العجيب والغريب في كتب تفسير القرآن
فئة : قراءات في كتب
كتاب (العجيب والغريب في كتب تفسير القرآن) هو، في الأصل، بحث لنيل شهادة دكتوراه دولة أنجزها وحيد السعفيّ تحت إشراف عبد المجيد الشرفي. وقد صدر الكتاب في تونس، دار تبر الزمان، (2001م)، في طبعة أنيقة تحتوي على (765) صفحة. واحتوى على مقدّمة لعبد المجيد الشرفي، ومتن العمل، وقائمة المصادر والمراجع، وفهرس للأعلام، وآخر للأماكن، وثالثٍ للآيات.
يصعب على الباحث تصنيف هذا الكتاب بحسب المعايير المدرسية؛ فهذا الكتاب ليس، في الحقيقة، كتاب تفسير بالمعنى التقليدي لكتب التفسير، وإنّما هو، حسب ما ذكر الشرفي في مقدّمته، «أقرب ما يكون إلى الإناسة التاريخية» (العجيب والغريب، ص 5). هو كتاب يمكن إدراجه ضمن البحوث المهتمّة بالمتخيّل العربي الإسلامي في العصر الوسيط؛ ذلك أنّه يهتمّ بالتصوّرات والتمثّلات الجمعية الواعية واللاواعية للمجتمعات الإسلامية. يسعى الكتاب، انطلاقاً من مدوّنة التفسير، (تفسير ابن كثير) تحديداً، إلى دراسة الصور والتمثّلات الراسخة في الضمير الجمعي الإسلامي. والباحث، من خلال هذا العمل، يحاول تفكيك الصور من جهة، وتبيّن ما تنهض به من وظائف ودلالات. الكتاب، إذاً، يندرج في إطار إشكالية كبرى، وهي صناعة المعنى؛ فالإنسان كائن لا يمكن له أن يعيش بلا معنى، فهو، منذ فجر التاريخ، يسعى إلى أن يؤثث عالمه برموز تعطيه معنى لحياته ووجوده، ولعلّ الدين من أهمّ الإنتاجات التّي تعطي الإنسان معنى لوجوده. فهو يقدّم له ما به يفهم لِمَ وُجد، وما مصيره بعد الموت. وفي هذا الإطار، يتنزّل عمل السعفي، الذّي سعى إلى فهم رحلة الإنسان في الوجود، وليست هذه الرحلة إلا رحلة في المعنى، وإعادة إنتاجه.
وقد قسّم الباحث عمله إلى ستّة أبواب عنونها على التوالي: باب المقدّمات، باب البدء والخليقة، باب العود إلى البدء، باب الخلاص، باب الرحلة، باب حطّ الرحل، وأخيراً الخاتمة.
امتدّ باب المقدّمات من (ص 13 إلى ص 43)، واشتمل على أربع مقدّمات صغرى، بحث السعفيّ، في المقدّمة الأولى، أهميّة الكتاب في الجزيرة العربية، باعتباره حدثاً مهمّاً مشكّلاً لوعي العربي، وللثقافة العربية الإسلامية، ثمّ نظر في إشكالية تشكّل المصحف الإمام، والانتقال من مرحة الخطاب الشفويّ إلى النصّ المقيّد المكتوب. وتناول، في المقدّمة الثانية، علم التفسير، باعتباره علماً لصيقاً بالنصّ الأمّ، بقي مشروعاً مفتوحاً نظراً إلى أنّ المادّة التّي يعالجها حمّالة أوجه، قابلة للتفسير المتجدّد. لقد أسهم النصّ القرآني في ولادة علم التفسير؛ بل في ولادة جملة من العلوم الحواف غايتها الإسهام في فهم جيّد لكلام الله. ولعلّ جملة العلوم هذه كانت غايتها الأساسية خدمة التفسير؛ فأسهب المفسّرون في دراسة النصّ المقدّس، ولم يتركوا لفظاً إلا وشرحوه، ولا آية إلا وأوّلوها. وقد بيّن السعفيّ احتضان النصّ التفسيري للقصص؛ فدرس تقنية الإسناد، ورأى أنّ إرجاع المتن إلى السلف «راجع، دون شكّ، إلى أنّ كلّ مفسّر كان دائم البحث عن شرعية لكلامه» (العجيب والغريب، ص 22). «إنّ هذا الرجوع إلى السلف، وهذه العودة بالمقولة إلى وراء، بدل المضيّ بها قدماً إلى أمام، يشعران بأنّ المتأخر يبحث، كلّما تقدّم به الزمن، عن مرجع يكون ماضياً موغلاً أكثر ما يمكن في بعيد الزمن، قريباً من عالم القدم الذّي لا نعرف عن خلقه شيئاً» (العجيب والغريب، ص 23). غير أنّ هذه القصص، على الرغم من شعورك بأنّها جمع لفسيفساء، وشتات من ثقافات أخرى، فإنّ المفسّر حرص على تعديلها حتّى تُوهم القارئ بأنّها تتحرك في إطار النصّ القرآني. لم تكن القصّة إنتاجاً عربياً إسلامياً محضاً، وإنّما كانت تنهل من مصادر مختلفة، منها ما هو محليّ، ومنها ما هو كونيّ ينتمى إلى ثقافات متعدّدة ومختلفة. غير أنّ عبقرية القاصّ كانت تتجلّى في قدرته على جمع هذا الشتات، والتأليف بينه، حتّى يشعرك بأنّ القصّة أصيلة لا دخيل فيها، ثمّ تطرّق الباحث، في المقدّمة الثالثة، إلى مفهومي العجيب والغريب، فأشار إلى أهميّة كتاب القزويني، وتعريفه للعجيب والغريب، وأبرز ضرورة دراسة مبحث العجيب والغريب من وجهة نظر عقلانية تفهميّة، لمزيد فهم كيفية تشكّل الصور من جهة، وتبينّ ما تنهض به لدى متقبلها؛ وبيّن، بعد ذلك، أهمية التقسيم الذّي اقترحه تودوروف بين العجيب والغريب والفانتستيكي، غير أنّ الباحث لم ينته إلى تحديد خاصّ به لمفهومي العجيب والغريب، فكأنّه اقتنع بأنّ العجيب والغريب لا يمكن حصرهما في تعريف مانع جامع، وإنّما الأفضل البحث في تجلّياتهما، وتبيّن وظائفهما ودلالاتهما. وأشار إلى أنّ العجيب والغريب في الثقافة الدينيّة الإسلاميّة انبثقا، أساساً، من الإشارات القرآنية «فتصبح الإشارة القرآنية الخاطفة –العجيبة في ذاتها– عالماً كاملاً لمخيال لا حدّ له، يستمدّ عناصره من الموروث الثقافي العربي والأعجمي الإسلامي، والمسيحي، واليهودي، المحليّ والكونيّ» (العجيب والغريب، ص 38). لا يقتصر التفسير على شرح اللفظ، وتأويل الآيات. التفسير سعي لكشف حجب النصّ، وإماطة اللثام عن ما يبدو فيه غامضاً؛ لذلك كانت العبارة القرآنية خير سند للمفسّر والقاصّ، ليصنع منها عالماً متخيّلاً يسرّ المتلقي. وهكذا كانت المساحات البيضاء في النصّ القرآني قادحاً لإنتاج عالم متخيّل يرسمه القاصّ، موهماً قارئه بأنّه يتحرّك في إطار قرآني خالص. وقد حدّد السعفيّ، في المقدّمة الرابعة، منهج عمله، ومبرّرات اختيار المدوّنة. فعلى الرغم من أنّ ابن كثير، في مقدّمة تفسيره، صرّح بضرورة التحري في الأخبار المنقولة، والتخلّص من الإسرائيليات، فإنّ تفسيره حافل بتجلّيات العجيب والغريب.
أمّا الباب الثاني، فقد خصّصه الباحث لتبيّن أساطير الخلق، وأكّد أنّه لا يمكن الحديث عن «قصّة» للخلق في النّص القرآني. فجلّ الآيات قدّمت شذرات غير مكتملة لا تسمح للباحث بأن يقرّ باكتمال القصّة. وأمام هذا الفراغ، أو المساحات البيضاء، تبقى أسئلة عدّة تحتاج إلى أجوبة، «وما دام النصّ الأمّ لا يقدّم أجوبة عن أسئلة السائل ]...[ فإنّ نصوصاً أخرى غيره قامت حافّة به، متمّمة له، لا شارحة له، كما يتبادر إلى الذهن؛ بل متمّمة له فعلاً». (العجيب والغريب، ص 52). ولذلك وجّه التفسير عنايته لإتمام القصّة. وهكذا، أدرك المفسّر ضرورة إتمام النصّ، فأصبحت الإشارة القرآنية منطلقاً وإطاراً، وتحوّلت عملية الخلق قصّةً أحيطت بكلّ عناية، فتضمّنت عناصر قرآنية، وعناصر متعدّدة المشارب، منها ما هو محلي، ومنها ما هو كوني. ودرس الباحث رمزيّة عناصر قصّة خلق الإنسان ومغادرته الجنّة. وقد كان همّ الباحث، في دراسته البحث عن الدلالات والوظائف الرمزيّة لهذه القصص، لينتهي إلى أنّ علاقة الأرض بالسماء كان لها تأثير كبير في المتخيّل الإنساني عامّةً، والمتخيّل الإسلاميّ خاصّةً، وخَلُصَ إلى التشابه في القصص بين قصّة خلق الإنسان في التراث الدينيّ الإسلامي، وقصص الخلق في التراث الإنساني. ولعلّ ذلك ناجم، في نظره، عن وحدة الذات الإنسانية، وما الاختلاف إلا صنيع الثقافة؛ ليس الاختلاف في القصص إلا من صنع الثقافات المختلفة والمتعدّدة، ولكنّ القادح لمعرفة أصل المنشأ قادح مشترك بين بني البشر. وأقرّ الباحث أنّ «قصّة خلق الإنسان، التّي صورته كائناً في الجنّة، هي أولى محاولات الإنسان الصعود إلى عالم السماء فكراً ووجدانياً، متجاوزاً بذلك، العجز فيه، ذلك العجز الذّي يشدّه إلى هذه الأرض، أسفل الملكوت، ويحمّله، أحياناً، حملاً على القول بأنّ الجنّة ذاتها تلك التّي عرفها آدم في الأرض لا في السماء» (العجيب والغريب، ص 133).
أمّا الباب الثالث، فعنوانه (العود إلى البدء)، انتهى الباحث فيه إلى حضور ثلاثة فواعل أساسية في القصص، وهي رجل، وامرأة، وشيطان، ويرى السعفي أنّ هذه الفواعل توجد في كلّ قصّة، وإن اختلفت التسميات (فهي آدم، وحواء، وإبليس، وهي نوح، وزوجه، والشيطان). وخلص إلى أنّ القصص كانت، دائماً، تكرّر مثالاً وأنموذجاً أصليّاً أوّل. لقد درس الباحث، في هذا الباب، قصّة الطوفان، وقد بيّن أنّ الطوفان عنصر قارّ في جلّ قصص الخلق؛ فقصص الخلق لا تستقيم إلا في ظلّ ثنائية الهلاك والبعث من جديد؛ فالطوفان ذو طابع كوني، لا تكاد تخلو منه ثقافة من الثقافات. ليس الطوفان، إذاً، «إبداعاً عربياً إسلامياً، ولا خلقاً عبرياً يهودياً، وإنّما هو قديم قدم الإنسان، متجدّد بتجدّده، حاضر حضوراً مكثّفاً في كلّ الأصقاع». (العجيب والغريب، ص201). ولئن نهل المتخيّل الإسلامي من قصص الطوفان البابلي والتوراتي، فإنّه جذّر طوفانه في بيئته العربية الإسلامية؛ فكان الطوفان الإسلاميّ رغبةً في نسف عالم استشرى فيه الفساد، ليحلّ محله عالم جديد.
أمّا الباب الرابع، باب الخلاص، فبحث فيه تطوّر تصوّر الأنثى في القصص، فقد روت القصص، قديماً، أنّ المرأة فساد محض، من لامسها، أو خالطها، نزل الأرض، أو نال عقاب الإله. غير أنّ صورة المرأة في التفسير خضعت إلى عدّة تغييرات؛ فرسمت القصص صوراً للمرأة الفساد: والعة ووالهة، ورسمت القصص، أيضاً، صوراً للمرأة الخيرّة: زليخة وامرأة فرعون، كما رسمت، أيضاً، صورة للمرأة العذراء، يتجلّى فيها المقدّس، وانتهى إلى أنّ المرأة الفساد، حسب القصص، يكون تأثيرها عميقاً في الجماعة، في حين أنّ المرأة الخيّرة لا تأثير لها، فتبقى قداستها وطيبتها مقتصرة على ذاتها. لقد كان المفسّر في إنتاجه لقصصه خاضعاً لتصوّر ذكوري، ولم يكن هذا التصوّر الذكوري خاصّاً بالثقافة العربية الإسلامية، وإنّما كان عامّاً تشترك فيه جلّ ثقافات ذلك العصر. ولم تكن القصص بريئة، وإنّما كانت غايتها التشريع للوضعية الدونية للمرأة؛ بل كانت تحرص على تبرير هذه الوضعية، وقد كانت القصص أفضل وسيلة لذلك، فهي ألصق بالإنسان، وأسهل رواجاً. لقد حرصت القصص على ربط المرأة بالشيطان، فاقترنت صورتها بالإغواء والفتنة؛ ولعلّ هذه الصورة أثرت في أحكام المرأة في الفقه الإسلامي، وحطّت من منزلتها. لقد صوّرت القصص المرأة كائناً شيطانياً تلتصق بها الخطايا كلّها، فهي التّي أغوت آدم منذ البدء، وتكرّرت هذه الصورة في قصص الإغواء كلّها (امرأة نوح ولوط مثلاً)؛ ولذلك فإنّ المرأة الشيطان تأثيرها يمتدّ إلى المجتمع كلّه، أمّا المرأة الصالحة، أو المقدّسة، فلا تأثير لها، وتبقى قداستها مقتصرة على ذاتها.
أمّا الباب الخامس والسادس، فقد خصّصهما للرحلة. فبحث في تصوّرين للرحلة؛ رحلة موسى، ورحلة محمّد؛ فإذا كانت رحلة موسى، في دلالتها، رحلة عقيمة، رحلة في طريق الموت، فإنّ رحلة محمّد كانت حلماً دالّاً على رغبة الإنسان في الانعتاق من فضاء الأرض صعوداً إلى السماء، وصولاً إلى مرتبة الألوهية. ليست الرحلة في القصص بلا معنى؛ بل الرحلة، في كلّ قصّة، هي البحث عن المعنى لتأسيس الوجود. ولئن كانت رحلة موسى، فيما انتهى إليه الباحث، رحلة عقيمة، فإنّها كانت رحلة أثّرت في وجود اليهود لتصبح رحلة المعنى؛ أي رحلة البحث عن الأرض الموعودة. ولئن اختلفت رحلة محمّد عن رحلة موسى، فإنّها، أيضاً، كانت رحلة للبحث عن المعنى؛ فالهجرة كانت رحلةً تشكّلَ من خلالها زمنٌ جديد، وفضاء جديد. أمّا الرحلة السماوية، فإنّها كانت رحلة الانتقال من العالم المدنّس إلى العالم المقدّس.
سعى الباحث، في نهاية عمله، إلى رصد أهمّ وظائف العجيب والغريب، مؤكّداً أنّ العجيب والغريب إبداع بشري صرف، ينموان كلّما ازداد الجهل بالأمر. ويبقى الغريب والعجيب خاضعين لما يعرف النّاس، غير أنّهما قُيّدا وضُبطا بقوانين من لدن المؤسسة الدينية، «فإذا ما تسلّح بهما علماء الإسلام، وباتا طينة طيّعة، يعجنونها فتخرج في قوالب جاهزة، ينشرونها بين الناس». (العجيب والغريب، ص712). فإذا «العجيب والغريب تتمّة للواقع، فهذا كبت لتحقيق الأماني، وذاك باب مفتوح على مصراعيه نحو السماء، حيث تنتفي الرقابة، ويشعر الإنسان بالخلاص من كلّ قيد كبّله في الحياة الواقع». (العجيب والغريب، ص 719).
حاول السعفي النظر في العجيب والغريب، وتجلّياتهما، ووظائفهما، مستنداً إلى منهج المقارنة الداخلية والخارجية للنصوص؛ فدرس تطوّر القصص في الثقافة العربية الإسلامية، وتبيّن التشابه بين القصص العربية الإسلامية، والقصص في التراث الكوني. ولعلّ ميزة الباحث تكمن في سعة اطّلاعه على التراث الكوني، وأساطير بابل ويونان... إنّ البحث في الغريب والعجيب هو بحث في أحلام الإنسان، ورغباته، ومخاوفه، ورُهَابه، فهو، إذاً، بحث في أعمق أعماق الذات البشرية. ولعلّ تفكيك الصور، وتبيّن مصادرها، غايته تعرية الذات البشرية بقصد فهم أفضل لما تحلم به.
غير أنّنا نودّ أن نشير، أخيراً، إلى بعض الملاحظات المهمّة:
أوّلاً: ارتبط العجيب والغريب، عند الباحث، بالغموض والجهل بالشيء؛ فكلّما ازداد جهل الإنسان بأمور مبدئه ومصيره، ازداد إنتاج العجيب والغريب، ونحن نوافق الباحث في هذه النتيجة، غير أنّ هذا الأمر لا يُفسّر لوحده انتعاش المتخيّل في عصر. إنّ المتخيّل مكوّن أنتربولوجي في الإنسان، وهو مكوّن ناشط على الدوام، مادام الإنسان موجوداً، وهذا ما يفسّر، في العصر الحديث، وعلى الرغم من التطوّر العلمي الهائل، أنّ الإنسان الحديث مازال يصنع إنتاجات متخيّلة، لا لجهله بالأمور؛ ولكن لأنّ المتخيّل مكوّن من مكونات الإنسان لا مناص منه.
ثانياً: على الرغم من النتائج المهمّة، التّي توصّل إليها الباحث، لا بدّ من تنسيبها؛ فإذا كانت هذه النتائج تخصّ التراث السنيّ والشيعي الاثني عشري، فإنّها قد لا تنطبق، بالضرورة، على المتخيّل الصوفيّ، أو المتخيّل الشيعيّ النابيّ؛ فقصّة الخلق الصوفيّة قد تختلف، في دلالتها العميقة، عن الدلالات التّي أراد أهل السنّة ترسيخها.
ثالثاً: لغة هذا العمل راقية وطريفة، وقد عكست قدرة فائقة على المغامرة؛ فقارئ الكتاب يشعر بأنّه بصدد قراءة قصّة طريفة آسرة لا يستطيع عنها فكاكاً. غير أنّ الأمر أوقع البحث، في بعض الأحيان، في السردية على حساب اللغة العلميّة الرصينة، فتحوّل النصّ، في بعض الفصول، إلى قصّة طغى عليها الوصف والسرد، وغاب التحليل العلميّ الصارم للقضيّة المطروحة.
أخيراً، العجيب والغريب بحث أراده الكاتب رحلة في أعمق أعماق الذات البشرية، ليكشف أحلامها، ورغباتها، ومخاوفها، وهلوساتها، رغبةً في مزيد فهم ذات الإنسان، فانتهى إلى البرهنة على أنّ الواقع مزيج بين قوّة العاقلة وقوّة المخيّلة، وأنّ قوّة الحضارة تكمن في هذا المزج الرائع بين الخيال والعقل.