولها.

أما عقائدياً، فكما رأينا في تفسير الرازي، فإن إرجاع "صابئة" إلى "صبأ" العربي جاء بفائدة على المفسرين وفتح لهم المجال في التأويل، وخاصة أولئك الذين وقعوا في إشكالية الإلمام بعقيدة الصابئين وتاريخهم، كما سنرى في الأجزاء التالية.

تطور لفظة الصابئة عبر العصور

يقودنا حديث ابن حزم عن الصابئين: "كان الذي ينتحله الصابئون أقدم الأديان على وجه الدهر والغالب على الدنيا"[8] إلى إعادة التفكير بأقدمية تسميتهم وأنه من غير المنطقي أن تكون صبأ دلالة للخروج من الحق إلى الباطل كما أشاعها المفسرون، أو أنها اقتصرت على معنى الخروج والزيغ، فقط لأنها يجب أن تكون من أصل عربي.

لذا نقدم في العرض التالي خلاصة تعقبنا لأثر كلمة "الصابئة" وكيف تطورت لفظاً ودلالة في الموروث الإنساني لنقف على أقدميتها ونربط أطراف التباين والتنوع في معانيها واستخداماتها:

الأكدية وما تفرع عنها:

فبالرجوع إلى الأكدية نجد في مادة "صُبُّو"[9] معانٍ مثل: كشف، سبر، تأمل، فحص، رقب، وقد وردت في سياقات عدة ومنها الديني في فهم واستجلاء صورة الإله. ونرى أن (صبا/يصبو) العربية والسامية هي امتداد لهذا الجذر الأكدي في تميز هذه اللفظة عن كونها فقط مرادف لمعنى الرغبة والارادة.

كذلك يرد في العبرية صپا/صفا צָפָה بمعانٍ مشابهة للأصل الأكدي ويلتقي مع "صبا" العربية[10].

المصرية القديمة وما تفرع عنها:

ويبدو أن المعاني في الأكدية تلتقي أيضاً مع مرادفات لها في لغة المصريين القدماء[11] التي نجد فيها مصدر "سبا" بمعنى يرشد، يهدي، يعلم، وتأتي "سابوت" بمعنى الحكمة. وكذلك تأتي "ساب" بمعنى حكم، فحص، كشف.

أما القبطية، فقد أخذت عن المصرية القديمة لفظة "تِسبو" بمعنى يعلم، يرشد، ومنها اشتق "سابَ" أو "سابي" بمعنى حكيم، وكذلك "سَبو" بمعنى الحكمة.

الإغريقية وما تفرع عنها:

يشير الباحثون إلى أن لفظة سوفيا/صوفيا بمعنى الحكمة ليس لها اشتقاق في الإغريقية سوى أنها تحوير عن الأصل المصري القديم كما بينا أعلاه[12]. ومن ذلك المصدر طورت الإغريقية أهم مصطلح متداول اليوم عالمياً وهو الفلسفة Philosophy.

أما في اللاتينية، فيلتقي مصدر sapere او sape مع sophia الاغريقي وكان بالأصل يعني التذوق، ثم تطورت دلالته ليكون بمعنى الحذاقة والفطنة والحكمة.

وربما كانت تسمية Homo Sapiens لوصف جنس الإنسان العاقل هي أشهر ما بقي من أثر المصطلح اللاتيني Sapiens في وصف مذهب الحكمة والتعقل.

وجدير بالذكر ان مصطلح sapiens كان معتمداً لدى الروم كلقب للنخبة في الدين والأدب والسياسة[13]، وهي تعد أعلى درجة في الحكمة والإرشاد، بل وقد تكون تسمية عائلة (الصابي) - وهم من صابئة حران - هي آخر أثر لشيوع ذلك اللقب فعُرّب إلى الصابي كناية لـ "الحكيم"؛ إذ تذكر التراجم العربية أن أجداد الأديب أبي اسحاق الصابي لأمه ـ وهي حفيدة ثابت بن قرة ـ كانت اسماءهم إغريقية مثل مارينوس وسلامويوس[14].

أما في اللغات الأوروبية، فيشيع لفظ savvy في الإنگليزية مثلاً لوصف الحاذق والعارف الماهر، ومثل ذلك يرد في لغات مثل البرتغالية والإسبانية sabe والفرنسبة savez. كما نجد لـ Sapiential استخدامات معاصرة في الأوساط الدينية وخاصة بوصف كل شيء متعلق بإتيان أو اكتساب الحكمة أو المعارف الإلهية.

من الحكمة الإلهية إلى التكفير

أفاد بحثنا في المعاجم المختلفة إلى أن لفظة الصابئة اختصت أصلاً بوصف أصحاب الحكمة المتبصرين بالتأمل والاستجلاء، وهو مبدأ ما سُمي بالعربية لاحقاً بالعرفان وسمّاه الإغريق متأخراً بالغنوص Gnosis. وقد اشتمل التراث العربي على روايات تؤرخ أن الصابئية هي مذهب العرفان الأقدم الذي شاع بين الأقوام في المشرق خصوصاً واتخذوه كل بحسب مفهومه وتجربته، فكان من بينهم المحمود والمذموم.

ويوجز لنا ابن القيم مشكلة تضارب أقوال المؤرخين حول الصابئة وعقائدهم بقوله: "هذه أمة كبيرة من الأمم الكبار، وقد اختلف الناس فيهم اختلافا كثيراً، بحسب ما وصل إليهم من معرفة دينهم"[15].

وربما كانت إجابة منبه بن وهب، المعروف عند العرب بأنه من أعلم الناس بأخبار الأمم المتقدمة، عن ماهية الصابئين هي أقدم إشارة يحفظها التراث العربي عن مذهب الصابئة في العرفان، فقال: "الصابئ: الذي يعرف الله وحده"[16].

ثم جاء جابر بن حيان بمقالة يذكر بها الصابئة واصفاً إياهم بحفظة علم الفلاسفة الأقدمين، ويقصد بالفلاسفة أولئك المتلقين للحكمة الإلهية أو ما يسميه الشرع الأول: "الشرع الأول إنما هو للفلاسفة فقط؛ إذ كان أكثر الفلاسفة أنبياء كنوح وإدريس وفوثاغورس وتاليس القديم وعلى مثل ذلك إلى الإسكندر. (...) وأما الصابئة والمجوس، فإنهم قوم من فروع الفلاسفة أخيرا"[17].

بعده، فصّل ابن تيمية في معارضاته العقائدية - وهو ابن حران "دار الصابئة الفلاسفة" على حد وصفه- فمكننا من تعقب معنى تسمية الصابئة نقلاً عن أصحاب العقيدة أنفسهم قولهم: "تسمية الصابئة لعلومهم أو إعمالهم الحكمة أو الحكمة الحقيقية أو المعارف اليقينية"[18].

وبهذه الشهادة، نسجل دليلاً صريحاً على ما قدمناه أعلاه في اشتقاق لفظة الصابئة من معنى الحكمة والحكماء.

أما على الصعيد العقائدي، فقد تميز ابن تيمية أيضاً بإطلاقه مصطلح "الصبء" لوصف شريعة العرفان، مؤكداً على ضرورة التفريق بين الصبء القديم عما ابتدع عنه لاحقاً، فقال مفرقاً صابئة القرآن عن سواهم: "وأما الصبء القديم فذاك اصحابه: منهم المؤمنون بالله واليوم الآخر الذين آمنوا وعملوا الصالحات. فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون"[19].

ويبدو أن لذلك الـ"صبء القديم" آثاراً مازالت محفوظة تؤكد روايات ابن حيان وابن تيمية، فقد وصلت إلينا عبر المصريين مجموعة نصوص عرفت بـ"سبايت"، والتي تعد صنفاً من أدب الحكمة يُعنى بتوثيق التعاليم الأخلاقية والحكمة الإلهية، أو كما تسمى عند الغرب بـ Sapiential Literature وترجمتها بتصرف تكون الأدب الصابئي. ويرجع اللغويون مصطلح "سبايت" الى جذر "سبا" المصري بمعنى التعاليم، ما يعيدنا لبرهنة الترابط بين مصطلح الصابئية والحكمة الإلهية، كما بينا أعلاه.

ثم يفيدنا ابن تيمية في شهادته عن أصل الفلسفة الإغريقية: "سبب ذلك ما ذكره طائفة ممن جمع أخبارهم أن أساطينهم الأوائل كفيثاغورس وسقراط وأفلاطون كانوا يهاجرون إلى أرض الأنبياء بالشام ويتلقون عن لقمان الحكيم ومن بعده من أصحاب داود وسليمان، وأن أرسطو لم يسافر إلى أرض الأنبياء، ولم يكن عنده من العلم بآثار الأنبياء ما عند سلفه. وكان عنده قدر يسير من الصابئية الصحيحة، فابتدع لهم هذه التعاليم القياسية وصارت قانونًا مشى عليه أتباعه"[20].

وقال عن الذين احتفظوا بالصابئية الصحيحة: "ولهذا توجد مقالات أئمة الفلاسفة الكبار الذين كانوا من الصابئة الحنفاء لا تخرج عن أقوال الأنبياء، فإن الصابئة في الأصل كانوا على هدى"، ثم يضيف: "والمقصود هنا أن الصابئين فيهم من يُحْمَد وفيهم من يُذَم فالمحمود من الصابئين لم يخالفوا الأنبياء والفلاسفة المحمودون إذا لم يكونوا من اليهود والنصارى والمسلمين هم من هؤلاء الصابئين".[21]

بناءً على ما تقدم، نستنتج أن تطوراً دلالياً قد طرأ على معنى الصابئة أدى بأغلب المفسرين لتكفير وذم اصحاب تلك الملة، ربما بنفس ذلك المنحى الذي حرفت فيه لفظة زنديق من معناها الإيجابي (معرفة/شرح) الى الذم والتكفير.

ونرى أن السبب في ذلك يعود لتسمية قريش المسلمين الاوائل بالصباة، وأن دينهم هو الصبأة، والصبأة غير الصبوء؛ لأن الصبوء معناه محمود. أما الصبأة، فمعناها كمن يدعي أو يتشبه بدين الصابئة، وقريش تقصد هنا الدعوة الى توحيد الألوهة وترك الأصنام.

فقد ورد عن عبد الرحمن بن زيد: "الصابئون أهل دين من الأديان كانوا بجزيرة الموصل يقولون: لا إله إلا الله، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي، إلا قول لا إله إلا الله. قال: ولم يؤمنوا برسول الله، فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي ﷺ وأصحابه:” هؤلاء الصابئون”، يشبهونهم بهم."

لقد كانت قريش على دراية بعقيدة الصابئين، التي كانت عقيدة العرب سابقاً، كما يقول ابن تيمية: "وهذا كما كانت العرب عليه قبل أن يبتدع عمرو بن لحي الشرك وعبادة الأوثان، فإنهم كانوا حنفاء يعبدون الله وحده".

لكن المسلمين الاوائل رفضوا تشبيههم بالصابئة، كذلك لأنهم على دراية بأن الشائع هي الصابئية المُبدلة - كما وصفها ابن تيمية - وهي التي تنكر النبوة والكتاب. لذا، فقد كانت اغلب التفسيرات بالذم تستند على روايات نفور المسلمين الأوائل من لفظة (صابئ)، وأشهرها عن إسلام عمر بن الخطاب، فقد قال جميل بن معمر الجمحي: "إن ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر: كذب، ولكني أسلمت وآمنت بالله وصدقت رسوله"[22].

الخلاصة

وقفنا في ما تقدم على برهان أقدمية تسمية الصابئة في لغات الشرق عما تداوله مفسرو القرآن وخلوصها من معاني الزيغ والتكفير، فلفظة (صابئ) ليست من (صبأ)؛ لأن العربية لا تحفظ لهذه المفردة معنى دينياً قبل الإسلام. أما في اللغات والثقافات الأقدم منذ الأكدية، فالصابئية تعني السعي لاكتساب الحكمة الإلهية، وكذلك وثقت بالهيروغليفية تحت مسمى "سبايت" بمعنى تعاليم الحكمة، حتى وصلت اليوم إلى لغات عالمية مثل الانكليزية وغيرها.

كما قدمنا ما يعزز أن عقيدة الصابئة هي الحلقة الواصلة عبر العصور في حفظ نهج العرفان وإعمال الحكمة فتولدت عن صابئية الشرق ما عرفه الغرب بالفلسفة. وقد دلّ البحث أيضاً على أن مذهب الصابئية في اكتساب الحكمة الإلهية يعد المصدر الذي ابتدعت منه متأخراً حركات الغنوصية منذ العصر الهلنستي كما في القبالا اليهودية ومذاهب عديدة أخرى في المسيحية، وصولاً إلى الصوفية في الإسلام.

لذا، فلا غرابة أن نقف على تشابهات في شرائع من عرفوا بصابئة المندائية والكلدان والفرس وحران والصين والهند والروم، فجميعها يرجع لمبدأ واحد، وهو عقيدة اكتساب الحكمة الإلهية، أما الاختلاف، فحدث ما بين الذي حفظ التشريع الأول أو الذي شذ بالغلو.

[1] ابن سعد، الطبقات الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، الطبعة الأولى، الجزء الثالث، دار الكتاب العلمية، ص. 88

[2] البخاري، التاريخ الكبير، المجلد السادس، دار الفكر، ص. 81

[3] البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ضبط واعداد عبد الحفيظ بيضون، الجزء الأول، دار الكتاب العلمية، ص. 129

[4] الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، سورة البقرة: الآيات 60 إلى 74: https://www.greattafsirs.com/Tafsir_Library.aspx?FromMainTafsir=1&MadhabNo=7&TafsirNo=52&SoraNo=2&AyahNo=62&LanguageID=1

[5] ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، الجزء الأول، الكتاب الأول، الدار التونسية للنشر، ص. 534

[6] قارن هنا مع آثار تسمية الصابي بدون همزة في التراث العربي، ومنها آل الصابي وهم من صابئة حران. كذلك تسمية كتاب زيج الصابي للبتاني.

[7] التفسير الكبير للرازي: https://www.islamweb.net/ar/library/content/132/434

[8] ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق د. محمد إبراهيم ود. عبد الرحمن عميرة، الجزء الأول، دار الجيل، ص. 88

[9] Jeremy A. Black, A. R. George, J. N. Postgate: A Concise Dictionary of Akkadian.

[10] https://www.sefaria.org/Klein_Dictionary%2C_%D7%A6%D7%A4%D7%94_%E1%B4%B5?lang=bi&with=all&lang2=en

[11] E. A. Wallis Budge: An Egyptian hieroglyphic dictionary.

[12] Elijah Nyaga Munyi, David Mwambari,Aleksi Ylönen: Beyond history: African agency in development, diplomacy and conflict resolution

[13] Cato maior de senectute, Marcus Tullius Cicero, Page 22

[14] ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، الجزء الثاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص. 82

[15] ابن قيم الجوزية، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، تحقيق محمد شمس ومصطفى بن سعيد ايتيم، المجلد الثاني، دار عطاء العلم، ص.1008

[16] تفسير ابن أبي حاتم - محققا - الْوَجْهُ السَّابِعُ: 6630: https://lib.eshia.ir/41710/4/1176/

[17] أحمد فريد المزيدي: رسائل جابر بن حيان ثلاثون كتاب ورسالة في الكيمياء والإكسير والفلك والطبيعة، دار الكتب العلمية، ص. 449

[18] ابن تيمية، بيان تلبيس الجهمية، تحقيق د. احمد معاذ حقي، الجزء الثالث، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ص. 646

[19] ابن تيمية، مجموع الفتاوى، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، المجلد الخامس، دار الكتاب العلمية، ص. 7

[20] ابن تيمية، نقض المنطق، تحقيق الشيخ محمد بن عبد الرزاق والشيخ سليمان بن عبد الرحمن، مكتبة السنة المحمدية، ص. 113

[21] ابن تيمية: الرد على الشاذلي في حزبيه وما صنفه في آداب الطريق: https://lib.efatwa.ir/44384/1/137

[22] https://www.islamweb.net/ar/library/content/314/6887/