الصور الأدبية في رواية عزوزة، للكاتبة الزهرة رميج


فئة :  مقالات

الصور الأدبية في رواية عزوزة، للكاتبة الزهرة رميج

الصور الأدبية في رواية عزوزة، للكاتبة الزهرة رميج

ملخص:

يتناول هذا البحث قضية الصور الأدبية في رواية عزوزة، للكاتبة الزهرة رميج، وقد قسم هذا البحث إلى مقدمة التي هي عبارة عن فكرة عامة حول الموضوع، ومحورين أساسين أولهما تم التركيز فيه على صورة المرأة والتي انقسمت بدورها إلى مجموعة من الصورة المتنوعة. أما المبحث الثاني، فقد جاء بعنوان صورة الرجل في رواية عزوزة، حيث تناولت فيه هو كذلك مجموعة من الصور الذكورية المختلفة، ثم خاتمة تضم أهم النتائج وأبرزها.

المقدمة:

مع تطور الأدب الروائي المغربي وانتشاره، لمعت أسماء كثيرة لروائيات وضعن بصمتهن في الأدب، ومن بين تلك الأسماء الروائية الزهرة رميج؛ إذ لاقت رواياتها نجاحا كبيرا، بسبب المواضيع التي تطرقت إليها، والقضايا الاجتماعية التي عالجتها.

ومن بين هذه الروايات نذكر رواياتها الثانية "عزوزة"، التي تبنت فيها الروائية المغربية قضية المرأة، بأسلوب اتخذت فيه منحى الحرب مع الطرف الآخر، والقارئ للرواية يجد أنها قد تمكنت من نقل المأساة التي تعيشها المرأة القروية المغربية.

حيث اعتمدت الكاتبة في بناء أحداث روايتها على مجموعة من الصور نذكر منها:

المحور الأول: صورة المرأة

فمنذ القراءة الأولى تظهر لنا مجموعة من الشخصيات النسائية المميزة، والتي جسدت لنا قضية المرأة بأسلوب وطرح جديدين، وقد كان لكل شخصية قضية خاصة بها، ومن النماذج النسوية المهيمنة على الرواية نذكر:

1ـ صورة المرأة الأم:

تلعب الأم دورا أساسيا في المجتمع المغربي، فهي ركيزة الأسرة ومحورها وسر استمراريتها، وهي رمز الحنان والتضحية والمحبة، إلا أن الكاتبة قدمت لنا في روايتها صورتين للمرأة الأم؛ فالصورة الأولى هي لشخصية عزوزة التي تمثل شخصية بسيطة حنونة وصبورة، تسعى إلى تربية أبنائها تربية حسنة في كنف أبيهم، صابرة على كل المآسي والمصائب التي واجهتها.

فعزوزة هي أم بسيطة وغير متعلمة، إلا أنها تحمل قلبا واسعا قويا قادرا على مواجهة كل شيء في سبيل سلامة أبنائها.

تظهر لنا الأمومة في شخصية عزوزة في عدة مواقف في الرواية، بدءا بعطفها على ابنتها أثناء اتخاذ حماتها وزوجها قرار الفطام، والذي رفضته عزوزة رفضا باتا، الشيء الذي أدخلها حالة نفسية صعبة "...صباح الغد، جلست عزوزة أمام موقد النار تعد أقراص الخبز الصغيرة المثقوبة من الوسط، التي ستعلقها في عنق الطفلة المفطومة كي تضعها في فمها كلما أحست بالجوع أو بالرغبة في الثدي. سمعت صراخ الطفلة التي استيقظت، فأسرعت إليها تريد إرضاعها لآخر مرة. فوجئت بالحماة تحملها بين ذراعيها وتحاول وضع حلمة ثديها في فمها. صاحت بها عزوزة، وقد رأت صغيرتها تصرخ مبعدة فمها عن الثدي.

ـ حرام عليك! ماذا تفعلين؟ هاتي ابنتي أرضعها لآخر مرة.

ـ لا يمكن! الفطام يبدأ مع طلوع الفجر. حليب البقرة جاهز. أنتظر فقط، أن يدفأ لأقدمه لها.

أخذت كأس حليب كانت بجانبها وأفرغته في كأس أخرى. ظلت تكرر العملية إلى أن أصبح دافئا. وضعت الكأس في فم الطفلة التي أبعدتها بحركة عنيفة من يدها تسببت في هرقها فوق صدرها. أحست عزوزة، وهي ترى طفلتها لا تتوقف عن البكاء، بدبيب النمل يسري في ثدييها اللذين صارا منتفخين ومتحجرين"[1]، وكذلك محاولاتها الكثيرة لإنقاذ ابنها بعد ولادة عسيرة واجهتها لوحدها دون أي مساعد، ناسية ألمها ومركزة فقط على ابنها الرضيع، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل مما ولد لديها حالة حزن كبيرة جعلتها طريحة الفراش" زحفت على مؤخرتها مقتربة من موقد النار والعرق يتصبب من وجهها والدموع تنهمر فوق خديها...أخذت سكينا وضعته فوق الجمر إلى أن احمر نصله. أسندت ظهرها إلى كيس القمح، ووضعت حاشية الإزار تحتها وما تبقى منه طوته مرتين، وقربته من فخذيها. صاحت صيحة قوية، أحست على إثرها، بالمولود يقذف خارج رحمها. رفعت ذراعها في وهن، لتمسح بكمها عينها الغارقتين في بركة من العرق الممزوج بالدموع. اتجهت نظراتها مباشرة إلى عضو المولود. خفق قلبها بشدة، وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة السعادة.

"شكرا لك يا إلهي! أخيرا! سأتخلص من مؤامراتها الدنيئة!"

طوت إبهام يدها داخل كفها، ووضعت أصابعها الأربعة قرب سرة المولود، لتقيس بها مقدار ما يتبقى من الحبل السري. أضافت مقدار أصبعين آخرين. أمسكت بيدها اليسرى النقطة المحددة، وباليد اليمنى الموسى الذي تحولت حمرته إلى السواد...

ظلت عيناها مسمرتين فوق وجه المولود، تراقب تنفسه الضعيف. لم يكن لونه ورديًا مثل ابنتيها السابقتين، وإنما أزرق داكنا. أحست بخوف رهيب. جست أطرافه، فوجدتها مثلجة. صاحت صيحة قوية سقطت على إثرها، مغشيا عليها"[2].

ونجد الكاتبة لم تقتصر فقط على صورة الأم البيولوجية، بل تجاوزتها إلى شخصيات لعبت دور الأمومة في حياة عزوزة، إن لم نقل عوضتها عن حنان الأم. وأولى هذه الشخصيات، نذكر الفقيهة زوجة أب عزوزة التي لها مجموعة من المواقف في أحداث الرواية، التي ساندت فيها البطلة في مآسيها وأغدقتها بالحب والحنان، حيث إنها تحس تجاه زوجة أبيها هذه، بنفس الحب الذي تكنه لأمها "رأت زوجة أبيها تتجه نحو الحظيرة وبيدها السطل المعدني. ابتسمت وهي تقفز في اتجاهها. تحس تجاه زوجة أبيها هذه، بنفس الحب الذي تكنه لأمها"[3].

ومن بين هذه المواقف التي ظلت فيها الفقيهة إلى جانب عزوزة وقت ولادتها؛ إذ إن الفقيهة كانت حاضرة دائما في معظم ولادات عزوزة "مرت ساعة من الزمن وعزوزة التي تسندها الفقيهة إلى صدرها"[4]، "في مثل هذه الفترة من السنة المقبلة، ستجد عزوزة نفسها تضع للمرة الثانية. كانت الولادة جد عسيرة لدرجة أن الفقيهة رابطة عند رأسها تقرأ القرآن وتدعو الله أن يفرج كربتها"[5]، إضافة إلى دفاعها الدائم عن عزوزة أمام حماتها غنو التي كانت تستفزها، وتسعى إلى تعكير صفوها وفرحتها إثر إنجابها للبنات، إلا أن الفقيهة تحاول إقناع الحماة بمزايا إنجاب البنات" ما إن سمحت له رقية بالدخول، حتى بادرته أمه التي ظلت تراقب مسرح الأحداث عن بعد، قائلة بلهجة تهكمية.

ـ مبروك عليك الْعَزْبَة!

قال والسعادة تغمر وجهه:

ـ ومالها البنت؟ نعمة من الله أشكره عليها.

ـ الرسول صلى الله عليه وسلم أنجب البنات وأحبهن وأوصى بهن خيرا. ومن يكون أول نصيبه من الإنجاب بنتا، يعم الخير عليه. ردت الفقيهة على الحماة. أما إذا أنجب ثلاث بنات تباعا، فيكون دخوله الجنة مضمونا!"[6]، نفس الموقف يتكرر عندما وضعت عزوزة طفلتها الثانية "أخيرا، جاء الخلاص وخرج المولود. لم يكن ذكرا كما كان الجميع يأمل، وإنما طفلة أخرى. ما إن أطلقت الفقيهة زغرودة، حتى أوقفتها الحماة قائلة:

ـ علام تزغردين؟ هل تريدين فضحنا أمام الناس؟

ـ وهل تعتبرين نعمة الله عارا؟ لا أحد ينجب بإدارته، وإنما بإرادة الله. لله في ذلك حكمة. قالت الفقيهة."[7]، كما نجد كذلك حضور الفقيهة عند موت مولود عزوزة "ظلت الفقيهة توجه دعواتها إلى الله والآخرون يرددون كلمة آمين، ما عدا الحماة التي أحست بضيق شديد، وكأن يدا تمسك بخناقها لتكتم أنفاسها."[8]

إضافة إلى ذلك، نجد شخصية أخرى، لعبت دور الأمومة لعزوزة وآزرتها في محنها، وكانت خير سند لها وهذه الشخصية هي مرجانة، فقد عرفت كذلك بمواقفها الشجاعة إلى جانب عزوزة "ـ لقد مللت الحياة بسبب هذه الآلام المتكالبة علي!

ـ المؤمن مصاب... لا تقنطي من رحمة الله... أطلب منه تعالى أن ينقي طريقك من الشوك ويزرع فيها قلوبا رحيمة.

ـ آمين، يا خالتي، آمين! إنك أول قلب يزرعه الله في أرض غربتي هذه...

ـ لا تقولي هذا الكلام. لست غريبة. السي أحمد رجل ولا كل الرجال. فليحفظه الله لكم جميعا.

ـ آمين يا خالتي. ولكن ...

ـ إن الله مع الصابرين... قاطعتها مرجانة رغبة منها في وضع حد لهذا الحديث.

ـ وليجازي الظالمين على أفعالهم. قالت عزوزة، قبل أن تستسلم رغم أنفها لإشارة مرجانة"[9].

ليتبين لنا بعد توالي الأحداث علاقتهما التي توطدت بشكل كبير، فتصبح بذلك مرجانة في مقام الأم بالنسبة إلى عزوزة" ـ حفظك الله لي يا خالتي!

ـ بل ناديني بأمي. سأكون سعيدة للغاية!

ـ إني والله، يا خالتي، لأشعر بأنك في مقام أمي.

ـ ولأكون أمك فعلا، سأرضعك ثديي. قالت، وهي تخرج ثديها المترهل الذي فقد تماسكه وصلابته وبدا كحبة فلفل ضخمة شويت على نار هادئة.

ـ باسم الله. قالت عزوزة، وهي تنحني فوق الثدي محاولة مص حلمته.

ـ لا يهم عدم خروج الحليب. المهم هو النية. هي وحدها كافية والله شاهد علينا.

ـ معك حق، خالتي. أنت من الآن، ابنتي وأنا أمك.

ـ نعم، أمي الثانية.

تعانقتا وقبلتا بعضهما البعض، وهما يشعران بسعادة فائقة. فقد أصبحت لمرجانة ابنة تغدق عليها حنانها وعطفها بعدما تزوجت بناتها وانشغلن عنها بأزواجهن وأولادهن، كما أن عزوزة وجدت أمًّا تؤنسها في غربتها وربما تحميها من جبروت حماتها وظلم أحمد. لن تشعر بعد الآن، بالوحدة القاتلة والغريبة في هذا المكان الموحش."[10]، لتظهر لنا في ما بعد مواقفها الدفاعية لفائدة عزوزة، ويبدو هذا واضحا من خلال تخليص عزوزة من يد أحمد، الذي كان يكيل لها وابلا من الركلات "أسرعت مرجانة التي دخلت الغرفة في تلك اللحظة، لتمسك به وتجره بقوة، نحو الباب، وهي تقول: العن الشيطان يا بني! ما عهدتك هكذا! رد عليها بغضب: "الشيطان هو أكحل الراس!" وخرج."[11]، "نظفت مرجانة جرح عزوزة، وجلست تواسيها وتنصحها بالصبر".[12]

2ـ صورة المرأة القروية:

يعد المكان النقطة الأساسية الحاضنة للشخصيات والأحداث في الرواية، والكاتبة قد ركزت على الفضاء الريفي، الذي يشير دائما إلى الحياة البسيطة التي يعيشها الإنسان، مكتفيا بالفلاحة وتربية المواشي والدواجن، ومن المعروف أن دور المرأة في البادية لا يختلف عن دور الرجل في خدمة الأرض؛ إذ إنها تكرس حياتها لخدمة زوجها وأبنائها.

كما هو الحال مع عزوزة بطلة روايتنا، حيث عملت الكاتبة من خلالها على تصوير حياة البادية، وطريقة عيش المرأة القروية؛ وذلك عن طريق وصف حياتها منذ طفولتها "عندما وصلت عزوزة إلى الحظيرة وجدت الفقيهة تجلس القرفصاء أسفل البقرة الرومية الملونة بالأبيض والأسود وتضغط بقوة على ضرعها المنتفخ، فينساب اللبن كشلال أبيض يتساقط في قاع السطل محدثا إيقاعا موسيقيا يدغدغ كيانها"[13]، "خرجت عزوزة من الحظيرة متجهة إلى شجرة التين الضخمة. أسندت السلم الخشبي إلى جذعها وصعدت لتقطف ثمارها الناضجة. يا لها من فاكهة لذيذة! حباتها مكورة. قشرتها خضراء ناعمة. داخلها أحمر رُمَّانِي مُعَسَّل. كل الذين رأوها وذاقوا طعمها يؤكدون أنها نادرة، وأنهم لم يروا مثلها من قبل"[14]. كما أن عزوزة تمثل في شبابها تلك المرأة القروية واهتماماتها الكثيرة، فهي امرأة حكيمة وهادئة، وتتميز بجمال أخاذ، إضافة إلى امتلاكها لقلب صبور على المشاق والآلام؛ فهي لا تسعى إلى شيء في حياتها سوى لتوفير الراحة لزوجها وأبنائها وخدمتهم، حتى وإن كانت على حساب راحتها وسعادتها هي.

تتطور الأحداث مع عزوزة، لتفجع بموت والدها وأخيها عبد الرحيم، ثم انتقالها مع زوجها وحماتها إلى مكان جديد "العين الزرقاء"، فتحاول التأقلم مع حياتها الجديدة، والعمل على استقلالها وإثبات ذاتها، هذه الخطوة التي اتخذتها هي عبارة عن وسيلة للانشغال عن الهموم التي كانت تحاصرها "حاولت عزوزة في ما بعد، الانشغال عن همومها بتربية الدجاج. فالمهمة صعبة، لكنها تحرص على التغلب عليها بالاستفادة من المعلومات التي زودتها بها مرجانة. تستحضر كل مرة، ما حكته لها عن الدجاج. لا بد من ترك البيضة الأولى التي تبيضها الدجاجة في مكانها، لتبيض في الغد في نفس المكان. فالدجاج ذكي وحساس، مثل الإنسان أو أكثر...

هكذا انشغلت عزوزة، وأصبحت تقضي الكثير من وقتها في العناية بالكتاكيت الصفراء الجميلة والاستمتاع برؤيتها، وهي تنط وراء أمها، وبالموسيقى الراقصة التي تصدرها الدجاجة، وهي تنادي فراخها للتجمع حول وجبة حبوب القمح اللذيذة.

مع مرور الوقت، كبر الدجاج وتكاثر، فانتقلت آنذاك، إلى تربية الأرانب. كانت تحاول الاستمتاع بحريتها ووضعيتها الجديدة، وامتلاكها لعدد كبير من الدجاج والأرانب، لكن أحمد أصبح غصة تستوطن حلقها وتحول دون إحساسها بالسعادة"[15].

مثلت شخصية عزوزة وهي الشخصية الرئيسة في الرواية، صورة الواقع الذي تعيشه المرأة القروية، وعلاقتها بأسرتها وبيتها، على الرغم من أن زوجها قد ألحق بها ضررا نفسيا كبيرا.

ومن خلال كل ما ورد يمكننا القول، إن الصور السردية التي عملت الكاتبة على عرضها، تحمل دلالة واضحة على طريقة عيش المرأة القروية وبساطتها.

3ـ صورة الطفلة:

عملت الكاتبة في روايتها، على إظهار صورة الطفولة بشكل واضح، فهي طفولة مليئة بالحب والفرح عاشتها عزوزة، حيث كانت مدللة أبيها يغدقها بحب جعلها تتميز عن باقي بنات الدوار "هي وحدها من يملك حرية الجلوس ها هنا. إنها أحب إخوتها ـ الأشقاء وغير الأشقاءـ إلى أبيها. يناديها باسم الدلال لَعْزِيزَة بدل عزوزة. يجلسها إلى جانبه. يمسح بيده شعرها الأسود الناعم. حتى الآن، وقد بلغت الثانية عشرة من عمرها، وأصبح جسدها يشي بامرأة مكتملة النضج، لا يزال يجلسها إلى جانبه في جلساته وسهراته الخاصة مع رجال القرية. مكانة يحسدها عليها الكثير من الفتيان قبل الفتيات، وتثير استياء مكتوما لدى الرجال"[16]، كما أنها كانت تبادله نفس الشعور، فلم يكن فقط والدها، بل كان صديقها المقرب التي تخلو علاقتها معه من الخوف عكس فتيات سنها "أحست بالحنين إليه. كأنه غاب دهرا. راحت تتمرغ في مكانه وتتشمم رائحته التي تشعرها دائما، بالسعادة والأمان. حبها لوالدها لا حدود له. حب تستغربه كل الصبيات في عمرها ممن يحكم الخوف لا الحب علاقتهن بآبائهن، فيجعلهن يغدقن عواطفهن على الأمهات ويلتصقن بهن أشد الالتصاق. لعل هذا المخزون الهائل من الحب الذي تكنه لوالدها هو سبب ضعفه أمامها وسر تفضيله لها على سائر أبنائه الذين يهابونه ويخشون سطوته. أما هي، فقد كانت تتمسح به دائما. تطبع قبلاتها على جبهته السمراء العريضة، وتعبث أصابعها الصغيرة بلحيته الكثة هامسة: "بابا، حْنِينِي! بابا حْنِينِي! ..."[17].

إضافة إلى علاقتها القوية بأخيها عبد الرحيم، فقد كانت تعتبره بمثابة أب ثان لها، كانت مدللته التي يحبها حبا فاق حب الإخوة، ينسجمان بشكل كبير، رغم فارق السن بينهما، "تربطها بأخيها علاقة خاصة. هو أكبر إخوتها الأشقاء وهي آخر العنقود، ومع ذلك، يلتقيان لقاء حبتي العقد الأولى والأخيرة. مرتبطان أشد الارتباط. تجمعهما عاطفة قوية. يحبها لرقتها وحنانها. يراها طفلة رغم أنها بلغت سن الزواج حسب أعراف القبيلة. تحبه لتدليله لها، وترى فيه والدها الذي تفتقده كثيرا"[18].

ومن هنا، فالنص الروائي (عزوزة) يعرض لنا صورة الطفلة التي تربت بين أحضان أسرتها، وتمتعت بتدليل وحب أبيها وأخيها، الشيء الذي جعلها تعيش طفولة مستقرة، والتي أخرجت من رحمها امرأة فطنة وذكية وصبورة، تغدق من حولها بالحب الذي تجرعته في طفولتها، إضافة إلى قوة شخصيتها التي جعلتها تقاوم المآسي والآلام بكل حكمة وصبر.

4ـ صورة الزوجة المعنفة:

يعد الزواج سنة مهمة من سنن الحياة، والأساس الذي تعتمد عليه كل أسرة. وقد جعله الإسلام وسيلة للارتباط بين الرجل والمرأة، تحكمه مجموعة من العادات والتقاليد التي تختلف باختلاف المناطق والمجتمعات، ولجعله متماسكا يجب أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة مودة ورحمة واحترام، قال الله تعالى: "وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ {21}" (سورة الروم الآية 21).

إلا أننا نجد في الرواية (عزوزة) صورة الزوجة التعيسة؛ إذ عملت الكاتبة على تصوير المرأة داخل مؤسسة زوجية تحكمها علاقة التبعية والخضوع للرجل الزوج، حيث إن لعزوزة على طول أحداث الرواية مواقف كثيرة، يسودها الظلم والإجحاف والعنف، الذي تتعرض له من قبل زوجها أحمد، فقد كانت عزوزة تعنف دائما بسبب المؤامرات التي كانت تنسجها حماتها غنو ضدها: "وبمجرد عودة أحمد من السوق، استقبلته أمه بصياحها متهمة عزوزة بالتهجم عليها. ردت عزوزة قائلة:

ـ لعنة الله على الكذَّاب يدخل النار!

بدأت الحماة تلطم وجهها وتضرب فخذيها، وهي تصيح في وجه ابنها:

ـ أسمعت؟ ها هي تتهمني بالكذب أمامك!

ـ أنا لا أتهمك زورا. إنها الحقيقة! لم أتهجم عليك، بل أنت التي شتمتني وشتمت أبي. وأنا لا أسمح أبدا، لأحد أن يشتم أبي!

ـ ها هي تقر أمامك أنها شتمتني! فما أسعدني بك أيها الابن البار! هيا، اصفعني لتشفي غليلك وغليله! قالت وهي تمد وجهها نحو عزوزة.

لم ينبس أحمد بكلمة واحدة، وإنما رفع يده إلى الأعلى وصفع عزوزة صفعة رأت إثرها النجوم تتطاير أمام عينيها. ارتفعت يدها تتحسس خدها الملتهب غير مصدقة ما حدث".[19]

وفي موقف آخر يجسد عنف أحمد ضد عزوزة: "استشعرت عزوزة أمرا رهيبا من هذا التصرف. منذ متى كان هو الذي يحصد القمح بنفسه؟ فوضت أمرها لله وتبعته بخطوات بطيئة. سلك أحمد ممرا ضيقا يخترق الحقل الشاسع. كان يسير أمامها، بسرعة وبخطوات واسعة لا تستطيع مجاراتها. ازداد إحساسها بالخطر. خطواته السريعة تشي بالتوتر الشديد. وهذا الصمت غير طبيعي. فهو دائم التنكيت والضحك وخاصة عندما يكونان على انفراد. فجأة، رأته يتوقف. ظل جامدا في مكانه ينتظر وصولها. بدا لها كجبل ضخم سينهار فوقها. انتفض قلبها؛ إذ رأت وجهه مكفهرا وعينيه محمرتين ونظراته مخيفة. أما هو، فما إن اقتربت منه حتى انقض عليها بعنف. انتزع المنديل من فوق رأسها، فتساقطت ضفيرتاها. أمسك بإحديهما من الجذر ورفع المنجل.

ـ ما بك؟ ماذا تفعل؟ صاحت وقد جحظت عيناها.

حصد الضفيرة في رمشة عين، دون أن ينبس بكلمة. سقطت الضفيرة أمام قدميها تتلوى كثعبان قطع رأسه. قالت وقد خنقتها العبرات:

ـ حرام عليك! ماذا فعلت لك؟

فاجأها بصفعة قوية على خدها الأيمن تلتها أخرى مماثلة على الخد الأيسر."[20]

كما عرضت الكاتبة موقف تعنيفه لها بسبب افتراء حماتها: "قبل أن تستوعب قصده، فوجئت بركلة قوية تزلزل صدرها وتجعلها تسقط على ظهرها، وهي تصيح من شدة الألم. تابع بغضب:

ـ يعجبك مسيو فرانسوا... أليس كذلك؟ أهذا جزاء ثقتي فيك والحرية التي منحتك إياها؟

ـ يا لطيف! ما هذا الباطل الذي نزل علي من السماء؟ إنها أمك بالتأكيد! ... عادت تختلق القصص والحكايات ... شكوت أمرها لله ... وحده القادر على الانتقام منها.

ركلها مرة أخرى، وهو يقول:

ـ لا تذكري اسم أمي على فمك النتن أيتها الفاجرة! الأعمى إذا رأى النور بحلق. تركتك ترين نور السماء، فرحت تبحثين عن نور العيون!

انفجرت بالبكاء، وهي تقول: "شكوتك وأمك لله! وحده يعلم كل شيء!"

استفزه دعاؤها عليهما، فراح يكيل لها الركلات، وقد انتابته حالة هستيريا شديدة. طار المقص من يدها، فالتقطه في الحين، ورمي به في وجهها محدثا جرحا غائرا في جبهتها"[21].

ولم تتعرض عزوزة من قبل زوجها للعنف الجسدي فقط، بل كان للعنف النفسي نصيب في حياتها، حيث كان أحمد شبقا وزير نساء ودائم الخيانة لعزوزة، مما أدخلها في دوامة الشك والحزن وجعل العلاقة بينهما ليست كأي زوج وزوجة، فقد خيمت على هذا الزواج الكآبة. ومن المواقف التي تستعرض لنا خيانة أحمد لعزوزة، وتردده الدائم على ماخور طامو، وإعجابه بفتياتها "أغلقت الباب وراءه وأطلقت زغرودة خرجت على إثرها عدة فتيات من الغرف المنفتحة على البهو الكبير المزلج بالأبيض والأسود والذي تتوسطه نافورة ماء خفق قلب أحمد إذ رآها. باغتته صور كثيرة تطفو على سطح الذاكرة. أقبلت عليه شابات صغيرات متفاوتات الجمال يضعن المساحيق على وجوههن ويطلقن شعورهن فوق ظهورهن، يرحبن به على طريقتهن. صعقته أنوثتهن الصارخة ومفاتنهن المكشوفة"[22]،

"انفجروا ضاحكين. وضعت طامو الصينية أمام أحمد باعتباره ضيف الشرف لهذه الليلة. بعدما انتهوا من شرب الشاي، مالت طامو على أحمد وهمست في أذنه:

ـ هل تريد أن تختار بنفسك أم أختار لك؟

ـ لقد اخترت منذ أول خطوة خطوتها داخل الدار!

ـ ونعم الاختيار! حقا، لم يفسد الزواج لا خصالك ولا ذوقك!

ـ ما اسمها؟

ـ فاتي.

ـ فاتي؟ لم أسمع بهذا الاسم من قبل.

ـ هذا يا عزيزي، الاسم الذي يناديها به النصارى. أما اسمها الحقيقي، فهو فاطمة. وخليلتك مريم، هل تعرف ما الاسم الذي أصبحت تحمله بعد زواجها بالنصراني؟ مدام ماري!

ـ يا للعجب! يحبون نساءنا ولا يحبون أسماءنا!

التفتت إلى فاطمة قائلة:

ـ فاتي، رافقي السي أحمد ليستريح قليلا.

تأبطت فاتي ذراعه وقادته إلى غرفتها ثم أغلقت الباب وراءهما..."[23]

ليتزوج أحمد في الأخير بالحمرية التي كانت أحد مومسات ماخور طامو، مما ولد لدى عزوزة حالة من الصدمة والحزن، إلا أن هذا الحدث زاد من قوتها وتمردها على أحمد وحماتها غنو: "سأخبرك بالحقيقة! بكل صراحة، أحمد سيتزوج الليلة. لقد دعاني لحضور حفل زفافه، وإحضار العروس في سيارتي"[24]، "ـ ذكرتني والله، بتلك المسرحية الممتعة!

ـ المسرحية الممتعة؟ ومن مخرجها أنت أم أمك؟

ـ تعرفين أن أمي لا تملك موهبة التمثيل ولا الإخراج. ولو كان الأمر بيدها لما كانت هذه المسرحية أصلا!

ـ إذن هي من إخراجك أيها العبقري! وما الداعي إليها؟

ـ أن أستمتع بليلة الزفاف دون مشاكل!

انفجرت بدورها، ضاحكة ضحكة مصطنعة.

ـ ليلة الزفاف على مومس حقيرة؟ أم ليلة اقتراف جريمتك في عز الليل، بعيدا عن أعين الناس، ما عدا أمك وأم العروس وصديقك العزيز بنحمادي؟

ـ كيف عرفت؟ قال مستغربا.

ـ وهل يوجد سر في الدنيا يظل سرا إلى الأبد؟"[25]

ومن خلال كل ما سبق، يوضح لنا النص الروائي (عزوزة) معاناة المرأة القروية المتزوجة في المجتمع الذكوري؛ وذلك باستسلامها وخضوعها لأوامر الزوج وصبرها على تعنيفه وخيانته، لإرضاء المجتمع الذي لا يرحم، وهذا ما قامت به البطلة عزوزة حين تزوجت أحمد وصبرت على تعنيفه لها، وعلاقاته الكثيرة مع المومسات، كما يفسر النص أيضا أن الحب ليس مبررا للخضوع إلى العنف والصبر على الخيانة، كما أن مشاكل الحياة المتراكمة، والأذى الذي يلحق كل امرأة له تابعات، سواء على مستوى الضرر الجسدي أو النفسي الذي ستعاني منه كلما تقدم العمر بها.

4ـ صورة المرأة الضعيفة:

تواصل الكاتبة العمل على اظهار صورة المرأة من خلال البناء السردي، فكما أدرجت نقاط القوة في شخصية من شخصيات روايتها، فإنها من زاوية أخرى عملت على اظهار نقاط الضعف في احدى شخصياتها؛ إذ إن الرواية تتكثف فيها الصور السردية، عن طريق تحديد الشخصيات التي تنبني عليها أحداث العمل الروائي.

وتظهر لنا شخصية هنية أخت أحمد بصورة المرأة ذات الشخصية الضعيفة، التي لا رأي لها داخل أسرتها، وخاصة أمها التي لطالما عاملتها معاملة قاسية، وكانت دائمة الاستهزاء بها حارمة إياها من حنان الأم، إلا أن هنية كانت تقابل هذه القسوة بالصمت والصبر دون القيام بأي ردة فعل للدفاع عن نفسها "هنية مثله، لم ترث عن أمها سوى القامة الطويلة والبنية القوية والعينين العسليتين الواسعتين. كما أنها عاشت يتيمة رغم وجود والدها على قيد الحياة. فهي لم تره قط. تسأل أمها عنه، تصفعها وهي تصيح فيها قائلة: "لا أب لك غير خالك!" كثيرا ما تساءلت هنية مع نفسها ما إذا كان والدها من يرفض رؤيتها أم أن أمها هي التي تمنعه من زيارتها؟ غالبا ما ترجح الاحتمال الثاني، فتشعر بالكراهية تجاهها".[26]

لا تعد شخصية هنية شخصية محورية في الرواية، إلا أن لها دورا بارزا بوصفها تلك الفتاة البسيطة الطيبة، التي تأخرت عن الزواج بسبب تسلط واسترجال أمها "... يجعل أمها تمطرها بسيل شتائمها الجارحة التي تفعل فيها فعل الخناجر المسمومة: «دافعي عن نفسك أولا، أيتها العانس، واجعلي الرجال يدقون بابنا طالبين يدك...» آنذاك، تجتاح هنية رغبة قوية في الرد عليها بكل عنف، وصفعها بالحقيقة المرة: «لوكنت امرأة كسائر النساء، لتهافت الناس علي طالبين القرب منك؛ إذ ما الذي ينقصني؟ لا شيء! ولكني ضحية استرجالك وطغيانك وسلاطة لسانك وسمعتك السيئة!... ومع ذلك، تعيرينني بما جنيت علي! الرجال محقون في هروبهم. من يقترب من رجل في صورة امرأة؟» غير أنها تكتم غيظها، وتنزوي بعيدا، لتفسح المجال لدموعها تسيل مدرارا.[27]

كما إنها تعد من الشخصيات المؤثرة في الرواية، فهي تعاني من قوة وجبروت أمها، مما يجعل عزوزة تحس بالعطف اتجاهها "وجدت هنية لا تزال تغط في النوم. أحست بالعطف عليها. لم يتبق لهذه المسكينة من هدف في الدنيا غير النوم والاحتماء من البرد الذي يسكن ضلوعها حتى في عز الصيف! تتساءل دائما، باستغراب، كيف يستوطن البرد القارس هذا الجسد وهو في عنفوان فورانه؟ لأول مرة في حياتها، ترى فتاة في ريعان الشباب تمتلك جسدا تنخره الشيخوخة. أليس الشيوخ وحدهم من يسكن البرد عظامهم الواهنة؟ لا شك أن عدوة الله هي السبب. كيف يمكن لجسد أن يلتهب حرارة، وهو يضم روحا باردة لم تنعم قط، بدفء الحب؟ لم تر يوما، حماتها تعامل ابنتها معاملة الأم! لم تسمعها تقول لها كلمة طيبة، أو تعبر لها عن حبها وحنانها أو تضمها إلى صدرها! تصورت طفولتها البائسة. أكيد أنها كانت تهملها في صغرها، ولا تعتني إلا بنفسها".[28]

إن أبرز ما يمكن استخلاصه من خلال صورة هنية، أن هذه الشخصية تعيش في وسط مشحون بالصراعات، مما جعلها تحس بعدم الاستقرار وغياب الحب والدفء الأسري، الذي تحتاجه كل فتاة في سنها، إضافة إلى انعدام حنان الأم بوصفه أساس قوة كل امرأة، كما أن الرواية تحتوي على أكثر من زمان ومكان وأكثر من شخصية؛ إذ إنها توظيف للحياة القروية والتي ظهرت في أكثر من صورة، فبمجرد تغير المكان تتغير حالتها النفسية، وهذا ما حصل مع هنية عندما تزوجت بالفقيه "التفت إلى أمه وسألها عن رأيها في الفقيه. فوجئ بها ترد عليه بحدة: «هل سأتزوج به؟» وجد جوابها هذا، فرصة سانحة ليدخل مباشرة، في الموضوع، ويخبرها بنية الرجل في الزواج من أخته. خفق قلب هنية واحمر وجهها خجلا"[29].

5ـ صورة أم الزوج:

تتجسد صورة الحماة أو أم الزوج في شخصية غنو أم أحمد، التي تتميز بالقوة والصلابة، حيث تميزت طيلة أحداث الرواية بمعاملتها القاسية، وجبروتها وتسلطها على زوجة ابنها عزوزة، إضافة إلى المكائد التي كانت دائما تنصبها لها، مما سبب مشاكل وصراعات بين الزوجين؛ إذ إنها عرفت برفضها القاطع لزواج ابنها بعزوزة "عجبا! مع أن المتسوقين من أخبروني بذلك. يقال إنها استقبلت موكب الحاج الجيلالي بالتمرغ في الرماد، متنذرة لابنه بالموت. فتاة منحوسة والعياذ بالله!... لقد صار علي الجعايدي كالجمل الأجرب لا أحد يقترب منه. مسخوط الوالدين فقط، من يطرق بابه!...

أدرك تلميحها. نظر إليها نظرة تحد وقد احمرت عيناه:

ـ سأكون أنا ذلك المسخوط!

بدأت تولول وتلطم وجهها وتضرب فخديها وكأنها في مأتم. تردد أسطوانتها المألوفة بأنها ضيعت شبابها عليه وسخرت حياتها له تنسج له الجلاليب والسلاهم الفخمة الصوفية منها والحريرية، البيضاء والسوداء، المستوية والمحببة، ذات اللون الواحد والمخططة... ملابس يضرب المثل بجودتها وأناقتها... أهذا هو الجزاء؟ أن يقذف بسخطه في وجهها ويفضل عليها فتاة طائشة؟..."[30].

فلطالما كانت سببا في المشادات الكلامية بينهما، والتي تصل أحيانا إلى الضرب المبرح لعزوزة، إضافة إلى أنها دائما ما تحرض ابنها على زوجته: "ـ زوجتك لا تزال شابة وتثير أنظار المارة. لم أرد أن أعكر صفوك الأحد الماضي. لم يرق لها جمع القمح الطري إلا في الوقت الذي كان فيه المتسوقون لا يزالون يمرون عبر الطريق. لقد كدت أجن وأنا أرى شعرها عاريا. أنا متأكدة أنها تعمدت إسقاط المنديل، رغم ادعائها العكس.

أحس أحمد بالدم يغلي في عروقه. لم يشعر إلا وهو يصيح فيها:

ـ كفى، أرجوك!"[31]

هذه الصورة التي أعطاها لنا النص الروائي، هي تعبير عن حقيقة مجتمعنا والصراع الأزلي بين الحماة وزوجة الابن، فغنو هي مثال للمرأة التي بلا رحمة ولا شفقة، كما تصورها الزهرة رميج فتقول على لسان مرجانة، وهي تحدث عزوزة: "لقد سمعت بما فعلته بك وحدثتني زوجة الخمّاس عن جبروتها وتعنتها. إنها امرأة بدون قلب. لا أفهم سر كراهيتها لك... هل تريد لابنها زوجة أكثر جمالا وشبابا؟".[32]

لتتمادى غنو في قسوتها على زوجة ابنها، فتقوم بالاعتداء عليها، وهي حامل وعلى وشك الوضع: "امتدت يدا الحماة للامساك بخناقها. لكن عزوزة مالت برأسها، لتتجنبها، فإذا بقدميها تنزلقان بسبب ماء الاغتسال المتناثر حول الحوض الحديدي. هوت إلى الأرض وهي تصرخ. ذهلت هنية إذ رأت القرطين الدائرين اللذين كانا في أذني عزوزة، قد انتقلا إلى يدي أمها. انحنت عليها تريد مساعدتها على النهوض، لكن اليد الحديدية أمسكت بذراعها وسحبتها بعنف، إلى الخارج.

أحست عزوزة بألم شديد في أذنيها. تحسستهما، فأدركت من لزوجة الدم وغياب القرطين حقيقة ما حدث. ازداد ألم المخاض، فارتفع أنينها وتأوهاتها."[33]

ومن خلال كل هذا، نتوصل إلى أن كاتبتنا أخذت كل هذه الصور من عمق المجتمع المغربي، وخاصة الوسط القروي، والصراعات القائمة بين أفراده، والتي لا يرحم بعضها بعضا، حتى وإن كانت امرأة مقابل امرأة أخرى.

المحور الثاني: صورة الرجل

1ـ صورة الرجل الأب:

لطالما اعتبرت صورة الرجل الأب من الصور، التي تشكل مصدرا مميزا غنيا في الكتابة السردية، ومتنا روائيا مرنا يمكن الكاتب من الانفتاح على عدة دلالات وصور؛ إذ يعتبر الأب الرجل الأول في حياة كل امرأة، فهو أول شخصية ذكورية تتعامل معها المرأة وتنجذب لها، حيث إنه مصدر الأمان والشخصية التي على أساسها تضع الفتاة معايير شريك حياتها المستقبلي.

لذلك، فإن صورة الأب تلعب دورا مهما في تكوين شخصية المرأة وطبيعة نظرتها للرجل، فإن كانت صورة الأب إيجابية، فإنها تجعل باقي الصور الذكورية إيجابية لدى المرأة، في حين إن كانت صورة الأب سلبية، فإنها بلا شك ستؤثر سلبا على الصور الرجالية عندها، مما سيخلف لديها خللا ويكسر باقي الصور النمطية لمختلف الرجال المتعاقبين على حياتها.

وعموما، فإن النصوص الأدبية، استطاعت أن تصور شخصية الأب بمختلف مظاهرها إيجابية كانت أو سلبية، مستندة بذلك على أساس واحد وهو الواقع بكل تفاصيله التي تجيد الكاتبة بقلمها التعمق والتدقيق في وصفها، وتحويرها لما يناسب متن النص، دون الإغفال عن الخيال الذي يمكن الكاتبة من التجول كما شاءت في العديد من الصور التي يخلقها فكرها ويرسمها قلمها.

وهذا الأساس هو الذي شكل نقطة البداية للروائية الزهرة رميج، حيث كانت صورة الرجل الأب، أولى الصور الذكورية التي عرفتنا عليها في بداية روايتها، فقد تناولتها الكاتبة محاولة إظهارها في صورة ومظهر واحد، وهي صورة الأب الحنون والعطوف على ابنته، وقد جسدت هذه الصفات في شخصية "علي الجعايدي" والد عزوة، الذي كانت متعلقة به وتحبه حبا رفع من مكانتها لديه، مما جعل أغلب المحيطين بها يحسدها عليها، وقد كان هو كذلك يبادلها نفس الحب والتعلق "هي وحدها من يملك حرية الجلوس ها هنا. إنها أحب إخوتها ـ الأشقاء وغير الأشقاء ـ إلى أبيها. يناديها باسم الدلال لَعْزِيزَة بدل عزوزة. وتسترسل الكاتبة في وصف علاقة عزوزة بأبيها قائلة: "أحست بالحنين إليه. كأنه غاب دهرا. راحت تتمرغ في مكانه وتتشمم رائحته التي تشعرها دائما، بالسعادة والأمان. حبها لوالدها لا حدود له. حب تستغربه كل الصبيات في عمرها ممن يحكم الخوف لا الحب علاقتهن بآبائهن، فيجعلهن يغدقن عواطفهن على الأمهات ويلتصقن بهن أشد الالتصاق. لعل هذا المخزون الهائل من الحب الذي تكنه لوالدها هو سبب ضعفه أمامها وسر تفضيله لها على سائر أبنائه الذين يهابونه ويخشون سطوته. أما هي، فقد كانت تتمسح به دائما. تطبع قبلاتها على جبهته السمراء العريضة، تعبث أصابعها الصغيرة بلحيته الكثة هامسة: "بابا، حْنِينِي! بابا، حْنِينِي!..."[34].

وبعد توالي الأحداث، تصور لنا الكاتبة مشهد موت أبيها المؤثر، وردت فعلها تجاه المأساة التي ألمت بها، والصدمة التي زلزلت كيانها وأدخلتها في حالة نفسية صعبة، مما جعلها طريحة الفراش لأيام "لم تنتظر نزول أحمد، بل قفزت من فوق الفرس بمجرد توقفه وهرولت في اتجاه الخيمة. اخترقت الحشد وعيناها مشدودتان إلى مدخلها. كأن العالم من حولها مقفر تماما! وجدت والدها ممددا فوق الفراش وصدره الملطخ بالدم يعلو وينخفض مصدرا حشرجة سرت سريان السم في أوصالها. لطمت خديها وهي تصيح: "بابا، بابا، حْنِينِي!" لم يستجب الأب لندائها ولم يفتح عينيه. لكن دمعتين سالتا فوق خديه المصفرين اصفرار الزعفران. أدركت أنه واع وأنه أحس بوجودها. عادت تصيح: "بابا، بابا، حْنِينِي، كم اشتقت إليك! انظر إليَّ! أنا ابنتك عزوزة!" لكن العينين ظلتا مغمضتين والدمعتين تتدحرجان فوق صفحة وجهه الممتقع، كمجريين شحيحين يعبران أرضا قاحلة. ارتمت فوق صدره تقبل جبهته العريضة. أمسكت بيده، فإذا بها باردة برودة الثلج. ارتفع عويلها وهي تمرغ وجهها فوق وجهه وصدره، تتشمم رائحته وتغمم كلاما لا يفهم منه سوى كلمة "بابا، حْنِينِي". أحست بيد تمسك ذراعها بقوة، وتفصلها عن جسد والدها لتجرها خارج الخيمة."[35]

ثم تسبح في ما بعد في بحر من الذكريات مع والدها، أثناء محادثتها مع مرجانة "كان أبي يجلسني في مجلس الرجال... وكنت أسمع أحاديثهم عن المستعمر الفرنسي. أبي كان طيبا ولم يؤذ أحدا في حياته. ولا يمكنه أن يقتل النصارى إذا كانوا طيبين مثله!"[36]

ومن خلال كل هذا، يمكننا أن نستنتج أن اختيار الكاتبة لإظهار صورة الأب في مطلع روايتها، لم يكن اعتباطيا ولا محض صدفة، بل حاولت منذ البداية تسليط الضوء على هذه الشخصية، نظرا لأهميتها واعتبارها أكثر الشخصيات قرابة للمرأة، وأشد تأثيرا على محيطها وواقعها ومستقبلها، إلا أن الشخصية التي اختارتها الكاتبة حملت جانبا كبيرا من اللين والرحمة، والحب والحنان، وهو الشيء الغريب عن المجتمع الذي تعيش فيه الكاتبة.

2ـ صورة الرجل الزوج:

اهتمت معظم الروائيات العربيات بتسليط الضوء على صورة الرجل، والتي لا تخرج عن نطاق القرابة، فجل العلاقات التي تربط المرأة بالرجل تبقى في إطار العائلة غالبا. لذلك، نجد الصورة الأكثر حضورا عند قراءتنا للرواية بعد صورة الأب هي صورة الزوج، والتي حاولت من خلالها الكاتبة تقريبنا من الصور الواقعية للأسرة المغربية، باعتبار الزواج علاقة مقدسة، له قوانين تقننه وتقاليد تحكمه، خالية بذلك من كل شوائب الخطيئة والرذيلة، والتي غالبا ما تمارس تحت ذريعة الحب، تلك الذريعة الوهمية التي هي عبارة عن ستار يختبئ وراءه كل ممارس لشهوته الحيوانية.

فشخصية الرجل "الزوج" تنفتح على مجموعة من الرؤى، منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، إلا أن هذه الأخيرة أكثر طغيانا وبروزا في الابداعات النسائية، وهذا راجع بالخصوص إلى تركيبة المجتمعات العربية، فالمعروف أنها مجتمعات ذكورية بامتياز، تمنح الرجل السلطة والهيمنة وأحقية الحكم والتسيير بلا منازع، فالزوج في المجتمع العربي مصدر فخر لزوجته، ورمز قوتها ورفعة مكانتها داخل أسرتها.

ومن هنا يأتي تغليب الذكر على الأنثى، التي لا رأي لها داخل مجتمعها، ولا دور لها سوى الاهتمام بمهام البيت وإنجاب الأطفال، ولا يمكنها محاسبة الرجل حتى وإن كان مخطئا، وعلى هذا الأساس تأتي صورة الزوج في أغلب العمالأعمال أعمال الروائية النسائية سلبية، وتصوره كعامل معيق لتقدم المرأة ومقيد لحريتها داخل مجتمعها.

وقد اهتمت الزهرة رميج أيضا بتسليط الأضواء على الزوج، حيث منحته أكثر من صورة في مشاهد روايتها، إذ نجده أحيانا زوجا محبا لزوجته، وأحيانا أخرى معنفا وخائنا لها، فالبطلة عزوزة كانت تحب زوجها أحمد حبا عظيما قبل الزواج، وقد كان هو كذلك يبادلها نفس الحب، لدرجة أنها تمردت على رغبة أبيها في تزويجها من شخص آخر دون الاكتراث لردة فعله، الشيء الذي زاد من رغبة أحمد في الزواج منها، وتحفيزه لطلب يدها، ليحقق الحلم ويتزوج من حبيبته، إلا أن سعادة الزواج والأيام الوردية لم تدم، فبعد مدة من الزواج بدأت المشادات بين البطلة عزوزة وحماتها، الشيء الذي جعل أحمد يعنفها "لم ينبس أحمد بكلمة واحدة. وإنما رفع يده إلى الأعلى وصفع عزوزة صفعة رأت إثرها النجوم تتطاير أمام عينيها. ارتفعت يدها تتحسس خدها الملتهب غير مصدقة ما حدث"[37].

لتمر الأيام وتتصاعد معها حدة تعنيف أحمد لعزوزة، مما يجعلها أحيانا طريحة الفراش لأيام، وعلى الرغم من حبه لها وحبها له، إلا أن ذلك لم يشفع لها عنده "عندما تزوج أصبحت عزوزة تجسد في نظره المرأة المثلى لدرجة أنه أحس بعزوف غريب عن النساء لم يألفه من قبل. لم يتصور يوما، أنه سيكون رهين امرأة واحدة مهما يكن جمالها"[38]. وفي كثير من الأحيان كان يعنفها ليرجع في ما بعد نادما على ما فعله فيها، وهذا يبين حبه الكبير لعزوزة، وعدم سيطرته على أعصابه، ليبقى تائها دائما بين حبه المتدفق تجاه زوجته، ويده الطائشة نتيجة هيجان أعصابه "دخل الحظيرة. أخذ سوطا وتبعها إلى الخيمة. شدها من الضفيرة المتبقية التي لفها حول يده اليسرى، وبدأ يضربها بجنون ـ وقد أعماه الغضب ـ فلم يعد يعرف أين تقع ضرباته. ارتفع صياح عزوزة وابنتيها اللتين أرعبهما المشهد..."[39]، "هالها ما رأت. تبدو عزوزة جثة هامدة، مرمية فوق الأرض ببطنها البارز وقد غطى الدم عنقها... وأحمد واقف يحملق فيها كالأبله. ما إن رآها حتى أجهش بالبكاء قائلا:

أمي رقية! لقد قتلتها".[40]

إلا أن عنفه تجاهها الذي لم يكن عنفا جسديا فقط، بل تعدى ذلك إلى عنف نفسي، ولد لدى عزوزة حقدا كبيرا تجاهه، والذي بقي حيا معها، رغم موته "لقد مرت أكثر من عشر سنوات على وفاته، إلا أن نار غضبها عليه لم تنطفئ قط. لم يتمكن لا الموت ولا الزمن من محو جراحها. تجتر باستمرار، آلامها أمام حليمة ابنتها البكر، وكأنها بذلك، تزود نار الكراهية بما يلزمها من الحطب لتظل متأججة دائما وأبدا. عادت حليمة تتساءل: "هل خوفها من الموت هو الذي وضع الغفران في طريقها وجعلها تتصالح أخيرا، مع جراحها؟"[41]

من خلال كل هذا، يبدو أن صورة الرجل الزوج في الرواية تتأرجح بين الإيجابية والسلبية، إلا أن الجانب السلبي كان غالبا على شخصية الزوج، وهذا راجع إلى الوسط القروي الذي ينتمي إليه الأبطال، والذي تحكمه مجموعة القوانين والتقاليد والأعراف، التي أعطت للرجل السلطة، مما جعله يخطئ في حق المرأة دون محاسب ولا رقيب، وما الرواية إلا تصوير لواقع المجتمع المغربي القروي.

3ـ صورة الرجل الخائن:

تعد الخيانة من أكثر الأشياء التي تؤثر سلبا على المجتمع، حيث تقوم على مجموعة من السلوكيات، التي تهدم العلاقات الإنسانية وتعدم الثقة بين الأفراد، مما يؤدي إلى انهيار المجتمع وتفككه، فبالرغم من التعريفات المختلفة للخيانة، وتعدد مفاهيمها حسب السنن والأخلاقية المفروضة على المجتمع، إلا أنها تتفق في كونها أكثر الأفعال السلبية؛ وذلك بسبب تجاوزها العهود، وتعديها الحدود المتفق عليها، وقد جاء في قول الله تعالى عن الخيانة: "إِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنۢبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْخَآئِنِينَ{58}" (سورة الأنفال الآية 58).

وقد صورت الزهرة رميج الرجل في روايتها كزوج خائن، يبحث عن الشهوة غير مبال بالعواقب، ضاربا بعرض الحائط كل القيم الدينية، والمبادئ الأخلاقية والضوابط الاجتماعية، كما أنه لم يهتم بمشاعر زوجته التي عاشت تشتتا عاطفيا وذهنيا بين الشك واليقين.

فحكاية الزوج الخائن أحمد، بدأت بعد رجوعه إلى بيت طامو بعد انقطاعه عنه منذ زواجه بعزوزة "كانت هذه أول مرة، يعود فيها أحمد إلى دار طامو بعد انقطاع دام أكثر من أربع سنوات. لكنها لم تكن المرة الأولى، التي يرتاد فيها عالم المواخير"[42]، لتتوالى بعد ذلك زياراته المتكررة للماخور، واعجابه بالمومسات حد التعلق، بدءا بفاتي "لم تتمالك طامو نفسها أمام مفاجأة حضور الرجلين معا، من إطلاق زغرودة. استقبلتهما فتيات الدار بالصلاة على النبي وزففنهما إلى الصالون كما يزف العروسان إلى مخدعهما. لم تمض لحظات حتى غمر المكان مزيجا عجيبا من روائح الشاي المنعنع والعطور المختلفة والتوابل المنبعثة من المطبخ. أحس أحمد بتوتره يخف وبنفسه تروق.

طيلة السهرة وهو يتحرق شوقا للاختلاء بفاتي."[43]، وانتقالا للحمرية "لم يغمض له جفن تلك الليلة، وهو يتصور الحمرية بين أحضان رجل آخر. سيغدق المال على طامو ولن يرتكب نفس الخطأ الذي فقد بسببه فاتي. لقد اتخذ قراره بعدم العودة إليها نهائيا. ولن يسمح لعشقه لها أن يحوله إلى عبد ذليل أو إلى كلب يقتات من بقايا طعام سيده. فالمرأة تحب الرجل ما دام قويا ومستأسدا، ولكن ما إن يلين ويغفر لها أخطاءها حتى تنقلب عليه وتضع البَرْدَعَةَ فوق ظهره"[44]، دون مراعاة مشاعر زوجته ولا محترما ذلك العقد الذي يربطه بها دينيا وجسديا ومجتمعيا، إضافة إلى أنها تحمل اسمه وشرفه بين الناس، مستغلا بذلك عادات المجتمع الذكوري، الذي يسمح للرجل القيام بكل شيء، حتى وإن كان ذلك يسبب الذل للمرأة "شكت عزوزة في قضائه الليلة عند إحدى المومسات، لكنها تظاهرت بالاقتناع بالمبررات التي قدمها لها واضطراره للمبيت عند أحد أصدقائه. لم تشعر تجاهه بنفس الغضب الذي كان يجتاحها عادة. لعل اهتمامه بها طوال فترة النفاس، جعلها تغفر له زلته خاصة وأنها تعرف عدم قدرته على الصبر"[45].

فالكاتبة ركزت على الخيانة في شخصية أحمد، الذي يحل لنفسه خيانة زوجته المغلوب على أمرها، دون وضع القيود لنزواته وشهواته، فأحمد مهما حاول اظهار حبه لعزوزة، وإبداء ندمه ووضع أعذار لخيانته، فهو غير جدير بالحب والاحترام، خاصة عندما قام بالزواج عليها بالحمرية، ثم زاد الطين بلة لحظة دعوة عشيقته ماري إلى بيته، وطلبه من عزوزة تحضير الوليمة وادعائه أنها زوجة سائقها الخاص "ـ هل جننت؟ أدعو مريم إلى بيتي وأمام الجميع؟

ـ لن تدعوها بصفتها عشيقتك... بل سيأتي معها سائق سيارتها على أساس أنه زوجها. وسآتي أنا أيضا، معهما. سنفاجئك بالزيارة، مدعين أننا مررنا عليك لنأخذك معنا في زيارتنا لمسيو فرانسوا بالعين الزرقاء، وهكذا ستطلب منا العودة في المساء لتناول العشاء عندك، باعتبار زوج ماري المزعوم أحد تجار المدينة الذين تتعامل معهم. هل فهمت؟

ـ يا لك من داهية! والله لفكرة رائعة! ولكن المشكل أني سأكون محرجا في وجود أمي. فهي دائما، تحضر جلساتي مع ضيوفي ولا أستطيع أن أمنعها هذه المرة!"[46]

لينكشف أمره بعد ذلك، فتكون ردة فعله عدوانيا اتجاه زوجتيه اللتان صارحتاه بمعرفتهما أمر عشيقته "وجد نفسه يمسك بخناقها ويضغط بشدة، على عنقها وكأنه يريد أن يزهق روحها. أسقطها أرضا وهو يكيل لها الركلات في كل مكان من جسدها. أمسكت به الحمرية محاولة إبعاده عنها، فإذا به يوجه لها أيضا، لكمة أطلقت إثرها، صيحة قوية. أحست وكأن أنفها قد تهشم وتناثرت شظاياه في الفضاء. واصل ضربه غير مبال بصياحها، قبل أن يرمي بها فوق جسد ضرتها. لم تخف حدة تلك القوة الشيطانية التي تملكته فجأة، عند هذا الحد، ولم تكتف بالأضرار التي أحدثتها حتى الآن، بل ازداد بركانها هيجانا؛ إذ ما إن لمح بعض أغصان الأشجار اليابسة المرمية قرب مكان الشواء، حتى أخذ أكبرها وأكثرها صلابة وراح يجلدهما بكل شراسة. وعندما تكسر الغصن، أخذ الحبل الذي كان يربط به الكبش وطواه مرتين، قبل أن يواصل جلدهما إلى أن كلت ذراعه، غير آبه بصياح الأطفال وعويلهم بعدما استيقظوا مفزوعين"[47].

فكل ما مرت به عزوزة، وكل ما تحملته من خيانات أحمد لها، جعلها تكن له حقدا كبيرا، مهما ادعت الحب له، وأنها تريد الحفاظ على بيتها، إلا أن ذكرى الخيانة ظلت تلاحقها طيلة حياتها، مما حال بينها وبين مسامحتها له؛ فأحمد ليس له عذر للأشياء التي اقترفها تجاه عزوزة، حيث كان بإمكانه إيجاد عشرات الحلول ليعيد الدفء إلى حياته الزوجية، دون اقتراف خطيئة الزنا والخيانة.

خاتمة:

نخلص في رواية "عزوزة" للكاتبة الزهرة رميج، إلى خاتمة نرصد من خلالها مجموعة من النتائج، يأتي أهمها في ما يلي:

  • رواية عزوزة، هي رواية من عمق المجتمع المغربي القروي، تميزت بالصبغة الواقعية..
  • استخدمت الكاتبة شخصيتين رئيستين في الرواية، وهما عزوزة وأحمد، والباقي هي شخصيات ثانوية تختلف أهميتها حسب أدوارها في الرواية.
  • أعطت الكاتبة للمرأة مجموعة من الصور، المأخوذة من عمق الأسر المغربية في الوسط القروي.
  • عبرت الكاتبة من خلال الشخصيات النسائية، التي أدرجتها في روايتها عن المعاناة التي تعانيها النساء في المجتمع الذكوري.
  • ركزت الكاتبة من خلال عرضها للصور الرجل، على صلة القرابة التي تربطها ببطلة الرواية.
  • الشخصيات الذكورية التي تناولتها الكاتبة في روايتها، جاءت متنوعة بين ما هو سلبي وما هو إيجابي.

[1]ـ رواية عزوزة، ص ص 89ـ 90

[2]ـ نفسه، ص ص 143ـ 144

[3]ـ نفسه، ص 17

[4]ـ رواية عزوزة، ص 85

[5]ـ نفسه، ص 91

[6]ـ نفسه، ص 86

[7]ـ نفسه، ص 91

[8]ـ نفسه، ص 151

[9]ـ رواية عزوزة، ص 155

[10]ـ نفسه، ص ص 181ـ182

[11]ـ نفسه، ص 211

[12]ـ نفسه، ص 212

[13]ـ رواية عزوزة، ص 18

[14]ـ نفسه، ص 19

[15]ـ رواية عزوزة، ص 202

[16]ـ نفسه، ص ص 10 ـ 11

[17]ـ رواية عزوزة، ص ص 11ـ 12

[18]ـ نفسه، ص 22

[19]ـ رواية عزوزة، ص ص 69 ـ 70

[20]ـ نفسه، 109 ـ 110

[21]ـ رواية عزوزة، ص 211

[22]ـ نفسه، ص 96 ـ 98

[23]ـ رواية عزوزة، ص ص 101 ـ 102

[24]ـ نفسه، ص 299

[25]ـ نفسه، ص 305

[26]ـ رواية عزوزة، ص ص 127ـ 128

[27]ـ رواية عزوزة، ص 128

[28]ـ نفسه، ص ص 187ـ 188

[29]ـ نفسه، ص ص 253ـ 254

[30]ـ رواية عزوزة، ص ص 44ـ45

[31]ـ نفسه، ص 108

[32]ـ رواية عزوزة، ص 155

[33]ـ المصدر نفسه، ص 143

[34]ـ المصدر نفسه، ص ص 11ـ12

[35]ـ رواية عزوزة، ص 73

[36]ـ المصدر نفسه، ص 185

[37]ـ رواية عزوزة، ص 70

[38]ـ المصدر نفسه، ص 102

[39]ـ المصدر نفسه، ص ص 110ـ111

[40]ـ المصدر نفسه، ص ص 111ـ112

[41]ـ رواية عزوزة، ص ص 6ـ7

[42]ـ المصدر نفسه، ص 102

[43]ـ رواية عزوزة، ص 118

[44]ـ المصدر نفسه، ص 174

[45]ـ المصدر نفسه، ص 162

[46]ـ رواية عزوزة، ص ص 370ـ 371

[47]- المصدر نفسه، ص 385