العدل السياسي في الخطاب الإسلامي المبكر
فئة : أبحاث محكمة
العدل السياسي في الخطاب الإسلامي المبكر
مقدمة
موضوع هذه المقالة/الدراسة، هو إشكالية العدل بالمعنى السياسي كما تحدد في الخطاب الإسلامي في العصر الوسيط وبالضبط في صدر الإسلام ومن هنا العنصر الأساسي في هذه الأسطر هو مشكلة العدل الذي أخذ المدلول اللاهوتي ومعنى العدل الإلهي، والسياق التاريخي الذي تشكل فيه المفهوم، أو بعبارة أخرى كان تعبيراً عن صراع سياسي على السلطة/ الخلافة، وخاصة بعد قيام الدولة الأموية وظهور الأحزاب السياسية والفرق الكلامية، والتي تحولت إلى طوائف دينية تدافع عن مبادئها السياسية بأدلة دينية؛ أي إن هذه الأحزاب السياسية التي نشأت مباشرة عقب اغتيال الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، انتقلت كُلُّها من ساحة السياسة إلى ساحة الدين، وبالتالي تحول التدافع السياسي إلى صراع أيديولوجي، ومن هنا تغيرت المواقف الفكرية عندما تغيرت المواقع السياسية، ومنه تغيرت النظرة من عديد القضايا التي طرحت في ذلك السياق التاريخي، ومن كل الأحداث التي طرأت عقب وفاة النبي، سواء فيما يتعلق بالحرية والمسؤولية أو كيفية اختيار الخليفة أو الإمام عند مفكري المعتزلة وعند المذهب الأشعري، وكذلك عند منظري الشيعة وفقهاء الخوارج، أو ما تعلق بأحداث من قبيل مؤتمر السقيفة وحروب الردة والنهايات الدامية للخلفاء.
ومن الطبيعي لن يتحول الصراع السياسي الى صراع فكري/إيديولوجي في قضايا وإشكالات تتقاطع مع الدين والسياسة مثل موضوع الحرية والجبر، والمسؤولية والاختيار، خاصة في ظل تعدد الفرق الكلامية كالمعتزلة والأشاعرة والشيعة والخوارج والسنة والمتصوفة، وبالتالي تعدد الفهومات وتعدد التأويلات للنص الديني (القرآن والسنة). والمنهج المتبع في هذه المقالة/ الدراسة هو منهج التحليل التاريخي؛ أي وضع الخطاب في سياقه التاريخي مع القراءة التحليلية/ النقدية.
العدل...في سلم القيم
لسنا في حاجة إلى شرح كبير للقول إن العدل والعدالة هما من القيم الأساسية، سواء في الثقافـة العربية/الإسلامية أو في الواقع الاجتماعي/ السياسي، بل هما في أعلى سلم القيم عند الفقهاء والمتكلمين والفلاسفة؛ فالعدل عندهم هو الدين إن صـحَّ هذا التعبير. فإذا كانت الحرية هي رقم واحد في سلَّـم القيم في الثقافة الليبرالية/الغربية وفي الفضاء الاجتماعي/ السياسي/ الاقتصادي الأوروبي، فإن للعدل مكانة خاصة عند المسلمين والعرب، فهو لم يكن مجرد شعار "العدل أساس الملك"، بل إنه كان من ".. القيـم الأساسية في الصيغة الفقهية الكلامية لنظام القيم في الثقافة العربية/ الإسلامية التي أجمعت الفرق الكلامية والمذاهب الفقهية على التمسك بها، والمطالبة بوضعها في أسمى المقام."[1]، كما ذهب الماوردي وهو الفقيه السياسي الكبير في تحديده للأسس التي تصلح بها الدنيا وتنتظم أحوالها على ستة أسس وقواعد وأحوال هي: الدين المتبع والسلطان القاهر والعدل الشامل والأمن العام، والخصب الدائم، والأمل الفسيح[2]. أما ابن تيمية وهو منظر السياسة الشرعية، فيقول في ما معناه أينما كان العدل فثمة شرع الله، ومن جهته ربط ابن خلدون صاحب كتاب "المقدمة" العدالة بالعمران وقرن الظلم بالفساد، فقد صرح قائلاً: "..الظلم مؤذن بفساد العمران".
والمفارقة الغريبة، أنه رغم هذه المكانة التي يحتلها العدل في الوجدان والعقل عند المسلمين، إلا أنه لا الفقه السياسي، كما عند الماوردي مثلا، ولا السياسة الشرعية كما عند ابن تيمية مثلا، ولا الآداب السلطانية كما عند ابن أبي الربيع مثلا، ولا الفلسفة السياسية الإسلامية كما عند الفارابي مثلا، ولا الاجتماع السياسي كما عند ابن خلدون مثلا، قاربوا هكذا مفهوم العدل بما يستحقه من التنظير والتفكير ولم توقفوا عنده بالدرس والفحص، رغم أنه موضوع، كما قلنا حاز على مكانة خاصة في الفضاء الثقافي/ الاجتماعي، ونال مقاما رفيعا في سلَّـم القيـم.
النتيجة.. لا نجد مفهوم العدل السياسي لا في صريح المنقول ولا في صحيح المعقول![3] وهكـذا يمكننا القول إنه: "....لا توجد نصوص صريحة، لا نصوص الفقه السياسي مثل نصوص الماوردي، ولا في مساجلات المتكلمين، وأقاويلهم التي تملأ المجلدات، لا نجد، لا في هذه ولا في تلك، بحثاً خاصا بالعدل بالمعنى السياسي الدنيوي للكلمة"[4].
ونحن لا نملك غير الاتفاق مع هذه الآراء والانحياز إلى هذه الملاحظات إلى حد كبير؛ لأنه بالفعل وبالقوة، الفكر السياسي العربي رغم امتداده التاريخي الطويل، وبالنظر إلى كثرة الفرق والمذاهب، ومع وجود كـمٍّ هائل من المِلَل والأهواء والنِّحِـل في مساحة جغرافية شاسعة تمتد من حدود الصين إلى حدود فرنسا. ورغم العدد المهول من المجلدات التي غطَّاها الفكر السياسي، سواء في الفلسفة السياسية أو الفقه السياسي أو في علم الكلام السياسي أو في الآداب السياسية، أقول رغم كلّ ذلك، لم يقدم لنا خطابا سياسيا واضح المعالم ومحدد القسمات، ولم يترك لنا تراثا فكريا مذهبيا متناسقًا حول مفاهيم هي من صلب الفكر السياسي، مثل مفهوم العدل، السلطة والدولة وحتى لفظ الشورى لم يكن يحمل معنى سياسيا، بل هو في الأصل وكما ورد في القرآن الكريم هو لفظ يحمل دلالات أخلاقية، يمكن أن نضعه في خانة الأخلاق الحميدة، وبقي لفظ الشورى كذلك حتى القرن التاسع عشر، عندما نفخ فيه الخطاب الإصلاحي العربي روحا أنوارية (فلسفة الأنوار) ودخل القاموس السياسي العربي في القرن العشرين مع ظهور ونشوء الحركات الإسلامية الإحيائية.[5]
وبنــاءً عليـه، لا ننتظر من هذا الركام من الكتابات والنصوص التراثية أن تقدم لنا التنظير الفلسفي للعـدل، ولا الطريقة التي يتحقق بها ولا آليات تنفيـذه، خاصة على المستوى السياسي ونظام الحكم؛ لأن مفهـوم العدل الدنيوي كان غائبا تماما، ليس فقط في الخطاب السياسي، ولكن في الثقافة العربية/ الإسلامية برمتهـا، وعلى العكس من ذلك، كان العدل بالمفهوم الديني/اللاهوتي حاضرا بكثافة في أدبيات المتصوفة والفقهاء وعلماء الكلام والفلاسفة.
ومـن هذا المنطلـق، نـال مفهـوم العدل بالمعنى الديني حظا وافـرًا من النِّقاش والسِّجال والمُحـاججة. وهذا شيء طبيعي إلى حد مـا؛ لأن كل ذلك كان يتمُّ في مناخ ثقافي/فقهي، لم يترك أيّ مجـال للتفكيـر أو البحث أو التساؤل العقلي خارج مجال النقل (النص الديني)؛ أي خارج إطار سياق النظام الابستيمي المُهيمن والمناخ الفقهي المُسيطر. وكيف يكون هناك تفكير فلسفي/ عقلانـي و"...حيث للنَّص الديني سلطان في النَّاس، وحيث الفقه معرفة غالبة وسلك الفقه مشمول بالحماية وجمعهم كبير..."[6]. ولهـذا لا نستغـرب أن يأخذ العدل معنى المساواة في المسؤولية والجزاء والعقاب في الآخرة تحت عنوان بارز هو العدل الإلهـي، وهو الموضوع الذي أثار جدلًا واسعًا عند كافة جماعات الإسلام.
والسؤال الذي نتحرك في إطاره في هذه الدراسة هو: كيف ولماذا تحول الصراع السياسي، في ما يخص مسألة العدل، إلى صراع إيديولوجي/ديني؟
العقل والحرية والمسؤولية
وكما هو متداول في كتب تاريخ الفكر الإسلامي، تشكل الفكر المعتزلي عندما وقع خلاف فكري بين الإمام الحسن البصري (643-728م) تلميذه واصل بن عطـاء(689-749م) في مسألة مرتكب الكبيرة: هل هو كافر أم مؤمـن؟ فكـان جواب الإمـام أنَّـه منـافق، بينمـا كان جواب التلميـذ أنَّه فـاسـق، فهو في مرتبـة وسط بين الإيمـان والكفر، فلا هو مؤمن ولا هو كافر، بل هو في منزلة بين المنزلتيـن. وبعد هذا النقاش، انزوى واصل في إحدى زوايا المسجد. فقال عنه الحسن البصري: "لقد انعزل عنَّا واصل". ومنذ ذلك الوقـت سُمِّي المذهب الذي نادى بـه واصـل ومن تبعـه من الأتبـاع والمريديـن بـالمذهب المعتزليّ.[7]
ولقـد عُـرف رجالات هذه الفرقة في تاريخ الفكـر الإسـلامـيّ بمناصرتهـم الشديدة للعقل وبتركيزهم منقطع النظير على الحريـة، كما سُموا بعدَّة ألقـاب، من بينها أهل التَّوحيد وكذلك بأهل العدل، وهذا اللقب الأخير هو أشهر ألقابهم على الإطلاق؛ لأنه اللقب الذي لازمهم منذ أن كانت أفكارهم الكلامية بسيطة مع واصل بن عطاء إلى غاية أن أصبحت طروحاتهم ممزوجة بالفكر الفلسفي مع إبراهيم بن سيار النظام.
ومن المعروف أن التوحيد والعدل هما من أصولهم الخمسة، والتي منها كذلك المنزلة بين المنزلتين والوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكـر.
والأسـاس الذي تقوم عليه فكـرة العدل الإلهـي عند المعتزلة هو أنَّ الله – يوم الحساب – سوف يُكافئ المحسن بدخوله الجنة، وسوف يعاقب المسيء بأن يتبوأ مكانه في النار، ثم إن المقصود بالعدل هو أن الله لا يفعل القبيح أو لا يختاره ولا يخـلُّ بمـا هو واجب عليه؛ لأنَّ أفعالـه كلهـا حسنـة.
مـاذا يترتب عن هذا الكلام؟
يترتب عليه أن ما يقوم به الناس من أفعال قبيحة؛ أي أفعال الشر مثل اقتراف الذنوب وارتكاب الجرائم وممارسة القهر السياسي والظلم الاجتماعي، هي كلها أفعال صادرة عن الناس، وتمت باختيارهم وبإرادتهم الحرَّة. وبالتَّالي، فهم مسؤولون عما يترتب عن هذه الأفعال من نتائج، ومن المنطقي ومن المعقول أنهم سوف يحاسبون عليها يوم الحساب. والله تعالى قد أكـد في كثير من الآيـات أنَّ: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرّا يراه." فكل أعمال الإنسان سوف توزن بميزان العدل. وبلغة المعتزلة وعلى حسب أصولهم، فإن الله تعالى قد أوجب العدل على نفسه، وسيفي بوعده بالمكافأة، وسينفذ وعيده بالعقاب يوم القيامة. وعلى كلّ الناس، وبلا استثناء. فالكلُّ سيخضع للحساب، الغني والفقير الحاكم والمحكوم، الظالم والمظلوم.[8]
وبناء عليه، يرفض المعتزلة فكرة أنَّ الله "حرٌّ" في أفعاله وتصرفاتـه في الدنيا والآخرة. فقد يعاقب المُسيء وقد يعفو عنه. ففي اعتقادهم، أنَّ هذا لا يجوز؛ لأنـه في هذه الحالة إذا عفـا الله عـن المُسيء، فإنَّ العدل يتطلب أن يعفو عن كل مُسيء مثلـه. وبالتالي يصبح الثواب والعقاب مسألة لا معنى لهـا.
والحقيقة التي يقرُّهـا معظم الباحثين أنَّ المعتزلة أعملوا العقل في فكرة العدل الإلهي، وحاولوا التنظير الكلامي/ الفلسفي في تحديد العلاقة بين الفعل الإلهي والفعل الإنساني. معنى هذا الكلام أنَّ العدل الإلهـي لا ينسجـم مع مضمون العقيدة الإسلامية، إلا إذا تضمَّـن تحديد هذه العلاقة بطريقـة تتجسَّد فيها القدرة الإنسانية على حرية الاختيار في الأفعال والتصرفات؛ لأن وجود الاختيار يؤدي إلى قيام المسؤوليـة؛ أي أهلية الإنسان/الفرد ليسأل عن أفعاله، وعندما يأتي يوم الحساب يكون الثواب أو العقاب على حسب هذه الأفعال؛ أي مترتبا على هذه المسؤولية نفسها.
والحقيقة أن المعتزلة قدموا لنا تفسيرًا في غاية المعقوليـة لمفهوم العدل الإلهي؛ لأنه بالفعل إذا كان الإنسان غير مخيَّـر في ما يفعل، كان بالتالي غير مسئول عما يترتب على هذه الأفعال من نتائج، سواء أكانت نتائج إيجابية (خير) أم نتائج سلبية (شر).
كما أنَّ الإنسان، إذا لم يكن مسؤولاً كانت المكافأة والثواب بـاطلتين، ولا معنى لهما. وكان العقاب ظلمـا بيِّـنـا. وفي هذه الحالة يصبح الباطـل والظلم نوعـا من أنواع الشَّـر، ومن غير المعقول أن يصـدر عن الله الشَّـر.
وهكذا فللعـدل الإلهـي عنـد المعتزلـة وضـع خاص يقوم على معادلـة عقلية منسَّقـة منطقيا، تتأسس على قاعـدتين:
- قاعدة أنَّ الشَّـر لا يصـدر عن الله.
- وقاعـدة أنَّ الثواب والعقاب على فعل لا اختيار فيه، هما شـر.
لكن القاعدة الكبرى والأساس التي كانت المنطلق الواقعي غير المنظور لتصور مفهوم العدل كما تصوّره المعتزلة هي قضية حريَّـة الإنسـان في أفعـالـه.
وهنا يلاحظ الربط الشديد الذي أقامه المعتزلة بين المسؤولية والحريـة، فلا معنى للمسؤولية دون حريَّة الإنسان في الاختيار بين الفعل والترك. ولكن ما هي الأسباب التي دفعت المعتزلـة إلى مناصرة الحريَّـة هذه المناصرة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الفكر الإسلامي؟ [9].
لقد تبنَّـى علمـاء المعتزلة إيديولوجيـا الاختيار لمناقضـة إيديولوجيا الجبر التي كانت تُروِّج لها الدولة الأمويـة بعد تأسيسهـا مباشرة عقب أحداث دامية عُرفت في التَّاريخ الإسلامي بـالفتنة الكبرى انتهت بقيـام الدولـة الأموية ونهاية الخلافـة الراشدية وليس هذا فحسب، بل وانقلاب الخلافة إلى ملك عضوض.
وبالتالي كانت السلطة الأموية الناشئة تفتقد إلى الشرعيَّة وتنقصها المشروعية. فما كان منها إلاَّ تبني إيديولوجيا الجبر. بمعنى ترويج فكرة أنَّ ما حدث من إراقة للدمـاء انتهت بوصول معاوية بن أبي سفيان إلى سدَّة الحكم، هو قضاء وقدر ومكتوب، ولا دخل للإنسان فيه؛ لأن الفاعل الحقيقي هو الله. فكل ما حدث وما سيحدث هو بإرادة الله ومشيئته. ومن يعارض ذلك كأنما يعارض إرادة الله !! ومن يعارض الله هو كافر!![10].
هذا هو البعد السياسي لإيديولوجيـا الاختيار في مواجهة إيديولوجيا الجبر. أمَّـا البعـد الاجتماعـي، فهو أنَّ جلَّ علماء المعتزلة كانوا من الموالي، وهؤلاء كانوا في المجتمع الأموي أقلَّ مرتبة وأحـطَّ شأنـا من الفئات الأخرى، وفي هذا الصدد يقول باحث معاصر: ".. ليس من المصادفة أن معظم مفكري المعتزلة، بل أعظمهم شأنـا في عالم الفكر وأكثرهم تمسكا بقضية العقل وقضية حرية الإنسان ورفض فكرة القضاء والقدر. كانوا من تلك الفئة الاجتماعية التي يسمى ناسها "الموالي"، وهم الذين يعدون في مرتبة من المجتمع العربي حينذاك أدنى من مرتبة غير الموالي، إمَّـا لأنهم كانوا أرقـاء، أو لأنهم استرقـوا بالأمر، أو لأنهم كانوا تابعين لإحدى القبائل بحِلـفٍ يكون فيه الضعيف للقوي إلى حدّ الذوبان، حيث يصبح تابعا له حتى في النَّسب. فأيّ مفكر كبير من مفكري المعتزلة لم تلتصق باسمه صفـة "مولى فلان" أو "مولى قبيلـة" أو "العشيرة الفلانية" حتى في أيام مجده الفكري في حياته...و لابـد أن ذلك كان يشعره بانتقاص مكانته الاجتماعية، وليس بعيدا أن يؤثـر مثل هذا الشعور في شيء من اتجاهاته الفكرية دون أن يكون واعيا بذلك..".[11]
وسوف يتداخل البعد الاجتماعي مع البعد السياسي، ويظهر ذلك جليًّا في مواقفهم من أحداث عصرهم وبصورة أخص من وقائع الفتنة الكبرى، ولهذا لا يحتاج المرء الى ذكاء كبير ليلاحظ: "اتفاقهم على تخطئة معاوية في محاربة علي بن أبي طالب.[12] ورفضهم لسياسة الخليفة الثالث عثمان بن عفان القائمة على اللاعـدل؛ لأنه منح المناصب والامتيازات المادية ومغانم الفتوحات لأفراد عائلته وعشيرته المُقربين دون سواهم من المسلمين والعرب. وفي هذا الصدد يقول ابن الحديد في كتابه "شرح نهج البلاغة": ".. أنَّـه كان أوطـأ رقـاب النَّـاس وولاهـم الولايات، وأقطعهـم القطائع، وفتحت أرمينيا في أيامه فأخذ الخمس كلّه فوهبه لمروان، وحمى المراعي كلها من مواشي المسلمين إلاّ عن بني أميَّـة، وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت مال المسلمين.."[13]
كمـا كـان للمعتزلـة موقف واضح من مشكلة الخلافـة، يقترب كثيرا من موقف الخوارج، وهو أنه ليس شرطـا أن يكون الإمام من قريش. وليس هذا فحسب، بل ذهب بعض المعتزلة أبعد من ذلك وقالوا: "إذا اجتمع قرشي وأعجمي وتساويـا في الفضل، فلا بـدَّ أن يتولى الإمـامـة الأعجمـي؛ لأن الأعجمي أقل عشيرة وقبلية من القرشي. وهذا موقف "ديمقراطي" متقدم يُحسَـب للمعتزلـة. أمَّـا موقفهم من السلطة السياسة، فهم يؤكدون على "الثورة" والخروج على الحاكم، ولكن بشرط توفر الإمكان والقدرة، وهذا يجعلنا نفترض مجرد افتراض أنَّ المعتزلة كانوا يفكرون في السلطة وكيفية الوصول إليها، ولو بوسائل القوة والغلبة والشوكة.
بطبيعة الحال إذا كانت الظروف الموضوعية والشروط الاجتماعية والتاريخية تساعد على ذلك، وبلغة العصر إذا توفرت الحالة الثورية والقوى الاجتماعية التي تحمل على عاتقها المشروع الثوري.
نستنتج من كلّ ذلك أنَّ الفكر المعتزلـي لم يكن فكرً مثالي يحلق في سماء الميتافيزيقا، والدليل أن مفهـوم العدل الإلهي لم يخلو من دلالات اجتماعية ولا حتى من أبعاد سياسية. وزيـادة في التوضيـح، نقول إنَّ المعتزلـة، وهم يضعون الأسس العقلانية والمنطقية لمفهوم العدل الإلهـي، كانوا يفكرون في نفس الوقت في دلالات العدل الدنيوي، ولكن ليس العدل كما يفهم اليوم بمعنى النظام السياسي ديمقراطي.
خلاصة القول، لابـدَّ في أيِّ عمل سياسي من وجود إمـام. ولابدَّ في تنفيذ الأحكام الشرعية من وجود إمـام، ولابـدَّ أن يكـون الإمـام عـادلا في كل الحالات ومهما كانت الظروف.
وهكـذا نستطيع اكتشاف العلاقـة في تفكير المعتزلة بين المفهوم الميتافيزيقي للعدل والمفهوم الواقعي للعدل، المتمثل في سلطـة عـادلـة سياسيًا واجتماعيا.[14]
ومما لا شك فيه أنَّ العقلانيـة الاعتزاليـة كما تمثلت في كلامهم ومناقشاتهم للعدل، ولو بالمعنى الإلهـي/الميتافيزيقي شكَّلـت خطـوة متقدمة قياسا بالفرق والمذاهـب الكلاميـة الأخرى التي كانت تعـجُّ بها السَّاحة الثقافية في ذلك الوقت. ولكن هذه العقلانية كانت محدودة بحدود النظام المعرفي السائد، وفي داخل الثقافة الدينية، وعلى حسب ما تسمح به السلطة السياسية الحاكمة.[15]
الفعل من الله...والكسب من الإنسان
تبلورت مبادئ المذهب الأشعري الذي أسَّسـه الإمـام أبو الحسن الأشعري (873-941 م) ليكون ردًّا إيديولوجيـا على مذهب الاعتزال ليكون معبِّـرا عن أهـل السنَّـة في علم الكلام وعن السلطة السياسية الجديدة المتمثلـة في الخليفـة العباسي المتوكل الذي فـكَّ الارتباط بين الدولة العباسية ومذهب واصل بن عطاء سنة 849 م بعد أن كان هذا المذهب هو المذهب الرسمي للدولـة في عهد الخليفة المأمون ابن هارون الرشيـد.[16]
ولقـد طـوَّر هذا المذهـب علمـاء كبـار من بينهم القاضي أبي بكر الباقلانـي الذي وضع المقدمـات العقليَّة التي تتوقف عليها الأنظار والأدلَّـة وهـذَّب الطـريقـة.
ومثــل بقيَّـة الفـرق الكلاميـة كانت للأشاعـرة مواقف وآراء في كلِّ القضـايـا المعروضـة على طاولة النقاش، والتي من بينهـا قضيَّـة العدل الإلهـي. فمـا هو رأيهـم في ذلك؟
العـدل بالنسبة إلى الأشاعرة هو التَّصرف في الملك على مقتضى القدرة والمعرفـة. وحيث إنَّ الله لا يعمـل إلاّ وفـق علمـه وقدرتـه، وكلّ شيء سواء أكان خيراً أم شـراً يحدث طبقـا لذلك العلـم وتلك القدرة، من حيث ذلك؛ فالله عادل في فعله من حيث إنَّـه فاعـل لما يريـد ومـا يشاء، غير فـاعل لـما لم يرد. وهكـذا، فالله قادر على التَّصرف في ملكه، كيف يشاء ويريـد؛ لأنَّ العجز لا ينسجـم مع مفهـومـي الألوهية والكمال الإلهي. والكمال يتطلب أن يكون الله فاعـلا لمـا يريـد. ولا شيء يمنعه من ذلك. وهو بالتالي خالق كلّ شيء، هذا هو العدل ولا ظلم هناك ولا جور. لذلك يستحيـل أن يكون في الدنيـا أو في الآخرة شيء لم يرده الله تعالى من نفع أو ضـرر، أو من رزق وأجل وطاعة ومعصية؛ وهكذا فالله خالق الشَّر مثلما أنَّـه خـالـق الخير؛ لأنَّ الله لا تضبطـه شريعـة، ولا يقيِّـده قـانون مثلمـا ضبط الشريعة للناس ويقيِّدهم قانون. فالله يتصرف كما يشاء دون مساءلـة من أحـد. كمـا أنـه لا يليـق أن يكون معنى "العدل الإلهـي" مثل "العدل الوضعـي". وهناك فكرة يركز عليها الأشاعرة هي أنَّ خلـق الشيء لا يؤثـر في ذات الخالق.."[17] وبعبـارة أخرى، الله خـالـق الظـلـم ولكـن ليس بالضروري أن يكـون ظـالـمـا كما أنـه خالـق للكفـر وأسبابـه، ومع ذلك، من غير المعقول أن نسميَّـه كـافـرا ! كما أنـه خـالـق للطاعـة، ومع ذلك لا نسميـه مطيعـا. وبنـاء عليـه، لا يرى الأشاعـرة تناقضا في وجود الشَّر في هذا العالم، ونسبته أي نسبة هذا الشَّر الموجود إلى الله سبحانه وتعالى.
وغنـيٌّ عـن البيـان القول إنَّ هناك اختلافا واضـحا بين المعتزلة والأشاعرة. فالله عند المعتزلة لا يفعل إلاّ الخير، ويراعي مصالح العباد وإلاَّ كان سفيها ظالما متعسفا، ولكن حاشا أنَّ يكون الله تعالى كذلك؛ لأنه في البداية والنهاية الله ليس بظلاَّم للعبيد؛ لأن الإنسان يمتلك من جانب الإرادة، القدرة على الاختيار بين عدَّة أفعال متناقضة بين الفعل أو الترك. بين الخير والشر، والله بذلك بريء من ما يقوم به الإنسان من أفعال وأحداث؛ فالإنسان مسؤول عن أفعاله خير أم شر ومسؤول عما يترتب عنها من نتائج إيجابية أم سلبية، وبالتالي هناك استقلال الإرادة الإنسانية. أمَّا الله عند الأشاعرة، فهو صاحب الإرادة والمعرفة اللتين تسبقان كلَّ شيء موجود تنزيها له عن الشريك في الخلق.
ومن هذا المنطلق، رفض الأشاعرة فكرة وجوب فعل الأصلح على الله تعالى؛ لأنَّ الله قادر على كلِّ شيء، قادر على جعل كلّ الناس تؤمن به، وقادر على إدخالهم جميعُا الجنَّة لأنه مطلق الإرادة ولا شيء واجب عليه، ولكنه لم يفعل لأنه مطلق الإرادة ولا شيء واجب عليه. وهكذا يمكن القول إنَّ المؤمن يكون مؤمنا؛ لأن الله هيَّأ له أسباب الإيمان، والكافر يكون كافرا؛ لأنَّ الله هيَّـأ لـه أسبـاب الكفر.
ومعنى هذا الكلام، أنَّ الله سبحانه وتعالى يخلق أسباب الهداية وأسباب الضلال، ولكنه يساعد الإنسان على الإيمان. أمَّا الكافر، فهو يختار الكفر بإرادتـه، فهو يتجه إليه بالإرادة والاختيار. أمَّـا الله، فيأتي منه الضلال. وبعبارة أخرى، يرى الأشاعرة أنَّ الفعـل من الله، والكسب من الإنسان. ليس خالقـا لأفعـالـه، كما يقول المعتزلـة. فهذا الكلام ينطوي على الشّرك؛ لأنَّ الله هو الخالق الحقيقي للأفعال، والإنسان لا يملك منهـا إلاَّ الكسب، وبصياغة أكثر وضوحًا، الله يخلق القـدرة المطلـقة والاستقلال بالأمـر. والله هو الذي يقول للشيء كـن فيكون، وكل شيء في الأرض من خير وشر هو بمشيئة الله.
وما يلاحظ على المذهب الأشعري، هو أنه أراد أن يكون وسطـا بين دعـاة الجبر ودعاة الاختيار من النَّاحية اللفظيـة، وإن كان من الناحية الفكرية أقرب إلى الجبر حتى لا نقول هو الجبر نفسه. وفي هذا المجال يقول ابن حزم الأندلسـي الظاهري: "..إنَّ موقف الشاعـرة من حرية الإنسـان لا يختلف عن الجبر لأنَّه لا يثبـت للإنسـان الاختيار بتعبيـر صريـح..".[18]
المصحف والسيف ...و الجبر
كمـا أكـدنـا في فقـرة سابقـة، أنَّ مشكلـة العدل ولو بالمعاني والدلالات الدينية / الميتافيزيقية تحمل في طيَّاتها مدلولات سياسية؛ لأنه في هذا السياق التاريخي كان الكلام في العقيدة الإسلامية يقود مباشرة الى الكلام في السياسة، ولا يخفى على أحد بأنَّ السياسة لعبت دورا مهمًّا في المُضي بالمناظرات الفكرية قُـدمـًا، نظرًا للترابط الوثيق في الإسلام المبكر بين الشؤون الدينية والشؤون السياسية.
وكما هو معروف، فلقد "..انبثق أول صراع سياسي خطير في الإسلام كانت له أبعاد فكرية كبرى عن النِّزاع حول الخلافة أو الإمامـة الذي احتـدم إثر وفاة عثمان بن عفان الخليفة الثالث بين أنصار علي بن أبي طالب وأنصار معاوية بن أبي سفيان".[19] فـوقعت معركة صفين بين الطرفين انتهت بقبول التحكيم وانقسام جيش علي بن أبي طالب إلى خوارج، مرجئة وشيعة. وبعدها اغتال الخوارج الخليفة علي بن أبي طالب، ثم قامت الدولة الأموية في خضم هذا الصراع السياسي الدامي. ومن البديهي القول إن حكم بني أميَّـة قام على شرعية السيف. ومن أجل تثبيت سلطتهم مارسوا صنوفًا من البطش والقهر ضد المعارضين من الشيعة والخوارج، وكانوا يبررون ذلك بأن أفعالهـم، إنما هي قضـاء وقدر من الله، وأنَّ الله هو الذي ساق إليهم الحكم وكتب عليهم ما ارتكبوه من عنف مفرط، فهم لم يتصرفوا إلاَّ حسب ما أراده الله. ولهذا، فإنهم لـن يعاقبـوا في يوم الحساب! الشيء الذي يعني أنهم في الدنيا مسلمون مؤمنون لا يجوز قتالهم ولا الخروج عليهم."[20]
إنَّ إيديولوجيا الجبر هي الإيديولوجيا الرسمية للدولة الأموية إنها المبرر الفكري للانقلاب التاريخي الذي وقع، انقلاب الخلافة الراشدية إلى ملك وراثي عضوض.
فالاستيلاء على السلطة بالقوة والقهر والدهاء والسيف وحده لا يكفي لاكتساب الشرعية وضمان استمرار الطاعة.
ولهذا، لابد من غطاء يضفي شرعية على النظام ويوفر له القوة والسند؛ ذلك أن الاعتماد على محض ".. السيف لا يجدي في صراع ليس من أدواته السيف، بل يشهر سلاح الفكر عندما تكون قوى المعارضة لا ترفع السيف، وإنما تحارب بواسطة الكلام. ولهذا لجأت الدولة الأموية إلى إيديولوجيا الجبر إلى سيف تسوِّغ بها استبدادها بالسلطة في مقابل إيديولوجيا الحرية التي تبنتها بعض قوى المعارضة الكلامية.[21]
ما يسترعي الانتباه في هذا المضمار، أنَّ مشكلة الخلافة هي مشكلة سياسية بالدرجة الأولى، أدت إلى انقسام المسلمين إلى فرق ومذاهب وتيَّارات فكرية/سياسية كلامية، وهذه الفرق أو بتعبير أدق الأحزاب السياسية، انتقلت كلها من الساحة السياسية إلى الساحة الدينية، وبلغة أكثر وضوحا لجأت إلى أدلَّـة دينية للدفاع عن مواقفها السياسية/الإيديولوجية.
وبمـا أن َّ موضوع هذا البحث هو العدل بالمعنى السياسي، فإننا سنحاول استعراض نموذج من المواجهات الإيديولوجية المعارضة للسلطة السياسية الحاكمة.
الإمامة ..ركن من أركان الدين
الشيعة هم أنصار الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب[22]، الذين ناصروه وأيَّدوه وشايعوه بعد قبوله التحكيم. وقالوا إنَّه الأحقَّ بالخلافة بعد وفاة الرسول الكريم، نظرا لكفاءته وبلائه في الإسلام وسبقه لاعتناقه، وأيضا لقرابته من الرسول وتربيته على يده، ولكن الأمر انتهى بتعيين أبي بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب.. وعندما قُتِل عثمـان، وجد أنصار علي أنَّ الوقت قد حان لتولي الخلافة، ولهذا انتصروا له وشايعوه وبايعوه، وتمسكوا بموقفهم حتى النهاية عكس الخوارج.[23] ولقد انضم إلى المذهب الشيعي أنصار كثيرون من الفرس والعرب "الموالي" والشعوب الأخرى التي دخلت الإسلام. وكان له عبر العصور علماؤه وفقهاؤه وأئمته الكبار الذين تركوا تراثًا فكريًا شيعيًا امتزجت فيه السياسة بالفقه والكلام بالتَّصوف والهرمسية بالفلسفة.[24]
ومن الكلمات المفاتيح في الفكر الشيعي: الوصية، العصمة، الرجعة والمهدي المنتظر. ونظرا للاضطهاد الكبير الذي تعرَّض له الشيعة من طرف النظام السياسي الرسمي، اتخذوا أسلوب التُقيَّـة، ومعناه إخفاء المعتقد الشيعي وإظهار عكسه حتى تحين الفرصة لإظهاره.[25] وكالعادة انقسم الشيعة كما هو معروف إلى فرق متعددة، أشهرها الزيدية والإمامية، كما تفرَّع الزيديون والإماميون بدورهم إلى فروع وأقسام شتى.
وتتفق جميع فرق الشيعة، على أنَّ الإمامة ليست من المصالح المرسلة الموكلة إلى نظر العامة، بل هي من المسائل الأساسية. فهي ركن من أركان الدين، لا يجوز إغفاله أو تفويض أمره إلى الجماعة، بل عليهم أن ينصوا عليه صراحة. فلابدَّ والحالة هذه من التزام الأمة بمبدأ النَّص والتعيين في اختيار الإمام ونصبه دون المبايعة التي اصطلح عليها أهل السنَّـة والجماعة منذ خلافة أبي بكر(632-634م)، ولمَّا كان هذا الإمام معصوما عن الخطأ والزلل، لم يكن أمام الأمة سبيل إلى تكفيره أو خلعه كما زعمت الخوارج، بل منصب الإمام واجب لا تخلو الأرض منه" فاستحال أن تنقطع سلسلة الأولياء (الأوصياء) الذين هم سرُّ الأنبياء، فإذا انقطعت فلابدَّ من الافتراض أنَّ الإمام في غيبة، وأنَّه لابد أن يرجع في آخر الزمان "ليملأ الأرض عدلا، كما ملئت ظلما وجورا.."[26].
ولم يكتف الشيعة بهذا الحد من الرفع في شأن الإمام، بل ذهبوا أبعد من ذلك؛ إذ أكدوا أنَّ الإمام هو المعلم المعصوم المؤهل دون سواه لتأويل النصوص الشرعية، من هنا إطلاق اسم "التعليمية" على بعـض فـرق الشيعـة، ولاسيما الإسماعيلية في حقبة لاحقة.
فلا غرو والحالة هذه، أن تتنكر الشيعة تاريخيا لمبدأ الإجماع المناقض لمبدأ التعليم، وتعمد إلى رفع الإمام إلى أسمى مراتب التبجيل والتعظيم البالغة في بعض الأحيان مرتبة الألوهية. [27] واضح من هذا النَّص، أننا أمام فكر يقدس منصب الإمامـة، ولا يترك أي مجـال للاختلاف أو المعارضة، كما أننا لا نعرف الحدود الفاصلة بين الدين والسياسة، بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وهذا يتناقض تماما مع الفكر الديمقراطي المعاصر الذي يقوم على الفصل بين السلطات، وعلى الانتخابات الحرة والنزيهة، وعلى مبدأ المواطنة، والمواطنة بدورها لا معنى لها في النظام الديمقراطي بدون الحريات والحقوق.
زيادة في التوضيح، نقول إن التشيَّع بدأ في شكل حزب سياسي، زمن الحرب الأهلية أو كما يسميها طه حسين بالفتنة الكبرى أو كما تعرف في الخطاب العربي المعاصر بمشكلة الخلافة، ومن أتون الصراع السياسي/ العسكري ظهر الشيعة، وفي الحقبة الزمنية الممتدة من سنة 61ه إلى غاية 160هـ (من قيام الدولة الأموية إلى غاية تأسيس الدولة العباسية).
أقول هذه الحقبة الزمنية كانت كافية أن يتحول التشيع من حزب سياسي إلى مذهب فقهي ومن جماعة سياسية/عسكرية إلى طائفة دينية، في مقابل طوائف أخرى مثل السنة والخوارج. ونظراً للارتباط الشديد، في تكوين الفكر الشيعي وتشابك مفاهيمه وآلياته، بين الدين والسياسة، بين التاريخ والأسطورة، بين المقدس والمدنس. فليس غريباً، أن يقول الشيعة الاثنى عشرية، بمفاهيم سياسية ملفوفة في بطانة دينية من قبيل الوصية، باعتبارها جزءا أساسيا من مهام الإمام؛ أي إن الإمام، لا يحق له أن يترك الأمة بدون الوصية لمن يخلقه ..والوصية، هنا، تأخذ كل معاني العدل والرفق بالضعفاء والتمسك بالأمل.[28]
ولهذا يقترن عند بعض غلاة الشيعة، الإمام بالنبي، فكما أن النبي يمثل العدل والسلام، فكذلك الإمام؛ لأن كليهما مختار من الله. ومادام كالأمر كذلك، فالإمام معصوم. ومن المفاهيم الأساسية كذلك عند الشيعة مفهوم المهدي الذي يمثل بالنسبة إلى المظلومين والمضطهدين، الخلاص من الظلم ونهاية الاضطهاد، فالمهدي المنتظر هو المخلص المبعوث من السماء!
وما يلاحظ في النسق الشيعي، أن هناك ارتباطا بين مفهوم المهدي ومفهوم الرجعة؛ فالإمام الذي قُتل لم يقتل، بل إنه غائب وسيعود في المستقبل ليحقق مالم يتم تحقيقه في الماضي. وهنا يصبح المهدي رمزاً لرفض اليأس من ناحية وللتمسك بالأمل من ناحية أخرى.
ومن منظور مختلف عن الشيعة الاثنى عشرية، ترى الشيعة الزيدية أن الإمامة لا تقوم على مبدأ الوصية والنص، بل حق كل فاطمي تتوفر فيه شروط، أهمها شرط الخروج؛ أي بلغة العصر الثورة. فالفاطمي الثائر هو من يستحق الإمامة. ومن هذا المنطلق، رفض الزيديون مبدأ التُقية؛ لأنه في نظرهم نوع من أنواع الخنوع للسلطة الحاكمة والخضوع للأمر الواقع والاستلام للظلم والرضا بالاستبداد.[29]
ومن الأفكار التي تستحق أن نتوقف عندها، خاصة وأن لها علاقة وطيدة بمفهوم العدل السياسي عند الشيعة الزيدية، هي فكرة أو نظرية جواز إمامة المفضول، رغم وجود الأفضل، الإمام المفضول هنا هو أبو بكر الصديق والأفضل هنا هو على بن أبي طالب، وتم اختيار أبي بكر؛ لأن القيادة السياسية تتطلب تحقيق المعادلة الصعبة، وهي المرونة، الليِّونة مع الحزم والحسم، والدهاء مع المكر، وهذا ما كان يفتقده الإمام بن أبي طالب.
مسألة أخرى لابد أن نأخذها في الحسبان هي أن اختيار الخلفاء في صدر الإسلام تم حسب موازين القوى السائدة وقتذاك، وهذا ما حصل بالضبط مع الخليفة الأول أبي بكر، والخليفة الثاني عمر بن الخطاب، والخليفة الثالث عثمان بن عفان، ولهذا تأخر دور علي بن أبي طالب كثيرا؛ لأنه لم يكن يحظى بإجماع قبيلة قريش، أو بعبارة أخرى لم يكن شخصية توافقية تقبل بها جميع القوى السياسية الموجودة آنذاك من النصار والمهاجرين، ثم إنه كانت تعوزه في شخيصته خصائص هي من صميم الممارسة السياسية مثل الدهاء والمكر وبلغة العصر الكولسة؛ أي حياكة المؤامرات والدسائس، والقيام بحملة انتخابية مسبقة !![30]
إذن، ما يميز النسق الشيعي الزيدي، أنه اعترف بخلافة كل من أبي بكر وعمر وعثمان، وهذا على العكس تماماً من الشيعة الرافضة، الذين لا يعترفون بخلافة هؤلاء الشيوخ، والذين كانوا من السابقة في الإسلام.
هذا من جانب ومن جانب آخر يعتقد الزيديون بأن الإمامة، بعد النبي كانت من حق علي بن أبي طالب وحده لا يشاركه في هذا الميراث أحد، مهما كانت صفته. وفي نفس الاتجاه يرى الإمام الباقر بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أن الإمامة ليست من حق أيّ كان، بل هي محصورة في سلالة الحسين بن علي؛ أي إنها هنا ليست مسألة وصية ونص فقط، بل إنها مسألة وراثية لا علاقة لها، لا بالمفضول ولا بالأفضل.
هذا من جانب، ومن جانب أخرى، يرى الباقر بن على بن الحسين، أنه ليس شرطاً في الإمامة، الخروج أو الثورة، أو أي شيء من هذا القبيل، بل لابد من الالتزام بمبدأ أساسي عند الشيعة عامة هو مبدأ التقية، المرفوض عند الزيديين فقط. ولكن مبدأ التُقية هنا يأخذ معنى تكتيكي أي السكوت عن الخروج مؤقتاً حتى تتهيأ الظروف ويتم الإعداد للثورة بشكل جيد من حيث إعداد الأنصار وحشد المؤيدين وراء الإمام باعتباره القائد الروحي، وباعتباره كذلك- وهذا هو الأهم- المنقذ من الظلم والمخلص من الاضطهاد.[31]
خلاصة القول، إن الإمامة عند الشيعة ليست مسألة متروكة للعامة والدهماء يختارون فيها حاكمهم بإرادتهم، ولا هي قضية شورى أي الخاصة من أهل الحل والعقد، لاختيار الخليفة، بل إنها أمر مقدس، وشأن من شؤون السماء. لا دخل للبشر فيها، وبالأخص لا دخل للعامة فيها.
وكيف يكون للعامة وللبشر رأي في أمر إلهي ! فالله هو الذي نص على شخص الإمام. هكذا أخذت الإمامة في المعمار الشيعي مكانة تضاهي مكانة النبوة، إن لم نقل تتفوق عليها ! فالله يختار الأئمة كما يختار الأنبياء. وما دام الأمر كذلك، فليس هناك أي اعتبار للأمة، فهي لا تستشار ولا تُرشح ولا تختار ولا تعيِّن، بل إنها مطالبة فقط بطاعة الإمام![32]
الحكم لله.. لا للرجال
كان الخوارج في البداية من أنصار علي، وكانوا يعتقدون أنَّ الحق بجانبه، وليس بجانب خصومه ولكنهم خرجوا من صفوف جيش العراق، وبعبارة أصح تمردوا على الخليفة الرابع، عندما قبل مبدأ التحكيم.
والحقيقة، أن الخوارج انشقوا من الحزب السياسي للإمام علي بن أبي طالب، وأسسوا حزبهم السياسي الخاص بهم، اعتقادا منهم أن مجرد قبول علي للتحكيم يعتبر تفريطا في الحق التاريخي للخليفة علي بن طالب، فعرضوا عليه التراجع عن ذلك الصلح، والتوبة من "كفره" الذي سقط فيه، لكن الخليفة الرابع ما وجد في قبول الصلح كفرا، وما تراجع عن مبدأ الصلح، وعندئذ خرجت تلك الجماعة من صفوف جيش الخلافة. وسُموا منذ ذلك الوقت بـالخوارج، وتميَّز موقفهم السياسي بالراديكالية والتطرف وموقفهم العقائدي بالتشدّد، كما انتهجوا أسلوب الاغتيال السياسي والتصفية الجسدية والإرهاب السياسي والفكري، واستخدموا سلاح التكفير منعا للتفكير! ليس فقط ضد كل من يخالفهم الرأي، وكل من يسير في الاتجاه المعاكس لاتجاههم بل ضد كل من ليس معهم، طبقا لمنطق من ليس معنا فهو ضدنا ![33]
و لم تشذ جماعة الخوارج عن قاعدة التشرذم والانقسام مثلها مثل سائر الجماعات في الاسلام. وهكذا انقسموا إلى فرق وجماعات عديدة تختلف في الدرجة وليس في النوع. أشهرها جماعة الأزارقة وجماعة الإباضية. وكما هو معروف انتشر الخوارج في الخليج العربي وشمال افريقيا. ومن الناحية العقدية/الفقهية كان لهم معمار فقهي/عقائدي خاص بهم.
وما يهمنا هنا في هذا السياق هو موقفهم من مسألة الخلافة، التي يرون أنها مهمة يوكل أمرها إلى سائر المسلمين، ولذلك فهي لابد أن تقوم على قاعدة الاختيار الحر للخليفة بين سائر المسلمين، ولهذا يجب إسقاط كل اعتبار عنصري في هذا الاختيار كما يقتضي بذلك الإسلام. فليس من شروط تولي منصب الخلافة أن يكون "المترشح" من هذا الجنس أو من ذاك اللون، بل فقط أن يكون مسلما عادلًا، ويحكم بما أمر الله تعالى. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فلا يجوز للخليفة بعد تعيينه، التنازل" عن الحكم وإلا اعتبر خارجا عن أمر الله الذي يقضي برعاية الحق والعدل. ويجب على الإمام الالتزام بالعـدل، وإلا وجب عزلـه[34]، وبعبارة أفصح، وزيادة في التحليل نقول إن الخوارج خالفوا الشيعة في مسألة الخلافة؛ لأنهم حصروها في الإمام علي بن أبي طالب وأولاده وأحفاده. كما خالفوا أهل السنَّة في حصر الخلافة في أهل وأبناء قريش؛ لأنَّ ذلك يتناقض مع جوهر الإسلام. وبناءً عليه، يمكن أن يتولى الخلافة من غير بني هاشم وقريش والعرب بوجه عام، بل يمكن أن يكون عبدا حبشيا.[35]
وبعبارة أخرى الخلافة للأمة والأمة فوق الخليفة. ولهذا يجب على الأمة أن تختار لتولي هذا المنصب الخطير كل من تراه جديرا وهذا لرعاية مصالحها وإدارة شؤونها. ومن حق الأمة حين يخالف ويخرج الخليفة عن رعاية الصالح العام، ويرعى فقط مصالحه الشخصية الضيِّقـة؛ ففي هذه الحالة، ليس فقط يجب عزله وخلعه...كما أشرنا إلى ذلك آنفا بل يجب قتله! ولهـذا رفع الخوارج شعارات تنسجم مع موقفهم الإيديولوجي مثل شعار "الحكم لله...وليس للرجال" وشعار "الحق حق الله". وكذلك تتفق مع مبادئهم، وخاصة مبدأ الخلافة/ الإمامة ليست ركنا من أركان الدين الذي يتناقض مع لب الفكر الشيعي.
وبسبب فكرهم "الثوري" ومبدأهم "الديمقراطي" في مسألة الخلافة وجمعهم بين الإيمان والعمل، وجدت جماعة الخوارج نفسها تناصر الضعفاء والبسطاء، وتقف إلى جانب انتفاضة المظلومين ووفق القاموس السياسي الماركسي "ثورة العمال والفلاحين"، وكل الذين عانوا من قمع السلطة الأموية التي كان يجسِّدها ميدانيا رجل ارتبط اسمه بالبطش والإرهاب هو حاكم العراق الحجاج بن يوسف الثقفي.[36]
صحيح أن للخوارج مواقف "ثورية" متقدمة على كثير من معاصريهم، لكن منطق التكفير والقتل والاستعمال المفرط للعنف وممارسة الإرهاب، كان وبالاً على الإسلام وعلى المسلمين. كما أن موقف الخوارج "الديمقراطي" يتضمن تناقضا صارخا، فهم من ناحية يرون أن أي مسلم يحق له أن يكون هو الخليفة، ولكنهم من ناحية أخرى يكفرون كل من ليس معهم، باعتبارهم الفرقة الناجية !!
السلطة...إما الجيش أو قريش
والحقيقة التي لا مراء عليها أنَّ مسألة الخلافة وأصول الحكم في الإسلام هي من المسائل الخلافية والقضايا الشائكة التي لابدَّ أن يكون فيها اجتهاد؛ لأنه من المعروف أنَّ النص الديني ممثلاً في القرآن والسنَّـة لم يحدّدا من يكون حاكما على المسلمين ولا مدَّة الحكم، ولا من يخلفه في حالة الوفاة أو العزل، أو لأيّ سبب من الأسباب. فهناك ما يمكن أن نسميَّـه بلغة العصر بـالفراغ الدستوري[37] وهذا الفراغ هو الذي دفع بكثير من المفكرين الإسلاميين، منذ نهاية القرن التاسع عشر بالبحث عمَّا يوازي الديمقراطية في التراث العربي/الإسلامي، فلم يجدوا إلا مبدأ الشورى، وحتى هذا المبدأ الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، هو مبدأ عام مطلق غير محدَّد، فليس من شأنه أن يعتبر ذا وضع تشريعي يقرر الطابع الخاص بنظام الحكم في الإسلام، فمثلاً النص الواضح الذي ورد فيه هذا المبدأ هو قوله تعالى: ".. وأمرهم شورى بينهم..". إنَّ هذا النَّص لا يدل على تشريعية المبدأ؛ لأنه لم يرد في السياق التشريعي في الآية، بل ورد خلال وصف "أخلاقية" المؤمنين و"سلوكياتهم"، وهو أي هذا النَّص يخلو من الدلالة على كونه خاصا بنظام الحكم.."[38]
وبالفعل مبدأ الشورى، كما ورد في النَّص القرآني لم يكن مبدأً تشريعيا إلزاميّاً، بل هو مبدأ أخلاقي يغلب عليه الطابع الاستشاري وحتى ما يسمى بجماعة الحل والعقد بالنسبة إلى الخليفة هي جماعة استشارية، ولا تملك سلطة القرار. فالسلطة الفعلية هي بيد الخليفة، فهو صاحب القرار الحقيقي، وقد يأخذ برأي هذه الجماعة وقد لا يأخذ به- إن وُجدت هذه الجماعة أصلاً-وليس بخافٍ على أحد أن هذه الهيئة الاستشارية لم تُوجد على الإطلاق في التاريخ السياسي الإسلامي، منذ قيام الدولة الأموية وإلى غاية سقوط الخلافة العثمانية السنية.
ثم هناك مسألة جديرة بالتوقف عندها، وهي ".. أنَّ الشورى التي أخذ بها في تعيين الخلفاء الراشدين لم تحكمها قواعد قانونية لأنه ولو كان الأمر كذلك لكان من المستبعد أن يجري اختيار الخليفة على نحو ما جرى في اختيار الخلفاء الراشدين من اللجوء إلى اعتبارات بعضها يرجع إلى منافسات أسرية أو قبلية أو فئوية، إذا لم نقل "شبه طبقية"، وبعضها يرجع إلى مواقف ذاتية، وبعضها إلى نوع من الشورى "الفوقية" التي حصرت "أهل الشورى" في أشخاص محدودين، كان معروفا سلفا أنهم لـن يتفقوا على الأكثر كفاءة فيهم لمنصب الخلافة لما كان بينهم من خصومات سياسية، ومن مواقف ترجع من جهة إلى طموح كل منهم إلى المنصب، وترجع ـ من جهة ثانية ـ إلى اتفاق الأكثرية سلفاً على إبعاد علي بن أبي طالب عن قيادة دولة الخلافة."[39]
وعلى كل حال، فالحكم والسلطة في الإسلام خضعا طوال التاريخ الإسلامي لمنطق القوة والشوكة والغلبة وبلغة ابن خلدون العصبية، منذ أن تحولت القبيلة العربية الى دولة وإلى غاية إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية السنية من طرف الجنرال التركي مصطفى كمال عام 1924م [40]، بل إن منطق القوة استمر حتى في حقبة الاستقلاليات في الخمسينيات والستينيات قيام دولة ما بعد الاستعمار في الوطن العربي؛ أي الدولة الوطنية التي حكمها وما يزال يحكمها، طبقة سياسية تعود أصولها إلى قبيلة قريش أو تنتسب إلى مؤسسة الجيش، سواء في المملكات حيث القبيلة أو الجمهوريات حيث العسكر، وبعبارة أدق أن الممسك بزمام السلطة في العالم العربي قديما أو حديثا، إما المؤسسة العسكرية؛ أي الجيش أو المؤسسة التقليدية؛ أي العشيرة أو القبيلة التي تنتسب إلى قريش. وبعبارة أخرى، إما الاستناد في السلطة السياسية على الشرعية التقليدية أو على شرعية القوة، وكلاهما يحكم الناس بمنطق شعار ابن جماعة السياسي "..من اشتدت وطأته وجبت طاعته...".
المصادر والمراجع:
- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة. تحقيقي محمد عبد الكريم النمري. دار الكتب العلمية ط 1 ج1 بيروت 1998
- ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل. تحقيق أحمد شمس الدين. دار الكتب العلمية ج1. ط 2 بيروت 1999
- إبن قتيبة الدينوري: الإمامة والسياسة. تحقيق خليل المنصور. دار الكتب العلمية ط 1. بيروت2001
- أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين. تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. المكتبة العصرية. ج 2. بيروت 1999
- الإمام الطبري: تاريخ الأمم والملوك. المجلد الثالث. دار الكتب العلمية. ط 2 بيروت. 1988
- برهان غليون: نقد السياسة. الدولة والدين. المركز الثقافي العربي ط 4. الدار البيضاء 2007 المغرب.
- حسين مروة: النزعات المادية في الفلسفة العربية / الإسلامية. دار الفارابي ج1 ط5 بيروت 1985.
- خليل داود الزرو: الحياة العلمية في الشام في القرنين الأول والثاني للهجرة. دار الآفاق الجديدة ط 1 بيروت 1971
- رضوان السيد: مفاهيم الجماعات في الإسلام. دار التنوير ط1 1984
- عبد الإله بلقزيز: حصيلة العقلانية والتنوير في الفكر العربي المعاصر. مركز دراسات الوحدة العربية.ط1 بيروت 2005
- علي الشابي، أبو لبابة حسن وعبد المجيد النَّجار: المعتزلة بين الفكر والعمل. الشركة التونسية للتوزيع ط2 تونس 1986
- علي أومليل: الإصلاحية العربية والدولة الوطنية. المركز الثقافي العربي ط 1 الدار البيضاء 1985
- علي مبروك: النبوة، من علم العقائد إلى الفلسفة التاريخ. دار التنوير ط1. بيروت 2007
- فهمي جدعان: المقدس والحرية. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1 بيروت 2009
- ماجد فخري: مختصر تاريخ الفلسفة العربية. دار الشورى. ط1 بيروت1981.
- محمد عابد الجابري: قضايا في الفكر المعاصر. مركز دراسات الوحدة العربية. ط 1 بيروت 1997
- بوزيد بومدين وآخرون: الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة (ندوة). مركز دراسات الوحدة العربية. ط1 بيروت 2005
- هنري كوريان: تاريخ الفلسفة الإسلامية ترجمة نصير مروة وحسين القبيسي. منشورات عويدات، ط3 بيروت 1983
- محمد عابد الجابري: العقل السياسي العربي. مركز دراسات الوحدة العربية. ط 2 بيروت 1992
[1]- محمد عابد الجابري: قضايا في الفكر المعاصر.مركز دراسات الوحدة العربية. ط 1 بيروت 1997 ص ص 72 و73
[2]- فهمي جدعان: المقدس والحرية. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1 بيروت 2009 ص 117
[3]- المرجع نفسه ص 75
[4]- المرجع نفسه ص 73
[5]- علي أومليل: الإصلاحية العربية والدولة الوطنية. المركز الثقافي العربي ط 1 الدار البيضاء 1985 ص6
[6]- عبد الإله بلقزيز: حصيلة العقلانية والتنوير في الفكر العربي المعاصر. مركز دراسات الوحدة العربية. ط1 بيروت 2005 ص07
[7]- حسين مروة: النزعات المادية في الفلسفة العربية / الإسلامية. دار الفارابي ج1 ط5 بيروت 1985 ص 632
[8]- علي الشابي، أبو لبابة حسن وعبد المجيد النَّجار: المعتزلة بين الفكر والعمل. الشركة التونسية للتوزيع ط2 تونس 1986 ص ص 43 و44
[9]- علي الشابي: المرجع نفسه ص ص 3 و4
[10]- ماجد فخري: مختصر تاريخ الفلسفة العربية. دار الشورى.ط1بيروت1981. ص 24
[11]- حسين مروة: المرجع نفسه ص 765
[12]- أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين. تحقيق محي الدين عبد الحميد. المكتبة العصرية.ج2.بيروت 1999 ص ص456 و457
[13]- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة. تحقيقي محمد عبد الكريم النمري. دار الكتب العلمية ط 1 ج1 بيروت 1998 ص 66
[14]- حسين مروة: المرجع نفسه ص767
[15]- ماجد فخري: دراسات في الفكر العربي.دار النهار للنشـر. ط3 بيروت 1982 ص 79
[16]- حسين مروة: المرجع نفسه ص862
[17]- المرجع نفسه ص 95
[18]- ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل. تحقيق أحمد شمس الدين. دار الكتب العلمية ج1. ط2 بيروت 1999 ص 22
[19]- ماجد فخري: مختصر تاريخ الفلسفة العربية. المرجع نفسه. ص19
[20]- خليل داود الزرو: الحياة العلمية في الشام في القرنين الأول والثاني للهجرة. دار الآفاق الجديدة ط 1 بيروت 1971 ص147
[21]- بوزيد بومدين وآخرون: الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة. مركز دراسات الوحدة العربية. ط1. بيروت 2005 ص 279
[22]- رضوان السيد: مفاهيم الجماعات في الإسلام.دار التنوير ط1 1984بيروت ص 59
[23]- حسين مروة: المرجع نفسه ص477
[24]- المرجع نفسه ص ص 493 و494
[25]- هنري كوريان: تاريخ الفلسفة الإسلامية ترجمة نصير مروة وحسين القبيسي. منشورات عويدات ط3 بيروت 1983 ص66
[26]- المرجع نفسه ص 94
[27]- المرجع نفسه ص 95
[28]- محمد عابد الجابري: العقل السياسي العربي. مركز دراسات الوحدة العربية. ط 2 بيروت 1992 ص 283
[29]- المرجع نفسه ص 292
[30]- المرجع نفسه ص 292
[31]- المرجع نفسه ص 292
[32]- علي مبروك: النبوة، من علم العقائد إلى الفلسفة التاريخ. دار التنوير ط1. بيروت 2007. ص 130-131 و132
[33]- حسين مروة: المرجع نفسه ص509
[34]- المرجع نفسه ص 912
[35]- ابن قتيبة الدينوري: الإمامة والسياسة. تحقيق خليل المنصور. دار الكتب العلمية ط 1. بيروت 2001 ص 204
[36]- الإمام الطبري: تاريخ الأمم والملوك. المجلد الثالث. دار الكتب العلمية. ط 2 بيروت. 1988 ص 115 116 و117
[37]- برهان غليون: نقد السياسة. الدولة والدين. المركز الثقافي العربي ط 4. الدار البيضاء 2007 المغرب. ص 54
[38]- حسين مروة: المرجع نفسه ص 398
[39]- حسين مروة: المرجع نفسه ص 398
[40]- نصر حامد أبو زيد: الخطاب والتأويل. المركز الثقافي العربي ط 2. الدار البيضاء 2005 المغرب ص 162 و163 و164